الدكتور
خالد كبير علال
-حاصل
على دكتوراه دولة في التاريخ الإسلامي من جامعو الجزائر-
دار البلاغ الطبعة
الأولى
-الجزائر-
-1424ه/2003م-
الإهداء
إلى
زوجتي أم إكرام ،
رفيقة
الدرب و شريكة الحياة ،
أهدي هذا الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و
السلام على الرسول الكريم ، و بعد : هذا هو البحث التاسع ضمن سلسلة : دراسات نقدية
هادفة عن مواقف الصحابة بعد وفاة رسول الله
–صلى الله عليه و سلم- ، و قد خصصته
لدراسة أسباب نقمة الناس على عثمان و ولاته ، و الثورة عليه و قتله . و هو موضوع
هام جدير بالدراسة و التحقيق و التمحيص ، قصد الكشف عن الأسباب الحقيقية التي دفعت
طائفة من المسلمين إلى الثورة على إمامهم و قتله .
و قد حرصت –في
بحثي هذا- على الالتزام بمنهج أهل الحديث ، في نقد كثير من الأخبار قدر المستطاع .
لكنني تركت طائفة أخرى لم أحقق أسانيدها ، إما لأنها ظاهرة الضعف ، و استخدمتها
كأدلة ضعيفة مساعدة لرد روايات أخرى ضعيفة ، و إما لأنها روايات مشهورة معروفة لا
تحتاج إلى تحقيق ، أو لأنها تندرج تحت روايات أخرى صحيحة .
و الله تعالى أسأل أن يجعل عملي هذا خالصا
لوجهه الكريم ،و أن ينفع به مؤلفه و
قارئه، و كل من سعى في إخراجه و توزيعه ،و أن يمدني العون و التوفيق لإصدار باقي
بحوث السلسلة ، إنه تعالى سميع مجيب و على كل شيء قدير ، و ما ذلك عليه بعزيز .
د/ خالد كبير
علال
المبحث الأول:
تساؤلات عن أسباب الثورة على عثمان
أظهر بعض الناس نقمتهم على أمير المؤمنين عثمان
بن عفان و ولاته ، ثم انتهى بهم الأمر إلى الثورة عليه و قتله ( سنة:35 ه) ،
فلماذا أقدموا على ذلك ، فهل خصّ عثمان أقاربه بالإمارة دون غيرهم ، أم ولى من
أقاربه من لا يصلح للإمارة ، أم كان هو شخصيا ضعيفا عاجزا عن إدارة شؤون الدولة ،
أم كانت رعيته تعاني من الظلم الاقتصادي و السياسي ؟ . هذه التساؤلات هي التي أجيب
عنها فيما يأتي من هذا البحث إن شاء الله .
أولا : هل خصّ عثمان
أقاربه بالإمارة ؟
عندما تولى عثمان – رضي الله عنه – الخلافة ، ترك ولاته في مناصبهم فترة من
الزمن بوصية من عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - ، ثم غيّر بعضهم حسب اجتهاده و ما تقتضيه المصلحة
و ظروف الأمصار ، و سار في رعيته باللين و الحلم ،و العدل و التواضع[1]
، لكنها –أي
رعيته – وجدت في إسناده الإمارة لأقاربه مدخلا للطعن
فيه و الإنكار عليه ، فقال الناقمون عليه إنه اتخذ بطانة سوء من أقاربه ،و قسّم
بينهم الولايات ، من بينهم من لا يصلح للولاية ، حتى ظهر منهم الفسوق و العصيان و
الخيانة ، و مع ذلك لم يسمع لمن عاتبه عن ذلك الفعل و لم يرجع عنه [2] .
فهل ارتكب عثمان معصية في تعيين
أقاربه ولاة ؟ . و هل خصّ أقاربه بالإمارة دون غيرهم من الناس ؟ . و هل أرخى لهم
العنان ، فلم يحاسبهم ،و لم يوقفهم عند حدودهم إن هم تعدوها ؟ . فبخصوص التساؤل
الأول فالجواب عنه من وجهين ، الأول أن تعيين عثمان أقاربه ولاة ليس بحرام ، على
ما اعتقد ، فقد بحثت في القرآن الكريم و السنة النبوية ، فلم أعثر على أي نص
يحُرّم على الحاكم إسناد الإمارة لأقاربه .
و الوجه الثاني هو أن عثمان –رضي الله عنه – لم ينفرد عن الخلفاء الراشدين بتعيين أقاربه
ولاة له ، فقد أسند علي بن أبي طالب – رضي الله عنه- الإمارة لأقاربه ، و لأناس مطعون فيهم ، فمن أقاربه
الذين ولاهم : عبد الله بن عباس على البصرة ،و عبيد الله بن العباس على البحرين و
اليمن ،و قثم بن العباس على الطائف و مكة[3] .و
ولى من المطعون فيهم : محمد بن أبي حذيفة على مصر ، الأشتر النخعي على مصر و
الجزيرة ،و محمد بن أبي بكر على مصر ، و هؤلاء الثلاثة هم من رؤوس الفتنة
المتألبين على عثمان .
فإذا كان عثمان يُلام على تعيين أقاربه ولاة
، فعلي هو الآخر يلام على ذلك ، خاصة و أنه ولى حتى رؤوس الفتنة . لكن حقيقة الأمر
أن ما فعلاه يدل على أن إسناد الإمارة للأقارب ليس حراما ، إذ لو كان حراما ما
اقتربا منه ،.و يدل أيضا على أنهما كانا مجتهدين فيما قاما به ، توخيا للمصلحة حسب
الظروف المحيطة بهما ؛ فمن أصاب فله أجران و من أخطأ فله أجر واحد .
و أما بالنسبة للتساؤل الثاني ، فأشير أولا
إلى أنه روى أن عثمان –رضي
الله عنه – لم يكن يعزل أحدا من ولاته إلا إذا شكته
رعيته ، أو استعفاه أحد ولاته بأن يعفيه من منصبه ، أو ساءت علاقته مع أعوانه
المقربين منه[4]
.
و ثانيا أن تعيين عثمان بعض أقاربه من بني
أمية ، لم يكن جديدا على المسلمين ، فقد كان بنو أمية من أكثر القبائل العربية
توليا للمناصب منذ زمن رسول الله – عليه الصلاة و السلام – فإنه استعمل منهم ، عتاب بن أسيد ،و خالد بن
العاص ،و أبان بن سعيد بن العاص ،و سعيد بن سعيد بن العاص ،و يزيد بن أبي سفيان ،و
شيخهم أبا سفيان بن حرب . و قد سار على ذلك النهج أبو بكر الصديق و عمر بن الخطاب
، في إسناد المسؤوليات لبني أمية[5] .
و ثالثا فمن حق أمير المؤمنين عثمان بن
عفان – رضي الله عنه – أن يولي من رآه أهلا للولاية ، سواء كان من
أقاربه أو من غيرهم من الناس ، و لا يحق لأحد أن يعترض عليه لمجرد أنه ولى بعض
أقاربه الإمارة . فهو خليفة راشد مُنتخب له مطلق الحرية في تعيين الولاة و عزلهم
خدمة للدين و البلاد و العباد .
و رابعا أن التهمة الموجهة إليه – أي لعثمان – في أنه خصّ أقاربه بالإمارة ، هي تهمة باطلة
لا تثبت أمام الحقائق التاريخية ، فهو – أي عثمان - كما ولى من أقاربه ، ولى أيضا أكثر من هؤلاء من مختلف القبائل ؛ فقد أحصيت من ولاته عشرين
واليا ، و هم : عبد الله بن الحضرمي ،و القاسم بن ربيعة الثقفي ، و يعلى بن منية
،و الوليد بن عقبة ،و سعيد بن العاص ،و عبد الله بن سعد بن أبي سرح ،و معاوية بن
أبي سفيان ، و عبد الله بن عامر بن كريز ،و محمد بن أبي بكر، و أبو موسى الأشعري
،و جرير بن عبد الله ،و الأشعث بن قيس ، ،و عتبة بن النحاس ،و السائب بن الأقرع ،و
سعد بن أبي وقاص ، و خالد بن العاص المخزومي،
و قيس بن الهيثم السلمي ، و حبيب بن اليربوعي ،و خالد بن عبد الله بن نصر
،و أمين بن أبي اليشكري [6].
فهؤلاء هم ولاته الذين أحصيتهم ، لا يوجد
منهم من أقاربه إلا خمسة ، و هم : معاوية بن أبي سفيان ،و الوليد بن عقبة ،و سعيد
بن العاص ،و عبد الله بن سعد بن أبي سرح ،و عبد الله بن عامر بن كريز . فهل
يصح – بعد هذا – أن يقال أن عثمان خصّ أقاربه بالإمارة دون
غيرهم من الناس ؟ . و ربما يقال أنه أكثر من أقاربه في السنوات الأخيرة من خلافته
، لذلك تألّب عليه المشاغبون . و هذا ادعاء غير صحيح ،و مبالغ فيه جدا ، لأنه إذا
رجعنا إلى وُلاّته في السنة الأخيرة من خلافته ( سنة :35 ه) وجدنا ثلاثة فقط من
أقاربه ، و هم : معاوية على الشام ،و عبد الله بن سعد بن أبي سرح على مصر ، و عبد
الله بن كريز على البصرة . و باقي ولاته – في تلك السنة – من غير أقاربه، و عددهم تسعة ، و هم : قيس
بن الهيثم السلمي على خراسان ، و القاسم بن ربيعة الثقفي على الطائف ،و يعلى بن
منية على صنعاء ،و أبو موسى الأشعري على
الكوفة ، و جرير بن عبد الله على قرقيسيا ،و الأشعث بن قيس على أذربيجان ،و عتبة
بن النحاس على حلوان ،و السائب بن الأقرع على أصبهان[7] .
ألا ترى أن عثمان قد اتخذ عمالا من مختلف القبائل ، و أن ولاته من أقاربه هم ثلاثة
مقابل تسعة ليسوا من أقاربه ؟ فهذا يثبت أن الناقمين عليه افتروا عليه عندما
اتهموه بأنه حابى أقاربه ،و خصّهم بالولايات دون غيرهم من الناس .
و برر شيخ الإسلام بن تيمية ، اعتماد
عثمان على أقاربه في إدارة الدولة ، بأنه لابد للإمام من بطانة تساعده و تدافع عنه
، فكان -أي عثمان – يرى ذلك في أقاربه .[8] و
ذهب الباحث محمد الصادق عرجون إلى القول بأن عثمان لما رأى إزورار الهاشميين و
بيوتات أخرى عنه ، اعتمد على عصبيته و قومه و هم موضع ثقته ،و أحرص الناس على
إنجاحه ،و تحقيق مقاصد الشرع من عدل و رحمة بين الناس ، و لكي ينتفع صاحب المنصب
بعصبيته عليه أن يقرّبهم منه و يرفع ذوي
النبوغ منهم إلى كفاياتهم و قدراتهم[9] .
لكن الباحث أبا الأعلى المودودي لم يعذر عثمان
في إسناد الإمارة لأقاربه ، و عذر عليا بن أبي طالب في تولية أقاربه ، لأن عليا
كان مضطرا إلى ذلك لقلة من يثق فيه ، أما عثمان فلم يكن مجبرا على استمداد العون
من رهطه و ذويه ،و معه جمع من الصحابة يعاونونه[10] .
و قوله هذا فيه مبالغات و مغالطات ،
فعثمان – رضي الله عنه – قد استعمل كثيرا من العمال من غير أقاربه ،
كما سبق و أن ذكرناه . و عين من غير أقاربه أناسا قلدهم مسؤوليات على الشرطة ،و
بيت المال ، و القضاء و الجند ، منهم : الصحابي زيد بن ثابت ،و القعقاع بن عمر ،و
جابر بن عمر المزني ،و عقبة بن عمرو[11] .
و أما قوله بأن عليا –رضي الله عنه- ولى أقاربه لأنه لم يجد
من يثق فيه من أتباعه ، فهو قول غير صحيح و غريب جدا ، لأن عليا ولى من أقاربه ،و
من دعاة الفتنة ،و من الأنصار ، فمن أقاربه : عبد الله بن عباس ، و قثم بن عباس ،
و عبيد الله بن عباس . و من رؤوس الفتنة : الأشتر النخعي ، و محمد بن أبي حذيفة ،و
محمد بن أبي بكر .و من الصحابة الأنصار : عثمان بن حنيف ، و أبو أيوب الأنصاري ،و
أبو قتادة -رضي الله عنهم - [12] .
و من جهة أخرى ، فإنه قد كان مع علي بن
أبي طالب - رضي الله عنه - كثير من
الصحابة باعتراف أبي الأعلى المودودي نفسه[13] ،
و قد زاد عدد جيشه – أي جيش علي - عن خمسين( 50 ) ألف جندي في
موقعة صفين[14]
. كما أن المصادر التاريخية -
المتوفرة – لم تذكر أنه لم يجد من يوليه ، و إنما كان
يولي و يعزل كما يريد[15] ،
و حتى بعد انفصال الخوارج عنه ، فإن جيشه بقي يضم عشرات الألوف من الجنود ، فيهم
الكثير من يحبه و يسمع له[16] .
فهل يصح -بعد هذا – أن يقال أن عليا لم يجد في أتباعه من يثق
فيه ، لكي يوليه إلا أقاربه ؟ .
و فيما يخص التساؤل الثالث ، فإن مما يدل
على أن الخليفة عثمان بن عفان لم يكن غافلا عن ولاته ، و لم يرخ لهم العنان ، أنه
عندما حدث خلاف بين والي الكوفة سعد بن أبي وقاص
-رضي الله عنه -، و بين المسؤول عن بيت المال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه – و مالت جماعة إلى هذا و أخرى إلى ذاك ، تدخل
عثمان بحزم خشية تفاقم الخلاف ، فعزل سعدا ،و عوّضه بالوليد بن عقبة ،و ترك عبد
الله بن مسعود في مكانه ، و بذلك وضع حدا للخصام[17] .
و حين فتح عبد الله بن سعد افريقيا سنة 27 ه
، وأخذ لنفسه خمس الخمس ، لم يرض الجند بصنيعه ، و أرسلوا إلى الخليفة يخبرونه بما
فعل قائده ، قال لهم بأنه هو الذي وعده
بخمس الخمس إن هو فتح افريقيا ، ثم خيّرهم بين القبول و الرفض ، فلم يقبلوا ، و
طالبوه بعزل عبد الله بن سعد عن قيادة الجيش ، لأنهم لا يريدونه قائدا عليهم بعد
الذي جرى بينه و بينهم ؛ فلبى عثمان طلبهم ،و أرسل إلى أخيه من الرضاع : عبد الله
ين سعد يأمره باقتسام خمس الخمس الذي عنده على الجند ،و يستخلف عليهم رجلا غيره ،
ممن يرضاه و يرضونه ، فاستجاب له عبد الله ،و رجع إلى مصر غانما[18] .
فعثمان
- رضي الله عنه -قد تدخل و حل المشكلة التي حدثت بين جنده و قائده ، و
تراجع عن وعده لقائده المظفر و عزله عن إمرة الجيش ، نزولا عند رغبة الجند و تطيبا
لخاطرهم ، و لم يكن من أمر عبد الله بن سعد بن أبي سرح إلا السمع و الطاعة للخليفة
؛ و ما قام به عثمان تجاه جنده لم يكن
واجبا عليه .
و عندما شهد بعض الناس على والي الكوفة
الوليد بن عقبة بشرب الخمر ، أقام عليه عثمان
– هو أخوه لأمه - حد شرب الخمر و عزله عن ولاية الكوفة ، و كان
قد تولاها خمس سنوات ، كان فيها محببا إلى رعيته عادلا معها ، ليس على داره باب[19] .
و رُوي أن عثمان –رضي الله عنه – كان يطلب من ولاته المجيء إليه في كل موسم
حج ، ليطلعوه على أحوال الدولة ، و يسمع إلى ردودهم على شكاوي الناس منهم[20] .
و عندما طالبه – أي طالبوا عثمان – الناقمون عليه ( سنة 35 ه) بعزل واليه على
مصر : عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، لبى طلبهم و خيّرهم فيمن يوليه عليهم ،
فاختاروا محمد بن أبي بكر فولاه
عليهم . [21]
و ختاما لما أوردناه في هذا المبحث ، يتبين
لنا منه أن عثمان لم يكن مذنبا في إسناد الإمارة لأقاربه ، و أنه لم يخصهم بها دون
غيرهم من الناس ، و أنه لم يكن غافلا عنهم و لا ساكتا عن أخطائهم و انحرافاتهم .
ثانيا : هل ولى عثمان
من أقاربه من لا يصلح للإمارة ؟
اُتهم عثمان –رضي
الله عنه –بأنه ولى من أقاربه من لا يصلح للإمارة
، فظلموا الناس و أخذوا حقوقهم ، و هم : الوليد بن عقبة ،و و سعيد بن العاص ، و
عبد الله بن سعد بن أبي سرح ،و عبد الله بن عامر بن كريز ، و معاوية بن أبي سفيان
. فهل يصدق ذلك الاتهام على هؤلاء ؟
( أ ) الوليد بن عقبة بن أبي معيط :
هو أخ عثمان لأمه ، ولاه إمارة الكوفة
سنة 25 ه ، و استمر بها إلى غاية سنة 29 ه . و قد أنكر الناس على عثمان توليته
للوليد بحجة أنه هو الفاسق الذي ذكره الله تعالى في قوله : (( يا أيها الذين آمنوا
إن جاءكم فاسق بنبأ ، فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة ، فتصبحوا على ما فعلتم
نادمين )) - سورة الحجرات / 6 – و ذلك أن رسول الله - صلى
الله عليه و سلم – أرسله إلى بني المصطلق ليقبض منهم الزكاة ،
لكنه لما بلغ منتصف الطريق رجع وقال أن القوم منعوه الزكاة ، فنزلت فيه الآية
السابقة[22] .
و أقول : هذا الخبر إسناده صحيح على ما ذكره
الهيثمي[23] ،
و قد أوردته كتب التفاسير في سبب نزول الآية السابقة الذكر ، من أنها نزلت في
الوليد بن عقبة[24]
. لكن مع ذلك يبقى الخبر فيه مقال ، لأن الحافظ ابن عساكر ذكر أن الخطيب البغدادي
قال أن الوليد بن عقبة ، رأى رسول الله –عليه
الصلاة و السلام – و هو طفل صغير [25].
فإذا صحّ هذا الخبر ، فإنه لا يعقل أن يبعث الرسول –صلى
الله عليه و سلم – طفلا صغيرا إلى بني المصطلق ليقبض أموال
الزكاة ! و بما أن الآية و صفت المبعوث بأنه فاسق ، فهذا يعني أنه كان بالغا مكلفا
، و هذا لا ينطبق على الوليد بن عقبة .
و حتى إذا ثبت أن الوليد كان كبيرا ،و أن
الآية نزلت فيه ، فأن طريق التوبة مفتوح أمامه ليتوب عما صدر منه ، و لا تبقى صفة
الفسق لازمه له . لذا وجدنا أن أبا بكر الصديق و عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما – قد استعملاه ، فالأول استعمله على صدقات
قضاعة ،و الثاني ولاه على صدقات بني تغلب[26] .
فلو لم يكن الوليد أمينا كُفئا ما ولاه الصديق و الفاروق على أموال الزكاة . و
بناء على ذلك فإنه لا تثريب و لا حرج على عثمان أن يولي الوليد بن عقبة الإمارة ،
و قد سبقه إلى استعماله الشيخان .
و من الاتهامات الموجة للوليد أنه أساء
السيرة في أهل الكوفة ، و أن الناس اشتكوا من جوره إلى الصحابي عبد الله بن
مسعود – رضي الله عنه - ، فصبّرهم و قال لهم : ((
جور إمامكم خمسين عاما خير من هرج شهر )) ، لكن هذا الخبر لا يثبت ، لأن في إسناده
: وهب الله بن رزق ، و هو مجهول الحال[27] .
و ترده أيضا – أي
الخبر – شواهد أقوى منه ، منها أن الحافظ ابن كثير
روى أن الوليد بن عقبة مكث واليا على الكوفة حمس سنوات ، كان فيها محببا إلى رعيته
عادلا معها ، ليس على داره باب[28] .
و روى الطبري أن الوليد بن عقبة قد افاض
على الناس خيرا حتى جعل يُقسم للولائد و العبيد ، و عندما عزله عثمان تفجّع
عليه الأحرار و المماليك[29] .
وهذا الخبر وإن كان إسناده ضعيفا ، لأن فيه سيف بن عمر التميمي[30] ،
فيمكن استخدامه لرد خبر اتهام الوليد بالظلم ، فنرد الضعيف بالضعيف .
و مما يُقوي ما رواه ابن كثير و الطبري عن
عدل الوليد ، أنه تولى إمارة الكوفة خمس سنوات ، وهذا يشير إلى رضى الناس به ؛ فلو
كان ظالما لهم ما صبروا على جوره تلك المدة ، وأهل الكوفة معروف عنهم كثرة التشكي
من ولاتهم ،و عدم الصبر عليهم منذ زمن عمر بن الخطاب .
و اُتهم أيضا – أي الوليد – بأنه أنقص التكبير في الصلاة ، فروي أن ابن
مسعود – رضي الله عنه – قال : أول من نقص التكبير في الصلاة ،
الوليد بن عقبة ، ثم قال : (( نقصوها نقصهم الله ، لقد رأيت رسول الله –صلى الله عليه و سلم – يكبر كلما ركع ،و كلما سجد ،و كلما رفع )) . لكن هذا الرواية
إسنادها لا يصح ، لأن فيه ثوير بن أبي فاختة ، و هو ضعيف[31] .
لكن ثبت أن الوليد بن عقبة قد شرب الخمر ،
و تكلم فيه الناس ، و رفعوا أمره إلى الخليفة و شهد عليه شاهدان بشربه للخمر ،
فأقام عثمان عليه الحد ،و عزله عن إمارة الكوفة ،و عوّضه بسعيد بن العاص[32] .
و في رواية مسلم أنه لما شهد على الوليد شاهدان ، قال آخر : رأيت الوليد يتقيأ ،
فقال عثمان : (( إنه لم يتقيأ حتى شربها )) ثم أمر عليا بجلده[33] .
فشرب الوليد للخمر لاشك أنه ذنب كبير لا يجوز السكوت عنه و هو
أمير البلد ، لذا لم يتساهل معه عثمان ، فأقام عليه الحد الشرعي ،و عزله عن إمارة
الكوفة ،و لم يرأف به ،و لم يحاول تبرئته ، بل زاد في تأكيد شهادة الشاهدين عندما قال : (( إنه لم يتقيأ
حتى شربها )) .
و إذا كان الوليد قد شرب الخمر ،و أن عثمان
لم يتسامح معه و أقام عليه الحد و عزله عن الإمارة ، فإنه ينبغي علينا ألا نبالغ
في ذم الرجل ، لأن له محاسن و قدرات و مهارات أهلته لتولي المسؤوليات ، فقد
استعمله الشيخان – الصديق و الفاروق – على الصدقات ، و كان عادلا مع رعيته ليس على
داره باب .و من صفاته الحلم و الشجاعة و الظرافة[34] .
و قد صح أن الصحابيين عبد الله بن مسعود ،و
حذيفة بن اليمان قد سمرا[35]
عند الوليد طول الليل ، ثم خرجا يتحادثان ، فلما رأيا تباشير الفجر أوتر كل منهما
بركعة[36] .
فلو كان الوليد على ما يصفه به خصومه من الفسق و الانحراف و الظلم ، ما سمر معه
صحابيان جليلان طول الليل .
(ب) سعيد بن العاص :
هو أبو عثمان سعيد بن العاص ، الأموي ، ولاه
عثمان إمارة الكوفة ستة 29 ه ، خلفا للوليد ، و استمر واليا عليها إلى سنة 34 ه ،
حيث خرج منها إلى الحج ، فلما عاد إليها منعه جيش من الكوفة من دخولها ،و أُجبر
على العودة من حيث أتى ، ثم أختار أهل الكوفة أبا موسى الأشعري واليا عليهم ، و
أرسلوا إلى عثمان يطلبون منه الموافقة على تعيين أبي موسى ، فوافق على تعيينه[37] .
فلماذا أخرج أهل الكوفة سعيد ا بعدما حكمهم خمس سنوات ؟ .
أولا فبخصوص سبب إخراجهم لسعيد بن العاص ،
فقد روي أنه أساء السيرة فيهم ، فذكر ابن سعد وابن عساكر أن سعيدا عندما حل
بالكوفة أضر بأهلها إضرارا شديدا[38] .
و خبرهما هذا روياه بلا إسناد ، و اكتفيا بقولهما : قالوا – أي الرواة - . و هذا لا يكفي لقبول خبرهما ، بل هو مردود ، لأنه فقد شرطا
أساسيا من شروط صحة الخبر . و هو من جهة أخرى ترده أخبار أخرى تخالفه تماما ،
سنذكرها فيما يأتي لاحقا .
و في رواية أخرى أن سعيدا لما تولى إمارة
الكوفة أنقص في الصاع و لم يزد فيه ، فجوّع الإماء و العبيد[39] .
و هذه الرواية ذكرها الطبري بإسناد غير صحيح ، لأن فيه : شعيب ، و سيف بن عمر ،
الأول مجهول ،و الثاني ضعيف متروك يروي عن المجهولين[40] .
و أما متنها فترده روايات أخرى سنذكرها قريبا إن شاء الله تعالى .
و ثانيا إن الناقمين على سعيد بن العاص ،
روّجوا عنه أنه كان يقول عن الأراضي الزراعية بسواد الكوفة ، أنها بستان لقريش ؛
فروى ابن سعد أن سعيدا كان يقول لأهل الكوفة : (( إنما هذا السواد لأغيلمة من قريش
)) ، فشكوه لعثمان فقال لهم : كلما رأى أحدكم من أميره جفوة ، أرادنا أن نعزله[41] .
و عن ذلك القول روى الطبري خبرين ، الأول فيه أن سعيدا قال للأشتر النخعي و جماعته
: (( إن هذا السواد بستان لقريش )) فرد
عليه الأشتر : هذا ما أفاءه الله علينا بأسيافنا[42]
.و الثاني فيه أن الأشتر و أصحابه لما رجعوا – من عند عثمان – إلى الكوفة (سنة 34ه ) قالوا للناس أنهم
تركوا سعيد بن العاص عند عثمان
– كان قد ذهب إليه – و يزعم أن فيئكم بستان لقريش[43] .
فبخصوص رواية ابن سعد فقد رواها بلا إسناد و
اكتفى بقوله : قالوا . لذا فهي غير مقبولة ، لأنها فقدت شرطا أساسيا من شروط صحة
الخبر .و أما رواية الطبري الأولى فإسنادها غير صحيح ، لأن فيه : محمد بن عمر
الواقدي ، و هو متروك كذاب ، ليس بثقة[44] .
و أما روايته الثانية فهي الأخرى إسنادها لا يصح ، لأن فيه : شعيب ،و سيف بن عمر
التميمي ، فالأول مجهول ،و الثاني ضعيف متروك كما سيق وأن ذكرناه .
و أما بالنسبة للمتن فإن مما يُرد به على
ما رواه ابن سعد و الطبري ، ثلاثة شواهد ، أولها أنه روي أن سعيد بن العاص كان
جالسا مع جماعة من أهل الكوفة ، فقال حبيش بن فلان الأسدي : ما أجود طلحة بن عبيد
الله – رضي الله عنه- ، فقال سعيد : إن من له مثل
النشاستج[45]
لحقيق أن يكون جوادا ، و الله لو أن لي مثله لأعاشكم الله به عيشا رغيدا . فقال
عبد الرحمن بن حبيش : و الله لوددت أن هذا الملطاط[46]
لك – أي
لسعيد - ، فغضبت الجماعة و قالت له : فض الله فاك ،و الله لقد هممنا بك ، فقال
أبوه حبيش : هو غلام فلا تجاوزوه . فقالوا : يتمنى له سوادنا ! فقال الأب : و
يتمنى لكم أضعافه . فنهض الأشتر النخعي ،و ابن الكواء ،و عمير بن ضابئ و غيره إلى
الغلام ، فقام أبوه ليمنع عنه ، فضربوهما ضربا مبرحا ،و اختلط الأمر على سعيد بن
العاص[47] .
فهذا الخبر صريح بأن السواد كان لأهل الكوفة ،
لأن الأشتر و أصحابه اعترضوا على الغلام عندما تمنى أن يكون السواد لسعيد ، لكي
يرده عليهم . و سعبد نفسه قد تمنى أنه لو كانت أرض الملطاط ملكه لرده على أهل
الكوفة ،و لجاد به عليم . فكيف إذن يطمع في أخذ سوادهم ، و يزعم خصومه أنه كان
يقول عن سوادهم : هو بستان قريش ؟ .و هذا الخبر و إن كان رواه ابن الأثير بلا
إسناد فهو يصلح للرد به على ما رواه ابن سعد بلا إسناد ، و على ما رواه الطبري
بإسناد غير صحيح ,، و يذلك نرد الضعيف بالضعيف .
و الشاهد الثاني هو أنه رُوي أن سعيد بن
العاص كان يدعوا إخوانه و جيرانه كل جمعة ، فيصنع لهم الطعام ، و يخلع عليهم
الثياب الفاخرة ،و يأمر لهم بالجوائز الواسعة ،و يبعث إلى عيالهم بالبر الكثير .و
كان أيضا يرسل مولى له في كل جمعة إلى مسجد الكوفة ، و معه صرر فيها الدنانير ،
فيضعها بين المصلين ، فكثر المصلون ليلية كل جمعة بمسجد الكوفة[48] .
فهل من كانت هذه أخلاقه في إحسانه لأهل الكوفة ، يقال عنه أنه ظلمهم وأخذ غلال
سوادهم ؟ إنه من المستبعد جدا أن يظلم سعيد بن العاص أهل الكوفة و تلك أخلاقه في
الإحسان إليهم .
و الشاهد الثالث هو أن أخلاق سعيد بن العاص
التي اشتهر بها بين الناس ، كالسخاء و الصدق ،و الحلم و الجهاد[49] ،
تأبى عليه أن يظلم رعيته و يأخذ حقها ظلما و عدوانا ، لذا فإنه من المرجح جدا ، أن
تلك المقولة التي رُوّجت عنه هي من اختلاق خصومه .
و ثالثا أن المؤرخ ابن طاهر المقدسي قال أن
سعيد بن العاص كان شرا من الوليد بن عقبة ، عظيم الكبر ، شديد العجب ، و هو أول من وضع العشور على
الجسور و القناطر[50]
. و خبره هذا رواه بلا إسناد ، لذا فهو مردود عليه ، لأنه فقد شرطا أساسيا من شروط
صحة الخبر . و أم متنه فهو قد وصف سعيدا بأنه عظيم الكبر شديد العجب ، و هذا كلام
لا يصدق على هذا الرجل المعروف بالحكمة و العقل ،و السخاء و الإحسان ،و الصدق و
الحياء[51] .
و أما قوله بأن سعيدا هو أول من وضع العشور
على الجسور و القناطر ، فهو غير صحيح من حيث الإسناد ، و إذا افترضنا –جدلا
– صحته فهو ربما تصرّف استدعته ظروف البلد
خدمة للصالح العام ، ولم يكن القصد منه الإضرار بالرعية و أكل أموالها بالباطل ،
لأن سعيدا معروف بسخائه و كثرة إحسانه إلى الناس ،و عدم إمساكه للمال.
و رابعا أنه رُوي أن سعيد بن العاص عيّر
أحد رعيته و اعتدى عليه ، فضربه و احرق بيته ، و تفصيل الخبر هو أن سعيدا قال يوما
لأهل الكوفة : من رأى منكم الهلال ؟ فقال هاشم بن عتبة بن أبي وقاص : أنا رأيته .
فقال سعيد : بعينك هذه العوراء رأيته من بين القوم . فقال هاشم : تعيّرني بعيني ،
و إنما فتقت في سبيل الله يوم اليرموك . ثم في اليوم التالي أصبح هاشم في داره
مفطرا ، و تغدى الناس عنده ، فلما سمع به سعيد أرسل إليه من ضربه و أحرق داره ؛
فلما بلغ الخبر سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – اتصل بعثمان و أخبره بما حدث لهاشم ، فحكم
عثمان بضرب سعيد بن العاص ،و حرق داره التي بالمدينة[52] .
هذا الخبر رواه ابن سعد و ابن عساكر بلا
إسناد ، و اكتفيا بقولهما : قالوا – أي
الرواة- و هذه الصيغة لا تغني عن الإسناد بأي حال من الأحوال ، لذا فخبرهما مردود لأنه فقد شرطا أساسيا من شروط
صحة الخبر . و إذا افترضنا صحته فهو تصرّف
خاطئ من سعيد بن العاص ، و ربما عيّره مزاحا و تعجبا ، إذ كيف لا يرى أهل البلد
الهلال و يراه أعور ؟.
و أما
ضربه و إحراق داره فدافعه هو الغضب ، لخروجه
–أي هاشم – عن سلطة الأمير و مخالفته له ،و تسببه في
إحداث فتنة بين الناس ، فهو لم يكتف بأنه أصبح مفطرا ، بل دعا الناس و غداهم في
بيته ، و هذا تصرّف ربما رأى فيه سعيد تحد سافر له و لهيبة الإمارة . كما أنه لا
يخفى علينا أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان قد اقتص من واليه على الكوفة و عامله
بالمثل. كل هذا قلناه على فرض صحة الخبر ، و إلا فهو غير ثابت .
و تتميما لما ذكرناه و إثراء له ، نورد
طائفة من الشواهد التاريخية عن شخصية سعيد بن العاص ، المتهم بسوء السيرة في رعيته
، لكي نتعرّف على شخصيته الحقيقية ،و نزيد ما أثبتناه سابقا توضيحا و تأكيدا . فمن
ذلك أولا ، أن الرجل له جهاد و غزو ، ففتح أذربيجان ،و جرجان ، طبرستان ، و غيرها
من الأقاليم ، و كان معه أعيان من الصحابة ، كحذيفة بن اليمان[53] .
و ثانيا أن سعيد بن العاص قد وُصف بأنه كان
حكيما عاقلا ، فمن حكمه قوله : لا تمازح الشريف فيحقد عليك ، و لا تمازح الدنيء
فتهون عليه[54]
. و قوله : (( إن المكارم لو كانت سهلة يسيرة ، لسابقكم إليها اللئام ، و لكنها
مرة لا يصبر عليها إلا من عرف فضلها و رجا ثوابها ))[55] .
و ثالثا أنه اتصف بالصدق و الأمانة ، بدليل
أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – استعمله على أراضي السواد بالعراق[56] .
و أن عثمان – رضي الله عنه – جعله من بين الذين كتبوا المصحف الشريف[57] .
و أنه – أي
سعيد – من رجال أئمة الحديث ، فقد روى له البخاري
في الأدب المفرد ، و مسلم في الصحيح ،و أصحاب السنن في سننهم[58] .
و رابعا أنه اشتهر بمكارم الأخلاق ، منها أنه
كان سخيا كثير الإحسان إلى الناس ، فرُوي أنه اشترى دارا من أنصاري ثم ندم هذا
الرجل على بيعها ، فأرجعها إليه سعيد و لم يأخذ منه الدراهم ، ثم أن الرجل ردها
إليه ثانية فقبلها منه سعيد ، ثم ندم عليها الرجل مرة أخرى فأرجعها سعيد إليه ، و
أعطاه مائة ألف أخرى زيادة على الأولى[59] .
و من أخلاقه أيضا ، أنه لم يكن يسب علي بن أبي طالب ، في دولة بني أمية[60] .
و عندما قدم الزبير بن العوام إلى الكوفة ، أرسل إليه مائة ألف فقبلها .و رُوي أنه
كان يبعث في كل ليلة جمعة إلى مسجد الكوفة صررا فيها الدنانير مع مولى له ، فيضعها
بين المصلين ، فكثر المصلون ليلة كل جمعة بمسجد الكوفة[61] .
و رُوي أن أعرابيا سأله شيئا ، فأعطاه 500 دينار ، فبكى الأعرابي من شدة الفرح[62].
و منها أيضا ، فقد رُوي أنه –أي سعيد – كان في أحد الأيام يمشي و حده في المسجد ،
فقام رجل عن يمينه ، ثم توجه سعيد إلى داره ، فتبعه الرجل ، فلما بلغ سعيد داره ،
قال للرجل : ما حاجتك ؟ قال : لا حاجة لي ، رأيتك تمشي وحدك فوصلتك ؛ فأعطاه سعيد
ثلاثين ألفا[63]
.
و عندما كان – أي سعيد – واليا على المدينة وأصاب أهلها جدب و قحط
أنفق عليهم كل ما في بيت المال ، و استدان من أجلهم ، فلما سمع به الخليفة معاوية
بن أبي سفيان عزله عن ولاية المدينة[64] .
و رُوي أيضا أنه كان إذا سأله سائل و ليس عنده ما يعطيه ، يقول له : اكتب علي
بمسألتك سجلا ، إلى يوم يسرتي .و مات و عليه من الدين 80 ألف دينار[65] .
و خامسا أن مما يدل على أن سعيدا كان
خيّرا متواضعا ، أن بعض الروايات ذكرت أنه اتخذ بطانة من أهل الفضل و العلم ،و كان
ممدحا عند الناس ، يجلس لهم ،و بابه مفتوح لكل إنسان[66] .
و عندما نقم عليه جماعة من المشاغبين و الحساد ،و طعنوا فيه و في الخليفة ، لم
يتخذ ضدهم إجراءات قمعية صارمة ، و إنما نصحهم و لاينهم ، ثم رفع أمرهم إلى
الخليفة لعلهم يرجعون إلى جادة الصواب[67] .
لكن ذلك لم ينفع معهم ، و واصلوا تثويرهم للناس على عثمان حتى قتلوه .
و مما يدعم ما قلته ، أن أهل الكوفة معروفون
بكثرة مشاغباتهم على الأمراء ، منذ أيام عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فهم كثيروا التشكي من و لاتهم لتغييرهم ،
لكنهم صبروا على سعيد بن العاص خمس سنوات . ألا يشير هذا على رضاهم به ،و سيرته
الحسنة فيهم ؟ .
و سادسا أن بعض كبار المؤرخين قد مدحوا
سعيد بن العاص ، و شهدوا له بالحكمة و العقل ،و الكفاءة و الحلم ،و مكارم الأخلاق
؛ فقال عنه الذهبي : (( كان أميرا شريفا جوادا ، ممدحا حليما ، وقورا ذا حزم و عقل
، يصلح للخلافة ))[68]
.و قال عنه ابن كثير : كان حسن السيرة ، جيد السريرة، كريما جوادا ممدحا[69]
.و قال عنه ابن العماد الحنبلي : (( كان ممدحا كريما عاقلا ، اعتزل الجمل و صفين
))[70] .
و أخيرا أشير هنا إلى أن الذين منعوا سعيدا
من دخول الكوفة ، لا يمثلون إلا أنفسهم و من كان على شاكلتهم ، فقد روى ابن أبي
شيبة بإسناد صحيح[71]
، أن الصحابيين حذيفة بن اليمان ،و أبا مسعود البدري ، لم يوافقا على طرد سعيد ، و
قالا لمن جاء إليهما و قال لهما إنه على السنة ، : (( كيف تكونون على السنة ،و قد
طردتم إمامكم ،و الله لا تكونون على الستة حتى يشفق الراعي ،و تنصح الرعية[72] .
و رُوي أيضا ، أن الأشتر النخعي لما كان ُيحرّض الناس على الخروج معه لرد سعيد بن
العاص ، لم يخرج معه حلماء الناس و أشرافهم و وجوههم ،و خرج معه عوامهم ؛ و كان
عقلاء البلد قد نهوه – أي الأشتر – فلم يسمع منهم و خرج مع أعوانه إلى سعيد و
منعوه من دخول الكوفة ، فقال لهم : (( و
هل يخرج الألف لهم عقول إلى رجل واحد ))[73] .
و في هذا الشأن يقول شيخ الإسلام بن تيمية :
إن إخراج أهل الكوفة لسعيد بن العاص ، لا يدل على (( ذنب يوجب ذاك ، فإن القوم
كانوا يقومون على كل وال ، و قد قاموا على سعد بن أبي وقاص ،و هو الذي فتح البلاد
،و كسرى جنود كسرى ،و هو أحد أهل الشورى ، و لم يتول عليهم نائب مثله . و قد شكوا
غيره – أي سعيد بن العاص – مثل عمار بن ياسر ، و سعد بن أبي وقاص ، و
المغيرة بن شعبة و غيرهم ، و دعا عليهم عمر بن الخطاب –رضي
الله عنه – فقال : اللهم قد لبّسوا علي ، فلبّس عليهم
))[74] .
و أشير هنا إلى أن عثمان – رضي الله عنه – عندما استجاب لأهل الكوفة حين طردوا أميره
،و عينوا أبا موسى الأشعري محله ،و طلبوا منه الموافقة ، يكون قد بالغ في مطاوعتهم
،و ملاينتهم ، و مسامحتهم . نعم قد يُقال
أن عثمان قد تصرّف معهم بذلك التصرّف حسما لعللهم ،و دفعا لشرهم و ُشبههم ؛ لكنني
أرى – مع وجاهة ذلك التعليل – إنه كان عليه أن يؤدبهم و لا يسكت عنهم ،
لأن ما فعلوه هو تعد صارخ على الأمير و الخليفة ،و هيبة الدولة ، هذا فضلا على أن
هؤلاء الناقمين من الحساد و الأوباش و
الرعاع ، لا يستحقون تلك المعاملة ، بعدما تجاوزوا حدودهم .و قد أثبتت الأيام أن
هؤلاء و أمثالهم هم الذين أشعلوا نار الفتنة الكبرى بين المسلمين .
و ختاما لما أوردناه عن سعيد بن العاص ،
يتبين لنا منه أن الاتهامات الموجهة إليه لم تثبت ، و إنما هي من افتراءات و
مبالغات خصومه .و أن عثمان – رضي اله عنه – كان موفقا في اختيار سعيد أميرا ، لما كان
يتمتع به من أخلاق حسنة ،و كفاءة عالية ، جعلته يصلح للخلافة على حد قول شمس الدين
الذهبي .
( ج ) عبد الله بن
سعد بن أبي سرح :
اعتنق عبد الله بن سعد بن أبي سرح-رصي الله عنه- الإسلام قبل فتح مكة ،
لكنه ارتد عنه ، و التحق بالمشركين ، فأهدر النبي –عليه الصلاة و السلام- دمه ،
وعندما فتحت مكة استجار بأخيه من الرضاعة : عثمان بن عفان-رضي الله عنه- فآجره و
جاء به إلى رسول الله –صلى الله عليه و سلم – و شفع له عنده ليتوب و يبايعه ، فقبل
منه و بايعه و عاد عبد الله إلى الإسلام من جديد ، فحسن إسلامه ، و استقامت سيرته
، و ولاّه عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-
صعيد مصر، ثم عندما تولي عثمان الخلافة ولاّه على مصر كلها لمدة طويلة ، و
استقامت سيرته فيها[75] .
لكن خصومه من دعاة الفتنة و السبئية أثاروا عليه العوام ، و طعنوا فيه و في
الخليفة ،و شكوه إلى عثمان و اتهموه بتهم
خطيرة،و طالبوا بعزله . فما هي هذه التهم ؟ و هل لها من حقيقة ، أم هي مجرد ذريعة تندرج ضمن خطة
موجهة لإثارة القلاقل ، و الكيد للمسلمين ، و الإطاحة بالوالي و خليفته ؟ .
أولا ، ففيما يخص التهم الموجهة إليه ،فإن
بعض الروايات ذكرت أن وفد مصر ذهب إلى الخليفة عثمان-رضي الله عنه- و شكا إليه عبد
الله بن أبي سرح ، و طالبوه بعزله ، دون ذكر أية
تهمة محددة[76] .
لكن بعضها حدد التهمة ، أولها ما رواه الحافظ ابن عساكر (ت571ه) بقوله : أخبرنا
أبو بكر وجيه بن طاهر ، أخبرنا أبو حامد بن الحسين ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن
حمدون ، أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن ، أخبرنا محمد بن يحي الذهلي ، أخبرنا هشام
بن عمار ، أخبرنا محمد بن عيسى بن القاسم ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب ، عن
الشهاب الزهري ، قال: قلت لسعيد بن المسيب هل أنت مخبري كيف قتل عثمان ؟ فكان مما
قاله له ، أن وفدا من مصر قدم إلى الخليفة عثمان –رضي الله عنه- ليشكو إليه عامله
بمصر: عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، فكتب إليه عثمان يتهدده و ينهاه ، فلم يسمع له
، و لم يقبل منه ، و ضرب رجلا –كان من بين الذين قدموا إلى عثمان- فقتله ؛ فأدى
ذلك إلى خروج 700 رجل من أهل مصر ، و ذهبوا إلى الخليفة ، فلما و صلوا إلى المدينة
، أخبروه بما فعله بهم عامله بمصر ، و شكوا إلى الصحابة ما صنعه بهم والي مصر عبد
الله بن سعد ؛ فلما لم ينصفهم الخليفة تدخل طلحة ، و علي ، و عائشة –رضي الله
عنهم-و طالبوا عثمان بالعدل و الاقتصاص من القاتل . فتراجع عثمان عن موقفه و قال
للمصريين : اختاروا من تريدونه واليا عليكم ؛ فاختاروا محمد بن أبي بكر ، و عادوا
إلى مصر لكنهم بعد مسيرة أيام رجعوا إلى
المدينة ،و زعموا أنهم وجدوا كتابا من عثمان مع غلام له ، فيه أمر لوالي مصر
بقتلهم[77] .
و الرواية الثانية رواها ابن طاهر المقدسي
(ت507ه )، بلا إسناد ،و زعم فيها أن عبد الله بن أبي سرح قتل 700 رجل بدم واحد ،
فعزله عثمان ، و لم ينكر عليه فعلته[78]
فبالنسبة لرواية ابن عساكر ، فإسنادها لا يصح
، لأن فيه ضعفا و تدليسا ، و ذلك أن من رجاله : محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع
الدمشقي (ت 206ه) ، قال عنه أبو حاتم لا يحتج به . و هو قد روى هذه الرواية عن
الحافظ ابن أبي ذئب (ت159ه) ، و لم يسمعها منه ، و إنما سمعها من إسماعيل بن يحي ،
فأسقطه من الإسناد و لم يذكره ، لأن إسماعيل هذا
ضعيف ، و كان يضع الحديث[79] .
و أما متنها فهو الآخر باطل ، لثلاثة معطيات، أولها أن ما ذكرته هذه
الرواية عن قتل الرجل المصري ، لم تذكره روايات أخرى[80] . الأمر الذي يدل على أن مسألة القتل قد تكون
مقحمة في الخبر . و يؤيد ذلك أن أهل مصر لما اجتمع بهم عثمان- رضي الله عنه- اتفق
معهم على عزل ابن أبي سرح و تعويضه بمحمد
بن أبي بكر ، فرضوا و توجهوا إلى بلادهم ،و لم يطرحوا قضية الاقتصاص من القاتل ،
أو دفع الدية لولي المقتول و هذا أمر شرعي لا يجوز السكوت عنه ،و هم قد أتوا من
أجله ! أفلا يدل سكوتهم عنه على أنه خبر قد يكون أقحم في الرواية ؟ .
و الثاني هو أن ما ذكرته الرواية عن سلبية الخليفة عثمان تجاه عامله بمصر
،و عدم اكتراثه بمطالب وفد مصر ، حتى تدخل الصحابة و أنبوه و حملوه على إنصافهم
؛هو خبر باطل يثير الضحك و التعجب ، لأن ذلك التصرّف لا يصدر عن مسؤول عادي ؛ فكيف
يصح أن نتصوّر صدوره عن صحابي جليل مشهود له بالجنة ،و خليفة راشد يعرف واجباته تجاه أمته ، و له مواقف حازمة
تجاه ولاته ؟ ! من ذلك أنه عندما اُتهم
أخوه من الرضاعة : الوليد بن عقبة ، بشرب الخمر عزله عن ولايته ، وأقام عليه الحد
. و هذا خبر ثابت مشهور رواه البخاري و غيره من المحدثين و المؤرخين .
و المعطى الثالث هو أن الرواية
المشهورة عن خروج وفد مصر إلى عثمان-رضي
الله عنه- لم تذكر أنه خرج وحده إليه بسبب قتل ابن سرح لرجل منهم ؛ و إنما ذكرت
أنه خرج مع وفدي البصرة و الكوفة ،و فق خطة مبيتة و محكمة ، بدعوى الخروج لأداء
فريضة الحج ،و في نوايا زعمائهم قتل عثمان[81] .
فلو كان سبب الخروج قتل رجل مصري ، ما احتاج الأمر إلى ذلك التكتم و التمويه ، و
لا إلى خروج وفدي الكوفة و البصرة .
و أما رواية ابن طاهر المقدسي(ت507ه) ،فهي رواية بلا إسناد ،و من ثم فنحن
نرفضها أصلا ، لأنها فقدت شرطا أساسيا من شروط صحة الخبر . و أما متنها فهو ظاهر
البطلان ، و يثير الضحك و الاستغراب ، و تبطله انتقاداتنا السابقة لرواية ابن
عساكر . فهل يعقل أن يقتل عبد الله بن أبي سرح 700 رجل ثم لا ينكر عليه عثمان
فعلته ؟ ! و هل يعقل أن يحدث كل ذلك و لا تذكره المصنفات التاريخية و الحديثية
المعروفة ، حتى يأتي ابن طاهر المقدسي بعد 400 سنة ، و يرويه لنا ؟ !
و أشير هنا إلى أن هناك شواهد أخرى ، تزيد الأمر
وضوحا ،و تبعد التهمة عن عبد الله بن سعد ، و تثبت أن خصومه يكذبون عليه .
منها أن عبد الله بعدما عاد إلى الإسلام ،
قد حسن إسلامه ، و لم يظهر منه ما ينكر عليه ،و لم يعلم منه إلا الخير و الجود و
الكرم ،و كانت له سيرة محمودة في رعيته ،و له
مواقف مشرّفة بطولية في الفتوحات الإسلامية ، فعلى يديه فتحت إفريقيا (سنة
27ه) ،و انتصر المسلمون على الروم في معركة ذات الصواري سنة 34ه[82] .
و أنه أيضا كان مطيعا للخليفة عثمان بن عفان و غير معاند له ، فعندما وعده
بخمس الخمس إن هو فتح إفريقيا ، ثم تمّ له ذلك ، و أنكر عليه جنده أخذه لخمس الخمس
و شكوه للخليفة ، استجاب له –أي لعثمان – عندما أمره برد ما أخذه على الجند ، و أن
يولي عليهم من يرضاه و يرضونه ، ففعل ما أمره و انقلب عائدا إلى مصر ، و لم يحتج
عليه بوعده له ،و لم يجد غضاضة في ذلك . و
مما يدل عل كفاءته و حسن سيرته ، أن الخليفة عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-ولاّه
صعيد مصر و جعله من رجال دولته[83] .
أفلا ليس من العيب و من الكذب ، أن يتهم رجل هذه سيرته ، بالظلم وقتل الأبرياء ؟!
.
و منها – أي الشواهد – هو أن بعض الرواة كذبوا على ابن أبي سرح
كذبا مفضوحا دون حياء ! من ذلك ثلاث روايات ، الأولى رواها الطبري عن أبي مخنف ،
قال حدثني يوسف بن يزيد ، عن عبد الله بن عوف بن الأحمر ، أنه قال : عندما كانت
حرب صفين قائمة بين جيشي الشام و العراق سنة 37ه ، أرسل علي رسولا إلي معاوية بن
أبي سفيان ، فوجد من بين جلسائه :
عبد الله بن سعد بن أبي سرح و الوليد بن عقبة [84] .
و الثانية رواها كمال الدين بن جرادة (ق7ه)، بإسناد طويل ينتهي عند عبيد الله بن محمد القرشي المعروف
بابن عائشة ، و موضوعها نفس موضوع رواية الطبري السابقة الذكر ، و قد ذكر فيها عبد
الله بن أبي سرح[85]
.
و أما الرواية الثالثة فهي الأخرى رواها
الطبري عن أبي مخنف لوط ، قال حدثني عبد الرحمن بن جندب الأزدي ، عن أبيه ، أنه
قال: عندما التقى الجمعان في معركة صفين(سنة37ه) ،و رفع أهل الشام المصاحف ، قال
علي بن أبي طالب لأصحابه : إن هؤلاء رفعوا المصاحف خديعة و مكيدة و دهنا ، فعليكم
بقتال عدوكم ، فإن (( معاوية ،و عمرو بن العاص ،و ابن أبي معيط ،و حبيب بن مسلمة ،
و ابن أبي سرح ،و الضحاك بن قيس ، ليسوا بأصحاب دين ،و لا قرآن ، أنا أعرف بهم
منكم ، قد صحبتهم أطفالا و صحبتهم رجالا ، فكانوا شر أطفال و شر رجال ))[86] .
فبخصوص أسانيد هذه الروايات الثلاث ، فهي كلها لا تصح ، فالأولى في إسنادها
: أبو مخنف لوط بن يحي (ت270ه) ، و هو ضعيف ليس بثقة ، و شيعي محترق صاحب أخبارهم
، و إخباري تالف لا يوثق به[87] .
و فيها أيضا يوسف بن يزيد ، تكلم فيه بعض المحدثين ، فضعفه يحي بن معين ،و قال عنه النسائي : ليس بذاك[88].
و الرواية الثانية هي الأخرى في إسنادها أبو مخنف لوط بن يحي .و وأما
الثالثة ذات الإسناد الطويل ، فهي تنتهي بعبيد الله بن محمد القرشي المعروف بابن
عائشة ، و هو ثقة صدوق[89] ؛
لكن إسنادها فيه انقطاع كبير، لأن ابن عائشة توفي سنة 228ه ،و الحادثة المروية
(معركة صفين) حدثت سنة 37ه ؛ فبينه و بينها أكثر من 100 سنة !
و أما من حيث المتن ، فإن الروايات الثلاث قد ذكرت أن عبد الله بن أبي سرح
قد شهد حرب صفين سنة 37ه ، و هذا غير صحيح ، لأنه قد صح الخبر في أن ابن أبي سرح
لما أخرجه محمد بن أبي حذيفة من مصر ، اعتزل الفتنة و لم يبايع لأحد ،و التجأ إلى
فلسطين فرارا من الفتنة ، فضل بها إلى أن وافته المنية سنة 36 ه و هو يؤدي صلاة
الفجر[90] . فهل يعقل بعد هذا أن يقال أن ابن أبي سرح
شارك في معركة صفين سنة 37ه ؟ ! . و نفس الشيء يقال عن الوليد بن عقبة ، فإنه
اعتزل الفتنة و لم ينظم لمعاوية و لا لعلي ، و خرج إلي ناحية الرقة و سكنها إلى أن
مات( ابن حبان: الثقات ج3ص:430 ) .
و من جهة ثانية ،فإن الرواية الثالثة تحمل أمورا أخرى تبطلها ، منها أنها
ذكرت أن عليا قال في رفضه للتحكيم ، أن الذين دعوا إليه هم من الأشرار ،و أنه
صحبهم أطفالا و رجالا ، كحبيب بن مسلمة و الضحاك بن قيس و ابن أبي معيط . و هذه دعوى باطلة لا تصح تاريخيا ؛ لأن عليا
المولود سنة 18 أو 20 قبل الهجرة ، من الطبيعي أن يصحب في طفولته كل من معاوية بن
أبي سفيان المولود سنة17 ق ه ، و عمرو بن العاص المولود سنة20 ق ه ، لكنه لا يمكن
أن يصحب حبيب بن مسلمة ،و الضحاك بن قيس ،
لأن الأول ولد سنة 2 ق ه،و الثاني ولد سنة 4 ق ه أو 8 ه [91] .
فهل يعقل أن يصحب علي هؤلاء ،و هم في سن الطفولة و هو يكبرهم بنحو 16 سنة ؟ ! . و أما ابن أبي معيط و إسمه الكامل : الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، فهو أمر في غاية
البطلان ، لأن الوليد عندما فتحت مكة سنة 8ه كان ما يزال صبيا[92] و
علي له من العمر 26أو 28 سنة ! .
و منها أيضا أنها ذكرت أن عليا –رضي الله عنه – رفض الصلح و أن القراّء
أجبروه عليه .و هذا خبر مشهور لكنه غير صحيح ، و الصحيح ما رواه الإمام أحمد و
البخاري و ابن أبي شيبة ، من أن عليا قبل الصلح و الاحتكام إلى كتاب الله ،و إنما
القراء هم الذين أنكروا عليه قبوله للصلح[93] .
فيتضح من كل ما ذكرناه عن الصحابي عبد
الله بن أبي سرح –رضي الله عنه- أن عثمان بن عفان كان موفقا في اختياره أميرا ،
لحسن سيرته و كفاءته . و أنه – أي عبد الله - لم يكن ظالما قتالا معاندا للشرع كما
صوّرته الروايات الشائعة المكذوبة المغرضة ، و إنما كان واليا عادلا مجاهدا محبوبا
لدى رعيته .
(د) عبد الله بن عامر بن كُريز :
هو ابن خال عثمان بن عفان ، ولاه إمارة البصرة سنة 29 ه، خلفا لأبي موسى
الأشعري ، و استمر بها إلى استشهاد عثمان[94]
.و عبد الله هذا هو من أقارب عثمان الذين طعن فيهم دعاة الفتنة ،و انتقدوا الخليفة
على توليته الإمارة[95] .
فما هي التهم الموجهة إليه ؟ و هل كان ظالما لرعيته ؟
أولا لم أعثر في المصادر – المتوفرة لدي – على أية تهمة محددة معروفة وجهت لعبد الله
بن عامر ، إلا ما سبق ذكره من أن دعاة الفتنة حين انتقدوا عثمان في تولية أقاربه
الإمارة ، ذكروا من بينهم أميره على البصرة عيد الله بن عامر بن كريز ، . و قولهم
هذا هو زعم لا دليل عليه ، و العكس هو الذي عثرت عليه ، إذ اتفقت المصادر على مدحه
و الثناء عليه ، فقالت أنه كثير المناقب ، و سخي كريم ،و رفيق حليم ،و جواد شجاع
،و ميمون ُممدح كريم النقيبة[96] .
و ثانيا أن من أعماله الخيرية التي تثبت ما قلناه سابقا ،و تبين جانبا من
شخصيته
الخيّرة ، أنه كان مفعالا للخير ، ُيحسن لكل الناس ، من
يعرف منهم و من لا يعرف .و كان أيضا يشتري العبيد و يعتقهم[97].
و منها أنه حفر آبارا كثيرة في مناطق عديدة من البلاد[98] .
و عندما فتح خُراسان ثم توجّه إلى الحج رُوي أنه فرّق على أهل المدينة أموالا
عظيمة ، حتى قال فيه علي بن أبي طالب :(( هو سيد فتيان قريش بغير مدافع ))[99].
و من أعماله المشهورة أنه هو أول من اتخذ الحياض بعرفة ، و أجرى إليها
العيون ، و سقى الناس الماء ،و كانوا من قبل يحملونه من منى يتروونه إلى عرفات ،
لذلك سموه يوم التروية[100].و
يُروى أنه اشترى دارا من خالد بن عقبة بن أبي معيط بثمانين أو تسعين ألف درهم ،
فلما كان الليل سمع بكاء أهل خالد ، فقال لأهله : ما سبب بكاء هؤلاء ؟ فقالت له :
يبكون دارهم ، فقال : يا غلام أعلمهم أن الدار و المال لهم جميعا[101]
.
و أما فيما يخص علاقته بأهل البصرة ، فيُروى أنه كان يتحبب إليهم بالإحسان
إليهم ، فشق لهم نهر البصرة ،و بنى لهم سوقا ، حيث اشترى دورا و هدمها ،و انشأ
محلها سوق البصرة[102]
. و يُروى أن أبا موسى الأشعري –رضي الله عنه – لما علم بمجيء عبد الله بن عامر ليخلفه على
إمارة البصرة، مدحه و قال لأهلها : (( قد أتاكم فتى من قريش ، كريم الأمهات و
العمات ، يقول بالمال فيكم هكذا و هكذا ))[103].
و ثالثا أن الرجل كان شجاعا حازما ، له جهاد و غزو ، ففتح خُراسان ، و
مناطق عديدة من بلاد فارس ، كأسطخر،و الكاربان،و أردشير،و سجستان ، و عندما فتح
خراسان أحرم من نيسابور شكرا لله ،و توجه إلي الحج[104]
.
و رابعا فقد رُوي أن عبد الله بن عامر، عندما كان طفلا صغيرا ، أُخذ إلى
رسول الله –صلى الله عليه و سلم- فقال : هذا شبهنا
، ثم تفل عليه و عوّذه ، فجعل عبد الله يتسوق ريق النبي –عليه
الصلاة و السلام – فقال الرسول : إنه لمسقى . فكان عبد الله لا
يُعالج أرضا إلا ظهر له فيها الماء[105].
و ختاما لما سبق ذكره يتبين لنا أنه لا توجد أية تهمة معروفة و محددة ،
تطعن في عبد الله بن عامر بن كريز، من حيث أخلاقه و سلوكه مع رعيته .و أنه كان
يتمتع بأخلاق حسنة و كفاءة عالية ،و له أعمال خيرية جليلة ، مما يثبت أن ما اتهمه
به دعاة الفتنة غير صحيح ،و أن عثمان أحسن اختياره عندما عيّنه واليا على
البصرة .
( ه ) معاوية بن أبي سفيان :
تولى معاوية بن أبي سفيان –رضي
الله عنهما- إمارة دمشق في عهد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- و استمر عليها إلى خلافة
عثمان ، الذي جمع له كل الشام . و قد انتقده دعاة الفتنة لإسناده الإمارة لأقاربه
، منهم : معاوية بن أبي سفيان[106]
. فهل أساء معاوية السيرة في رعيته ؟ و هل أخطأ عثمان عندما أبقاه واليا ؟ .
أولا إنني لم أعثر على حوادث تذكر أن أهل الشام ثاروا على معاوية ، أو أنهم
شكوه إلى عثمان و طلبوا منه عزله و تغييره بمن يحبون ، على غرار ما حدث في الكوفة
و البصرة و مصر . مما يعني أن معاوية كان موفقا في حكمه لأهل الشام ، محبوبا عندهم
، لذا وجدناهم يقفون معه في موقعة صفين و ما بعدها .
و ثانيا أن الباحث أبا الأعلى المودودي ، انتقد عثمان بن عفان في إيقائه
معاوية واليا مدة طويلة ، و توسيع رقعة ولايته لتشمل كل الشام ، بعدما كانت في عهد
عمر مقتصرة على دمشق ، الأمر الذي مكّنه من ترسيخ نفوذه ، و الوقوف في وجه علي بن
أبي طالب مستقبلا[107]
. و ملاحظة المودودي صحيحة في أن معاوية استغل طول مدة ولايته في تقوية نفوذه في
الشام ، لكن لماذا يعزله عثمان ؟ .
إن عثمان معروف عنه أنه لم يكن يعزل أحدا من
ولاته إلا إذا شكته رعيته ، أو استعفاه واليه من منصبه فيعفيه ، أو ساءت علاقته
بأعوانه المقربين منه[108]
. و هو كما أبقى معاوية على ولايته منذ أيام عمر ، فإنه أبقى أيضا يعلى بن منية
على اليمن ، و كان قد تولاه منذ عهد عمر[109]
. و معاوية لم يطلب الاستعفاء ،و لم تشتكيه رعيته إلى الخليفة ، لأنه كان عادلا
معها و هي تحبه ،و لم تشهد ولايته الفتن و القلائل التي شهدتها مصر و الكوفة و
البصرة . لذا فإنه ليس من مصلحة عثمان أن يعزل معاوية ، و من المحتمل جدا – إن لم يكن مؤكدا – أنه لو عزله فإن رعيته ستحتج و تطالب
بإرجاعه ،و تطرد من يخلفه ، انطلاقا من حبها له ، أو بإعاز منه أو من رجاله ، أو
من الكل .
لذلك ليس من الحكمة ،و لا من مصلحة الخليفة عزل معاوية ، لأنه لو عزله فإنه
سيفتح على نفسه فتنا أخرى ، في ظرف كثر فيه الناقمون عليه ،و هو في أمس الحاجة إلى
من يساعده على استتباب أوضاع الخلافة . و لو كره أهل الشام معاوية لثاروا عليه ،و
أثاروا في وجهه الفتن حتى يترك الإمارة ، و سيلبي الخليفة رغبتهم في عزله على غرار
ما حدث في الكوفة و مصر .
و ختاما لما أوردناه في هذا المبحث ، يتبين لنا منه أن عثمان - رضي
الله عنه- لم يول من أقاربه من لا يصلح للإمارة ، فكلهم كانت لهم قدرات و كفاءات
عالية لتولي المسؤوليات , و أنهم أحسنوا إلى رعيتهم و تحببوا إليهم ، و كانت لهم
فتوحات و غزوات ؛ مما يثبت أن اتهامات الناقمين على عثمان ،و ولاته غير صحيحة
، و ما صح منها فهي اجتهادات أو أخطاء
قليلة و محدودة الأثر، لا يكاد يخلوا منها مجتمع ، و ما كانت تلك الأخطاء لتنتهي
إلى الثورة على عثمان و قتله ، لو لم تكن من ورائها النوايا الخبيثة لرؤوس
الفتنة . و تبين أيضا أن ولاة عثمان من
أقاربه ، قد حيكت حولهم روايات كثيرة مكذوبة للنيل منهم و من الخليفة ، افتراها
عليهم كذابون من الحاسدين و الماكرين و الرواة المحترفين للتزوير .
ثالثا : هل كان عثمان ضعيفا عاجزا عن
إدارة الدولة :
ربما يُقال أن من أسباب الثورة على عثمان ، أنه ما كان أهلا للقيام بأعباء
الخلافة لضعفه و عجزه و عدم أهليته . فهل هذا الزعم صحيح ؟ إنه زعم باطل ، لأنه
أولا ، أن الصحابة الكرام هم الذين بايعوا عثمان بالإجماع لتولي الخلافة ،و لو لم
يكن أهلا لها ما قدموه و ما بايعوه بالإجماع.
و ثانيا أن لعثمان مواقف تدل على حزمه و تأديبه و توبيخه لولاته و رعيته ،
منها ما سبق ذكره من أنه عندما شرب الوليد
بن عقبة الخمر ، حدّه و عزله عن إمارة الكوفة . و عندما سمع أن عامله على
البصرة عبد الله بن عامر قد أحرم للحج من
نيسابور شكرا لله على أثر فتحه لخُراسان، أنكر عليه فعله ، وأرسل إليه يتوعده ،و
يقول له لقد تعرّضت للبلاء[110]
.
و منها أيضا أن بعض الناس لما رأوا أن عثمان قد لان لهم و وصلهم[111]
، وجدوا في ذلك مدخلا لمعارضته ، فيُروى أنه عندما أراد توسيع المسجد الحرام –بعدما
ضاق بالمصلين- سنة 26ه ، أبتاع من قوم منازلهم ،و أبى آخرون بيعها له ، فهدمها رغم
أنفهم ،و وضع الأثمان في بيت المال ، فصاحوا به فأمر بحبسهم ،و قال لهم : (( ما
جرأكم عليّ إلا حلمي ، و قد فعل بكم عمر فلم تصيحوا به ))[112]
. فهؤلاء ظنوا أن الخليفة الليّن الحليم سيتراجع أمام رفضهم و احتجاجهم ، لكنه
خيّب ظنهم ،و اتخذ منهم موقفا حازما ،و إجراء رادعا عندما تعلّق الأمر بهيبة
الدولة ،و بمصلحة المسلمين العامة .
و منها أن عثمان لم يكن غافلا عما يجري في الأمصار ، فقد كانت التقارير
تصله من ولاته عن أوضاع البلاد ،و تحركات المشاغبين عليه ، فقد رُوي أنه أمر
بتسيير هؤلاء المشاغبين من مصر إلى الشام ، فحبسهم أمير حمص : عبد الرحمن بن خالد
بن الوليد ، و أدبهم و أذلهم حتى أظهروا الندم و التوبة ، و أرسلوا الأشتر النخعي
نائبا عنهم إلى عثمان لينقل إليه ندمهم و توبتهم [113]
، لكنهم ما إن أطلقوا حتى عادوا إلى فتنهم ، فنظّموا صفوفهم و قدموا المدينة سنة
35 ه، و قتلوا الخليفة[114]
.
و يلاحظ على عثمان – من خلال تلك الحادثة- أنه لم يتخذ ضد هؤلاء
إجراءات قمعية صارمة في بدايات ظهورهم و بعد ه ، لردعهم و وضع حد لهم كالنفي و
القتل ،و السجن لمدة طويلة ، ربما لأنه كان يعتقد أن أمر هؤلاء ليس خطيرا لقلتهم و
ضعفهم ،و أن الحال لا يصل بهم إلى قتل خليفة المسلمين .
و ثالثا أنه وقع في أوهام كثير من الناس أن عثمان - رضي الله عنه - كان ضعيفا في موقفه من الفتنة
التي أحاطت به ، أو مستضعفا يُساق إلى ما يُراد له ،. و هذا خطأ تاريخي فاحش يجب
تصحيحه ، فقد كان في وسعه أن يتخذ ولاة من نظائر عمال يزيد بن معاوية ،و عبد الملك
بن مروان ،و ابنه الوليد ، فيُحكّمهم في رقاب المسلمين ، ليستبيحوا البلاد،و
يُذلوا العباد ، لكنه لم يفعل ذلك لأنه خليفة راشد يسوس الناس بالعدل،و راعيا شفيقا
يرعاهم بالرحمة و الليّن . و قد رأى أن له من الحقوق على رعيته ما كان لصاحبيه
الصديق و عمر من قبله ، لكن أهل الأهواء و دعاة الفتنة أبو عليه ذلك ، و أنى له من
(( رعية الصديق و الفاروق ،و كان عثمان من رعيتهما ،و كان ابن سبأ و أضرابه من
رعية عثمان ))[115]
.
و تبرز شجاعة عثمان و قوة نفسه ، في أنه كان من السابقين الأولين لاعتناق
الإسلام ، فتحدى قومه ،و تحمل العنت ،و هاجر إلى الحبشة مرتين من أجل دينه ،و جاهد
مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم – في غزواته .و عندما حاصره الأشرار لم يستجب لهم في ترك الخلافة ،
و كان يخرج لأداء الصلاة في المسجد إلى أن منعوه من الخروج وضيّقوا عليه ، لكنه ظل
متمسكا بموقفه ، و منع الصحابة و أولادهم من الدفاع عنه ،و أمرهم بالانصراف إلى
بيوتهم . فلو كان ضعيفا جبانا لأمر بقتال الثائرين عليه، أو لهرب لينجوا بنفسه ،
أو لاستجاب لمطالبهم و عزل نفسه لكي لا يقتلوه ، لكنه لم يفعل ذلك ، و صبر على
المحنة و لم يتزعزع ، حتى أتته الشهادة التي بشره بها رسول الله –عليه الصلاة و السلام -[116]
.
فأثبت بذلك أنه كان قوي الإيمان ، ثابت اليقين ، كبير النفس ، صبورا على
البلاء ، أبت عليه عقيدته و شجاعته أن يُقتل الناس من أجله ، أما إذا كانت الشجاعة
(( سفكا للدماء ،و تقتيلا للأبرياء ،و نهبا للأعمار ،و سلبا للأموال ، و إرعابا
للآمنين ، و ظلما و عدوانا ، فليست هذه الشجاعة من عثمان في شيء ،و ليس عثمان منها
في شيء ))[117]
. إنه اختار الشهادة ،و فدى الناس بنفسه ،و باء الأشرار بجريمته الشنعاء .
رابعا : هل كان الناس
يعانون من الظلم الاقتصادي ؟
ربما يظن بعض الناس أن الثائرين على عثمان كانوا يعانون من الظلم الاقتصادي
لذا ثاروا عليه . فهل هذا الظن صحيح ؟ إنه ليس صحيحا ، لأن عهد عثمان لم يعرف ظلما
اقتصاديا ، فقد كثرت فيه الأموال و الخيرات ، حتى تكدست و ضاق بها عثمان ذرعا ،
فاتخذ لها خزائن ،و قسّمها على الناس ، فكان يأمر للرجل الواحد بمائة ألف بدرة[118]
في كل بدرة أربعة آلاف أوقية[119]
. و قد صحّ الخبر أن الناس في زمن عثمان كانوا يأخذون أعطياتهم وافرة ،و يستلمون
أرزاقهم وافية ، و ما من يوم يمر إلا و يقتسمون فيه خيرا كثيرا ، و كان المنادي
يناديهم أن اغدوا على الملابس ،و السمن و العسل[120]
.
و أشير هنا إلى أنه قد صدرت عن عثمان – رضي الله عنه – تصرفات في توزيع الثروة ، أنكرها عليه أناس
من رعيته ، كان هو فيها مجتهدا ، انطلاقا من وجهة نظر فقهية . منها أنه لم يسو بين
المسلمين في العطاء كما فعل أبو بكر و علي
-رضي الله عنهما - ، و انما اتبع طريقة عمر بن الخطاب[121] – رضي الله عنه –في
التفضيل بين الناس في العطاء ، حسب مراتبهم في الإسلام ، و هذه مسألة فقهية اختلفت
فيها اجتهادات الفقهاء[122]
.
و منها أيضا أن عثمان كان له رأي
فيما يخص خمس الغنائم ، خالف به غالبية الفقهاء ، و مفاده هو أن العلماء قد
اختلفوا في خمس الغنائم بعد وفاة الرسول – عليه الصلاة و السلام- فقال بعضهم سقط الخمس
بعده ،و قال آخرون إن الخمس لذوي قربى الإمام – بعد الرسول- يقسّمه على أقاربه ، و هذا
الرأي قال به عثمان و الحسن بن علي ، و قال آخرون إن الخمس يُترك لاجتهاد الإمام
يقسمه بنفسه في طاعة الله و رسوله ، و هذا رأي أكثر السلف ،و أصح الأقوال دلّ عليه
الكتاب و السنة[123]
.
و قد جعل عثمان العاملين على الأموال ممن لهم
نصيب في العطاء ، و إن كانوا أغنياء قياسا على العاملين على الزكاة[124]
. و كان يرى أن قبيلة بني أمية – و هو منها – عددها كبير ،و معاشها قليل لذا فمن حقها
عليه أن يزيدها في العطاء[125]
، لذلك كان يعطي لكل الناس حقوقهم ،و يزيد لأقاربه أكثر ، مجتهدا في الإحسان إليهم
.و قد وافقه على اجتهاده طائفة من الفقهاء كالإمام مالك ، و رأت أن من حق الإمام
التصرّف في الخمس حسب اجتهاده ، و إن أعطاه لواحد فجائز[126]
.
و قد اُتهم عثمان بأنه بالغ في إعطاء الأموال لبعض أقاربه ، فروى اليعقوبي
، أن المسلمين لما فتحوا إفريقيا سنة 27 ، غنموا ما مقداره : 2520000 دينار ،
فأعطى عثمان ذلك المبلغ لمروان بن الحكم عندما تزوّج بابنته[127]-
أي بنت عثمان - . و هذا الخبر انفرد به اليعقوبي عن غيره من
المؤرخين[128]
في الزعم بأن عثمان أعطى خمس غنائم إفريقيا لمروان بن الحكم ، لأن من الثابت في
المصنفات التاريخية المعروفة ، أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، أخذ خمس الخمس
لنفسه ، ثم استرده منه الخليفة و أمره بتقسيمه على جنده ، أما باقي الخمس فأرسله
إلى عثمان، وأخذ الجنود نصيبهم المتعارف عليه من الغنيمة . و لم تذكر المصادر
المتوفّرة ما الذي فعله عثمان بالذي أُرسل إليه من باقي الخمس[129]
.
و من جهة أخرى فإن اليعقوبي لم يذكر لخبره إسنادا ، و اكتفى بقوله : و روى
بعضهم[130]
، و هذا دليل آخر يكفي لرد روايته التي فقدت شرطا أساسيا من شروط صحة الخبر .
و في رواية أخرى يقول الواقدي أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، بعث إلى
عثمان أموالا قيمتها :2520000 دينار ، فأعطاها بكاملها لآل الحكم ،و قيل لآل مروان[131]
. فالمبلغ الذي ُأرسل إلى الخليفة – حسب هذه الرواية – هو نفسه مجموع ما غنمه المسلمون على ما
ذكرته رواية اليعقوبي ، و هذا ما يشكك في رواية الواقدي ،و يعارضها و يزيدها ضعفا
، لأن هذه الرواية – أي رواية اليعقوبي – نصت على أن الذي أرسل لعثمان هو خمس ذلك المبلغ و ليس كله . كما
أن رواية الطبري ، و ابن كثير و الذهبي ، قد نصت على أنه لم يرسل إلى عثمان إلا
أربعة أخماس الخمس ، وقدره : 400 ألف دينار من مجموع الغنيمة الذي ذكره اليعقوبي .
و هذه الرواية لا تصح أيضا من حيث الإسناد ، لأن راويها محمد بن عمر
الواقدي ،و هو مطعون فيه ، متهم بالكذب ،و كان يتشيع و يمارس التقية[132]
. فهذه الخروقات في إسناد الرواية و متنها تجعلنا نستبعدها تماما .
و يرى ابن تيمية أن المبلغ – حسب رواية الواقدي –
الذي قيل أن عثمان أعطاه لأقاربه هو مبلغ مبالغ فيه جدا ، لأنه لم يثبت أن
عثمان – رغم سخائه – جاد بذلك المبلغ الكبير ، و حتى الخلفاء من
بعده لم يعطوا ذلك المبلغ ، فمعاوية الذي كان يعطي أكثر من عثمان ، غاية ما أعطاه
للحسن بن علي : 100 ألف أو ثلاثمائة ألف درهم ، فقيل آنذاك أنه لم يعط هذا أحد قط[133]
.
و حتى إذا افترضنا – جدلا – صحة تلك الرواية فإن ما قام به عثمان ليس
بحرام ، و ذلك أن جماعة من الفقهاء - منهم
مالك بن أنس - قالوا أن من حق الإمام التصرّف في الخمس حسب اجتهاده ،و إن أعطاه
لواحد فجائز[134]
.
و بناء على ما ذكرناه عن قضية الخمس ، فإنه ليس من المستبعد أن يكون عثمان قد وزّع أربعة أخماس
الخمس التي وصلته من غنائم إفريقيا ، على بعض أقاربه لكن ليس بالكمية التي ضخّمها
المبالغون المفترون عليه.
و روى اليعقوبي أن أقارب عثمان كانوا يتصرفون بكل حرية في أموال بيت مال
المسلمين لمصالحهم الخاصة ،و أن عثمان كان إذا أجاز أحدا من أهل بيته بجائزة جعلها
فرضا من بيت المال[135]
. و هذا اتهام خطير لخليفة المسلمين ،و طعن في أمانته ، فهل هذا الخبر صحيح ؟ أولا فبخصوص إسناده ، فقد رواه اليعقوبي بلا
إسناد ، و هذا يعني أن روايته مردودة ، لأنها فقدت شرطا أساسيا من شروط صحة الخبر
، و إذا اعتبرنا اليعقوبي هو الراوي الوحيد في الإسناد ، فالخبر يكون منقطعا ، و
اليعقوبي نفسه غير ثقة ، فهو شيعي متعصب ، كما هو واضح من تاريخه .
و ثانيا ، ففيما يخص المتن ، فقد رويت أخبار أخرى تخالف ما رواه اليعقوبي و
ترد عليه ، منها أن عثمان – رضي الله عنه – كان يعطي أقاربه من ماله ،و لا يستحل أموال
المسلمين لنفسه ، و لا لأحد من الناس ،و لا يأخذ من الأمصار إلا الخمس ، و يترك
الباقي لأصحابه .و لا يأكل إلا من ماله ، و كان يُقسم بالله قائلا : (( أما و الله
ما أكله من مال المسلمين ، و لكني آكله من مالي )) .و قد اعترف أمام الصحابة بأنه
يعطي أقاربه الأموال ، ثم قال لهم : فإن رأيتم ذلك خطأ فردوه ، فأمري لأمركم تبع ،
قالوا : أصبت و أحسنت[136]
.
فالذي ذكرته هذه الروايات هو الذي يليق
بصحابي جليل ،و خليفة راشد ، شهدت السنة النبوية بفضله ،و بشرته بالشهادة و الجنة[137].
و قد ذكرت تلك الروايات أنه كان ينفق على أقاربه من ماله ،و هذا لا ينفي من أنه
أعطى بعضهم من أموال الخمس ، التي في بيت المال ، لأنها تختلف عن أموال الزكاة و
الخراج ، و قد سبق و أن بينا مذهب عثمان في الخمس ، من أنه يرى أن خمس الغنائم
للإمام و أقاربه ، فإذا أعطاهم منه فلا تثريب و لا لوم عليه .
و لشيخ الإسلام ابن تيمية مقارنة جيدة ، بين تصرفات عثمان و علي -رضي الله عنهما - و مفادها أنه بما أننا لا
ننكر على علي بن أبي طالب ، على توليته أقربه ،و قتاله للمسلمين ، لأنه كان مجتهدا
، فإنه علينا أيضا أن لا ننكر على عثمان اجتهاده في الأموال ، و أمر الدماء أخطر
من الأموال ، و الشر الذي حدث في الأمة بسبب الدماء أضعاف الشر الذي حصل بإعطاء
الأموال ، و ما وقع في خلافة علي أقرب إلى الملام ، مما وقع في خلافة عثمان ،و قد
جرى في عهده من الخير ما لم يجري مثله في خلافة علي .و اجتهاده – أي عثمان – كان أقرب إلى المصلحة و أبعد عن المفسدة ،
من اجتهاد علي . لذا فإنه إذا كنا نتولى عليا و نحبه ، فبطريق أولى أن نتولى عثمان
و نحبه بدلالة الكتاب و الستة[138] .
و قد صدق الباحث محمد الصادق عرجون ، حين قال :
إنه لم يكن واجبا على عثمان السيّر على تهج الصديق و الفاروق، عندما حرما نفسيهما
احتسابا لوجه الله ، لأن هذا الحرمان مرتبة فوق الحق و أعلى من العدل ، و الشريعة
لم توجبه ، لأن الواجب على الإمام هو الحق و العدل ، فإذا وصل الحق إلى أهله ، و تحقق
العدل بين الناس ، فليس عليه حرج ، و له أن يُنفّل من شاء بما شاء لمصلحة يراها .و
من حقه الإحسان إلى أقاربه و الاعتماد على من يراه منهم قديرا على تحمّل
المسؤوليات[139]
.
و ختاما لما ذكرناه يتبين لنا ، أن
عثمان في تصرّفه في الأموال انطلق من اجتهاد فقهي ، و لم يتصرّف فيها بهوى و عصبية
.و قد كثُرت في أيامه الخيرات ،و وصلت الأرزاق إلى كل الناس ، ،و عمهم الرخاء ،و
لم يكن فيهم ظلم اقتصادي . لكنه – أي عثمان – أعطى أقاربه أكثر مما أعطي غيرهم من رعيته ،
متأولا صلة الرحم ،و حاجة قبيلته الماسة للمال ، انطلاقا من نظرته الفقهية للخمس
،و
قد وافقه عليها بعض الفقهاء.
خامسا : هل كان الناس يُعانون من الظلم
السياسي :
قد
يخطر على بال كثير من الناس أن الناقمين على عثمان و ولاته ، ما دفعهم إلى الثورة
عليه و قتله إلا الظلم السياسي . فهل هذا صحيح ؟ ، إنه ليس صحيحا ، لأن أيامه –أي
عثمان –
تجلّت فيها مظاهر العدل السياسي بشكل كبير ، منها أن عهده تمتع بالأمن و الاستقرار
و الرخاء ، و قد صحّ الخبر في أن أيامه –أي عثمان – كان فيها العدو مُتقى ، و الخيرات كثيرة ، و
الناس في وئام ، يغمرهم الحب و الإخاء و الألفة ،و لا يخاف مؤمن مؤمنا في الأمصار
الإسلامية[140]
. فهذا كله من أثار العدل السياسي علي مستوى الخليفة و ولاته و رعيته .
و منها أيضا أن عثمان كان بابه مفتوحا للناس
، فيستقبلهم و يسمع منهم ،و يعدل بينهم ، فعندما شكوه من واليه على الكوفة :
الوليد بن عقبة و شهدوا عليه بشربه للخمر ، حدّه و عزله من منصبه . و عندما قدم
إليه وفد جند لإفريقيا ،و أخبروه أن واليه عبد الله بن سعد أخذ لنفسه خمس الخمس من
الغنائم ، قال لهم بأنه هو الذي وعده بذلك إن هو فتح إفريقيا ، ثم خيّرهم بين
القبول و الرفض ، فلم يقبلوا و طالبوه بعزله ، فلبى طلبهم و أرسل إلى واليه يأمره
باقتسام ما نفّله أياه على الجند ، و يستخلف عليهم رجلا يرضاه و يرضونه ، فاستجاب
لما أمره به ،و انقلب عائدا إلى مصر[141].
فعثمان
كان من حقه أن يُنفّل قائده المظفر بما يراه أهلا له في إطار المصلحة الشرعية ،
لكنه تراجع عن وعده لأخيه من الرضاع ،و عزله عن إمرة الجيش نزولا عند رغبة جنده ،و
تطييبا لخاطرهم ،و لم يكن ذلك واجبا عليه.
و عندما طرد أهل الكوفة أميرهم سعيدأ و
اختاروا مكانه أبا موسى الأشعري ،و طلبوا من عثمان أن يعين عليهم أبا موسى واليا
عليهم ، استجاب لطلبهم ، إزاحة لعذرهم ،و إزالة لشبههم ،و قطعا لعللهم[142]
. و كان في مقدوره أن يرفض طلبهم ،و يبعث من يُأدبهم ،و يعيّن عليهم من يريده.و
منها أيضا أن عثمان لم يجعل الإمارة محصورة في أقاربه ،و لم يعين على الناس من لا
يصلح للإمارة ، و انما ولى عليهم أمراء
أكفاء لهم قدرات تؤهلهم للقيام بأعباء الإمارة ، و هذا أمر سيق و أن
أثبتناه.
و من مظاهر العدل السياسي أن الناقمين على
عثمان و ولاته كانوا يتحركون بحرية ،و يعترضون على ولاتهم ، و يطعنون فيهم و في
الخليفة ، و لم يتخذ عثمان و ولاته ضدهم إجراءات صارمة لردعهم و قطع شأفتهم ، و
هذا أمر ثابت معروف[143] .
فهذه النماذج و التعليقات هي أدلة تعبر عن
العدل السياسي الذي كان يتمتع به الناس أيام عثمان – رضي الله عنه – و هي نماذج كافية للرد على تساؤلنا : هل كان
الناس يعانون من الظلم السياسي ؟ ،و تؤكد أيضا على تنوّع مظاهر العدل السياسي الذي
تمتع به الناس في عهد عثمان بن عفان .
و ختاما لما قلناه في هذا المبحث يتبين
لنا منه أن التساؤلات التي طرحناها للبحث عن أسباب الثورة على الخليفة ، قد أثبتت – أي التساؤلات – أن عثمان لم يجعل الإمارة محتكرة بين أقاربه
،و لم يول منهم على الناس إلا من يصلح للإمارة .و أنه أيضا لم يكن خليفة ضعيفا
عاجزا عن إدارة الدولة ، و أنه قام بمسؤولياته كاملة تجاه المسلمين ، و نشر بينهم
العدل الاقتصادي و السياسي حسب قدراته و اجتهاداته . و بما أنه قام بكل ذلك ، فما
هي الأسباب الحقيقية في الثورة عليه ؟
المبحث الثاني :
الأسباب الحقيقية في الثورة على عثمان
ثبت مما ذكرناه سابقا أن المجتمع
الإسلامي أيام عثمان ، قد ساده العدل بكل مظاهره ،و أن عثمان قد قام بدوره المنوط
به ،و أن ولاته كانوا عادلين مؤهلين . فلماذا إذن ثارت عليه طائفة من رعيته و
قتلته ؟
لقد تبين لي من البحث في أسباب الثورة على عثمان و قتله ، أن أهمها سببان
رئيسيان حاسمان[144]
، أولهما الحسد و الحرص على متاع الدنيا ، و قد تمثل ذلك في طائفة من الناس
دفعها الحسد و الحرص على
المتاع الزائل ، إلى الطعن في عثمان و رجاله ،و العمل على الإطاحة بهم ، و قد مثل
هذه الطائفة رؤوس الفتنة ، كالأشتر النخعي ، و ابن الكواء ،و عمير
بن ضابيء
، و محمد ين أبي حذيفة ،و محمد بن أبي بكر .
و السبب الثاني هو الدور الخفي الذي لعبه أعداء الإسلام و المسلمين
، قصد إفساد الدين ،و تسميم الفكر الإسلامي ،و الكيد للمسلمين ، و قد قام بهذا
الدور عبد الله بن سبأ و أعوانه . و لإثبات ما قلته عن السببين الأساسيين أورد
طائفة من الشواهد التاريخية كأدلة تأكيدية تثري ما أوجزته سابقا .
أولا أنه سبق و أن بينا أن المجتمع الإسلامي
كان يتمتع بالعدل على اختلاف مظاهره ، أيام عثمان
– رضي الله عنه – و هذا يعني أنه لا يوجد أي مبرر موضوعي
يدعوا إلى الثورة على عثمان و قتله . و بما أنه وجد من ثار عليه ، فهذا دليل على
أن الثائرين عليه هم طائفة قليلة من الحُساد و المرضى نفسيا ، و المنحرفين فكريا .
و من هؤلاء الحُساد المرضى نفسيا الحريصين على الدنيا : محمد بن أبي
حذيفة ، فإنه تربى في حجر عثمان منذ صغره
، في بحبوحة من العيش ، فلما أحس أنه كبر طلب من عثمان أن يوليه عملا ، فاعتذر له
بأنه ما زال لم يصبح أهلا للإمارة ،و وعده بأنه سيوليه ذلك عندما يصبح أهلا لها ،
فتعتب عليه و استأذنه في الخروج من المدينة ، فأذن له و التحق بمصر ، وبها انقلب
عليه و أصبح من أكبر المتألبين عليه ، و نسي فضله و جميله[145].
و منهم أيضا : محمد بن أبي بكر ، كان عثمان قد ولاه الإمارة ، فدفعه الغضب و الحسد
و الطمع إلى الانضمام إلى دعاة الفتنة بمصر ، و أصبح من رؤوس الناقمين على عثمان[146].
و ثانيا أن كثيرا من الروايات التاريخية أشارت إلى وجود جماعة منظمة كانت
تتحرك في الأمصار ، و تطعن في عثمان ، و تحرّض الناس على الثورة عليه ، و تتبادل
الأخبار و الرسائل فيما بينها لتحقيق أهدافها الخفية[147]
.
و ثالثا أن الثورة على عثمان لم تكن عامة شاملة للأمصار الإسلامية ، و إنما
كانت محدودة العدد و المكان ، مثّلتها
طائفة من الناس انطلقت من مصر و البصرة و الكوفة[148]
. و هذا دليل على أن الثائرين على عثمان هم قلة تأثروا بدعايات رؤوس الفتنة ، و
انطلت عليهم تلبيساتهم ، و خفيت علبهم نواياهم الخبيثة المبيتة . و لو كان المجتمع
الإسلامي يعاني
من المشاكل التي زعمتها
تلك الطائفة
، فلاشك أن الثورة كانت ستضم أعدادا كبيرة ،و تشمل أمصارا كثيرة ، و لا تقتصر على
مصر و الكوفة و البصرة .
و رابعا أن الروايات التاريخية ذكرت أن الثائرين على عثمان خرجوا من
بلدانهم إلى المدينة لقتل عثمان ، لكنهم أخفوا ذلك على الناس ، و تظاهروا لهم
بأنهم يريدون الحج[149].
و هذا السلوك هو من مظاهر المكر و الخداع و التخطيط المُبيت سلفا .
و خامسا أنه إذا افترضنا إن المجتمع الإسلامي في عهد عثمان ، كان يعاني
مشاكل فلا شك أنها
مشاكل بسيطة عادية لا يكاد يخلو منها مجتمع ، لأنه سبق و أن أثبتنا أن المجمع كان
يسوده العدل على اختلاف مظاهره ، و بناء على هذا فإن تلك المشاكل كان يمكن حلها
بسهولة ، في جو يسوده العدل و الشورى و الأخوة ، و ما كانت لتصل إلى الثورة على
عثمان و قتله ، لو لا وجود طائفة ماكرة حاسدة ، كذبت على الخليفة و ولاته ،و لبست
على بعض الناس أفكارهم ، و ضخّمت المشاكل في أعينهم ، و استغلت لين عثمان و تسامحه
في الثورة عليه .
و سادسا إن بعض الروايات قد ذكرت ظهور كتب مزوّرة ، منسوبة لعلي و عائشة و
طلحة و الزبير – رضي الله عنهم – فيها الحط على عثمان ،و الدعوة إلى الثورة عليه[150]
. و هذا دليل على وجود جماعة منظمة تستخدم التزوير وسيلة من وسائلها لتحقيق
أهدافها الخفية .
و سابعا إن روايات تاريخية
ذكرت أن من بين الثائرين على عثمان ، طائفة ماكرة منحرفة
فكريا ، تظاهرت بالإسلام و نشرت بين المسلمين أفكارا ملحدة ، على رأسها عبد الله
بن سبأ و أعوانه[151]
. فوجود هذه الطائفة دليل دامغ على ما ذكرناه من أن السبب الثاني في الثورة على
عثمان هو الدور الخفي الماكر الذي قام به أناس مكارون مخادعون .
و ثامنا إن تمسك دعاة الفتنة بمواقفهم ، و
اصرارهم على مواصلة نشاطهم التخريبي ، و تحديهم للخليفة و ولاته[152]
. هو دليل على نواياهم الخبيثة المبيتة ، التي خططوا لها و دفعوا اتباعهم إلى
تحقيقها .
و ختاما لما قلناه في هذا المبحث يتبن لنا جليا
أن الأسباب الحقيقية في الثورة على عثمان تعود في أساسها إلى سببين رئيسيين ،
أولهما الحسد و الحرص على الدنيا ،و ثانيهما دور أعداء الإسلام و المسلمين في
إفساد الدين و تفريق المسلمين ، و قد أيدنا ذلك بشواهد تاريخية كثيرة ، زادت الأمر
وضوحا و إثراء و تأكيدا .
الخاتمة
توصلت من خلال مناقشتي لأسباب الثورة
على عثمان – رضي الله عنه – إلى أن هناك أسبابا ظاهرية ، و أخرى حقيقية
خفية . فالظاهرية تظاهر بها دعاة الفتنة و اتخذوها كمبرر في الثورة على عثمان و
ولاته . و قد ناقشتُها
و أتبتُ
أنها أسباب زائفة ، وأن عثمان لم يجعل الإمارة محتكرة بين أقاربه . و أنه لم يولي
على الناس من لا يصلح للإمارة .و أنه لم يكن خليفة ضعيفا عاجزا عن إدارة شؤون الدولة .و أنه حقق
العدل الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي في رعيته .
و أما الأسباب الحقيقية الخفية ، فقد تبين لنا
من المناقشة أن ما زعمه دعاة الفتنة في ثورتهم على عثمان و ولاته ، هو زعم باطل
تظاهروا به ، و غرروا به أتباعهم . و حقيقة أمرهم أنهم كانوا مدفوعين بسببين
رئيسيين ، أولهما الحسد و الحرص على متاع الدنيا ،.و ثانيهما المكر و الكيد
للإسلام و المسلمين عند طائفة منهم .
تم و لله الحمد
فهرس المحتويات
المقدمة …………………………………………………
المبحث الأول : تساؤلات عن أسباب الثورة
على عثمان ……...
أولا : هل خص عثمان أقاربه بالخلافة؟ …………………
..
ثانيا: هل ولى عثمان من أقاربه من لا يصلح
للإمارة؟ ……….
ثالثا:
هل كان عثمان ضعيفا عاجزا عن إدارة الدولة؟ ………
رابعا: هل كان الناس يعانون من الظلم الاقتصادي
؟ …………
خامسا: هل كان الناس يعانون مت الظلم السياسي
؟ …………
المبحث الثاني :
الأسباب الحقيقية في الثورة على عثمان ………….
الخاتمة
………………………………………………………
فهرس المحتويات
………………………………………………
[1] الطبري : تاريخ
الأمم و الملوك ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1997 ، ج2 ص: 587، 681، 693 .و ابن
كثير : البداية و النهاية ، بيروت مكتبة المعارف ، ج 7 ص: 214 . و الذهبي :
الخلفاء الراشدون ، حققه حسام الدين القدسي ، ط1 ، بيروت دار الجيل ، 1992 ، ص:
482 .
[2] الطبري : المصدر
السابق ، ج2 ص: 661 .و ابن عساكر : تاريخ دمشق ، ج 1ص: 314 .و ابن تيمية : منهاج
السنة النبوية ، حققه رشاد سالم ، د1 مؤسسة قرطبة ، د م 1406 ، ج 6 ص: 181 .
[3] الطبري : نفس
المصدر ج 2 ص: 163 .
[4] الطبري : المصدر
السابق ، ج2 ص: 597 ، 599 .و ابن كثير :
المصدر السابق ، ج7 ص: 170 .
[5] ابن تيمية : منهاج السنة
، بيروت ، دار الكنب العلمية ، د ت ، ج 3ص: 145 .
[6] الطبري : المصدر
السابق ، ج2 ص: 693 .و الذهبي : سيّر أعلام النبلاء ، ط3 بيروت ، مؤسسة الرسالة ،
1985 ، ج 3ص: 482 .و خليفة خياط : تاريخ خليفة خياط ، حققه أكرم ضياء العمري ، ط1
العراق ، مطبعة الآداب ، 1967 ، ج1 ص: 156 ، 157 .
[7] الطبري : المصدر
السابق ج 2 ص: 605 ، 693 .
[8] ابن تيمية : المصدر
السابق ، ط بيروت ج 3ص : 190 ، 191 .
[9] محمد الصادق عرجون :
خالد بن الوليد ، ط2 الريض ، الدار السعودية ، 1981 ، ص: 103 .
[10] أبو الأعلى المودودي
: الخلافة و الملك ، الجزائر ، شركة الشهاب ، د ت ص : 93 .
[11] الطبري: المصدر
السابق ج 2 ص: 693 .و خليفة خياط : المصدر السابق ج 1 ص: 156 و ما بعدها .
[12] خليفة خياط : المصدر
السابق ج 1 ص: 185 و ما بعدها .
[13] أنظر : الخلافة و
الملك ، ص: 75-76 .
[14] ابن كثير : المصدر
السابق ، ج 7 ص: 240 ، 260 .و الذهبي : الخلفاء ، ص: 327
[15] خليفة خياط : المصدر
السابق ، ج1 ص: 185-186 .
[16] المسعودي : مروج
الذهب ، الجزائر ، موفم للنشر ، ج 2 ص: 487
.
[17] الطبري : المصدر
السابق ،ج7 ص: 595 .و ابن كثير: المصدر السابق ج7 ص:151
[18] الطبري : نفس المصدر
، ج2 ص: 597 .
[19] الطبري : المصدر
السابق ، ج1 ص: 610 و ما بعدها .و ابن
كثير :البدايةج 7ص: 151 .و البخاري:
الصحيح ط3 بيروت ، دار ابن كثير ، 1987 ،
كتاب فضائل الصحابة ، ج3 ص: 1405
[20] الطبري : نفس المصدر
، ج2 ص: 648 ، 679 ,
[21] الطبري : نفس المصدر
، ج2 ص: 658 . و ابن كثير : المصدر السابق ج7ص: 175 و ما بعدها
[22] الهيثمي : مجمع
الزوائد ، دار الريان للتراث ، القاهرة ، 1407 ه ، ج 7ص: 109 . و الطبري : المصدر
السابق ، ج 2 ص: 661 . و ابن عساكر : المصدر السابق ، ج11ص: 314 . و ابن تيمية :
المصدر السابق ، ط رشاد سالم ، ج6 ص: 181 .
[23] انظر : مجمع الزوائد
، ج 7ص: 109 .
[24] أنظر مثلا ، تفسير
ابن كثير .
[25] تاريخ دمشق ، ج 63 ص
: 224 .
[26] الطبري: المصدر
السابق ، ج2 ص: 72 و ج63 ص: 221 .
[27] الهيثمي : المصدر
السابق ، ج5 ص: 2211 .
[28] البداية و النهاية ،
ج7 ص: 151 .
[29] الطبري : المصدر السابق
، ج2 ص: 612 .
[30] الذهبي : ميزان
الاعتدال ، حققه علي البجاوي ، دار إحياء الكتب العربية ، د ت ، ج 3 ص: 353 .
[31] الهيثمي : المصدر
السابق ج2 ص: 131 .
[32] البخاري : الجامع
الصحيح ، كتاب فضائل الصحابة ، ج 3 ص: 1405 .و عبد الرزاق : المصنف ، ط2 بيروت ،
دار الكتب العلمية ج5 ص: 456 .و البيهقي : السنن الكبرى ، حققه عبد القادرلا عطا ،
مكة ، دار الباز ، 1994 ، ج 8 ص: 318 .
[33] مسلم : الصحيح ،
بيروت ، دار إحياء التراث، د ت ، ج3 ص: 1331 .
[34] ابن حجر: تهذيب
التهذيب ، ط1 بيروت ، دار الفكر ، 1984 ، ج11 ص: 126 .
[35] السمر هو الحديث في
الليل.محمد بن أبي بكر الرازي : مختار الصحاح
الجزائر ، دار الهذى، ص: 205
[36] ابن أبي شيبة :
المصنف ، حققه كمال الحوت ، ط1 الرياض ، مكتبة الرشد 1409 ، ج2 ص: 79 ، 88 ،و ج7 ص: 313 .و عبد الرزاق :
المصدر السابق ، ج3ص: 25
[37] الحاكم : المستدرك ،
حققه عبد القادر عطا ، ط1 ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1990 ، ج 4 ص: 589 .و عبد
الرزاق : المصدر السابق ، ج5 ص: 456 .
[38] الطبقات الكبرى ،
بيروت ، دار صادر ، د ت ،ج 5 ص: 32 .و تاريخ دمشق ، ج21ص: 114 .
[39] الطبري : المصدر
السابق ، ج2 ص: 612 .
[40] ابن حجر : لسان الميزان
، ط3 بيروت ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، 1986، ج3 ص: 145 .و الذهبي : ميزان
الاعتدال ، ج 3 ص: 353 .و ابن أبي حاتم : الجرح و التعديل ، ط1 بيروت ، دار ‘حياء
التراث العربي ، 1952 ، ج4 ، ص: 278 .
[41] الطبقات الكبرى : ج
5ص : 32 .
[42] الطبري : المصدر
السابق ج2 ص: 637 .
[43] الطبري: المصدر
السابق ، ج2 ص: 641-642 .
[44] الذهبي : المصدر
السابق ج 3 ص: 184 .و ابن الجوزي : الضعفاء و المتروكين ، حققه عبد الله القاضي ،
ط1 بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1406 ، ج 3 ص: 87 .
[45] هو أرض كثيرة الدخل
تقع في العراق ، كان عثمان بن عفان ، قد أطعها لطلحة . ياقوت الحموي : معجم
البلدان ، بيروت دار الفكر، د ت، ج 5 ص: 286-287 .
[46] هو منطقة فزراعية
واسعة ، كانت للأكاسرة على جانبي الفرات . نفس المصدر ، ج5 ص: 16 ، 192 .و ابن
الأثير : الكامل ، ج3 ص: 31 .
[47] ابن الأثير : المصدر
السابق ج 3 ص: 31 .
[48] أبو الحجاج المزي :
تهذيب الكمال ، حققه بشار عواد ، بيروت مؤسسة الرسالة، 1980 ، ج 10 ص: 506 .
[49] سنذكر أمثلة عن ذلك
فيما يأتي إن شاء الله .
[50] البدء و التاريخ ،
القاهرة ، مكتبة الثقافة الدينية ، د ت ، ج5 ص: 201 .
[51] سيأتي تفصيل ذلك
قريبا .
[52] ابن سعد : المصددر
السابق ، ج5 ص: 32 .و ابن عساكر: المصدر السابق ج 2ص:114-115 .
[53] ابن حبان : الثقات ،
حققه شرف الدين أحمد ، ط1 بيروت ، دار الفكر ، 1975 . و ابن حجر : الإصابة ، حققه
محمد البجاوي ، ط2 بيروت ، دار الجيل 1992 ،ج3 ص: 107 .و المزي : المصدر السابق ،
ج10 ص: 503 .و ابن عساكر : المصدر السابق ج 21ص: 124 .
[54] ابن حجر : المصدر
السابق ، ج3 ص: 108 . و السخاوي : التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة، ط1
بيروت، دار الكتب العلمية، ج1 ص: 399 .
[55] البيهقي : شعب الإيمان ، بيروت ، دار الكتب
العلمية ، 1410 ، ج6 ص:365.
[56] ابن كثير : البداية
، ج8 ص: 84 .
[57] المزي : المصدر
السابق ، ج10 ص: 503 .
[58] نفس المصدر ج 10 ص:
538 .
[59] ابن أبي الدتيا: مكارم الأخلاق ، القاهرة ،
مكتبة القرآن1990 ،ج1 ص: 108 .
[60] الذهبي : سير أعلام
النبلاء ، ط بيروت ، ج3 ص: 447 .
[61] الذهبي : المصدر
السابق ، ج3 ص: 447 .و المزي : تهذيب الكمال ، ج10 ص:506 .
[62] المزي : نفس المصدر
ج 10 ص: 505-506 .
[63] ابن أبي الدنيا: المصدر السابق، ج1 ص: 113 .
[64] السخاوي:
المصدر السابق ، ج 1 ص: 400 .
[65] المزي : المصدر
السابق ، ج10 ص: 506، 507 .
[66] السخاوي : المصدر السابق، ج1ص399.و الطبري:
المصدر السابق ،ج2 ص: 34 .و أبو بكر بن محمد القرشي : الإخوان ،بيروت ، دار الكتب
العلمية ، 1988 ، ج1ص: 246 .
[67] أنظر : الطبري :
المصدر السابق ج 2ص: 634، 637 .و ابن الأثير : المصدر السابق ، ج3 ص: 31
[68] سير أعلام النبلاء ،
ج3 ص: 445 .
[69] البداية ، ج8 ص: 84
.
[70] شذرات الذهب بيروت ، دار الكتب العلمية، د ت ، ج1 ص: 65 .
[71] رجاله هم : علي بن
مسهر ،و إسماعيل بن أبي خالد ، و أبو صالح الحنفي ، و هؤلاء كلهم ثقات . ابن أبي
شيبة : المصنف ، ط1 ، الرياض ، مكتبة الرشد ، 1409، ج 7ص: 453 .و الذهبي : تذكرة
الحفاظ ، ج1 ص:291.و السير ،ج5ص:38.و ابن حجر : التهذيب ج1 ص: 254-255 .و ابن حبان
: المصدر السابق ج2 ص: 458 .
[72] ابن أبي شيبة : نفسه
ج7 ص: 453 .
[73] الطبري : المصدر
السابق ، ج2ص: 641.و ابن الأثير : المصدر السابق ، ج3ص:40.
[74] منهاج السنة النبوية ، ط رشاد سالم ، ج 6 ص:
243 .
[75] الذهبي : السير ، ط
بيروت ، ج3 ص: 234 .و ابن كثير : ج4 ص 110 ،و ج5 ص: 350 .و الضياء المقدسي :
الأحاديث المختارة ، مكة المكرمة ، مكتبة النهضة الحديثة ، 1410، ج 3ص: 249 .
[76] انظر : البخاري :
التاريخ الصغير ، حققه محمود زايد ، القاهرة ، دار الوعي ، 1977 ، ج 1 ص: 84 .و
ابن أبي شيبة : المصنف ، ج7 ص: 522 .
[77] ابن عساكر : المصدر
السابق ، ج 39 ص: 416 .
[78] ابن طاهر المقدسي :
المصدر السابق ، ج5 ص: 201 .
[79] أنظر : إبراهيم بن
محمد الحلبي : التبيين لأسماء المدلسين
حققه محمد الموصلي ،بيروت ، مؤسسة الريان ،1980، ج1ص: 193 .و ابن عدي :
الكامل في ضعفاء الرجال ، بيروت ، دار الفكر ، 1988، ج6 ص: 246 .و المزي:التهذيب
ج26 ص: 56 .و ابن الجوزي : الضعفاء ، ج 3 ص: 90 .
2 انظر مثلا : البخاري : التاريخ الصغير ، ج1 ص:
84 .و الطبري : المصدر السابق ج2 ص: 652 .
[81] الطبري : المصدر
السابق ج2 ص: 652 و ما بعدها .
[82] الذهبي : السير ، ج3
ص: 34 .و ابن كثير : المصدر السابق ، ج4 ص: 297 .و ابن حجر : الإصابة ،ج4ص: 110 .و
القرطبي : تفسير القرطبي ، ط2 القاهرة ، دار الشعب ، ج7ص: 40-41. و ابن تيمية :
منهاج السنة ج6ص: 357 .
[83] الذهبي : نفسه ج3 ص:
34
[84] الطبري : المصدر
السابق ، ج3 ص: 76 .
[85] ابن جرادة : بغية
الطلب في تاريخ حلب ، حققه سهيل زكار ، ط1 بيروت ، دار الفكر ، ج1 ص: 315-316 .
[86] الطبري : المصدر
السابق ، ج3 ص: 101 .
[87] الذهبي : ميزان
الاعتدال ، ط1 ، بيروت ، 1995 ، ج5 ص: 508 .
[88] ابن الجوزي :
الضعفاء، ج3 ص: 222 .و الذهبي : نفس المصدر ، ج7 ص : 309 .
[89] ابن حجر : التهذيب ،
ج7 ص: 41 .و ابن حبان : الثقات ، ج8 ص: 405 .
[90] البخاري : التاريخ
الكبير ، بيروت ، دار الفكر ، ج5 ص: 29 .و ابن حجر : الإصابة ، ج4 ص: 110 .و ابن
كثير : البداية ، ج5 ص: 351 . و القرطبي : المصدر السابق ، ج7 ص: 40-41 .و ابن
تغري بلدي : النجوم الزاهرة ، ، مصر ، المؤسسة العامة للتأليف ، ج1 ص: 82 . و
الذهبي : السير ، ج3 ص: 33-35 .و الخلفاء الراشدون ، ص: 318 .
[91] ابن هشام : مختصر
سيرة ابن هشام ، الجزائر ، مكتبة النهضة الجزائرية ، ص : 262 .و ابن كثير : المصدر
السابق ، ج8 ص: 643 .و الذهبي : السير، ج1 ص: 189 .
[92] أحمد بن حنبل :
المسند ، ج4ص:32.و البيهقي : السنن الكبرى،ج9ص:54-55.
[93] البخاري : الجامع
الصحيح ، كتاب التفسير، باب البيعة تحت الشجرة ، . و ابن كثير : نفس المصدر ط4 ،
بيروت ، دار المعرفة ، 1998 ،ج7 ص: 291 .
و محمد أمحزون : تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة ، ط3 الرياض ، دار طيبة ، 1420 ،
ج2 ص: 216-217
[94] ابن عساكر : المصدر
السابق ، ج29 ص: 257 .
[95] الطبري : المصدر
السابق ج2 ص: 661 .و الذهبي : السّر ،
ج2ص:322 .
[96] ابن كثير: المصدر
السابق ، ج8 ص: 88 .و ابن عساكر : المصدر السابق ، ج29 ص: 249 .و الحاكم :
المستدرك ، ج3 ص: 741 .و الذهبي : السيّر ، ج3 ص: 19.و السخاوي: التحفة اللطيفة ، ج2 ص: 45 . ابن عبد البر :
الاستيعاب ، ج 3 ص: 932 –933 .
[97] ابن عساكر : نفس
المصدر ج 29 ص: 270 .
[98] نفس المصدر ، ج29 ص:
253 .
[99] ابن سعد : المصدر
السابق ، ج5 ص: 47 .و ابن حجر : التهذيب ،ج5ص:239.
[100] البكري: معجم ما
استعجم ،بيروت عالم الكتب،ج4 ص: 1316 .و ابن عساكر: المصدر السابق ، ج29 ص: 261 .
و ابن العماد الحنبلي : شذرات ،ج1 ص: 36 .
[101] ابن عساكر : المصدر
السابق ، ج 29 ص: 270 .
[102] ابن سعد : المصدر
السابق ج5 ص: 44 ،47.و ابن عبد البر : المصدر السابق ، ج 3 ص: 933 .و ابن العماد
الحنبلي : المصدر السابق ، ج1ص: 36 .و ابن عساكر : نفس المصدر ، ج29 ص: 261 .
[103] الحاكم : المصدر
السابق ج 3 ص: 741 .
[104] الذهبي: السيّر ج3
ص: 19 .و الحاكم : نفسه ، ج3 ص: 741.
[105] الحاكم : المصدر
السابق ، ج3 ص: 741 .
[106] الطبري: المصدر
السابق ، ج2 ص: 661 .
[107] الخلافة و الملك ،
الجزائر ، دار الشهاب ، د ت ، ص : 70 .
[108] الطبري : المصدر
السابق ، ج2 ص: 597، 599 .و ابن كثير :
المصدر السابق ، ج7 ص: 170 .
[109] الطبري: نفس المصدر
، ج2 ص: 587، 693 .و خليفة خياط : تاريخ خليفة خياط، ج1 ص: 156، 157، 158 .
[110] ابن عساكر: تاريخ
دمشق ، ج29 ص: 263 .
[111] الذهبي : الخلفاء
الراشدون ، ص: 247 .
[112] الطبري: المصدر
السابق ، ج2 ص: 595 . و اليعقوبي: المصدر السابق ج2ص:115.
[113] الطبري: المصدر
السابق ، ج2 ص: 635 و ما بعدها .
[114] أنظر : نفس المصدر ،
ج2 ص: 641، 647 .
[115] محمد الصادق عرجون :
عثمان بن عفان ، ص : 84، 88 ، 138 .
[116] أنظر : ابن كثير :
البداية ، ج7 ص: 170 و ما بعدها .و الطبري: المصدر السابق ، ج2 ص: 647 .و البخاري:
الصحيح ، الجزائر دار الشهاب ، ج4 ص: 196-197 .
[117] الصادق عرجون :
المرجع السابق ، ص: 92 .
[118] تساوي البدرة عشرة
آلاف درهم . و الأوقية كانت تساوي أربعين درهما .ابن كثير : المصدر السابق ، ج
357، 337 .و ابن العماد الحنبلي : شذرات ، ج2 ص: 317 . ابن الأثير : النهاية في
غريب الحديث،بيروت المكتبة العلمية 1979 ج1 ص: 80
.
[119] السيوطي : تاريخ
الخلفاء ص: 156 .و اين عساكر : المصدر السابق ج29 ص: 258
[120] روى هذا الخبر :
موسى بن إسماعيل ، عن مبارك بن فضالة ، عن الحسن البصري ، و هؤلاء كلهم ثقات .
الهيثمي: مجمع الزوائد ، ج 9 ص: 93-94 .و ابن كثير : المصدر السابق ، ج7 ص: 214 .
[121] رُوي أن عمر عزم على
التسوية بين الناس في العطاء مستقبلا ، لكن المنية وافته . ابن تيمية : منهاج
السنة ، ط دار الكتب العلمية ، ج3 ص: 153 .
[122] نفسه ، ج3 ص: 153 .
[123] نفس المصدر ، ج3 ص: 154 .
[124] نفس المصدر ، ج3 ص:
191 .
[125] نفس المصدر ، ج3 ص:
227 . و الطبري : المصدر السابق ، ج2 ص: 650 .
[126] ابن تيمية : المصدر
السابق ، ج3 ص: 190، وج4 ص: 204 .و ابن العربي : العواصم من القواصم ، حققه محب
الدين الخطيب ، د ن ، دت ، ص: 79 .
[127] تاريخ اليعقوبي ، ج
2ص: 116 .
[128] الذين اطلعت على مصنفاتهم
.
[129] انظر مثلا : الطبري
: المصدر السابق ، ج 2ص: 597 .و الذهبي : الخلفاء ، ص: 185 .و ابن كثير : المصدر
السابق ، ج7 ص: 152 .
[130] تاريخ اليعقوبي ، ج2
ص: 116 .
[131] الطبري : المصدر
السابق ج2 ص: 599 .و ابن كثير : المصدر السابق ج7 ص: 152
[132] الذهبي : ميزان الاععتدال
، ط مصر ، ج3 ص: 663-664 .و ابن النديم : الفهرست ، الجزائر ، المؤسسة الوطنية
للكتاب ، 1985، ص: 443 .
[133] منهاج السنة ، ج3 ص:
190 .
[134] ابن العربي : المصدر
السابق ،ص: 79 .
[135] تاريخ اليعقوبي ، ج2
ص: 118 .
[136] الطبري : المصدر
السابق ، ج2 ص: 650، 651، 681 .
[137] أنظر : البخاري ،
الجامع الصحيح ، ط الجزائر ، ج 4 ص: 202
.
[138] منهاج السنة النبوية
، ج 3ص: 237 ، و ج4 ص: 205 .
[139] عثمان بن عفان ، ص:
98 ، 101 .
[140] الهيثمي : المصدر
السابق ، ج9 ص: 93-94 . و المزي : تهذيب الكمال ، ج19 ص: 451 .
[141] الطبري : المصدر
السابق ، ج2 ص: 597 .
[142] ابن كثير: البداية
،ج7 ص: 161 .
[143] انظر : ابن الأثير :
الكامل ، ج3 ص: 31 .و الطبري: المصدر السابق ، ج2 ص: 611 ، 620 .
[144] لا يمنع ذلك من وجود
أسباب أخرى ثانوية ليست حاسمة ، استغلها دعاة الفتنة في الثورة على الخليفة .
[145] الطبري: المصدر السابق
ج2ص:680 .و ابن كثير : المصدر السابق ، ج 7 ص: 251
[146] الطبري : نفس
المصدر ، ج2 ص: 681 .و الذهبي : السير ،
ج3 ص: 481-482 .
[147] أنظر مثلا : الطبري ، نفس المصدر ، ج2 ص: 647 ،
و ما بعدها .
[148] انظر مثلا : الطبري
: نفسه ، ج 2ص: 647 . و ابن كثير : المصدر السابق ، ج7ص:168.
[149] الطبري : المصدر
السابق ، ج2ص: 647.و ابن كثير : المصدر السابق ج 7ص: 168
[150] ابن كثبر: نفس
المصدر ، ج 7ص: 173 و ما بعدها .
[151] ابن كثير: المصدر
السابق ، ج7 ص: 186 .و الطبري: المصدر السابق،ج2 ص: 647 .
[152] انظر مثلا : الطبري
: نفس المصدر ، ج2 ص: 634، 641 ، 661 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق