حوار مع أخي هل زيارة القبور يوم العيد بدعة
صالح: لا بد من تحذير الناس من البدع التي تحدث يوم العيد ومنها زيارة المقابر.
وليد: ولماذا تحرم الزيارة للقبور يوم العيد.
صالح: لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه، ولأن يوم العيد يوم فرح وسرور للمسلمين وليس تجديدا للأحزان، ناهيك عما يحدث في زيارة المقابر من المخالفات الشرعية كقول ما لا يجوز في الميت، والبكاء الممنوع، وما لا يجوز من القول.
وليد: لا بد من تحديد محل البحث، فزيارة القبور يوم العيد مسألة، وما يحدث في تلك الزيارة مسألة أخرى، فإذا جازت زيارة المقابر فيكون الإنكار على العوارض المحرمة في المقبرة.
صالح: بل نقول إن هذه الزيارة حرام سدا للذريعة على المحرم وهو تلك العوارض من الأفعال المحرمة في المقابر.
وليد: بما أنك قلت حرام سدا للذريعة، فهذا يعني أن زيارة العيد مباحة، وليست بدعة، لأن سد الذريعة يكون في المباح، أما البدعة في الدين فهي حرام تحريما أصليا كحرمة الخمر، والقتل، فلا نقول القتل حرام سدا للذريعة! لذلك عليك أن تحدد حكم زيارة القبور يوم العيد أولا ثم تتحدث عن سد الذريعة.
صالح: حسنا، ما حكم زيارة القبور يوم العيد؟
وليد: حكمها كزيارتها قبل العيد وبعده، وكأي وقت من الأوقات وهو أنها سُنة.
صالح: لماذا يخصص يوم العيد بالزيارة، لماذا لا يزور إلا في العيد، أليس هذا تخصيصا؟
وليد: ما معنى تخصيص وأين المخصِّص والمخصَّص.
صالح: فعل الرجل وأهله، لماذا يذهب كل عيد للمقبر
ة؟
وليد: الفعل وتكراره لا يعني تخصيصا، لأنك لو استغفرت مائتي مرة في اليوم وداومت على ذلك فلا يعد تخصيصا بمجرد المداومة على الفعل، كمن يقرأ جزءا من القرآن بعد العصر يوميا، فهو من أفراد المأمور به شرعا وهو تلاوة القرآن الكريم دون تحديد قدر ووقت، فكل القارئين مأجورون إذا داوموا على القراءة بعد العصر أم بعد المغرب، وحددوا جزءا أم حزبا .
صالح: لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء في صحيح البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه، فهو رد».
وليد: حسنا لم يَزُر الرسول صلى الله عليه وسلم المقبرة يوم الثلاثاء مثلا، فلا نزورها في هذا اليوم، لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد! أثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار المقبرة صباح يوم الثلاثاء، وكذلك صباح الأربعاء ومساء الأحد.
صالح: لا بد من محاربة البدع والضلالات، حتى لا يغير الدين.
وليد: قد تكون الغاية نبيلة ولكن كذلك الحكم الشرعي لا بد أن يكون على أصوله أيضا.
صالح: ولكن لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزيارة القبور يوم العيد لا دليل عليه.
وليد: من أصول النظر في الشريعة تعيين الدليل الذي يتنزل على محلِّه في الواقع، وهو زيار القبور يوم العيد، فلك أن تقول أين الدليل الذي يتنزل على مسألة زيارة القبور في العيد وغير العيد.
صالح: أين الدليل.
وليد: أخرج مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فهل هذا يُعد من (أمرنا)
صالح:نعم.
وليد: هل قيد النبي صلى الله عليه وسلم زيارة القبور في يوم أو وقت أو مكان .
صالح: لا.
وليد: فإذا لم يقيد النبي صلى الله عليه وسلم بوقت بل أطلق في الوقت والمكان، فهل يجوز لأحد أن يقيد ما أطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
صالح: ما أطلقه الشارع فالبدعة في تقييده، وما قيده الشارع فالبدعة في إطلاقه، والحديث هنا أطلق الأمر بالزيارة،، فلم يحدد زمانا، والشارع لم يَنْس قيد المنع يوم العيد، قال تعالى: ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64) سورة مريم، وقال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) .
وليد: وبما أن الشارع لم يقيد، بل أطلق في الزمان والمكان، فهل تكون زيارة القبور في كل الأوقات من (أمرنا) أم من غير أمرنا.
صالح: بل من (أمرنا).
وليد: إذن، ما حكم زيارة العيد في كل وقت سواء كان عيدا، أم صباحا، أم مساء، أم الثلاثاء وغيره من الأيام.
صالح: كلها سواء لا فرق بين عيد وغيره.
وليد: ما حكم المقيد بالمنع في العيد برأيه ولم يأت بدليل مخصص أو مقيد من الشارع؟!
صالح: إذن البدعة في المنع، لأن المانع من الزيارة في وقت العيد أو في غيره، قيَّد ما أطلقه الشارع، وكما قلنا، ما أطلقه الشارع فالبدعة في تقييده، وما قيده فالبدعة في إطلاقه، لأن المبتدع يزيد على الشرع ما ليس منه، والتقييد بالمنع مما أطلقه الشارع من غير دليل شرعي فلا يجوز، وهو قيد زيادة على الدين ما ليس منه، وهو عين البدعة.
وليد: هل تلاحظ يا صالح ما فعَلَتْه التطبيقات غير الصحيحة لمقولة التاريخ (لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم) في نصوص الشريعة، وأنها تلغي عمومات الشريعة وأصولها العامة، وتقصر الشريعة على عدم التاريخ، وهذا من الأمثلة العملية الكثيرة على إلغاء عمومات الشريعة وأصولها بمقولة (لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ومحاربة السنن الشرعية بهذه المقولة.
صالح: من علامات البدعة أنها تميت سنة، ولما كانت زيارة القبور سنة بنص الشارع دون قيد بزمن، فإن التبديع بزيارتها يميت سنة، وهي زيارة القبور في العيد، والسنة لم تفرق بين عيد وغيره، ولا ليل ونهار، وواضح أن علم أصول الفقه يمُدُّ نصوص الشريعة في الواقع، خلافا لمقولة (لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم) التي تلغي عمومات الشريعة وتحاصرها من التمدد والانتشار في الواقع، بسبب عدم التمييز بين الترك الذي هو حجة شرعية، والترك الذي هو عدم التاريخ.
وليد: نعم لا بد أن نميز بين تروك النبي صلى الله عليه وسلم التي تعتبر حجة، وهي من خطاب الشارع وبين العدم الذي لا يُعد فعلا، وكونه عليه السلام لم يُروَ عنه أنه زار العيد في وقت ما فهذا عدم رواية، أما الخطاب فهو أمره بزيارتها مطلقا، وهو مما قال الله تعالى فيه: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)سورة الحشر ، فكيف نتبع عدم الرواية ونهجر الخطاب الشرعي؟!
صالح: ولكن يوم العيد يوم فرح وسرور، فلماذا تـُجدَّد الأحزان في هذا اليوم.
وليد: إن في زيارة القبور تذكر للموت والدار الآخرة، وهذا في كل وقت في عيد وغيره، وليست أحزانا لأن تذكر الموت والآخرة يدفع الإنسان للعمل وجاء في سنن الترمذي في الحديث عن القبور(فزوروها فإنها تذكر الآخرة) قال الترمذي: (حديث بريدة حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم) وأنت أخي صالح تُذكِّر الناس في العيد أن لا تنسيهم أفراحهم الآخرة، وزيارة القبور لتذَكُّر الآخرة علة منصوصة من الشارع، وتذكر الآخرة مطلوب في عيد وغيره، ولا يجوز منعه في عيد وغيره.
صالح: وعليه فإن من بدَّع بزيارة القبور يوم العيد يكون قد هجَر السنة مرتين: مرة في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:(فزوروها )، ومرة ثانية في الحكمة والعلة وهي أنها تذكر بالآخرة (فإنها تذكر الآخرة) ، واستحضر علة برأيه وهي أن الزيارة تجدد الأحزان، مع أن العلة المنصوصة في السنة خلاف ذلك، وهذا يدل على خطورة الرأي في الدين حيث خصص بالمنع من غير مخصص شرع، وعطل العلة المنصوص عليها في السن بالقول ببدعية زيارة القبور يوم العيد.
ولكن ألا توجد مخالفات أثناء زيارة القبور، فلماذا لا نمنع زيارة المقابر لهذه المخالفات الشرعية، من باب سد الذريعة.
وليد: سد الذريعة ليس دليلا مستقلا، بل هو من باب الأمارة على الحكم، ولا يجوز أن يلغي السنة الثابتة بالدليل المستقل وهو النص الشرعي، ولا يجوز مقابلة السنة بالرأي والأمارة، فسَدُّ الذريعة في المباح، ولا يجوز إلغاء السنن النبوية بسد الذريعة، لأن سد الذريعة عندئذ يصح منع الشريعة.
صالح: فماذا نفعل بالمخالفات الشرعية الواقعة في زيارة القبور.
وليد: هذه المخالفات ليست خاصة بالعيد، فهي في العيد وغيره، لذا علينا مراجعة العوارض الممنوعة في الزيارة، وليس إلغاء السنن المشروعة خوفا من المخالفات الممنوعة، بل يزال الممنوع ويحافظ على المشروع.
صالح: أصول الفقه علم أصيل حارس للسنة النبوية، ويمُدُّ عمومات الشريعة في الواقع وينشرها.
وليد: صدقت يا صالح.
صالح: طال الحوار ولا بد أن نخلص لأهم النتائج.
وليد: حسنا هاك نتائج الحوار.
–وجوب حراسة عمومات الشريعة وأصولها العامة، وهي من أمرنا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه، فهو رد»، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالزيارة دون قيد، والمحدِث في أمرنا هو من يُقيِّد المطلق شرعا ويطلق المقيَّد شرعا.
–زيارة القبور سُنة في كل وقت في عيد وغيره.
–الحذر من المخالفات في زيارة المقابر مع ضرورة إزالتها.
– التحذير من الاستدلال غير الصحيح بأصل سد الذرائع، فهو لا يلغي السنن والواجبات الشرعية.
–مقولة لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتاج إلى التفريق بين ترك النبي صلى الله عليه وسلم الذي يُعدُّ فعلا، وبين العدم الذي يهدم أصول الشريعة العامة.
–ما كان مطلقا شرعا فالبدعة في تقييده، وما كان مقيدا فالبدعة في إطلاقه.
–من علامات البدعة أنها تميت سنة، وتلغي نصوص الشرع.
–الدوام على فعل لا يُعد تخصيصا إذا كان الفعل أحد أفراد العام مثل المحافظة على تلاوة جزء من القرآن يوميا بعد العصر، وكذلك تكرار زيارة القبور في أوقات معينة.
–لم نعرف من يزعم أن زيارة القبور في يوم العيد لها خصوصية شرعية على غيرها من الأيام في الفضل، ومَن قال ذلك فقد زاد على الدين ما ليس منه وهو بدعة، ولا يجوز كالقول بالمنع، والزيادة في الدين كالنقص فيه فهما سواء، والواجب هو اتباع السنة بلا قيد ولا منع، مر.
–لا نفتش على قلوب الناس وتُحمل ظواهر أفعالهم على السلامة إلا إذا قامت البينة على خلاف ذلك، والأصل أن الناس مصدقون فيما يقولون.
–لا يجوز تبديع المسلمين وتفسيقهم دون موجب شرعي.
–ضرورة إجراء أبحاث علمية رصينة قبل إصدار فتاوى التبديع لعِظَم الأمر وخطورته، ويجب الحذر من النزعات الفردية، كما يجب التحرر من رؤية الحزب والجماعة، والانضواء تحت القواعد الأصولية الكلية التي تحافظ على نصوص الشريعة وتحرسها من تحكُّمات الرؤية الفردية، والواقع المنحرف.
–ضرورة الانحياز إلى القواعد الكلية العامة، والتخلي عن التعصب للفرد والجماعة والحزب في مسائل الشرع.
–تعتبر قواعد علم أصول الفقه حيادية لا علاقة لها بالأحزاب ولا بالجماعات، والا بالأفراد، وهي قواعد عابرة للزمان والمكان.
–نفرق بين الرشد الاجتماعي وهو أولوية الزيارة بين الأقارب أو زيارة القبور، وبين ما هو بدعة محرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق