* "السلفيون" والتغيير
(1) كيف سيستأنف "السلفيون، الحياة الإسلامية؟ أو قل "كيف" هذه، هناك سؤال ينبغي أن يسبقها وهو: هل يفكر "السلفيون" في هذا الموضوع؟ وما هو حجم الحيز الذي تشغله هذه القضية من اهتماماتهم؟
كانت بداية "السلفية" المعاصرة بداية علمية، تدعو إلى مجموعة من الأصول المعلومة، وجهدهم الذي تعلق بالواقع انصب على محاربة المذهبية، والشرك المتعلق بالقبور والرقى والتمائم، والبدع العملية المنتشرة في الأمة، ولم يكن لهم جهد فيما يتعلق بالواقع العام للأمة، ولم يطرقوا من توحيد الألاهية ما يتعلق بالحاكمية والتشريع، بل إنَ رموز "السلفية" يفتخرون بعدم وجود علاقة لهم بالسياسة، ففي نظرهم أن "السلفية": كلمة تلفظ بمعناها الصادر منها، أي معنى يدل على حركةٍ سياسية … ومن يفهم ذلك، فإنه مخالف ولنهج السلف غير سالك([1]).
إن المتتبع لرسائل "الدعوة السلفية"، يجد أمراً جديراً بالملاحظة، وهو أن استئناف الحياة الإسلامية لم يكن من ضمن أهدافهم التي اعتادوا على ذكرها على الغلاف الأخير لرسائل "الدعوة السلفية"، ثم منذ سنوات درجوا على ذكرها استجابة ـ كما يبدو ـ لضغط التيار الإسلامي الذي يدعو إلى استئناف الحياة الإسلامية، فأضافوها مجاملة ورفعاً للعتب([2]).
(2) والحقيقة أن الأمر لو وقف عند هذا الحد، لقلنا: لهم اجتهادهم، ولهم اهتماماتهم وأهدافهم التي يسعون إلى تحقيقها في الأمة، وهذا غاية جهدهم، ومنتهى اجتهادهم، فجزاهم الله خيراً. لكن القوم لم يلزموا غرزهم، ولم يقنعوا باجتهادهم وجهدهم، ولم يرضوا بان يكون للخلق اجتهاد وجهد، فصاروا في الآونةِ الأخيرة ينشطون في المجالات ا لتالية:
1 - تشويه منهج السلف والانحراف به عن الجادة، من خلال وصفه ببعده عن السياسة وافتخاره بذلك.
2- نبذ المتمسكين بمنهج السلف، الملتزمين بأصول أهل السنة، بألقاب ليست مطابقة للواقع، فهذا إخواني، وذاك تحريري، وثالث سروري، ورابع: خارجي، وخامس: من جماعات الغلو، وسادس: يُذكًر بالطوائف المارقة من الإسلام... الخ من قاموس ألقاب الجرح والتصنيف "السلفي". ولماذا كل هذه الألقاب؟ لأن المتهَمَ في نظر "السلفي طبعا" يعيش ضمن الخارطة وداخل التاريخ، فيرى وجوب الاهتمام بالواقع والسياسة، وينتهج منهجاً في التغيير أداه إليه اجتهاده، وهو إن فعل ذلك أخرجه "السلفيون" من "السلفية" وكأنها حِكر عليهم، وكأنهم قيِّمون عليها، وهم لا يدرون بأنهم ـ بفعلهم هذا ـ مبتدعون، مخالفون لمنهج السلف وخط أهل السنة، وأنهم ـ عرفوا أم لم يعرفوا ـ أدوات في أيدي الجاهلية تضرب بهم الدعاة العاملين.
وإذ كان ذلك كذلك من الخطورة وتشويه الحقائق والانحراف عن "السلفية" "وبالسلفية" عن مضمونها الحقيقي وهو رفض الشرك في أجلى صوره، أعني تحكيمَ غير الله في الحياة، كان لا بُد من مناقشة هذه المسألة الخطيرة، وذكر القوم بما فيهم، تنبيهاً لهم، وتعليماً لغيرهم أن: ليست هذه في "السلفية" في موقفها من الواقع، ومن شرك الحاكمية، ومن العاملين للإسلام، ومن السياسة.
ومن يدعي ما يدعيه القوم خارج عن منهج السلف، مبتدع بدعة عظيمة، فوجب ـ والحالة هذه ـ بيان بدعته، لما فيها من تلبيس على الخلق، وإضلال لهم، باسم السلف. قيل للإمام أحمد رحمه الله: " الرجل يصوم ويصلي ويعتكف، أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع، فقال: إذا قام وصلى واعتكف، فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل"([3]).
(3) "السلفيون" والسياسة:
سبقت الإشارة إلى افتخار "السلفيين" بانعدام العلاقة بينهم وبين السياسة، وذلك في قول الأستاذ محمد شقرة عن "السلفية" بأنَها: "كلمة تنفي بمعناها المتبادر منها، أي معنى يدل على حركة سياسية"([4]).
ولما كانت الجملة موهمة، تحتمل وجهين، فإنني سأتعرض لهما:
الوجه الأول: إن كان الأستاذ يقصد أن "السلفية" ليست حركة سياسية، بمعنى أنها ليست حزبا سياسيا بالمعنى الاصطلاحي لكلمة حزب "فالسلفية" كذلك.
الوجه الثاني: أن يكون قصد الأستاذ أن "السلفية" لا تهتم ولا تشتغل بالسياسة، فهذه دعوى مرفوضة، "وتهمة" منكرة يُراد للمنهج السلفي تلبسها.
فما الذي يفهمه "السلفيون" من كلمة سياسة، ولماذا يتوترون عند سماعها، السياسة هي: إدارة الواقع، والتعامل معه، والسياسة: هي الحركة من أجل تجسيد الأفكار في واقع الحياة.
فهل يفهم "السلفيون" السياسة على غير هذا الوجه، وهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا سياسة، فإن كانوا موافقين على هذه المعاني، لكن الكلمة تثيرهم، فلا مشكلة حينئذ؟ ونحن نتنازل عن الكلمة، وعياً منَا لأهمية المضمون والاتفاق عليه، حيث تفقد المصطلحات - عندها- أهميتها فلا مشاحة فيها.
(4) "السلفيون" وفقه الواقع:
كنا نعتقد أنَ قضية إدراك الواقع، قضية منتهية، قد حَسَمَها الحسّ الإسلامي منذ نزل القرآن، إذ يدرك العقل المسلم أن فقه الواقع أحدُ شرطي الانتهاء إلى حكم شرعي، فبما أن الأحكام الشرعية تتعلق بالحياة كلها، وبما أن المسلم مخاطب بعمارة الأرض، وبما أن المسلم ملتزم باستبانة سبيل المجرمين، لكل ذلك فإن فقه الواقع قضية محسومة. هكذا كنا نعتقد.. ثم إنَه ألف أحد الأشياخ رسالة في فقه الواقع، يذكر فيها أهميته، وضرورته، وهي رسالة صغيرة متواضعة، كل ما فيها معروف لدى أهل العلم والحكمة، لكنها بالنسبة للبيئة التي نشرت فيها جديدة، فهي لذلك إنجاز مهم وجهد مشكور.
وعندما قوبلت هذه الرسالة باهتمام، ووجهت الشباب "السلفي" إلى الالتفات إلى قضايا ومشاكل كانت غائبة عنهم، رأينا رد فعل عجيب من "السلفيين"، حيث صدرت لهم في التعليق على تلك الرسالة رسائل تُهوًن من شأن فقه الواقع.
وصرت تسمع كلمات غريبة مثل: "إنَ فقهَ فقهِ الواقع، أن تدع فقه الواقع، ليستحكم عندك فقه الواقع، فتكون من أعلم الناس، وأفقههم بفقه الواقع"([5]). وهذا منطق عجيب صورة ومعنى، ولا داعي للرد عليه لبيان ضعفه، فمخالفته لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنهج سلف الأمة واضحة.
(5) لا أعرف لماذا عقدَوا هذه المسألة الواضحة؟! ولمصلحة من؟
ألأن قطاعاً كبيرا من الشباب "السلفي" بدأ ينتبه إلى واقعه ولزوم تغييره، بعد أن وجد أنه قضى ردحا من عمره مهتما بواقع الأئمة، أحمد، وابن تيمية، وابن عبد الوهاب رحمهم الله، يوالي اتباعهم، ويعادي خصومهم، ويحيا مشاكلهم؟.
أم لأنهم رأوا أن اهتمامات الشباب "السلفي" كبرت، وآفاقهم اتسعت، فلم تعد محصورة في مسائل معينة، بل صارت تتجه إلى شرك الحاكمية، واستئناف الحياة الإسلامية، على الحقيقة، ونقد الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يخص جاهلية قائمة، وخصوما ملموسين؟. أمن أجل هذا بدأت ألسنة البعض تجلدهم، وأقلامهم تطعنهم؟!.
وأسأل مرة أخرى: لحساب من؟ لحساب من يراد من "السلفية" أن تقبع في القبور... لحساب من يراد من.. السلفية أن تتحول إلى دار نشر؟ توظف مجموعة من الكتبة الذين يحترفون تحقيق رسائل، جهلها لا يضر وعلمها لا ينفع، رسائل لا يخرج تداولها عند التدقيق عن كونه تجارة ورق. لحساب من يراد "للسلفية" أن تبقى محصورة في تصفية الأحاديث؟ وإلى متى؟. لحساب من توضع الأيدي على آيات توحيد الالاهية، ويهمل شرك الحاكمية، ويسكت عن الطاغوت؟! ويُوالى ويحب ويمدح؟.
أسئلة مشروعة تحتاج لإجابات واضحة، وتقتضي من الأخوة "السلفيين" لحظة تأمل، لعلنا وإياهم نحيي منهجا للسلف اندرس، ونسير في طريق لأهل السنة انطمس.
(6) مشكلة "السلفيين" وغيرهم، أنهم يلحقون واقعنا بواقع السلف، فيتعاملون مع حكام هذا الزمان، كما تعامل السلف مع حكامهم، ويسقطون النصوص النبوية التي تتحدث عن الحكام الظالمين، على واقعنا نحن حيث الكفر البواح.
(7) ونعود الآن إلى السؤالين الذين افتتحنا بهما هذا المبحث، وهما:
هل يفكر "السلفيون" في موضوع التغيير تفكيراً جديا؟. وإذا كانوا كذلك فكيف سيستأنفون الحياة الإسلامية؟. أما أنهم يفكرون، فلا أعتقد، واعتقادي ليس نابعا من هوى، فكل ما سبق دليل على هذا الاعتقاد. ثم ما ظنك بقوم يرون أن السياسة "تياسه"، وأن الفقه ترك فقه الواقع، هل تظن أن لديهم نية للتغيير أو جديَة وسعيا؟.
ولكنني ـ وقبل الانتقال إلى السؤال الثاني ـ أذكر (للأمانة) أن لدى "السلفيين" نية للتغيير! أهدافهم منه تتمثل فيما يلي:
- تغيير منهج السلف!
- تغيير مذاهب الناس، وإلزامهم بمذاهب جديدة!
- تغيير بدع العبادات
- تغيير شرك القبور!
والعجيب أن "السلفي" يرى في هذه الأهداف غاية طموحه، وهو عندما يلتزم ـ مثلا ـ بزي معين يشعر بأنه قد استوفى المطلوب، وحقق شرط الصلاح، وهو بهذا الشعور يستنفدُ طاقته التي كان ينبغي أن تُوجه إلى قضايا أخرى، ويتجمد عند القمة ـ في نظره ـ راضياً بما حققه.
إنها حلاوة الشعور بالغربة، التي وعد الرسول صلى الله عليه وسلم عليها بالدرجات العُلى، هكذا يظنَ ويأمل.
إن الغربة الحقيقية، حمل منهج السلف حيث الناس هاجرة له، وعدم الاقتصار على بعض هيئاتهم وتصرفاتهم.
إن منهج السلف هو أسلوبهم في التفكير والفهم، وطريقتهم في التفاعل مع قضايا عصرهم، وسبيلهم في حمل الإسلام والحركة به.
(1) ونعود إلى السؤال الثاني، وهو:
كيف سيستأنف السلفيون "الحياة ا لإسلامية"([6]).
في الحقيقة، لا يوجد منهج واضح، يبينون فيه حتى على طريقتهم، كيف سيستأنفون الحياة الإسلامية.
والمتوفر بين أيدينا أساسان يذكرهما "السلفيون" كثيراً، هما:
1- التصفية والتنقية لحقيقهة الإسلام … العودة بالأمة إلى العقيدة الحقة الصافية([7]).
2- التربية والإعداد والالتزام بأحكام الإسلام المستمدة من هذه العقيدة([8])...
وكما ترى، فإن هذين الأساسين لا يكفيان في توضيح الكيفية، فإلى متى ستستمر التصفية والتنقية، علماً بأن التصفية غدت مهنة يؤكل من ورائها، ولم تعد هدفاً دعوياً يُتحرك به بين الناس.
ثم إنَنا لا نشعر من الواقع أن هناك تربية وإعدادا مقصودين، وإنَما نرى افراداً تُؤلف بينهم مجموعة من المسائل. وبعد أن يذكر الأستاذ محمد شقرة هذين الأساسين يقول: "وهي بهذا المفهوم تستبعد من حسابها التطلع النهم الى أنظمة الحكم ورؤوس الحكام، وتضع في حسبانها، - أساساً- إصلاح الأمة إصلاحا ينتهي بها لنفسها إلى أن يكون الإسلام هو المهيمن على الإنسان والحياة، ليعودَ الحكم بالإسلام تاجاً يزين هامات بلاد المسلمين وديارهم"([9]).
منى إن تكن حقا تكن أحسن المنى *** وإلا فقد عشنا بها زمناً رغداً.
والا فقل لي: بالله عليك كيف سينتهي الحال بالأمة من خلال إصلاحها على الطريقة "السلفية" إلى أن يكون الإسلام هو المهيمن على الإنسان والحياة، ليعود الحكم... الخ هذه الأماني، كيف ستنتهي الأمَة إلى ذلك إذا أخذت بعين الاعتبار أن لا وجود لفعل الإصلاح للمصلحين، وإذا نظرت في حال العالم اليوم والقوى المتحكمة فيه، وفعلها النشط في حرب الإسلام والالتفاف عليه؟.
ولقد صدق من قال: متى يبلغ البنيان يوماً تمامه *** إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
(11) وأخيراً، فان السلفيين مطالبون بمراجعة أنفسهم في موضوع التغيير، والاشتغال بالواقع؟ والمراجعة إنما تكون بأن يعودوا إلى دراسة فقه السلف في هذه المسألة كي يصلوا ـ إن شاء الله ـ إلى الحق. وإلا فليبقوا على ما هم عليه دون تحميل السلف وأهل السنة وزر مذهبهم، وليسموا الأشياء بأسمائها، وليكُفُوا ألسنتهم عن عباد الله العاملين.
وإذا أراد "السلفيون" استئناف الحياة الإسلامية ـ حقيقة لا دعوى ـ فإنهم مطالبون بتحديد موقفهم مما يلي:
- بأي شيء يبدؤون! أو ما هو فقههم للأولويات؟
- ما وهو وصفهم للواقع؟ أو ما هي أحكام الديار عندهم.
- ما هو فهمهم لتوحيد الالاهية؟ وما هو موقفهم من المنحرف فيه؟
وليكونوا حريصين عند الإجابة، على بيان موقف السلف الحقيقي منها؟ نسأل الله لنا ولهم الهداية.
([1]) السابق، ص 14.
([1]) من كلام الأستاذ محمد شقرة في رسالته لا دفاعاً عن السلفية لا. بل دفاعاً عنها.!.
([2]) كفى بهذا دليلاً على أن هذا الموضوع لم يكن لهم على ذكر.
([3]) الفتاوى/ جزء الجهاد/ 231.
([4]) (لا دفاعاً).
([5]) هي السلفية نسبة عقيدة ومنهجاً/ 148.
([6]) السؤال للمجاراة فقط، فقد تبين لنا أن لا كيفية.
([7]) العقيدة الحقة الصافية تساوي في حسن "السلفي" الأسماء والصفات. وشرك القبور...
([8]) انظر: لا دفاعاً.... ص 14.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق