الجمعة، 22 ديسمبر 2023

مناورات الأشقيـاء لقتل خاتم الأنبياء

 

 

                    

                        

    

بسم الله ا لرحمن ا لرحيم

 

    الحمد لله الذي نادي عبده المجتبى ورسوله المصطفى ، فقال :﴿ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً *  ﴾ ( الأحزاب 45-46 )

 

  الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، وأبى الكافرون ، ورفض الملحدون ، وأعرض الصم البكم العمي الذين لا يعقلون... قال تعالى : ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ (التوبة : 33 ) ؛ وقال : ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً﴾ (الفتح : 28 ) ؛ وقال مخاطبا نبيه الكريم عليه أنمى الصلاة وأبلغ التسليم : ﴿ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾ (النمل : 80 ) ؛ وقال :

﴿وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ﴾ (النمل : 81 ) ؛وقال: ﴿ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ (الزخرف : 40 )....

 

  الحمد لله الذي قال في محكم كتابه المبين : ﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ (الحج : 75 ) ؛ وقال : ﴿  اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ﴾ (الأنعام : 124 ) ؛ وقال : ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ (الأنعام : 112 ) وقال : ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً﴾ (الفرقان : 31 )...

 

   الحمد لله البالغ أمره ، النافذ حكمه ، كتب على نفسه الرحمة ، وقال  ﴿   وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (الأعراف : 156 )

 

  الحمد لله العزيز ذي انتقام  الذي قال : ﴿  يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ) (الدخان : 16 ) ؛ وقال  ( إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ ﴾ (السجدة : 22 ) ؛ وقال : ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الروم : 47 ) ؛ وقال : ﴿ لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ (آل عمران : 181 )

 

الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وجميع إخوانه الأنبياء وعلى آله الأصفياء وصحابته الأوفياء وكل من كان من الأتقياء إلى اليوم الذي يفصل فيه الواحد القهار بين السعداء أهل دار السلامة والكرامة ، والأشقياء حطب دار الندامة ...

أما بعد ، فهذا كتاب حاولت أن أجمع فيه ما يسر الله لي من المناورات التي حاكها يهود غاوون ومشركون وثنيون لقتل سيد ولد آدم ، خاتم الأنبياء والمرسلين r... وقد كان اعتمادي بالدرجة الأولى على كتابي التفسير والبداية والنهاية للحافظ أبي الفداء إسماعيل بن كثير رحمه الله ، مع بعض الإضافات من غيرهما أبينه – إن شاء الله –  في محله..........  

 

تنبه : سميتهم أشقياء لما أقدموا عليه من شنيع الفعال ، بل أشنعها وأكبرها مقتا عند الله ، ألا وهو محاولة اغتيال النبي المرسل رحمة للعالمين...فهم أشقياء حين تلبسهم بالجريمة والإقدام على تنفيذها ... حتى كان منهم من غلبت عليه شقوته ومات على كفره فحق عليه قول ربنا فيمن قال فيهم : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ  (آل عمران : 21 ) ، ومنهم من شرح الله صدره للإسلام فأسلم وجهه لله وحسن إسلامه فأصبح من صحابة رسول اللهr  وشارك معه في غزواته وحارب إلى جنبه الشريف ضد أهل الشرك والبغي والفساد في الأرض...وأصبح من رواة حديثه والمبلغين لسنته ...اهـ.

 

وصدق الله العظيم إذ يقول في محكم التنزيل : ﴿ مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (الأعراف : 178 ) ويقول : ﴿ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً (الكهف : 17 )

ويقول: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (الزمر : 23 ).....

 

نعم.. من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له... أنزل على رسول اللهr   أمره   : (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ *         (الحجر : 94- 96)

قال ابن كثير رحمه الله

يقول تعالى آمراً رسوله r بإبلاغ ما بعثه به وبإنفاذه والصدع به, وهو مواجهة المشركين به, كما قال ابن عباس في قوله: {فاصدع بما تؤمر} أي أمضه, وفي رواية :افعل ما تؤمر.. وقال مجاهد: هو الجهر بالقرآن في الصلاة. وقال أبو عبيدة عن عبد الله بن مسعود: ما زال النبي r مستخفياً حتى نزلت {فاصدع بما تؤمر}, فخرج هو وأصحابه. وقوله: {وأعرض عن المشركين * إنا كفيناك المستهزئين} أي بلغ ما أنزل إليك من ربك, ولا تلتفت إلى المشركين الذين يريدون أن يصدوك عن آيات الله {ودّوا لو تدهن فيدهنون} ولا تخفهم فإن لله كافيك إياهم وحافظك منهم, كقوله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس}.

وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا يحيى بن محمد بن السكن, حدثناإسحاق بن إدريس, حدثنا عون بن كهمس عن يزيد بن درهم, عن أنس قال: سمعت أنساً يقول في هذه الاَية, {إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر} قال: مر رسول الله r فغمزه بعضهم فجاء جبريل, أحسبه قال: فغمزهم, فوقع في أجسادهم كهيئة الطعنة فماتوا. قال محمد بن إسحاق: كان عظماء المستهزئين كما حدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير خمسة نفر, وكانوا ذوي أسنان وشرف في قومهم :   من بني أسد بن عبد العزى بن قصي الأسود بن المطلب أبي زمعة , كان رسول الله r فيما بلغني قد دعا عليه لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه, فقال: «اللهم أعم بصره, وأثكله ولده»   ومن بني زهرة الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة,  ومن بني مخزوم الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم,   ومن بني سهم ابن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سعد,  ومن خزاعة الحارث بن الطلاطلة بن عمرو بن الحارث بن عبد بن ـ عمرو بن ملكان ـ. فلما تمادوا في الشر وأكثروا برسول الله r الاستهزاء أنزل الله تعالى: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) ...وقال ابن إسحاق: فحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير أو غيره من العلماء,أن جبريل أتى رسول الله r وهو يطوف بالبيت , فقام وقام رسول الله r  إلى جنبه, فمر به الأسود بن عبد يغوث فأشار إلى بطنه, فاستسقى بطنه, ومر به الوليد بن المغيرة, فأشار إلى أثر جرحٍ بأسفل كعب رجله, وكان أصابه قبل ذلك بسنتين, وهو يجز إزاره, وذلك أنه مر برجل من خزاعة يريش نبلاً له, فتعلق سهم من نبله بإزاره فخدش رجله ذلك الخدش, وليس بشيء, فانتفض به فقتله, ومر به العاص بن وائل, فأشار إلى أخمص قدمه فخرج على حمار له يريد الطائف, فربض على شبرقة فدخلت في أخمص قدمه فقتلته, ومر به الحارث بن الطلاطلة فأشار إلى رأسه فامتخط قيحاً فقتله.

قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن رجل, عن ابن عباس قال: كان رأسهم الوليد بن المغيرة وهو الذي جمعهم, وهكذاروي عن سعيد بن جبير وعكرمة نحو سياق محمد بن إسحاق به, عن يزيد عن عروة بطوله, إلا أن سعيداً يقول: الحارث بن غيطلة, وعكرمة يقول الحارث بن قيس. قال الزهري: وصدقا هو الحارث بن قيس, وأمه غيطلة, وكذا روي عن مجاهد ومقسم وقتادة وغير واحد أنهم كانوا خمسة. وقال الشعبي: كانوا سبعة, والمشهور الأول: وقوله: {الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر فسوف يعلمون} تهديد شديد ووعيد أكيد لمن جعل مع لله معبوداً آخر.

 

وقال القرطبي رحمه الله :

قوله تعالى: "فاصدع بما تؤمر" أي بالذي تؤمر به، أي بلغ رسالة الله جميع الخلق لتقوم الحجة عليهم، فقد أمرك الله بذلك. والصدع: الشق. وتصدع القوم أي تفرقوا؛ ومنه "يومئذ يصدعون" [الروم: 43] أي يتفرقون. وصدعته فانصدع أي انشق. أصل الصدع الفرق والشق …  فقوله: "اصدع بما تؤمر" قال الفراء: أراد فاصدع بالأمر، أي أظهر دينك، فـ "ما" مع الفعل على هذا بمنزلة المصدر. وقال ابن الأعرابي: معنى اصدع بما تؤمر، أي اقصد. وقيل: "فاصدع بما تؤمر" أي فرق جمعهم وكلمتهم بأن تدعوهم إلى التوحيد فإنهم يتفرقون بأن يجيب البعض؛ فيرجع الصدع على هذا إلى صدع جماعة الكفار.

قوله تعالى: "وأعرض عن المشركين" أي عن الاهتمام باستهزائهم وعن المبالاة بقولهم، فقد برأك الله عما يقولون. وقال ابن عباس: (هو منسوخ بقوله "فاقتلوا المشركين" [التوبة: 5]). وقال عبدالله بن عبيد: ما زال النبي r مستخفيا حتى نزل قوله تعالى: "فاصدع بما تؤمر" فخرج هو وأصحابه. وقال مجاهد: أراد الجهر بالقرآن في الصلاة. "وأعرض عن المشركين" لا تبال بهم. قال ابن إسحاق: لما تمادوا في الشر وأكثروا برسول الله r الاستهزاء أنزل الله تعالى "فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين. إنا كفيناك المستهزئين. الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون". والمعنى: اصدع بما تؤمر ولا تخف غير الله؛ فإن الله كافيك مَن آذاك كما كفاك المستهزئين،  

 

قلت : وصدع رسول اللهr بما أمره به ربه جل في علاه ، فصدقه ناس حبب الله إليهم الإيمان وشرح صدورهم لتلقي نور الإسلام فكانوا من جنده الذين جاهدوا في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم فحملوا رايته عالية ،  حتى أظهره الله الذي نصرعبده ورسوله ومن سار معه على النهج القويم  والصراط المستقبم آخذين ما جاء به من الهدى والرشاد من عند رب العباد  ؛ وكذبه رهط لم يرد الله أن يطهر قلوبهم فبقوا في ظلمات غيهم يعمهون وفي غيابات الجهل يتخبطون، وهؤلاء هم الأشقياء الذين آذوا رسول رب العالمين للناس أجمعين ... بسطوا إليه ألسنتهم بالسوء وأيدهم بشتى أنواع السلاح ... فسوف يعلمون ..

 

***  وقبل الشروع في المناورات والمؤامرات التي كان غرض مَن خططوا لها مع العزم على تنفيذها القضاء على الدين الجديد ووأده في شخص النبي المبعوث بتبليغه ، أشير إلى تلكم النية السيئة التى سرعان ما انقلبت إلى حسنة من أعظم الحسنات بفضل استجابة العلي القريب، القدير المجيب، دعاء الحبيب المصطفى r لما نادى ربه قال : اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب ، قال: وكان أحبهما إليه عمر- أخرجه الترمذي ... ورواه ابن ماجه ولفظه :اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب خاصة

وقصة إسلام الفاروق عمر رضي الله عنه لا يخلو منها كتاب في التفسير أو السيرة أو التاريخ... ففي  البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله :

قال ابن اسحاق وكان اسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله r إلى الحبشة..-

- حدثني عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة عن عبد العزيز بن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أمه أم عبد الله بنت أبي حثمة قالت: والله إنا لنترحل إلى أرض الحبشة وقد ذهب عامر في بعض حاجتنا إذ أقبل عمر فوقف علي وهو على شركه، فقالت وكنا نلقى منه أذى لنا وشدة علينا... قالت ،فقال: إنه الانطلاق يا أم عبد الله ؟ قلت : نعم.. والله لنخرجن في أرض من أرض الله إذ آذيتمونا وقهرتمونا حتى يجعل الله لنا مخرجا.. قالت ، فقال : صحبكم الله..ورأيت له رقة لم أكن أراها ثم انصرف وقد أحزنه فيما ارى خروجنا، قالت : فجاء عامر بحاجتنا تلك، فقلت له : يا أبا عبد الله، لو رأيت عمر آنفا ورقته وحزنه علينا ؟ قال: أطمعت في اسلامه ؟ قالت ،قلت  : نعم ...قال:  لا يسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب.... قالت : يأسا منه لما كان يرى من غلظته وقسوته على الاسلام ...

قلت هذا يرد قول من زعم أنه كان تمام الاربعين من المسلمين فان المهاجرين إلى الحبشة كانوا فوق الثمانين اللهم إلا أن يقال إنه كان تمام الاربعين بعد خروج المهاجرين ويؤيد هذا ما ذكره ابن اسحاق ههنا في قصة اسلام عمر وحده رضي الله عنه وسياقها ، فانه قال: وكان اسلام عمر فيما بلغني أن أخته فاطمة بنت الخطاب وكانت عند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل كانت قد اسلمت واسلم زوجها سعيد بن زيد وهم مستخفون باسلامهم من عمر، وكان نعيم بن عبد الله النحام رجل من بني عدي قد أسلم أيضا مستخفيا باسلامه من قومه، وكان خباب بن الأرت يختلف إلى فاطمة بنت الخطاب يقرؤها القرآن فخرج عمر يوما متوشحا سيفه يريد رسول الله r ورهطا من أصحابه ...فذكروا له أنهم قد اجتمعوا في بيت عند الصفا وهم قريب من أربعين من بين رجال ونساء ومع رسول الله r عمه حمزة وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم في رجال من المسلمين ممن كان أقام مع رسول الله r بمكة ولم يخرج فيمن خرج إلى أرض الحبشة ؛ فلقيه نعيم بن عبد الله فقال: أين تريد يا عمر؟  قال: أريد محمدا ، هذا الصابي الذي فرق أمر قريش وسفه أحلامها وعاب دينها وسب آلهتها فاقتله... فقال له نعيم : والله لقد غرتك نفسك يا عمر ،  أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا ؟ أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم ؟ قال : وأي أهل بيتي ؟ قال : ختنك وابن عمك سعيد بن زيد وأختك فاطمة ، فقد والله أسلما وتابعا محمدا rعلى دينه فعليك بهما.. فرجع عمر عائدا إلى أخته فاطمة وعندها خباب بن الأرت معه صحيفة فيها( طه ) يقريها إياها فلما سمعوا حس عمر تغيب خباب في مخدع لهم أو في بعض البيت، وأخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة فجعلتها تحت فخذها.. وقد سمع عمر حين دنا إلى الباب قراءة خباب عليها؛ فلما دخل قال: ما هذه الهينمة التي سمعت؟ قالا له :ما سمعت شيئا ..قال: بلى ... والله لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدا على دينه، وبطش بختنه سعيد بن زيد فقامت إليه أخته فاطمة بنت الخطاب لتكفه عن زوجها فضربها فشجها، فلما فعل ذلك قالت له أخته وختنه : نعم ..قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله فاصنع ما بدا لك... فلما رأى عمر ما باخته من الدم ندم على ما صنع وارعوى وقال لاخته : أعطيني هذه الصحيفة التي كنتم تقرؤن آنفا أنظر ما هذا الذي جاء به محمد ...وكان عمر كاتبا ؛ فلما قال ذلك قالت له اخته: إنا نخشاك عليها.. قال : لا تخافي... وحلف لها بآلهته ليردنها إذا قرأها اليها... فلما قال ذلك طمعت في إسلامه فقالت :يا أخي ، إنك نجس على شركك وإنه لا يمسه إلا المطهرون... فقام عمر فاغتسل فأعطته الصحيفة وفيها (طه) فقرأها فلما قرأ منها صدرا قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه.. فلما سمع ذلك خباب بن الأرت خرج إليه فقال له : والله يا عمر إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه r فإني سمعته أمس وهو يقول: اللهم أيد الاسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب ... فالله الله يا عمر .. فقال عند ذلك: فدلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأُسلم ..فقال له خباب : هو في بيت عند الصفا معه نفر من أصحابه ...فاخذ عمر سيفه فتوشحه ثم عمد إلى رسول الله rوأصحابه فضرب عليهم الباب فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب رسول الله rفنظر من خلل الباب فاذا هو بعمر متوشح بالسيف فرجع إلى رسول الله r وهو فزع فقال: يا رسول الله ، هذا عمر بن الخطاب متوشحا بالسيف ...فقال حمزة: فاذن له فان كان جاء يريد خيرا بذلناه وإن كان يريد شرا قتلناه بسيفه ... فقال رسول الله r :ايذن له .فاذن له الرجل ونهض اليه رسول الله r حتى لقيه في الحجرة فاخذ بحجزته أو بمجمع ردائه ثم جذبه جذبة شديدة فقال: ما جاء بك يا ابن الخطاب ؟ فوالله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة... فقال عمر: يا رسول الله جئتك لأومن بالله ورسوله وبما جاء من عند الله ...قال فكبر رسول الله r تكبيرة فعرف أهل البيت أن عمر قد أسلم فتفرق أصحاب رسول الله r من مكانهم وقد عزوا في أنفسهم حين أسلم عمر مع اسلام حمزة وعلموا أنهما سيمنعان رسول الله r وينتصفون بهما من عدوهم ..

قال ابن اسحاق فهذا حديث الرواة من أهل المدينة عن اسلام عمر حين أسلم رضي الله عنه .

وقال  : حدثني عبد الله بن أبي نجيح المكي عن أصحابه عطاء ومجاهد وعمن روى ذلك أن اسلام عمر فيما تحدثوا به عنه أنه كان يقول كنت للاسلام مباعدا وكنت صاحب خمر في الجاهلية أحبها وأشربها وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش بالحزورة فخرجت ليلة أريد جلسائي أولئك فلم أجد فيه منهم أحدا فقلت لو أني جئت فلانا الخمار لعلي أجد عنده خمرا فاشرب منها فخرجت فجئته فلم أجده قال فقلت لو اني جئت الكعبة فطفت سبعا أو سبعين قال فجئت المسجد فاذا رسول الله r قائم يصلي.. وكان إذا صلى استقبل الشام وجعل الكعبة بينه وبين الشام .. وكان مصلاه بين الركنين الاسود واليماني .. قال فقلت حين رأيته والله لو أني استمعت لمحمد الليلة حتى اسمع ما يقول فقلت لئن دنوت منه لاستمع منه لأروعنَّه فجئت من قبل الحجر فدخلت تحت ثيابها فجعلت أمشي رويدا ورسول الله r قائم يصلي يقرأ القرآن حتى قمت في قبلته مستقبله ما بيني وبينه إلا ثياب الكعبة قال فلما سمعت القرآن رق له قلبي وبكيت ودخلني الاسلام فلم أزل في مكاني قائما حتى قضى رسول الله r صلاته ثم انصرف وكان إذا انصرف خرج على دار ابن أبي حسين وكان مسكنه في الدار الرقطاء التي كانت بيد معاوية... قال عمر فتبعته حتى اذا دخل بين دار عباس ودار ابن أزهر أدركته فلما سمع حسي عرفني فظن أني إنما اتبعته لاوذيه فنهمني ثم قال:  ما جاء بك يا ابن الخطاب هذه الساعة ؟ قال قلت جئت لأومن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله ...قال فحمد الله رسول الله r ثم قال: قد هداك الله يا عمر، ثم مسح صدري ودعا لي بالثبات ثم انصرفت ودخل رسول الله r بيته .. قال ابن اسحاق فالله أعلم أي ذلك كان ...

 قال ابن اسحاق: وحدثني نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر قال : لما أسلم عمر قال: أي قريش انقل للحديث؟ فقيل له جميل بن معمر الجمحي.. فغدا عليه ؛ قال عبد الله وغدوت أتبع أثره وأنظر ما يفعل وأنا غلام أعقل كلما رأيت حتى جاءه فقال له: اعلمت يا جميل اني أسلمت ودخلت في دين محمد r ؟ قال: فوالله ما راجعه حتى قام يجر رداءه ،  واتبعه عمر واتبعته أنا حتى قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته : يا معشر قريش، وهم في انديتهم حول الكعبة ،  ألا إن ابن الخطاب قد صبا ...قال يقول عمر من خلفه : كذب ولكني قد اسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله.... وثاروا إليه فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤسهم.. قال وطلح فقعد وقاموا على رأسه وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم ، فاحلف بالله ان لو قد كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا ... قال فبينما هم على ذلك إذ أقبل شيخ من قريش عليه حلة حبرة وقميص موشى حتى وقف عليهم فقال: ما شأنكم ؟ فقالوا : صبأ عمر.. قال: فمه ؟ رجل اختار لنفسه امرا ، فماذا تريدون ؟ أترون بني عدي يسلمون لكم صاحبهم هكذا .؟ خلوا عن الرجل... قال فوالله لكأنما كانوا ثوبا كشط عنه ..قال فقلت لأبي بعد أن هاجر الى المدينة : يا أبتِ ، من الرجل الذي زجر القوم عنك بمكة يوم اسلمت وهم يقاتلونك ؟ قال : ذاك أي بني العاص بن وائل السهمي ...وهذا اسناد جيد قوي وهو يدل على تأخر اسلام عمر لأن ابن عمر عرض يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة وكانت احد في سنة ثلاث من الهجرة وقد كان مميزا يوم أسلم أبوه فيكون اسلامه قبل الهجرة بنحو من أربع سنين وذلك بعد البعثة بنحو تسع سنين والله أعلم ...

 

  و"عن ابن عمر أن رسول الله r قال : اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك إما عمر بن الخطاب ، أو أبي جهل بن هشام، فكان أحبهما إلى الله : عمر رضي الله عنه ".

وروي "عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنه قال لعمر رضي الله عنه : لم سميت الفاروق ؟ فقال : أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام، ثم شرح الله صدري للإسلام ، وأول شئ سمعته من القرآن ووقر في صدري : " الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى "، فما في الأرض نسمة أحب إلي من نسمة رسول الله r ، فسألت عنه ؟ فقيل لي : هو في دار الأرقم ، فأتيت الدار -وحمزة في أصحابه جلوساً في الدار ، ورسول الله r في البيت - فضربت الباب ، فاستجمع القوم ، فقال لهم حمزه : ما لكم ؟ فقالوا : عمر . فخرج رسول الله r فأخذ بمجامع ثيابي ، ثم نترني نترة لم أتمالك أن وقعت على ركبتي ، فقال : ما أنت بمنته يا عمر !؟ فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله . فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد ، فقلت : يا رسول الله ! ألسنا على الحق ، إن متنا أو حيينا ؟ قال : بلى ، فقلت : ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لنخرجن ، فخرجنا في صفين : حمزة في صف ، وأنا في صف -له كديد ككديد الطحن- حتى دخلنا المسجد ، فلما نظرت إلينا قريش أصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها قط. فسماني رسول الله r: " الفاروق" .

وقال صهيب : لما أسلم عمر رضي الله عنه جلسنا حول البيت حلقاً ، فطفنا واستنصفنا ممن غلظ علينا .

 

قال ابن اسحاق ... وأسلم عمر بن الخطاب وكان رجلا ذا شكيمة لا يرام ما وراء ظهره امتنع به أصحاب رسول الله r وبحمزة حتى غاظوا قريشا فكان عبد الله بن مسعود يقول : ما كنا نقدر على أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر فلما اسلم عمر قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه... قلت وثبت في صحيح البخاري عن ابن مسعود أنه قال : ما زلنا أعزة منذ اسلم عمر بن الخطاب ...وقال زياد البكائي حدثني مسعر بن كدام عن سعد بن ابراهيم قال ، قال ابن مسعود :  إن اسلام عمر كان فتحا وإن هجرته كانت نصرا وإن إمارته كانت رحمة ولقد كنا وما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر فلما أسلم عمر قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه ...

 

***  وهكذا أراد الله عز وجل ...ولا يكون إلا ما شاء الله أن يكون... رجل يخرج من بيته مشركا، متوشحا سيفه، ونيته قتل النبيr  ، فيلقاه عبد مؤمن فيرده بكلمة تجعله بإذن الله يغير وجهته فيذهب إلى بيت أخته  ... حيث يقرأ بعد اغتسال يحصل به تطهير الظاهر: ﴿ طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى*اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى *﴾ ( طه 1-8)... آيات بينات من الذكر الحكيم تنفذ إلى أعماقه فتخلي قلبه من الإعراض والكراهية وتحليه بالإقبال والمحبة ليحصل تطهير الباطن ؛ فيذهب إلى نبي الله ليسلم وجهه لله ويتبع رسول الله ...

 وأعز الله تعالى الإسلام بعمر ... فيا ليت قومي يسمعون قولة الفاروق رضي الله عنه = إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله  = رواه الحاكم وقال صحيح على شرطهما ؛ وفي رواية =  إنا قوم أعزنا الله بالإسلام فلن نبتغي العز بغيره ....  

لكن... كان هنالك من لم يرد الله بهم خيرا لعلمه وهو العليم الخبير أن قلوبهم المظلمة لا تنطوي على أدنى ذرة منه ، فبذلوا كل ما كان في وسعهم لاغتيال رسول الله r وإطفاء النور الذي أرسل به ؛ (.. وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (التوبة : 32 )..

 

                      *************************************************************

 

 والآن مع جملة من المناورات التي – والحمد لله الذي أحبطها – باءت كلها بالفشل... أقول ، وما توفيقي إلا بالله ، عليه توكلت وإليه أنيب :

 


المناورة الأولى

قال الله تعالى :  ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (الأنفال : 30 )

 

قال ابن كثير رحمه الله في التفسير

- قال ابن عباس ومجاهد وقتادة {ليثبتوك} ليقيدوك, وقال عطاء وابن زيد: ليحبسوك, وقال السدي: الإثبات هو الحبس والوثاق, وهذا يشمل ما قاله هؤلاء وهؤلاء وهو مجمع الأقوال, وهو الغالب من صنيع من أراد غيره بسوء, وقال سنيد عن حجاج عن ابن جريج: قال عطاء: سمعت عبيد بن عمير يقول: لما ائتمروا بالنبي r ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه. قال له عمه أبو طالب: هل تدري ما ائتمروا بك ؟ قال «يريدون أن يسحروني أو يقتلوني أو يخرجوني». فقال: من أخبرك بهذا ؟ قال «ربي» قال: نعم الرب ربك استوص به خيراً. قال «أنا استوصي به, بل هو يستوصي بي».

- وقال أبو جعفر بن جرير: حدثني محمد بن إسماعيل المصري المعروف بالوساوسي, أخبرنا عبد الحميد بن أبي داود عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن المطلب بن أبي وداعة أن أبا طالب قال لرسول الله r : ما يأتمر بك قومك ؟ قال «يريدون أن يسحروني أو يقتلوني أو يخرجوني». فقال: من أخبرك بهذا ؟ قال «ربي». قال: نعم الرب ربك فاستوص به خيراً. قال «أنا استوصي به, بل هو يستوصي بي». قال: فنزلت {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك} الاَية. وذكر أبي طالب في هذا غريب جداً, بل منكر, لأن هذه الاَية مدنية, ثم إن هذه القصة واجتماع قريش على هذا الائتمار والمشاورة على الإثبات أو النفي أو القتل إنما كان ليلة الهجرة سواء, وكان ذلك بعد موت أبي طالب بنحو من ثلاث سنين لما تمكنوا منه واجترؤوا عليه بسبب موت عمه أبي طالب الذي كان يحوطه وينصره ويقوم بأعبائه, والدليل على صحة ما قلنا ما روى الإمام محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال: وحدثني الكلبي عن باذان مولى أم هانىء عن ابن عباس أن نفراً من قريش من أشراف كل قبيلة اجتمعوا ليدخلوا دار الندوة فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل فلما رأوه قالوا له من أنت ؟ قال شيخ من أهل نجد, سمعت أنكم اجتمعتم فأردت أن أحضركم ولن يعدمكم رأيي ونصحي. قالوا: أجل, ادخل, فدخل معهم, فقال: انظروا في شأن هذا الرجل, والله ليوشكن أن يواثبكم في أمركم بأمره. فقال قائل منهم: احبسوه في وثاق ثم تربصوا به ريب المنون حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء زهير والنابغة إنما هو كأحدهم. قال: فصرخ عدو الله الشيخ النجدي فقال: والله ما هذا لكم برأي والله ليخرجنه ربه من محبسه إلى أصحابه فليوشكن أن يثبوا عليه حتى يأخذوه من أيديكم فيمنعوه منكم, فما آمن عليكم أن يخرجوكم من بلادكم, قالوا: صدق الشيخ فانظروا في غير هذا. قال قائل منهم: أخرجوه من بين أظهركم فتستريحوا منه فإنه إذا خرج لن يضركم ما صنع وأين وقع إذا غاب عنكم أذاه واسترحتم وكان أمره في غيركم. فقال الشيخ النجدي: والله ما هذا لكم برأي ألم تروا حلاوة قوله وطلاقة لسانه.وأخذ القلوب ما تسمع من حديثه ؟ والله لئن فعلتم ثم استعرض العرب ليجتمعن عليه ثم ليأتين إليكم حتى يخرجكم من بلادكم ويقتل أشرافكم. قالوا: صدق والله, فانظروا رأياً غير هذا. قال: فقال أبو جهل لعنه الله, والله لأشيرن عليكم برأي ما أركم أبصرتموه بعد, لا أرى غيره. قالوا: وما هو ؟ قال: تأخذون من كل قبيلة غلاماً شاباً وسيطاً نهداً, ثم يعطى كل غلام منهم سيفاً صارماً, ثم يضربونه ضربة رجل واحد, فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل كلها, فما أظن هذا الحي من بني هاشم يقوون على حرب قريش كلها. فإنهم إذا رأوا ذلك, قبلوا العقل واسترحنا وقطعنا عنا أذاه. قال: فقال الشيخ النجدي: هذا والله الرأي, القول ما قال الفتى, لا أرى غيره. قال: فتفرقوا على ذلك وهم مجمعون له. فأتى جبريل النبي r فأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه وأخبره بمكر القوم فلم يبت رسول الله r في بيته تلك الليلة وأذن الله له عند ذلك بالخروج وأنزل الله عليه بعد قدومه المدينة الأنفال يذكر نعمه عليه وبلاءه عنده {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} وأنزل في قولهم تربصوا به ريب المنون حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء, {أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون} فكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة للذي اجتمعوا عليه من الرأي, وعن السدي نحو هذا السياق وأنزل الله في إرادتهم إخراجه قوله تعالى: {وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذاً لا يلبثون خلافك إلا قليلاً} وكذا روى العوفي عن ابن عباس, وروي عن مجاهد وعروة بن الزبير وموسى بن عقبة وقتادة ومقسم وغير واحد نحو ذلك, وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق فأقام رسول الله r ينتظر أمر الله حتى إذا اجتمعت قريش فمكرت به وأرادوا به ما أرادوا أتاه جبريل عليه السلام فأمره أن لا يبيت في مكانه الذي كان يبيت فيه فدعا رسول الله r علياً بن أبي طالب فأمره أن يبيت على فراشه ويتسجى ببرد له أخضر ففعل ثم خرج رسول الله r على القوم وهم على بابه, وخرج معه بحفنة من تراب فجعل يذرها على رؤوسهم وأخذ الله بأبصارهم عن نبيه محمد r وهو يقرأ {يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ * لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ * وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ *},

-وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: روي عن عكرمة ما يؤكد هذا, وقد روى ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه من حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس, قال: دخلت فاطمة على رسول الله r وهي تبكي فقال: «ما يبكيك يا بنية ؟» قالت يا أبت ومالي لا أبكي وهؤلاء الملأ من قريش في الحجر يتعاهدون باللات والعزى, ومناة الثالثة الأخرى لو قد رأوك لقاموا إليك فيقتلونك وليس منهم إلا من قد عرف نصيبه من دمك, فقال: «يا بنية ائتني بوضوء» فتوضأ رسول  r  ثم خرج إلى المسجد فلما رأوه قالوا: ها هو ذا فطأطأوا رؤوسهم وسقطت رقابهم بين أيديهم فلم يرفعوا أبصارهم فتناول رسول الله r قبضة من تراب فحصبهم بهاوقال: «شاهت الوجوه» فما أصاب رجلاً منهم حصاة من حصياته إلا قتل يوم بدر كافراً, ثم قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه, ولا أعرف له علة.

-وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر أخبرني عثمان الجزري, عن مقسم مولى ابن عباس أخبره ابن عباس في قوله: {وإذ يمكر بك} الاَية قال: تشاورت قريش ليلة بمكة فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق يريدون النبي r , وقال بعضهم بل اقتلوه, وقال بعضهم: بل أخرجوه فأطلع الله نبيه r على ذلك فبات علي رضي الله عنه على فراش رسول الله r, وخرج النبي r حتى لحق بالغار وبات المشركون يحرسون علياً يحسبونه النبي r , فلما أصبحوا ثاروا إليه فلما رأوا علياً رد الله تعالى مكرهم فقالوا: أين صاحبك هذا ؟ قال لا أدري, فاقتصوا أثره فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم فصعدوا في الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا لو دخل ههنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكث فيه ثلاث ليال, وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير في قوله {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} أي فمكرت بهم بكيدي المتين حتى خلصتك منهم. اهـ

 

*** كانت هذه أول مناورة ظالمة باء أعداء الحق عبدة الطواغيت الذين خططوا لها وقاموا بتنفيذها بفشل ذريع

سجله التاريخ بمداد الذل على ورق الخزي ليبقى عبرة لمن أراد أن يعتبر...وخرج رسول الله  r من مكة المكرمة ، واتجه صوب المدينة المنورة ، يصحبه في هجرته المباركة أبو بكر الصديق رضي الله عنه ...

وازداد غيظ المشركين وملأ قلوبهم المظلمة الحقد والرغبة في قتل الأمين r والخلاص من دعوته  فأرسلوا في طلبه   من يأتيهم به حيا أو ميتا ، وجمعوا لذلك مالا كثيرا، عشرات من النوق الثمبنة، وكان ممن أغروا بهذا الثراء من شبانهم الأقوياء سراقة بن مالك المدلجي. ... وكانت

 

المناورة الثانية...

قال الإمام البيهقي في دلائل النبوة   :

 باب اتباع سراقة بن مالك بن جعشم أثر رسول الله وما ظهر في ذلك من دلائل النبوة ...

- أخبرنا أبو الحسين محمد بن الحسين القطان ببغداد وقال أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه قال حدثنا يعقوب بن سفيان قال حدثنا عبيد الله بن موسى وعبد الله بن رجاء أبو عمر الغداني عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال اشترى أبو بكر من عازب رحلا بثلاثة عشر درهما فقال أبو بكر رضي الله عنه لعازب : مر البراء فليحمله إلى رحلي... فقال له عازب : لا حتى تحدثنا كيف صنعت أنت ورسول الله حين خرجتما والمشركون يطلبونكما...   قال أدلجنا من مكة ليلا فأحيينا ليلتنا ويومنا حتى أظهرنا وقام قائم الظهيرة فرميت ببصري هل أرى من ظل نأوي إليه فإذا صخرة فانتهيت إليها فإذا بقية ظل لها فسويته ثم فرشت لرسول الله فروة ثم قلت اضطجع يا رسول الله فاضطجع ثم ذهبت أنفض ما حولي هل أرى من الطلب أحدا فإذا براعي غنم يسوق غنمه إلى الصخرة يريد منها الذي نريد يعني الظل فسألته فقلت:  لمن أنت يا غلام ؟ فقال:  لرجل من قريش .. فسماه فعرفته ؛ فقلت: هل في غنمك من لبن ؟  قال:  نعم ... قلت: هل أنت حالب لي ؟ قال: نعم.. فأمرته فاعتقل شاة من غنمه وأمرته أن ينفض ضرعها من التراب ثم أمرته أن ينفض كفيه فقال هكذا فضرب إحدى كفيه على الأخرى فحلب لي كثبة من لبن ، وقد رويت معي لرسول الله  إداوة على فمها خرقة فصببت على اللبن حتى برد أسفله فأتيت رسول الله فوافقته وقد استيقظ فقلت:  أتشرب يا رسول الله ؟ فشرب رسول الله حتى رضيت ؛ ثم قلت :قد آن الرحيل يا رسول الله...  قال فارتحلنا والقوم يطلبوننا فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له فقلت هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله،  قال: لا تحزن إن الله معنا... فلما أن دنا منا وكان بيننا وبينه قيد رمحين أو ثلاثة قلت هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله وبكيت فقال : ما يبكيك ؟ فقلت أما والله ما على نفسي أبكي ولكني إنما أبكي عليك.. قال فدعا عليه رسول الله فقال اللهم اكفنا بما شئت قال فساخت به فرسه في الأرض إلى بطنها فوثب عنها ثم قال يا محمد قد علمت أن هذا عملك فادع الله أن تنجيني مما أنا فيه فوالله لأعمين على من ورائي من الطلب وهذه كنانتي فخذ منها سهما فإنك ستمر بإبلي وغنمي بمكان كذا وكذا فخذ منها حاجتك فقال رسول الله لا حاجة لنا في إبلك وغنمك ودعا له رسول الله فانطلق راجعا إلى أصحابه ومضى رسول الله وأنا معه حتى قدمنا المدينة ليلا ...

  رواه البخاري في الصحيح عن عبد الله بن رجاء وأخرجه مسلم من وجه آخر عن إسرائيل

  

 -وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرني أبو الوليد الفقيه قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا سلمة بن شبيب قال حدثنا الحسن ابن محمد بن أعين قال حدثنا زهير قال حدثنا أبو إسحاق قال سمعت البراء يقول: جاء أبو بكر إلى أبي في منزله فاشترى منه رحلا وذكر الحديث بمعنى حديث إسرائيل إلى أن قال فارتحلنا بعدما زالت الشمس واتبعنا سراقة بن مالك .. قال ونحن في جلد من الأرض فقلت:  يا رسول الله أتينا.. فقال: لا تحزن إن الله معنا. فدعا عليه رسول الله فارتطمت فرسه إلى بطنها... فقال: إني قد علمت أنكما قد دعوتما علي فادعوا لي فالله لكما أن أرد عنكما الطلب.. فدعا الله فنجا فرجع لا يلقى أحدا إلا قال: قد كفيتم ما ههنا، ولا يلقى أحدا إلا رده ، ووفى لنا ..

 رواه مسلم في الصحيح عن سلمة بن شبيب وأخرجه البخاري من وجه آخر عن زهير بن معاوية

 

 -أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان قال أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار قال حدثنا ابن ملحان قال حدثنا يحيى بن بكير قال حدثني الليث عن عقيل – ح - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرني أبو الحسن محمد بن عبد الله قال حدثنا محمد بن إسحاق قال حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا أبو صالح قال حدثني الليث قال حدثني عقيل قال قال ابن شهاب وأخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي وهو ابن أخي سراقة بن  جعشم أن أباه أخبره أنه سمع سراقة بن جعشم وفي رواية ابن عبدان أن سراقة بن مالك بن جعشم يقول : جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله وفي أبي بكر دية كل واحد منهما في قتله أو أسره فبينا أنا جالس في مجلس قومي بني مدلج أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس فقال يا سراقة إني قد رأيت آنفا أسودة بالساحل أراها محمدا وأصحابه قال سراقة فعرفت أنهم هم قال ابن عبدان وذكر الحديث... قال أبو عبد الله في روايته قال: فقلت له إنهم ليسوا بهم ، ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا..  قال:  ثم قلَّ ما لبث في المجلس حتى قمت فدخلت بيتي فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي فتهبطها من وراء أكمة فتحبسها علي فأخذت رمحي وخرجت من ظهر البيت فخططت بزجه الأرض وخفضت عالية الرمح حتى أتيت فرسي فركبتها فرفعتها تقرب حتى إذا دنوت منهم عثرت بي فرسي فقمت فأهويت بيدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الأزلام فاستقمت بها أأضرهم أو لا أضرهم فخرج الذي أكره لا أضرهم فركبت فرسي وعصيت الأزلام فرفعتها تقرب بي حتى إذا سمعت قراءة رسول الله وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر التلفت ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغت الركبتين  فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عثمان ساطع في السماء مثل الدخان فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره أن لا أضرهم فناديتهما بالأمان فوقفا لي وركبت فرسي حتى جئتهما ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهما أنه سيظهر رسول الله فقلت له إن من قومك قد جعلوا فيكما الدية فأخبرتهما أخبار ما يريد الناس بهم وعرضت عليهما الزاد والمتاع فلم يرزآني شيئا ولم يسلني إلا أن قال أخف عنا فسألته أن يكتب لي كتاب موادعة آمن به فأمر عامر بن فهيرة فكتب لي رقعة من أدم ثم مضى رسول الله ..

 رواه البخاري في الصحيح عن يحيى بن بكير عن الليث .

 

 - وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد قال أخبرنا أبو بكر محمد ابن عبد الله بن عتاب العبدي قال حدثنا القاسم بن عبد الله بن المغيرة قال أخبرنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثني إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة قال حدثنا ابن شهاب قال حدثني عبد الرحمن ابن مالك بن جعشم المدلجي أن أباه مالكا أخبره أن أخاه سراقة بن جعشم أخبره أنه لما خرج رسول الله من مكة مهاجرا إلى المدينة جعلت قريش لمن رده عليهم مائة ناقة قال فبينما أنا جالس في نادي قومي إذ جاء رجل منا فقال والله لقد رأيت ركبا ثلاثة مروا علي آنفا إني لأظنه محمدا قال فأومأت إليه بعيني أن اسكت وقلت إنما هم بنو فلان يبتغون ضالة لهم قال لعله ثم سكت  قال فمكثت قليلا ثم قمت فدخلت بيتي وأمرت بفرسي فقيد إلى بطن الوادي وأخرجت سلاحي من وراء حجراتي ثم أخذت قداحي استقسم بها ثم لبست لأمتي ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها فخرج السهم الذي أكره لا تضره وكنت أرجو أن أرده فآخذ المائة ناقة  قال فركبت على أثره فبينا فرسي يسير بي عثر فسقطت عنه قال فأخرجت قداحي فاستقسمت بها فخرج السهم الذي أكره لا تضره فأبيت إلا أن أتبعه فركبت فلما بدا لي القوم فنظرت إليهم عثر بي فرسي فذهبت يداه في الأرض فسقطت عنه فاستخرج يديه واتبعهما دخان مثل الغبار فعلمت أنه قد منع مني وأنه ظاهر فناديتهم فقلت انظروني فوالله لا آذيتكم ولا يأتيكم مني شيء تكرهونه   فقال رسول الله قل له ماذا تبتغي قال قلت اكتب لي كتابا يكون بيني وبينك آية قال اكتب له يا أبا بكر قال فكتب لي ثم ألقاه إلي فرجعت فسكت فلم أذكر شيئا مما كان حتى إذا فتح الله عز وجل مكة وفرغ رسول الله من أهل خيبر خرجت إلى رسول الله لألقاه ومعي الكتاب الذي كتب لي فبينما أنا عامد له دخلت بين ظهري كتيبة من كتائب الأنصار قال فطفقوا يقرعونني بالرماح ويقولون إليك إليك حتى دنوت من رسول الله وهو على ناقته أنظر إلى ساقه في غرزه كأنها جمارة فرفعت يدي بالكتاب فقلت يا رسول الله هذا كتابك فقال رسول الله يوم وفاء وبر أدنه قال فأسلمت ثم ذكرت شيئا اسل عنه رسول الله

 قال ابن شهاب إنما سأله عن الضالة وشيء فعله في وجهه الذي كان فيه فما ذكرت شيئا إلا أني قد قلت يا رسول الله الضالة تغشى حياضي قد  ملأتها لإبلي هل لي من أجر إن سقيتها فقال رسول الله نعم في كل كبد حرى قال وانصرفت فسقت إلى رسول الله صدقتي

 

- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير قال قال ابن إسحاق قال أبو جهل في أمر سراقة أبياتا فقال سراقة يجيب أبا جهل

أبا حكم  واللات لو كنت شاهدا         لأمر جوادي إذ تسيخ قوائمه

عجبت ولم تشكك بــأن محمدا         نبي وبرهان  فمن ذا يقاومـه

عليك بكف الناس عنــه فإنني          أرى أمره يوما ستبدو معالمـه

بأمر يود النصر فيــــه بإلبها         لو أن جميع الناس طرا  تسالمه

 أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان قال أخبرنا أحمد بن عبيد قال حدثنا ابن أبي قماش قال حدثنا سعيد بن سليمان الواسطي ببغداد عن أبي معشر عن أبي وهب مولى أبي هريرة عن أبي هريرة قال قال رسول الله لأبي بكر في مدخله المدينة أله الناس عني فإنه لا  ينبغي لنبي أن يكذب قال فكان أبو بكر إذا سئل ما أنت قال باع فإذا قيل من الذي معك قال هاد يهديني...اهـ

 

قال ابن كثير في البداية والنهاية

وقد روى محمد بن اسحاق عن الزهري عن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم عن أبيه عن عمه سراقة فذكر هذه القصة إلا أنه ذكر أنه استقسم بالازلام أول ما خرج من منزله فخرج السهم الذي يكره لا يضره وذكر أنه عثر به فرسه أربع مرات وكل ذلك يستقسم بالازلام ويخرج الذي يكره لا يضره حتى ناداهم بالامان وسأل أن يكتب له كتابا يكون أمارة ما بينه وبين رسول الله r قال فكتب لي كتابا في عظم أو رقعة أو خرقة وذكر أنه جاء به الى رسول الله r وهو بالجعرانة مرجعه من الطائف فقال له يوم وفاء وبر أدنه فدنوت منه وأسلمت قال ابن هشام هو عبد الرحمن بن الحارث بن مالك بن جعشم وهذا الذي قاله جيد...

 

قال تعالى : (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة : 40 )

 

قال ابن كثير رحمه الله في التفسير

: يقول تعالى: {إلا تنصروه} أي تنصروا رسوله فإن الله ناصره ومؤيده وكافيه وحافظه كما تولى نصره {إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين} أي عام الهجرة لما هم المشركون بقتله أو حبسه أو نفيه فخرج منهم هارباً بصحبة صديقه وصاحبه أبي بكر بن أبي قحافة فلجأ إلى غار ثور ثلاثة أيام ليرجع الطلب الذين خرجوا في آثارهم ثم يسيروا نحو المدينة فجعل أبو بكر رضي الله عنه يجزع أن يطلع عليهم أحد فيخلص إلى رسول الله r منهم أذى فجعل النبي r يسكنه ويثبته ويقول: «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما» كما قال الإمام أحمد حدثنا عفان حدثنا همام أنبأنا ثابت عن أنس أن أبا بكر حدثه قال: قلت للنبي r ونحن في الغار: لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه قال: فقال: «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما» أخرجاه في الصحيحين, ولهذا قال تعالى: {فأنزل الله سكينته عليه} أي تأييده ونصره عليه أي على الرسول r في أشهر القولين وقيل على أبي بكر, وروي عن ابن عباس وغيره قالوا: لأن الرسول r لم تزل معه سكينة وهذا لا ينافي تجدد سكينة خاصة بتلك الحال ولهذا قال: {وأيده بجنود لم تروها} أي الملائكة {وجعل كلمة الذين كفرواالسفلى وكلمة الله هي العليا} قال ابن عباس يعني بكلمة الذين كفروا الشرك ، وكلمة الله هي لا إله إلا الله. وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سئل رسول الله r عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله فقال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» وقوله: {والله عزيز} أي في انتقامه وانتصاره , منيع الجناب لا يضام من لاذ ببابه, واحتمى بالتمسك بخطابه {حكيم} في أقواله وأفعاله.... اهـ

 

 ***  ووصل رسول اللهr  محفوفا بعناية ربه الذي أرسله بالهدى ودين الحق طيبةَ الطيبة حيث وجد في انتظاره الأنصار الذين كانوا بايعوه على أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم ونساءهم  وأبناءهم  وأزرهم ، ومعهم في ضيافتهم من سبقهr   من المهاجرين الأولين ... فنزل بين ظهرانيهم في حمايتهم ، يحبونه كحبهم أنفسهم وذويهم ، بل أكثر ، ويجودون بالأرواح والأموال في سبيل نصرته وإظهار ما جاء به من عند ربه ... نِعم القوم ، ونِعم المقام ... ونِعم المقيم ....

لكن قتلة الرسل والأنبياء ، اليهود الحاقدين  ؛ وعبدة الأوثان والأهواء ،المشركين الكارهين،  لم يفتر غيظهم ولم  تخبُ نار حقدهم وعداوتهم للنبي الأمينr  وللدين الخالص الذي جاء به والرسالة الخاتمة التي أمره الله بتبليغها ... فتوالت مناوراتهم ، وترادفت محاولاتهم للنيل منه ومن أصحابه ... وكانت 

 


المناورة الثالثة...

 قال ابن كثير في البداية والنهاية :

 في أول سنة ثلاث من الهجرة كانت غزوة نجد ويقال لها غزوة ذي أمر قال ابن اسحاق فلما رجع رسول الله r من غزوة السويق أقام بالمدينة بقية ذي الحجة أو قريبا منها غزا نجدا يريد غطفان وهي غزوة ذي أمر قال ابن هشام واستعمل على المدينة عثمان بن عفان قال ابن اسحاق فأقام بنجد صفرا كله أو قريبا من ذلك ثم رجع ولم يلق كيدا وقال الواقدي بلغ رسول اللهr أن جمعا من غطفان من بني ثعلبة بن محارب تجمعوا بذي أمر يريدون حربه فخرج اليهم من المدينة يوم الخميس لثنتي عشرة خلت من ربيع الأول سنة ثلاث واستعمل على المدينة عثمان بن عفان فغاب أحد عشر يوما وكان معه أربعمائة وخمسون رجلا وهربت منه الأعراب في رءوس الجبال حتى بلغ ماء يقال له ذو أمر فعسكر به وأصابهم مطر كثير فابتلت ثياب رسول الله r فنزل تحت شجرة هناك ونشر ثيابه لتجف وذلك بمرأى من المشركين واشتغل المشركون في شئونهم فبعث المشركون رجلا شجاعا منهم يقال له غورث بن الحارث أو دعثور بن الحارث فقالوا : قد أمكنك الله من قتل محمد... فذهب ذلك الرجل ومعه سيف صقيل حتى قام على رسول الله r  بالسيف مشهورا ، فقال:  يا محمد من يمنعك مني اليوم ؟ قال:  الله .. ودفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده فأخذه رسول الله r فقال : من يمنعك مني ؟ قال لا أحد.. وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، والله لا أكثر عليك جمعا أبدا ... فأعطاه رسول الله r

سيفه.... فلما رجع الى أصحابه فقالوا :ويلك مالك ؟  فقال: نظرت الى رجل طويل فدفع في صدري فوقعت لظهري فعرفت أنه ملك وشهدت أن محمدا رسول الله والله لا أكثر عليه جمعا

وجعل يدعو قومه الى الاسلام ؛  قال ونزل في ذلك قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (المائدة : 11 ) قال البيهقي وسيأتي في غزوة ذات الرقاع قصة تشبه هذه فلعلهما قصتان قلت ان كانت هذه محفوظة فهي غيرها قطعا لأن ذلك الرجل اسمه غورث بن الحارث أيضا لم يسلم بل استمر على دينه ولم يكن عاهد النبي r أن لا يقاتله والله أعلم ...

قصة غورث بن الحارث في البداية والنهاية

 قال ابن اسحاق في هذه الغزوة حدثني عمرو بن عبيد عن الحسن عن جابر بن عبد الله أن رجلا من بني محارب يقال له غورث قال لقومه من غطفان ومحارب ألا أقتل لكم محمدا قالوا بلى وكيف تقتله قال افتك به قال فأقبل الى رسول الله   r وهو جالس وسيف رسول الله r  في حجره فقال يا محمد أنظر الى سيفك هذا ؟ قال: نعم.. فأخذه ثم جعل يهزه ويهم فكبته الله ، ثم قال : يا محمد أما تخافني؟ قال: لا ما أخاف منك... قال: أما تخافني وفي يدي السيف؟  قال: لا... يمنعني الله منك.. ثم عمد الى سيف النبي r  فرده عليه فأنزل الله عز وجل: ( يا ايها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم اذ هم قوم أن يبسطوا اليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) قال ابن اسحاق وحدثني يزيد بن رومان أنها إنما نزلت في عمرو بن جحاش أخي بني النضير وما هم به هكذا ذكر ابن اسحاق قصة غورث هذا عن عمرو بن عبيد القدري رأس الفرقة الضالة وهو وان كان لا يتهم بتعمد الكذب في الحديث إلا أنه ممن لا ينبغي أن يروى عنه لبدعته ودعائه اليها وهذا الحديث ثابت في الصحيحين من غير هذا الوجه ولله الحمد.. فقد أورد الحافظ البيهقي ها هنا طرقا لهذا الحديث من عدة أماكن وهي ثابتة في الصحيحين من حديث الزهري عن سنان بن أبي سنان وأبي سلمة عن جابر أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة نجد فلما قفل رسول الله r  أدركته القائلة في واد كثير العضاه فتفرق الناس يستظلون بالشجر وكان رسول الله r تحت ظل شجرة فعلق بها سيفه قال جابر فنمنا نومة فاذا رسول الله r  يدعونا فأجبناه واذا عنده اعرابي جالس فقال رسول الله r  : ان هذا اخترط سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتا فقال من يمنعك مني؟ قلت:  الله.... فقال :من يمنعك مني؟ قلت:  الله.... فشام السيف وجلس ولم يعاقبه رسول الله r   وقد فعل ذلك وقد رواه مسلم أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عفان عن أبان عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر قال أقبلنا مع رسول الله r  حتى اذا كنا بذات الرقاع وكنا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله r فجاءه رجل من المشركين وسيف رسول الله r  معلق بشجرة فأخذ سيف رسول الله r  فاخترطه وقال لرسول الله r  :تخافني ؟  قال: لا .. قال: فمن يمنعك مني ؟ قال:  الله يمنعني منك... قال فهدده أصحاب رسول الله r  فأغمد السيف وعلقه...  

عن أبي عوانة عن أبي بشر أن اسم الرجل غورث بن الحارث وأسند البيهقي من طريق أبي عوانة عن أبي بشر عن سليمان بن قيس عن جابر قال قاتل رسول الله r  محارب وغطفان بنخل فرأوا من المسلمين غره فجاء رجل منهم يقال له غورث بن الحارث حتى قام على رأس رسول الله r  بالسيف وقال: من يمنعك مني ؟ قال:الله ..فسقط السيف من يده فأخذ رسول الله r السيف وقال :من يمعنك مني؟ قال :كن خير آخذ.. قال: تشهد أن لا إله إلا الله؟ قال :لا ..ولكن أعاهدك على أن لا اقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك.... فخلى سبيله فأتى أصحابه وقال جئتكم من عند خير الناس ...

 

***  وتمر الأيام ، ويزداد الإسلام مع مرورها عزة ورفعة ومناعة ، ويزداد جنده بقيادة رسول الله rكثرة وقوة وبسالة ، وتضحية في سبيل الله ... فخاضوا المعارك ،  وشهدوا الغزوات ، وبذلوا النفس والنفيس ابتغاء مرضات الله الذي ارتضى لهم الإسلام دينا ...  ( وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (آل عمران : 126 )  ... ثم كانت وقعة أحد ... وضمنها :

 


المناورة الرابعة...

قال ابن كثير في البداية والنهاية

فصل فيما لقي النبي r يومئذ ، أي يوم أحُد ، من المشركين قبحهم الله

- قال البخاري ما أصاب النبي r من الجراح يوم أحد = حدثنا اسحاق بن نصر حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه سمع أبا هريرة قال قال رسول الله r اشتد غضب الله على قوم فعلوا بنبيه يشير الى رباعيته اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله في سبيل الله... ورواه مسلم من طريق عبد الرزاق حدثنا مخلد بن مالك حدثنا يحيى بن سعيد الاموي حدثنا ابن جريج عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال اشتد غضب الله على من قتله النبي في سبيل الله اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسول الله r وقال أحمد حدثنا عفان حدثنا حماد أخبرنا ثابت عن أنس أن رسول الله r قال يوم أحد وهو يسلت الدم عن وجهه وهو يقول: كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وكسروا رباعيته.. وهو يدعو الى الله فأنزل الله: ( ليس لك من الامر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فانهم ظالمون) ورواه مسلم عن القعنبي عن حماد بن سلمة به ورواه الامام احمد عن هشيم ويزيد بن هارون عن حميد عن أنس أن رسول الله r كسرت رباعيته وشج في وجهه حتى سال الدم على وجهه فقال:  كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم الى ربهم .. فأنزل الله تعالى  ( ليس لك من الأمر شيء ) ... وقال البخاري حدثنا قتيبة حدثنا يعقوب عن أبي حازم انه سمع سهل بن سعد وهو يسأل عن جرح النبي r فقال: أما والله اني لأعرف من كان يغسل جرح رسول الله r ومن كان يسكب الماء وبما دووي قال كانت فاطمة بنت رسول الله r تغسله وعلي يسكب الماء بالمجن فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة من حصير فأحرقتها وألصقتها فاستمسك الدم وكسرت رباعيته يومئذ وجرح وجهه وكسرت البيضة على رأسه... وقال أبو داود الطيالسي في مسنده حدثنا ابن المبارك عن اسحاق عن يحيى بن طلحة بن عبيد الله أخبرني عيسى بن طلحة عن أم المؤمنين عائشة قالت كان أبو بكر اذا ذكر يوم أحد قال ذاك يوم كله لطلحة ثم أنشأ يحدث قال كنت أول من فاء يوم أحد فرأيت رجلا يقاتل في سبيل الله دونه وأراه قال حمية قال فقلت كن طلحة حيث فاتني ما فاتني فقلت يكون رجلا من قومي أحب الي وبيني وبين المشركين رجل لا أعرفه وأنا أقرب الى رسول الله r منه وهو يخطف المشي خطفا فإذا هو أبو عبيدة بن الجراح فانتهينا الى رسول الله  r وقد كسرت رباعيته وشج في وجهه وقد دخل في وجنته حلقتان من حلق المغفر قال رسول الله r عليكما صاحبكما يريد طلحة وقد نزف فلم نلتفت الى قوله قال وذهبت لانزع ذاك من وجهه فقال اقسم عليك بحقي لما تركتني فتركته فكره تناولها بيده فيؤذى رسول الله r فازم عليها بفيه فاستخرج احدى الحلقتين ووقعت ثنيته مع الحلقة وذهبت لأصنع ما صنع فقال أقسمت عليك بحقي لما تركتني قال ففعل مثل ما فعل في المرة الاولى فوقعت ثنيته الاخرى مع الحلقة فكان أبو عبيدة رضي الله عنه من أحسن الناس هتما فأصلحنا من شأن رسول الله r ثم أتينا طلحة في بعض تلك الجفار فاذا به بضع وسبعون من بين طعنة ورمية وضربة واذا قد قطعت اصبعه فأصلحنا من شأنه وذكر الواقدي عن ابن أبي سبرة عن اسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن أبي الحويرث عن نافع بن جبير قال سمعت رجلا من المهاجرين يقول شهدت أحدا فنظرت الى النبل تأتي من كل ناحية ورسول الله r وسطها كل ذلك يصرف عنه ولقد رأيت عبد الله بن شهاب الزهري يومئذ يقول دلوني على محمد لا نجوت ان نجا ؛ ورسول الله rالى جنبه ما معه أحد فجاوره فعاتبه في ذلك صفوان بن أمية فقال : والله ما رايته أحلف بالله انه منا ممنوع خرجنا أربعة فتعاهدنا وتعاقدنا على قتله فلم نخلص اليه... قال الواقدي ثبت عندي أن الذي رمى في وجنتي رسول الله r بن قمئة ؛ والذي رمى في شفته وأصاب رباعيته عتبة بن أبي وقاص ... وان الرباعية التي كسرت له عليه السلام هي اليمنى السفلى.

 - قال ابن اسحاق وحدثني صالح بن كيسان عمن حدثه عن سعد بن أبي وقاص قال ما حرصت على قتل أحد قط ما حرصت على قتل عتبة بن أبي وقاص وان كان ما علمت لسيء الخلق مبغضا في قومه ولقد كفاني فيه قول رسول الله r : اشتد غضب الله على من دمى وجه رسوله ...

- وقال عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عثمان الحرري عن مقسم أن رسول الله r دعا على عتبة بن أبي وقاص حين كسر رباعيته ودمى وجهه فقال: اللهم لا يحول عليه الحول حتى يموت كافرا ...فما حال عليه الحول حتى مات كافرا الى النار . ...

 ولما نال عبد الله بن قمئة من رسول الله r ما نال رجع وهو يقول قتلت محمدا وصرخ الشيطان أزب العقبة يومئذ بأبعد صوت ألا ان محمدا قد قتل فحصل بهتة عظيمة في المسلمين واعتقد كثير من الناس ذلك وصمموا على القتال عن جوزة الاسلام حتى يموتوا على ما مات عليه رسول الله r منهم أنس بن النضر وغيره ممن سيأتي ذكره وقد أنزل الله تعالى التسلية في ذلك على تقدير وقوعه فقال تعالى : (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ *وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ * بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ *سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ) ( آل عمران  144-151) ... وقد خطب الصديق رضي الله عنه في أول مقام قامه بعد وفاة رسول الله r فقال يا أيها الناس من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت ثم تلا هذه الآية ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ) (آل عمران : 144 ) ؛ قال فكأن الناس لم يسمعوها قبل ذلك، فما من الناس أحد الا يتلوها ...

-وروى البيهقي في دلائل النبوة من طريق ابن أبي نجيح عن أبيه قال مر رجل من المهاجرين يوم أحد على رجل من الانصار وهو يتشحط في دمه فقال له يا فلان أشعرت أن محمدا قد قتل فقال الانصاري ان كان محمد r قد قتل فقد بلغ الرسالة فقاتلوا عن دينكم فنزل قوله تعالى:  ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ)(آل عمران : 144 ) ولعل هذا الانصاري هو أنس بن النضر رضي الله عنه وهو عم أنس بن مالك ...

قال الامام احمد حدثنا يزيد حدثنا حميد عن أنس أن عمه غاب عن قتال بدر فقال غبت عن أول قتال قاتله النبي r للمشركين ، لئن الله أشهدني قتالا للمشركين ليرين ما أصنع ،  فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون،  فقال: اللهم انى أعتذر اليك عما صنع هؤلاء يعني أصحابه ، وابرأ اليك مما جاء به هؤلاء يعني المشركين... ثم تقدم فلقيه سعد بن معاذ دون أحد فقال سعد أنا معك قال سعد فلم أستطع أصنع ما صنع فوجد فيه بضع وثمانون من بين ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم قال فكنا نقول فيه وفي أصحابه نزلت ((مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) ( الأحزاب : 23 ) ورواه الترمذي عن عبد بن حميد والنسائي عن اسحاق بن راهويه كلاهما عن يزيد بن هارون به وقال الترمذي حسن قلت بل على شرط الصحيحين من هذا الوجه

-وقال أحمد حدثنا بهز وحدثنا هاشم قالا حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت قال،  قال أنس عمي قال هاشم أنس بن النضر سميت به ولم يشهد مع رسول الله r  يوم بدر قال فشق عليه وقال أول مشهد شهده رسول الله r غبت عنه ولئن أراني الله مشهدا فيما بعد مع رسول الله r  ليرين الله ما أصنع ... قال فهاب أن يقول غيرها فشهد مع رسول الله r  يوم أحد قال فاستقبل سعد بن معاذ فقال له أنس يا أبا عمرو أين واها لريح الجنة أجده دون أحد قال فقاتلهم حتى قتل فوجد في جسده بضع وثمانون من ضربة وطعنة ورمية قال فقالت أخته عمتي الربيع بنت النضر فما عرفت أخي إلا ببنانه ونزلت هذه الآية ((مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (الأحزاب : 23 ) قال فكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه ورواه مسلم عن محمد بن حاتم عن بهز بن أسد ورواه الترمذي والنسائي من حديث عبد الله بن المبارك وزاد النسائي وأبو داود وحماد بن سلمة أربعتهم عن سليمان بن المغيرة به وقال الترمذي حسن صحيح

-وقال أبو الأسود عن عروة بن الزبير قال كان أبي بن خلف أخو بني جمح قد حلف وهو بمكة ليقتلن رسول الله r فلما بلغت رسول الله r  حلفته قال: بل أنا أقتله ان شاء الله ...فلما كان يوم أحد أقبل أبي في الحديد مقنعا وهو يقول لا نجوت إن نجا محمد.. فحمل على رسول الله r يريد قتله فاستقبله مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار يقي رسول الله r بنفسه فقتل مصعب بن عمير وأبصر رسول الله r ترقوة أبي بن خلف من فرجة بين سابغة الدرع والبيضة فطعنه فيها بالحربة فوقع الى الأرض عن فرسه ولم يخرج من طعنته دم فأتاه أصحابه فاحتملوه وهو يخور خوار الثور فقالوا له : ما أجزعك ،  إنما هو خدش ...فذكر لهم قول رسول الله r :أنا أقتل أبيا ..ثم قال والذي نفسي بيده لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعون فمات الى النار فسحقا لأصحاب السعير

- وقد رواه موسى بن عقبة في مغازيه عن الزهري عن سعيد بن المسيب نحوه وقال ابن اسحاق لما أسند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب أدركه أبي بن خلف وهو يقول: لا نجوت إن نجوت .. فقال القوم يا رسول الله يعطف عليه رجل منا فقال رسول الله r : دعوه ... فلما دنا منه تناول رسول الله r الحربة من الحارث بن الصمة فقال بعض القوم كما ذكر لي فلما أخذها رسول الله r انتفض انتفاضة تطايرنا عنه تطاير الشعر عن ظهر البعير اذا انتفض ثم استقبله رسول الله r فطعنه في عنقه طعنه تدأدأ منها عن فرسه مرارا... ذكر الواقدي عن يونس بن بكير عن محمد بن اسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الله ابن كعب بن مالك عن أبيه نحو ذلك قال الواقدي وكان ابن عمر يقول مات أبيّ بن خلف ببطن رابغ فأني لاسير ببطن رابغ بعد هوى من الليل اذا أنا بنار تأججت فهبتها واذا برجل يخرج منها بسلسلة يجذبها يهيجه العطش فاذا رجل يقول لا تسقه فإنه قتيل رسول الله r هذا أبي بن خلف...

- وقد ثبت في الصحيحين كما تقدم من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة قال قال رسول الله r اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله في سبيل الله

- ورواه البخاري من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس اشتد غضب الله على من قتله رسول الله بيده في سبيل الله وقال البخاري وقال أبوالوليد عن شعبة عن ابن المنكدر سمعت جابرا قال لما قتل أبي جعلت أبكي وأكشف الثوب عن وجهه فجعل أصحاب النبي r ينهونني والنبي r لم ينه وقال النبي r:  لا تبكه أو ما تبكيه ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع... هكذا ذكر هذا الحديث ههنا معلقا وقد أسنده في الجنائز عن بندار عن غندر بن شعبة .. اهـ

 

*** من غزوة بدر العظمى وما أيد الله القوي المتين به رسوله والمؤمنين من نصر مبين إلى معركة أحد وما كان فيها من شبه هزيمة ، لم تزدد الدعوة إلى الله ودينه إلا ظهورا على المناوئين من أهل الغدر والمكر ومساعديهم من المنافقين والمارقين .  ويفعل الله ما يشاء...حتى دخلت  السنة الرابعة من الهجرة...وكانت

 

المناورة الرابعة...

قال ابن كثير في البداية والنهاية

قال الواقدي حدثني ابراهيم بن جعفر عن أبيه وعبد الله بن أبي عبيدة عن جعفر بن الفضل بن الحسن بن عمرو بن أمية الضمري وعبد الله بن جعفر عن عبد الواحد بن أبي عوف وزاد بعضهم على بعض قالوا كان أبو سفيان بن حرب قد قال لنفر من قريش بمكة ما أحد يغتال محمدا فانه يمشي في الاسواق فندرك ثأرنا فأتاه رجل من العرب فدخل عليه منزله وقال له إن أنت وفيتني وخرجت اليه حتى أغتاله فإني هاد بالطريق خريت معي خنجر مثل خافية النسر قال أنت صاحبنا وأعطاه بعيرا ونمقه وقال اطو أمرك فاني لا آمن أن يسمع هذا أحد فينميه الى محمد قال قال العربي لا يعلمه أحد فخرج ليلا على راحلته فسار خمسا وصبح ظهر الحي يوم سادسه ثم أقبل يسأل عن رسول الله r حتى أتى المصلى فقال له قائل قد توجه الى بني عبد الاشهل فخرج الاعرابي يقود راحلته حتى انتهى الى بني عبد الاشهل فعقل راحلته ثم أقبل يؤم رسول الله r فوجده في جماعة من أصحابه يحدث في مسجده ، فلما دخل ورآه رسول الله r قال لاصحابه : ان هذا الرجل يريد غدرا والله حائل بينه وبين ما يريده ... فوقف وقال : أيكم ابن عبد المطلب؟ فقال له رسول الله r : أنا ابن عبد المطلب ... فذهب ينحني على رسول الله r كأنه يساره فجبذه أسيد بن حضير وقال تنح عن رسول الله r وجذب بداخل ازاره فإذا الخنجر؛ فقال: يا رسول الله هذا غادر، فأسقط في يد الاعرابي وقال: دمي دمي يا محمد..وأخذه أسيد بن حضير يلببه فقال له النبي r:  اصدقني من أنت ؟ وما اقدمك ؟ فان فعلت نفعك الصدق، وان كذبتني فقد اطلعت على ما هممت... به قال العربي فأنا آمن؟ قال: وأنت آمن ..فأخبره بخبر أبي سفيان وما جعل له فأمر به فحبس عند أسيد بن حضير .. ثم صارا من الغد.. فقال: قد أمنتك فاذهب حيث شئت أو خير لك من ذلك ..قال: وما هو ؟  فقال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ،فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأنك أنت رسول الله، والله يا محمد ما كنت أفرق من الرجال فما هو إلا أن رأيتك فذهب عقلي وضعفت ثم اطلعت على ما هممت به فما سبقت به الركبان ولم يطلع عليه أحد فعرفت أنك ممنوع وأنك على حق وأن حزب أبي سفيان حزب الشيطان... فجعل النبي r يتبسم وأقام أياما ثم استأذن النبي صلى الله عليه وسلم فخرج من عنده ولم يسمع له بذكر .. اهـ

 

*** خاب سعي كل من أراد بالنبي سوءا ، لكن الغدر الكمين في نفوس الأغبياء والحقد الدفين بين أضلع الأعداء وثنيهم ويهوديهم ظل يؤجج نار المكر في صدورهم المختوم عليها ، فقتلوا الأبرياء ، وحاولوا قتل خاتم الأنبياء ، إمام الأصفياءr .... وكانت

 

المناورةالخامسة...

قال ابن كثير في البداية والنهاية

- في صحيح البخاري عن ابن عباس أنه كان يسميها سورة بني النضير وحكى البخاري عن الزهري عن عروة أنه قال كانت بنو النضير بعد بدر بستة أشهر قبل أحد وقد أسنده ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبيه عن عبد الله بن صالح عن الليث عن عقيل عن الزهري به وهكذا روى حنبل بن اسحاق عن هلال بن العلاء عن عبد الله بن جعفر الرقي عن مطرف بن مازن اليماني عن معمر عن الزهري فذكر غزوة بدر في سابع عشر رمضان سنة ثنتين قال ثم غزا بني النضير ثم غزا أحدا في شوال سنة ثلاث ثم قاتل يوم الخندق في شوال سنة أربع وقال البيهقي وقد كان الزهري يقول هي قبل أحد قال وذهب آخرون الى أنها بعدها وبعد بئر معونة أيضا قلت هكذا ذكر ابن اسحاق كما تقدم فانه بعد ذكره بئر معونة ورجوع عمرو بن أمية وقتله ذينك الرجلين من بني عامر ولم يشعر بعهدهما الذي معهما من رسول الله r ولهذا قال له رسول الله r :لقد قتلت رجلين لأدينهما

- قال ابن اسحاق ثم خرج رسول الله r الى بني النضير يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر اللذين قتلهما عمرو بن أمية للعهد الذي كان r أعطاهما ، وكان بين بني النضير وبين بني عامر عهد وحلف فلما أتاهم r قالوا نعم يا أبا القاسم نعينك على ما أحببت ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه ورسول الله r الى جنب جدار من بيوتهم قاعد فمن رجل يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة ويريحنا منه فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب فقال أنا لذلك فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال،  ورسول الله r في نفر من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعلي فأتى رسول الله الخبر من السماء بما أراد القوم فقام وخرج راجعا الى المدينة فلما استلبث النبي r أصحابه قاموا في طلبه فلقوا رجلا مقبلا من المدينة فسألوه عنه فقال رأيته داخلا المدينة فأقبل اصحاب رسول الله r حتى انتهوا اليه فأخبرهم الخبر بما كانت يهود أرادت من الغدر به...

- قال الواقدي فبعث رسول الله r محمد بن مسلمة يأمرهم بالخروج من جواره وبلده فبعث اليهم أهل النفاق يثبتونهم ويحرضونهم على المقام ويعدونهم النصر فقويت عند ذلك نفوسهم وحمى حيي بن أحطب وبعثوا الى رسول الله r أنهم لا يخرجون ونابدوه بنقض العهد ،  فعند ذلك أمر الناس بالخروج اليهم ..

قال الواقدي فحاصروهم خمس عشرة ليلة وقال ابن اسحاق وأمر النبي r بالتهيؤ لحربهم والمسير اليهم قال ابن هشام واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم وذلك في شهر ربيع الاول قال ابن اسحاق فسار حتى نزل بهم فحاصرهم ست ليال ... وتحصنوا في الحصون فأمر رسول الله r بقطع النخيل والتحريق فيها فنادوه أن يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد وتعيب من صنعه فما بال قطع النخيل وتحريقها ؟  قال وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج منهم عبد الله بن أبي ووديعة ومالك وسويد وداعس قد بعثوا الى بني النضير أن اثبتوا وتمنعوا فانا لن نسلمكم ان قوتلتم قاتلنا معكم وان أخرجتم خرجنا معكم .. فتربصوا ذلك من نصرهم فلم يفعلوا وقذف الله في قلوبهم الرعب فسألوا رسول الله أن يجليهم ويكف عن دمائهم على أن لهم ما حملت الابل من أموالهم الا الحلقة ..

 

- قال ابن اسحاق فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الابل فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به فخرجوا الى خيبر ومنهم من سار الى الشام فكان من أشراف من ذهب منهم الى خيبر سلام بن أبي الحقيق وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب فلما نزلوها دان لهم أهلها فحدثني عبد الله بن أبي بكر انه حدث انهم استقبلوا بالنساء والابناء والاموال معهم الدفوف والمزامير والقيان يعزفن خلفهم بزهاء وفخر مارؤي مثله لحي من الناس في زمانهم...  قال وخلوا الاموال لرسول الله r يعني النخيل والمزارع فكانت له خاصة يضعها حيث شاء فقسمها على المهاجرين الاولين دون الانصار الا ان سهل بن حنيف وأبا دجانة ذكرا فقرا فأعطاهما وأضاف بعضهم اليهما الحارث بن الصمة حكاه السهيلي قال ابن اسحاق ولم يسلم من بني النضير الا رجلان وهما يامين بن عمير بن كعب ابن عم عمرو بن جحاش وأبو سعد بن وهب فأحرزا أموالهما قال ابن اسحاق وقد حدثني بعض آل يامين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليامين ألم تر ما لقيت من ابن عمك وما هم به من شأني فجعل يامين لرجل جعلا على أن يقتل عمرو بن جحاش فقتله لعنه الله ...

قال ابن اسحاق فأنزل الله فيهم سورة الحشر بكمالها يذكر فيها ما أصابهم به من نقمته وما سلط عليهم به رسوله وما عمل به فيهم ثم شرع ابن اسحاق يفسرها وقد تكلمنا عليها بطولها مبسوطة في كتابنا التفسير ولله الحمد قال الله تعالى :( سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ*وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاء لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ * ( الحشر 1-5 ) اهـ.

 

 

*** وكان الجلاء حيث طهر الله تعالى الأرض التي اختارها سبحانه لمقام رسوله وإعلاء راية دينه من رجس اليهود الذين لم يعرف لهم التاريخ إلا الغدر والخيانة ونقض المواثيق وخلف العهود والتمرد على الأنبياء وقتلهم وتبديل كلام الله وتحريف كتبه وتطويعها لأهوائهم البهيمية وأغراضهم الدنية...(أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) (محمد : 23 )  آذوا رسول الله ، فليحققنَّ الله فيهم قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً) (الأحزاب : 57 )... أُبعدوا .. شُردوا ... طُردوا .. لكن دمهم النجس لم يزل يغلي في عروقهم العفنة ، فتارة يحرضون غيرهم على اغتيال النبي الأكرم r ، وأخرى يدبرون وينفذون ما دبروا بأنفسهم ... وكذلك الجانب الآخر ، جانب عبدة الأصنام اللات والعزى ومناة وغيرها من الحجر الذي لا ينفع ولا يضر، لم تهدأ لهم نفس ولم يسكن لهم بال ، فظلوا يحاولون النيل من المبعوث رحمة للعالمين ...وكانت

 

المناورة السادسة...

قال ابن كثير في البداية والنهاية

قصة غورث بن الحارث

 - قال ابن اسحاق في هذه الغزوة حدثني عمرو بن عبيد عن الحسن عن جابر بن عبد الله أن رجلا من بني محارب يقال له غورث قال لقومه من غطفان ومحارب: ألا أقتل لكم محمدا ؟ قالوا:  بلى، وكيف تقتله؟ قال: افتك به ... قال فأقبل الى رسول الله r وهو جالس وسيف رسول الله r في حجره فقال: يا محمد ، أنظر الى سيفك هذا ؟   قال: نعم .. فأخذه ثم جعل يهزه ويهم فكبته الله ثم قال : يا محمد ، أما تخافني ؟ قال : لا ما أخاف منك. قال أما تخافني وفي يدي السيف ؟ قال: لا يمنعني الله منك .ثم عمد الى سيف النبي r فرده عليه... فأنزل الله عز وجل :   (يا ايها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم اذ هم قوم أن يبسطوا اليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون )

- قال ابن اسحاق وحدثني يزيد بن رومان أنها إنما نزلت في عمرو بن جحاش أخي بني النضير وما همَّ به  ، هكذا ذكر ابن اسحاق قصة غورث هذا عن عمرو بن عبيد القدري رأس الفرقة الضالة وهو وان كان لا يتهم بتعمد الكذب في الحديث إلا أنه ممن لا ينبغي أن يروى عنه لبدعته ودعائه اليها ... وهذا الحديث ثابت في الصحيحين من غير هذا الوجه ولله الحمد.  فقد أورد الحافظ البيهقي هاهنا طرقا لهذا الحديث من عدة أماكن وهي ثابتة في الصحيحين من حديث الزهري عن سنان بن أبي سنان وأبي سلمة عن جابر أنه غزا مع رسول الله r  غزوة نجد فلما قفل رسول الله r أدركته القائلة في واد كثير العضاه فتفرق الناس يستظلون بالشجر وكان رسول الله r  تحت ظل شجرة فعلق بها سيفه .. قال جابر فنمنا نومة فاذا رسول الله r يدعونا فأجبناه واذا عنده اعرابي جالس فقال رسول الله r : ان هذا اخترط سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتا فقال: من يمنعك مني ؟ قلت: الله. فقال: من يمنعك مني ؟ قلت الله... فشام السيف وجلس .. ولم يعاقبه رسول الله r وقد فعل ذلك وقد رواه مسلم أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عفان عن أبان عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر قال أقبلنا مع رسول الله r حتى اذا كنا بذات الرقاع وكنا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله r فجاءه رجل من المشركين وسيف رسول الله r معلق بشجرة فأخذ سيف رسول الله r فاخترطه وقال لرسول الله r تخافني ؟ قال : لا ... قال: فمن يمنعك مني؟  قال:  الله يمنعني منك.. قال فهدده أصحاب رسول الله r فأغمد السيف وعلقه قال ونودي بالصلاة فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الاخرى ركعتين قال فكانت لرسول الله r أربع ركعات وللقوم ركعتان وقد علقه البخاري بصيغة الجزم عن أبان به قال البخاري وقال مسدد عن أبي عوانة عن أبي بشر أن اسم الرجل غورث بن الحارث وأسند البيهقي من طريق أبي عوانة عن أبي بشر عن سليمان بن قيس عن جابر قال قاتل رسول الله r محارب وغطفان بنخل فرأوا من المسلمين غره فجاء رجل منهم يقال له غورث بن الحارث حتى قام على رأس رسول الله r بالسيف وقال:  من يمنعك مني؟  قال:  الله ... فسقط السيف من يده ، فأخذ رسول الله r السيف وقال:  من يمعنك مني ؟ قال:  كن خير آخذ ...قال : تشهد أن لا إله إلا الله ؟ قال : لا ولكن أعاهدك على أن لا اقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك فخلى سبيله فأتى أصحابه وقال جئتكم من عند خير الناس... والله أعلم .

 

***  فانظر يا محب الحبيب كيف يتجلى العفو عند المقدرة ، وانظر كيف تسمو طيبةً عطرةً خلالُ الرحمة والكرم حتى على من سولت له نفسه القتل فاعتدى وظلم ... فداك روحي يا رسول الله ... أرسلت بالآيات الخالدات فأبلغتها ، وبعثت بمكارم الأخلاق فأتممتها،...

فأي آدمي عنده مثقال حبة من خرذل من عقل يتصدى لقتل سمح كريم، عفوجواد، سماه الله رؤوفا رحيما وأرسله ليخلص البشرية من المعبودات الزائفة ، ويخرجها من ظلمات الغي إلى نور الرشد ؟ سفهاء ـ ورب الأرض والسماء ـ من أتعبوا أنفسهم للنيل منه ، وهو بأعين ربه الذي أنزل عليه : (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (الزمر : 36 ) ...

بلى.. كافيه وكافي من معه ...لكن الذين ران على قلوبهم الغل بشتى أصنافه  وغطاها ليل العماهة بظلامه ظلوا على حالهم  يتخبطون بين الكيد والمكر ، والخيانة والغدر ...وكانت

 

المناورة السابعة...

قال ابن كثير في البداية والنهاية

قصة الشاة المسمومة والبرهان الذي ظهر

-قال البخاري رواه عروة عن عائشة عن النبي r ثم قال حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا الليث حدثني سعيد عن أبي هريرة قال لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله r شاة فيها سم... هكذا أورده ها هنا مختصرا ..

-وقد قال الامام احمد حدثنا حجاج ثنا ليث عن سعيد بن ابي سعيد عن ابي هريرة قال لما فتحت خيبر أهديت للنبي r شاة فيها سم فقال رسول الله r : اجمعوا لي من كان ها هنا من يهود.. فجمعوا له فقال النبي r : إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقي عنه ؟ قالوا : نعم يا أبا القاسم.. فقال لهم رسول اللهr :من أبوكم ؟ قالوا: أبونا فلان .. فقال رسول الله r:كذبتم ،  بل أبوكم فلان... قالوا:  صدقت وبررت..  فقال : هل أنتم صادقي عن شيء اذا سألتكم عنه ؟ قالوا:  نعم يا أبا القاسم ، وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا ...فقال رسول الله r :من أهل النار ؟ فقالوا: نكون فيها يسيرا ثم تخلفونا فيها.. فقال لهم رسول الله r :والله لا نخلفكم فيها

أبدا.. ثم قال لهم:  هل أنتم صادقي عن شيء إذا سألتكم ؟  فقالوا : نعم يا أبا القاسم .. فقال: هل جعلتم في هذه الشاة سما ؟ فقالوا: نعم ....قال:  ما حملكم على ذلك ؟ قالوا : أردنا إن كنت كاذبا أن نستريح منك وإن كنت نبيا لم يضرك.. وقد رواه البخاري في الجزية عن عبد الله بن يوسف وفي المغازي أيضا عن قتيبة كلاهما عن الليث به ..

-وقال البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو العباس الأصم حدثنا سعيد بن سليمان ثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن امرأة من يهود أهدت لرسول الله r شاة مسمومة فقال لأصحابه:  أمسكوا فانها مسمومة ..وقال لها : ما حملك على ما صنعت؟ قالت: أردت أن أعلم إن كنت نبيا فسيطلعك الله عليه وإن كنت كاذبا أريج الناس منك... قال فما عرض لها رسول الله r رواه أبو داود عن هارون بن عبد الله عن سعيد بن سليمان به ..

 - ثم روى البيهقي عن طريق عبد الملك بن ابي نضرة عن أبيه عن جابر بن عبد الله نحو ذلك وقال الامام احمد حدثنا شريح ثنا عباد عن هلال هو ابن خباب عن عكرمة عن ابن عباس أن امرأة من اليهود أهدت لرسول الله r شاة مسمومة فأرسل اليها فقال : ما حملك على ما صنعت؟  قالت: أحببت أو أردت إن كنت نبيا فان الله سيطلعك عليه وإن لم تكن نبيا أريح الناس منك... قال فكان رسول الله r اذا وجد من ذلك شيئا احتجم قال فسافر مرة فلما أحرم وجد من ذلك شيئا فاحتجم تفرد به أحمد واسناده حسن

-وفي الصحيحين من حديث شعبة عن هشام ابن زيد عن أنس بن مالك أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجيء بها الى رسول الله r فسألها عن ذلك قالت: اردت لأقتلك..      فقالr  :ما كان الله ليسلطك علي أو قال على ذلك ...قالوا ألا تقتلها ؟ قال : لا .. قال أنس فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله r

- وقال أبو داود حدثنا سليمان بن داود المهري ثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال كان جابر بن عبد الله يحدث أن يهودية من أهل خيبر سمت شاة مصلية ثم أهدتها لرسول الله r فأخذ رسول الله r الذراع فأكل منها وأكل رهط من أصحابه معه ثم قال لهم رسول الله r :ارفعوا أيديكم ...وأرسل رسول الله r  الى المرأة فدعاها فقال لها : أسممت هذه الشاة ؟ قالت اليهودية: من أخبرك ؟ قال: أخبرتني هذه التي في يدي ، وهي الذراع.. قالت: نعم..  قال: فما أردت بذلك؟ قالت:  قلت إن كنت نبيا فلن يضرك وإن لم تكن نبيا استرحنا منك ... فعفا عنها رسول الله r ولم يعاقبها ؛ وتوفي بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة... واحتجم النبي r على كاهله من أجل الذي أكل من الشاة حجمه أبو هند بالقرن والشفرة ، وهو مولى لبني بياضة من الانصار..

- ثم قال أبو داود حدثنا وهب بن بقية ثنا خالد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة أن رسول اللهr  أهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية ، نحو حديث جابر  ، قال: فمات بشر ابن البراء بن معرور فأرسل الى اليهودية فقال :ما حملك على الذي صنعت ؟ فذكر نحو حديث جابر ؛ فأمر رسول الله r فقتلت ولم يذكر أمر الحجامة

-قال البيهقي ورويناه من حديث حماد ابن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال ويحتمل أنه لم يقتلها في الابتداء ثم لما مات بشر بن البراء أمر بقتلها وروى البيهقي من حديث عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن امرأة يهودية أهدت الى رسول الله r شاة مصلية بخيبر، فقال: ما هذه ؟ قالت هدية وحذرت أن تقول صدقة فلا يأكل .. قال فأكل وأصحابه ، ثم قال : امسكوا ...  ثم قال للمرأة : هل سممتها ؟ قالت: من أخبرك هذا ؟ قال:  هذا العظم ،لساقها وهو في يده ... قالت: نعم.  قال:       لم  ؟ قالت:  أردت إن كنت كاذبا أن نستريح منك وإن كنت نبيا لم يضرك ...قال فاحتجم رسول الله r على الكاهل وأمر اصحابه فاحتجموا ، ومات بعضهم ..

- قال الزهري فأسلمت فتركها النبي r ؛ قال البيهقي هذا مرسل ولعله قد يكون عبد الرحمن حمله عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه وذكر ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة وكذلك موسى بن عقبة عن الزهري قالوا لما فتح رسول الله r خيبر وقتل منهم من قتل أهدت زينب بنت الحارث اليهودية وهي ابنة أخي مرحب لصفية شاة مصلية وسمتها وأكثرت في الكتف والذراع لأنه بلغها أنه أحب أعضاء الشاة الى رسول الله r فدخل رسول الله r على صفية ومعه بشر بن البراء بن معرور وهو أحد بني سلمة فقدمت اليهم الشاة المصلية فتناول رسول الله r الكتف وانتهش منها وتناول بشر عظما فانتهش منه فلما استرط رسول الله r لقمته استرط بشر بن البراء ما في فيه فقال رسول الله r : ارفعوا أيديكم فان كتف هذه الشاة يخبرنى أنى نعيت فيها ..فقال بشر بن البراء: والذى أكرمك لقد وجدت ذلك في أكلتي التي أكلت فما منعني إن ألفظها الا أني أعظمتك أن أبغضك طعامك فلما أسغت ما في فيك لم ارغب بنفسي عن نفسك ورجوت أن لا تكون استرطتها وفيها نعي فلم يقم بشر من مكانه حتى عاد لونه كالطيلسان وماطله وجعه حتى كان لا يتحول حتى يحول ... قال الزهري قال جابر : واحتجم رسول الله r يومئذ، حجمه مولى بني بياضة بالقرن والشفرة وبقي رسول الله r بعده ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي توفي فيه فقال : ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر عدادا حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري ؛ فتوفي رسول الله rشهيدا ...

وقال محمد بن اسحاق فلما اطمأن رسول الله r أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام ابن مشكم شاة مصلية وقد سألت أي عضو أحب الى رسول الله r فقيل لها الذراع ، فأكثرت فيها من السم ثم سمت سائر الشاة ثم جاءت بها فلما وضعتها بين يديه تناول الذراع فلاك منها مضغة فلم يسغها ومعه بشر بن البراء بن معرور قد اخذ منها كما أخذ رسول الله r فأما بشر فاساغها وأما رسول الله r فلفظها ثم قال: إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم.. ثم دعا بها فاعترفت ؛ فقال : ما حملك على ذلك ؟  قالت: بلغت من قومي ما لم يخف عليك فقلت إن كان كذابا استرحت منه وإن كان نبيا فسيخبر... قال فتجاوز عنها رسول الله r ومات بشر من أكلته التي أكل.

- قال ابن اسحاق وحدثني مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى قال كان رسول الله r قد قال في مرضه الذي توفي فيه ودخلت عليه أخت بشر بن البراء بن معرور يا أم بشر إن هذا الأوان وجدت انقطاع أبهري من الأكلة التي أكلت مع أخيك بخيبر قال ابن هشام الأبهر العرق المعلق بالقلب قال فان كان المسلمون ليرون أن رسول الله r مات شهيدا مع ما أكرمه الله به من النبوة وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا هلال بن بشر وسليمان بن يوسف الحراني قالا ثنا أبو غياث سهل بن حماد ثنا عبد الملك بن ابي نضرة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن يهودية أهدت الى رسول الله r شاة سميطا فلما بسط القوم أيديهم قال رسول الله r: أمسكوا فان عضو من أعضائها يخبرني أنها مسمومة... فأرسل الى صاحبتها: أسممت طعامك ؟ قالت: نعم ..قال: ما حملك على ذلك؟ قالت : إن كنت كذابا أن أريح الناس منك وإن كنت صادقا علمت أن الله سيطلعك عليه.. فبسط يده وقال :كلوا بسم الله .. قال فأكلنا، وذكرنا اسم الله، فلم يضر أحد منا... ثم قال لا يروى عن عبد الملك بن ابي نضرة إلا من هذا الوجه ..قلت وفيه نكارة وغرابة شديدة والله أعلم

- وذكر الواقدي أن عيينة بن حصن قبل أن يسلم رأى في منامه رؤيا ورسول الله  rمحاصر خيبر فطمع من رؤياه أن يقاتل رسول الله rفيظفر به فلما قدم على رسول الله rخيبر وجده قد افتتحها فقال : يا محمد اعطني ما غنمت من حلفائي، يعني أهل خيبر.. فقال له رسول الله  r :كذبت رؤياك ، وأخبره بما رأى.. فرجع عيينة فلقيه الحارث بن عوف فقال: ألم أقل إنك توضع في غير شيء والله ليظهرن محمد على ما بين المشرق والمغرب وإن يهود كانوا يخبروننا بهذا ؛ أشهد لسمعت أبا رافع سلام بن أبي الحقيق يقول إنا لنحسد محمدا على النبوة حيث خرجت من بني هارون إنه لمرسل ويهود لا تطاوعني على هذا ولنا منه ذبحان واحد بيثرب وآخر بخيبر..قال الحارث :قلت لسلام يملك الأرض ؟ قال: نعم والتوراة التي أنزلت على موسى وما أحب أن تعلم يهود بقولي فيه... اهـ

 

حديث مسلم في كتاب السلام باب السم

  حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي. حدثنا خالد بن الحارث. حدثنا شعبة عن هشام بن زيد، عن أنس؛

أن امرأة يهودية أتت رسول الله r بشاة مسمومة. فأكل منها. فجيء بها إلى رسول الله r . فسألها عن ذلك؟ فقالت: أردت لأقتلك. قال" ما كان الله ليسلطك على ذاك" قال أو قال "علي" قال قالوا: ألا نقتلها؟ قال "لا" قال: فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله r

قال النووي

 قوله: (أن يهودية أتت رسول الله r بشاة مسمومة فأكل منها فجيء بها إلى رسول الله r فسألها عن ذاك قالت أردت لأقتلك، قال: وما كان الله ليسلطك على ذاك قال أو قال علي، قالوا: ألا نقتلها؟ قال: لا، قال: فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله r ). وفي الرواية الأخرى: (جعلت سماً في لحم). أما السم فبفتح السين وضمها وكسرها ثلاث لغات الفتح أفصح جمعه سمام وسموم. وأما اللهوات فبفتح اللام والهاء جمع لهات بفتح اللام وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أصل الحنك قاله الأصمعي. وقيل اللحمات اللواتي في سقف أقصى الفم. وقوله: (ما زلت أعرفها) أي العلامة كأنه بقي للسم علامة وأثر من سواد أو غيره. وقولهم: (ألا نقتلها) هي بالنون في أكثر النسخ وفي بعضها بتاء الخطاب. وقوله r  "ما كان الله ليسلطك على ذاك أو قال علي" فيه بيان عصمته r من الناس كلهم كما قال الله تعالى: {والله يعصمك من الناس} وهي معجزة لرسول الله r في سلامته من السم المهلك لغيره وفي إعلام الله تعالى له بأنها مسمومة وكلام عضو منه له فقد جاء في غير مسلم أنه r قال :  إن الذراع تخبرني أنها مسمومة... وهذه المرأة اليهودية الفاعلة للسم اسمها زينب بنت الحارث أخت مرحب اليهودي روينا تسميتها هذه في مغازي موسى بن عقبة ودلائل النبوة للبيهقي قال القاضي عياض: واختلف الاَثار والعلماء هل قتلها النبي r أم لا؟ فوقع في صحيح مسلم أنهم قالوا: ألا نقتلها؟ قال: لا. ومثله عن أبي هريرة وجابر. وعن جابر من رواية أبي سلمة أنه r  قتلها. وفي رواية ابن عباس أنه r دفعها إلى أولياء بشر بن البراء بن معرور وكان أكل منها فمات بها فقتلوها. وقال ابن سحنون: أجمع أهل الحديث أن رسول الله r قتلها. قال القاضي: وجه الجمع بين هذه الروايات والأقاويل أنه لم يقتلها أولاً حين اطلع على سمها وقيل له اقتلها فقال لا فلما مات بشر بن البراء من ذلك سلمها لأوليائه فقتلوها قصاصاً، فيصح قولهم لم يقتلها أي في الحال، ويصح قولهم قتلها أي بعد ذلك والله أعلم....

 

***  ماذا تركوا فلم  يحاولوا ؟...من عصابة القريشيين وما أبرموا إلى التي أهدت الشاة وقد سمتها حتى العظم ، مرورا بالذي سل السيف الصارم تحت الشجرة ، وذاك الذي أعد للطعن خنجرا دسه بين طيات ثوبه ، والآخر الذي اتعب كاهله بحمله الصخرة الصماء ، ...، خابوا وخسروا ...  وباءت كل مناوراتهم بالفشل ... لكنهم لم يعتبروا ، لأن القلوب أغلقتها أقفالها ، والعيون أعمتها غشاوتها ... فكلما فشلوا عاودوا الكرة ، وكلما عادوا أحبط الله أعمالهم وجعل البوار نصيبهم ...ومع ما تكبدوا من فادح خسارات وتجرعوا من خانق المهانات ، كانت

 

المناورة الثامنة...

*** حاول المغضوب عليهم التأثير على عقل المعصوم حيث لجأ خبثاؤهم إلى السحر ... فيا لغباوتهم ... كيف ينالون من الذي أنزل الله عليه :  ( وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ  ) ؟؟؟ (البقرة : 102 ) ؛ أم كيف يكون لسحرهم تأثير على لب المصطفى وهو الذي يتلو فيما نزِّل عليه من ربه :  (وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ) (يونس : 77) ؛  ( وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) (طه : 69 ) ... ألا يجدون في كتبهم قبل أن يحرفوا كلمها عن مواضعه أن سحرة فرعون فشلوا لما عارضوا موسى عليه السلام ، وأنبأنا به العليم الخبير في قوله عز من قائل : (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ) (الأعراف : 120 ) ؛ (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً  ) (طه : 70 ) ؛ (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ) (الشعراء : 46 )...تالله إن السحرة الذين عاشوا زمن ابن عمران عليه السلام كانوا أفضل ممن عاصروا محمداr، لأنهم لما عرفوا الحق انصاعوا له وسجدوا لله وأعلنوا إيمانهم به غير مبالين بتهديدات فرعون وعصابته المجرمين بتقطيع الأيدي والأرجل والتصليب على جذوع النخل ... قال تعالى عنهم : (قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ) (الأعراف : 121 ) و (الشعراء : 47 )، وصرخوا في وجه الطاغية الذي استكبر في الأرض يذبح ويقتل ويسوم بني إسرائيل سوء الذاب ، (قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (طه :  72-73 ) ...

فالذين عرفوا محمدا r كما يعرفون أبناءهم ، ويجدونه مكتوبا عندهم في كتبهم ، ختم الله على قلوبهم فهم لا يفقهون ، وطمس على أعينهم فهم لا يبصرون ، وجعل في آذانهم الوقر فهم لا يسمعون ... أليسوا بأضل من الأنعام ؟؟؟  

 

روى البخاري في كتاب بدء الخلق؛ وفي كتاب الأدب؛ وفي كتاب الجزية ؛ وفي كتاب الدعوات وفي كتاب الطب باب: السحر.

وقول الله تعالى: {ولكنَّ الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منها ما يفرِّقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرُّهم ولا ينفعهم ولقد علموا لَمَنِ اشتراه ما له في الآخرة من خلاق} /البقرة: 102/.وقوله تعالى: {ولا يفلح الساحر حيث أتى} /طه:69/.وقوله: {أفتأتون السحر وأنتم تبصرون} /الأنبياء:3/.وقوله: {يُخيَّل إليه من سحرهم أنها تسعى} /طه:66/.
وقوله: {ومن شرِّ النَّفَّاثات في العقد} /الفلق:
4/: والنَّفَّاثات: السواحر. {تُسْحَرون} /المؤمنون: 89/: تُعَمَّوْن.


 - حدثنا إبراهيم بن موسى: أخبرنا عيسى بن يونس، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت:
سحر رسولَ الله
r رجل من بني زُرَيق، يقال له لبيد بن الأعصم، حتى كان رسول الله r يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي، لكنه دعا ودعا، ثم قال: (يا عائشة، أشَعَرْتِ أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه، أتاني رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ فقال: مطبوب، قال: من طبَّه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: في أي شيء؟ قال: في مُشط ومُشاطة، وجُفِّ طَلْع نخلة ذَكَر. قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذَرْوان). فأتاها رسول الله r في ناس من أصحابه، فجاء فقال: (يا عائشة، كأن ماءها نُقاعة الحِنَّاء، أو كأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين). قلت: يا رسول الله: أفلا استخرجته؟ قال: (قد عافاني الله، فكرهت أن أثَوِّرَ على الناس فيه شراً). فأمر بها فدُفنت.تابعه أبو أسامة وأبو ضمرة وابن أبي الزناد، عن هشام.وقال الليث وابن عُيَينة، عن هشام: (في مُشط ومُشاقة).
يقال: المُشاطة: ما يخرج من الشعر إذا مشط، والمُشاقة: من مُشاقة الكَتَّان.

 

باب: هل يُستخرج السحر.

وقال قتادة: قلت لسعيد بن المسيَّب: رجل به طِبٌّ، أو: يُؤخذ عن امرأته، أيُحَلُّ عنه أو يُنَشِّرُ؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع الناس فلم يُنْهَ عنه.

 - حدثني عبد الله بن محمد قال: سمعت ابن عُيَينة يقول: أول من حدثنا به ابن جُرَيج يقول: حدثني آل عروة، عن عروة، فسألت هشاماً عنه، فحدثنا عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت:
كان رسول الله
r  سُحِرَ، حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، قال سفيان: وهذا أشد ما يكون من السحر، إذا كان كذا، فقال: (يا عائشة، أعَلِمْتِ أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه، أتاني رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجليَّ، فقال الذي عند رأسي للآخر: ما بال الرجل؟ قال: مطبوب، قال: ومن طبَّه؟ قال: لبيد بن أعصم - رجل من بني زُرَيق حليف ليهود كان منافقاً - قال: وفيم؟ قال: في مُشط ومُشاقة، قال: وأين؟ قال: في جُفِّ طلعةٍ ذَكَرٍ، تحت رَعوفة في بئر ذروان). قالت: فأتى النبي r البئر حتى استخرجه، فقال: (هذه البئر التي أريتها، وكأن ماءها نقاعة الحنَّاء، وكأن نخلها رؤوس الشياطين). قال: فاستخرج، قالت: فقلت: أفلا؟ - أي تنشَّرت - فقال: (أما والله فقد شفاني الله، وأكره أن أثير على أحد من الناس شراً).

 
  باب: السحر.

 - حدثنا عبيد بن إسماعيل: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت:
سُحر النبي
r حتى إنه ليخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي، دعا الله ودعاه، ثم قال: (أشَعَرْتِ يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه). قلت: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: (جاءني رجلان، فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجليَّ، ثم قال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب، قال: ومن طبَّه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زُرَيق، قال: في ماذا؟ قال: في مُشط ومُشاطة وجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَر، قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذي أروان). قال: فذهب النبي r في أناس من أصحابه إلى البئر، فنظر إليها وعليها نخل، ثم رجع إلى عائشة فقال: (والله لكأن ماءها نقاعة الحنَّاء، ولكأن نخلها رؤوس الشياطين). قلت: يا رسول الله أفأخرجته؟ قال: (لا، أما أنا فقد عافاني الله وشفاني، وخشيت أن أثوِّر على الناس منه شراً). أمر بها فدُفنت.


  وفي كتاب الدعوات باب: تكرير الدعاء.

  - حدثنا إبراهيم بن منذر: حدثنا أنس بن عياض، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها:
أن رسول الله
r  طُبَّ، حتى أنه ليخيل إليه أنه قد صنع الشيء وما صنعه، وإنه دعا ربه، ثم قال: (أشعرت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه). فقالت عائشة: فما ذاك يا رسول الله؟ قال: (جاءني رجلان، فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب، قال: من طبَّه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: في ماذا؟ قال: في مشط ومشاطة وجف طلعة، قال: فأين هو؟ قال: في ذروان). وذروان بئر في بني زريق، قالت: فأتاها رسول الله r ثم رجع إلى عائشة، فقال: (والله لكأن ماءها نقاعة الحناء، ولكأن نخلها رؤوس الشياطين). قالت: فأتى رسول الله r فأخبرها عن البئر، فقلت: يا رسول الله فهلا أخرجته؟ قال: (أما أنا فقد شفاني الله، وكرهت أن أثير على الناس شراً).زاد عيسى بن يونس والليث بن سعد، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: سحر رسول اللهr ، فدعا ودعا، وساق الحديث.

 

ورواه مسلم في كتاب السلام  ؛ باب السحر

  حدثنا أبو كريب. حدثنا ابن نمير عن هشام، عن أبيه، عن عائشة. قالت:
سحر رسول الله
r يهودي من يهود بني زريق. يقال له: لبيد بن الأعصم. قالت: حتى كان رسول الله r  يخيل إليه أنه يفعل الشيء، وما يفعله. حتى إذا كان ذات يوم، أو ذات ليلة، دعا رسول الله r. ثم دعا. ثم دعا. ثم قال "يا عائشة! أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه؟ جاءني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي. فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي، أو الذي عند رجلي للذي عند رأسي: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب. قال: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم. قال: في آي شيء؟ قال: في مشط ومشاطه. قال وجب طلعة ذكر. قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذي أروان". قالت: فأتاها رسول الله r في أناس من أصحابه. ثم قال "يا عائشة! والله! لكأن ماءها نقاعة الحناء. ولكأن نخلها رؤوس الشياطين".قالت فقلت: يا رسول الله! أفلا أحرقته؟ قال "لا. أما أنا فقد عافاني الله. وكرهت أن أثير على الناس شرا. فأمرت بها فدفنت".


 حدثنا أبو كريب. حدثنا أو أسامة. حدثنا هشام عن أبيه، عن عائشة. قالت:سحر رسول الله
r. وساق أبو كريب الحديث بقصته، نحو حديث ابن نمير. وقال فيه: فذهب رسول الله r  إلى البئر. فنظر إليها وعليها نخل. وقالت: قلت: يا رسول الله! فأخرجه. ولم يقل: أفلا أحرقته؟ ولم يذكر" فأمرت بها فدفنت".

 

*** ولتنبح كلاب الغدر حتى الصعر...فقافلة الإيمان تمر ، نور الحق يفتح طريقها ، وترتيل القرآن يحدوها، وسيوف الرجال الأوفياء الذين ( صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ )  تحميها ... من طال لسانه قصروه فأخرصوه ، ومن مد يده ضربوا عنقه فأسكتوه...

لكن ... كلما ازداد دين الله الذي ارتضاه لعباده المؤمنين عزا وسؤددا ، سعِّرت نيرانُ بغض المبغضين تشوي أفئدتهم الفاسدة .. وتزج بهم إلى ما لا عاقبة له إلا الدرك الأسفل من لظى، تلكم النزاعة للشوى ... ورغم كونهم كلما  أشعلوا نارا لم يحرقوا بها إلا أنفسهم ، كانت

 

المناورة التاسعة...

 

قال القاضي عياض في " الشفا بتعريف حقوق المصطفى"

ومن مشهور ذلك خبر عامر بن الطفيل ، وأربد بن قيس ـ حين وفدا على النبي r، وكان عامر قال له : أنا أشغل عنك وجه محمد فاضربه أنت . فلم يره فعل شئياً ، فلما كلمه في ذلك قال له : والله ما هممت أن أضربه إلا وجدتك بيني و بينه ، أفأضربك ؟...

 

  وقال ابن كثير في  "البداية والنهاية  " :

وفد بني عامر وقصة عامر بن الطفيل واربد بن مقيس

 قال ابن اسحاق وقدم على رسول الله r وفد بني عامر بن الطفيل وأربد بن مقيس ابن جزء بن جعفر بن خالد وجبار بن سلمى بن مالك بن جعفر وكان هؤلاء الثلاثة رؤساء القوم وشياطينهم وقدم عامر بن الطفيل عدو الله على رسول الله r وهو يريد الغدر به وقد قال له قومه يا أبا عامر: ان الناس قد اسلموا فاسلم.. قال: والله لقد كنت آليت ألا أنتهي حتى تتبع العرب عقبي، فأنا أتبع عقب هذا الفتى من قريش؟ ثم قال لاربد: ان قدمنا على الرجل فاني سأشغل عنك وجهه فاذا فعلت ذلك فأعله بالسيف ...فلما قدموا على رسول الله r  قال عامر بن الطفيل: يا محمد خالني ..قال: لا والله حتى تؤمن بالله وحده... قال: يا محمد خالني.. قال وجعل يكلمه وينتظر من أربد ما كان أمره به فجعل أربد لا يحير شيئا فلما رأى عامر ما يصنع أربد قال : يا محمد خالني .. قال لا حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له فلما أبى عليه رسول الله r ؛ قال: أما والله لاملأنها عليك خيلا ورجالا... فلما ولى قال رسول الله r :اللهم اكفني عامر بن الطفيل فلما خرجوا من عند رسول الله r قال عامر بن الطفيل لأربد: أين ما كنت أمرتك به ؟ والله ما كان على ظهر الارض رجل أخوف على نفسي منك ، وأيم الله لا أخافك بعد اليوم أبدا... قال : لا أبالك ، لا تعجل علي،  والله ما هممت بالذي أمرتني به إلا دخلت بيني وبين الرجل حتى ما أرى غيرك.. أفأضربك بالسيف؟؟ وخرجوا راجعين إلى بلادهم حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله عز وجل على عامر بن الطفيل الطاعون في عنقه فقتله الله في بيت امرأة من بني سلول فجعل يقول: يا بني عامر أغدة كغدة البكر في بيت امرأة من بني سلول ؟- قال ابن هشام ويقال أغدة كغدة الابل وموت في بيت سلولية ؟

-وروى الحافظ البيهقي من طريق الزبير بن بكار حدثتني فاطمة بنت عبد العزيز بن موءلة عن أبيها عن جدها موءلة بن جميل قال أتى عامر بن الطفيل رسول الله r فقال له: يا عامر أسلم ..فقال: أسلم على أن لي الوبر ولك المدر.. قال : لا ثم قال أسلم ...فقال : أسلم على أن لي الوبر ولك المدر.. قال: لا... فولى وهو يقول: والله يا محمد لأملأنها عليك خيلا جردا ورجالا مردا ولاربطن بكل نخلة فرسا.. فقال رسول الله r :اللهم اكفني عامرا وأهد قومه ...فخرج حتى إذا كان بظهر المدينة صادف امرأة من قومه يقال لها سلولية فنزل عن فرسه ونام في بيتها فاخذته غدة في حلقه فوثب على فرسه وأخذ رمحه وأقبل يجول وهو يقول غدة كغدة البكر وموت في بيت سلولية فلم تزل تلك حاله حتى سقط عن فرسه ميتا ..

وذكر الحافظ أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب في اسماء الصحابة موءلة هذا فقال هو موءلة بن كثيف الضبابي الكلابي العامري من بني عامر بن صعصعة أتى رسول الله r وهو ابن عشرين سنة فاسلم وعاش في الاسلام مائة سنة وكان يدعى ذا اللسانين من فصاحته روى عنه ابنه عبد العزيز وهو الذي روى قصة عامر بن الطفيل غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية

قال الزبير بن بكار حدثتني ظميا بنت عبد العزيز بن موءلة بن كثيف بن جميل بن خالد بن عمرو بن معاوية وهو الضباب بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة قالت حدثني أبي عن أبيه عن موءلة أنه أتى رسول الله    r فاسلم وهو ابن عشرين سنة وبايع رسول الله r ومسح يمينه وساق أبله إلى رسول الله r فصدقها بنت لبون ثم صحب أبا هريرة بعد رسول الله r وعاش في الاسلام مائة سنة وكان يسمى ذا اللسانين من فصاحته قلت والظاهر أن قصة عامر بن الطفيل متقدمة على الفتح وإن كان ابن اسحاق والبيهقي قد ذكرها بعد الفتح وذلك لما رواه الحافظ البيهقي عن الحاكم عن الاصم أنبأنا محمد بن اسحاق أنبأنا معاوية بن عمرو ثنا أبو اسحاق الفزاري عن الاوزاعي عن اسحاق بن عبد الله بن ابي طلحة عن أنس في قصة بئر معونة وقتل عامر بن الطفيل حرام بن ملحان خال أنس بن مالك وغدره باصحاب بئر معونة حتى قتلوا عن آخرهم سوى عمرو بن أمية كما تقدم قال الاوزاعي قال يحيى فمكث رسول الله rيدعو على عامر بن الطفيل ثلاثين صباحا : اللهم اكفني عامر بن الطفيل بما شئت وابعث عليه ما يقتله ..فبعث الله عليه الطاعون وروى عن همام عن اسحاق ابن عبد الله عن أنس في قصة ابن ملحان قال وكان عامر بن الطفيل قد أتى رسول الله r فقال أخيرك بين ثلاث خصال يكون لك أهل السهل ويكون لي أهل الوبر وأكون خليفتك من بعدك أو أغزوك بغطفان بالف اشقر والف شقراء قال فطعن في بيت امرأة فقال غدة كغدة البعير وموت في بيت امرأة من بني فلان ائتوني بفرسي فركب فمات على ظهر فرسه

قال ابن اسحاق ثم خرج أصحابه حين رأوه حتى قدموا أرض بني عامر شاتين فلما قدموا أتاهم قومهم فقالوا وما وراءك يا أربد قال لا شيء والله لقد دعانا إلى عبادة شيء لوددت لو أنه عندي الآن فأرميه بالنبل حتى أقتله الآن فخرج بعد مقالته بيوم أو يومين معه جمل له يبيعه فارسل الله عليه وعلى جمله صاعقة فاحرقتهما قال ابن اسحاق وكان أربد بن قيس أخا لبيد بن ربيعة لامه فقال لبيد يبكي أربد

ما أن تعرى المنون مـــن أحد       *      لا والد مشفق ولا ولــــد

اخشى على أربــد الحتوف ولا       *      أرهب نوء السماك  والأســد

فعين هلا بكيت أربــــد إذ        *     قمنا وقام النساء في كبــــد

إن يشغبوا لا يبـــال شغبهم         *      أو يقصدوا في الحكوم  يقتصـد

حلو أريب وفي حلاوتــــه         *     مر لصيق الاحشاء والكبـــد

وعين  هلا بكيت أربـــد إذ         *     ألوت ريــاح  الشتاء  بالعضد

وأصبحت  لاقحـــا مصرمة         *     حتى تجلت  غوابر  المــــدد

اشجع من ليث غابة لحـــم          *    ذو نهمة  في العــــلا ومنتقد

لا تبلغ العين كــــل نهمتها        *     ليلة تمسي الجياد كالفــــدد

الباعث النــــوح  في مآتمه        *    مثل الظباء الأبكار بالجــــرد

فجعني البرق والصواعق بالفــا       *    رس يـوم الكريهـة النجـــد

والحارب  الجابــر الحريب إذا        *    جــــاء نكيبا وإن يعد يعـد

يعفو على الجهد والسؤال كمـا        *     ينبت غيث الربيع   ذو الرصـد

كــــل  بني حرة مصيرهم         *     قـــل  وإن كثروا من العـدد

إن يغبطــوا يهبطــوا  وإن         *    أمروا يوما  فهم  للهلاك والنفـد

وقد روى ابن اسحاق عن لبيد أشعارا كثيرة في رثاء أخيه لأمه أربد بن قيس تركناها إختصارا واكتفاء بما أوردناه والله الموفق للصواب

قال ابن هشام وذكر زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال فانزل الله عز وجل في عامر وأربد قوله تعالى :   (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الارحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار له معقبات من بين يده ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ) يعني محمدا r ثم ذكر أربد وقتله ، فقال الله تعالى :( وإذا اراد الله بقوم سوءا فلا مرد له ومالهم من دونه من وال هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشىء السحاب الثقال ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال)

... وقد وقع لنا إسناد ما علقه ابن هشام رحمه الله فروينا من طريق الحافظ أبي القاسم سليمان بن احمد الطبراني في معجمه الكبير حيث قال حدثنا مسعدة بن سعد العطار حدثنا ابراهيم بن المنذر الحزامي حدثني عبد العزيز بن عمران حدثني عبد الرحمن وعبد الله ابنا زيد بن أسلم عن أبيهما عن عطاء بن يسار عن ابن عباس أن أربد بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر بن كلاب وعامر بن الطفيل بن مالك قدما المدينة على رسول الله  rفانتهيا اليه وهو جالس فجلسا بين يديه فقال عامر بن الطفيل يا محمد ما تجعل لي إن اسلمت فقال رسول الله r مالك ما للمسلمين وعليك ما عليهم قال عامر أتجعل لي الأمر إن اسلمت من بعدك فقال رسول الله r ليس ذلك لك ولا لقومك ولكن لك أعنة الخيل قال أنا الآن في أعنة خيل نجد اجعل لي الوبر ولك المدر قال رسول الله r  لا ...فلما قفا من عنده قال عامر أما والله لاملأنها عليك خيلا ورجالا فقال رسول الله r:يمنعك الله فلما خرج أربد وعامر قال عامر يا أربد أنا اشغل محمدا بالحديث فاضربه بالسيف فان الناس اذا قتلت محمدا لم يزيدوا على أن يرضوا بالدية ويكرهوا الحرب فسنعطيهم الدية قال أربد أفعل فأقبلا راجعين اليه فقال عامر يا محمد قم معي أكلمك فقام معه رسول الله r فخليا الى الجدار ووقف معه رسول الله يكلمه وسل أربد السيف فلما وضع يده على السيف يبست يده على قائم السيف فلم يستطع سل السيف فابطأ أربد على عامر بالضرب فالتفت رسول الله r فرأى أربد وما ينصع فانصرف عنهما فلما خرج أربد وعامر من عند رسول الله r حتى اذا كانا بالحرة حرة وارقم نزلا فخرج اليهما سعد بن معاذ وأسيد بن الحضير فقالا اشخصا يا عدوا الله لعنكما الله فقال عامر من هذا يا سعد قال أسيد بن حضير الكتائب فخرجا حتى اذا كانا بالرقم أرسل الله على أربد صاعقة فقتلته وخرج عامر حتى اذا كان بالحرة أرسل الله قرحة فاخذته فادركه الليل في بيت امرأة من بني سلول فجعل يمس قرحته في حلقه ويقول غدة كغدة الجمل في بيت سلولية يرغب عن أن يموت في بيتها ثم ركب فرسه فاحضرها حتى مات عليه راجعا فانزل الله فيهما الله يعلم ما تحمل كل انثى وما تغيض الارحام وما تزداد إلى قوله له معقبات من بين يديه ومن خلفه يعني محمدا r ثم ذكر أربد وما قتله به فقال ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء الآية وفي هذا السياق دلالة على ما تقدم من قصة عامر وأربد وذلك لذكر سعد بن معاذ فيه والله أعلم...  اهـ

 

وقال رحمه الله في التفسير

وقد روي في سبب نزول قوله تعالى ﴿ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ * هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ *وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ * ﴾ ( الرعد 11-13 )

ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا إسحاق, حدثنا علي بن أبي سارة الشيباني, حدثنا ثابت عن أنس أن رسول الله  r بعث رجلاً مرة إلى رجل من فراعنة العرب, فقال: «اِذهب فادعه لي». قال: فذهب إليه فقال: يدعوك رسول الله r, فقال له: من رسول الله؟ وما الله؟أمن ذهب هو؟ أم من فضة هو؟ أم من نحاس هو ؟ قال: فرجع إلى رسول الله r فأخبره, فقال: يا رسول الله, قد أخبرتك أنه أعتى من ذلك, قال لي كذا وكذا, فقال لي: «ارجع إليه الثانية» فذهب فقال له مثلها, فرجع إلى رسول الله r فقال: يا رسول الله قد أخبرتك أنه أعتى من ذلك, فقال: «ارجع إليه فادعه» فرجع إليه الثالثة, قال: فأعاد عليه ذلك الكلام, فبينما هو يكلمه إذ بعث الله عز وجل سحابة حيال رأسه, فرعدت فوقعت منها صاعقة, فذهب بقحف رأسه, فأنزل الله عز وجل {ويرسل الصواعق} الاَية, ورواه ابن جرير من حديث علي بن أبي سارة به.

ورواه الحافظ أبو بكر البزار عن عبدة بن عبد الله عن يزيد بن هارون, عن ديلم بن غزوان, عن ثابت, عن أنس فذكر نحوه, وقال: حدثنا الحسن بن محمد, حدثنا عفان, حدثنا أبان بن يزيد, حدثنا أبو عمران الجوني عن عبد الرحمن بن صحار العبدي أنه بلغه أن النبي r بعثه إلى جبار يدعوه فقال: أرأيتم ربكم أذهب هو ؟ أم فضة هو ؟ أم لؤلؤ هو ؟ قال: فبينما هو يجادلهم إذ بعث الله سحابة فرعدت, فأرسل عليه صاعقة, فذهبت بقحف رأسه, ونزلت هذه الاَية. وقال أبو بكر بن عياش عن ليث بن أبي سليم, عن مجاهد قال: جاء يهودي فقال: يا محمد أخبرني عن ربك, من أي شيء هو ؟ من نحاس هو, أم من لؤلؤ أو ياقوت ؟ قال: فجاءت صاعقة فأخذته, وأنزل الله {ويرسل الصواعق} الاَية.

وقال قتادة: ذكر لنا أن رجلاً أنكر القرآن, وكذب النبي r فأرسل الله صاعقة فأهلكته, وأنزل الله {ويرسل الصواعق} الاَية, وذكروا في سبب نزولها قصة عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة, لما قدما على رسول الله r المدينة فسألاه أن يجعل لهما نصف الأمر, فأبى عليهما رسول الله r , فقال له عامر بن الطفيل ـ لعنه الله ـ: أما والله لأملأنها عليك خيلاً جرداً ورجالاً مرداً, فقال له رسول الله r : «يأبى الله عليك ذلك وأبناء قيلة» يعني الأنصار, ثم إنهما هما بالفتك برسول الله r فجعل أحدهما يخاطبه, والاَخر يستل سيفه ليقتله من ورائه, فحماه الله تعالى منهماوعصمه, فخرجا من المدينة فانطلقا في أحياء العرب يجمعان الناس لحربه عليه الصلاة والسلام, فأرسل الله على أربد سحابة فيها صاعقة فأحرقته, وأما عامر بن الطفيل, فأرسل الله عليه الطاعون فخرجت فيه غدة عظيمة, فجعل يقول: يا آل عامر غدة كغدة البكر, وموت في بيت سلولية, حتى ماتا لعنهما الله, وأنزل الله في مثل ذلك {ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله}, وفي ذلك يقول لبيد بن ربيعة أخو أربد يرثيه:

أخشى على أربد الحتوف ولا      أرهب نوء السماك والأسد

فجعني الرعد والصواعق بالــــفارس يوم الكريهة النجد

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا مسعدة بن سعيد العطار, حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي, حدثني عبد العزيز بن عمران, حدثني عبد الرحمن وعبد الله ابنا زيد بن أسلم عن أبيهما, عن عطاء بن يسار, عن ابن عباس أن أربد بن قيس بن جزء بن جليد بن جعفر بن كلاب, وعامر بن الطفيل بن مالك, قدما المدينة على رسول الله r, فانتهيا إليه وهو جالس فجلسا بين يديه, فقال عامر بن الطفيل: يا محمد, ما تجعل لي إن أسلمت ؟ فقال رسول الله r: «لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم». قال عامر بن الطفيل: أتجعل لي الأمر إن أسلمت من بعدك ؟ قال رسول الله r : «ليس ذلك لك ولا لقومك, ولكن لك أعنة الخيل» قال: أنا الاَن في أعنة خيل نجد, اجعل لي الوبر ولك المدر. قال رسول الله r : «لا», فلما قفلا من عنده قال عامر: أما والله لأملأنها عليك خيلاً ورجالاً, فقال له رسول الله r: «يمنعك الله», فلما خرج أربد وعامر, قال عامر: يا أربد, أنا أشغل عنك محمداً بالحديث فاضربه بالسيف, فإن الناس إذا قتلت محمداً لم يزيدوا على أن يرضوا بالدية ويكرهوا الحرب, فنعطيهم الدية. قال أربد: أفعل, فأقبلا راجعين إليه, فقال عامر: يا محمد قم معي أكلمك, فقام معه رسول الله r فجلسا إلى الجدار, ووقف معه رسول الله rيكلمه, وسل أربد السيف, فلما وضع يده على السيف يبست يده على قائم السيف, فلم يستطع سل السيف, فأبطأ أربد على عامر بالضرب, فالتفت رسول الله r فرأى أربد وما يصنع, فانصرف عنهما, فلما خرج عامر وأربد من عند رسول الله r حتى إذا كانا بالحرة ـ حرة راقم ـ نزلا, فخرج إليهما سعد بن معاذ وأسيد بن حضير, فقالا: اشخصا يا عدوي الله لعنكما الله, فقال عامر: من هذا يا سعد ؟ قال: هذا أسيد بن حضير الكتائب, فخرجا حتى إِذا كانا بالرقم, أرسل الله على أربد صاعقة فقتلته, وخرج عامر حتى إذا كان بالخريم أرسل الله قرحة فأخذته, فأدركه الليل في بيت امرأة من بني سلول, فجعل يمس قرحته في حلقة ويقول: غدة كغدة الجمل في بيت سلولية, ترغب أن يموت في بيتها, ثم ركب فرسه فأحضره حتى مات عليه راجعاً, فأنزل الله فيهما {الله يعلم ما تحمل كل أنثى ـ إلى قوله ـ وما لهم من دونه من وال} قال: المعقبات من أمر الله يحفظون محمداً r, ثم ذكر أربد وما قتله به, فقال {ويرسل الصواعق} الاَية.

وقوله {وهم يجادلون في ا لله} أي يشكون في عظمته, وأنه لا إله إلا هو, {وهو شديد المحال} قال ابن جرير: شديدة مما حلته في عقوبة من طغى عليه, وعتا وتمادى في كفره, وهذه الاَية شبيهة بقوله: {ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون * فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين}, وعن علي رضي الله عنه {وهو شديد المحال} أي شديد الأخذ, وقال مجاهد: شديد القوة. اهـ

 

وقال القرطبي في  " الجامع لأحكام القرآن "

الآيتان: 12 – 13من سورة الرعد

 {هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال، ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال}

قوله تعالى: "هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال" أي بالمطر. "السحاب" جمع، والواحدة سحابة، وسحب وسحائب في الجمع أيضا. "ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته" قد مضى في "البقرة" القول في الرعد والبرق والصواعق فلا معنى للإعادة؛ والمراد بالآية بيان كمال قدرته؛ وأن تأخير العقوبة ليس عن عجز؛ أي يربكم البرق في السماء خوفا للمسافر؛ فإنه يخاف أذاه لما ينال من المطر والهول والصواعق؛ قال الله تعالى: "أذى من مطر" [النساء: 102] وطمعا للحاضر أن يكون عقبه مطر وخصب؛ قال معناه قتادة ومجاهد وغيرهما. وقال الحسن: خوفا من صواعق البرق، وطمعا في غيثه المزيل للقحط. "وينشئ السحاب الثقال" قال مجاهد: أي بالماء. "ويسبح الرعد بحمده" من قال إن الرعد صوت السحاب فيجوز أن يسبح الرعد بدليل خلق الحياة فيه؛ ودليل، صحة هذا القول قوله: "والملائكة من خيفته" فلو كان الرعد ملكا لدخل في جملة الملائكة. ومن قال إنه ملك قال: معنى. "من خيفته" من خيفة الله؛ قاله الطبري وغيره. قال ابن عباس: إن الملائكة خائفون من الله ليس كخوف ابن آدم؛ لا يعرف واحدهم من على يمينه ومن على يساره، لا يشغلهم عن عبادة الله طعام ولا شراب؛ وعنه قال: الرعد ملك يسوق السحاب، وإن بخار الماء لفي نقرة إبهامه، وإنه موكل بالسحاب يصرفه حيث يؤمر، وإنه يسبح الله؛ فإذا سبح الرعد لم يبق ملك في السماء إلا رفع صوته بالتسبيح، فعندها ينزل القطر، وعنه أيضا كان إذا سمع صوت الرعد قال: سبحان الذي سبحت له. وروى مالك عن عامر بن عبدالله عن أبيه أنه كان إذا سمع صوت الرعد قال: سبحانه الذي يسح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، ثم يقول: إن هذا وعيد لأهل الأرض شديد. وقيل: إنه ملك جالس على كرسي بين السماء والأرض، وعن يمينه سبعون ألف ملك وعن يساره مثل ذلك؛ فإذا أقبل على يمينه وسبح سبح الجميع من خوف الله، وإذا أقبل على يساره وسبح سبح الجميع من خوف الله.

قوله تعالى: "ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء" ذكر الماوردي عن ابن عباس وعلي بن أبي طالب ومجاهد: نزلت في يهودي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني! من أي شيء ربك؛ أمن لؤلؤ أم من ياقوت؟ فجاءت صاعقة فأحرقته. وقيل: نزلت في بعض كفار العرب؛ قال الحسن: (كان رجل من طواغيت العرب بعث النبي r نفرا يدعونه إلى الله ورسوله والإسلام فقال لهم: أخبروني عن رب محمد ما هو، ومم هو، أمن فضة أم من حديد أم نحاس؟ فاستعظم القوم مقالته؛ فقال: أجيب محمدا إلى رب لا يعرفه !؟ فبعث النبي r إليه مرارا وهو يقول مثل هذا؛ فبينا النفر ينازعونه ويدعونه إذ ارتفعت سحابة فكانت فوق رؤوسهم، فرعدت وأبرقت ورمت بصاعقة، فأحرقت الكافر وهم جلوس؛ فرجعوا إلى النبي r فاستقبلهم بعض أصحاب رسول الله r، فقالوا: أحترق صاحبكم، فقالوا: من أين علمتم؟ قالوا: أوحى الله إلى النبي r. "ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء". ذكره الثعلبي عن الحسن؛ والقشيري بمعناه عن أنس، وسيأتي. وقيل: نزلت الآية في أربد بن ربيعة أخي لبيد بن ربيعة، وفي عامر بن الطفيل؛ قال ابن عباس: أقبل عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة العامريان يريدان النبي r وهو في المسجد جالس في نفر من أصحابه، فدخلا المسجد، فاستشرف الناس لجمال عامر وكان أعور، وكان من أجمل الناس؛ فقال رجل من أصحاب النبي r : هذا يا رسول الله عامر بن الطفيل قد أقبل نحوك؛ فقال: دعه فإن يرد الله به خيرا يهده... فأقبل حتى قام عليه فقال؛ يا محمد مالي إن أسلمت؟ فقال: لك ما للمسلمين وعليك ما على المسلمين... قال: أتجعل لي الأمر من بعدك؟ قال: ليس ذاك إلي إنما ذلك إلى الله يجعله حيث يشاء. قال: أفتجعلني على الوبر وأنت على المدر؟ قال: (لا). قال: فما تجعل لي؟ قال: (أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها في سبيل الله). قال: أو ليس لي أعنة الخيل اليوم؟ قم معي أكلمك، فقام معه رسول الله r ، وكان عامر أومأ إلى أربد: إذا رأيتني أكلمه فدر من خلفه واضربه بالسيف، فجعل يخاصم النبي r ويراجعه؛ فاخترط أربد من سيفه شبرا ثم حبسه الله، فلم يقدر على سله، ويبست يده على سيفه؛ وأرسل الله عليه صاعقة في يوم صائف صاح فأحرقته؛ وولى عامر هاربا وقال: يا محمد! دعوت ربك على أربد حتى قتلته؛ والله لأملأنها عليك خيلا جردا، وفتيانا مردا؛ فقال عليه السلام: يمنعك الله من ذلك وأبناء قيلة... يعني الأوس والخزرج؛ فنزل عامر بيت امرأة سلولية؛ وأصبح وهو يقول: والله لئن أصحر لي محمد وصاحبه - يريد ملك الموت - لأنفذتهما برمحي؛ فأرسل الله ملكا فلطمه بجناحه فأذراه في التراب؛ وخرجت على ركبته غدة عظيمة في الوقت؛ فعاد إلى بيت السلولية وهو يقول: غدة كغدة البعير، وموت في بيت سلولية؛ ثم ركب على فرسه فمات على ظهره. ورثى لبيد بن ربيعة أخاه أربد فقال:

يا عين هلا بكيت أربد إذ قمـــ ـنا وقام الخصوم في كبـد

أخشى على أربد الحتوف ولا         أرهب نوء السماك والأسد

فجعني الرعد والصواعق بالـــــفا رس يوم الكريهة النجد

وفيه قال:

إن الرزية لا رزية مثلها فقــــدان كل أخ كضوء الكوكب

يا أربد الخير الكريم جدوده           أفردتني أمشي بقرن أعضب

وأسلم لبيد بعد ذلك رضي الله عنه.

مسألة: روى أبان عن أنس قال قال رسول الله r : (لا تأخذ الصاعقة ذاكرا لله عز وجل). وقال أبو هريرة رضي الله عنه: (كان النبي r إذا سمع صوت الرعد يقول: سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته وهو على كل شيء قدير فإن أصابته صاعقة فعلي ديته). وذكر الخطيب من حديث سليمان بن علي بن عبدالله بن عباس عن أبيه عن جده قال: كنا مع عمر في سفر فأصابنا رعد وبرد، فقال لنا كعب: من قال حين يسمع الرعد: سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ثلاثا عوفي مما يكون في ذلك الرعد؛ ففعلنا فعوفينا؛ ثم لقيت عمر بن الخطاب رضى الله عنه فإذا بردة قد أصابت أنفه فأثرت به، فقلت: يا أمير المؤمنين ما هذا؟ قال بردة أصابت أنفي فأثرت، فقلت: إن كعبا حين سمع الرعد قال لنا: من قال حين يسمع الرعد سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ثلاثا عوفي مما يكون في ذلك الرعد؛ فقلنا فعوفينا؛ فقال عمر: أفلا قلتم لنا حتى نقولها؟   

قوله تعالى: " وهم يجادلون في الله " يعني جدال اليهودي حين سأل عن الله تعالى: من أي شيء هو؟ قال مجاهد. وقال ابن جريج: جدال أربد فيما همَّ به من قتل النبي r . ويجوز أن يكون، "وهم يجادلون في الله" حالا، ويجوز أن يكون منقطعا. وروى أنس (أن رسول الله r بعث إلى عظيم من المشركين يدعوه إلى الله عز وجل، فقال لرسول الله: أخبرني عن إلهك هذا؟ أهو من فضة أم من ذهب أم من نحاس؟ فاستعظم ذلك؛ فرجع إليه فأعلمه؛ فقال: ارجع إليه فادعه فرجع إليه وقد أصابته صاعقة، وعاد إلى رسول الله r وقد نزل: "وهم يجادلون في الله" "وهو شديد المحال" قال ابن الأعرابي: "المحال" المكر، والمكر من الله عز وجل التدبير بالحق. النحاس: المكر من الله إيصال المكروه إلى من يستحقه من حيث لا يشعر. وروى ابن اليزيدي عن أبي زيد "وهو شديد المحال" أي النقمة. وقال الأزهري: "المحال" أي القوة والشدة. والمحل: الشدة ؛ الميم أصلية، وما حلت فلانا محالا أي قاويته حتى يتبين أينا أشد. وقال أبو عبيد: "المحال" العقوبة والمكروه. وقال ابن عرفة: "المحال" الجدال؛ يقال: ما حل عن أمره أي جادل. وقال القتيبي: أي شديد الكيد؛ وأصله من الحيلة، جعل ميمه كميم المكان؛ وأصله من الكون، ثم يقال: تمكنت. وقال الأزهري: غلط ابن قتيبة أن الميم فيه زائدة؛ بل هي أصلية، وإذا رأيت الحرف على مثال فعال أوله ميم مكسورة فهي أصلية؛ مثل: مهاد وملاك ومراس، وغير ذلك من الحروف. ومفعل إذا كانت من بنات الثلاثة فإنه يجيء بإظهار الواو مثل: مزود ومحول ومحور، وغيرها من الحروف؛ وقال: وقرأ الأعرج ـ "وهو شديد الَمحال" بفتح الميم؛ وجاء تفسيره على هذه القراءة عن ابن عباس أنه الحول، ذكر هذا كله أبو عبيد الهروي، إلا ما ذكرناه أولا عن ابن الأعرابي؛ وأقاويل الصحابة والتابعين بمعناها؛ وهي ثمانية: أولها: شديد العداوة، قاله ابن عباس. وثانيها: شديد الحول، قاله ابن عباس أيضا. وثالثها: شديد الأخذ، قال علي بن أبي طالب. ورابعها: شديد الحقد، قاله ابن عباس. وخامسها: شديد القوة، قال مجاهد. وسادسها: شديد الغضب، قاله وهب بن منبه. وسابعها: شديد الهلاك بالمحل، وهو القحط؛ قاله الحسن أيضا. وثامنها: شديد الحيلة؛ قاله قتادة. وقال أبو عبيدة معمر: المحال والمماحلة المماكرة والمغالبة ....

         

*** بزغ نور النبوة في مكة المكرمة حيث كان فجر الدين الحق ، ثم سطع في المدينة المنورة ومنها أخذ ينتشر في بلاد العرب ، فلم يرق ذلك كثيرا من ذوي النفوس المريضة الذين كانوا ، لسفاهتهم ، يرون في الإسلام قضاء على جاههم الزائف وغناهم الزائل … ومن هؤلاء فاطمة بنت ربيعة بن بدر أم قرفة التي خشيت ضياع مكانتها بين قومها وذهاب عزها ونفوذها ، وكانت

 

المناورة العاشرة...

 

 فجندت أم قرفة هذه بنيها وكانوا عصبة وضمت إليهم عصابة من المجرمين ملأت قوةُ شبابهم عينَها المقيتة ، وأمدت الجميع بالخيل الجياد والسلاح الحاد ، وكان من خطتها الشيطانية لقتل الرسول الكريم r أن تدخل الشرذمة الغاوية المدينة ليلا ، والناس نيام ...وظنت أن جنح الظلام كفيل بستر خطتها حتى التمام لتحقق ما أرادت وتفلح فيما رامت ...حتى تطفيء نار الحقد المستعرة في جوفها العفن ...

لكن الله تعالى أطلع رسولهr  على أمرها وكشف له عن مرادها ، فبعث إليها ، في عقر دارها وبين عشيرتها، سرية زيد بن حارثة رضي الله عنه ...

 

  قال الواقدي في كتاب المغازي

 -  سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى أُمّ قِرْفَةَ فِى رَمَضَانَ سَنَةَ سِتّ نَاحِيَةَ وَادِى الْقُرَى إلَى جَنْبِهَا.

 حَدّثَنِى أَبُو عَبْدِ اللّهِ مُحَمّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِىّ، قَالَ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِىّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ، قَالَ: خَرَجَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فِى تِجَارَةٍ إلَى الشّامِ، وَمَعَهُ بَضَائِعُ لأَصْحَابِ النّبِىّ r فَأَخَذَ خُصْيَتَىْ تَيْسٍ فَدَبَغَهُمَا ثُمّ جَعَلَ بَضَائِعَهُمْ فِيهِمَا، ثُمّ خَرَجَ حَتّى إذَا كَانَ دُونَ وَادِى الْقُرَى وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ لَقِيَهُ نَاسٌ مِنْ بَنِى فَزَارَةَ مِنْ بَنِى بَدْرٍ، فَضَرَبُوهُ وَضَرَبُوا أَصْحَابَهُ حَتّى ظَنّوا أَنْ قَدْ قُتِلُوا، وَأَخَذُوا مَا كَانَ مَعَهُ ثُمّ اسْتُبِلّ زَيْدٌ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى النّبِىّ r فَبَعَثَهُ فِى سَرِيّةٍ، فَقَالَ لَهُمْ: اُكْمُنُوا النّهَارَ وَسِيرُوا اللّيْلَ. فَخَرَجَ بِهِمْ دَلِيلٌ لَهُمْ وَنَذَرَتْ بِهِمْ بَنُو بَدْرٍ فَكَانُوا يَجْعَلُونَ نَاطُورًا لَهُمْ حِينَ يُصْبِحُونَ فَيَنْظُرُ عَلَى جَبَلٍ لَهُمْ مُشْرِفٍ وَجْهَ الطّرِيقِ الّذِى يَرَوْنَ أَنّهُمْ يَأْتُونَ مِنْهُ فَيَنْظُرُ قَدْرَ مَسِيرَةِ يَوْمٍ فَيَقُولُ اسْرَحُوا فَلا بَأْسَ عَلَيْكُمْ هَذِهِ لَيْلَتَكُمْ، فَلَمّا كَانَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَأَصْحَابُهُ عَلَى نَحْوِ مَسِيرَةِ لَيْلَةٍ أَخْطَأَ بِهِمْ دَلِيلُهُمْ الطّرِيقَ، فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقًا أُخْرَى حَتّى أَمْسَوْا وَهُمْ عَلَى خَطَأٍ فَعَرَفُوا خَطَأَهُمْ ثُمّ صَمَدُوا لَهُمْ فِى اللّيْلِ حَتّى صَبّحُوهُمْ، وَكَانَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ نَهَاهُمْ حَيْثُ انْتَهَوْا عَنْ   

الطلب ....

قَالَ: ثُمّ وَعَزَ إلَيْهِمْ أَلاّ يَفْتَرِقُوا، وَقَالَ: إذَا كَبّرْت فَكَبّرُوا، وَأَحَاطُوا بِالْحَاضِرِ ثُمّ كَبّرَ وَكَبّرُوا، فَخَرَجَ سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ فَطَلَبَ رَجُلاً مِنْهُمْ حَتّى قَتَلَهُ، وَقَدْ أَمْعَنَ فِى طَلَبِهِ وَأَخَذَ جَارِيَةَ بِنْتَ مَالِكِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَجَدَهَا فِى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهِمْ وَأُمّهَا أُمّ قِرْفَةَ وَأُمّ قِرْفَةَ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَبِيعَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَغَنِمُوا، وَأَقْبَلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَأَقْبَلَ سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ بِالْجَارِيَةِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنّبِىّ r فَذَكَرَ لَهُ جَمَالَهَا، فَقَالَ: يَا سَلَمَةُ مَا جَارِيَةٌ أَصَبْتهَا؟ قَالَ جَارِيَةٌ يَا رَسُولَ اللّهِ رَجَوْت أَنْ أَفْتَدِىَ بِهَا امْرَأَةً مِنّا مِنْ بَنِى فَزَارَةَ، فَأَعَادَ رَسُولُ اللّهِ r مَرّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا يَسْأَلُهُ :  مَا جَارِيَةٌ أَصَبْتهَا؟ حَتّى عَرَفَ سَلَمَةُ أَنّهُ يُرِيدُهَا فَوَهَبَهَا لَهُ فَوَهَبَهَا رَسُولُ اللّهِ r لِحَزْنِ بْنِ أَبِى وَهْبٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ امْرَأَةً لَيْسَ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ غَيْرُهَا.

فَحَدّثَنِى مُحَمّدٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: وَقَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مِنْ وَجْهِهِ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللّهِ r فِى بَيْتِى، فَأَتَى زَيْدٌ فَقَرَعَ الْبَابَ، فَقَامَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ r يَجُرّ ثَوْبَهُ عُرْيَانًا، مَا رَأَيْته عُرْيَانًا قَبْلَهَا، حَتّى اعْتَنَقَهُ وَقَبّلَهُ ثُمّ سَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ بِمَا ظَفّرَهُ اللّهُ.

   -  ذِكْرُ مَنْ قَتَلَ أُمّ قِرْفَةَ

قَتَلَهَا قَيْسُ بْنُ الْمُحَسّرِ قَتْلاً عَنِيفًا؛ رَبَطَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا حَبْلاً ثُمّ رَبَطَهَا بَيْنَ بَعِيرَيْنِ وَهِىَ عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ. وَقَتَلَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ مَسْعَدَةَ، وَقَتَلَ قَيْسَ بْنَ النّعْمَانِ بْنِ مَسْعَدَةَ ابْنِ حَكَمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ بَدْرٍ.

 

وقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ في كتاب السيرة النبوية :

    قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ آلَى أَنْ لَا يَمَسَّ رَأْسَهُ غُسْلٌ مِنْ جَنَابَةٍ حَتَّى يَغْزُوَ بَنِي فَزَارَةَ، فَلَمَّا اسْتَبَلَّ مِنْ جِرَاحَتِهِ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ r إلَى بَنِي فَزَارَةَ فِي جَيْشٍ، فَقَتَلَهُمْ بِوَادِي الْقُرَى، وَأَصَابَ فِيهِمْ، وَقَتَلَ قَيْسَ بْنَ الْمُسَحَّرِ الْيَعْمُرِيَّ مَسْعَدَةَ بْنَ حَكَمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَأُسِرَتْ أُمُّ قِرْفَةَ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَبِيعَةَ بْنِ بَدْرٍ، كَانَتْ عَجُوزًا كَبِيرَةٌ عِنْدَ مَالِكِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَبِنْتٌ لَهَا، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعَدَةَ، فَأَمَرَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ قَيْسَ بْنَ الْمُسَحَّرِ أَنْ يَقْتُلَ أُمَّ قِرْفَةَ، فَقَتَلَهَا قَتْلًا عَنِيفًا؛ ثُمَّ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r بِابْنَةِ أُمِّ قِرْفَةَ، وَبِابْنِ مَسْعَدَةَ.

 وَكَانَتْ بِنْتُ أُمِّ قِرْفَةَ لِسَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ، كَانَ هُوَ الَّذِي أَصَابَهَا، وَكَانَتْ فِي بَيْتِ شَرَفٍ مِنْ قَوْمِهَا؛ كَانَتْ الْعَرَبُ تَقُولُ: ( لَوْ كُنْتَ أَعَزَّ مِنْ أُمِّ قِرْفَةَ مَا زِدْتُ ). فَسَأَلَهَا رَسُولَ اللَّهِ r سَلَمَةُ، فَوَهَبَهَا لَهُ، فَأَهْدَاهَا لِخَالِهِ حَزْنَ بْنَ أَبِي وَهْبٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ حَزْنٍ.

 

*** أُسرت أم قرفة . ثم قُتلت.. وتجري الأيام ...ناس يدخلون في دين الله أفواجا يتولون الله ورسوله والذين آمنوا ، سعداء يكثرون حزب الله الغالب  ، وآخرون ينضوون تحت لواء ابليس أشقياء في ظلمات حزبه المغلوب ... وكانت 

 

المناورة الحادية عشرة...

 

باب سرية نجد يقال أنها كانت في المحرم سنة ست من الهجرة بعث فيها محمد بن مسلمة فجاء بسيد أهل اليمامة ثمامة بن أثال وما ظهر في أخذه وإسلامه من الآثار 

 أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ رحمه الله قال أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه قال أخبرنا أحمد بن إبراهيم هو ابن ملحان قال حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث قال حدثنا سعيد بن أبي سعيد أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول بعث رسول الله خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه رسول الله حتى كان بعد الغد فقال ما عندك يا ثمامة فقال عندي ما قلت لك أن تنعم تنعم على شاكر وأن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فقال رسول الله أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله يا محمد والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إلي من وجهك وقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي والله ما كان دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب الدين كله إلي والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي وإن خيلك أخذتني وأنا أريد  العمرة فماذا ترى فيسره رسول الله وأمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل صبأت يا ثمامة قال لا ولكني أسلمت مع رسول الله فوالله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله

 رواه البخاري في الصحيح عن عبد الله بن يوسف ورواه مسلم عن قتيبة كلاهما عن الليث وأخرجه مسلم أيضا من حديث عبد الحميد بن جعفر عن سعيد المقبري هكذا

 

 وخالفهما محمد بن إسحاق بن يسار عن المقبري في كيفية أخذه وذكر أولا من قبل نفسه أن ثمامة بن أثال كان رسول مسيلمة إلى رسول الله فدعا الله أن يمكنه منه

 ثم روى عن المقبري ما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو محمد بن موسى ابن الفضل قالا حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال حدثني سعيد المقبري عن أبي هريرة قال كان إسلام ثمامة بن أثال الحنفي أن رسول الله دعا الله حين عرض لرسول الله بما عرض له أن يمكنه الله منه وكان عرض له وهو مشرك فأراد قتله فأقبل ثمامة معتمرا وهو على شركه حتى دخل المدينة فتحير فيها حتى أخذ فأتي به رسول الله وهو مشرك فأمر به فربط إلى عمود من عمد المسجد فخرج عليه رسول الله فقال مالك يا ثمام هل أمكن الله منك فقال قد كان ذلك يا محمد أن تقتل تقتل ذا دم وأن تعف تعف عن شاكر وإن تسأل مالا تعطه ...  فمضى رسول الله وتركه حتى إذا كان الغد مر به فقال مالك يا ثمام فقال خيرا يا محمد إن تقتل تقتل ذا دم وأن تعف تعف عن شاكر وإن تسأل مالا تعطه ثم انصرف عنه رسول الله

 قال أبو هريرة فجعلنا المساكين نقول بيننا ما يصنع بدم ثمامة والله لأكلة من جزور سمينة من فدائه أحب إلينا من دم ثمامة

 فلما كان الغد مر به رسول الله فقال مالك يا ثمام فقال خيرا يا محمد أن تقتل تقتل ذا دم وإن تعف تعف عن شاكر وإن تسأل مالا تعطه فقال رسول الله عفوت عنك يا ثمام

 فخرج ثمامة حتى أتى حائطا من حيطان المدينة فاغتسل به وتطهر وطهر ثيابه ثم جاء رسول الله وهو جالس في المسجد في أصحابه فقال يا محمد والله لقد كنت وما وجه أبغض إلي من وجهك ولا دين أبغض إلي من دينك ولا بلد أبغض إلي من بلدك ثم لقد أصبحت وما وجه أحب إلي من وجهك ولا دين أحب إلي من دينك ولا بلد أحب إلي من بلدك وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله يا رسول الله إني كنت خرجت معمرا وأنا على دين قومي فيسرني في عمرتي فيسره رسول الله في عمرته وعلمه فخرج معتمرا

 فلما قدم مكة وسمعته قريش يتكلم بأمر محمد من الإسلام قالوا صبأ ثمامة فأغضبوه فقال إني والله ما صبوت ولكني أسلمت وصدقت محمدا وآمنت به وأيم الذي نفس ثمامة بيده لا تأتيكم حبة من اليمامة وكانت ريف مكة ما بقيت حتى يأذن فيها محمد وانصرف إلى بلده ومنع الحمل إلى مكة حتى جهدت قريش فكتبوا إلى رسول الله يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة يخلى حمل الطعام ففعل رسول الله

  

 وأخبرنا أبو طاهر الفقيه قال أخبرنا أبو حامد بن بلال قال حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا النفيلي قال حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق قال فأخبرني سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال أمر رسول الله يعني ثمامة فربط بعمود من عمد الحجرة ثلاث ليال فذكر الحديث بمعناه

 وهذه الرواية توهم أن يكون صدر الحديث في رواية يونس بن بكير من قول محمد بن إسحاق عن شيوخه ورواية الليث بن سعد ومن تابعه أصح في كيفية أخذه والذي روى في حديث محمد بن إسحاق من قول أبي هريرة وغيره في إرادة فدائه يدل على شهود أبي هريرة ذلك وأبو هريرة إنما قدم على النبي وهو بخيبر فيشبه أن يكون قصة ثمامة فيما بين خيبر وفتح مكة والله أعلم

 وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو قتيبة سلمة بن الفضل الأدمي بمكة قال حدثنا إبراهيم بن هاشم قال حدثنا محمد بن حميد الرازي قال حدثنا أبو ثميلة يحيى بن واصح قال حدثنا عبد المؤمن بن خالد الحنفي عن علباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس أن ابن أثال الحنفي لما أتى به النبي وهو أسير خلى سبيله فأسلم فلحق بمكة يعني ثم رجع فحال بين أهل مكة وبين الميرة من اليمامة حتى أكلت قريش العلهز فجاء أبو سفيان بن حرب إلى النبي فقال ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين قال بلى قال فقد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع فأنزل الله تبارك وتعالى (ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون) 

 

*** وتعدو الأيام وتجري الشهور ، والإسلام يزداد انتشارا ، وشوكة جنده تقوى وتزداد صلابة ... وياتي عام الفتح الأكبر بالعودة إلى مكة يسبقها دوي التهليل والتكبير ، والشكر لله العلي الكبير على ما أمد  به من نصر مؤزر جيوش الحق والنور ...

 لكن ، لا تزال على ظهر الأرض بقية من الناقمين الحاقدين تحترق أحشاؤهم غيظا، ويزج بهم إبليس اللعين في ظلمات الغي والغباء إلا من أراد الله به خيرا فأنقذه من مخاليبه وأنجاه من مكايده ... وكانت

 


المناورة الثانية عشرة...

قال ابن كثير في البداية والنهاية

 حدثني بعض أهل العلم أن فضالة بن عمير بن الملوح يعني الليثي أراد قتل النبي r وهو يطوف بالبيت عام الفتح فلما دنا منه قال رسول الله r : أفضالة ؟ قال: نعم.. فضالة ،  يا رسول الله.... قال: ماذا كنت تحدث به نفسك؟ قال : لا شيء.. كنت أذكر الله... قال فضحك النبي r ثم قال : استغفر الله ...ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه ؛ فكان فضالة يقول: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إلي منه.. قال فضالة فرجعت الى أهلي فمررت بامرأة كنت أتحدث اليها فقالت : هلم الى الحديث.. فقال:  لا .... وانبعث فضالة يقول

قالت هلم الى الحديث فقلت لا    *    يأبى عليك الله والاســـلام

أو ما رأيت محمدا وقبيلـــه    *    بالفتح يوم تكسر الأصنــام

لرأيت دين الله أضحى بينــا    *    والشرك يغشى وجهـه الاظلام

 

**** فسبحان من عصم عبده من مكر الماكرين وأنجاه من غدر الغتدرين ... وحفظه من شر الإنس والجن حتى بلغ رسالات ربه وترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ...ولن تعدم الأرض هلكى إلى يوم الدين...وذلك من دفع الناس بعضهم ببعض ... مجاهدون في سبيل الله همهم إعلاء كلمته ابتغاء ما عنده يواجهون محاربين في سبيل الطاغوت بغيتهم زرع الفساد في الأرض... وكانت

 

المناورة الثالثة عشرة...

- قال البيهقي أنبأ أبو عبد الله الحافظ ومحمد ابن موسى بن الفضل قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد بن بكير الحضرمي ثنا أبو ايوب بن جابر عن صدقة بن سعيد عن مصعب بن شيبة عن ابيه قال خرجت مع رسول الله  r يوم حنين والله ما أخرجني إسلام ولا معرفة به ولكن أبيت أن تظهر هوازن على قريش فقلت وأنا واقف معه يا رسول الله إني أرى خيلا بلقا... فقال: يا شيبة إنه لا يراها الا كافر ؛ فضرب يده في صدري ثم قال: اللهم أهد شيبة ... ثم ضربها الثانية فقال: اللهم أهد شيبة ... ثم ضربها الثالثة ثم قال: اللهم أهد شيبة... قال فوالله ما رفع يده عن صدري في الثالثة حتى ما كان أحد من خلق الله أحب الي منه ثم ذكر الحديث في التقاء الناس وانهزام المسلمين ونداء العباس واستنصار رسول الله r حتى هزم الله المشركين ..

-وقال البيهقي أنبأ أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو محمد أحمد عبد الله المزني ثنا يوسف بن موسى ثنا هشام بن خالد ثنا الوليد بن مسلم حدثني عبد الله بن المبارك عن أبي بكر الهذلي عن عكرمة مولى ابن عباس عن شيبة بن عثمان قال لما رأيت رسول الله rيوم حنين قد عرى ذكرت أبى وعمى وقتل على وحمزة اياهما فقلت اليوم ادرك ثأري من رسول الله rقال فذهبت لأجيئه عن يمينه فاذا بالعباس بن عبد المطلب قائم عليه درع بيضاء كأنها فضة ينكشف عنها العجاج فقلت عمه ولن يخذله قال ثم جئته عن يساره فاذا أنا بابي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب فقلت ابن عمه ولن يخذله قال ثم جئته من خلفه فلم يبق إلا أن أساوره سورة بالسيف إذ رفع شواظ من نار بيني وبينه كأنه برق فخفت أن يمحشني فوضعت يدي على بصري ومشيت القهقرى ؛ فالتفت رسول الله rوقال: يا شيب أدن مني.. اللهم اذهب عنه الشيطان... قال فرفعت اليه بصري ولهو احب الي من سمعي وبصري؛ فقال: يا شيب قاتل الكفار ...

-وقال ابن اسحاق وقال شيبة بن عثمان بن ابي طلحة اخو بني عبد الدار قلت اليوم أدرك ثأري وكان أبوه قد قتل يوم أحد اليوم أقتل محمدا قال فأدرت برسول الله r لأقتله فأقبل شيء حتى تغشى فؤادي فلم أطق ذاك وعلمت أنه ممنوع مني ........

 

*** أجل ...كان رسول الله ممنوعا من كل معتد أثيم لأن الباري عز وجل خاطبه بقوله الحق وهو الحق لاإله إلا هو:    ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ (المائدة : 67 )

 

قال الطبري رحمه الله

 

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَـَأَيّهَا الرّسُولُ بَلّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رّبّكَ وَإِن لّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ إِنّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }..

 

 هذا أمر من الله تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد r , بإبلاغ هؤلاء الـيهود والنصارى من أهل الكتابـين الذين قصّ الله تعالـى قصصهم فـي هذه السورة وذكر فـيها معايبهم وخبث أديانهم واجتراءهم علـى ربهم وتوثبهم علـى أنبـيائهم وتبديـلهم كتابه وتـحريفهم إياه ورداءة مطاعمهم ومآكلهم وسائر الـمشركين غيرهم, ما أنزل علـيه فـيهم من معايبهم والإزراء علـيهم والتقصير بهم والتهجين لهم, وما أمرهم به ونهاهم عنه, وأن لا يشعر نفسه حذرا منهم أن يصيبه فـي نفسه مكروه, ما قام فـيهم بأمر الله, ولا جزعا من كثرة عددهم وقلة عدد من معه, وأن لا يتقـى أحدا فـي ذات الله, فإن الله تعالـى كافـيه كلّ أحد من خـلقه, ودافعٌ عنه مكروه كل من يتقـي مكروهه. وأعلـمه تعالـى ذكره أنه إن قصر عن إبلاغ شيء مـما أنزل إلـيه إلـيهم, فهو فـي تركه تبلـيغ ذلك وإن قلّ ما لـم يبلغ منه, فهو فـي عظيـم ما ركب بذلك من الذنب بـمنزلته لو لـم يبلغ من تنزيـله شيئا.

وبـما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

* حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, في قوله تعالى (  يا أيّها الرّسُولُ بَلّغْ ما أُنْزِلَ إلَـيْكَ مِنْ رَبّكَ وَإنْ لَـمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رسالَتَهُ ) يعنـي: إن كتـمت آية مـما أنزل علـيك من ربك, لـم تبلغ رسالتـي.

* حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: يا أيّها الرّسُولُ بَلّغْ ما أُنْزِلَ إلَـيْكَ مِنْ رَبّكَ... الاَية, أخبر الله نبـيه r أنه سيكفـيه الناس ويعصمه منهم, وأمره بـالبلاغ. ذكِر لنا أن نبـيّ الله صr قـيـل له: لو احتـجبت فقال: «واللّهِ لأُبْدِيَنّ عَقِبـي للنّاسِ ما صَاحَبْتُهُمْ».

*حدثنـي الـحارث بن مـحمد, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا سفـيان الثوريّ, عن رجل, عن مـجاهد, قال: لـما نزلت:( بَلّغْ ما أُنْزِلَ إلَـيْكَ مِنْ رَبّكَ ) قال: «إنّـما أنا وَاحِدٌ, كَيْفَ أصْنَعُ؟ تَـجْتَـمِعُ علـيّ لناسُ» فنزلت: _ (وَإنْ لَـمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رسالَتَهُ)... الاَية.

* حدثنا هناد وابن وكيع, قالا: حدثنا جرير, عن ثعلبة, عن جعفر, عن سعيد بن جبـير, قال: لـمّا نزلت:( يا أيّها الرّسُولُ بَلّغْ ما أُنْزِلَ إلَـيْكَ مِنْ رَبّكَ وَإنْ لَـمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رسالَتَهُ واللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ )قال رسول الله r: «لا تَـحْرُسُونِـي إنّ رَبـيّ قَدْ عَصَمَنِـي».

* حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم وابن وكيع, قالا: حدثنا ابن عُلَـية, عن الـجريري, عن عبد الله بن شقـيق: أن رسول الله rكان يعتقبه ناس من أصحابه, فلـما نزلت:( وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ )خرج فقال: « يا أيّها النّاسُ الْـحَقُوا بِـمَلاحِقِكُمْ, فإنّ اللّهَ قَدْ عَصَمَنِـي مِنَ النّاسِ».

*حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, عن عاصم بن مـحمد, عن مـحمد بن كعب القرظي, قال: كان النبـيّ r يتـحارسه أصحابه, فأنزل الله:( يا أيّها الرّسُولُ بَلّغْ ما أُنْزِلَ إلَـيْكَ مِنْ رَبّكَ وَإنْ لَـمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رَسالَتَهُ) ... إلـى آخرها.

* حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا مسلـم بن إبراهيـم, قال: حدثنا الـحارث بن عبـيدة أبو قدامة الإيادي, قال: حدثنا سعيد الـجريري, عن عبد الله بن شقـيق, عن عائشة, قالت: كان النبـيّ r يُحرس, حتـى نزلت هذه الاَية:( وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ )قالت: فأخرج النبـيّ r رأسه من القبة, فقال: «أيّها النّاسُ انْصَرِفُوا, فإنّ اللّهَ قَدْ عَصَمَنِـي».

* حدثنا عمرو بن عبد الـحميد, قال: حدثنا سفـيان, عن عاصم, عن القرظي: أن رسول الله r ما زال يحرس حتـى أنزل الله:  (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ. )

واختلف أهل التأويـل فـي السبب الذي من أجله نزلت هذه الاَية, فقال بعضهم: نزلت بسب أعرابـيّ كان همّ بقتل رسول الله r , فكفـاه الله إياه. ذكر من قال ذلك:

* حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا أبو معشر, عن مـحمد بن كعب القرظي وغيره, قال: كان رسول الله r إذا نزل منزلاً اختار له أصحابه شجرة ظلـيـلة, فـيقـيـل تـحتها, فأتاه أعرابـي, فـاخترط سيفه ثم قال: من يـمنعك منـي؟ قال: «الله». فرعدت يد الأعرابـي, وسقط السيف منه. قال: وضرب برأسه الشجرة حتـى انتثر دماغه, فأنزل الله: ( وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ.)

وقال آخرون: بل نزلت لأنه كان يخاف قريشا, فأومن من ذلك. ذكر من قال ذلك:

*  حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: كان النبـيّ r يهاب قريشا, فلـما نزلت: وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ استلقـى ثم قال: «مَنْ شاءَ فَلْـيَخْذُلْنِـي» مرّتـين أو ثلاثا.

* حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, عن أبـي خالد, عن عامر, عن مسروق, قال: قالت عائشة: من حدّثك أن رسول الله rكتـم شيئا من الوحي فقد كذب. ثم قرأت: «يا أيّها الرّسُولُ بَلّغْ ما أُنْزِلَ إلَـيْكَ ... الاَية.

حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن الـمغيرة, عن الشعبـيّ, قال: قالت عائشة: من قال إن مـحمدا r كتـم فقد كذب وأعظم الفرية علـى الله, قال الله: يا أيّها الرّسُولُ بَلّغْ ما أُنْزِلَ إلَـيْكَ مِنْ رَبّكَ... الاَية.

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, قال: أخبرنا داود بن أبـي هند, عن الشعبـيّ, عن مسروق, قال: قال عائشة: من زعم أن مـحمدا rكتـم شيئا من كتاب الله فقد أعظم علـى الله الفرية, والله يقول: يا أيّها الرّسُولُ بَلّغْ ما أُنْزِلَ إلَـيْكَ مِنْ رَبّك... الاَية.

حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي اللـيث, قال: ثنـي خالد, عن سعيد بن أبـي هلال, عن مـحمد بن الـحميـم, عن مسروق بن الأجدع, قال: دخـلت علـى عائشة يوما, فسمعتها تقول: لقد أعظم الفرية من قال: إن مـحمدا كتـم شيئا من الوحي, والله يقول: يا أيّها الرّسُولُ بَلّغْ ما أنْزِلَ إلَـيْكَ مِنْ رَبّكَ.

ويعنـي بقوله: وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ: يـمنعك من أن ينالوك بسوء, وأصله من عصام القربة, وهو ما توكأ به من سير وخيط, ومنه قول الشاعر:

                   وَقُلْتُ عَلَـيْكُمْ مالِكا إنّ مالِكا         سيَعْصِمُكْم إنْ كانَ فِـي النّاسِ عاصِمُ

يعنـي: يـمنعكم. وأما قوله:( إنّ اللّهَ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الكافِرِينَ) فإنه يعنـي: إن الله لا يوفق للرشد من حاد عن سبـيـل الـحقّ وجار عن قصد السبـيـل وجحد ما جئته به من عند الله, ولـم ينته إلـى أمر الله وطاعته فـيـما فرض علـيه وأوجبه.

 

وقال ابن كثير رحمه الله

 

يقول تعالى مخاطباً عبده ورسوله محمداً r باسم الرسالة, وآمراً له بإبلاغ جميع ما أرسله الله به, وقد امتثل عليه أفضل الصلاة والسلام ذلك, وقام به أتم القيام, قال البخاري عند تفسير هذه الاَية: حدثنا محمد بن يوسف, حدثنا سفيان عن إسماعيل, عن الشعبي عن مسروق, عن عائشة رضي الله عنها, قالت: من حدثك أن محمداً كتم شيئاً مما أنزل الله عليه فقد كذب, الله يقول {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} الاَية, هكذا رواه هاهنا مختصراً وقد أخرجه في مواضع من صحيحه مطولاً, وكذا رواه مسلم في كتابي الإيمان, والترمذي والنسائي في كتاب التفسير من سننهما من طرق عن عامر الشعبي, عن مسروق بن الأجدع, عنها رضي الله عنها, وفي الصحيحين عنها أيضاً أنها قالت: لو كان محمداً r كاتماً شيئاً من القرآن لكتم هذه الاَية {وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه}.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن منصور الرمادي: حدثنا سعيد بن سليمان, حدثنا عباد عن هارون بن عنترة, عن أبيه قال: كنا عند ابن عباس, فجاء رجل فقال له: إن ناساً يأتونا فيخبروننا أن عندكم شيئاً لم يبده رسول الله r للناس فقال ابن عباس: ألم تعلم أن الله تعالى قال: {يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك} والله ما ورثنا رسول الله r سوداء في بيضاء, وهذا إسناد جيد, وهكذا في صحيح البخاري من رواية أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي قال: قلت لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: هل عندكم شيء من الوحي مما ليس في القرآن ؟ فقال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة, إلا فهماً يعطيه الله رجلاً في القرآن وما في هذه الصحيفة, قلت: وما في هذه الصحيفة ؟ قال: العقل, وفكاك الأسير, وأن لا يقتل مسلم بكافر.

وقال البخاري: قال الزهري: من الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم, وقد شهدت له أمته بإبلاغ الرسالة وأداء الأمانة, واستنطقهم بذلك في أعظم المحافل في خطبته يوم حجة الوداع, وقد كان هناك من أصحابه نحو من أربعين ألفاً, كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله r قال في خطبته يومئذ «أيها الناس إنكم مسؤولون عني, فما أنتم قائلون ؟» قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت, فجعل يرفع أصبعه إلى السماء وينكسها إليهم ويقول «اللهم هل بلغت» ؟. قال الإمام أحمد: حدثنا ابن نمير, حدثنا فضيل يعني ابن غزوان, عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: قال رسول الله r في حجة الوداع. «يا أيها الناس، أي يوم هذا ؟ »قالوا: يوم حرام, قال: أي بلد هذا ؟ قالوا: بلد حرام, قال: أي شهر هذا ؟ قالوا: شهر حرام, قال: «فإن أموالكم ودماءكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا, في بلدكم هذا, في شهركم هذا» ثم أعادها مراراً, ثم رفع أصبعه إلى السماء فقال «اللهم هل بلغت ؟» مراراً. قال: يقول ابن عباس: والله لوصية إلى ربه عز وجل, ثم قال «ألا فليبلغ الشاهد الغائب: لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض» وقد روى البخاري عن علي بن المديني, عن يحيى بن سعيد, عن فضيل بن غزوان به نحوه.

وقوله تعالى: {وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} يعني وإن لم تؤد إلى الناس ما أرسلتك به, فما بلغت رسالته, أي وقد علم ما يترتب على ذلك لو وقع وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} يعني إن كتمت آية مما أنزل إليك من ربك لم تبلغ رسالته, قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا قبيصة بن عقبة, حدثنا سفيان عن رجل, عن مجاهد قال: لما نزلت {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} قال: يا رب, كيف أصنع وأنا وحدي يجتمعون عليّ ؟ فنزلت {وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} ورواه ابن جرير من طريق سفيان وهو الثوري به.

وقوله تعالى: {والله يعصمك من الناس} أي بلغ أنت رسالتي وأنا حافظك وناصرك ومؤيدك على أعدائك ومظفرك بهم, فلا تخف ولا تحزن فلن يصل أحد منهم إليك بسوء يؤذيك, وقد كان النبي r قبل نزول هذه الاَية يحرس, كما قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد, حدثنا يحيى قال: سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة يحدث أن عائشة رضي الله عنها كانت تحدث أن رسول الله r سهر ذات ليلة وهي إلى جنبه قالت: فقلت ما شأنك يا رسول الله ؟ قال «ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة» قالت: فبينا أنا على ذلك, إذ سمعت صوت السلاح, فقال «من هذا ؟» فقال: أنا سعد بن مالك. فقال: «ما جاء بك ؟» قال: جئت لأحرسك يا رسول الله. قالت:فسمعت غطيط رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومه, أخرجاه في الصحيحين من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري به, وفي لفظ: سهر رسول الله r ذات ليلة مقدمه المدينة يعني على أثر هجرته بعد دخوله بعائشة رضي الله عنها, وكان ذلك في سنة ثنتين منها.

- وقال ابن أبي حاتم: حدثنا إبراهيم بن مرزوق البصري, نزيل مصر, حدثنا مسلم بن إبراهيم, حدثنا الحارث بن عبيد يعني أبا قدامة عن الجريري, عن عبد الله بن شقيق, عن عائشة قالت: كان النبي r يحرس حتى نزلت هذه الاَية {والله يعصمك من الناس} قالت: فأخرج النبي r رأسه من القبة وقال «يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله عز وجل» وهكذا رواه الترمذي عن عبد بن حميد, وعن نصر بن علي الجهضمي, كلاهما عن مسلم بن إبراهيم به, ثم قال: وهذا حديث غريب, وهكذا رواه ابن جرير والحاكم في مستدركه من طريق مسلم بن إبراهيم به, قال الحاكم: صحيح الإسناد, ولم يخرجاه, وكذا رواه سعيد بن منصور عن الحارث بن عبيد أبي قدامة عن الجريري, عن عبد الله بن شقيق, عن عائشة به, ثم قال الترمذي: وقد روى بعضهم هذا عن الجريري عن ابن شقيق, قال: كان النبي r يحرس حتى نزلت هذه الاَية, ولم يذكر عائشة. قلت: هكذا رواه ابن جرير من طريق إسماعيل بن علية, وابن مردويه من طريق وهيب, كلاهما عن الجريري عن عبد الله بن شقيق مرسلاً, وقد روى هذا مرسلا عن سعيد بن جبير ومحمد بن كعب القرظي, رواهما ابن جرير, والربيع بن أنس, رواه ابن مردويه, ثم قال: حدثنا سليمان بن أحمد, حدثنا أحمد بن رشدين المصري, حدثنا خالد بن عبد السلام الصدفي, حدثنا الفضل بن المختار عن عبد الله بن موهب, عن عصمة بن مالك الخظمي قال: كنا نحرس رسول الله r بالليل. حتى نزلت {والله يعصمك من الناس} فترك الحرس, حدثنا سليمان بن أحمد, حدثنا حمد بن محمد بن حمد أبو نصر الكاتب البغدادي, حدثنا كردوس بن محمد الواسطي,

-حدثنا يعلى بن عبد الرحمن عن فضيل بن مرزوق عن عطية, عن أبي سعيد الخدري, قال: كان العباس عم رسول الله r فيمن يحرسه, فلما نزلت هذه الاَية {والله يعصمك من الناس} ترك رسول الله r الحرس.

-حدثنا علي بن أبي حامد المديني, حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد, حدثنا محمد بن مفضل بن إبراهيم الأشعري, حدثنا أبي, حدثنا محمد بن معاوية بن عمار, حدثنا أبي قال: سمعت أبا الزبير المكي يحدث عن جابر بن عبد الله, قال: كان رسول الله r إذا خرج بعث معه أبو طالب من يكلؤه حتى نزلت {والله يعصمك من الناس} فذهب ليبعث معه, فقال «يا عم إن الله قد عصمني لا حاجة لي إلى من تبعث» وهذا حديث غريب وفيه نكارة, فإن هذه الاَية مدنية, وهذا الحديث يقتضي أنها مكية, ثم قال: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم, حدثنا محمد بن يحيى, حدثنا أبو كريب, حدثنا عبد الحميد الحماني عن النضر, عن عكرمة عن ابن عباس, قال: كان رسول الله r يحرس فكان أبو طالب يرسل إليه كل يوم رجالاً من بني هاشم يحرسونه حتى نزلت عليه هذه الاَية {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس} قال: فأراد عمه أن يرسل معه من يحرسه, فقال: «إن الله قد عصمني من الجن والإنس», ورواه الطبراني عن يعقوب بن غيلان العماني, عن أبي كريب به,

وهذا أيضاً حديث غريب, والصحيح أن هذه الاَية مدنية بل هي من أواخر ما نزل بها, والله أعلم,

ومن عصمة الله لرسوله, حفظه له من أهل مكة وصناديدها وحسادها ومعانديها ومترفيها, مع شدة العداوة والبغضة, ونصب المحاربة له ليلاً ونهاراً, بما يخلقه الله من الأسباب العظيمة بقدرته وحكمته العظيمة, فصانه في ابتداء الرسالة بعمه أبي طالب إذ كان رئيساً مطاعاً كبيراً في قريش, وخلق الله في قلبه محبة طبيعية لرسول الله r لا شرعية, ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفارها وكبارها, ولكن لما كان بينه وبينهم قدر مشترك في الكفر هابوه واحترموه, فلما مات عمه أبو طالب, نال منه المشركون أذي يسيراً, ثم قيض الله له الأنصار فبايعوه على الإسلام وعلى أن يتحول إلى دارهم وهي المدينة, فلما صار إليها, منعوه من الأحمر والأسود, وكلما هم أحد من المشركين وأهل الكتاب بسوء كاده الله, ورد كيده عليه, كما كاده اليهود بالسحر فحماه الله منهم, وأنزل عليه سورتي المعوذتين دواء لذلك الداء, ولما سمه اليهود في ذراع تلك الشاة بخيبر, أعلمه الله به وحماه منه, ولهذا أشباه كثيرة جداً يطول ذكرها, فمن ذلك ماذكره المفسرون عند هذه الاَية الكريمة:

فقال أبو جعفر بن جرير: حدثنا الحارث, حدثنا عبد العزيز, حدثنا أبو معشر عن محمد بن كعب القرظي, وغيره, قالوا: كان رسول الله r إذا نزل منزلاً اختار له أصحابه شجرة ظليلة فيقيل تحتها, فأتاه أعرابي فاخترط سيفه, ثم قال: من يمنعك مني ؟ فقال « الله عز وجل» فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف منه, وضرب برأسه الشجرة حتى انتثر دماغه, فأنزل الله عز وجل: {والله يعصمك من الناس}. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان, حدثنا زيد بن الحباب, حدثنا موسى بن عبيدة, حدثني زيد بن أسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري, قال: لما غزا رسول الله r بني أنمار, نزل ذات الرقاع بأعلى نخل, فبينا هو جالس على رأس بئر قد دلى رجليه, فقال غورث بن الحارث من بني النجار: لأقتلن محمداً, فقال له أصحابه: كيف تقتله ؟ قال: أقول له: أعطني سيفك, فإذا أعطانيه, قتلته به, قال: فأتاه. فقال: يا محمد, أعطني سيفك أشيمه, فأعطاه إياه, فرعدت يده حتى سقط السيف من يده, فقال رسول الله r«حال الله بينك وبين ما تريد», فأنزل الله عز وجل: {يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس} وهذا حديث غريب من هذا الوجه, وقصة غورث بن الحارث مشهورة في الصحيح.

وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا أبو عمرو بن أحمد بن محمد بن إبراهيم, حدثنا محمد بن عبد الوهاب, حدثنا آدم, حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو, عن أبي سلمة, عن أبي هريرة, قال: كنا إذا صحبنا رسول الله r  في سفر تركنا له أعظم شجرة وأظلها, فينزل تحتها, فنزل ذات يوم تحت شجرة وعلق سيفه فيها, فجاء رجل فأخذه, فقال: يا محمد من يمنعك مني ؟ فقال رسول الله r « الله يمنعني منك ضع السيف» فوضعه, فأنزل الله عز وجل: {والله يعصمك من الناس} وكذا رواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه عن عبد الله بن محمد, عن إسحاق بن إبراهيم, عن المؤمل بن إسماعيل, عن حماد بن سلمة به.

وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة, سمعت أبا إسرائيل, يعني الجشمي, سمعت جعدة هو ابن خالد بن الصمة الجشمي رضي الله عنه, قال: سمعت النبي r ورأى رجلاً سميناً, فجعل النبي r يومىء إلى بطنه بيده ويقول «لو كان هذا في غير هذا, لكان خيراً لك» قال: وأتي النبي r برجل, فقيل: هذا أراد أن يقتلك, فقال له النبي r : «لم ترع ولو أردت ذلك لم يسلطك الله علي». وقوله {إن الله لا يهدي القوم الكافرين} أي بلغ أنت والله هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء, كما قال تعالى: {ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء} وقال {فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب}.

 

وقال القرطبي رحمه الله

قوله تعالى : {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين}

قوله تعالى: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك". قيل: معناه أظهر التبليغ؛ لأنه كان في أول الإسلام يخفيه خوفا من المشركين، ثم أمر بإظهاره في هذه الآية، وأعلمه الله أنه يعصمه من الناس. وكان عمر رضى الله عنه أول من أظهر إسلامه وقال: لا نعبد الله سرا؛ وفي ذلك نزلت: "يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين" [الأنفال: 64] فدلت الآية على رد قول من قال: إن النبي r كتم شيئا من أمر الدين تقية، وعلى بطلانه، وهم الرافضة، ودلت على أنه r لم يسر إلى أحد شيئا من أمر الدين؛ لأن المعنى بلغ جميع ما أنزل إليك ظاهرا، ولولا هذا ما كان في قوله عز وجل: "وإن لم تفعل فما بلغت رسالته" فائدة. وقيل: بلغ ما أنزل إليك من ربك في أمر زينب بنت جحش الأسدية رضي الله عنها. وقيل غير هذا، والصحيح القول بالعموم؛ قال ابن عباس: المعنى بلغ جميع ما أنزل إليك من ربك، فإن كتمت شيئا منه فما بلغت رسالته؛ وهذا تأديب للنبي r ، وتأديب لحملة العلم من أمته ألا يكتموا شيئا من أمر شريعته، وقد علم الله تعالى من أمر نبيه أنه لا يكتم شيئا من وحيه؛ وفي صحيح مسلم من مسروق عن عائشة أنها قالت: من حدثك أن محمدا r كتم شيئا من الوحي فقد كذب؛ والله تعالى يقول: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته" وقبح الله الروافض حيث قالوا: إنه r كتم شيئا مما أوحى إليه كان بالناس حاجة إليه.

قوله تعالى: "والله يعصمك من الناس" فيه دليل على نبوته؛ لأن الله عز وجل أخبر أنه معصوم، ومن ضمِن اللهُ سبحانه له العصمة فلا يجوز أن يكون قد ترك شيئا مما أمره الله به. وسبب نزول هذه الآية أن النبي r  كان نازلا تحت شجرة فجاء أعرابي فاخترط سيفه وقال للنبي r : من يمنعك مني؟ فقال: الله  ؛ فذعرت يد الأعرابي وسقط السيف من يده؛ وضرب برأسه الشجرة حتى انتثر دماغه؛ ذكره المهدوي. وذكره القاضي عياض في كتاب الشفاء قال: وقد رويت هذه القصة في الصحيح، وأن غورث بن الحارث صاحب القصة، وأن النبي r عفا عنه؛ فرجع إلى قومه وقال: جئتكم من عند خير الناس. وقد تقدم الكلام في هذا المعنى في هذه السورة عند قوله: "إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم" [المائدة: 11] مستوفى، .... وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبدالله قال: غزونا مع وسول الله r غزوة قبل نجد فأدركنا رسول الله r في واد كثير العضاه فنزل رسول الله r تحت شجرة فعلق سيفه بغصن من أغصانها، قال: وتفرق الناس في الوادي يستظلون بالشجر، قال فقال رسول الله r : (إن رجلا أتاني وأنا نائم فأخذ السيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي فلم أشعر إلا والسيف مصلتا في يده فقال لي: من يمنعك مني ؟ - قال - قلت الله... ثم قال في الثانية: من يمنعك مني ؟- قال - قلت الله... قال فشام السيف فها هو ذا جالس ثم لم يعرض له رسول الله r ... وقال ابن عباس قال النبي r : (لما بعثني الله برسالته ضقت بها ذرعا وعرفت أن من الناس من يكذبني فأنزل الله هذه الآية) وكان أبو طالب يرسل كل يوم مع رسول الله r رجالا من بني هاشم يحرسونه حتى نزل: "والله يعصمك من الناس" فقال النبي r : [يا عماه إن الله قد عصمني من الجن والإنس فلا احتاج إلى من يحرسني].

قلت: وهذا يقتضي أن ذلك كان بمكة، وأن الآية مكية وليس كذلك، وقد تقدم أن هذه السورة مدنية بإجماع؛ ومما يدل على أن هذه الآية مدنية ما رواه مسلم في الصحيح عن عائشة قالت: سهر رسول الله r مقدمة المدينة ليلة فقال: [ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة] قالت: فبينا نحن كذلك سمعنا خشخشة سلاح؛ فقال: [من هذا] ؟ قال: سعد بن أبي وقاص فقال له رسول الله r : [ما جاء بك] ؟ فقال: وقع في نفسي خوف على رسول الله r فجئت أحرسه؛ فدعا له رسول الله r ثم نام. وفي غير الصحيح قالت: فبينما نحن كذلك سمعت صوت السلاح؛ فقال: [من هذا] ؟ فقالوا: سعد وحذيفة جئنا نحرسك؛ فنام rحتى سمعت غطيطه ونزلت هذه الآية؛ فأخرج رسول الله r رأسه من قبة آدم وقال: [انصرفوا أيها الناس فقد عصمني الله].

وقرأ أهل المدينة: "رسالته" على الجميع. وأبو عمرو وأهل الكوفة: "رسالته" على التوحيد؛ قال النحاس: والقراءتان حسنتان والجمع أبين؛ لأن رسول الله rكان ينزل عليه الوحي شيئا فشيئا ثم يبينه، والإفراد يدل على الكثرة؛ فهي كالمصدر والمصدر في أكثر الكلام لا يجمع ولا يثنى لدلالته على نوعه بلفظه كقوله: "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها" [إبراهيم: 34]. "إن الله لا يهدي القوم الكافرين" أي لا يرشدهم وقد تقدم. وقيل: أبلغ أنت فأما الهداية فإلينا. نظيره "ما على الرسول إلا البلاغ" [المائدة:99] والله أعلم.

 

وقال رحمه الله عند تفسير قوله تعالى :   {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون} ( المائدة 11)

قال جماعة: نزلت بسبب فعل الأعرابي في غزوة ذات الرقاع حين اخترط سيف النبي r وقال: من يعصمك مني يا محمد؟ كما تقدم في "النساء". وفي البخاري: أن النبي r دعا الناس فاجتمعوا وهو جالس عند النبي r ولم يعاقبه. وذكر الواقدي وابن أبي حاتم أنه أسلم. وذكر قوم أنه ضرب برأسه في ساق شجرة حتى مات. وفي البخاري في غزوة ذات الرقاع أن اسم الرجل غورث بن الحارث (بالغين منقوطة مفتوحة وسكون الواو بعدها راء وثاء مثلثة) وقد ضم بعضهم الغين، والأول أصح. وذكر أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي، وأبو عبدالله محمد بن عمر الواقدي أن اسمه دعثور بن الحارث، وذكر أنه أسلم كما تقدم. وذكر محمد بن إسحاق أن اسمه عمرو بن جحاش وهو أخو بني النضير. وذكر بعضهم أن قصة عمرو بن جحاش في غير هذه القصة. والله أعلم. وقال قتادة ومجاهد وغيرهما: نزلت في قوم من اليهود جاءهم النبي r يستعينهم في دية فهموا بقتله r الله منهم. قال القشيري: وقد تنزل الآية في قصة ثم ينزل ذكرها مرة أخرى لادكار ما سبق. "أن يبسطوا إليكم أيديهم" أي بالسوء. "فكف أيديهم عنكم" أي منعهم.

 

وقال السعدي رحمه الله

قوله تعالى :( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين )

 

 هذا أمر من الله لرسوله محمد r ، بأعظم الأوامر وأجلها ، وهو : التبليغ لما أنزل الله إليه . ويدخل في هذا ، كل أمر تلقته الأمة عنه r، من العقائد ، والأعمال ، والأقوال ، والأحكام الشرعية ، والمطالب الإلهية . فبلغ r أكمل تبليغ ، ودعا ، وأنذر ، وبشر ، ويسر ، وعلم الجهال الأميين ، حتى صاروا من العلماء الربانيين . وبلغ ، بقوله ، وفعله ، وكتبه ، ورسله . فلم يبق خير إلا دل أمته عليه ، ولا شر إلا حذرها عنه ، وشهد له بالتبليغ أفاضل الأمة ، من الصحابة ، فمن بعدهم من أئمة الدين ، ورجال المسلمين . " وإن لم تفعل " أي : لم تبلغ ما أنزل إليك من ربك " فما بلغت رسالته " أي : فما امتثلت أمره . " والله يعصمك من الناس " هذه حماية وعصمة من الله ، لرسوله من الناس ، وأنه ينبغي أن يكون حرصك على التعليم والتبليغ ، ولا يثنيك عنه خوف من المخلوقين فإن نواصيهم بيد الله ، وقد تكفل بعصمتك ، فأنت إنما عليك البلاغ المبين ، فمن اهتدى ، فلنفسه . وأما الكافرون الذين لا قصد لهم إلا اتباع أهوائهم فإن الله لا يهديهم ، ولا يوفقهم للخير ، بسبب كفرهم .

 

وقال ابن عطية رحمه الله

وقال عبد الله بن شقيق كان رسول الله r يتعقبه أصحابه يحرسونه فلما نزلت ( والله يعصمك من الناس ) خرج فقال: يا أيها الناس الحقوا بملاحقكم فإن الله قد عصمني... وقال محمد بن كعب القرظي نزلت ( والله يعصمك من الناس ) بسبب الأعرابي الذي اخترط سيف النبي r ليقتله به  ... قال القاضي أبو محمد:  هو غورث بن الحارث والقصة في غزوة ذات الرقاع... وقال ابن جريج كان رسول الله r يهاب قريشا فلما نزلت هذه الآية إلى قوله : (والله يعصمك من الناس) استلقى وقال : من شاء فليخذلني... مرتين أو ثلاثا و ( يعصمك ) معناه يحفظك ويجعل عليك وقاية.. ومنه قوله تعالى ( يعصمني من الماء ).. ومنه قول الشاعر   ( فقلت عليكم مالكا إن مالكا  سيعصمكم إن كان في الناس عاصم ) ...وهذه العصمة التي في الآية هي من المخاوف التي يمكن أن توقف عن شيء من التبليغ كالقتل والأسر والأذى في الجسم ونحوه وأما أقوال الكفار ونحوها فليست في الآية... وقوله تعالى _(لا يهدي القوم الكافرين ) إما على الخصوص فيمن سبق في علم أنه لا يؤمن وإما على العموم على أن لا هداية في الكفر ولا يهدي الله الكافر في سبل كفره ...

 

﴿  رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ    

     

 

كـان الفراغ من جمعه وتأليفـه

يوم 11 صفر الخير 1427

 

أبو يوسف محمد زايد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق