الثلاثاء، 2 يوليو 2019

كتاب: الجامع في الرد على المدخلي من خلال أشرطته !




من أحسن ما كُتب في هذا الباب جزى الله مؤلفه خير الجزاء
 الموضوع الأصلي : كتاب: الجامع في الرد على المدخلي من خلال أشرطته 





 لتحميل الكتاب :
كتاب: الجامع في الرد على المدخلي من خلال أشرطته

المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد r، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
لقد اطلعت على الكتاب القيم: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً: نظرات سلفية في آراء الشيخ ربيع المدخلي) لمؤلفه صالح بن عبد اللطيف النجدي ([1])، فألفيته كتابا موفقا مسددا في بابه، عادلا منصفا في عرضه ومناقشاته، إلا أن المؤلف -زاده الله سداداً وتوفيقاً- قد اقتصر في كتابه على عرض آراء الشيخ الدكتور ربيع بن هادي المدخلي من خلال ما وقف عليه من كتبه فقط، ولم يتعرض لما هو مسجل في أشرطته، التي وصفها بأنها أشد وأفظع ([2]) -وقد صدق فيما قال، فقد استمعت إلى كثير من أشرطته المسجلة- فرأيت أنه لابد من كشف حالها ونقد ما فيها، نصحا للشيخ ربيع -هدانا الله وإياه- لعله يتراجع عن أخطائه ومبالغاته، ومعذرة إلى الله تعالى، وتحذيرا لمريديه ولمن يقرأ ويستمع له لئلا يغتروا بها ولعلهم يرجعون، ودفاعا عن منهج أهل السنة والجماعة، وذبا عن منهج السلف وعلماء الأمة، فقمت بتأليف هذا الكتاب، وأسميته:
(الجامع في الرد على المدخلي من خلال أشرطته)
إن موضوع هذا الكتاب هو أشرطة الشيخ ربيع المدخلي، فهو مكمل للكتاب السابق (انصر أخاك...)، وقد حرر فيه مؤلفه تعريفا موجزا بالشيخ، فأحيل عليه.
إن الهدف من هذا الكتاب هو معرفة آراء ومنهج الشيخ ربيع المدخلي، من خلال نقل كلامه بحروفه كما نطق به في محاضراته المسجلة في الأشرطة، ونقد أخطائه الظاهرة، والكشف عن مجازفاته وتناقضاته، وبيان مخالفته لكبار العلماء، وغلوه في الحكم على مخالفيه، وقد تحريت في كل ذلك الدليل والبرهان والعدل والإنصاف والموضوعية.
ولكن، لماذا الشيخ ربيع المدخلي؟ لأنه رمز لأتباعه، وزعيم مطاع فيهم، وكثير من أتباعه يغلون فيه، ويتعصبون له، فإذا تبينتْ حالُه عرف أصحابه حقيقة ما هم عليه.
وإذا كان الشيخ -هداه الله- يرفض بشدة منهج الموازنات في النقد ([3]) - فلا حرج عليّ إن عاملته بميزانه الجائر من باب إلزامه بمنهجه، لاسيما وأن موضوع هذا الكتاب هو النقد الذي لا يلزم منه ذكر الحسنات.
والذي ترجح لَديّ من خلال قراءتي في كتبه واستماعي لأشرطته، وحضور بعض محاضراته ومجالسه أنه شيخٌ من جملة المشايخ السلفيين، وهو على عقيدة ومنهج أهل السنة والجماعة في الجملة، وعنده غَيْرةٌ شديدةٌ على التوحيد والسنة، وكرهٌ شديد لأهل البدع، وهو طالب علم، ولكنه ليس بعالم في نظري، بل لا يبلغ مد العالم ولا نصيفه، ولكن يستفاد منه في تخصصه، والشيخ ليس بمعصوم ولا هو ممن يدعي العصمة لنفسه، فهو كغيره من طلبة العلم يؤخذ من كلامه ويترك، وقد وجدت عنده اضطرابا كبيرا في عدد من المسائل العلمية في العقيدة والأحكام وغيرهما، وعنده عجلة مذمومة في الفتوى، وخللٌ ظاهرٌ في تنزيلِ الأحكام الشرعية على الوقائع.
وظهر لي أن الشيخ يعاني مما يسمى بـ (عُقْدة المؤامرة) التي تضخمت عنده إلى حد كبير، وتسببت في إساءته الظن بالدعاة وطلبة العلم و(شباب الصحوة الإسلامية)، بل وحتى العلماء الكبار وولاة الأمر([4])، لقد أفسدت عليه تلك (العقدة) فهمه وتصوره لكثير من الأمور العلمية والعملية، كما أن الشيخ يتصف بحدة بالغة تجاه مخالفيه من أهل التوحيد والسنة، ولو كانت مخالفتهم له فيما يسوغ الاختلاف فيه، وتصل به حدته إلى درجة البغي والجور والإسفاف، ليته جعل معشاره للروافض والصوفية والأشاعرة المجاورين له في مكة والمدينة، ومما يؤخذ عليه أيضاً أنه أقحم نفسه فيما هو في عافية منه، وتولى كِبْرَ فتنةٍ عريضةٍ ما كان ينبغي له الخوض فيها فضلاً عن تزعمها، وقد أساء لنفسه بذلك، وأساء للدعوة السلفية ودعاتها، وينبغي على الشيخ -وهو في آخر عمره الآن- أن يصلح ما أفسد، وأن يحث طلاب العلم على الاشتغال بما ينفعهم وينفع الدعوة السلفية ويجمع صفوفها ودعاتها، وأن يحذرهم من كل ما يفضي إلى تفريق شمل أهل التوحيد.

أشرطة الشيخ ربيع:
لقد اجتهدت في جمع أشرطة الشيخ من دور التسجيلات والأفراد، فلم يجتمع لدي إلا نحو خمسين عنوانا في حدود سبعين شريطا، أكثرها محاضرات، ومنها ندوات ولقاءات، وبعضها كلمات قصيرة في مجالس عامة، ومنها أجوبة على أسئلة يغلب عليها التكرار، وبعض الأشرطة مكرر بعنوان آخر، أو مقتطع من شريط آخر، وأحيانا يكرر المحاضرة بالعنوان نفسه في أكثر من مكان، وحرصت على توثيق مصدر كل شريط، وتاريخه، ومكان المحاضرة، ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وقد كانت مهمة صعبة جداً، لأن أشرطة الشيخ مبعثرة هنا وهناك، وغير منظمة، ولكن الله تبارك وتعالى يسر وأعان، فله الحمد والمنة، وقد سردت قائمة بعناوين الأشرطة التي تناولها هذا الكتاب في قائمة المصادر، وأكثرها من تسجيلات منهاج السنة بالرياض، وتسجيلات سبيل المؤمنين بالدمام، ومن بعض الأفراد، وإن فاتني شيء منها، فهو يسير لا يكاد يذكر فيما أحسب، ومن الملحوظ لأول وهلة عند استعراض قائمة الأشرطة واستماعها أنها في غالبها محاضرات أو ندوات أو كلمات عامة أو أجوبة على أسئلة تدور على موضوعات معينة، ولم أجد في أشرطته دروساً علمية منهجية تأصيلية البتة، مما يدل على خلل وقصور شديدين في منهجه الدعوي والتعليمي، فطريقته تختلف عما جرى عليه عمل أهل العلم والدعوة السلفية في أبرز ما يمتازون به، ألا وهو العناية بالعلم وتدريس كتبه والاهتمام بالمتون، ولا يزال العلماء وكبار طلبة العلم والدعاة مستمرين في دروسهم العلمية، وأشرطتهم منتشرةٌ ومتداولة، ويحرص طلبة العلم على اقتنائها وسماعها، ولا يكاد يعرف شيخ أو أستاذ متميز في فن من الفنون إلا ويتهافت عليه طلاب العلم في مسجده، ويسجلون دروسه في الأشرطة، وتنتشر بين طلاب العلم وفي دور التسجيلات.
ومن المعلوم أن تلاميذ الشيخ وأتباعه يعدونه عالما كبيرا ورمزا عظيما من رموز الدعوة السلفية المعاصرة، ولكنه في الواقع لم يكن ممن يشتغل بالتدريس والمحاضرات في المساجد إلا نادرا -اللهم إلا في وظيفته في الجامعة الإسلامية- حتى إن طلاب العلم في المدينة كانوا يشتكون منه، فلا يكاد يستجيب لهم في درس من الدروس خارج الجامعة، وإذا حصل أن استجاب لهم في درس فإنه سرعان ما ينقطع ولا يستمر فيه، أما إلقاء المحاضرات العامة في المساجد فإنه لم ينشط فيها إلا بعد فتنة الغزو العراقي للكويت الذي وقع في شهر المحرم من عام 1411 هـ، وأكثر المحاضرات والندوات التي وجدتها له كانت بعد هذا التاريخ، ثم إذا ما قارنت بين أشرطته وأشرطة الذين يشنع عليهم من الدعاة البارزين، وجدت بونا شاسعا بينه وبينهم، وستجد أن أشرطتهم أفضل من أشرطته كمّاً وكيفاً، وهم أصغر سنا منه، فعلى الشيخ أن يراجع نفسه فيما مضى من عمره، وأن يكف عن التجريح والوقيعة في طلبة العلم، وأن ينصرف إلى تدريس ما يحسنه من العلم النافع، فهذا خير له ولأتباعه مما هم فيه لو كانوا يعلمون.
خطة هذا الكتاب:
نظرا لتنوع الموضوعات والمسائل التي تناولها الشيخ في أشرطته، فقد جعلت لكل موضوع أو مسألة فصلا مستقلا، وضممت بعض المسائل المتقاربة في موضوعاتها في فصل واحد، وعنونت له بما يناسبه، وقد بلغت فصول الكتاب أربعين فصلاً، جعلتها بعد هذه المقدمة في خمسة أبواب، وقد رتبتها على النحو التالي:
الباب الأول: علم الشيخ ربيع المدخلي وخُلُقه، وفيه أربعة فصول:
1- فصل في: علم الشيخ ربيع.
2- فصل في: غروره بنفسه.
3- فصل في: رداءة أسلوبه.
4- فصل في: شدته على خصومه.
الباب الثاني: مقالاته في مسائل عقدية وعلمية متنوعة
وفيه ثمانية عشر فصلا:
5- فصل في: العقيدة والمنهج.
6- فصل في: توحيد الأسماء والصفات.
7- فصل في: توحيد الحاكمية.
8- فصل في: التكفير.
9- فصل في: التبديع.
10- فصل في: الإنكار على الولاة.
11- فصل في: الخروج على الحاكم.
12- فصل في: الأدب مع الصحابة رضي الله عنهم.
13- فصل في: الفرقة الناجية والطائفة المنصورة.
14- فصل في: معنى رؤية النبي r القلبية لربه تبارك وتعالى.
15- فصل في: الرد على أهل البدع.
16- فصل في: الخوارج.
17- فصل في: الروافض.
18- فصل في: الصوفية.
19- فصل في: المطلق والمقيد.
20- فصل في: المذاهب الأربعة.
21- فصل في: دفن النبي r.
22- فصل في: التمثيل والأناشيد.
الباب الثالث: آراؤه في القضايا والأحوال المعاصرة، وفيه تسعة فصول:
23- فصل في: منهج الموازنات.
24- فصل في: فقه الواقع.
25- فصل في: المجالس النيابية (البرلمانات).
26- فصل في: المجلات الإسلامية.
27- فصل في: الجامعات.
28- فصل في: موظفي الحرم المكي.
29- فصل في: السياسة ورجالاتها.
30- فصل في: حكام العرب.
31- فصل في: الكويت وما يجري فيها.
الباب الرابع: أقواله في العلماء والدعاة وطلبة العلم، وفيه خمسة فصول:
32- فصل في: أقواله في بعض العلماء المتقدمين.
33- فصل في: أقواله في بعض العلماء المعاصرين.
34- فصل في: موقفه من المشايخ والدعاة الذين يخالفهم.
35- فصل في: موقفه من الدعاة وطلبة العلم.
36- فصل في: موقفه من شباب الصحوة والمنكرين على الولاة.
الباب الخامس: موقفه من الجماعات الإسلامية وقادتها ومفكريها، وفيه أربعة فصول:
37- فصل في: الجماعات الإسلامية عموما.
38- فصل في: جماعة الإخوان المسلمين، والتبليغ، والقطبية السرورية.
39- فصل في: تبديعه حسن البنا والمودودي رحمهما الله.
40- فصل في: تبديعه وتكفيره سيد قطب رحمه الله.
ثم الخاتمة، والمصادر، والفهارس.
منهج الكتاب:
جمع آراء ومقالات الشيخ ربيع المسجلة في أشرطته، وكتابتها بالنص كما نطق بها، دون زيادة أو نقصان.
إحالة كل قول إلى شريطه.
تبويب مقالات الشيخ ربيع في تراجم تناسبها.
توضيح ما يتضمنه كلامه، ونقده نقدا علميا موضوعيا، وقد أكتفي بعدم التعليق عليه لوضوح ما فيه من الخطأ.
الكشف عن منزلته في العلم والدعوة.
بيان خطورة آرائه وأخطائه على الدعوة السلفية.
لقد شجعني على تأليف هذا الكتاب ما ذكره الشيخ نفسه في أحد أشرطته، حيث قال: (وإذا وجدتموني مخطئاً ظالماً في شيء فأنا مستعد -والله- أقبل من طالب في الثانوي وفي المتوسط، أقبل النصيحة) ([5])، وقال أيضاً: (رُدّ على ربيع، رُدّ على محمد بن هادي، رُدّ عليهم بالعلم)([6])، ومن محاضراته محاضرة بعنوان: (النقد منهج شرعي)، وما هذا الكتاب إلا نقد لمقالات الشيخ ربيع وأفكاره المبثوثة في أشرطته، فليتقبله الشيخ وأتباعه برحابة صدر، وهو مكمل لما أغفله الكتاب الأول الذي سبقت الإشادة به، وأرجو أني قد وفقت فيما كتبت، والله من وراء القصد.
وكتب /أبو عبد الله النجدي
صفر 1426هـ



الباب الأول
علم الشيخ ربيع المدخلي وخُلُقه
وفيه أربعة فصول:
فصل في علم الشيخ ربيع.
فصل في غروره بنفسه.
فصل في رداءة أسلوبه.
فصل في شدته على خصومه.



1 - فصل في علم الشيخ ربيع
رأيت البدء بهذا الفصل لأهميته، كالمقدمة لما بعده، لأنه يبين مكانة الشيخ ربيع في العلم، ويضعه في منزلته التي تناسبه، وليتسنى للقارئ تفسير أخطائه التي سيأتي نقدها في الفصول الآتية.
فمن خلال استماعي لأشرطة الشيخ ترجح لدي أنه لا يحضر لمادتها التحضير الكافي، ولا يستعد لها الاستعداد المطلوب، لدرجة أنه يغلط كثيراً في قراءة الآيات القرآنية، ويتعجل في إصدار الأحكام، مما يوقعه في الاضطراب والتناقض، ثم إنه يطرح أفكاره وآراءه المتشددة في عدد من المسائل الاجتهادية الكبيرة والخطيرة بطريقة مرتجلة غير علمية، ويجنح في ذلك إلى التعميم وعدم التفصيل، والقطع الجازم وليس الترجيح، ولا يذكر أدلة علمية مقنعة واضحة، ثم يبني عليها مواقفه المتشنجة المتصلبة، ويهمل في المقابل أدلة المخالفين ويستخف بهم ويشكك في نواياهم وربما إذا سئل عن مسألة لم يجب عليها بوضوح وتحدث عن موضوع آخر، ويتحدث كثيراً بالعامية.
أولا: القرآن الكريم:
ولعل أول ما نبدأ به في أشرطة الشيخ هو القرآن الكريم، فقد لحظت أن الشيخ فاحش الغلط في قراءة الآيات القرآنية وسبب ذلك عدم حفظه القرآن، وكان الأولى به أن يكتب الآيات التي يريد الاستشهاد بها في محاضراته، ولكنه لا يحضر لها، وإليك أخي القارئ بعض النماذج من أخطائه في أشرطته:
نماذج من أخطائه في قراءة الآيات القرآنية
شريط (أهمية التوحيد-1): قرأ: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ * إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة:132] والصواب: {... ويعقوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ...}.
شريط (لقاء طلبة العلم في الرس): قرأ: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال * والثمرات} [البقرة: 155]، والصواب: {من الأموال والأنفس والثمرات}.
شريط (ندوة عن الجهاد مع ابن جبرين): قرأ: {أنزل عليك الكتاب -إلى قوله-... وما يتذكر إلا أولوا الألباب} [آل عمران: 7]، والصواب: {يذّكر}.
شريط(المخرج من الفتن - 1): قرأ:{ما كان لبشر أن يَأتيه [بفتح أوله] الله الكتاب والحكمة * ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله...} [آل عمران: 80 ]، والصواب: {... أن يُؤتيه [بالضم] الله الكتاب والحكم والنبوة...}.
شريط(المخرج من الفتن - 1): قرأ:{... ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تتلون الكتاب وبما كنتم تدرسون} [آل عمران: 80 ]، والصواب: {... بما كنتم تُعلِّمون الكتاب...}.
شريط (المخرج من الفتن - 1): قرأ:{ولا يأمُرُكم [بضم الراء] أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا...} [آل عمران: 81 ]، والصواب: {ولا يأمُرَكم [بفتح الراء]...}.
شريط (صفات الأبرار -1): قرأ:{فاستجاب لهم ربهم إِني [بكسر الهمزة] لا أضيع عمل عامل منكم...} [آل عمران: 195]، والصواب: {... أَني...} بفتح الهمزة.
شريط (صفات الأبرار-1): قرأ:{لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار * نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار} [آل عمران: 198]، والصواب: {... خالدين فيها نزلا من عند الله}.
شريط (الشباب ومشكلاته): قرأ:{وإذا جاءهم أمر من * الخوف أذاعوا به}[النساء: 83]، والصواب:{.. أمر من الأمن أو الخوف..}.
شريط (الشباب ومشكلاته): قرأ:{وإذا جاءهم أمر من الأمن -إلى قوله- ولو ردوه إلى الله والرسول} [النساء: 83]، والصواب: {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم..}.
شريط (الاعتصام بالكتاب والسنة)، وتكرر في شريط (وجوب الاتباع لا الابتداع)، وشريط (ندوة عن الجهاد مع ابن جبرين - 1): قرأ: {ومن يشاقّ الرسول من بعد ما تبين له الهدى...}[النساء: 115]، والصواب: {يشاقق}.
شريط (لقاء مفتوح في جدة - أ): قرأ: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالحق ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما} [النساء: 135]، والصواب: {... قوامين بالقسط شهداء لله...}.
شريط(منهج الأنبياء في الدعوة): قرأ:{وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم * نرفع درجات من نشاء}[الأنعام: 83]، والصواب:{إبراهيم على قومه}.
شريط (الاعتصام بالكتاب والسنة): قرأ: {المص.كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج مما أنزل إليك} [الأعراف: 1-2]، والصواب: {فلا يكن في صدرك حرج منه}.
شريط (أهمية التوحيد-1): قرأ: {وليأتينهم من بين أيديهم * وعن شمائلهم، ثم لا تجد أكثرهم شاكرين} [الأعراف: 17]، والصواب: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}.
شريط (الاعتصام بالكتاب والسنة): قرأ: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي * وأن تشركوا بالله ما} [الأعراف: 33]، والصواب: {والبغي بغير الحق وأن..}.
شريط (منهج الأنبياء في الدعوة): قرأ: {أتجادلونني في أسماءَ سميتموها} [الأعراف: 71]. قرأ {أسماء} بفتح الهمزة الأخيرة، والصواب بالكسر منونة.
شريط (لقاء طلبة العلم في الرس): قرأ: {قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا * ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير} [الأعراف: 188] والصواب: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ}.
شريط (غربة التوحيد والسنة): قرأ: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون}[التوبة: 33، والصف: 9]، والصواب: {المشركون}.
شريط (أهمية التوحيد-1): قرأ: {أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ * فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} [يونس: 31]، والصواب: {وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ}.
شريط (الاعتصام بالكتاب والسنة): قرأ: {واتبع ما يوحى إليك * حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين} [يونس: 109]، والصواب: {واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله...}.
شريط (مناظرة عن أفغانستان): قرأ: {إني اتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق...} [يوسف: 38]، والصواب: {واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب...}.
شريط (مناظرة عن أفغانستان): قرأ: {ءأرباب متفرقون * أم الله الواحد القهار...} [يوسف: 40]، والصواب: {ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار}.
شريط (منهج الأنبياء في الدعوة): قرأ: {يا صاحبي السجن ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار. ما تعبدون من دون الله إلا...} [يوسف: 39-40]، والصواب: {من دونه}.
شريط (الاعتصام بالكتاب والسنة): قرأ:{ما تعبدون من دون الله إلا أسماء سميتموها * ما أنزل الله بها من سلطان}[يوسف: 40]، والصواب:{ما تعبدون من دونه إلا أسماءً سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان}.
شريط (منهج السلف في الدعوة إلى الله): قرأ:{إن الحكم إلا لله أمر ألاّ تعبدوا إلا الله}[يوسف: 40]، والصواب:{.. أمر ألا تعبدوا إلا إياه}.
شريط(أهمية التوحيد): قرأ:{فيصيب بها من يشاء من عباده وهم يجادلون في الله}[الرعد: 13]، والصواب:{.. من يشاء وهم يجادلون..}.
شريط (الاعتصام بالكتاب والسنة): قرأ: {ألا بذكر الله تلين القلوب} [الرعد: 28]، والصواب: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.
شريط (فضل العلم وأهميته): قرأ: {ضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمأنة يأتيها رزقها * من كل مكان} [النحل: 112]، والصواب: {... رزقها رغداً...}.
شريط (لقاء مع فضيلته في جدة): قرأ: {إن الزنا كان فاحشة وساء سبيلا} [الإسراء: 32]، والصواب: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة...}.
شريط(منهج السلف في الدعوة إلى الله): قرأ:{واذكر في الكتاب إبراهيم إنه * صديقاً نبياً}[مريم: 41]، والصواب:{إنه كان صديقا نبيا}.
شريط (منهج السلف في الدعوة إلى الله): قرأ: {فإن لم تنته يا إبراهيم لأرجمنك واهجرني مليا} [مريم: 46]، والصواب: {قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا}.
شريط(وجوب الاتباع لا الابتداع)، وتكرر في شريط (الرد على جماعة التبليغ): قرأ:{تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الجبال هداً}[مريم: 90]، والصواب:{وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا}.
شريط(أهمية التوحيد-1): قرأ:{وَمَا أَرْسَلْنَا * مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء:25]، والصواب:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ...}.
شريط (منهج السلف في الدعوة إلى الله): قرأ: {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتهوي به الريح أو تخطفه الطير} [الحج: 31]، والصواب: {... فتخطفه الطير أو تهوي به الريح}.
شريط (منهج السلف في الدعوة إلى الله): قرأ: {... قال هل ينفعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون} [الشعراء: 69-73]، والصواب:{..هل يسمعونكم إذ تدعون..}.
شريط (أهمية التوحيد-1)، وشريط (من القلب إلى القلب-1): قرأ: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ * فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [الزمر: 2]، والصواب: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ}.
شريط (من القلب إلى القلب-1): قرأ الآيات: {وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي} [الزمر: 12و14]، وأسقط الآية بينهما: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الزمر: 13].
شريط (توجيهات عامة): قرأ: {ولا تتبعوا أهواء الذين لا يعلمون} [الجاثية: 18]، والصواب: {ولا تتبع أهواء...}.
شريط(غربة التوحيد والسنة): قرأ:{يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره المشركون} [الصف: 8]، والصواب: {الكافرون}.
شريط (العقيدة أولاً): قرأ: {لقد كان لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه} [الممتحنة: 4]، والصواب: {قد كانت لكم}.
شريط (لقاء طلبة العلم في الرس): قرأ: {قل * لا أملك لكم ضرا ولا رشدا}[الجن: 21]، والصواب:{قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا} .
شريط (مناظرة عن أفغانستان): قرأ: {وهل أتاك حديث موسى. إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى...} [النازعات: 15-16]، والصواب: {هل أتاك حديث موسى...}.
شريط (مناظرة عن أفغانستان): قرأ: {اذهب إلى فرعون فإنه طغى...} [النازعات: 17]، والصواب: {اذهب إلى فرعون إنه طغى...}.
فهذا شأن الشيخ مع القرآن الكريم، وأخطاؤه فيه كثيرة كما ترى، ويلحظ أنه يكرر الغلط نفسه في أكثر من محاضرة، وأحيانا يفتح عليه بعض الحضور فيغلط في إعادة القراءة، وأحيانا يقرأ الآية على وجهها الصحيح ثم يعيد قراءتها فيغلط فيها ([7])، مما يدل على ضعف عنايته بالقرآن الكريم.


 ثانيا: المدخلي وعلمة في الحديث:
أما الحديث -الذي هو تخصصه- فقد صرح الشيخ بأن حفظ الحديث أسهل عليه من حفظ القرآن، وأنه مع ذلك لا يحفظ شيئا! فتأمل تناقضه! قال:
(أنا يسهل عليّ حفظ الحديث أكثر من القرآن، ولله الحمد، وإن كنت لست بحافظ، ما أحفظ شيء، لكن ما أعطيها عناية، مشغول...)اهـ ([8]).
وقال أيضا:
(قرأت البخاري مرة واحدة، فمن كثرة التكرار كدت أحفظ كثير من الأحاديث، وأعرف إذا مر بي حديث سلمة بن الأكوع، يعني لو قرأ إنسان حديث سلمة بن الأكوع أعرف أن هذا نبرات سلمة بن الأكوع وأسلوبه ومنهجه، أسلوب عمر بن الخطاب، أسلوب عائشة، وطلعت بثمرة أن عمر وعائشة هؤلاء من الأدباء الكبار في الأدب وفي العقل، يعلم الله، تعرف هذا من كلامهم رضوان الله عليهم، فتمر عليه مرة واحدة، فيه بركة، أنا يسهل عليّ حفظ الحديث أكثر من القرآن، ولله الحمد، وإن كنت لست بحافظ، ما أحفظ شيء، لكن ما أعطيها عناية، مشغول، عوائل، وأحداث الساعة والمشاكل والابتلاء بشيء من علم الواقع، كما يقال، فهذه محنة، فلا تمتحنوا عن حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام) اهـ ([9]).
قلت: لقد صرَّح الشيخ -كما ترى- بأنه لم يقرأ صحيح البخاري إلا مرة واحدة! وأنه كاد أن يحفظ كثيراً من الأحاديث من كثرة التكرار! فكيف يحفظ من كثرة التكرار، وهو لم يقرأ صحيح البخاري إلا مرة واحدة؟ هذا مما يصعب فهمه!
وذكر عن نفسه أمراً عجيبا في قدرته على معرفة راوي الحديث من الصحابة بمجرد سماع المتن، وأنه يعرفه إذا كان من رواية سلمة بن الأكوع، أو عمر، أو عائشة، رضي الله عنهم، وذلك من خلال نبراتهم! وأساليبهم! ومناهجههم! ولا أدري كيف يتمكن الشيخ من معرفة صحابي الحديث وهو غير حافظ! ثم كيف يستطيع أن يميز بذوقه بين الأحاديث التي يرويها عدد من الصحابة بألفاظ متقاربة، وربما باللفظ نفسه بلا اختلاف؟ فلا شك أن هذا من العجائب!
ثم إن في كلام الشيخ مشكلة كبيرة إذ جعل للصحابة نبرات وأساليب ومناهج في رواية الحديث، وكأنها من وضعهم وتأليفهم! فهل يجهل الشيخ -وهو أستاذ في الحديث- أن الصحابة رضي الله عنهم ما هم إلا رواة ونقلة عن النبي r، بل هم أوثق الرواة وأثبت النقلة؟
لقد اعترف الشيخ بضعفه في العلم، مبينا أسباب ذلك، منها: كبر سنه، وخرف عقله، وإصابته بمرض السكري، ونسيانه، وعدم حفظه، وانشغاله بعوائله، وأحداث الساعة، ومشكلات الواقع...
أخطأ الشيخ في بعض أسماء الرواة في محاضرة له، ثم قال:
(أنا أقول لكم هكذا لأن عقلي خرف أنسى، والمفروض عليّ أن أحفظ هذه الأسماء وما أغلط فيها، لأني التحقت بمدرسة الحديث وأنا كبير في السن، ومشغول بعوائل وكذا، لكني عرفت منهجهم، فأنا أدلكم على الطريق، ما أقدر أسير فيه، لكن أعرف أن هذا الطريق هو الصحيح)اهـ([10]).
وأحيانا يتيه الشيخ أثناء المحاضرة لتشوش فكره بسبب إصابته بمرض السكري، فقد قال في تلك المحاضرة:
(ما أدري يا إخوتاه، أنا مشوش ما أدري والله، فين وقفت معكم؟ وما أدري، فين أرجع؟ أخبروني فين ذهبت؟ سامحوني، رأسي فيه سُكَّر) اهـ ([11]).

ثالثا: الفقه:
أما عنايته بالفقه واشتغاله به، فقال الشيخ عن نفسه:
(ما عرفنا المذاهب أبداً، ما عرفنا إلا كتاب الله وسنة الرسول ومنهج السلف الصالح)اهـ ([12]).
وهذا اعتراف منه على نفسه بالجهل بالمذاهب الفقهية الأربعة المعتمدة عند أهل السنة، والأخطر من ذلك أنه جعل التفقه بها ندا للكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح، وحسبك بهذا دليلا على منزلة الشيخ في الفقه، ومدى قناعته بالفقه المذهبي! وسيأتي مزيد من النقد والتعليق على كلامه هذا في موضعه ([13]).
لقد نقلت كلامه هذا لتعرف منزلة الشيخ في العلم، وليعرف مستواه الضعيف فيه، أما الراسخون في العلم فلا يصدر عنهم مثل هذا الكلام ولا قريبٌ منه، ومع ذلك فلا ينبغي لأحد أن يغلو في الحط من منزلة الشيخ.



2 - فصل في غروره بنفسه
للشيخ ربيع المدخلي عبارات تدل على غروره بنفسه، وثقته الزائدة بكتبه وآرائه، وإليك أخي القارئ بعض النماذج من أشرطته:
فقد وصف كتابه (منهج أهل السنة والجماعة في نقد الرجال والكتب والطوائف) بأنه منهج الله الحق! وأنه لا يجوز أن يتخلف عن تأييده الشيخ ابن باز أو الألباني -رحمهما الله- أو الفوزان أو غيرهم!
سئل الشيخ ربيع: (هل صحيح أن كتابكم "منهج أهل السنة والجماعة في نقد الرجال والكتب والطوائف" قد أقره سماحة الشيخ ابن باز - حفظه الله ([14]) - نرجوا التوضيح)؟
فأجاب قائلا:
(هذا الكتاب وغيره، ما من كتاب ألفته إلا وأعطيت منه نسخاً لكبار العلماء ولزملائي ولتلاميذي، هذي عادتي منذ بدأت أكتب، يعني بعد الماجستير والدكتوراه، الرد على الغزالي، والرد على أبي غدة، والرد على المودودي، والرد على سيد قطب، إلى آخره، ومنها منهج النقد، أرسله إلى العلماء، إذا عندي أخطاء، لست معصوماً، فيصححوا أخطائي، فما أجد منهم إلا الموافقة، ولله الحمد، فلما ألفت هذا الكتاب أرسلته إلى الشيخ ابن باز والفوزان والألباني والعباد ومحمد أمان، وما أدري أظن أعطيت المشايخ الذين معي، لا أذكر الآن، أعطيتهم، والذي ما أعطيته قبل أن يطبع وصله بعد أن طبع، وما نرى منهم إلا التأييد، وكيف لا يأيدونه وهو منهج أهل السنة والجماعة، وهو منهج الله الحق؟ وكيف يتخلف ابن باز عن تأييده أو الفوزان أو الألباني أو غيره؟ كيف يتخلف عن كتاب هو منهج أهل السنة والجماعة الحق؟ هذا منهج أهل السنة والجماعة في النقد، هو الجرح والتعديل نفسه) اهـ ([15]).
هكذا يصف الشيخ ربيع كتابه هذا، ويستبعد تخلف العلماء عن تأييده، سواء من وصله الكتاب قبل الطبع أو بعده! لأن من خالف ربيعا في كتابه فقد خالف منهج الله الحق! ولذا لا يجوز للعلماء أن يتخلفوا عن تأييده!
ويبالغ الشيخ في تزكية نفسه، فيقول:
(فأنا، يا إخوة -إن شاء الله- من أشد الناس تمسكاً بمنهج السلف الصالح واتباعاً لهم واقتفاءً لآثارهم، وهذه كتبي موجودة، إقرؤوها ترون...) اهـ ([16]).
ويزعم الشيخ أن أهل المدينة -وهو بلا شك في مقدمتهم- أشد الناس على أهل البدع، فقال:
(ما أحد واجه أهل البدع مثل أهل المدينة في كتاباتهم ومحاضراتهم من خمسة عشر سنة، فوجدوا أن أشد الناس على أهل البدع هم أهل المدينة) اهـ([17]).
وهذا مما يسهل منازعة الشيخ فيه، فعلماء الرياض وسائر ديار نجد أشد وأسبق وأشهر من غيرهم في التصدي لأهل البدع على اختلاف أصنافهم، من رافضة وإباضية وصوفية ومعتزلة وأشاعرة وعقلانية، فضلا عن الاتجاهات القومية والعلمانية والحداثية والشيوعية، والحركات التنصيرية والماسونية اليهودية، ودروسهم ومحاضراتهم وكتبهم وفتاواهم ورسائلهم كثيرة ومشهورة، وفي مقدمتهم في هذا العصر الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، والشيخ عبد الرحمن الدوسري، والشيخ حمود بن عبدالله التويجري، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد بن عثيمين -رحمهم الله- والشيخ صالح بن فوزان الفوزان، والشيخ عبد الله بن جبرين -حفظهما الله-، ومن أهل مكة: الشيخ عبد الله بن حميد -رحمه الله- والشيخ سفر الحوالي -حفظه الله-، ولا ننكر الجهود الكبيرة والمشهورة لأهل المدينة كالشيخ محمد الأمين الشنقيطي، والشيخ عبد العزيز بن صالح -رحمهما الله- والشيخ عبد العزيز القارئ -حفظه الله- وغيرهم من العلماء والأساتذة.
ولكن ينبغي أن تعلم -أخي القارئ- أنه لا يُعرف للشيخ وتلاميذه أي جهود تذكر في مقاومة الروافض الذين يتزايد نشاطهم في المدينة، وكذا الصوفية والأشاعرة، وإذا أردت أن تعرف أخطر أهل البدع عند الشيخ وتلاميذه فهم الجماعات الإسلامية، وليس أولئك الراسخين في بدعهم وطائفيتهم، كما سيأتي تفصيله لاحقا ([18])، وقد صرح الشيخ بذلك مزكيا نفسه بأنه يكافح لوحده، مترفعا عن الدنيا، إذ قال:
(كان عندي طالب متحزب، وأنا أتكلم أحياناً إذا وجدت فرصة في بيان منهج الإخوان المسلمين، أنا سائر على هذا المنهج منذ عام 1400هـ تقريباً، لابد أن أبين للناس ضلال هؤلاء القوم، كنت أكافح، لكن أحس أني وحيد حتى إن الشيخ محمد أمان -الله يحفظه- رأى في المنام أني أسبح في بحر من الماء الصافي العذب، فقالها للشيخ ابن باز فقال الشيخ ابن باز: هذه دنيا، قلت: والله، ما هي الدنيا، هذه، والله، المشاكل التي أسبح فيها لوحدي، أنا أعرف ماذا أعيش) اهـ ([19]).
قلت: الشيخ ابن باز -رحمه الله- إمام معروف بتعبير الرؤى، وقد عبر تلك الرؤيا بالدنيا، أما الشيخ ربيع فيحلف بالله أن تعبيرها ليس كذلك، وأن تعبيرها هو المشكلات التي هو فيها مع الإخوان المسلمين، وهو غير معروف بتعبير الرؤى، فأي التعبيرين أولى بالاعتماد والصحة؟ والظاهر أن الرؤيا قد صدقت على تعبير الشيخ ابن باز -رحمه الله-، وقد يمكن الجمع بين التعبيرين بأنها دنيا تحصل للشيخ ربيع بسبب مشكلاته مع الإخوان!
ويتمادى الشيخ في غروره بنفسه لدرجة أنه يقدم نفسه على الشيخ الألباني، فيزعم أنه في السلفية أقوى منه، فيقول
(ونحن طلاب الشيخ عبد الله القرعاوي عندنا سلفية أقوى من سلفية الألباني، والله، الشيخ عبد الله تعلم المنهج السلفي تماماً حتى ما عرفنا المذاهب أبداً، ما عرفنا إلا كتاب الله وسنة الرسول ومنهج السلف الصالح، فالتقينا بالألباني فإذا نحن في السلفية أقوى منه، علم الله، الشيخ عبدالله وضع سلفية، جاء بسلفية، يعني: هي صميم السلفية، جاءنا الشيخ الألباني يقول: أنا آخذ من لحيتي قليلاً، يجادلنا في هذه القضية من أول يوم، ناقشناه في هذه القضية، فقلنا: لا بد من تطبيق، ولا يجوز الأخذ منها فأنت على غلط، جاءت قضية ثانية وهي الكتابة على القبر طبعاً حنّا متشددين ([20]) فنرى أنه لا يوضع علامة ولا يكتب عليها، طبعاً، الكتابة لها دليل، لكن وضع علامة حجر، يعني قال الشيخ الألباني: الرسول وضع حجراً، سلمنا له بهذا ([21])، وما سلمنا له في الكتابة، إن كان قالها، الله أعلم) اهـ ([22]).
ويلحظ من كلامه هذا أنه استدل لمزاعمه في قوة سلفيته بمسألتين أجازهما الشيخ الألباني على حد زعمه، الأولى: الأخذ من اللحية، والثانية: الكتابة على القبر.
فأما تخطئته الألباني في قوله بالأخذ من اللحية ما زاد عن القبضة فهذا غير سائغ، لأنها مسألة اجتهادية عند السلف، على تفصيل مذكور في كتب الفقه والحديث، فبطل استدلاله بهذه المسألة، والحمد لله، ولا ينبغي أن ننكر على الشيخ ربيع في انتقاده وتخطئته الشيخ الألباني في هذه المسألة الاجتهادية، فلم يزل أهل العلم يرد بعضهم على بعض، ولكن الذي يُنكَرُ على الشيخ هو طعنه في سلفية الشيخ الألباني لأنه خالفه في هذه المسألة، ثم إن مسألة الأخذ من اللحية ليست من المسائل الفارقة في الدعوة السلفية.
وأما جواز الكتابة على القبر، فهو غير متأكد من نسبته إلى الشيخ الألباني، لأنه قال: (وما سلمنا له في الكتابة، إن كان قالها)، ولا أظنه يخفى على الشيخ كتاب "أحكام الجنائز" للألباني، وقد عقد فيه فصلا فيما يحرم عند القبور، ومنه الكتابة على القبر ([23])، فكيف يجيز الشيخ لنفسه أن يبني مزاعمه أنه في السلفية أقوى من الألباني على ظنون خاطئة؟ وهل هذا منهج سلفي في الحكم على العلماء والناس؟ أو هو منهج خلفي يُدرب من خلاله التلاميذ على التجريح والتشكيك في منزلة أهل العلم بلا بينة ولا برهان؟ الذي يبدو لي أن الشيخ كان يتكلم بما يطرأ على ذهنه بلا علم ولا تروٍّ، أما الألباني -رحمه الله- فهو من أئمة الدعوة السلفية في هذا العصر ونحسبه من الأئمة المجددين في الحديث والدعوة والمناظرة وقمع البدعة، ولا ندعي له العصمة، ولكن شتان بين ربيع والألباني، بل لا مقارنة بينهما
ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا
فهذه أمثلة من أشرطة الشيخ ربيع تدل على غروره الشديد بنفسه، ولو كان الشيخ علامة زمانه ثم اغتر بنفسه لقيل غرّه علمه، ولكن أن يكون ضعيفا في العلم -كما عرفنا في الفصل السابق- ثم يغتر ويتعالى، فهذا شأنه كشأن العائل المستكبر! نسأل الله العافية والسلامة.



3 - فصل في رداءة أسلوبه
يتصف الشيخ ربيع المدخلي بعجلة غير محمودة في طرح آرائه والحط من مخالفيه، وهو سريع الانفعال والهيجان، وفيه حدة ملحوظة، ويثور لأدنى سبب، مما يدفعه إلى التلفظ بعبارات غير لائقة البتة، والمبالغة المذمومة في الوصف والخطاب، بالإضافة إلى التطرف في إصدار الأحكام، وقد سمعت للشيخ -عفا الله عنه- عبارات لا أرى من المناسب التفصيل في ذكرها هنا، ولكن سأكتفي بما هو مسجل في الأشرطة، فقد بلغ به الإسفاف في العبارة إلى حد يقِفُّ له شعر السامع، وله ألفاظ وعبارات غير مناسبة لم يراع فيها التأدب مع الرب جل وعلا، ولا توقير رسوله r، ولا الصحابة الكرام والسلف الصالح رضي الله عنهم، فضلا عن غيرهم، ويصعب وصف أسلوبه للقارئ، ولذا فإني سأذكر عباراته كما جاءت في الأشرطة، وهي تعبر عن نفسها، فعلى سبيل المثال، قال في محاضرة له في أحد المساجد:
(الآن الذي لا يناطح الحكام عميل، ليه ربنا ما ناطح الحكام؟ ولماذا رسول الله ما كان يناطح هذه المناطحات؟...) اهـ([24]).
كذا قال، ولا أدري ما الذي أحوجه لاستعمال هذه الألفاظ وهذا الأسلوب؟
وقال في محاضرة أخرى:
(منهج الموازنات، والذي أنشأه القطبيون السروريون، فإن الإخوان ما أوصلهم ولا التبليغ ولا أهل البدع جميعاً ما أوصلهم الشيطان إلى هذه المكيدة وإلى هذا التفكير الخبيث، فأنشؤوا منهج الموازنات بين الحسنات والسيئات، لماذا؟ لحماية سيد قطب وحماية قيادات الإخوان المسلمين، فإذا كان هذا المنهج حق فإن أفجر الناس وأظلمهم على هذا المنهج: مالك، وسعيد بن المسيب، وقبله ابن عباس، وأحمد بن حنبل، والأوزاعي، والثوري، وابن عيينة، والحمادان، والبخاري، ومسلم، وابن حبان، إلى آخره، كلهم أفجر الناس، وكتب الستة كلها قامت على الفجور والكذب والظلم، أنا ما أعرف مكيدة أخبث من هذه المكيدة على الإسلام، بل إن رسول الله على رأس هؤلاء، فرأس الظالمين رسول الله لأنه ما عنده ميزان، هذا الميزان الذي اخترعه الشيطان للقطبيين السروريين، ما فكر فيه فاجر على وجه الأرض، لا من اليهود، ولا من النصارى، ولا من أهل البدع، وجاؤوا يضربون به المنهج السلفي) اهـ([25]).
كذا قال الشيخ -عفا الله عنا وعنه- ونسأل الله العافية والسلامة.
وكان مرة يرد على من يصف عبادة الأصنام والأوثان بأنه شرك ساذج! فقال:
(... وأنا ذكرت في كتاب منهج الأنبياء إن الرسول عليه الصلاة والسلام بعث وهناك في العالم دول وطواغيت، طواغيت: كسرى وقيصر والمقوقس وفلان وحكام (...)([26])، كم آية نزلت فيهم؟ يعني ربنا درويش والرسول درويش؟...)اهـ ([27]).
كذا قال، وهذا مستوى الشيخ في الأسلوب وأدبه في الألفاظ مع الله تبارك وتعالى ورسوله r!
وكان يتحدث عن النهي عن اتخاذ قبور الأنبياء مساجد، فتكلم عن قبر الرسول r وعن دفن الصحابة له، فقال:
(فاجتهدوا فين يدفنوه، إذا دفنوه بالبقيع يتخذ قبره مسجد، أين يذهبوا؟ إذاً قالوا: ندسّه في بيته...)اهـ ([28])
كذا وصف الصحابة رضي الله عنهم عندما أرادوا دفنه r: (ندسّه في بيته)! ولا أدري ما الذي أحوجه إلى التعبير بهذا اللفظ الذي كثيرا ما يستعمل أصله في التحقير والإهانة والذم؟ فقد جاء في كتب اللغة: الدَّسُّ إدخال الشيء من تحته في خفاء، ودسَّه يدُسُّه دَسَّاً إذا أدخله في الشيء بقوة وقهر، ودسا يدسوا نقيض زكا، والدَّسيس: إخفاء المكر والصُّنان الذي لا يقلعه الدواء، والدُّسُس: المراؤون بأعمالهم، والدَّسَّاسة: حية صماء تندس تحت التراب، والدَّسَّاس من الحيات: أخبثها ([29])، وقد استُعمل هذا الأصل اللغوي في القرآن الكريم في موضعين، كلاهما في معرض الذم، الأول: ما أخبر الله تعالى عن ضلال أهل الجاهلية عندما وصفهم بأنهم يئدون البنات وهن أحياء بلا شفقة، قال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل: 58-59]، والثاني: قوله تبارك وتعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 9-10]، قوله: (دسَّاها) أي: أخفاها بالمعصية، وأخملها بترك الطاعة، وقيل: جعلها خسيسة بالعمل الخبيث، وقيل: أغواها وأغراها بالقبيح، وقيل: دسسها في أهل الخير وليس منهم ([30]).
أما زعمه أن الصحابة رضي الله عنهم اجتهدوا في تحديد المكان المناسب لدفنه r، فهذا غير صحيح لأن النبي r نص على المكان الذي يدفن فيه، وسيأتي توضيح هذه المسألة في فصل مستقل ([31]).
وعندما أراد أن يذكر حديثا لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما في طاعة ولاة الأمر في المعروف، قال:
(... هذا، خذوا هذا الصحابي، هذا الصحابي عميل؟ عبد الله بن عمرو بن العاص، ماسوني؟ عميل؟ جاسوس؟ ها، الآن اللي يتحدث بمثل هذه الأحاديث عميل جاسوس مخابرات!...) اهـ ([32]).
وقال ايضا في انفعال ظاهر:
(... المسلم حينما يقول كلمة الحق يصبح عميلا وجاسوسا وخطيرا، لعنة الله على، على من، على من أقول؟...) اهـ ([33]).
ومن الأقوال الرديئة للشيخ ربيع قوله:
(... في ضوء منهج الموازنات أئمة السنة كلهم ظلمة خونة غشاشين، وعلى رأسهم أحمد بن حنبل، ويحي بن معين والبخاري، وخلاص، يسقط البخاري في ضوء هذا المنهج، ويسقط مسند أحمد بن حنبل، وتسقط كل كتب السنة وكتب الجرح والتعديل، كلها كذب في كذب في ضوء كتاب اسمه منهج الموازنات، إذن يا أخوة هذا منهج باطل، منهج باطل...)اهـ([34]).
كذا قال! ولا أقول إلا: اللهم إني أعوذ بك من الفحش والتفحش.
وفي محاضرة له في أحد المساجد، سخر من سيد قطب -رحمه الله- متشفيا بما فعل الظلمة به، فقال:
(وبعدين سيد قطب حَطُّوه في قفص مثل الدجاجة، لمّا أرادوا أن يذبحوه راحوا ذبحوه، والله ما أخذ السيف مثل عليّ وخالد وراح يخوض المعارك، حطوه عشر سنوات مثل الدجاجة في قفص وراحوا ذبحوه، إيش سوّى، شفت، والله لا ليش ذبحوه، والله وجدوا عنده مخطط لنسف الجسور والإذاعات وقتل الشخصيات، مخطط إجرامي، ذبحوه، لكن الناس طلّعوه شهيد) اهـ([35]).
قلت: هذا الكلام الرديء يترفع عنه كثير من العلمانيين، ولا أظن مخابرات عبد الناصر قالت مثله في النيل من الأستاذ سيد قطب رحمه الله! وأقل ما يمكن أن أعلق به على هذا الأسلوب السافل هو ما ذكره الشيخ بكر أبو زيد في وصف أسلوب الشيخ ربيع، قائلا: إنه في نزول، وأما سيد فقد سما ([36]).
وإني أنصح وأذكر نفسي والشيخ بقول الله تبارك وتعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} [الإسراء: 53].



4 - فصل في شدته على خصومه
الشيخ ربيع لا يرحم مخالفيه، بل يقسو عليهم في عباراته، ويتهمهم في نواياهم، ويحكم على سرائرهم وما تكِنُّ صدورهم، ولا يتورع عن إطلاق عبارات شديدة تصل إلى حد التكفير في حقهم، وسأكتفي هنا بذكر مثال واحد من خصومه:
كلامه في محمود بن محمد الحداد المصري:
يُنسب الحداديون إلى المدعو: محمود بن محمد الحداد المصري، وهو من المحسوبين على السلفيين، وكان يقيم في الرياض، ويشتغل بتحقيق كتب الحديث وصنع فهارسها، وطريقته غير جيدة ولا منهجية في التأليف والتحقيق، وله آراءٌ غالية وخطيرة، تميل إلى الغلو الشديد في التبديع، ولا يعتد بمنهج الاعتدال الذي سار عليه الأئمة ابن تيمية والمزي والذهبي ومن نحا نحوهم -رحمهم الله- في مواقفهم ممن نسب إلى البدعة من الرواة والعلماء، وله موقف متعنت في تبديع الإمامين النووي وابن حجر -رحمهما الله- وكان بين الشيخ ربيع ومحمود الحداد علاقة حميمة، وكان الشيخ يثني على الحداد ويوصي بكتابه (عقيدة أبي حاتم وأبي زرعة) ويصفه بأنه جيد وفيه فوائد، لكن سرعان ما نشب الخلاف بينهما، وصار كل منهما يرد على الآخر ويشهِّر به، ويطلق عليه أنواع التهم، وتحول التآلف بين الطرفين إلى صراع مرير بينهما، وحقيقة الخلاف بينهما أن الحداد كان مطردا في تبديع من تلبس بالبدعة وإجراء أحكام المبتدعة عليه، على قاعدة فاسدة عنده في تبديع كل من وقع في البدعة، وكان يطالب الشيخ بتبديع النووي وابن حجر -رحمهما الله- لأنهما من علماء الأشاعرة في نظره، ويُلزِمُه بتبديعهما بما بدَّعَ به سيد قطب، أما الشيخ فقد كان له منهج انتقائي في التبديع، ثم وقعت حادثة إحراق كتاب: (فتح الباري) لابن حجر من بعض المتأثرين بمنهج الحداد، واشتد نكير العلماء عليهم، لا سيما الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، فأراد الشيخ ربيع أن يتنصل من أي علاقة تربطه بالحداد فجعل يتكلم عليه في مجالسه، واشتد الصراع بين الطرفين، فرد الحداد عليه في رسالة بعنوان: (القول الجلي في فِرَى المدخلي)([37])، ورسالة أخرى بعنوان: (الفصل العادل في حقيقة الحد الفاصل) ([38])، يرد فيها على الشيخ في كتابه (الحد الفاصل)، وعلى الشيخ بكر أبو زيد في (خطابه الذهبي)، كما رد أحد تلاميذ الشيخ -واسمه صالح بن عبد العزيز السندي- في رسالة له بعنوان: (التحقيق والإيراد في بيان أخطاء الحداد: ملحوظات على كتاب عقيدة أبي حاتم وأبي زرعة) ([39])، وقد عرضها مؤلفها على الشيخ فأقرها ورأى نشرها.
أما ما قاله الشيخ في الأشرطة، فمنه قوله:
(منهج الحداد: وهي منبثقة من منهج سيد قطب، الدليل أنهم يرمونا بالإرجاء) اهـ ([40]).
كذا قال، وهو يعلم أن الحداد ضد منهج سيد قطب، والأعجب أنه استدل لذلك بأنه رماه بالإرجاء!
وقال أيضاً:
(الحداديين أظنهم فرع من فروع القطبيين، متسترين، هم من فروع القطبية الغلاة، ولكنهم متسترون، أنا أعتقد أن الحداد قطبي نجس متستر يتظاهر بالسنة وهو كذاب) اهـ ([41]).
والشاهد من كلامه هنا هو قوله: (الحداد قطبي نجس متستر يتظاهر بالسنة وهو كذاب)، كذا قال، وإذا كان الحداد يستحق أن يرد عليه ويفضح أمره ويحذر منه، لكن ليس بهذا الأسلوب وهذه الألفاظ: (نجس متستر يتظاهر بالسنة وهو كذاب)، انظر إلى قسوته البالغة في عباراته، وطعنه في نية مخالفه، وتشبيهه إياه بالمشركين الذين وصفهم الله تبارك وتعالى بقوله: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28].
والخلاصة أن الشيخ يتجاوز الحدود الشرعية في النيل من خصومه ومخالفيه إذا كانت لهم أخطاء أو انحرافات سواء كانوا أفرادا أو جماعات، وقد كان الأولى بالشيخ أن يرد على الحداد بتوضيح منهج السلف والتأكيد على القاعدة المعروفة عندهم التي تقول: (ليس كل من وقع في البدعة فهو مبتدع)، دون التعرض للنوايا، والإسفاف في القول، ولكن هذه هي طبيعة الشيخ -غفر الله لنا وله- وقد قيل: الطبع يغلب التطبع!
ويطرد منهجه المتطرف هذا حتى مع المعروفين بالعلم والمشهود لهم بالفضل من علماء ودعاة أهل السنة، وسنورد عباراته القاسية في العلماء والدعاة والجماعات الإسلامية في فصول آتية ([42]).



الباب الثاني
مقالاته في مسائل عَقَدِيَّةٍ وعِلْمِيَّةٍ
وفيه ثمانية عشر فصلا:
5- فصل في العقيدة والمنهج.
6- فصل في توحيد الأسماء والصفات.
7- فصل في توحيد الحاكمية.
8- فصل في التكفير.
9- فصل في التبديع.
10- فصل في الإنكار على الولاة.
11- فصل في الخروج على الحكام.
12- فصل في الأدب مع الصحابة رضي الله عنهم.
13- فصل في الفرقة الناجية والطائفة المنصورة.
14- فصل في معنى رؤية النبي r القلبية لربه تبارك وتعالى.
15- فصل في الرد على أهل البدع.
16- فصل في الخوارج.
17- فصل في الروافض.
18- فصل في الصوفية.
19- فصل في المطلق والمقيد.
20- فصل في المذاهب الأربعة.
21- فصل في دفن النبي r.
22- فصل في التمثيل والأناشيد.
5 - فصل في العقيدة والمنهج
العقيدة عند أهل السنة مردافة للإيمان، وتشتمل على الأمور العلمية التي يجب على المسلم أن يصدقها تصديقا جازما ويعقد عليها قلبه، وهي أركان الإيمان الستة، وسائر ما ثبت في الكتاب والسنة من الأمور الغيبية، دون الأحكام العملية كالفرائض والحدود والأمر والنهي التي يشملها الدين ([43]).
أما المنْهَج والمِنْهَاج والنَّهْج فمعناه في اللغة: الطريق البين الواضح السهل المستقيم ([44])، وفي الشرع بمعنى الدين والصراط المستقيم، فقد ورد في تفسير قوله تعالى {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} [المائدة: 48]، أن المنهاج هو القرآن، فكل من دخل في دين محمد r، فقد جعل الله له شرعة ومنهاجا، وهو القرآن([45])، وفسر أيضا بمعنى السنة، أي الطريقة، وهو رواية عن ابن عباس، وإحدى الروايات عن مجاهد، ونحوه عن الحسن البصري، وعكرمة، والسدي، والضحاك، وأبي إسحاق الهمداني ([46])، ورجحه ابن كثير، وقال: هو أظهر في المناسبة، وعزاه إلى من تقدم ذكرهم، وزاد عليهم: قتادة ([47])، وفُسر بمعنى السبيل، وهو الرواية الأخرى عن ابن عباس، ومجاهد، ومثله عن عطاء الخرساني([48])، وفسر بمعنى الشِّرْعة، أي الشريعة، وهي الملة والدين، والطريق الواضح ذكرهما ابن الأنباري ([49]).
وهذه النقول عن السلف في تفسير المنهج تدل على أنه أعم من العقيدة، فالمنهج يشمل الدين كله، عقيدة وعبادة وشريعة وأخلاقا، وبهذا يتبين أن العقيدة جزء من المنهج.
لكن الشيخ ربيعا مضطرب في الجمع أو التفريق بين العقيدة والمنهج، واضطرابه في هذه المسألة شديد جداً، إذ يؤكد الفصل والتفريق بينهما في أول المحاضرة ويضرب لذلك الأمثلة، ثم ينقض قوله في آخرها، فيقول إنهما شيء واحد، وأنه لا يجوز التفريق بينهما، ويشنع على من يفرق بينهما، ويتمادى فيصفهم بالاحتيال، وأنه أسلوب لمن عندهم طرق بدعية، وأفكار سياسية! ثم وجدت له قولا ثالثا أن الفرق بينهما على حسب الاصطلاح! ولا أدري أي اصطلاح هذا!
القول الأول: الفصل والتفريق بين العقيدة والمنهج، حيث يرى الشيخ أن العقيدة غير المنهج، ويمثل لذلك بالخوارج فيصف عقيدتهم بأنها سلفية، وأن ضلالهم كان في المنهج في مسألة الحاكمية، وأن هذا الانحراف سياسي! ومفهوم كلامه أن المنهج ليس من العقيدة! بل صرح بالفصل بين العقيدة والمنهج، فقال:
(ثم إن الفصل بين العقيدة والمنهج، أنا أقول غير مرة إن الخوارج الذين أمر رسول الله r بقتلهم وقال: «هم شر الخلق والخليقة وشر من تحت أديم السماء ولو أدركتهم لقتلتهم قتل عاد وإرم»، كان عندهم عقائد سلفية، يعني يؤمنون بتوحيد العبادة وبتوحيد الأسماء والصفات، ما عندهم شرك، ما عندهم قبور، ما عندهم تجهم، كان عندهم فساد في الحاكمية، مثل ما حصل لشبابنا الآن، اعتبرهم الرسول شر الخلق والخليقة وأمر بقتلهم والتشريد بهم، وفعلاً، اتفق الصحابة على قتالهم، اختلفوا في وقعة الجمل، واختلفوا في وقعة صفين، ورأوا ذلك فتنة، ولكن لمّا برز هؤلاء الخوارج الذين تعتبر عقيدتهم سلفية أحسن من عقائد هؤلاء الذين يتبعون سيد قطب ويتبعون الإمام حسن، التبليغيين والإخوانيين، والله عقائدهم أسلم من عقائد هؤلاء، وكان ضلالهم في الحاكمية، لا حكم إلا لله، قال علي t: كلمة حق أريد بها باطل، وسلّ عليهم سيفه وقتلهم كما أمر رسول الله r، فو الله، إن هؤلاء أكذب من الخوارج، وأشد خصومة للعقيدة السلفية ولأهلها من الخوارج والروافض) اهـ ([50]).
ويؤكد التفريق بين العقيدة والمنهج في محاضرة أخرى، فيقول: (الخوارج كانت عقيدتهم سلفية في العبادة وفي الأسماء والصفات وكان عندهم انحراف في المنهج.) اهـ ([51]).
وسئل في لقاء له في جدة عن الحداديين؟ فأجاب: (الذين قاتلهم عليّ [أي: الخوارج] كانوا -والله- عقائدهم سلفية ([52])، يا إخوتاه، ما كان عندهم عبادة قبور، ولا كان عندهم تعطيل جهمية، كان عندهم انحراف سياسي في الحاكمية... فالعقيدة ما تكفي... لابد عقيدة، عمل، التزام كتاب الله وسنة رسوله r) اهـ ([53]).
القول الثاني: العقيدة والمنهج شيء واحد ولا يجوز التفريق بينهما، فقد سئل الشيخ في آخر ذلك اللقاء في جدة: ما الفرق بين العقيدة والمنهج؟ فأجاب: (لا يجوز التفريق بين العقيدة والمنهج، هذا أسلوب سياسي ابتكره أناس، يعني في هذا البلد أكثر من غيره، لأن الغالب على أهل هذا البلد المنهج السلفي، فيأتي ناس لهم أفكار سياسية، أو لهم طرق بدعية، أو شيء من هذا فيحتالون على السذج...) اهـ ([54]).
قلت: اضطرابه واضح في لقاء جدة، ففي أوله يقول العقيدة ما تكفي، يعني لابد منها مع المنهج، ثم يقول في آخر اللقاء لا يجوز التفريق بين العقيدة والمنهج!
القول الثالث: التفريق بينهما على حسب الاصطلاح! فقد سئل الشيخ: هل هناك فرق بين العقيدة والمنهج؟ لأننا نسمع مثلاً عقيدته سلفية ومنهجه إخواني مثلاً؟ فأجاب: (هذا على حسب الاصطلاح بارك الله فيك، لكن المنهج انا أرى أنه يراد من المنهج ما هو أهم من العقيدة فمنهج الاخوان المسلمين عندهم منهج، من مناهجهم محاربة السلفية محاربة العقيدة البعد بأتباعهم عن العقيدة الصحيحة من منهجهم جمع الناس على مختلف البدع والضلالات هذا منهجهم أو من منهجهم الفاسد.) اهـ ([55]).
كذا قال! ولم يبين مراده بالاصطلاح، ولعله اصطلاح خاص به! وإذا كان الشيخ يرى نفسه أنه يتكلم في هذه المسألة عن بصيرة ويقين فلماذا لا يتقيد باصطلاح الشرع، بدلا من أن يبتدع اصطلاحا بلا دليل؟ ولكن العجيب أنه ذكر أن من المنهج ما هو أهم من العقيدة! ولا أدري ما الشيء الذي هو أهم من العقيدة؟ وهل يجهل الشيخ أن أهم شيء في دين الإسلام هو العقيدة، التي هي عقيدة التوحيد؟ وأنها أول ما يبدأ به في الدعوة؟ وأن محاربتها هي عين الكفر؟ وإذا كان الشيخ يرى أن من المنهج ما هو أهم من العقيدة فلماذا لا يجعله العقيدة نفسها؟
والنتيجة التي ينتهي بها هذا الفصل أن الشيخ مضطرب ومتناقض في هذه المسألة، مما أثار التساؤلات حولها في لقاء جدة، ومخيم الربيع بالكويت، وقد سرى هذا الاضطراب في أتباعه، الذين يرددون بدعته هذه كالببغاوات، ويتطاولون على أهل العلم وطلابه في التجريح والتصنيف: "فلان العقيدة سلفي والمنهج خلفي"! و " فلان خذوا من علمه واتركوا منهجه"! و "فلان منهجه كذا وفي عقيدته كذا"! إلخ...
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (تجد أهل الكلام أكثر الناس انتقالا من قول إلى قول، وجزما بالقول في موضع، وجزما بنقيضه وتكفير قائله في موضع آخر، وهذا دليل عدم اليقين) اهـ ([56]).

   
رد: نص كتاب: الجامع في الرد على المدخلي من خلال أشرطته لأبي عبد الله النجدي وفقه ا

--------------------------------------------------------------------------------
6 - فصل في توحيد الأسماء والصفات
قال الشيخ ربيع: (توحيد الأسماء والصفات فطر الله الناس عليه فلا يكابرون فيه ولا يجادلون فيه {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله} [لقمان: 25، الزمر: 38] اهـ ([57]).
قلت: لا أدري هل هذا سبق لسان منه؟ فإن كان كذلك -وهذا ظني بالشيخ- فيجب على الشيخ أن يصحح الشريط، فيقول: (توحيد الربوبية) بدلا من (توحيد الأسماء والصفات)، لأن الآية التي استدل بها الشيخ فيها دليل على إقرار المشركين بتوحيد الربوبية، فغريب منه أن يستدل بها على عدم مكابرة المشركين في توحيد الأسماء والصفات!
أما الدليل على أن الله تعالى فطر الناس على التوحيد فهو قوله سبحانه: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30]، قال ابن كثير في تفسيرها: (فَطَرَ خَلْقَهُ على معرفته وتوحيده وأنه لا إله غيره)([58]).
قلت: ولكن ذكر العلماء أنه على سبيل الإجمال لا التفصيل، لاسيما في توحيد الأسماء والصفات، فهذا النوع من التوحيد وإن كان منه ما هو فطري إلا أن أكثره سمعي، وأهل السنة يقولون: لا يوصف الله تبارك وتعالى إلا بما وصف به نفسه، وبما وصفته به رسله، نفيا وإثباتا، فالأصل فيه التوقيف، لا يتجاوز القرآن والحديث ([59]).
فما ذكره الشيخ أن الناس لا يكابرون في توحيد الأسماء والصفات ولا يجادلون فيه! غلط شنيع جداً ما كان ينبغي أن يصدر منه، واستدلاله بالآية في غير محله لأنها في توحيد الربوبية الذي أقر به المشركون زمن النبي r، أما توحيد الأسماء والصفات فقد ألحدوا وأشركوا فيه، كما هو الشأن في توحيد الألوهية، قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَانِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَانُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا} [الفرقان: 60]، وقال تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180]، قال ابن جرير رحمه الله في تفسيرها: (يعني به المشركين، وكان إلحادهم في أسماء الله أنهم عدلوا بها عما هي عليه فسموا بها آلهتهم وأوثانهم وزادوا فيها ونقصوا منها فسموا بعضها اللات اشتقاقا منهم لها من اسم الله الذي هو الله وسموا بعضها العزى اشتقاقا لها من اسم الله الذي هو العزيز، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل)، ثم روى ما جاء في معناها عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (إلحاد الملحدين أن دعوا اللات في أسماء الله)، وعن مجاهد رحمه الله قال: (اشتقوا العزى من العزيز واشتقوا اللات من الله)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية، قال: (الإلحاد: التكذيب)، وعن قتادة رحمه الله: {يلحدون}، قال: (يشركون) ([60]).
وذكر أهل العلم أنواع الإلحاد في أسماء الله تعالى وصفاته، منها:
1 - إلحاد المشركين بتسمية أصنامهم وأوثانهم بأسماء الله تعالى.
2 - إلحاد اليهود والنصارى وغيرهم، بوصفه بما يتعالى عنه ويتقدس، كقول أخبث يهود: إنه فقير، ويده مغلولة، ونسبة اليهود والنصارى الولد له، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، وتسميته بما لا يليق بجلاله، كتسمية النصارى له أباً، وتسمية الفلاسفة له موجبا بذاته، أو علة فاعلة بالطبع، ونحو ذلك.
3 - إلحاد الممثلة الذين يكيفون صفات الله عز وجل، ويمثلونها بصفات خلقه -تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
4 - إلحاد النفاة المعطلة الذين يعطلون أسماءه الحسنى عن معانيها، وهم على فرق وأقسام.
5 - تحريف الأسماء والصفات عن معانيها الثابتة بالكتاب والسنة، والتكلف في تأويل معانيها على غير مراد الله تعالى ورسوله r، وهو مذهب أهل التأويل الفاسد من الكرامية والأشاعرة ومن وافقهم ([61]).
ولا أدري كيف خفي على الشيخ ضلال تلك الطوائف المنحرفة في توحيد الأسماء والصفات حتى قال إن الناس لا يجادلون ولا يكابرون فيه؟ والشيخ أستاذ دكتور ديدنه العقيدة والتوحيد! ومشغول بالواقع ومحاربة الشرك والبدع! فكيف يخفي عليه الشرك والضلال في هذا الباب، وقد وقعت فيه تلك الأمم والشعوب التي ملأت الآفاق من المشركين واليهود والنصارى والفلاسفة وفرق أهل البدع التي ظهرت في هذه الأمة وانحرفت في هذا الباب كالجهمية والمعتزلة والأشاعرة الكُّلاَّبية والمفوضة وغيرهم؟
فإن قيل: لقد خفيت هذه المسألة على الشيخ، وأخطأ فيها، أو جازف! وظن أن الناس لا يكابرون ولا يجادلون في توحيد الأسماء والصفات، ولم يدرك الضلال العريض في هذا الباب، وهذا لا يؤثر في إمامته للدعوة السلفية في هذا العصر.
فالجواب: لا يجهل صغار طلبة العلم السلفيين فضلا عن كبارهم أن توحيد الأسماء والصفات هو أبرز ما تتميز به الدعوة السلفية عمن خالفها، ولا يجهلون المعارك الحامية الطويلة بينهم وبين أهل البدع في هذا الباب، هل يليق بمن يجهل هذه المسألة أو يجازف فيها أن يُعَدَّ في أئمة الدعوة السلفية في هذا العصر؟

7 - فصل في توحيد الحاكمية
توحيد الحاكمية وإن كان مصطلحا حديثا، لا يوجد في كتب المتقدمين -فيما أعلم- إلا أن المراد منه صحيح وحق لا مرية فيه، لأن معناه إفراد الله تعالى في الحكم والتشريع والتحليل والتحريم، فالحلال ما أحل الله وحده، والحرام ما حرمه وحده، والدين ما شرعه وحده سبحانه، والشيخ ربيع يقر بتوحيد الحاكمية، ويقول:
(... الحاكمية يجب أن يؤمن بها المسلم، وأنه لا حكم إلا لله سبحانه وتعالى، أن الله هو الحاكم الوحيد في قضايا المسلمين الدين، ال ([62])، أو، كلها، قضايا البشر الدينية والدنيوية، ولكن لها أدلتها، {إن الحكم إلا لله}، {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} هذه أدلة الحاكمية...) اهـ ([63]).
ويرى الشيخ أن الحاكمية من التوحيد، وهو متردد في إلحاقها بتوحيد الربوبية، أو توحيد الألوهية، أو جعله من حقوق الألوهية! ويترجح عنده أنها تُلحق بتوحيد الربوبية! ويحتج لذلك بأن الله المالك الملك الحق المبين، هو الذي له الحق أن يحكم ويَشْرع.
قال الشيخ: (توحيد الحاكمية هل هو قسم مستقل من أقسام التوحيد، أو يلحق بتوحيد الربوبية، أو يلحق بتوحيد الألوهية؟ والذي يترجح لي أنها تلحق بتوحيد الربوبية لأن الله المالك الملك الحق المبين، هو الذي له الحق أن يحكم ويَشْرع، فيلحق، يعني لا يجعل قسيماً لأنواع التوحيد التي سبرها السلف، سبر السلف كتاب الله سبراً مستوعباً فلم يجدوا إلا أنواعاً ثلاثة فاقتصروا عليها، فهذا ليس إلغاء لحاكمية الله، وإنما في نظرهم -والله أعلم- أنها جزء من توحيد الألوهية، أو جزء من توحيد الربوبية، وقد تكون من حقوق الألوهية) اهـ([64]).
قلت: تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أنواع استقراء تام مطرد له أدلته الكثيرة، ومن العلماء من يجعله نوعين اثنين:
الأول: توحيد علمي خبري اعتقادي، ويسمى أيضاً توحيد الإثبات، ويشمل توحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الربوبية.
والثاني: توحيد طلبي قصدي إرادي، ويسمى أيضاً توحيد العبادة، وهو توحيد الألوهية.
وربما عبر العلماء عن بعض أفراد العبادات بالتوحيد، كتوحيد المحبة، وتوحيد السؤال والطلب ([65])، وذلك للدلالة على أهميته والتحذير من ضده، وليس مرادهم أنه خارج عن أنواع التوحيد السابقة، فكذلك الشأن في توحيد الحاكمية.
ومنشأ الخطأ والاضطراب عند من يهون من شأن توحيد الحاكمية، بحجة أن أنواع التوحيد ثلاثة، أو اثنان، هو الجهل بأمرين:
الأول: الجهل بمعنى الحاكمية وأدلتها وأنها تدخل في أنواع التوحيد الثلاثة:
فالحاكمية داخلة في أنواع التوحيد الثلاثة جميعها بلا ريب:
فتدخل في توحيد المعرفة والإثبات (الربوبية والأسماء والصفات) لأنها مأخوذة من اسم الله تعالى (الحَكَم) الذي له الحُكم، ولا معقب لحكمه، وهو أحكم الحاكمين، وخير الحاكمين، وهو (الحكيم) في قدره الكوني وأمره الشرعي فمن عطل أو حرف أو ضل في أسماء الله تعالى (الحَكَم) و(الحكيم) فقد ألحد في أسمائه الحسنى، ومن وصف المخلوق بما اختص الله تعالى به من صفات الحَكَم والحكيم قاصدا معناها فقد أشرك في حاكمية الله تعالى، لأنه ألحد في أسمائه صفاته، وأشرك في ربوبيته([66])، ومن جعل لنفسه حقا في تحليل الحرام وتحريم الحلال، والحكم في رقاب الناس وأموالهم وأعراضهم بما يخالف شرع الله، فقد جعل نفسه ربا مع الله عز وجل، وأشرك في الربوبية([67]).
وتدخل الحاكمية في توحيد الطلب والقصد (الألوهية والعبادة)، لأن الله وحده هو المستحق أن يفرد بالحاكمية والطاعة، وأدلتها ثابتة واضحة، قال تبارك وتعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]، وقال تبارك وتعالى: {إِنْ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} [الأنعام: 57]، وقال تبارك وتعالى: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً} [الأنعام: 114]، وقال تبارك وتعالى: {إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ} [يوسف: 67]، فمن كره شرع الله وحكمه، ولم يرض به، أو أطاع العلماء والأمراء في تحليل الحرام وتحريم الحلال فقد اتخذهم أربابا من دون الله، وأشرك في الطاعة وهو من الشرك في الألوهية([68]).
ومنشأ الخطأ الثاني عند من يهون من شأن توحيد الحاكمية هو: الجهل بطبيعة العلاقة بين أنواع التوحيد:
فمن العلماء ([69]) من يرى أن العلاقة بينها علاقة تلازم، لا ينفك نوع منها عن الآخر، وهكذا أضدادها فالشرك في واحد منها شرك في جميعها، فعُبَّاد الأوثان كانوا يقرون بتوحيد الربوبية، ولكنهم يشركون في الإلهية، هذا في الظاهر، أما في الحقيقة فهم مشركون في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات لتلازمها، ولا يعتد بإقرارهم بالربوبية لأنه نافاه فعلهم، فيكون إقرارهم به باطلا ([70]).
ومن العلماء من يرى أن توحيد الألوهية يتضمن توحيد الربوبية دون العكس، وأن توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية ([71])، وأن توحيد الأسماء والصفات يشمل النوعين السابقين ([72]).
قلت: فالعلاقة بينها إما أن تكون متلازمة أو متداخلة بمعنى أن بعضها داخل في بعض، ويخشى على من أنكر توحيد الحاكمية أو هوّن من شأنه أن يكون أسوأ حالا من المشركين الذين عاندوا في توحيد الألوهية فلم ينفعهم توحيد الربوبية، لأن الحاكمية داخلة في كلا التوحيدين ([73]).
ومن أسباب تردد الشيخ ربيع في الحاكمية عدم فهمه لمعناها، فهو مضطرب جداً في تفسيرها، فبينما يراها داخلة في توحيد الربوبية أو الألوهية، إذا به يتلفظ بعبارات ينقض فيها أقواله السابقة، فيجعل الحاكمية في مقابل التوحيد، مما يشعر بأنها ليست منه، ومن خلاله عباراته الآتية ستجد أن الحاكمية عنده على معان متعددة:
1 - الحاكمية بمعنى الحكم بالشريعة الإسلامية:
يقصر الشيخ معنى الحاكمية على تحكيم الشريعة الإسلامية، ويجعلها في مقابل التوحيد الذي دعا إليه الأنبياء، فالحاكمية عنده هي الجانب القضائي في الإسلام، وهو كثيراً ما ينتقد الجماعات الإسلامية التي تطالب الحكام بتحكيم الشريعة الإسلامية وترك القوانين الوضعية بأنها لا تعتني بالدعوة إلى التوحيد، ويذكر الشيخ أن الحكام إذا عرفوا التوحيد فإنهم سَيُحَكِّمون الشريعة الإسلامية، وإذا رفضوا التوحيد فلن يحكموا بالشرع، وأن الحكمة تقتضي البدء بالدعوة إلى التوحيد أولاً، وعدم مجاوزته إلى الحاكمية، وأن هذا هو منهج الأنبياء، قال الشيخ:
(وهم -[أي: الحكام]- سيكونون على أتم الاستعداد لتنفيذ حاكمية الله في الأرض، وإذا رفضوا هذا فسوف يرفضون الحاكمية أيضاً ولن يستجيبوا لك، ومن السفه ومن مخالفة دين الأنبياء ومنهجهم أن تقفز إلى الحاكمية وتترك كل هذه الأشياء كما تفعل كثير من الدعوات) اهـ([74]).
هذا هو الذي يؤكده الشيخ ويكرره كثيرا، وكأن الحاكمية ليست من التوحيد الذي دعا إليه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ويمكن أن يقال في الرد على كلام الشيخ هنا، أنه إذا كان الحكام كفارا أصليين فكلامه صحيح، أما إذا كانوا كفارا مرتدين بجحد الشرع المطهر وإقصائه، واستبداله بالقوانين الوضعية، والتشريع العام للناس بما يحل الحرام ويحرم الحلال، وتوفرت فيهم شروط التكفير، وانتفت الموانع، فإنما تكون دعوة أولئك الحكام المرتدين فيما كفروا به وضلوا فيه، فيبين لهم وجوب تحكيم الكتاب والسنة، وأن من تركهما وحكَّم غيرهما في رقاب الناس وأموالهم وبدَّل شرع الله فقد كفر وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم، كما فعل الصحابة رضي الله عنهم بمانعي الزكاة، إذ أجمعوا على قتالهم واستحلال دمائهم، لأنهم تركوا حقا من حقوق شهادة أن لا إله إلا الله التي هي أصل التوحيد، ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه قال يجب أن نعلمهم التوحيد أولاً قبل أن نقاتلهم على الزكاة!
2 - الحاكمية بمعنى الوصول إلى سدة الحكم وأنها من منهج الخوارج:
للشيخ عبارات تدل على أن الحاكمية عنده هي الوصول إلى الحكم، وأنها في تصوره أمرٌ سياسي وليس عقديا، وكأن الحاكمية ليست من التوحيد في شيء، فمن أمثلة عباراته في هذا أنه قال:
(ويأتي إنسان يعني امتلأ فكره بالحاكمية، بالسياسة، سياسي، سياسي يبغى يوصل إلى الحكم، ويقود الناس، بحاكمية، الله أعلم أيش شكلها، ويقول لا إله إلا الله معنى لا حاكم إلا الله، ارجعوا إلى تفسير الصحابة والتابعين وفقهاء الإسلام منذ نزلت لا إله إلا الله إلى يومك هذا، تجد هذا التفسير؟ ما في تفسير إلا الآن في هذا العصر، هذا تفسير غلط) اهـ([75]).
وذكر حديث الخوارج، ثم قال:
(وهم والله خير من هذه الأحزاب التي تألبت على السلفية فسحقتها، والله أصح عقيدة وأصدق ديناً من هؤلاء، ما كان عندهم شرك في الربوبية ولا كان عندهم شرك في الإلهية ولا عندهم شرك في الأسماء والصفات، عندهم انحراف في الحاكمية) اهـ([76]).
كذا قال، وكأن الخوارج خرجوا على الصحابة رضي الله عنهم وقاتلوهم لغرض سياسي، وهو الصراع على سدة الحكم، وأن الصحابة لم يقاتلوهم لانحرافهم في التوحيد، وهذا غير صحيح، لأن أصل انحراف الخوارج إنما هو في الإيمان الذي هو أصل التوحيد وأساس العقيدة، وفي الغلوّ في نصوص الوعيد، مما أدى بهم إلى إخراج مرتكب الكبيرة التي دون الشرك من الإيمان، والحكم عليه بالكفر، واستحلال دمه وماله وعرضه.
وكلام الشيخ هنا يدل على أنه يجهل حقيقة انحراف وضلال الخوارج([77])، ويُشعِر بأن الحاكمية عنده ليست من التوحيد، بل لقد تمادى وغلا فجعل الدعوة إليها من منهج الخوارج!
وإذا كان الشيخ يفسر الحاكمية في عصر الصحابة رضي الله عنهم بالصراع السياسي على الحكم، ولا يربطه بالتوحيد، بل يجعله من منهج الخوارج! فإنه يفسر الحاكمية في العصر الحاضر بمطالبة الحكام بتحكيم الشريعة بدلا من الدساتير الوضعية، وأن ذلك لأهداف سياسية للوصول إلى العرش والصراع على الكرسي، وكأن الدعوة إلى تحكيم الشريعة لا علاقة لها بالتوحيد! قال الشيخ:
(وكذلك موسى عليه الصلاة والسلام ما صارع فرعون على الكرسي ما قال أنت تحكم بغير ما أنزل الله، ومن الخطأ الآن تأتي لواحد علماني ملحد زنديق تجي تصارعه على الكرسي أولاً ادعه إلى التوحيد كدعوة موسى فرعون إلى توحيد الله تبارك وتعالى فهذا الطاغية الخبيث المنحرف تدعوه إلى توحيد الله إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وعرف معناها قلنا له: تعال احكم بما أنزل الله وإلا أنت لا تزال في دائرة الكفر ما خرجت إلى الآن، لكن من الخطأ أن تسدل الستار على كل هذه الأشياء، وتأتي تناوش القذافي ولاّ صدام ولاّ الأسد على الحاكمية وتطالبه بدستور وتأتي لحكومة عدن الشيوعية وتطالبها بدستور قبل أن تبين لها توحيد الإسلام، هذه صراعات سياسية لها أهواء وأغراض فقط للوصول إلى العرش)اهـ ([78]).
هكذا يخلط الشيخ الأمور، ولا يفرق بين الكافر الأصلي والمرتد بجحد شريعة الله تعالى وتبديلها، ثم يتمادى الشيخ فيخرج الحاكمية من التوحيد، بل يجعلها بدعة من منهج الخوارج!
3 - الحاكمية بمعنى الإمامة وأنها من منهج الروافض:
لما فسر الشيخ معنى الحاكمية بالوصول إلى الحكم، وأنها مما انحرف فيه الخوارج، أدّى به ذلك إلى انحراف آخر لا يقل خطورة عما سبق، وهو جعل الحاكمية من منهج الروافض الذين يجعلون الإمامة أصلاً من أصول الإسلام، فالحاكمية عند الشيخ هي الحكم، والحكم هو الإمامة، والحاكمية من أصول الإسلام، فالحكم الذي هو الإمامة كذلك، واستنتج بعد هذا التسلسل العجيب أن الدعاة استغلوا ذلك التداخل في هذا المعنى، فهتفوا بالحاكمية بدلا من الإمامة لئلا يوصفوا بالرفض، فنعت الدعاة الذين يطالبون الحكام المسلمين بتحكيم الشريعة الإسلامية بأن منهجهم منهج الروافض الذين ينادون بالإمامة، فقال:
(ثم جاء سيد قطب وحولها إلى الحاكمية، بدل من أن يقول: الإمامة، الإمامة، ويكون رافضي، ها، قال: الحاكمية، الحاكمية، الحاكمية، هو أخذ الدعوة إلى الحاكمية من المودودي، المودودي يقول: الإمامة وأنها أصل من أصول الإسلام عنده، فهذا لو جاء قال: الإمامة أصل من أصول الإسلام أنهم سيدرسون وسيعرفون أن هذا منهج الروافض فحولها إلى الحاكمية فهذه لعبة سياسية، الهتاف الآن باسم الحاكمية، وأصلها منهج الروافض إلى ما زعموه أنه الإمامة وأنه أصل من أصول الإسلام) اهـ ([79]).
وتكلم الشيخ عن كتابات سيد قطب رحمه الله في الحاكمية، وذكر أنه يكفِّر بها، وسأله عن معنى الحاكمية في انفعال وغضب، فقال:
(ولا تظنوا أن كتابات سيد قطب تبتعد عن هذا بل والله تدور في هذا المجال، الحاكمية عند سيد قطب هو يكفّر بالحاكمية، الذي يخالف الحاكمية يكفّر به، لكن تعال اسأله ما هي الحاكمية عندك يا سيد قطب؟ ما هي الحاكمية عندك أيها الشتّام لأصحاب رسول الله والمكّفر لهم والمكّفر للأمة، هات ما هي الحاكمية)اهـ([80]).
قلت: لا شك في كفر من ينكر توحيد الله تعالى في الحاكمية، ومعنى الحاكمية عند سيد قطب واضح لا خفاء فيه، فقد قال رحمه الله:
(إن السياق القرآني يستند في تقرير أن الحكم بما أنزل الله هو الإسلام، وأن ما شرعه الله للناس من حلال وحرام هو الدين، إلى أن الله هو الإله الواحد لا شريك له في ألوهيته، وإلى أن الله هو الخالق الواحد لا شريك له في خلقه، وإلى أن الله هو المالك الواحد لا شريك له في ملكه... ومن ثم فإن الحكم بشريعة الله هو دين كل نبي، لأنه هو دين الله، ولا دين سواه... ولأن الله هو وحده الإله، وهو وحده الخالق، وهو وحده المالك، فهو وحده الذي يشرع وهو وحده الذي يحلل ويحرم، وهو وحده الذي يطاع فيما يشرع وفيما يحرم أو يحلل، كما أنه هو وحده الذي يعبد، وهو وحده الذي يتوجه إليه العباد بالشعائر)اهـ ([81]).
فهل تنكر هذه الحاكمية يا شيخ ربيع؟
ولكن شأن الشيخ ربيع في الحاكمية، كشأن التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، فبعد أن أقر الشيخ بأنها من التوحيد، إذا به يتناقض ويضطرب فيحصرها في الجانب القانوني، أو الصراع على الحكم، ثم يغلو فيجعلها من بدع الخوارج! أو بمعنى الإمامة عند الروافض!
ولا نملك في ختام هذا الفصل إلا أن نعود إلى تساؤلات الشيخ التي وجهها إلى الأستاذ سيد قطب -رحمه الله- ونردها عليه، فنقول له: ما هي الحاكمية عندك يا شيخ ربيع؟! وإذا كنت تقر بأنها من التوحيد، فلماذا تنكر على من يطالب بها الحكام الجاحدين للشريعة الإسلامية؟ ولماذا تبدع وتضلل من يدعو الناس إليها؟ وإذا كنت تقر بأنها من التوحيد فبأي حق تحصرها في الجانب السياسي والصراع على الحكم؟ وإذا كنت تقر بأنها من التوحيد فكيف ينقلب شأنها عندك لتكون من منهج الخوارج والروافض؟

8 - فصل في التكفير
يصرح الشيخ ربيع في كثير من المناسبات بأنه على منهج السلف أهل السنة والجماعة في كل شيء، ومن ذلك التكفير، ولكني وجدت له عبارات تدل على عدم استيعابه وفهمه لضوابط التكفير، ووجدته من الناحية العملية في تنزيل الأحكام على الأعيان على غير طريقة السلف، بل تجده أقرب ما يكون إلى منهج الغلاة الذين لا اعتبار عندهم لاستيفاء الشروط وانتفاء الموانع، ويرجع ذلك فيما أرى إلى قصور معرفته بضوابط التكفير عند السلف، ثم إلى عجلته المذمومة، وحدته البالغة تجاه من يخالفه الرأي، وعدم اعتداده بمواقف وآراء كبار العلماء كابن باز والألباني وغيرهما، كما أن عنده انتقائية وازدواجية في الحكم على الأفراد والجماعات فلا يطرد على منهج، حيث يقرر شيئا ثم يعود فينقضه أو يقيده ويستثني فيه.
فمثلا يؤكد الشيخ بكل شدة على أنه لا يكفر المعين إذا وقع في الكفر إلا بعد إقامة الحجة عليه، فيقول:
(أنا ما أكفر إلا من قامت عليه الحجة، وأما من لم تقم عليه الحجة ولو وقع في الكفر فإني لا أكفره، هذا هو الذي ندين الله به، أما ما يفتريه علينا المفترون الكذابون فهذا يعني افتروا على الأنبياء وافتروا على الصحابة...) اهـ ([82]).
ولكنه يتراجع عن ذلك إذا كان الأمر متعلقا بالأستاذ سيد قطب -رحمه الله- فيرى أن تكفيره لا يحتاج إلى إقامة الحجة، ثم يؤصل لما ذهب إليه، بأنه لا يشترط إقامة الحجة إلا في الأمور التي تخفى، أما المعلوم من الدين بالضرورة فلا يشترط فيه إقامة الحجة، فقال في سياق كلامه على سيد قطب: (أما قضية طعنه [يعني: سيد قطب رحمه الله] في نبي الله موسى والقول بخلق القرآن فهذه لا تحتاج في نظري إلى إقامة حجة، لأن الحجة فيها قائمة بذاتها، فعند المسلمين وعند اليهود وعند النصارى وحتى يمكن عند الهنادك، يعني يعرفون مقام موسى عليه الصلاة والسلام، ويعرفون أنه نبي كريم، وما أظنهم يسخرون به كما سخر منه سيد قطب عامله الله بما يستحق، والسلف كفّروا من ينتقص نبياً من الأنبياء ولا يقبلون له عذراً أبداً، فإن هذا من البدهيات التي يعرفها حتى أجهل الناس فكيف بسيد قطب، فلا يشترط أن تقام عليه الحجة، الحجة في الأمور التي تخفى، أما إذا كان أمراً معلوماً من الدين بالضرورة فيجحده أو يخدش فيه ويسخر منه فهذا الحجة قائمة فيها ولا تحتاج إلى من يقيم على من يخدش فيها إلى إقامة حجة) اهـ([83]).
وأمر الشيخ عجيب في تكفير سيد قطب، فبينما تراه هنا يكفره تكفيرا صريحا لا يحتاج معه إلى إقامة الحجة، إلا أنه يقول: (لم أكفر سيد قطب لا من قريب ولا من بعيد)! ([84])، وسيأتي مزيد من التوضيح لموقفه من سيد قطب([85])، ولكن المراد هنا هو معرفة معنى التكفير وضوابطه عند الشيخ ربيع؟ فأما ضوابطه فقد تقدم اضطرابه فيها، وأما معناه عنده فكأنه لا يكون إلا بإطلاق اللفظ الصريح، وهو قول: (كافر) أو (مرتد) فقط، وأما غيرهما من الألفاظ، كقوله: اليهود والنصارى إخوانه، الجعد أحسن منه ألف مرة، فكره علماني ماسوني، اشتراكي، رافضي، باطني، يسب الأنبياء، ويطعن في الصحابة، يقول بخلق القرآن، وبوحدة الوجود، واجتمعت فيه بدع الثلاث والسبعين فرقة، الخ... فلا يفهم منها التكفير أبداً عند الشيخ، بل لو جمع هذه الألفاظ كلها في شخص واحد، كسيد قطب، فلا تكون تكفيرا له، إلا إذا نص على الكفر، فقال: (كافر) أو (مرتد)! لعل هذا هو معنى التكفير عند الشيخ ربيع، لأنه وصف سيدا بتلك الألفاظ وأكثر منها إلا هذين اللفظين ثم قال بعد ذلك إنه لم يكفره لا من قريب ولا بعيد! فتأمل!
كما أنه كفّر حكومة السودان عندما أعلنت تطبيق الشريعة الإسلامية، ووصفها بأنها حكومة طاغوتية، وقوله: طاغوتية، من ألفاظ التكفير، ولم يشترط إقامة الحجة عليها، فقال:
(لماذا ما يتكلمون في حكومة السودان، وهي طاغوتية الآن، لماذا لا يتكلمون في حكومة اليمن، لماذا لا يتكلمون في حكومة إيران، لماذا لا يتكلمون في حكومة أفغانستان) اهـ([86]).
والخلاصة أن الشيخ -عفا الله عنا وعنه- يطلق لسانه وقلمه في تكفير الأعيان والجماعات والدول، لا يتورع عن نعتهم بألفاظ الكفر، ومنهجه هذا خطير جداً لأن له تلاميذ وأتباعا متعصبين، ولا تؤمن عواقبهم في المستقبل.
والعجيب أن الشيخ يشنع على بعض مخالفيه من الدعاة السلفيين لأنهم في نظره تكفيريون، وهو أولى بهذا الوصف منهم، بل يصدق عليه القول: (رمتني بدائها وانسلت)!

9 - فصل في التبديع
يسير الشيخ ربيع في التبديع على قاعدة: (من وقع في البدعة فهو مبتدع)، ويشترط أن تكون البدعة ظاهرة، كالمشاركة في الموالد والدخول في التصوف، فمن وقع في شيء من ذلك فهو مبتدع، ولا يشترِط إقامة الحجة في تبديع المعين مطلقا، سواء كانت البدعة مكفرة أو مفسقة، وذلك لتعذر إقامة الحجة على كل الناس، ولأن اشتراط إقامة الحجة إنما هو في التكفير فقط، فالقاعدة عنده أن من قال بالبدعة أو وقع فيها فهو مبتدع، ولكنه لا يُكَفِّره بالبدعة المكفرة إلا بعد إقامة الحجة.
قال الشيخ:
(من قال بالرفض أو رأي الخوارج أو قال بخلق القرآن فهذا يُبَدَّع لاشك)، فسأله أحد الحاضرين: من غير قيام الحجة؟ فأجاب: (من غير قيام الحجة، يشترط في هذه الأمور قيام الحجة يشترط في التكفير، هو مبتدع في هذه الحال لكن لا تكفره إلا بعد قيام الحجة)، فسأله السائل: لكن تبديع يُبَدَّع إذا كانت البدعة مكفرة؟ فأجاب الشيخ: (يُبَدَّع)، فسئل: وإذا كانت غير مكفرة فلا يبدع؟ فأجاب الشيخ: (حتى لو غير مكفرة، إذا كانت بدعة ظاهرة شارك في الموالد، دخل في التصوف، يُعد من المبتدعين، ولا نقدر نقول روافض ولا صوفية ولا... لأنا ما نقدر نقيم الحجة على كل الناس فهم مبتدعة) اهـ([87]).
قلت: قوله هذا صريح في أن كل من دخل أو شارك في بدعة ظاهرة فهو مبتدع! ويحشر في زمرة المبتدعين! وهذا القول على إطلاقه ظاهر البطلان، فللعلماء تفصيل مهم في هذه المسألة، لا أدري كيف غفل عنه الشيخ؟ فقد فرق العلماء بين رمي المعين بالبدعة، وبين وصفه بالمبتدع، فلا يلزم من التبديع ببدعة وإن كانت ظاهرة أن يوصف صاحبها بأنه مبتدع، فضلا عن إجراء أحكام المبتدعة عليه كالتعزير والهجر والحكم عليه بالكفر أو الفسق على حسب بدعته، وإلا لزم منه أن يُصَنَّفَ كثيرٌ من علماء السلف والخلف وحملة السنة ورواتها ممن رمي بنوع بدعة في المبتدعة! والذي قرره شيخ الإسلام ابن تيمية والشاطبي وغيرهما -رحمهم الله- هو التفريق بين من خالف في المعاني الكلية للدين وقواعد الشريعة وأصولها العظيمة، فهذا مبتدع، وبين من كان على مذهب أهل السنة والجماعة في الجملة إلا أنه خالف في جزئيات أو فرعيات، ولم يفرق بها جماعة المسلمين ولا داعيا إليها ولم يوالِ ويعادِ عليها، فهذا من نوع الخطأ، ولا يُبَدَّع، فإذا كان مع ذلك جاهلا أو مقلدا فالله تعالى يغفر للمؤمنين خطأهم في مثل ذلك، وإذا كان عالما مجتهدا فإنه متأول مأجور على اجتهاده، لأن الظن به أنه يقصد الحق، ولم يتعمد البدعة، فلا يليق أن يسمى مبتدعا([88]).
قال شيخ الإسلام في شرح حديث الافتراق: (... وَمِمَّا يَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الطَّوَائِفَ الْمُنْتَسِبَةَ إلَى مَتْبُوعِينَ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَالْكَلامِ عَلَى دَرَجَاتٍ: مِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ قَدْ خَالَفَ السُّنَّةَ فِي أُصُولٍ عَظِيمَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إنَّمَا خَالَفَ السُّنَّةَ فِي أُمُورٍ دَقِيقَةٍ، وَمَنْ يَكُونُ قَدْ رَدَّ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الطَّوَائِفِ الَّذِينَ هُمْ أَبْعَدُ عَنْ السُّنَّةِ مِنْهُ ; فَيَكُونُ مَحْمُودًا فِيمَا رَدَّهُ مِنْ الْبَاطِلِ وَقَالَهُ مِنْ الْحَقِّ... - إلى أن قال رحمه الله: -... وَمِثْلُ هَؤُلاءِ إذَا لَمْ يَجْعَلُوا مَا ابْتَدَعُوهُ قَوْلا يُفَارِقُونَ بِهِ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ، يُوَالُونَ عَلَيْهِ وَيُعَادُونَ، كَانَ مِنْ نَوْعِ الْخَطَأِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ خَطَأَهُمْ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، ولهذا وَقَعَ فِي مِثْلِ هَذَا كَثِيرٌ مِنْ سَلَفِ الأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا، لَهُمْ مَقَالاتٌ قَالُوهَا بِاجْتِهَاد وَهِيَ تُخَالِفُ مَا ثَبَتَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بِخِلافِ مَنْ وَالَى مُوَافِقَهُ وَعَادَى مُخَالِفَهُ وَفَرَّقَ بَيْنَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَكَفَّرَ وَفَسَّقَ مُخَالِفَهُ دُونَ مُوَافِقِهِ فِي مَسَائِلِ الآرَاءِ وَالاجْتِهَادَاتِ، وَاسْتَحَلَّ قِتَالَ مُخَالِفِهِ دُونَ مُوَافِقِهِ فَهَؤُلاءِ مِنْ أَهْلِ التَّفَرُّقِ وَالاخْتِلافَاتِ...) إلى آخر ما قاله رحمه الله فليراجع ([89]).
أما اشتراط الشيخ قيام الحجة في التكفير بالبدعة المكفرة فقط، فمفهومه عدم اشتراطها في تفسيق المبتدع بالبدعة المفسقة، وهذا غير صحيح، إذ لا بد فيهما من استيفاء الشروط وانتفاء الموانع، لا فرق بينهما في ذلك ([90]).
ومن طريقة الشيخ في التبديع أنه لا يقتصر فيه على البدع المعروفة المخالفة للسنة، بل يعدّ من خالفه في مسألة من المسائل مبتدعا! وهذا واضح في موقفه من الشيخ بكر أبو زيد، لأنه لم يوافقه على كتاب (الأضواء)، فما كان من الشيخ إلا أن عدّه في أنصار البدع وحماتها، فقال:
(لكن للأسف لم يفاجأ أهل السنة به [أي: الشيخ بكر أبو زيد] إلا وهو في الضفة الأخرى، ضفة أنصار البدع وحماتها والذابين عن زعمائها ومناهجهم وأفكارهم) اهـ([91])، فانظر كيف بدّعه وعاداه وجعله من رؤوس البدع وأنصارها، فإلى الله المشتكى!
كما أن من طريقته -عفا الله عنه- أنه يكيل بمكيالين، فيبدع سيد قطب ولا يبدع غيره ممن وقع في جنس ما أخطأ فيه سيد، وقد أدت طريقته هذه إلى ظهور من هو أشد خطرا منه في باب التبديع، إذ انشق عنه محمود الحداد وأتباعه الذين ساروا على منهج مضطرد في تبديع كل من قال بالبدعة أو وقع فيها، فبدّعوا النووي وابن حجر وغيرهما من العلماء، نسأل الله العافية والسلامة! ([92])
ومن أخطر الأمور التي ذهب إليها الشيخ ربيع في هذا الباب أنه يرى بغض أهل البدع مطلقا بلا تفصيل، ويزعم أن هذا هو مذهب السلف، ويرد كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وأقواله المشهورة في محبة أهل البدع بقدر ما فيهم من خير، وبغضهم بقدر ما فيهم من شر، ويزعم أن شيخ الإسلام مخالف لأئمة السلف في هذا الباب! ويتهم الإمام الذهبي بالتساهل مع أهل البدع، ويتجاوز في عباراته حدود الأدب مع العلماء، كما سيأتي مفصلا ([93]).
والخلاصة أن الشيخ ربيعا على طريقة الغلاة في بغض أهل البدع وتفسيقهم بالبدعة مطلقا بلا تفصيل.

10 - فصل في الإنكار على الولاة
سئل الشيخ ربيع المدخلي فقيل له:
في حديث من أراد أن ينصح لذي سلطان فليأخذ بيده يعني وينصحه سراً، نجد فعل بعض الصحابة الإنكار على الوالي علناً؟
فأجاب الشيخ:
(...كان معظم الصحابة لا ينصحون إلا سراً، فهذا صحابي واحد بارك الله فيك رأى هذا الأمير وقع في مخالفة السنة فنصحه، شفت كيف؟ وأما بارك الله فيك غالباً نصائح الصحابة فكانت في السر، منهم أسامة بن زيد كما في البخاري) -إلى أن قال- (فعمل هؤلاء مثل عمل جماعة ابن سبأ فهؤلاء أسوة ابن سبأ كان هو وأصحابه يتحركون على المنابر للفتن فحصلت الفتن فهؤلاء يشبه عملهم عمل ابن سبأ وجماعته لا عمل أبي سعيد ومن معه، فهمتم هذا...)، فقال السائل: إذاً النصيحة سراً، يعني واجبة؟ فقال الشيخ: (سر، نعم، هي سر، واجبة على من يقدر)اهـ ([94]).
قلت: الذي أشكل على ذلك السائل هو التعارض -في ظنه- بين حديث عياض بن غَنْم t في نصيحة الولاة سرا وبين ما ثبت عن بعض الصحابة أنه أنكر على بعض الولاة علنا، والواقع أنه لا تعارض بينهما كما سيأتي، ولكن الشيخ لم يفقه الفرق بين الحديثين، ولا بين النصيحة وإنكار المنكر، فأجاب بأن الإنكار على الولاة يتعين أن يكون سرا، لفعل أكثر الصحابة، وأنه لا حجة في مخالفة صحابي واحد! بل صرح الشيخ أن من جاهر بالإنكار على الولاة فإنه على طريقة ابن سبأ وأهل الفتن!
وقد أخطأ الشيخ في جوابه هذا من وجوه كثيرة، منها: عدم تفريقه بين حديث عياض بن غَنْم t في النصيحة وحديث أبي سعيد t في إنكار المنكر، وعدم تفريقه بين ولاة العدل وولاة الجور، وإبطاله الإنكار العلني على الولاة، وجعل ذلك من عمل ابن سبأ اليهودي وأهل الفتن، والاحتجاج بحديثٍ في غير موضعه، وعدم الجمع بين النصوص، وعدم اعتباره اختلاف الصحابة رضي الله عنهم، وزعمه أن أكثر الصحابة رضي الله عنهم تركوا الإنكار على الولاة، ودعواه أن المخالف لمعظمهم صحابي واحد فقط، وجهله بإنكار كثير من أئمة السلف على ولاة الجور
والرد عليه من اثني عشر وجها:
الأول: إن بين النصيحة وإنكار المنكر عموما وخصوصا وجهيا، فالنصيحة أعم من الإنكار، وذلك أنه يدخل في النصيحة عموم الأمر والنهي من مسائل الاجتهاد وغيرها، أما الإنكار فقد اختلف أهل العلم فيمن قلده السلطان الحِسبة في ذلك، هل يحمل الناس على رأيه ومذهبه أم لا؟ على قولين ([95])، أرجحهما أنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد، ورجحه النووي حتى لو كان المحتسب من أهل الاجتهاد، فليس له أن يلزم الناس بمذهبه، لكنه استثنى ما خالف النص أو الإجماع أو القياس الجلي، وعزاه إلى أكثر المحققين من أهل العلم، فقال: (... وكذلك قالوا: ليس للمفتى ولا القاضي أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نصا أو إجماعا أو قياسا جليا) اهـ ([96]).
وإنكار المنكر أعم من النصيحة من جهة أن الإنكار قد يكون بتغييره باليد، أما النصيحة فهي تذكير وموعظة، ولا تكون باليد وإلا كانت إنكارا.
والأصل في النصيحة أن تكون سرا، لأنها أدعى للقبول، لاسيما إذا كان المنصوح من الولاة، دلّ على ذلك حديث عياض بن غَنْم t مرفوعا: (من أراد أن ينصح لسلطان بأمر فلا يبد له علانية، ولكن ليأخذ بيده فيخلو به، فإن قَبِل منه فذاك، وإلا كان قد أدّى الذي عليه له) رواه أحمد ([97])، ولأن الإعلان بها على رؤوس الناس يخرجها عن النصيحة لتصبح تشهيرا وفضيحة، وغالبا ما يترتب على ذلك من المفاسد أكثر من المصالح.
أما الإنكار فالأصل فيه أن المنكر الظاهر ينكر علنا إلا إذا ترتب على الإنكار فتنة أعظم لما سيأتي، أما المنكر الخفي فلا يبحث عنه المحتسب وإن غلب على ظنه وقوعه، أو ظهرت له أماراته وآثاره، إلا في انتهاك حرمة يفوت استدراكها، كأن يبلغه أن رجلا خلا برجل ليقتله، أو بامرأة ليزني بها، فله في مثل هذه الحال أن يتجسس ويقدم على الكشف والبحث حذرا من فوات ما لا يستدرك([98]).
الثاني: ظاهر حديث عياض بن غَنْم t في الإسرار بالنصيحة للسلطان أنه في ولاة العدل، وكذا أثر أسامة بن زيد في إسراره بالنصيحة للخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنهما، فينبغي حمل هذين الخبرين على ولاة العدل([99])، ولا حجة في الاستدلال بهما على منع الجهر بالإنكار على ولاة الجور، وقد ورد في السنة ما يدل على التفريق بين ولاة العدل الذين يدعى لهم ويستغفر لهم، وبين ولاة الجور الذين يلعنون ويدعى عليهم ويؤخذ على أيديهم، فعن عمر بن الخطاب t، عن النبي r قال: (ألا أخبركم بخيار أمرائكم وشرارهم: خيارهم الذين تحبونهم ويحبونكم وتدعون لهم ويدعون لكم، وشرار أمرائكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم) رواه الترمذي([100]).
الثالث: حديث: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم ([101])، استدل به الراوي، وهو أعلم بما يروي، وهو أبو سعيد الخدري t على إنكار الرجل على الأمير مروان بن الحكم عندما بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة، ففي صحيح مسلم عن طارق بن شهاب قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة، فقال: قد تُرِك ما هنالك، فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله r يقول: فذكر الحديث... ([102]).
الرابع: هناك نصوص ثابتة تدل على وجوب الإنكار على ولاة الجور، فعن أم سلمة رضي الله عنها، أن رسول الله r قال: (إنه يستعمل عليكم أمراءفتعرفون وتنكرون فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم ولكن من رضي وتابع قالوا: يا رسول الله ألا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلوا) رواه مسلم ([103])، قلت: فكيف بمن داهنهم وأعانهم؟ وعن أبي بكر t، سمعت رسول الله r يقول: (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقابه) رواه أحمد([104])، والإنكار على مراتب، فأما بالقلب فواجب على كل حال، وأما الوجوب باللسان أو اليد فمقيدان في الحديث بالاستطاعة، قال r: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم ([105]).
الخامس: الإنكار في هذه النصوص عام، فيشمل الإنكار العلني، وهو المشهور من فعل السلف، قال إمام الحرمين: (إن غير الولاة في الصدر الأول والعصر الذي يليه كَانُوا يَأْمُرُونَ الْوُلاة بِالْمَعْرُوفِ , وَيَنْهَوْنَهُمْ عَنْ الْمُنْكَر , مَعَ تَقْرِير الْمُسْلِمِينَ إِيَّاهُمْ , وَتَرْكِ تَوْبِيخهمْ عَلَى التَّشَاغُل بِالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر مِنْ غَيْر وِلايَة) اهـ ([106]).
السادس: إنكار المنكر له شروط، منها: مراعاة المصالح والمفاسد وألا يفضي إنكار المنكر إلى منكر أعظم منه، ولذا كان الأصل الذي عليه أهل السنة هو الإسرار بالإنكار على ولاة العدل، والتلطف بهم لأنه أجدر بالقبول، ولا ينكر عليهم علانية خشية افتراق الكلمة وفتح أبواب الشر والفتنة، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (ومن دقيق الفطنة أنك لا ترد على المطاع خطأه بين الملأ، فتحمله رتبته على نصرة الخطأ وذلك خطأ ثان، ولكن تلطف في إعلامه به حيث لا يشعر به غيره) اهـ([107])، ويدل عليه حديث عياض بن غَنْم t ([108])، وأثر أسامة بن زيد t ([109])، لكن هل يلزم من هذا ترك الإنكار العلني مطلقا؟ الصحيح أنه لا يلزم، قال النووي في شرح أثر أسامة بن زيد t: (فيه الأدب مع الأمراء واللطف بهم ووعظهم سرا وتبليغهم ما يقول الناس فيهم لينكفوا عنه، وهذا كله إذا أمكن ذلك، فإن لم يمكن الوعظ سرا والإنكار فليفعله علانية لئلا يضيع أصل الحق)اهـ([110]).
السابع: من جهر بالإنكار على إمام جائر وتحمل الأذى في سبيل ذلك، لم يكن مخالفا للسنة البتة، بل هو متبع لها، وجعله النبي r من أفضل المجاهدين، وسادات الشهداء، والدليل حديث جابر t، أن النبي r قال: (سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله) رواه الحاكم ([111])، وعن طارق بن شهاب أن رجلا جاء إلى النبي r فقال: أي الجهاد أفضل؟ قال (كلمة حق عند إمام جائر) رواه أحمد([112])، وهذا نص صريح يدل على استحباب الجهر بالإنكار على ولاة الجور، فكيف يصح أن يكون سادة الشهداء وأفضل المجاهدين مخالفين للسنة، فضلا عن أن يكونوا على طريقة ابن سبأ وأهل الفتن؟
الثامن: قياس الشيخ عمل المنكرين على الولاة على طريقة ابن سبأ وأهل الفتن من أبطل القياس وأفسده، فطريقة ابن سبأ اليهودي وأهل الفتن أنهم يؤلبون الناس على الولاة بطريقة سرية باطنية جبانة انطلاقا من عداوتهم للإسلام وأهله فشتان بينهم وبين أهل الصدق والنصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم الذين يصدعون بالحق لا يخافون لومة لائم، فيؤدون ما عليهم، ويقومون بالكفاية، ويسقطون الإثم عن عموم الأمة، ويدفع الله تعالى بهم عذابه عنها.
التاسع: ذهب بعض السلف إلى أنه لا غيبة للإمام الجائر، والمعلن بفسقه، وصاحب البدعة، قال عيسى بن دينار رحمه الله ([113]): (لا غيبة في ثلاثة: إمام جائر، وفاسق معلن بفسقه، وصاحب بدعة) اهـ ([114])، قلت: قد جمع ولاة الجور في زماننا هذه الثلاثة وزيادة.
العاشر: أما قول الشيخ إنه صحابي واحد -يعني الذي أعلن بالإنكار على الأمراء- وأنه خالف معظم الصحابة، فهذا قول غير صحيح، فالحديث مخرج في الصحيحين، أن أبا سعيد الخدري t أنكر على مروان بن الحكم وهو أمير المدينة عندما قدم الخطبة على صلاة العيد، ففي رواية البخاري أن أبا سعيد جذبه بثوبه، وقال له: غيّرتم والله... ([115])، وفي رواية مسلم أن رجلا قام إليه فقال: الصلاة قبل الخطبة... فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله r يقول: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) ([116])، قال الحافظ ابن حجر: (يحتمل أن يكون هو أبا مسعود الذي وقع في رواية عبد الرزاق فإنه كان معهما)([117])، قلت: أبو مسعود هو البدري الأنصاري، صحابي جليل، واسمه عقبة بن عمرو، وجاء في مصنف عبد الرزاق أن أبا سعيد t قال: (... خرجت مع مروان في يوم عيد فطر أو أضحى، هو بيني وبين أبي مسعود...) ([118])، قلت: فهذان اثنان وليس واحداً.
ثم إن الإنكار العلني على الولاة ثابت عن غير واحد من الصحابة، منهم ابن عمر، وأبو جحيفة، وعبد الرحمن بن أبى بكر، وعائشة، وأسماء رضي الله عنهم:
1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قام والحجاج يخطب، فقال: (عدو الله، استحل حرم الله، وخرب بيت الله وقتل أولياء الله)، فقال الحجاج: من هذا؟ فقيل: عبد الله بن عمر، فقال الحجاج: اسكت يا شيخاً قد خرف، فلما صدر الحجاج أمر بعض الأعوان فأخذ حربة مسمومة فضرب بها رجل عبد الله بن عمر فمرض ومات منها، ودخل عليه الحجاج عائدا فسلم، ولم يرد عليه، وكلمه فلم يجبه، أخرجه البخاري مختصرا ([119]).
قال الحافظ: كان ابن عمر يصلي مع الحجاج فلما أخر الصلاة ترك أن يشهدها معه ([120]).
2 - وأنكر أبو جحيفة t على الحجاج تأخير الصلاة، ثم قام أبو جحيفة وصلى ([121]).
3 - وعن يوسف بن ماهك قال: كان مروان على الحجاز، استعمله معاوية فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئا، فقال: خذوه فدخل بيت عائشة، فلم يقدروا... رواه البخاري ([122]).
قال الحافظ ابن حجر: (قَوْلُه: "فَقَالَ لَهُ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر شَيْئًا"، قِيلَ: قَالَ لَهُ: بَيْننَا وَبَيْنكُمْ ثَلاث , مَاتَ رَسُول اللَّه r وَأَبُو بَكْر وَعُمَر وَلَمْ يَعْهَدُوا، كَذَا قَالَ بَعْض الشُّرَّاح وَقَدْ اِخْتَصَرَهُ فَأَفْسَدَهُ , وَاَلَّذِي فِي رِوَايَة الإِسْمَاعِيلِيّ: فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن مَا هِيَ إِلا هِرَقْلِيَّة، وَلَهُ مِنْ طَرِيق شُعْبَة عَنْ مُحَمَّد بْن زِيَاد، فَقَالَ مَرْوَان: سُنَّة أَبِي بَكْر وَعُمَر، فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن: سُنَّة هِرَقْل وَقَيْصَر، وَلابْنِ الْمُنْذِر مِنْ هَذَا الْوَجْه: أَجِئْتُمْ بِهَا هِرَقْلِيَّة تُبَايِعُونَ لأَبْنَائِكُمْ؟ وَلأَبِي يَعْلَى، وَابْن أَبِي حَاتِم مِنْ طَرِيق إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد، حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه الْمَدَنِيّ قَالَ: كُنْت فِي الْمَسْجِد حِين خَطَبَ مَرْوَان فَقَالَ: إِنَّ اللَّه قَدْ أَرَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ رَأْيًا حَسَنًا فِي يَزِيد , وَإِنْ يَسْتَخْلِفهُ فَقَدْ اِسْتَخْلَفَ أَبُو بَكْر وَعُمَر , فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن: هِرَقْلِيَّة إِنَّ أَبَا بَكْر وَاَللَّه مَا جَعَلَهَا فِي أَحَدٍ مِنْ وَلَده ولا فِي أَهْل بَيْته , وَمَا جَعَلَهَا مُعَاوِيَة إِلا كَرَامَة لِوَلَدِهِ، فقال مروان: الست الذي قال لوالديه أف لكما؟ فقال عبد الرحمن: الست ابن اللعين الذي لعن رسول الله r أباك؟ قال: وسمعتهما عائشة فقالت: يا مروان أنت القائل لعبد الرحمن كذا وكذا؟ كذبتَ، ما فيه نزلت، ولكن نزلت في فلان بن فلان...) الخ ([123]).
قلت: فهذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ردت على مروان وهو ولي الأمر آنذاك، ثم آوت عبد الرحمن في بيتها، ومنعته من ولي الأمر، وحاشاها أن تفعل ذلك لو كان عبد الرحمن محدثا مبتدعا مخالفا للسنة، وحاشاه هو من مخالفة السنة والسعي في الفتنة، رضي الله عنهم جميعا.
3 - أما أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها فقصتها مع الحجاج مشهورة، وذلك أنه لما قتل عبد الله بن الزبير t أرسل إليها (فأبت أن تأتيه، فأعاد عليها الرسول لتأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك، فأبت وقالت: والله لا آتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني، فقال:... فأخذ نعليه ثم انطلق يتوذف حتى دخل عليها، فقال: كيف رأيتني صنعت بعدو الله؟ قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك، بلغني أنك تقول له: يا ابن ذات النطاقين، أنا والله ذات النطاقين، أما أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول الله r وطعام أبي بكر من الدواب، وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه، أما إن رسول الله r حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا، فأما الكذاب فرأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه، قال: فقام عنها ولم يراجعها) رواه مسلم ([124]).
قلت: لم يظهر ولاة الجور إلا بعد الخلافة الراشدة، وبعد معاوية t، ولعل ابتداء ظهورهم كان سنة 60 هـ، فعن سعيد بن عمرو بن سعيد، قال: كنت جالسا مع أبي هريرة t في مسجد النبي r بالمدينة ومعنا مروان، قال أبو هريرة t: سمعت الصادق المصدوق يقول: (هَلَكةُ أمتي على يدَيْ غِلْمَةٍ من قريش)، فقال مروان: لعنة الله عليهم غِلْمةً، رواه البخاري ([125])، قال الحافظ: (وفي رواية ابن أبي شيبة أن أبا هريرة t كان يمشي في السوق ويقول: "اللهم لا تدركني سنة ستين، ولا إمارة الصبيان"، وفي هذا إشارة إلى أن أول الأغيلمة كان في سنة ستين، وهو كذلك فإن يزيد بن معاوية استخلف فيها...) اهـ ([126]).
وكان يزيد بن معاوية ينتزع الشيوخ من إمارة البلدان الكبار ويوليها الأصاغر من أقاربه، واتخذ عمالاً فيهم ظلم وجور، قال الذهبي: (افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين t، واختتمها بواقعة الحرة، فمقته الناس، ولم يبارك في عمره) اهـ ([127]).
قلت: ولذلك كثر واشتهر الاحتساب العلني على الولاة بعد الستين، لأن ولاة الجور أخذوا في الظهور شيئا فشيئا بعد ذلك، وقد تقدم نقل كلام إمام الحرمين أن السلف كانوا ينكرون على ولاة الجور ([128])، أما قبل الستين فلم يكن في المسلمين ولاة جور، بل كانوا ولاة عدلٍ وخيرٍ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وإن وقع من أحدهم شيء فهو من الخطأ الذي لا يسلم منه البشر، فكان الإسرار بالنصح هو المتبع فيما بينهم، كما كان أسامة بن زيد ينصح للخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنهم.
الحادي عشر: قول الشيخ: (وقع في مخالفة السنة فنصحه)، قلت: الصواب: أنه أنكر عليه علنا، فقد جذبه بيده وقال له: غيرتم والله، وقال للرجل الذي أنكر عليه: (أما هذا فقد أدى الذي عليه)، واستدل بحديث النبي r في تغيير المنكر، فأين هذا من قوله: (فلا يبد له علانية، وليأخذ بيده، ويخلو به)؟
وإذا كان الأمر مجرد نصيحة لأنه خالف السنة -على حد قول الشيخ- فكيف إذا تمادى ولاة الجور في مخالفة الشرع، والطعن في الشريعة، وموالاة الكفار، والمجاهرة بالكفر والظلم والكبائر والفساد؟!
الثاني عشر: إذا كان الشيخ مُصِرّاً على أن الإنكار العلني على المنابر من منهج ابن سبأ اليهودي وأهل الفتن، فقد اعترف على نفسه بأنه على طريقتهم، حيث قال الشيخ عن نفسه: (الحمد لله، نخطب، ونتكلم، ونقول: هذا منكر، وهذا بدعة، وهذا شرك، وهذا غلط، وهذا على الدولة يجب أن تصححه، وهكذا، والحمد لله موجود، موجود ولله الحمد) اهـ([129]).
قلت: وهو كما ترى يحمد الله على ذلك، وأن نصيبه منه كثير، والمعروف عن الشيخ أنه كان ممن شارك في إنكار المنكر باليد، في حادثة إزالة الصور من المحلات التجارية حول المسجد النبوي عام 1385هـ.
فإذا كان الشيخ يعتقد أنه كان على خلاف السنة، أو على طريقة ابن سبأ وأهل الفتن، عندما كان ينكر على دولة الحرمين في خطبه، وعندما احتسب بلسانه ويده على المحلات التجارية في المدينة، فإنه يجب عليه الآن أن يعلن توبته الصريحة في الخطب على رؤوس الناس، ويعتذر علناً إلى ولاة الأمر، ولا يقبل منه الاعتذار الخفي بحال من الأحوال، لأن ما فعله كان علنيا ظاهرا!

11 - فصل في الخروج على الحاكم الكافر
قال الشيخ ربيع: (يا أخي عرِّف المسلم بالذي له وبالذي عليه، يا أخي إذا رأيت كفراً بواحاً فاخرج على الحاكم، إذا رأيته يحارب من يصلي، ولا يصلي، فكفّره وقاتله..) اهـ ([130]).
قلت: الخروج على الحاكم الكافر مشروط بالاستطاعة وألا يترتب على الخروج عليه مفسدة أعظم من مفسدة عدم الخروج، ولكن الشيخ يطلق الأحكام على عادته دون تفصيل.
وينبغي أن يؤاخذ الشيخ بكلامه هذا وإن لم يكن في معرض بيان الشروط، وذلك على طريقته في معاملة خصومه، ولا أدري ماذا سيقول لو قال هذا الكلام أحد الدعاة؟ أو الأستاذ سيد قطب رحمه الله!؟

   
رد: نص كتاب: الجامع في الرد على المدخلي من خلال أشرطته لأبي عبد الله النجدي وفقه ا

--------------------------------------------------------------------------------
12 - فصل في الأدب مع الصحابة رضي الله عنهم
للشيخ ربيع المدخلي ألفاظ وعبارات لم يتأدب فيها مع الصحابة رضي الله عنهم، فقال الشيخ: (والله لو كان الصحابة فقهاء في أمور السياسة ما ينجحون وما يستطيعوا يستنبطون، الإذاعة والإشاعة يقعون في الفتنة، قضية الإفك طاح فيها كثير من الصحابة) اهـ ([131])، وقال في شريط آخر: (قضية الإفك طاح فيها كثير من الصحابة) اهـ ([132]).
قلت: لا أدري هل يقصد بكلامه هذا الوقيعة في الصحابة رضي الله عنهم بعدم الفقه في السياسة، وعدم القدرة على الاستنباط، والوقوع في الفتنة؟ وماذا كان سيفعل لو قال الأستاذ سيد قطب بعض قوله هذا؟ ولا أدري ما دليله على اتهام كثير منهم بالسقوط في قضية الإفك؟ ولا أظنه يخفى عليه أن الذين جاؤوا بالإفك عصبة -كما قال الله تعالى- أي جماعة، وأن الذي تولى كبره رأس المنافقين: عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه، وليس كثيرا من الصحابة كما زعم، بل لم يقع فيه من الصحابة إلا أفراد قلائل ورد ذكر أسمائهم في كتب السنة والسيرة، فلم يجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة.
وربما تناول الشيخ مسألة من المسائل، فأقحم ذكر الصحابة فيها بعبارات وألفاظ فيها إسفاف ينافي التأدب معهم رضي الله عنهم، كقول الشيخ عندما رد على الذين يستعملون التمثيليات والأناشيد في الدعوة: (لكن الرقص والتمثيل والأناشيد هذه يقولون أنها وسائل دعوة، فهل كان الصحابة يرقصون ويمثلون؟ هذه الوسائل فاسدة، لنقل باطله وما تجوز) اهـ([133]).
قلت: لا أعلم أحدا من أهل السنة يقول إن الرقص من وسائل الدعوة، ولا أن الصحابة كانوا يرقصون ويمثلون! فلماذا يقحم الشيخ ذكرهم رضي الله عنهم في هذه المسألة بهذا الأسلوب الرديء؟
وقد تقدم في الفصل الثالث ما يبين رداءة أسلوب الشيخ ربيع وعدم مراعاته للأدب في الألفاظ مع الصحابة والسلف
أما حكم الأناشيد والتمثيليات الإسلامية فسيأتي نقل كلام أهل العلم والفتوى فيها، في فصل قادم ([134]).

13 - فصل في الفرقة الناجية والطائفة المنصورة
ذهب الشيخ سلمان العودة إلى التفريق بين الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، وبين وجه العموم والخصوص بينهما، وأن الطائفة المنصورة جزء من الفرقة الناجية ولا يلزم أن تكون جميعها، وذكر أدلته على ذلك بالتفصيل ([135])، ولكن الشيخ ربيعا المدخلي لم يوافقه على ذلك، فصنف كتابا كبيرا بعنوان: (أهل الحديث هم الطائفة المنصورة الناجية، حوار مع سلمان العودة) ([136])، زاعما أن ما ذهب إليه الشيخ سلمان العودة مخالف للإجماع! ([137])... وأكثر في التشنيع عليه...
أما في الأشرطة فقد خرج علينا الشيخ ربيع بشيء جديد في هذه المسألة! حيث قال:
(الدوافع إلى التفريق بين الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، إنها دوافع سياسية ماكرة) اهـ ([138]).
قلت: لم يكن الشيخ -هداه الله- بحاجة لأن يقول مثل هذا الكلام، وكان يكفيه أن يذكر ما ترجح عنده بالأدلة وأن يتسع صدره لمخالفه، وأن يتجنب أسلوب التهويل والطعن في النوايا، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في نحو هذه الأساليب من الردود إنه: (ليس فيه من الحجة والدليل أن يخاطب به أهل العلم، فإن الرد بمجرد الشتم والتهويل لا يعجز عنه أحد، والإنسان لو أنه يناظر المشركين وأهل الكتاب لكان عليه أن يذكر من الحجة ما يبين به الحق الذي معه، والباطل الذي معهم) اهـ ([139]).
أما الشيخ الألباني رحمه الله فقد انتصر لما ذهب إليه الشيخ سلمان، وقال إنه ليس بعيدا عن الصواب، وأن بين الطائفة المنصورة والفرقة الناجية عموما وخصوصا ظاهرين، ولكنه آثر عدم الأخذ والرد في هذه القضية درءا للفتنة التي أثارها الشيخ ربيع وأتباعه، فقال رحمه الله: (وأما ما أثاره بعض إخواننا الدعاة من التفريق بين الطائفة المنصورة والفرقة الناجية فهو رأي له، لا أراه بعيدا عن الصواب... -إلى أن قال-... فبين الطائفة والفرقة عموم وخصوص ظاهران، ولكني مع ذلك لا أرى كبير فائدة من الأخذ والرد في هذه القضية حرصا على الدعوة ووحدة الكلمة) اهـ ([140]).
وسئل الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله: هل التفريق بين الطائفة المنصورة والفرقة الناجية تفريق بدعي؟ وهل الخلاف فيه خلاف في الأصول؟
فأجاب قائلا: (التفريق بين الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، أرى أن الطائفة المنصورة أرفع من الفرقة الناجية، لأن الفرقة الناجية ليس لها إلا النجاة، أما تلك فتلك طائفة منصورة يقاتلون من قاتلهم، ولا يزالون ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله، وهم على ذلك، فأوصاف الطائفة المنصور أرفع من أوصاف الفرقة الناجية، فالفرقة الناجية ليس لها إلا النجاة، ثم إن أهل الحديث داخلون دخولاً أولياً في الطائفة المنصورة، وقد تكلمنا على هذا في بعض الأشرطة، وأنا أعرف أن بعض إخواننا في الله لا يرتضي هذا لكن أقول: ليس هناك آية قرآنية، ولا حديث نبوي أنهما مفترقتان، فما أخذناه إلا من ألفاظ وأوصاف الطائفة المنصورة) اهـ ([141]).
فلماذا لم يرد ربيع على الشيخ الألباني والشيخ مقبل رحمهما الله؟

14 - فصل في معنى رؤية النبي r القلبية لربه تعالى
سئل الشيخ ربيع عن رؤية النبي r لربه؟ فكان جوابه:
(ابن عباس يقول رآه بقلبه، وعائشة تقول أنه ما رآه، فهم متفقون أنه لم يره بعينه، أما الرؤية بالقلب؟ أنا أرى الله بقلبي، أنت ما ترى الله بقلبك)؟ فقال السائل: نعم يا شيخ، فقال الشيخ: (تؤمن بالله وعارف أنه فوق السماء وعارفه تعبد الله كأنك تراه، هذه رؤيا قلبية) اهـ ([142]).
قلت: أخطأ الشيخ هنا في مسألتين:
الأولى: في قوله: (فهم متفقون أنه لم يره بعينه)، وهذا غير صحيح، بل فيه خلاف، فقد تنازع العلماء في رؤية النبي r لربه في الدنيا على ثلاثة أقوال:
1 - الإنكار، وهو قول عائشة وابن مسعود رضي الله عنهما.
2 - الإثبات، وهو قول جماعة، منهم ابن عباس، وأبو ذر رضي الله عنهم، وكان الحسن يحلف بالله لقد رأى محمد ربه، وعن كعب: رآه محمد مرتين وكلم موسى مرتين، ثم اختلف في المراد بالرؤية عند من أثبتها، هل هي بالعين أو بالقلب؟ فرجح ابن خزيمة أن الرؤية وقعت مرتين مرة بعينه ومرة بقلبه ([143])، ورجح ابن تيمية أنها بالقلب([144]).
3 - التوقف، رجحه القرطبي وطائفة([145]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(وقد ثبت بالنصوص الصحيحة واتفاق سلف الأمة أنه لا يرى الله أحد في الدنيا بعينه إلا ما نازع فيه بعضهم من رؤية نبينا محمد r خاصة، واتفقوا على أن المؤمنين يرون الله يوم القيامة عيانا كما يرون الشمس والقمر) اهـ ([146])، وقال أيضاً: (أجمع سلف الأمة وأئمتها على أن المؤمنين يرون الله بأبصارهم في الآخرة، وأجمعوا على أنهم لا يرونه في الدنيا بأبصارهم، ولم يتنازعوا إلا في النبي r) اهـ ([147])، وقال: (وما زال السلف يتنازعون في كثير من المسائل، ولم يشهد أحد منهم علىأحد لا بكفر ولا بفسق ولا معصية...) ثم أورد أمثلة لما اختلف فيه بعض الصحابة، كاختلافهم في رؤية النبي r ربهسبحانه، وفي سماع الميت كلام الحي، وفي تعذيب الميت ببكاء أهله عليه ([148]).
وبهذا ينتفي ما ادعاه الشيخ من الاتفاق، وأما الأرجح من هذه الأقوال فأنقل هنا ما قرره شيخ الإسلام رحمه الله إذ قال:
(أما الرؤية فالذي ثبت في الصحيح عن ابن عباس أنه قال: رأى محمد ربه بفؤاده مرتين، وعائشة أنكرت الرؤية، فمن الناس من جمع بينهما فقال: عائشة أنكرت رؤية العين، وابن عباس أثبت رؤية الفؤاد، والألفاظ الثابتة عن ابن عباس هي مطلقة، أو مقيدة بالفؤاد، تارة يقول: رأى محمد ربه، وتارة يقول رآه محمد، ولم يثبت عن ابن عباس لفظ صريح بأنه رآه بعينه، وكذلك الإمام أحمد، تارة يطلق الرؤية، وتارة يقول: رآه بفؤاده، ولم يقل أحد إنه سمع أحمد يقول رآه بعينه، لكن طائفة من أصحابه سمعوا بعض كلامه المطلق ففهموا منه رؤية العين، كما سمع بعض الناس مطلق كلام ابن عباس ففهم منه رؤية العين، وليس في الأدلة ما يقتضي أنه رآه بعينه ولا ثبت ذلك عن أحد من الصحابة ولا في الكتاب والسنة ما يدل على ذلك، بل النصوص الصحيحة على نفيه أدلّ) اهـ ([149]).
والخطأ الثاني: هو تأويله لرؤية الله تعالى القلبية بمعنى الإيمان به ومعرفته وعبادته ومراقبته، وهذا مخالف لما قرره أهل السنة من أن الرؤية القلبية رؤية حقيقية، كالرؤية بالعين، وليست مجرد حصول العلم، فتفسير الشيخ للرؤية القلبية من جنس تأويل أهل الكلام! كالذين يفسرون الرؤية بزيادة كشف أو علم أو جعلها حاسّة سادسة ونحو ذلك من الأقوال التي ذهب إليها طوائف من أهل الكلام المنتسبين إلى نصر أهل السنة في مسألة الرؤية، قال شيخ الإسلام: (وإن كان ما يثبتونه من جنس ما تنفيه المعتزلة والضرارية، والنزاع بينهم لفظي ونزاعهم مع أهل السنة معنوي، ولهذا كان بشر وأمثاله يفسرون الرؤية بنحو من تفسير هؤلاء) اهـ ([150])، وقال الحافظ ابن حجر: (المراد برؤية الفؤاد رؤية القلب لا مجرد حصول العلم لأنه r كان عالما بالله على الدوام، بل مراد من أثبت له أنه رآه بقلبه أن الرؤية التي حصلت له خلقت في قلبه كما يخلق الرؤية بالعين لغيره، والرؤية لا يشترط لها شيء مخصوص عقلا، ولو جرت العادة بخلقها في العين) اهـ ([151]).

15 - فصل في الرد على أهل البدع
قال الشيخ ربيع:
(وسموا الرد على أهل البدع جهاد بل فضلوه على الجهاد لأنه جهاد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهذا لا يقوله ولا يدركه إلا من فقه دين الله وعرف قدر التوحيد وعرف قدر السنة) اهـ ([152]).
قلت: لا شك أن الرادَّ على أهل البدع مجاهد، وورد عن بعض السلف أن الذب عن السنة أفضل من الجهاد، أي القتال، ولكن هذا التفضيل ليس على إطلاقه، بل هو مقيد بظهور البدع وأهلها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (كانت البدع في القرون الثلاثة الفاضلة مقموعة وكانت الشريعة أعز وأظهر وكان القيام بجهاد أعداء الدين من الكافرين والمنافقين أعظم) اهـ ([153])، وقال ابن دقيق العيد: (الْقِيَاس يَقْتَضِي أَنْ يَكُون الْجِهَاد أَفْضَل الأَعْمَال الَّتِي هِيَ وَسَائِل، لأَنَّ الْجِهَاد وَسِيلَة إِلَى إِعْلان الدِّين وَنَشْره وَإِخْمَاد الْكُفْر وَدَحْضه , فَفَضِيلَته بِحَسْب فَضِيلَة ذَلِكَ)اهـ([154]).
وأما قوله إنه جهاد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فهذا يحتاج إلى تفصيل، فإن أراد أن النبي r ذم البدع والمحدثات وحذر منها، فهذا ثابت عنه r، وأما إذا كان مراده أنه r حارب البدع وردّ على أهلها -كما هو ظاهر كلامه- فهذا غير صحيح، لأن الأمة الإسلامية في زمنه r كانت خالية من البدع وأهلها، ولم يظهر شيء منها إلا بعد وفاته r، فقد كان ابتداء ظهور البدع في زمن الصحابة رضي الله عنهم، كالخوارج والسبئية والرافضة والقدرية وغيرهم، وهذا واضح من تعريف العلماء للبدعة بأنها (طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية... على غير مثال تقدمها من الشارع)([155]).
ولا نعلم إلا أنه r جاهد الكفرة والمشركين والمنافقين وأهل الكتاب، فإذا كان الشيخ يعلم طائفة من أهل الأهواء والبدع ظهرت في هذه الأمة وقاتلها النبي r، فليسمها وليبينها لنا!
وأما قوله: (وهذا لا يقوله ولا يدركه إلا من فقه دين الله وعرف قدر التوحيد) اهـ، فلا أعلق عليه بشيء إلا أني أطالب الشيخ بذكر العلماء والفقهاء الذين نصوا على أن الرد على أهل البدع هو جهاد النبي r!

16 - فصل في الخوارج
لقد ذم النبي r الخوارج، ونعتهم بأنهم سفهاء الأحلام، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، ولا صلاتهم تراقيهم، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، ووصفهم بالمروق من الدين، وأنهم شر الخلق والخليقة ([156])، والخوارج فرقة ضالة، شرها عظيم، يكفرون الصحابة والتابعين الذين اقتتلوا في الفتنة، ويستبيحون دماءهم وأموالهم وأعراضهم، ويجرحونهم في عدالتهم، ويردون روايتهم، ويكفرون أصحاب الكبائر من المسلمين، وهم أول أهل الأهواء ظهورا في هذه الأمة، وأول من أحدث البدعة في مسائل الأسماء والأحكام ونصوص الوعيد...
ولكن العجيب أن الشيخ يتغافل عن أصل ضلالهم، فيثني عليهم في عقيدتهم، ويصرح بأن عقيدتهم سلفية! وأنهم على التوحيد بأنواعه الثلاثة، وليس فيهم شرك ولا قبور ولا تجهم، ويهون من أمر بدعتهم فيحصر انحرافهم في الحاكمية بالمعنى السياسي! ويرى أن الخوارج أحسن من التبليغيين والإخوانيين، ويحلف بالله على ذلك! بل يبالغ الشيخ فيفضل الخوارج على المنتسبين إلى المذاهب الأربعة في توحيد العبادة! ولم يستثن أحدا حتى الحنابلة!
قال الشيخ ربيع:
(الخوارج في توحيد العبادة أحسن من المنتسبين إلى المذاهب)اهـ ([157]).
وقال: (الخوارج كانت عقيدتهم سلفية في العبادة وفي الأسماء والصفات وكان عندهم انحراف في المنهج.) اهـ ([158]).
وسئل عن الحداديين؟ فأجاب:
(الذين قاتلهم عليّ [أي: الخوارج] كانوا، والله، عقائدهم سلفية، يا إخوتاه، ما كان عندهم عبادة قبور، ولا كان عندهم تعطيل جهمية، كان عندهم انحراف سياسي في الحاكمية... فالعقيدة ما تكفي.. لابد عقيدة عمل التزام كتاب الله وسنة رسوله r) اهـ([159]).
وذكر الشيخ حديث الخوارج، ثم قال:
(وهم، والله، خير من هذه الأحزاب التي تألبت على السلفية فسحقتها، والله، أصح عقيدة، وأصدق ديناً من هؤلاء، ما كان عندهم شرك في الربوبية، ولا كان عندهم شرك في الإلهية، ولا عندهم شرك في الأسماء والصفات، عندهم انحراف في الحاكمية) اهـ ([160]).
وقال أيضاً:
(ثم إن الفصل بين العقيدة والمنهج، أنا أقول غير مرة أن الخوارج الذين أمر رسول الله r بقتلهم وقال: "هم شر الخلق والخليقة وشر من تحت أديم السماء ولو أدركتهم لقتلتهم قتل عاد وإرم"، كان عندهم عقائد سلفية، يعني يؤمنون بتوحيد العبادة، وبتوحيد الأسماء والصفات، ما عندهم شرك، ما عندهم قبور، ما عندهم تجهم، كان عندهم فساد في الحاكمية، مثل ما حصل لشبابنا الآن، اعتبرهم الرسول شر الخلق والخليقة، وأمر بقتلهم والتشريد بهم، وفعلاً، اتفق الصحابة على قتالهم، اختلفوا في وقعة الجمل، واختلفوا في وقعة صفين، ورأوا ذلك فتنة، ولكن لمّا برز هؤلاء الخوارج الذين تعتبر عقيدتهم سلفية، أحسن من عقائد هؤلاء الذين يتبعون سيد قطب ويتبعون الإمام حسن، التبليغيين والإخوانيين، والله عقائدهم أسلم من عقائد هؤلاء، وكان ضلالهم في الحاكمية، لا حكم إلا لله، قال علي t "كلمة حق أريد بها باطل"، وسلّ عليهم سيفه، وقتلهم كما أمر رسول الله r، فوا الله، إن هؤلاء أكذب من الخوارج، وأشد خصومة للعقيدة السلفية ولأهلها من الخوارج والروافض)اهـ([161]).
وقال أيضاً:
(سيد قطب مجدد! البنا مجدد! المودودي مجدد! وهم أهل بدع وضلال، والله، والله، الخوارج ما يصلوا إلى شيء مما وصل إليه هؤلاء من البدع والضلالات، وهذا كتبهم، وهذا الميدان نتحداهم، الذين قتلهم عليّ، حتى الخوارج الموجودين الآن، لا توجد عندهم البدع التي توجد عند سيد قطب، الخوارج، الموجودين الآن، لو أحصيت بدعهم لا تجدها شيء إلى جانب بدع سيد قطب الذي جمع البدع من كل أكنافها وأطرافها، وصبها في كتبه، ويتظاهر بالحماس إلى الإسلام، وهو يكفر الأمة بدءاً من الصحابة إلى يومك هذا، الخوارج ما فعلوا هذا، الخوارج ما فعلوا هذا، ونقول مجدد! وإمام! ونستميت في الدفاع عنه وعن كتبه!) اهـ([162]).
قلت: هذا الكلام الكثير فيه شطحات ومؤاخذات على الشيخ، نقتصر منها على خمس:
الأولى: يرى الشيخ أن انحراف الخوارج سياسي فقط وليس في العقيدة، وهذا يدل على جهله بأصل ضلالهم في تكفير الصحابة، ورد السنة، والغلو في نصوص الوعيد، وتكفير مرتكب الكبيرة! صحيح أن الخوارج في زمن الصحابة لم يكونوا قبوريين ولا جهمية -كما ذكر الشيخ- ولكن هل الانحراف في العقيدة يقتصر على هذه المسائل؟
لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كلام نفيس في الخوارج، بين فيه أن أصل ضلالهم في العقيدة، قال رحمه الله: (أول البدع ظهورا في الإسلام وأظهرها ذما في السنة والآثار: بدعة الحرورية المارقة... ولهم خاصتان مشهورتان فارقوا بهما جماعة المسلمين وأئمتهم:
أحدهما: خروجهم عن السنة وجعلهم ما ليس بسيئة سيئة، أو ما ليس بحسنة حسنة... وهذا الوصف تشترك فيه البدع المخالفة للسنة فقائلها لابد أن يثبت ما نفته السنة وينفي ما أثبتته السنة ويحسن ما قبحته السنة أو يقبح ما حسنت السنة، وإلا لم يكن بدعة، وهذا القدر قد يقع من بعض أهل العلم خطأ في بعض المسائل، لكن أهل البدع يخالفون السنة الظاهرة المعلومة، والخوارج جوزوا على الرسول r نفسه أن يجور ويضل في سنته ولم يوجبوا طاعته ومتابعته وإنما صدقوه فيما بلغه من القرآن دون ما شرعه من السنة التي تخالف -بزعمهم- ظاهر القرآن، وغالب أهل البدع غير الخوارج يتابعونهم في الحقيقة على هذا، فإنهم يرون أن الرسول r لو قال بخلاف مقالتهم لما اتبعوه... وإنما يدفعون عن نفوسهم الحجة: إما برد النقل، وإما بتأويل المنقول، فيطعنون تارة في الإسناد وتارة في المتن، وإلا فهم ليسوا متبعين ولا مؤتمين بحقيقة السنة التي جاء بها الرسول بل ولا بحقيقة القرآن.
الفرق الثاني في الخوارج وأهل البدع: أنهم يكفرون بالذنوب والسيئات، ويترتب على تكفيرهم بالذنوب استحلال دماء المسلمين وأموالهم وأن دار الإسلام دار حرب ودارهم هي دار الإيمان، وكذلك يقول جمهور الرافضة، وجمهور المعتزلة، والجهمية، وطائفة من غلاة المنتسبة إلى أهل الحديث والفقه ومتكلميهم، فهذا أصل البدع التي ثبت بنص سنة رسول الله r وإجماع السلف أنها بدعة، وهو جعل العفو سيئة، وجعل السيئة كفرا، فينبغي للمسلم أن يحذر من هذين الأصلين الخبيثين وما يتولد عنهما من بغض المسلمين وذمهم ولعنهم واستحلال دمائهم وأموالهم، وهذان الأصلان هما خلاف السنة والجماعة: فمن خالف السنة فيما أتت به أو شرعته فهو مبتدع خارج عن السنة، ومن كفر المسلمين بما رآه ذنبا سواء كان دينا أو لم يكن دينا وعاملهم معاملة الكفار فهو مفارق للجماعة، وعامة البدع والأهواء إنما تنشأ من هذين الأصلين...) اهـ ([163]).
المؤاخذة الثانية: تناقض الشيخ مع نفسه في منهج الموازنات في تقييم أهل البدع، وذلك أنه يرفضه ويعتبره منهجا إجراميا خبيثا يقصد به هدم السنة ورفع البدعة ([164])، ولكنه إذا تكلم عن الخوارج فإنه يذكر محاسنهم، وبُعدَهم عن الشرك والقبور والتجهم، ويغالط فيشيد بسلامة معتقدهم، مع أن عقيدتهم فاسدة ([165])، ويفضلهم على التبليغيين والإخوانيين، ويقول إنهم أحسن من المنتسبين إلى المذاهب في التوحيد!
فهل تخلى الشيخ عن موقفه الرافض لمنهج الموازنات؟ أو يفهم من هذا المديح والثناء أن في رأي الشيخ ميلا إلى الخوارج؟ أو يفهم منه أنه لو تحول التبليغيون والإخوانيون والمنتسبون إلى المذاهب إلى فرقة الخوارج لكانوا خيرا مما هم عليه؟ لا أظن ذلك، ولكني مقتنع بأن الشيخ يجهل حقيقة الخوارج، كما تقدم، ويُخشى على من جهل الشر أن يقع فيه، أو يوقع غيره فيه، وقد قيل:
(عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه... ومن لم يعرف الشر من الخير يقع فيه)
الثالثة: ظلم الشيخ للتبليغيين والإخوانيين بوصفهم أنهم في البدع والضلالات شر من الخوارج، ومهما قيل في أخطائهم وانحرافاتهم فلا يجوز ظلمهم بتفضيل الخوارج عليهم؟ ([166]).
وأما ظلم الشيخ للمنتسبين إلى المذاهب فهو أعظم، فقد فضل الخوارج عليهم في التوحيد! ولم يستثن الحنابلة الذين اشتهروا بنصرة التوحيد وعقيدة السلف، وحسبك بهذا بغيا وعدوانا، ولا يخفى على الشيخ أن في المنتسبين إلى المذاهب علماء وفقهاء وقضاة وولاة عدل وعبادا وزهادا ومجاهدين وأدباء ومعلمين وأطباء وتجارا وأخيارا؟ فالمنتسبون إلى المذاهب هم من أهل السنة في الجملة، ومنهم من هو على منهج السلف، فلا يجوز إطلاق تفضيل الخوارج عليهم في توحيد العبادة فضلا عن غيره، لأن الخوارج فرقة ضالة مارقة من الدين([167]).
الرابعة: كيف يمكن أن يفسر كلام الشيخ ربيع في مدح الخوارج بأن عقيدتهم سلفية، وأنهم على التوحيد بأنواعه الثلاثة، وما عندهم شرك ولا قبور ولا تجهم، ويقول إن انحرافهم سياسي في الحاكمية! وقد ذمهم النبي r ووصفهم بأنهم شر الخلق والخليقة، وأنهم يمرقون من الدين... (إلى آخر ما ورد في ذمهم)؟ أليس في ثنائه على الخوارج مشاقّة لرسول الله r وسوء أدب مع ما ثبت في حديثه r من ذمهم بأسوأ الأوصاف؟ وأين تعظيم وتوقير نصوص السنة المطهرة؟
الخامسة: إساءته للعقيدة السلفية والتوحيد، حيث جعلها عقيدة الخوارج، وحسبك بهذا تشويها للدعوة السلفية القائمة على تعظيم السنة والذب عنها، وتحقيق التوحيد بموالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين، ويبرأ السلفيون من الخوارج ومذهبهم الفاسد القائم على رد السنة، ومناقضة التوحيد بالتألي على الله تعالى، ومعاداة أوليائه، ومعاملتهم معاملة أعدائه، كما قال r: (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان) متفق عليه.

17 - فصل في الروافض
لقد أقام الشيخ ربيع المدخلي في المدينة سنوات طويلة، ويعلم أن عدد الروافض فيها ليس بقليل، ولا يخفى على مثله نشاطهم وتحركاتهم في نشر مذهبهم لاسيما بين بادية المدينة وما حولها، وعاصر الشيخ المد الرافضي المتنامي بعد ثورة الخميني الذي أقلق أهل السنة ودعاتها، ومع أن الشيخ معروف بغيرته الشديدة على السنة، ويرى أن الرد على أهل البدع من الجهاد، إلا أن موقف الشيخ تجاه الروافض ضعيف جدا! فإنه لا يُعرف له رد عليهم، ولا أدنى جهد لمقاومتهم، مع ظهور بدعتهم وتعاظم خطرهم، مما أثار الدهشة والتساؤلات حوله، فقد سئل في إحدى محاضراته: لماذا لا ترد على الروافض؟ فأجاب:
(ردي مطاعن سيد قطب على أصحاب رسول الله رد على الروافض، فاقرؤوه أولاً، فإذا بقي عليكم شيء فطالبوني اقرؤوه وافهموه وأنصفوه، وبعد ذلك طالبوني بما شئتم فيما يتعلق بالروافض، عرفتم، كتابي مطاعن سيد قطب في أصحاب رسول الله بناها على روايات الروافض، وزاد من عنده أخبث من كلامهم فرددت عليه، فردي على هذا الرجل رد عليهم أنا واحد الآن أواجه سيد قطب وأنتم واجهوا الروافض، يا الله، يعني ما في العالم إلا ربيع يرد على الناس كلهم، أنا خلوني أتخصص لسيد قطب، وأنتم ردوا على الروافض ردوا على الخوارج، نحن نتعاون على البر والتقوى)اهـ([168]).
فهذا مبلغ ما عند الشيخ تجاه الروافض!

18 - فصل في الصوفية
قال الشيخ ربيع:
(تجد عند النصراني واليهودي والهندوكي تجد عنده عقيدة أحسن من الصوفية وغيرهم، يعني في هنادك تقول له أين الله؟ يقول في السماء، هذا من توحيد الأسماء والصفات)اهـ([169]).
قلت: ليت الشيخ قال بعض قوله هذا في الروافض!
أما تعميمه هذا الحكم على الصوفية فهو جور وظلم، لأنهم على طبقات، فكثير منهم ينتسب إلى السنة، فكيف يصح عند الشيخ أن تكون عقيدة اليهود والنصارى والهنادك أحسن من عقيدة الصوفية هؤلاء؟
أما الصوفية الغلاة الذين دخلوا في البدع والزندقة فهؤلاء يصدق قول الشيخ ربيع فيهم، فلو قيد كلامه فقال: (بعض الصوفية) لما كان مجانبا للصواب.
ولكن الشيخ أطلق ولم يقيد، وقد ذكر أهل العلم أن من الصوفية من هو مجتهد في طاعة الله تعالى كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله، ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين، وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ، وفيهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب، ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه، عاص لربه ([170]).
ومما يدعو إلى العجب قوله إن اليهود والنصارى يثبتون صفة العلو لله تعالى، وأن هذا من توحيد الأسماء والصفات، وأن عقيدتهم في هذا أحسن من عقيدة الصوفية!
هل نسي الشيخ ربيع أن اليهود والنصارى ينسبون إلى الله الولد؟ تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، وماذا عساهم أن يستفيدوا من إثبات صفة العلو إذا كانوا كفارا مشركين بالله؟ وما هو رأي الشيخ في عقيدة إبليس، وقد أقسم بعزة الله تعالى؟ وهل نفعته هذه العقيدة؟ وهل يصح أن يوصف الإنسان بأنه موحد أو عنده توحيد إذا أثبت صفة من صفات الله تعالى وهو كافر مشرك بالله؟
وأما زعمه أن الهنادكة يؤمنون بعلو الله تعالى! وأن هذا من توحيد الأسماء والصفات! فهذا من أغرب ما سمعت! لأن الهندوسية ديانة وثنية تؤمن بتعدد الآلهة وحلولها في الإنسان والتماثيل، وأكثرهم يعبدون البقرة ويعظمونها ([171])، فلا أدري كيف وجد الشيخ ربيع عندهم عقيدة العلو؟!

19 - فصل في المطلق والمقيد
يرى الشيخ ربيع المدخلي أن حمل المطلق على المقيد، والمجمل على المفسر، والمتشابه على المحكم، لم يوضع إلا لكلام الله تعالى وكلام رسول الله r، وأنه لم يوضع لكلام البشر، فقد سئل مرة:
هل من أصول أهل السنة أن لا يحمل المطلق على المقيد ولا المجمل على المفسر ولا المتشابه على المحكم إلا في كلام الله تعالى؟ فأجاب الشيخ قائلا:
(والله، نحن ما نعرف ما وضعت هذه الأصول إلا لكتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، ولم توضع لكلام البشر، فالرجل إذا كان له قولان قالوا: له قولان، القول الأول كذا، والقول الثاني بخلافه، ما قالوا يحمل المطلق على المقيد، في المذهب الواحد خمسة أقوال، يختار منها الذي يريد الحق ما يوافق الكتاب والسنة، والبقية يقول: أقوال، ما يقول: يحمل المطلق على المقيد) اهـ ([172]).
قلت: لعل سبب نفيه هذه الدلالات عن الألفاظ في كلام الناس أنه تمسك في ردوده على سيد قطب بكلام مجمل أو مطلق أو مشتبه في عدد من المسائل التي أخذها عليه في مواضع من كتبه، فلما واجهه بعض طلبة العلم بكلام آخر لسيد قطب في مواضع أخرى، يُبَيِّنُ ما أُجمل، أو يُقيد ما أُطلق، أو يوضح المشتبه، أو ينسخ ما قبله، زعم ما زعمه من أن هذه الدلالات خاصة بالكتاب والسنة ولم توضع لكلام البشر ليُثَبِّتَ مآخذه على سيد قطب! ويسد الباب في وجه المدافعين عنه، فنعوذ بالله تعالى من اتباع الهوى!
أما إذا كان الشيخ لا يعرف إلا هذا الذي ذهب إليه في الأصول فهذه مصيبة! لأنه يدل على جهله بلسان العرب والفقه والإجماع وأصول أهل السنة! وهذه المسألة من البدهيات عند العقلاء! لأنها مقتضى اللسان العربي، وقد نص أهل العلم على أن لسان العرب يقتضي حمل المطلق على المقيد، والعام على الخاص، والمجمل على المفسر... الخ، وأنّ عُرْفَ الشارع حُمِلَ على مقتضى لسانهم ([173]).
حتى إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله نص على أن (تنوع دلالة اللفظ بالإطلاق والتقييد في كلام الله ورسوله وكلامِ كلِّ أحدٍ بيِّنٌ ظاهرٌ لا يمكن دفعه)اهـ([174]).
وقال أيضاً في جواب مسألة تتعلق بأوقاف الناس ووصاياهم: (لا يجوز اعتبار الكلام المقيد دون مطلقه، وهذا مما اضطر الله العقلاء إلى معرفته! إلا أن يحول بين البصيرة وبين الإدراك مانع! فيفعل الله ما يشاء)! اهـ([175]).
وكنت أظن أن الشيخ ربيعا لم يسبق إلى هذا الذي ذهب إليه حتى وجدت كلاما لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يدل على أن له سلفا في هذا الباب، وأن قولهم هذا محدث، قال شيخ الإسلام: (ومما يقضي منه العجب ظن بعض الناس أن دلالة المفهوم حجة في كلام الشارع دون كلام الناس، بمنزلة القياس، وهذا خلاف إجماع الناس، فإن الناس إما قائل بأن المفهوم من جملة دلالات الألفاظ، أو قائل أنه ليس من جملتها، أما هذا التفصيل فمحدث)اهـ ([176]).
وقد أعمل الفقهاء والقضاة هذه الأصول في شروط الناس وعقودهم، والنكاح والطلاق والبيوع والوصايا والأوقاف وغيرها([177])، وفي الأسماء والمعاني والألفاظ([178])، بحمل المطلق منها على المقيد، والعام منها على الخاص، على التفصيل المذكور في كتب الأصول، لأن لسان العرب يقتضيه.
ويقول النحاة: الصفات في المعارف للتوضيح لا للتخصيص، أي المعارف التي لا تحتاج إلى تخصيص، وفي النكرات للتخصيص، وتكون الصفات في النكرات للتوضيح أيضاً إذا تميزت ([179])... إلى آخر ما ذكروا في هذا الباب.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: (فإنما خاطب الله بكتابه العربَ بلسانها، على ما تعرف من معانيها، وكان مما تعرف من معانيها اتساع لسانها، وأن فطرته أن يخاطب بالشيء منه عاما ظاهرا يراد به العام الظاهر، ويستغنى بأول هذا منه عن آخره، وعاما ظاهرا يراد به العام ويدخله الخاص، فيُستدل على هذا ببعض ما خوطب به فيه، وعاما ظاهرا يراد به الخاص، وظاهرا يعرف في سياقه أنه يراد به غير ظاهره، فكل هذا موجود علمه في أول الكلام أو وسطه أو آخره، وتبتدئُ الشيء من كلامها يبين أولُ لفظها فيه عن آخره، وتبتدئُ الشيء يبين آخر لفظها منه عن أوله، وتَكلَّمُ بالشيء تُعَرِّفُهُ بالمعنى دون الإيضاح باللفظ، كما تُعَرِّفُ الإشارة، ثم يكون هذا عندها من أعلا كلامها لانفراد أهل علمها به دون أهل جهالتها، وتسمي الشيء الواحد بالأسماء الكثيرة، وتسمي بالاسم الواحد المعاني الكثيرة...) اهـ ([180])، ثم ذكر جملة نفيسة من الأمثلة من الكتاب والسنة وبين وجه فهمها على مقتضى لسان العرب في الدلالة على العام أو الخاص ليستدل بها على نظائرها([181])، ولذا قال الشافعي رحمه الله: (فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهدُهُ... وما ازداد من العلم باللسان الذي جعله الله لسان من ختم به نبوته وأنزل به آخر كتبه كان خيرا له) اهـ ([182]).
وقال الشيخ ربيع:
(... فالرجل إذا كان له قولان قالوا: له قولان، القول الأول كذا، والقول الثاني بخلافه، ما قالوا يحمل المطلق على المقيد، في المذهب الواحد خمسة أقوال...) اهـ.
قلت: هذا يدل على جهله بمذاهب أئمة أهل السنة والأدلة الشرعية ([183])، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (والذي تدل عليه الأدلة الشرعية أن نحمل المطلق من كلام العلماء على المقيد)اهـ ([184]).
وقد تقدم نقل كلام شيخ الإسلام في مسألة رؤية الله تعالى القلبية، حيث نص على أن ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما والإمام أحمد من الروايات الواردة فيها، منها ما هو مطلق، ومنها ما هو مقيد، ثم رجح حمل المطلق منها على المقيد ([185])، ونص على ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله فقال: (جاءت عن ابن عباس أخبار مطلقة وأخرى مقيدة، فيجب حمل مطلقها على مقيدها)([186]).
وقال شمس الدين ابن مفلح المقدسي الحنبلي في مقدمته النفيسة للفروع في مذهب الإمام أحمد: (وإذا نقل عن الإمام في مسألة قولان، فإن أمكن الجمع -وفي الأصح - ولو بحمل عام على خاص، ومطلق على مقيد، فهما مذهبه، وإن تعذر وعلم التاريخ، فقيل: الثاني مذهبه، وقيل: الأول، وقيل: ولو رجع عنه، وإن جهل فمذهبه أقربهما إلى الأدلة أو قواعده، ويخص عام كلامه بخاصه في مسألة واحدة في الأصح...) الخ([187]).
وقال شيخ الإسلام: (إن الناس في نقل مذاهب الأئمة قد يكونون بمنزلتهم في نقل الشريعة... ولهذا قد تختلف الرواية في النقل عن الأئمة، كما يختلف بعض أهل الحديث في النقل عن النبي r، ولكن النبي r معصوم... وأما غير النبي r فليس بمعصوم)اهـ ([188]).

20 - فصل في المذاهب الأربعة
قال الشيخ ربيع المدخلي:
(ونحن طلاب الشيخ عبد الله القرعاوي عندنا سلفية أقوى من سلفية الألباني، والله، الشيخ عبد الله تعلم المنهج السلفي تماماً حتى ما عرفنا المذاهب أبداً، ما عرفنا إلا كتاب الله وسنة الرسول ومنهج السلف الصالح...)اهـ([189]).
قلت: هذا اعتراف من الشيخ على نفسه بعدم معرفة مذاهب الأئمة الفقهاء الأربعة: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد -رحمهم الله-، وحسبك بهذا ذما من الشيخ لنفسه، والعجيب أنه يقول هذا الكلام على أنه من صميم السلفية! معتدا ومفتخرا به، وهذا من الجهل المركب، إذ لا يكون الجهل بمذاهبهم منقبة ولا فضيلة عند العقلاء، فضلا عمن أكرمه الله تعالى باتباع منهج السلف!
أما نسبة ذلك إلى الشيخ عبد الله القرعاوي -رحمه الله -، فهذا لا يوافق عليه البتة، لأن الشيخ عبد الله القرعاوي -رحمه الله- كان قد تفقه على المذهب الحنبلي، وقرر متونه على الطلاب في مدارسه.
ولا أدري لماذا يجعل الشيخُ ربيع التفقه على المذاهب ندا مقابلا ومضادا لكتاب الله تعالى وسنة رسوله r ومنهج السلف؟ فليس هذا من الأدب تجاه الأئمة الفقهاء الأربعة ومذاهبهم، فالأئمة الأربعة من أئمة السلف، ومذاهبهم الفقهية ترجع في مناهجها وأصولها وقواعدها وكثير من فروعها إلى الكتاب والسنة وآثار الصحابة والتابعين وأتباعهم وثلاثة منهم من أئمة الحديث، وهم مالك والشافعي وأحمد وتنتظمهم مدرسة واحدة، وهي مدرسة أهل الحديث، أما أبو حنيفة، فهو إمام مدرسة أهل الرأي، وقد ظهر فيها محدثون كبار، ولم يزل السلفيون قديما وحديثا يتفقهون على كتب المذاهب من غير تعصب، وإذا تبين لهم أن المذهب مرجوح في مسألة من المسائل، تركوا المذهب وأخذوا بالراجح، وإنما ذم العلماء الجمود والتعصب على المذهب إذا خالف الدليل، وكانوا يجمعون بين الحديث والفقه.
وأما كلام العلماء في حث طلاب العلم على حفظ المتون والتفقه والتدرج في الفقه فهو أشهر من أن يذكر.
أما موقف الشيخ ربيع من المنتسبين إلى المذاهب فقد صرح به عندما قال:
(الخوارج في توحيد العبادة أحسن من المنتسبين إلى المذاهب)اهـ([190]).
هكذا يعمم حكمه الجائر، ولم يستثن الحنابلة السلفيين، ولا غيرهم من السلفيين المنتسبين إلى المذاهب الفقهية الأخرى، وقد تقدم الرد على الشيخ في هذه المسألة([191]).

21 - فصل في دفن النبي r
كان الشيخ ربيع المدخلي يتحدث عن النهي عن اتخاذ قبور الأنبياء مساجد، فتكلم عن قبر الرسول r وعن تشاور الصحابة في دفنه، فقال:
(... فاجتهدوا فين يدفنوه؟ إذا دفنوه بالبقيع يتخذ قبره مسجد، أين يذهبوا؟ إذاً قالوا: ندسّه في بيته، اهتدوا إلى هذه، هذه فيها نظر أيضاً لكنها أدنى المفاسد لأن الرسول كان قد نهى عن البناء على القبور ونهى عن تجصيص القبور عليه الصلاة والسلام ونهى عن الصلاة إلى القبور، فوجدوا أحسن شيء من فتنة الأمة أن يدفن في هذا البيت) اهـ ([192]).
قلت: أما تعبيره عن دفنه r بالدَّسّ، فقد تقدم التعليق عليه ([193]).
وأما ما ذهب إليه من كون دفنه r في بيته كان باجتهاد من الصحابة فهذا غير صحيح، فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما قبض رَسُول اللَّه r اختلفوا في دفنه، فقال أبو بكر t: سمعت من رسول اللَّه r شيئا ما نسيته، قال: (ما قبض الله نبيا إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه) ادفنوه في موضع فراشه، رواه الترمذي وابن ماجه ([194]).

22 - فصل في التمثيل والأناشيد
يرى الشيخ ربيع تحريم استعمال التمثيل والأناشيد في البرامج الدعوية التي يمارسها الشباب، وينكرها أشد الإنكار، فيقول: (لكن الرقص والتمثيل والأناشيد هذه يقولون أنها وسائل دعوة، فهل كان الصحابة يرقصون ويمثلون؟ هذه الوسائل فاسدة، لنقل باطله وما تجوز) اهـ([195]).
قلت: أما الرقص فلا أدري لأي غرض ذكره؟ وهل يقصد لمز شباب ودعاة الصحوة بأنهم يرون مشروعية الرقص في البرامج الدعوية؟ فهذا لا يقول به أحد من طلبة العلم فيما أعلم! ويتنـزه شباب الصحوة المستقيمون المهتدون عن القول به فضلا عن فعله وممارسته.
وأما الأناشيد الإسلامية الحماسية، الخالية من المعازف، كالتي تحث على النشاط والعمل والجهاد، فنعم، فقد كان الصحابة ينشدون الأشعار الطيبة، ويرتجزون بها على صفة جماعية، فقد ثبت في الصحيحين من حديث أنس t، أن النبي r وأصحابه رضي الله عنهم كانوا ينقلون الصخر عند بناء المسجد، وهم يرتجزون ورسول الله r معهم وهم يقولون:
اللهم لا خير إلا خير الآخره فانصر الأنصار والمهاجره ([196])
وعن أنس t قال: كان رسول الله r في بعض أسفاره، وغلام أسود يقال له أنجشة يحدو، فقال له رسول الله r: (يا أنجشة رويدك سوقا بالقوارير) متفق عليه واللفظ لمسلم ([197]).
فللأناشيد الإسلامية أصل يدل على جوازها، وإذا كان الشيخ مصرا على القطع بأن الأناشيد باطلة ولا تجوز مطلقا، فهذا رأيه واجتهاده، وليس له أن يلزم الناس بما ذهب إليه، ولا أن ينكر عليهم إذا خالفوه، فضلا عن أن يذمهم أو يبدعهم.
وإذا كانت المخالفة في مسألة الأناشيد تقتضي الإنكار على من خالف فيها أو ذمه، فهو به أولى، لأنه حرم ما دل الدليل على جوازه، وخالف ما أفتى به كبار العلماء الذين نصبهم ولاة الأمر للفتوى:
فقد سئل مفتى المملكة العربية السعودية الشيخ الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله في الجامع الكبير بالرياض هذا السؤال:
اختلفت أقوال العلماء في هذا البلد في حكم استماع الأناشيد الإسلامية، فمنهم من يقول بمنعها وعدم استماعها لأنها تشبه السماع الصوفي، ومنهم من يقول بجواز استماعها وأنه لا بأس بذلك، فما وجه الحق والصواب في هذه المسألة لأنها انتشرت عند الشباب المستقيم الصالح المهتدي، وكذلك التمثيليات والمسرحيات الإسلامية هل هي جائزة أم لا؟ نرجو إفادتنا والتفضل بالحكم مع بيان الأدلة وجزاكم الله خيرا.
فأجاب الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بجواب طويل مفصل، جاء فيه قوله:
(الأناشيد الإسلامية مثل الأشعار، إن كانت سليمة فهي سليمة، وإن كانت فيها منكر فهي [منكر]([198])... فالشعر فيه الطيب والخبيث،... وهكذا الأناشيد، إذا كان الأناشيد فيها الدعوة إلى الخير، والتشجيع على الخير، والالتزام بالإسلام، وحماية الأوطان من شر الأعداء، ونحو ذلك، فلا بأس بها، وإن كانت أناشيد فيها دعوة إلى الباطل، أو تحبيذ الباطل، أو تحبيذ الأخلاق الرذيلة، منعت مثل بقية الشعر الممنوع، فالحاصل أن البت فيها مطلقا ليس بسديد، ينظر فيها فالأناشيد السليمة لا بأس بها، والأناشيد التي فيها منكر، أو دعوة إلى منكر منكرة...) اهـ ([199]).
وقال في حكم التمثيل: (أما التمثيل فالذي يظهر لنا أن التمثيل من باب الكذب، تمثيل أنه يمثل عمر، أو يمثل أبو جهل، أو يمثل فرعون، أو يمثل النبي، كلها، كلها فيما نعلم، وفيما نفتي به أنها من الكذب) اهـ ([200]).
وقال في حكم المسرحيات:
(المسرحيات إن كان مجرد اجتماع على أشعار، أو على كلمات أدبية، أو على مقابلات بين شخص وآخر، هذا يقول كذا، وهذا يقول كذا، فإن كان ما يقولونه طيبا فهو طيب، وإن كان ما يقولونه رديء فهو رديء، فالمسرحيات مجملة، لا نعرف ما تحتها، فإن كان المقصود بالمسرحيات التمثيل، فالتمثيل مثل ما تقدم: كذب، فإن كانت المسرحيات أنهم جماعة، هذا يقول كلمة، وهذا يقول كلمة، أو هذا يقول أبيات، وهذا يقول أبيات، أو هذا يدعو إلى كذا، وهذا يدعوا إلى كذا، يتعاونون، هذا له حكمه، إن كان ما يفعلونه فيما يرضي الله، وفيما أباح الله فلا بأس، فإن كان فيما يسخط الله فهي منكر ومحرم) اهـ ([201]).
قلت: ينبغي ملاحظة تفريق الشيخ في فتواه بين التمثيل والمسرحيات، فالتمثيل أن ينتحل الممثل شخصا بعينه ويتكلم بلسانه، وهذا حرام لأنه كذب، وربما نسب إليه ما لم يقل، كما بين الشيخ رحمه الله، أما المسرحيات الهادفة التي لا يكون فيها انتحال أشخاص معينين، وإنما يكون فيها حوار مفيد في أمور مباحة، ولا يكون فيها منكر، فلا بأس بها.
أما الشيخ ابن عثيمين رحمه الله -وهو من أعضاء هيئة كبار العلماء بالمملكة- فقد أفتى بأن الأناشيد الإسلامية جائزة إذا خلت من الدفوف، والأصوات الجميلة الفاتنة، ولم تكن على صفة الأغاني الهابطة المحرمة، ولا ديدنا لسامعها ([202]) .
ولم يزل طلبة العلم والدعاة والقضاة والعلماء -وعلى رأسهم الشيخان عبد العزيز بن باز، ومحمد بن عثيمين -رحمهما الله- يحضرون احتفالات شباب الصحوة في المدارس والمعاهد والجامعات والمراكز الصيفية، ولا يجد الشباب منهم إلا التأييد والتشجيع والدعاء الصالح، ولذا لم يلتفت أولئك الشباب الصالحون إلى رأي من خالفهما!
وإذا كان قد توسع بعض الشباب في هذا الباب توسعا غير مرضي فيجب مناصحتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، والإنكار عليهم باعتدال، ولا يجوز أن يحكم عليهم بحكم الشيخ ربيع لما فيه من الغلو الظاهر.

الباب الثالث

آراؤه في القضايا والأحوال المعاصرة
وفيه تسعة فصول:
23 - فصل في منهج الموازنات.
24 - فصل في فقه الواقع.
25 - فصل في المجالس النيابية (البرلمانات).
26 - فصل في المجلات الإسلامية.
27 - فصل في الجامعات.
28 - فصل في موظفي الحرم المكي.
29 - فصل في السياسة ورجالاتها.
30 - فصل في حكام العرب.
31 - فصل في الكويت وما يجرى فيها.

23 - فصل في منهج الموازنات
لقد صُنِّفت عدة رسائل في مسألة الموازنة بين الحسنات والسيئات عند تقويم الرجال والجماعات والمؤلفات، ولست هنا بصدد تأليف رسالة إضافية في هذا الموضوع، ولكن حسبي أن أنقل فتوى الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في التفريق بين الرد والتقويم، وهي في غاية الوضوح والبيان، فقد سئل رحمه الله بتاريخ 16/12/1416 هـ:
قال السائل: يقول بعض الشباب إن من الإنصاف ومن التجرد ومن أن يكون الإنسان يعني قريبا إلى ربه أنه إذا ذكر رجلا وهو صاحب بدعة ألا يذكره بمجرد بدعته فقط، بل لا بد أن يذكر بدعته، ويذكر ما عنده من الحسنات، حتى يكون منصفا، فهل منهج السلف أني إذا ذكرت مبتدعا شيعيا قدريا معتزليا أو مخالفا لدعوة أهل السنة أن أقول: وهو يحافظ على صلاته، وعابد وزاهد ويحسن إلى الجار و... و... الخ، هل من المنهج السلفي هذا؟ أو أنها كما سمعت منكم قبل قليل: البلاء في الإطلاق موضع التقييد، أو التقييد موضع الإطلاق؟
فأجاب الشيخ ابن عثيمين:
(الواقع أن هذا سؤال غريب! إذا تكلم إنسان في شخص فإنما يريد تقويمه، فهذا لا بد أن يذكر محاسنه ومساوئه، ثم يحكم بما تقتضيه الحال، فإن غلبت المحاسن أثنى عليه، وإن غلبت المساوئ أثنى عليه شرا، أما إذا كان يريد أن يرد بدعته فلا وجه لكونه يذكر المحاسن، لأن ذكر المحاسن في مقام الرد عليه يعني أن الرد يكون ضعيفا وغير مقبول، فالمسألة تحتاج إلى تفصيل: عندما أريد أن أقوم هذا الشخص، أذكر حياته مثلا، أترجم له لا بد أن أذكر المحاسن والمساوئ، ثم أحكم عليه بما تقتضيه الحال، أما إذا كنت أريد أن أرد بدعته فلا حاجة لذكر المحاسن، بل ذكر المحاسن يوهن الرد ويشكك السامع أو القارئ في صحة ردك عليه، فلكل مقام مقال).
فقال السائل: صحيح أنكم استغربتم السؤال بالرغم أن هذا السؤال قد ألفت فيه كتب، هذه المسألة: مسألة الحسنات والسيئات، ومنهج أهل السنة في نقد الجماعات أو الفرق، ألفت فيه كتب، هناك من ألف الكتب بأنك لا بد تذكر حسنة وسيئة، واستدل بقول الله سبحانه وتعالى: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت قائما} {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس} هذا وهذا يقول لك: الله ذكر خير الخمر وشرها، وقال النبي r عن الشيطان: ((صدقك وهو كذوب)) فيقولون: إن هذا يدل على أنك لا تذكر خبيثا أو مبتدعا إلا إذا ذكرت حسنتهم؟
فقال الشيخ ابن عثيمين:
(هذا عند التقويم يا أخي، هذا عند التقويم، لابد أن تذكر هذا وهذا، وقبول الحق من الإنسان لا بد منه حتى من اليهودي، ومن الشيطان، ومن المشركين، أليس الرسول قبل أو صدق قول الشيطان: ((من قرأ آية الكرسي في ليلة إلا نزل عليه من الله حافظ ولم يقربه شيطان حتى يصبح))؟ أليس صدق قول الحبر: ((إن الله يجعل السموات على إصبع والأرضين على إصبع))؟ أليس الله تعالى أقر المشركين {إذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء} وسكت عن قولهم {وجدنا عليها آباءنا} لأنه حق؟ فالمسألة فيها تفصيل، وأنا استغربت هذا لأن هناك فرقا بين الرد وبين التقويم) اهـ ([203]).
أما الشيخ ربيع فقد أبطل منهجَ الموازنات في النقد جملة وتفصيلا في كتابه (منهج أهل السنة في النقد...).
وقد تمادى الشيخ ربيع واعتدى فجعل كتابه ردا على الأستاذ أحمد الصويان مع أن عنوان كتاب الصويان واضح وصريح بأنه في تقويم الرجال ومؤلفاتهم، وقد تقدم تفريق الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بين النقد والتقويم! وبهذا يتبين أن كتاب الشيخ ربيع ردٌ في غير موضعه، وحجته داحضة في رده على الأستاذ الصويان، وكما قيل:
سارت مشرقة وسرت مغربا شتان بين مشرق ومغرب

وإذا كان الشيخ يرى أن منهج الموزنات باطل مطلقا، بلا تفصيل! فيرد عليه بكلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
قلت: ومما ينبغي توضيحه في (منهج الموازنات) أنه لا يلزم ذكر الحسنات عند النقد، وإنما يرجع ذلك إلى المصالح والمفاسد، فقد يرد العالم على شخص ويرى أن المصلحة تقتضي ذكر حسناته أو بعضها، وقد يرد على آخر ولا يذكر شيئا من حسناته، ولكن الشيخ ربيعا يرى عدم الموازنة بين الحسنات والسيئات عند النقد مطلقا.
أما ما صرح به الشيخ ربيع في الأشرطة حول منهج الموازنات ففيه عجائب! وإليك نصوص كلامه في ذلك، قال:
(منهج الموازنات، والذي أنشأه القطبيون السروريون فإن الإخوان ما أوصلهم ولا التبليغ ولا أهل البدع جميعاً ما أوصلهم الشيطان إلى هذه المكيدة وإلى هذا التفكير الخبيث، فأنشؤوا منهج الموازنات بين الحسنات والسيئات، لماذا؟ لحماية سيد قطب وحماية قيادات الإخوان المسلمين... فإذا كان هذا المنهج حق فإن أفجر الناس وأظلمهم على هذا المنهج: مالك، وسعيد بن المسيب -وقبله: ابن عباس- وأحمد بن حنبل، والثوري وابن عيينة، والحمادان، والبخاري، ومسلم، وابن حبان، إلى آخره، كلهم أفجر الناس، وكتب الستة كلها قامت على الفجور والكذب والظلم، أنا ما أعرف مكيدة أخبث من هذه المكيدة على الإسلام، بل إن رسول الله على رأس هؤلاء، فرأس الظالمين رسول الله لأنه ما عنده ميزان هذا الميزان الذي اخترعه الشيطان للقطبيين السروريين، ما فكر فيه فاجر على وجه الأرض لامن اليهود ولا من النصارى ولا من أهل بدع وجاؤوا يضربون به المنهج السلفي) اهـ ([204]).
وقال:
(سئلوا عن منهج النقد والموازنات أجابوا، أجاب ابن باز، أجاب ابن عثيمين، أجاب اللحيدان، أجاب الفوزان، أجاب الشيخ النجمي، أجاب زيد محمد هادي، الشيخ الألباني، كلهم قال: هذا مبتدع، هذا مذهب ضال، منهج الموازنات، منهج الموازنات، يا أخوة، ما اخترع إلا لحماية البدع وأهلها، ففضحهم الله وكشف عوارهم، فكل علماء السنة الآن في العالم، إن شاء الله، يدينون هذا المذهب الباطل) اهـ ([205]).
وقال:
(في ضوء منهج الموازنات أئمة السنة كلهم ظلمة خونة غشاشين، وعلى رأسهم أحمد بن حنبل، ويحي بن معين، والبخاري، وخلاص، يسقط البخاري في ضوء هذا المنهج، ويسقط مسند أحمد بن حنبل، وتسقط كل كتب السنة، وكتب الجرح والتعديل، كلها كذب في كذب في ضوء كتاب اسمه منهج الموازنات، إذن يا أخوة هذا منهج باطل، منهج باطل) اهـ ([206]).
وقال:
(تجيبوا يخدم لك منهج الموازنات الباطل وتخلّي مشجب لكل باطل، بارك الله فيك من أباطيل منهج الموازنات، ما عندهم إلا ابن تيمية والذهبي، لا يقولك أحمد بن حنبل، ولا ابن حبان، ولا الشافعي، ولا مالك، ولا أحمد، ما يستطيعون أن يأتوا بدليل، فتتبعوا هؤلاء الذين لهم كتابات كثيرة، وجمّعوا منها شبهات أضعف ملايين المرات من شبهات الجهمية والمعتزلة والروافض والخوارج الذين يقول الله فيهم: {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله}) اهـ ([207]).
وقال:
(فهؤلاء يفسدون في الأرض ولا يصلحون، {وإذا قيل لهم لاتفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون} فإفسادهم لعقول الشباب هنا وفتنتهم التي جعلتهم يحتقرون العلماء علماء السنة والتوحيد ويحاربونهم ويسيئون بهم الظن ويعتبرونهم عملاء وجواسيس إلى آخر الاتهامات التي تعلمها الإخوان المسلمون من الشيوعية والماسونية والمخابرات الأمريكية والمخابرات الروسية والموساد اليهودي... لأنهم عندهم من البغض والجرأة على أعراض المسلمين شيئ لايتصور له قلب البشر فشوهوا صورة العلماء، ومن زمان: فقه الواقع، فقه الواقع، ليش يا إخوان؟ فقه الواقع لإسقاط العلماء، وإسقاط المنهج السلفي، ومنهج الموازنات، منهج الموازنات هذا منهج خبيث، منهج إجرامي لهدم السنة ورفع البدع... مما يدل على أن هذين المنهجين: فقه الواقع، ومنهج الموازنات، إنما أريد بها تدمير السنة وأهلها وإقامة البدع الكبرى على أنقاضها، وإن كان بعض شبابنا يرددها كالببغاوات لايدرك مغازيها ولا مراميها، يرددها كالببغاء من حيث لايدري، وهي -والله- في غاية الخبث، لأنها تهدم السنة، وتصادم القرآن، وتهدم منهج الجرح والتعديل) اهـ ([208]).
قلت: تضمن هذا الكلام الكثير للشيخ ربيع ما يلي:
1- منهج الموزانات بين الحسنات والسيئات أنشأه القطبيون السروريون.
2- أنه مكيدة أوصلها الشيطان إلى الإخوان، والتبليغ، وأهل البدع جميعا!
3- أنه تفكير خبيث!
4- أنه لحماية سيد قطب وقيادات الإخوان المسلمين!
5- لو كان حقا لكان السلف أفجر الناس وأظلمهم! كابن عباس، وسعيد بن المسيب، ومالك، والثوري، وابن عيينة، والحمادين، وأحمد بن حنبل، والبخاري، ومسلم، وابن حبان!
6- لا يعرف مكيدة أخبث منها على الإسلام!
7- لو كان منهج الموازنات حقا لكان رَسُول اللَّه r رأس الظالمين!
8- اخترعه الشيطان للقطبيين السروريين ليضربوا به المنهج السلفي!
9- ما فكر فيه فاجر على وجه الأرض لا يهودي ولا نصراني ولا أهل البدع!
10- أن العلماء ابن باز وابن عثيمين والألباني والفوزان قالوا: إنه مبتدع!
11- منهج مبتدع ضال باطل! لحماية البدع وأهلها!
12- منهج خبيث إجرامي لهدم السنة ورفع البدع!
13- منهج أريد به تدمير السنة وأهلها وإقامة البدع الكبرى على أنقاضها!
14- في ضوئه أئمة السنة كلهم ظلمة خونة غشاشين، وعلى رأسهم أحمد بن حنبل، ويحي بن معين، والبخاري!
15- لو كان حقا لكانت الكتب الستة قائمة على الفجور والكذب والظلم!
16- في ضوئه يسقط صحيح البخاري ومسند أحمد وكل كتب السنة، وكتب الجرح والتعديل، كلها كذب في كذب!
17- مشجب لكل باطل!
18- منهج في غاية الخبث، لأنه يهدم السنة، ويصادم القرآن، ويهدم منهج الجرح والتعديل!
قلت: هذه مجازفات باطلة، وعبارات رديئة سافلة، ووقاحة بالغة، وسوء أدب تجاه النبي r والصحابة رضي الله عنهم والسلف وكتب السنة.
فرسول الله r أعدل الناس وأبرهم، وأتقاهم لله تعالى وأخشاهم له، سواء كان منهج الموازنات حقا، أم كان باطلا!
وصحيح البخاري وسائر الكتب الستة ومسند أحمد وسائر كتب السنة كلها حق وقائمة على أساس الصدق والعدل، سواء كان منهج الموازنات حقا أم باطلا!
والصحابة الكرام والسلف الصالح، ومنهم ابن عباس، وسعيد بن المسيب، ومالك، والثوري، وابن عيينة، والحمادان، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، والبخاري، ومسلم، وابن حبان، كلهم من أئمة أهل السنة، ومن أبر الناس، وأنصحهم للأمة، سواء كان منهج الموازنات حقا أم باطلا!
وما وجه الارتباط بينهم وبين صحة منهج الموازنات أو بطلانه؟
ثم إن هذا القطع الجازم من الشيخ ربيع بأن منهج الموازنات باطل وضلال وخبث وإجرام بلا تفصيل، وقوله: (لو كان منهج الموازنات حقا لكان رَسُول اللَّه r رأس الظالمين...) إلخ، جرأة قبيحة من الشيخ، وينبغي الاحتساب عليه فيه، وتعزيره على كلامه هذا واستتابته منه، وهل يجهل الشيخ أن بعض العلماء يكفر من يتلفظ بنحو هذه الألفاظ ودونها؟
إن أصل هذه المسألة ليست من القطعيات، بل الآراء فيها محتملة للخطأ والصواب، وفيها تفصيل لأهل العلم كما تقدم، ولا تستدعي هذا التطرف والغلو من الشيخ ربيع في إبطاله.
بل إن الأدلة من الكتاب والسنة تدل على صحة منهج الموازنات، فقد أخبر الله تبارك وتعالى عن الميزان يوم القيامة، وأنه ميزان القسط والعدل، وأنه دقيق لا يزيد ولا ينقص، وإن كان مثقال حبة من خردل، قال تبارك وتعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47]، وقال تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} [القدر: 7-8].
قلت: وهذه الآيات عامة تشمل جميع الناس من المؤمنين والكفار، وتشمل أهل البدع والكبائر، فإذا كان الله تبارك وتعالى يحفظ للكفار حسناتهم ويجزيهم بها في الدنيا، فالقول بإهدار حسنات أهل البدع -فضلا عن سيد قطب رحمه الله! وقيادات جماعة الإخوان المسلمين!- قول ظاهر البطلان والفساد، وهو ظلم يتنـزه عنه الله تبارك وتعالى، ودين الإسلام بريء منه.
وقد ثبت في الحديث عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَسْتَخْلِصُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُؤوسِ الْخَلائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلا -[أي: من الذنوب]-، كُلُّ سِجِلٍّ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ أَظَلَمَتْكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ؟ قَالَ: لا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَلَكَ عُذْرٌ أَوْ حَسَنَةٌ؟ فَيُبْهَتُ الرَّجُلُ، فَيَقُولُ: لا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً وَاحِدَةً، لا ظُلْمَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ، فَتُخْرَجُ لَهُ بِطَاقَةٌ فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: أَحْضِرُوهُ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلاتِ؟ فَيُقَالُ: إِنَّكَ لا تُظْلَمُ، قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلاتُ فِي كَفَّةٍ، قَالَ: فَطَاشَتْ السِّجِلاتُ وَثَقُلَتْ الْبِطَاقَةُ، وَلا يَثْقُلُ شَيْءٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) رواه أحمد بإسناد صحيح ([209]).
أما زعمه أن العلماء ابن باز وابن عثيمين والألباني والفوزان يرون أن منهج الموازنات مبتدع، فهذا افتراء عليهم، بل المعروف والمشهور عنهم في العمل والفتوى أنهم على منهج الموازنات، فكلام الشيخ ابن باز رحمه الله في جماعتي التبليغ والإخوان وقياداتهم مشهور ([210])، وتقدم نقل كلام ابن عثيمين في أول هذا الفصل، وقد ثبت ثناء الألباني على بعض من يبدعهم الشيخ ربيع!
ثم إن في إبطال منهج الموازنات نفثة خارجية حرورية لا يؤمَنُ خطرُها وضررُها على الأمة، ولا يخفى تأثيرها السيء لا سيما على بعض الشباب المتهورين الذين عندهم قابلية للغلو، ويتوسعون في تبديع وتضليل مخالفيهم.

  
 رد: نص كتاب: الجامع في الرد على المدخلي من خلال أشرطته لأبي عبد الله النجدي وفقه ا

--------------------------------------------------------------------------------
24 - فصل في فقه الواقع
للشيخ ناصر العمر رسالة مختصرة ومفيدة بعنوان (فقه الواقع مقوماته وآثاره ومصادره) ([211])، عرّف فيها فقه الواقع بقوله: (هو علم يبحث في فقه الأحوال المعاصرة، من العوامل المؤثرة في المجتمعات، والقوى المهيمنة على الدول، والأفكار الموجهة لزعزعة العقيدة، والسبل المشروعة لحماية الأمة ورقيها في الحاضر والمستقبل) اهـ ([212])، ثم ذكر أدلته، ونقل أقوال أهل العلم في أهميته لكل مسلم فضلا عن المفتين والدعاة، وذكر آثاره الإيجابية لعموم الأمة، وبعض الضوابط المهمة فيه، وبين مصادره من الكتاب والسنة وسير السلف وكتب العقيدة والفقه والتاريخ.
والشيخ ربيع نفسه اعتذر عن ضعف حفظه بجملة من الأسباب منها أنه اشتغل بشيء من علم الواقع، قال الشيخ ربيع:
(أنا يسهل عليّ حفظ الحديث أكثر من القرآن، ولله الحمد، وإن كنت لست بحافظ، ما أحفظ شيء، لكن ما أعطيها عناية، مشغول، عوائل، وأحداث الساعة والمشاكل والابتلاء بشيء من علم الواقع، كما يقال...) اهـ ([213]) .
ولكنه -بعد ذلك- يرى أن منهج فقه الواقع من الإفساد في الأرض! وأنه يراد به إسقاط العلماء! وإسقاط المنهج السلفي! وتدمير السنة وأهلها! وإقامة البدع الكبرى على أنقاضها! وأنه في غاية الخبث! لأنه يهدم السنة! ويصادم القرآن! فيقول:
(فهؤلاء يفسدون في الأرض ولا يصلحون {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون}، فإفسادهم لعقول الشباب هنا وفتنتهم التي جعلتهم يحتقرون العلماء علماء السنة والتوحيد ويحاربونهم ويسيئون بهم الظن ويعتبرونهم عملاء وجواسيس إلى آخر الاتهامات التي تعلمها الإخوان المسلمون من الشيوعية والماسونية والمخابرات الأمريكية والمخابرات الروسية والموساد اليهودي... لأنهم عندهم من البغض والجرأة على أعراض المسلمين شيء لا يتصور له قلب البشر، فشوهوا صورة العلماء، ومن زمان: فقه الواقع، فقه الواقع، ليش يا إخوان؟ فقه الواقع لإسقاط العلماء، وإسقاط المنهج السلفي، ومنهج الموازنات، منهج الموازنات هذا منهج خبيث، منهج إجرامي لهدم السنة ورفع البدع... مما يدل على أن هذين المنهجين: فقه الواقع، ومنهج الموازنات، إنما أريد بها تدمير السنة وأهلها وإقامة البدع الكبرى على أنقاضها، وإن كان بعض شبابنا يرددها كالببغاوات لا يدرك مغازيها ولا مراميها، يرددها كالببغاء من حيث لا يدري، وهي -والله- في غاية الخبث، لأنها تهدم السنة، وتصادم القرآن، وتهدم منهج الجرح والتعديل)اهـ ([214]).
قلت: لا يُقبل هذا الكلام من الشيخ ربيع لأنه عار عن أي دليل، بل كلامه باطل مردود عليه لأنه مصادم للأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
فالنبي r كان أفقه الناس بالواقع، وأعرفهم بأحوال الناس والقبائل وملوك البلدان المجاورة، والصحابة رضي الله عنهم كانوا يفقهون واقعهم، وأورد الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد قول ابن عباس رضي الله عنهما: (... وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئا)، ثم قال -رحمه الله- في مسائل الباب: (السابعة: فهم الصحابي للواقع أن عامة المؤاخاة على أمر الدنيا) اهـ ([215]).
وللإمام ابن القيم رحمه الله كلام نفيس في فقه الواقع وأهميته للمفتي والقاضي وكل مسلم، فقال:
(الحاكم إذا لم يكن فقيه النفس في الأمارات ودلائل الحال كفقهه في كليات الأحكام ضيع الحقوق، فهاهنا فقهان لا بد للحاكم منهما: فقه في أحكام الحوادث الكلية، وفقه في الوقائع وأحوال الناس يميز به بين الصادق والكاذب والمحق والمبطل، ثم يطبق بين هذا وهذا، بين الواقع والواجب، فيعطي الواقع حكمه من الواجب، ولا يجعل الواجب مخالفا للواقع) اهـ ([216]).
وقال أيضاً:
(ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم: أحدهما فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علما، والنوع الثاني فهم الواجب في الواقع) اهـ ([217]).
وقال أيضاً:
(وقال رجل لإياس بن معاوية: علمني القضاء، فقال: إن القضاء لا يعلم، إنما القضاء فهم، ولكن قل علمني من العلم، وهذا هو سر المسألة، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما}، فخص سليمان بفهم القضية وعمهما بالعلم، وكذلك كتب عمر إلى قاضيه أبي موسى في كتابه المشهور: والفهم الفهم فيما أدلي إليك، والذي اختص به إياس وشريح مع مشاركتهما لأهل عصرهما في العلم هو الفهم في الواقع والاستدلال بالأمارات وشواهد الحال وهذا الذي فات كثيرا من الحكام فأضاعوا كثيرا من الحقوق) اهـ ([218]).
وبين رحمه الله أثر العلم بالواقع في فهم كلام الله تعالى، وكلام رسوله r، وعلاقة ذلك بالتوحيد، فقال في تفسير قوله تعالى: {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له} [سبأ: 22] فالمشرك إنما يتخذ معبوده لما يعتقد أنه يحصل له به من النفع، والنفع لا يكون إلا ممن فيه خصلة من هذه الأربع: إما مالك لما يريده عابده منه فإن لم يكن مالكا كان شريكا للمالك، فإن لم يكن شريكا له كان معينا له وظهيرا، فإن لم يكن معينا ولا ظهيرا، كان شفيعا عنده، فنفى سبحانه المراتب الأربع نفيا مترتبا متنقلا من الأعلى إلى ما دونه، فنفى الملك والشركة والمظاهرة والشفاعة التي يظنها المشرك، وأثبت شفاعة لا نصيب فيها لمشرك، وهي الشفاعة بإذنه، فكفى بهذه الآية نورا وبرهانا ونجاة وتجريدا للتوحيد، وقطعا لأصول الشرك ومواداه لمن عقلها، والقرآن مملوء من أمثالها ونظائرها ولكن أكثر الناس لا يشعرون بدخول الواقع تحته وتضمنه له، ويظنونه في نوع، وفي قوم قد خلوا من قبل ولم يعقبوا وارثا، وهذا هو الذي يحول بين القلب وبين فهم القرآن، ولعمر الله إن كان أولئك قد خلوا فقد ورثهم من هو مثلهم أو شر منهم أو دونهم وتناول القرآن لهم كتناوله لأولئك، ولكن الأمر كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية) اهـ ([219]).
وذكر ابن القيم الآيات من سورة المؤمنون: {ولو اتبع الحق أهواءهم -إلى قوله- لناكبون} [المؤمنون: 71-74]، ثم قال:
(والناصح لنفسه العامل على نجاتها يتدبر هذه الآيات حق تدبرها، ويتأملها حق تأملها، وينزلها على الواقع فيرى العجب، ولا يظنها اختصت بقوم كانوا فبانوا، فالحديث لك واسمعي يا جارة، والله المستعان) ([220])، وقال أيضاً:
(ومن نظر في الواقع وأحاط به علما فهم مراد الرسول من كلامه ونزله عليه)اهـ ([221]).
قلت: هكذا بين العلماء أهمية فقه الواقع وضرورته لفهم الكتاب والسنة وتنزيل أحكامهما على النوازل.
أما فقه الواقع حسب التعريف الذي ذكره الشيخ ناصر العمر، فهو داخل في الجهاد في سبيل الله تعالى، فللشيخ العلامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله كلام نفيس في هذا المعنى، فقد بين أنه لا يمكن التحرز من خطر الأمم الأجنبية إلا بمعرفة أحوالهم، والوقوف على مقاصدهم وغاياتهم وسياساتهم الموجهة ضد المسلمين، وبذلك يعرف المسلمون كيف يقابلون مكرهم ويدفعون أو يخففون شرورهم، واستدل لهذا بقواعد الشريعة، وأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ([222]).
ولعل في هذا القدر الكفاية لمعرفة براءة شريعة الإسلام المطهرة من مذهب الشيخ ربيع في فقه الواقع!


25 - فصل في المجالس النيابية (البرلمانات)
يزعم الشيخ ربيع أن الشيخين عبد العزيز بن باز، ومحمد بن عثيمين -رحمهما الله- يحرمان الدخول في البرلمانات إلا للضرورة، وأنه إذا لم يتحقق من دخولها مصالح، ولا درء مفاسد، فينبغي على الشيخ ابن باز أن يعيد النظر في فتواه! فقد سئل الشيخ ربيع: شيخ -عفا الله عنك- الشيخ ابن باز -حفظه الله- أفتى بجواز دخول البرلمان بضوابط شرعية، هلاّ استحضرت بعض الضوابط هذي يا شيخ؟ فأجاب الشيخ:
(أظن للضرورة -والله أعلم- ما أعرف الضوابط هذه، لكن من تلبيسات هؤلاء: يلبسوا، يلبسوا، حتى يجيب العالم في ضوء هذه الأسئلة، ويكون الأمر الواقع خلاف هذا، لا يحققون مصالح، ولا يدرؤون مفاسد، ولكن يزعمون له أنهم يدرؤون مفاسد خطيرة جداً، لو لم يدخلوا لذهب الإسلام، وذهب أهله، وفعل كذا، وفعل كذا، وفي هذه الحال يعني من باب، يعني إلاّ ما اضطررتم إليه، يأتي المفتي ويقول مثل هذا الكلام ويفتي مثل هذه الفتوى، فيقول: ضرورة، ويفتي بالجواز، وإلا الأصل عند الشيخ محرم، والأصل عند ابن عثيمين محرم، إلاّ للضرورة، فهؤلاء يصورون الأوضاع التي هم يعيشونها كأنها حالة ضرورة لابد من علاجها فيقولون عادي )، فقال السائل: وإذا ثبت عدم وجود هذه المصالح الكبرى ولا درء المفاسد؟ فأجاب الشيخ:
(إذا ما تحقق شيء فخلاص، يكون وينبغي للشيخ ابن باز أن يعيد النظر في فتواه) اهـ ([223]).
ويزعم الشيخ ربيع أن الشيخين ابن باز وابن عثيمين يجيبان على أسئلة فيها تلبيس وحيل! ومن ذلك أجوبتهم في جواز دخول البرلمانات!
فقد سئل الشيخ ربيع في إحدى محاضراته: بعض العلماء الذين يقولون وسائل الدعوة توقيفية يفتون بجواز دخول البرلمان مثل الشيخ ابن باز -حفظه الله- فمن أي باب يجوزون دخول البرلمان؟ فأجاب الشيخ قائلا:
(ابن باز وابن عثيمين حفظهم الله يجيبون على أسئلة فيها تلبيس وفيها حيل، انطلاقاً من ثقتهم بهؤلاء السائلين، هناك مصالح وهناك مفاسد، وهذا يحقق مصالح كذا وكذا وكذا، ويدرأ من المفاسد كذا وكذا وكذا - يقول إذا كان كذلك فلا بأس من باب الضرورة، من باب ارتكاب أدنى المفاسد لدفع أكبرها، لكن أن الأمر الواقع - وكذلك المشاركة في البرلمانات تحقق للأمة خيراً كبيراً وكثيراً ويدرء عنها مفاسد كبيرة وعظيمة - الواقع بخلاف هذا، الحافز الحقيقي لهؤلاء أنهم غربوا الإسلام ومبهورين بأعمال الغرب) اهـ ([224]).
قلت: ما زعمه السائل أن الشيخ ابن باز يقول إن وسائل الدعوة توقيفية، وإقرار الشيخ ربيع إياه، فلا نعلم أن الشيخ ابن باز قال ذلك، بل هو كذب وافتراء عليه، لأن فتاواه تدل على أن وسائل الدعوة ليست توقيفية، قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
(في وقتنا الحاضر يسر الله عز وجل أمر الدعوة أكثر، بطرق لم تحصل لمن قبلنا، فأمور الدعوة اليوم متيسرة أكثر، وذلك بواسطة طرق كثيرة، وإقامة الحجة على الناس اليوم ممكنة بطرق متنوعة، مثلا عن طريق الإذاعة، وعن طريق التلفزة، وعن طريق الصحافة، وهناك طرق شتى...) اهـ ([225]).
أما مسألة البرلمانات، فقد حُررت بحوث ورسائل وفتاوى في حكم دخولها من حيث الجواز والمنع ومن حيث المصالح والمفاسد، فلتراجع ([226]).
أما الشيخ ربيع فهو ناقم جدا على بعض إخواننا السلفيين في الكويت الذين رأوا أن دخول بعض دعاتهم في مجلس الأمة قد يحقق للمسلمين هناك كثيرا من المصالح، ويدرأ عنهم كثيرا من المفاسد، فاتهمهم الشيخ بالخروج عن المنهج السلفي، وأن الحافز الحقيقي لهم هو أنهم غربوا الإسلام وانبهروا بأعمال الغرب! وأن الفتاوى التي استندوا إليها مخالفة للواقع! لقد كان الأولى بالشيخ ربيع -إذا كان لديه علم وبصيرة في هذه المسألة- أن يدلي بحجته فيها ويعتذر لمن خالفه، كما كان ينبغي عليه أن يكف عن وصف الشيخين ابن باز وابن عثيمين -رحمهما الله- بما يتضمن رميهما بالسذاجة والغفلة والجهل بالواقع، وكان الواجب عليه أن يحسن ظنه بهما، فلم يُعرف عنهما الجرأة في إباحة الحرام -حاشاهما من ذلك- بل إنهما من أشد الناس ورعا، وأكثرهم تثبتا في الفتوى، ولا يُنكِرُ هذا، ولا يُشكِّكُ فيه إلا من كان جاهلا بحالهما، وأما قول الشيخ ربيع عن العلماء: إنهم يجيبون على أسئلة فيها تلبيس! وأن فتاواهم على خلاف الواقع! فهذا يفتح الباب على مصراعيه في رد فتاوى أهل العلم، وإبطال مصداقيتهم.
وأما قوله: (... ينبغي على الشيخ ابن باز أن يعيد النظر في فتواه)!!! فهذا دليل على غرور الشيخ ربيع بنفسه! ويدل على منزلة الشيخ ابن باز رحمه الله عنده.
وأختم هذا الفصل بذكر موقف أحد كبار ولاة الأمر في الكويت من دخول الإسلاميين في مجلس الأمة، فقد أشاد بهم وزير الخارجية الأمير صباح السالم، فقال: (لقد جربنا الإسلاميين وتعاملنا معهم كوزراء في الحكومة وأعضاء في مجلس الأمة، ولم نر فيهم ما يكتبه البعض في الصحف، بل الإسلاميون يقومون بدور إيجابي في تأمين التوازن الاجتماعي في الكويت، وأستغرب من الصحف الليبرالية التي تؤذي الإسلاميين وتشتمهم دون وجه حق...) اهـ ([227]).


26 - فصل في المجلات الإسلامية
يزعم الشيخ ربيع أن مجلة البيان مجلة فتنة! وأن مجلتي السنة والمجتمع مجلتا فتنة وبدع، وأن الإخوان أخذوا مجلة الدعوة التي أنشأها الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، وأنهم ابتزوها كما ابتزوا الجامعات! وأن المجلات تشغل عن كتب الحديث والتفسير، ويغني عنها الكتاب والسنة، فقد سئل الشيخ عن تلك المجلات، وطلب منه السائل بيان المجلات السلفية.
فأجاب الشيخ:
(أنتم تعرفون أن مجلة البيان مجلة فتنة، ومجلة السنة مجلة فتنة وبدع، والمجتمع مجلة بدعة وفتن نعوذ بالله، يغنينا عن المجلات كتاب الله وسنة الرسول r ومنهج السلف الصالح، كتب السنة، كتب الحديث، كتب التفسير، كل هذه تغنينا عن هذه الأشياء، بل هذه تشغلنا عنها، وعندكم مجلة البحوث العلمية، مجلة الدعوة أظنها تدور في فلك الإخوان، صراحة الدعوة من زمان نحن والإخوان، أنشأها -مع الأسف- محمد بن إبراهيم، وأخذها الإخوان المسلمون، ابتزّوها كما ابتزّوا الجامعات، هناك مجلة سلفية للإخوان في الهند -صوت الأمة- هذه مجلة سلفية، الأصالة يعني لا بأس بها، ويغني كما قلت لكم كتاب الله وسنة الرسول)اهـ([228]).
قلت: الذي أسس مجلة (الدعوة) السعودية هو الإمام العلامة المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله ولا ينبغي الالتفات إلى مزاعم الشيخ ربيع حولها، وقد أثنى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، على مجلتي الدعوة والمجتمع والبلاغ، ووصفها بأنها نافعة ومفيدة، وحث على شرائها وتوزيعها، فقد قرأ الشيخ سليمان بن محمد الشبانة رحمه الله في برنامج نور على الدرب على الشيخ ابن باز رحمه الله هذا السؤال: (هناك مجلات دينية مشهود لها بالأمانة والإصلاح ولكن عيبها أنها تحتوي على صور، وقد فتح الله عليّ بمبلغ وفير فأحببت أن أحصل على أعداد وفيرة منها، ولكن تذكرت أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة، وأنا الآن في حيرة من أمري، فأرشدوني وفقكم الله)؟
فأجاب الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بما نصه:
(الذي يظهر أن المجلات المفيدة ينبغي أن تشترى وتوزع بين الناس لعظم فائدتها، ولا يمنع من ذلك ما فيها من الصور، مثل مجلة المجتمع، مثل مجلة الدعوة، وأشباهها، ومجلة البلاغ، هذه مجلات نافعة ومفيدة، فلا ينبغي أن يتوقف في شرائها من أجل الصور، بل يشريها ويوزعها على المحتاجين لها ويستفيد منها، والصور لا تمنع دخول الملائكة في مثل هذا، فإنها مغطاة، هذه صور مغطاة تغطى بالأوراق التي عليها، وهي تشبه الصور التي تغطى بخرقة فوقها، وتشبه الصور التي في الفراش الذي يوطأ ويمتهن والوسائد فلا تمنع إن شاء الله من دخول الملائكة لكن على سبيل الاحتياط ينبغي له أن يضع على الرؤوس البوية، يعني يمسحها بالبوية، حتى تزول أحكام الصور، يعني إذا زال الرأس زال حكم الصورة، ولا سيما إذا كانت على الغلاف، هذه مكفوفة، لكن إذا كانت على الغلاف ينبغي طمسها، يجعل فوقها قرطاسة بالشمع، أو فوق الرأس قرطاسة بالشمع، أو يزيل الرأس بالحبر الذي يزيل معالم الرأس، أو بشيء من البوية، ويزول الحكم...) الخ... ثم وجه الشيخ ابن باز نصيحته إلى هذه المجلات بعدم وضع الصور فيها... اهـ ([229]).
قلت: فتوى الشيخ ابن باز رحمه الله مقدمة عند عامة الناس وخاصتهم على رأي الشيخ ربيع وأضرابه، لأن الشيخ ابن باز رحمه الله على حق في هذه الفتوى وليس على باطل.
وأما مجلة البيان التي تصدر عن (المنتدى الإسلامي) في لندن، فقد زكاها الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-، وأفتى بجواز صرف الزكاة للمنتدى الإسلامي الذي يصدرها، فكان مما قال: (المنتدى يخدم منهج أهل السنة والجماعة في بريطانيا، كما يقوم بإصدار مجلة البيان ذات النهج الإسلامي السليم)اهـ([230])، وزكاه أيضاً الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- فقال: (لقد علمت من عادل بن محمد بن خالد السليم، وهو أحد طلبتنا الموثوقين النشيطين، ويحضر لنيل درجة الدكتوراة في بريطانيا، بأنه وزملاءه قد أسسوا مركزا إسلاميا في لندن المنتدى الإسلامي... وحيث إن مشروعه عمل خيري يرجى له مستقبل طيب، وسيكون -بإذن الله- دائما سببا في نشر الإسلام في تلك الديار، فإني أرجو احتساب الأجر في مساعدتهم)اهـ([231])، وممن زكاه من أهل العلم: الشيخ عبد الله بن قعود، والشيخ عبد الله بن جبرين، والشيخ عبد الله بن منيع، والشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل والشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين، والشيخ عبد الله بن حمد الجلالي، ورئيس المحاكم الشرعية في قطر الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رحمه الله ([232]).
قلت: ولا يدعي أحد أن هذه المجلات معصومة، بل هي جهد بشري غير معصوم عن الخطأ والزلل، ولا يزال العلماء وطلبة العلم ينشرون فيها مقالاتهم، ويتداولونها.
ولكن ما هي حقيقة الفتنة التي يلصقها الشيخ ربيع بهذه المجلات؟ ولماذا لا يبين الشيخ ما فيها من الفتنة حتى يحذر أهل السنة منها؟ والجواب: أن الفتنة ليست في هذه المجلات، ولكنها في مرض عضال يعاني منه الشيخ، وهو ظنونه السيئة في نوايا وأهداف الناشطين في حقل الدعوة، وازدراؤه لأعمالهم وجهودهم.
ولا أدري ماذا يقصد الشيخ ربيع بقوله إنه يغني عن هذه المجلات كتاب الله تعالى وسنة رسوله r؟ فهل قال أحد ممن يصدر تلك المجلات شيئا من ذلك؟ أو أرادوا بها مضارة الكتاب والسنة أو مضاهاتهما؟ ولا أدري ماذا يفهم الشيخ ربيع من قيام العلماء والدعاة بإصدار مثل هذه المجلات الإسلامية النافعة؟ ولماذا ينشرون فيها المقالات، والبحوث الرصينة، والفتاوى، والكتابات الأدبية، والتحقيقات، والتراجم، والتخريجات، والمقابلات، والردود، وأخبار المسلمين وهمومهم، وما يفضح مخططات الأعداء؟
وماذا يقصد الشيخ بقوله إنها تشغل عن قراءة كتب السنة والحديث والتفسير؟ أليست هذه المجلات وسيلة مهمة من وسائل نشر العلم والدعوة والجهاد في عصرنا الحاضر؟


27 - فصل في الجامعات
للشيخ ربيع المدخلي قولان في موقفه من الجامعات في المملكة العربية السعودية، فتارة يصرح بأنها مشيدة على التوحيد والعقيدة، ولا مجال فيها لخرافات علوي مالكي ولا الروافض ولا غيرهم، فيقول:
(هذه الحكومة عندها أخطاء ولكن من فضل الله أنها قائمة على الجامعات والمدارس، تشيد الجامعات والمدارس والمساجد بالتوحيد والعقيدة، والله ما تترك مجال للخرافة لا علوي مالكي ولا الروافض ولا غيرهم يستطيعون أن ينشئوا مدارس على منهجهم)اهـ ([233]).
وتارة يقول ما ينقض قوله السابق، ويزعم أن فيها حركات سرية سياسية، وأنها تحجب أنوار الإسلام! فيقسم بالله ويقول:
(والله، لو سلمت الجامعات الموجودة من هذه الحركات السرية السياسية لرأيت أنوار الإسلام) اهـ ([234])
قلت: تذكر ما تقدم نقله عن الشيخ في المطلق والمقيد والخاص والعام! ([235])


28 - فصل في موظفي الحرم
يزعم الشيخ ربيع المدخلي أن موظفي الحرم من الصوفية القطبيين من أتباع علوي مالكي الصوفي، وأنهم يقرونه وجماعته على قراءة المولد واستقبال القبر والاستغاثة بالرسول r، ويهيئون ذلك لهم، ويطردون السلفيين، ويشجعون المنكرات، كل ذلك رغبة منهم في إثارة العلماء وتهييج الناس على الدولة!
يقول الشيخ ربيع:
(علوي مالكي وموظفي الحرم كلهم منهم وإذا دخل سلفي غريب يطردوه، الآن الموظفين في الحرم كلهم منهم، ويأتي علوي مالكي ويقرأ المولد ويقوم يستقبل القبر هو وجماعته ويستغيثون بالرسول عليه الصلاة والسلام، شفت؟ من أقر لهم هذا؟ القطبيون، شفت؟ وبعدين يلصقوها في الدولة هذه، وفي هذه البلاد، والناس ما عندهم خبر، والعلماء ما يرضون، ما يوافق على هذا ويهيئ له ويحب وقوعه إلا هم، عرفتم، ولا رأيت أحد منهم يغير المنكر إلا للتهييج والإثارة، وإلا والله يشجعون المنكرات) اهـ ([236]).
قلت: هذه جرأة بالغة وتجن ظاهر من الشيخ على المشايخ المشرفين على الحرمين، وعلى جميع موظفي الحرم! وظاهر سياق كلامه أنه يقصد المسجد النبوي! ولكن هل يدخل موظفوا الحرم المكي في هذا الحكم الجائر؟ الجواب عند الشيخ ربيع!


29 - فصل في السياسة والسياسي
قال الشيخ ربيع المدخلي:
(أنا راجعت السياسة، من هو السياسي؟ والله، قالوا: الحمار وظهر الحمار، في اللغة ما يعرفون رجل سياسي، ما يعرفون هذا السياسي، الحمار وظهر الحمار) اهـ ([237]).
وقال أيضا:
(السياسة في هذا العصر كلها كذب في كذب ودجل في دجل)اهـ ([238]).
قلت: وهذا يقتضي الطعن في جميع الحكام ورجال السياسة بلا استثناء!
وقال أيضا:
(لكن يا إخوتاه السياسة، السياسة خطيرة جدا، السياسة تقوم على الكذب والمغالطات، كما قال مصطفى السباعي: "ما عرفت سياسيا لا يكذب"، يعني: الكذب قاعدة من قواعد السياسة، خصوصا في هذا الوقت يدرسون مذهب ميكافيللي، ميكافيللي تعرفونه يدرسونه سياسيا، كل سياسي الآن يدرسه، يتعلم كيف يراوغ الناس، كيف (...)([239]) الناس، كيف يضحك على الناس، كيف يقلب الحقائق، الحق باطل، الباطل حق، وهكذا)اهـ([240]).
وقال أيضا:
(... السياسة ليس لها دين، السياسة لا دين لها...) اهـ ([241]).
قلت: هكذا يعمم الشيخ حكمه على السياسة والسياسيين في العصر الحاضر بالكذب والدجل والعلمنة!
ويزعم الشيخ أن الصحابة لا يفقهون في أمور السياسة، فقال:
(والله، لو كان الصحابة فقهاء في أمور السياسة ما ينجحون وما يستطيعوا يستنبطون، الإذاعة والإشاعة يقعون في الفتنة، قضية الإفك طاح فيها كثير من الصحابة) اهـ ([242]).
قوله إن الصحابة لا يفقهون في أمور السياسة قول باطل، فيه ما فيه من الطعن في مقام الصحابة رضي الله عنهم، فقد تولى الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن، ومن بعدهم معاوية، وعبدالله بن الزبير رضي الله عنهم، واتخذوا ولاة وأمراء لهم في مختلف الأقاليم، فكانت سياستهم سياسة شرعية قائمة على العدل والبر والجهاد، وجعلهم النبي r أسوة لهذه الأمة، وحققوا من النجاح ما لم يحققه من أتى بعدهم من الأمراء الخلفاء، فكيف يجرؤ الشيخ ربيع على الطعن فيهم بأنهم لا يفقهون في أمور السياسة؟
ثم نقول: ما الفرق بين طعن الشيخ ربيع هنا في الصحابة رضي الله عنهم، وما زعمه من طعن سيد قطب -رحمه الله- فيهم ([243])؟


30 - فصل في حكام العرب
صرح الشيخ ربيع المدخلي بتكفير عدد من حكام وحكومات العرب، لأنهم علمانيون زنادقة لا يعرفون التوحيد، فقال:
(... ومن الخطأ الآن تأتي لواحد علماني ملحد زنديق تجي تصارعه على الكرسي، أولاً ادعه إلى التوحيد كدعوة موسى فرعون إلى توحيد الله تبارك وتعالى {وهل ([244]) أتاك حديث موسى. إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى، اذهب إلى فرعون فإنه ([245]) طغى. فقل هل لك إلى أن تزكى. وأهديك إلى ربك فتخشى. فأراه الآية الكبرى فكذب وعصى....} إلى آخر الآيات، دعاه إلى توحيد الله تبارك وتعالى، فهذا الطاغية الخبيث المنحرف تدعوه إلى توحيد الله، إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وعرف معناها، قل له: تعال أحكم بما أنزل الله، وإلا أنت لا تزال في دائرة الكفر ما خرجت إلى الآن، لكن من الخطأ أن تسدل الستار على كل هذه الأشياء، وتأتي تناوش القذافي ولا صدام ولا الأسد على الحاكمية، وتطالبه بدستور، وتأتي مع حكومة عدن الشيوعية وتطالبها بدستور قبل أن تبين لها التوحيد الإسلام، هذه صراعات سياسية لها أهواء وأغراض فقط للوصول إلى العرش) اهـ ([246]).
قلت: هذا كلام صريح للشيخ في تكفير من لم يحكم بما أنزل الله، مع أمثلة واقعية في تعيين العلمانيين الملاحدة الزنادقة، فتأمل!
ويكفر أيضا حكومة السودان التي أعلنت عزمها على تطبيق الشريعة الإسلامية، فيقول:
(لماذا ما يتكلمون في حكومة السودان وهي طاغوتية الآن، لماذا لا يتكلمون في حكومة اليمن، لماذا لا يتكلمون في حكومة إيران، لماذا لا يتكلمون في حكومة أفغانستان)اهـ ([247]).
قلت: هكذا ينكر الشيخ على من لا يتكلم في حكومات السودان واليمن وإيران وأفغانستان، علما بأن الشيخ ينكر أشد النكير على من يكفر الحكام الذين لا يحكمون بالشريعة، ويشنع أشد التشنيع على من يطالب الحكومات العلمانية بتحكيم الشريعة، ويصف من يكفرهم بالتكفيريين! وأنهم يناطحون الحكام!
ونسي الشيخ نفسه هنا، فأظهر قرونه ليناطح ويناوش حكام السودان واليمن وإيران وأفغانستان وليبيا وسوريا... الخ.


31 - فصل في الكويت وما يجري فيها
1 - قيمة الكويت عند الشيخ ربيع:
قال الشيخ ربيع المدخلي بعد سقوط إمارة كُنَر في أفغانستان ومقتل الشيخ جميل الرحمن رحمه الله:
(هذه، والله، خسارة أكبر من خسارة الكويت ألف مرة، ما هي الكويت؟ إيش فيها؟ فيها دنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، والله مدرسة واحدة تقدم على منهج الله خير من الكويت كله) اهـ ([248]).
وقال أيضا:
(والله، سقوط كُنر عندي كارثة أكبر من كارثة الكويت، ما قيمة الكويت؟ لكن كُنر إمارة إسلامية قامت على التوحيد، وعلى منهج السلف الصالح، وطبقت شريعة الله تبارك وتعالى التي يهتم بها جل شباب العالم الإسلامي...) الخ ([249]).
قلت: هل يصح أن يقارن غزو الطاغية المجرم صدام للكويت، واستباحته دماء وأموال وأعراض الآلاف من إخواننا المسلمين الكويتيين، بسقوط إمارة كنر؟
ثم لا يجوز احتقار بلد مسلم بأكمله، فالكويت فيها خير كثير، فأكثر أهلها مسلمون سنة، وفيها مساجد، وطلبة علم، ودعوة سلفية قوية.
وإذا كانت الكويت لا قيمة لها عند الشيخ فلماذا سافر إليها في المخيم الربيعي عام 1416 هـ؟
2 - موقف حكام الكويت والإسلاميين من مجلس الأمة:
يزعم الشيخ أن ولاة الأمر في الكويت لما رجعوا إلى بلدهم بعد التحرير لم يكونوا راغبين في إعادة مجلس الأمة ولكن الإسلاميين أجبروهم على إعادته! ودستور 64! ويزعم أنهم لم يطالبوه بتحكيم الشريعة! وأنهم لو صمدوا لما كانت مجالس نيابية ولا دستور! ولما كان إلا كتاب الله وسنة الرسول r!
قال الشيخ ربيع:
(... لما راح حاكم الكويت في أيام الأزمة إلى المملكة ترددوا عليه، الظاهر إحياء التراث والإصلاح ومن كان غيرهم ويطلبون من الحاكم تطبيق الشريعة، يقولون: مستعد مستعد، لما جاء ما خلوه يجلس يستريح إلا وهم يطالبون بمجلس شورى، ويطالبون هذا مجلس الأمة وبدستور 64، ما طالبوه بتطبيق الشريعة، فلما أجبروه على الإعادة، وهو ما يبغاه مجلس الأمة، ما يبغاه، لأن ما فيه مصلحة، أجبروه على إعادة دستور 64 لما عاد المجلس وعاد الدستور أصدروا أسئلة لابن باز وابن عثيمين يقولون: ما رأيكم هل ندخل في مجلس الأمة؟ إذا ما دخلناه يحصل مفاسد ويستغله الشيوعيون والشيعة والعلمانيون وإلى آخره، وهم، هم اللي جابوها، يعني لو صمدوا ما فيش مجالس نيابية ولا دستور ما فيه إلا كتاب الله وسنة الرسول) اهـ ([250]).
قلت: المعروف أن بداية مجلس الأمة أول مرة، وما نشأ عنه من ظهور دستور 64، ثم إعادته بعد التحرير، يرجع إلى ضغوط الدول الغربية الكبرى على حكام الكويت، ليكون النظام السياسي فيها على النمط الديمقراطي الغربي، كما يرجع أيضا إلى مطالب أطراف داخلية أخرى علمانية ويسارية وقومية، ولا علاقة للإسلاميين بإنشاء مجلس الأمة الكويتي ولا إعادته، كما أنهم لا يملكون القوة والتأثير لفرضه على الدولة وإلزامها به.
وأما دخول بعض الإسلاميين في مجلس الأمة فله ما يبرره في نظرهم، وعندهم فتاوى من أهل العلم في ذلك، كما أنه بمعرفة وموافقة ولاة الأمر هناك، وقد تقدم نقل كلام وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح السالم في الثناء على الإسلاميين ([251]).
ثم أي كتب وسنة يتحدث عنه الشيخ ربيع في حكم الكويت؟ ولولا مطالب الإسلاميين بتحكيم الشريعة في مجلس الأمة وغيره لما كان لها قضية في الكويت.
فتصور الشيخ ربيع لما يجري في الكويت غريب للغاية، وبعيد جدا عن الحقيقة!



الباب الرابع

أقواله في العلماء والدعاة وطلبة العلم
وفيه خمسة فصول:
32 - فصل في أقواله في بعض العلماء المتقدمين.
(ابن تيمية، الذهبي، النووي، ابن حجر)
33 - فصل في أقواله في بعض كبار العلماء المعاصرين.
(محمد بن إبراهيم، عبدالعزيز بن باز، محمد بن عثيمين، ناصر الدين الألباني، بكر أبو زيد)
34 - فصل في موقفه من مخالفيه من المشايخ والدعاة.
(عبد الرحمن بن عبد الخالق، عبد الرزاق الشايجي، محمد سرور زين العابدين، عبد الله عزام)
35 - فصل في حكمه على الدعاة وطلبة العلم في بعض البلدان.
(أهل المدينة، أهل نجد، أهل أريتريا)
36 - فصل في موقفه من شباب الصحوة والمحتسبين على الولاة.


32 - فصل في أقواله في بعض العلماء المتقدمين
أولا - التعريض بشيخ الإسلام ابن تيمية والإمام الذهبي رحمهما الله:
قال الشيخ ربيع المدخلي:
(وفي كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أننا نحب أهل البدع، يعني نحب منهم على قدر ما فيهم من الخير، ونكرههم بقدر ما فيهم من الشر، هذا الكلام لشيخ الإسلام رحمه الله، وجدنا في كلام السلف ما يخالفه، فقد نقل البغوي رحمه الله أن السلف اتفقوا من الصحابة والتابعين وتابعيهم وأئمة الإسلام على بغض أهل البدع وهجرانهم ومنابذتهم، عرفتم هذا، فالأمر يحتاج إلى نظر، ولا ينبغي لمسلم أن يتعلق بكلام إمام لنصرة ما فيه من باطل، فكثير من أهل الأهواء يتعلقون بكلام شيخ الإسلام هذا، ويشهرونه سلاحاً في وجه من يدعوا إلى السنة...) اهـ ([252]).
وقال أيضا:
(تجيبوا يخدم لك منهج الموازنات الباطل، وتخلّي مشجب لكل باطل، بارك الله فيك، من أباطيل منهج الموازنات، ما عندهم إلا ابن تيمية والذهبي، لا يقولك أحمد بن حنبل ولا ابن حبان ولا الشافعي ولا مالك ولا أحمد، ما يستطيعون أن يأتوا بدليل، فتتبعوا هؤلاء الذين لهم كتابات كثيرة، وجمّعوا منها شبهات أضعاف ملايين المرات من شبهات الجهمية والمعتزلة والروافض والخوارج، الذين يقول الله فيهم {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله}) اهـ ([253]).
وقال أيضا:
(الذهبي، هذا المتسامح، والذي يتعلق فيه الآن أهل الأهواء) اهـ ([254]).
قلت: تضمن الكلام السابق للشيخ ربيع جملة من المزاعم الباطلة، منها:
1. زعمه أن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في محبة أهل البدع بقدر ما فيهم من الخير، وبغضهم على قدر ما فيهم من الشر، مخالف لما اتفق عليه السلف من الصحابة والتابعين وأتباعهم وأئمة الإسلام!
2. ويزعم أن كلام شيخ الإسلام هذا باطل! وأن أهل الأهواء يتعلقون بكلامه هذا ويشهرونه سلاحا في وجه من يدعو إلى السنة!
3. ويزعم أن أصحاب منهج الموازنات ما عندهم دليل لما ذهبوا إليه إلا أقوال شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام الذهبي!
4. ويزعم أن لهذين الإمامين كتابات كثيرة في هذا الباب، تجمعت منها شبهات كثيرة أضعاف ملايين المرات من شبهات الجهمية والمعتزلة والخوارج والروافض!
5. ويزعم أن الإمام الذهبي متسامح! -يعني مع أهل البدع- ويتعلق به الآن أهل الأهواء!
قلت: الرد على هذه المزاعم من خمسة أوجه:
الأول: لا خلاف بين علماء الدعوة السلفية أن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- من أشد الناس اتباعا للسلف، وأنه إمام لا ينازع في معرفة أقوال السلف ومذاهبهم، لا سيما في هذا الباب، وكلامه في محبة أهل البدع بقدر ما فيهم من الخير، وبغضهم على قدر ما فيهم من الشر، هو عين الحق والصواب، بلا ريب، وهو مذهب السلف، وهو التفسير الصحيح لما ورد عنهم في ذم البدع وأهلها، وذلك أن صاحب البدعة المفسقة ليس كافرا حتى يُبغض ولا يُحب، بل هو مسلم فاسق ببدعته، فيُحَبُّ لما فيه من إسلام وخير، ويُبغَضُ بقدر ما عنده من البدعة، وأما الشيخ ربيع فقد نادى على نفسه بالجهل بمذهب السلف في هذا الباب، والعجيب أنه بدلا من أن يتهم نفسه بعدم الفهم، إذا به يتجرأ على شيخ الإسلام ويزعم أن قوله باطل، بلا حجة ولا برهان، وكما قيل:
وكم من عائب قولا صحيحا وآفتـه من الفهم السـقيم

الثاني: الذين قالوا بصحة منهج الموازنات استدلوا بالكتاب والسنة وأقوال أئمة أهل السنة، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام الذهبي، وقد تقدم الإشارة إلى شيء من ذلك ([255]).
الثالث: أن رأي الشيخ ربيع في هذا الباب موافق لمذهب الغلاة، لأنه يرى بغض أهل البدع مطلقا بلا تفصيل ولازم ذلك عدم التفريق بينهم وبين الكفار، وتزداد الخطورة في نسبته ذلك إلى السلف! وقد تقدم ذكر شيء من منهجه الغالي في الموقف من أهل البدع ([256]).
الرابع -وهو موضع الشاهد في هذا الفصل-: أن ربيعا تجاوز حدود الأدب تجاه هذين الإمامين، وأظهر موقفه الحقيقي تجاههما، عندما زعم أنه تجمّع من كتاباتهما في هذا الباب شبهات كثيرة أضعاف ملايين المرات من شبهات الجهمية والمعتزلة والخوارج والروافض! وهذا محضُ افتراءٍ عليهما! بل هو طعنٌ فيهما! أما ما صرح به ربيع من أن الإمام الذهبي متساهل مع أهل البدع! وأن أهل الأهواء يتعلقون به الآن! فهذا مبني على فهمه السقيم في الموقف من أهل البدع، أما الإمام الذهبي -رحمه الله- فهو من أكثر أئمة السنة اعتدالا وإنصافا في الحكم على الرواة جرحا وتعديلا، وقوله مقدم على من خالفه بغير حجة.
الخامس: أما ما زعمه الشيخ ربيع أن أهل الأهواء -في نظره- يتعلقون بكلام هذين الإمامين في هذا الباب فالجواب عليه أنه إذا كان صحيحا -وهو كذلك- ذلك الذي تعلق به أهل الأهواء (على حد زعمه) في هذا الباب ثم أرادوا به الحق، فهذا هو الواجب عليهم وعلى كل أحد، وكان الواجب على الشيخ أن يذعن للحق لا أن يكابر في رده بحجة باطلة.
وأما إذا أرادوا به الباطل، فما ذنب هذين الإمامين الجليلين حتى يجعلهما الشيخ مطية لأهل الأهواء، فقد تعلق الكفار فضلا عن أهل الأهواء بكلام الله تعالى وكلام رسوله r لترويج أباطيلهم، وأضل الله تعالى أقواما بالقرآن، قال تبارك وتعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ} [البقرة: 26]، وقال تبارك وتعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: 124-125].
وأما إذا كان ما تعلقوا به باطلا، فكان ينبغي على الشيخ أن يبينه بالحجة والدليل في حدود الأدب الشرعي دون أن يتعرض لمقام هذين الإمامين الجليلين بجرأة مذمومة تفتح الباب على مصراعيه للطعن فيهما ورد أقوالهما بغير حجة.
ثانيا - زعمه أن بدع النووي وابن حجر رحمهما الله ميتة لا تضر:
قال الشيخ ربيع:
(جاء ابن تيمية ورد على أساطين الأشاعرة كالرازي والآمدي والباقلاني والجويني وابنه و.. و.. إلى آخره، ولم يتعرض للنووي، لماذا؟ لأن هؤلاء بدعهم منتشرة وهم أئمة فيها، فالناس يخدعون بهم ويأخذون عنهم، أما النووي فبدعته ميتة، ها، لم تضر أهل السنة ولم يستفد منها ولم يأخذ بها أهل البدع، ولا يعولوا عليها، ها، فهي في حكم البدع الميتة، فنأخذ من كتابه ما احل لنا منها، نأخذ منها الحق الذي نقل عنه سلفنا الصالح من الفقه والعقائد الطيبة والخير الكثير واللغات التي نقلها، نأخذ منه هذا لأنه ثقة عندنا ولو كان عنده هذا البلاء ...)اهـ([257]).
وقال أيضا:
(... جاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتلاميذه، ها، وأخذوا الفتح وكتب ابن حجر، وقال الحافظ وقال الحافظ، وهم يعرفون ماذا عنده، وتلاميذهم يعرفون ماذا عنده، والآن السلفيون في العالم يعرفون ماذا عند ابن حجر في فتحه من المخالفات للمنهج السلفي، فما رأينا أحد تضرر، لو رأينا كتبه تضر بالناس والله نحذر منها، والله لأقف أنا على المنابر أحذر منها، لكن حيث إنها لم تضر فهي في حكم البدع الميتة فنتركها، نتركها لا نتكلم على ابن حجر، قال الحافظ ابن حجر ونمشي، إذا سألنا عن ابن حجر نقول (كلمة غير واضحة)، شفت كيف، أما بدع سيد قطب فقامت أجيال عليها، وجعلوه إماماً في هذه الضلالات، فبدعه ضرت فنحذر منها، لو كان ماتت بدع سيد قطب وما أحد تأثر بها ما تعرضنا له، لكنها انتشرت وانتشرت وأصبح إمام وأصبحت كتبه مقدسة و و إلى آخره، فمن هنا رأينا وجوب التحذير منه ومن كتبه، وشتان شتان من الناحية العلمية ومن الناحية العقائدية ومن الناحية الأخلاقية ومن كل النواحي بين ابن حجر والنووي، ابن حجر والنووي جندوا حياتهم لخدمة السنة ووقعوا في هذه الأشياء، أما سيد قطب جند حياته لخدمة فكره، أفكار فلسفية ليست من الإسلام في شيء لبسها لباس الإسلام...) اهـ ([258]).
قلت: تضمن كلام الشيخ ربيع هذا ثلاث مسائل:
1 - أنه يأخذ من كتب النووي وابن حجر -رحمهما الله- ما فيهما من الحق، ويترك ما يخالف المنهج السلفي، ولا يتكلم عليهما لأنهما من الثقات ولأنهما جندا أنفسهما لخدمة السنة ولو كان عندهم ذلك البلاء -يعني البدعة-، ولا يتكلم عليهما إلا إذا سئل عن شيء مما خالفوا فيه، فيقول: أخطأ ابن حجر والنووي.
2 - أن بدع النووي وابن حجر -رحمهما الله- ميتة لا تضر أهل السنة، ولا يتأثر بها أحد، ولا يأخذ بها أهل البدع، ولا يعولون عليها.
3 - أن لسيد قطب بدعا وأفكارا فلسفية ليست من الإسلام، فيجب التحذير منها لأنها لم تمت.
وقبل التعليق على هذه المسائل الثلاث، ينبغي تأكيد مكانة الإمامين النووي وابن حجر -رحمهما الله- وعظيم منزلتهما، وجلالة قدرهما في العلم والفضل، فكلاهما من كبار علماء الأمة، وما خالفا فيه منهج السلف في بعض المسائل العقدية، لا يعدو أن يكون من قبيل الخطأ والغلط، والسبب في ذلك كما قال الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل أنهما عاشا في عصر اختلطت فيه المفاهيم، وكان للأشاعرة ومن شاكلهم نفوذ ولمذاهبهم رواج ([259]).
قلت: إلا أن هناك فرقا بين النووي وابن حجر، فقد قال الشيخ سفر الحوالي: إن الحافظ ابن حجر أقرب ما يكون إلى عقيدة مفوضة الحنابلة كأبي يعلى ونحوه، وأنه نقد الأشاعرة باسمهم الصريح، وخالفهم فيما هو من خصائص مذهبهم، ونقد ابن فورك شيخهم في التأويل ([260]).
وأما التعليق فهو على المسألتين الأولى والثانية، أما الثالثة فسيأتي التعليق عليها في موضعها ([261]):
فالتعليق الأول: أن ما ذهب إليه الشيخ ربيع في المسألة الأولى صحيح لا غبار عليه في الجملة، فيؤخذ من كتب العلماء ما فيها من الحق والعلم والفوائد، ويترك ما فيها من الخطأ، مع الأدب في رد أخطاء العلماء، والكف عن تبديعهم من غير موجب، ولكن لا بد من بعض التفصيل والتوضيح لأمرين اثنين:
أ- إن أراد الاقتصار على كتب هذين الإمامين دون غيرهما فهو تحكم لا دليل عليه، إذ لم يزل علماء أهل السنة يستفيدون من كتب كثير من العلماء المنتسبين إلى الأشعرية والصوفية ونحوهما في التفسير والحديث والفقه واللغة والأدب وغيرها، وهم مع ذلك يدعون لهم ويترحمون عليهم.
ب - وأما أنه لا يبين أخطاءهما إلا إذا سئل عنها، فهذا غير صحيح، إذ لم يزل العلماء يصوبون الأخطاء في الكتب وإن لم يسألوا عنها، ومنهجهم في ذلك علمي موضوعي، مع كامل الأدب، وحسن الظن، والاعتذار لأصحابها.
والتعليق الثاني: أن ما زعمه الشيخ في المسألة الثانية ليس بصحيح، فأكثر ما يحتج به أهل البدع على أهل السنة -لا سيما في العصر الحاضر- هو أقوال الإمامين النووي وابن حجر -رحمهما الله- لعلمهم بمكانتهما الرفيعة لدى السلفيين، فيحتجون بأقوالهما لأنهما تبعا المتكلمين من الأشاعرة في بعض مسائل العقيدة وتأويل الصفات.
كما أن علماء أهل السنة لم يسكتوا عن بدعهما للحجة الباطلة التي يزعمها الشيخ ربيع -أنها بدع ميتة- بل بينوها وصنفوا فيها، فقد صنف الشيخ عليّ الشبل كتابا عنوانه (التنبيه على المخالفات العقدية في فتح الباري) ([262]) قرظه كبار العلماء كالشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، والشيخ صالح الفوزان، والشيخ عبد الله العقيل، والشيخ عبد الله المنيع، والشيخ عبد الله الغنيمان، كما صنف الأستاذ مشهور بن حسن كتاب (الردود والتعقبات على ما وقع للإمام النووي في شرح صحيح مسلم) ([263])، ولم يقل أحد منهم إن بدع المتكلمين من الأشاعرة ومن شابههم قد ماتت، وإني لأعجب حقا من الشيخ ربيع حين يزعم إن البدع التي وردت في كتب النووي وابن حجر قد ماتت! ولم يتضرر بها أحد! إذ لا يخفى ما فيه من المغالطة والمخالفة للواقع، بل والتناقض فيما يدعيه الشيخ ربيع نفسه، فإنه إذا كان ينقم على سيد قطب -رحمه الله- الأخطاء العقدية التي وقع فيها، فلا يعدو أن يكون نقلها من كتب أمثالهما من العلماء الذين تأثروا بعقائد أهل الكلام أو المتصوفة، والله أعلم ([264]).








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق