**** سماحـــــــة الإســـــــلام ****
تأملات سلفية في آيات قرآنية .. ( يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا ) .. ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) .
يرشدنا الله سبحانه وتعالى غي كتابه الى تقديم التخفيف والتيسير على التشديد والتعسير.
يقول الله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).
ويقول سبحانه: (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا).
ويقول عز وجل: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج).
ويقول الرسول الكريم: "خير دينكم أيسره"، "أحب الأديان إلى الله الحنيفية السمحة".
وتقول عائشة: ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين، إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما، فإذا كان إثما كان أبعد الناس عنه.
ويقول صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته".
ويتأكد ترجيح الرخصة واختيار التيسير، إذا ظهرت الحاجة إليها، لضعف أو مرض أو شيخوخة أو لشدة مشقة، أو غير ذلك من المرجحات.
روى جابر بن عبدالله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه، فقال: "ما هذا؟" فقالوا: صائم، فقال: "ليس في البر الصيام في السفر".
أما إذا لم يكن في السفر مثل هذه المشقة فيجوز له أن يصوم، بدليل ما روته عائشة: أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أأصوم في السفر؟ وكان كثير الصيام، فقال: "إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر".
وكان الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز يقول بشأن الصوم والفطر للمسافر، واختلاف الفقهاء: أيهما أفضل، كان يقول: أفضلهما أيسرهما عليه. وهذا قول مقبول، فمن الناس من يكون الصوم مع الناس أهون عليه من أن يقضي بعد ذلك والناس مفطرون، وغيره بعكسه، فما كان أيسر عليه فهو الأفضل في حقه.
ودعا عليه الصلاة والسلام إلى تعجيل الفطور وتأخير السحور، تيسيرا على الصائم.
ونجد كثيرا من الفقهاء في بعض الأحكام التي تختلف فيها الأنظار يرجحون منها ما يكون أيسر على الناس، وخصوصا في أبواب المعاملات، وقد اشتهرت عنهم هذه العبارة: هذا القول أرفق بالناس!!
هذا ومما أحمد الله تعالى عليه أني تبينت منهج "التيسير" في الفتوى، و"التبشير" في الدعوة، اتباعا للمنهج النبوي الكريم، فقد بعث أبا موسى ومعاذ إلى اليمن وأوصاهما بقوله: "يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا".
وروى عن أنس أنه قال: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا".
قلت مرة في إجابتي عن الأسئلة بعد إحدى المحاضرات: إنني إذا وجدت أمامي قولين متكافئين أو متقاربين في مسألة شرعية، وكان أحدهما أحوط، والآخر أيسر، فإني أفتي لعموم الناس بالأيسر، وأرجحه على الأحوط.
فقال لي بعض الإخوة الحاضرين: وما دليلك على ترجيح الأيسر على الأحوط؟
قلت: دليلي هدى النبي صلى الله عليه وسلم: أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما. وأمره للأئمة في صلاة الجماعة أن يخففوا عن المأمومين، لأن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة.
قد يفتي العالم بالأحوط لبعض أهل العزائم والمتورعين من المتدينين، أما العموم فالأولى بهم الأيسر.
وعصرنا أكثر من غيره حاجة إلى إشاعة التيسير على الناس بدل التعسير، والتبشير بدل التنفير، ولا سيما من كان حديث عهد بإسلام، أو كان حديث عهد بتوبة.
وهذا واضح تمام الوضوح في هدى النبي صلى الله عليه وسلم في تعليمه الإسلام لمن يدخل فيه، فهو لا يكثر عليه الواجبات، ولا يثقله بكثرة الأوامر والنواهي، وإذا سأله عما يطلبه الإسلام منه، اكتفى بتعريفه بالفرائض الأساسية، ولم يغرقه بالنوافل، فإذا قال له الرجل: لا أزيد على هذا ولا أنقص منه، قال: "أفلح إن صدق"، أو "دخل الجنة إن صدق".
بل رأيناه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يشدد النكير على من يشدد على الناس، ولا يراعى ظروفهم المختلفة، كما فعل مع بعض الصحابة الذين كانوا يؤمون الناس، ويطيلون في الصلاة، طولا اشتكى منه بعض مأموميهم.
فقد أنكر على معاذ بن جبل تطويله، وقال له: "أفتان أنت يا معاذ؟ أفتان أنت يا معاذ؟ أفتان أنت يا معاذ".
وعن أبي مسعود الأنصاري: أن رجلا قال: والله يا رسول الله، إني لأتأخر عن صلاة الغداة (الصبح) من أجل فلان، مما يطيل بنا! فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضبا منه يومئذ! ثم قال: "إن منكم منفرين، فأيكم ما صلى بالناس، فليتجوز (يخفف) فإن فيهم الضعيف، والكبير، وذا الحاجة".
وقد ذكرت بعض الروايات أن هذا الذي طول بالناس كان أبي بن كعب، وهو من هو علما وفضلا، وأحد الذين جمعوا القرآن. ولكن هذا لم يمنع أن ينكر النبي عليه، كما أنكر على معاذ، برغم حبه له وثنائه عليه.
ويقول خادمه وصاحبه أنس: ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة، ولا أتم صلاة من النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان ليسمع بكاء الصبي، فيخفف، مخافة أن تفتن أمه.
وعنه أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "إني لأدخل في الصلاة، وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي، مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه".
ويروي عنه أبو هريرة قوله: "إذا صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن فيهم السقيم، والضعيف والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء".
وكان النبي صلى الله عليه وسلم أشد ما يكون إنكارا للتشديد إذا كون اتجاها، وتبناه جماعة، ولم يكن مجرد نزعة فردية عارضة، وهذا ما نلاحظه في إنكاره على الثلاثة الذين اتخذوا خطا في التعبد غير خطه، وإن كانوا لا يريدون إلا الخير ومزيد من التقرب إلى الله تعالى.
عن أنس رضي الله عنه قال: "جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها وقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟! قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدا، وقال آخر: وأنا أصوم ولا أفطر، وقال آخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هلك المتنطعون"! قالها ثلاثا.
المتنطعون: المتعمقون المشددون في غير موضع التشديد.
وعن ابن هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا، وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة، وشيء من الدلجة" رواه البخاري، وفي رواية له: "سددوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيء من الدلجة، القصد القصد تبلغوا".
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إلا غلبه": أي غلبه الدين وعجز ذلك المشاد عن مقاومة الدين لكثرة طرقه. "الغدوة": سير أول النهار. و"الروحة": آخر النهار. و"الدلجة": آخر الليل. وهذا استعارة وتمثيل، ومعناه: استعينوا على طاعة الله عز وجل بالأعمال في وقت نشاطكم وفراغ قلوبكم، بحيث تستلذون العبادة ولا تسأمون، وتبلغون مقصودكم، كما أن المسافر الحاذق يسير في هذه الأوقات، ويستريح هو ودابته في غيرها فيصل المقصود بغير تعب، والله أعلم.
وقد هالني ما سمعت في نشرات الأخبار، وما قرأته في الصحف: أن سلطات الحج في المملكة العربية السعودية أعلنت عن (270) مائتين وسبعين حاجا في مرمى الجمرات، قتلوا وطئا بالأقدام في غمرة الزحام الهائل على الرمي بعد الزوال!
ومع هذا العدد الكبير من القتلى لازال كثير من العلماء يفتون الناس بعدم جواز الرمي قبل الزوال بحال، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يسر في أمر الحج، وما سئل عن أمر قدم ولا أخر فيه، إلا قال: "افعل ولا حرج". والفقهاء سهلوا في أمر الرمي حتى أجازوا أن يجمع الحاج الرمي في اليوم الأخير، وأجازوا الإنابة فيه للعذر. وهو أمر يتم بعد التحلل النهائي من الإحرام.
وقد أجاز الرمي قبل الزوال ثلاثة من الأئمة الكبار: فقيه المناسك عطاء، وفقيه اليمن طاووس، وكلاهما من أصحاب ابن عباس، وأبو جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين من فقهاء آل البيت.
ولو لم يقل فقيه بجواز ذلك لكان فقه الضرورات يوجب علينا التسهيل على عباد الله، وإجازة الرمي خلال الأربع والعشرين ساعة حتى لا نعرض المسلمين للهلاك.
وجزى الله الشيخ عبدالله بن زيد المحمود خيرا، فقد أفتى منذ أكثر من ثلث قرن بجواز الرمي قبل الزوال في رسالته "يسر الإسلام".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق