الشيخ
الدكتور / عبد العزيز بن مصطفى كامل
دكتوراه
في الشريعة جامعة الأزهر
وعضو هيئة
تحرير مجلة البيان
أعده للنشر في الفوائد / محمد جلال القصاص
بسم الله الرحمن
الرحيم
أصبح الإجماع الدولي على استهداف الإسلاميين أمراً محيراً
، وأصبح انحياز الملحدين إلي جانب النصارى ، وانسجام النصارى مع اليهود ، وتلاقي
اليهود مع الوثنيين ، واتفاق أهل النفاق مع كل هؤلاء على ضرب الإسلام وإذلال
المسلمين ؛ من المحن الدهماء ، والفتن التي تدع الحليم حيران ، فحتى الدعوات
السلمية ، والجهود الخيرية ، والمقاومات المشروعة للاحتلال في مثل فلسطين و
الشيشان و الفلبين و العراق و أفغانستان ، أصبح كل ذلك محرَّماً مجرَّماً ،
ومعارضاً مطارداً ! إنه إجماع غير مسبوق
للاعتداء على المسلمين ؛ فقد كان الأعداء يتناوبون ذلك الاعتداء على بعض الأطراف
ولكنهم يَدَعون بعضها ، ويصادمون بلداً ويصالحون آخر ، أما اليوم فهم مجمعون
ومجتمعون على الحرب والضرب في كل حدب وصوب [ أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ
طَاغُونَ ]( الذاريات : 53 ) .
ولكن
دهشتنا وحيرتنا ، وانزعاجنا واستغرابنا من ذلك ( الإجماع والاتفاق ) لا يدانيه في
الدهشة والانزعاج ، والحيرة والاستغراب ، إلا ما يقابله ما يشبه ( الإجماع ) - من
هؤلاء المستهدَفين - على عدم الاجتماع ، من شِبه الاتفاق منهم على عدم الاتفاق .
لا أقصد على مستوى الزعامات
والقيادات فقط ؛ فذلك أمر قد كثر الكلام فيه ، وسبق التعرض له ، ولكن أقصد على
مستوى القواعد العريضة ، والبُنى التحتية لهؤلاء الإسلاميين المستهدَفين .
انظر حولك
ترَ عجباً : جهوداً مبعثرة ، وإمكانات مهدرة ، مع صفوف متناثرة ، وقلوب متناكرة !
.. ما هذا يا أمة الإسلام ؟! أفي مثل ذلك الليل البهيم نظل نسهر على التخاصم
والتنافر ، وننام على التنازع والتدابر ؟! أين الصف المرصوص ، أين قلب الرجل
الواحد ، وتداعي الجسد الواحد ، وخفض الجناح ولين الجانب ، والتآخي والتصافي
والتراحم والتواد ؟! حقاً لقد صنع الشقاق والجفاء منا غثاء ، حتى تعاوت علينا كلاب
الأرض ، وتعاونت علينا ذئابها ، وصدق فينا قول الرسول صلى الله عليه وسلم : « يوشك
أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها ، قالوا : أوَ مِنْ قلة نحن
يومئذ يا رسول الله ؟ قال : لا ، بل أنتم كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل »[1]
[1] ، نعم نحن كثير كثير .... ولكن الشقاق والجفاء حوَّلنا إلى ذلك الغثاء .
?
هناك مشكلة :
لقد وُفقت الصحوة
الإسلامية في تجاوز عقبات كثيرة في أثناء مسيرتها في العقود الأخيرة ، فأحرزت
إنجازات ، وانتزعت نجاحات ، واختطت طريقها وسط كثير من العراقيل والعقابيل بتوفيق
وسداد .
ولكننا يجب أن نعترف أنها أخفقت ...
نعم أخفقت في تأمين الحد الأدنى من وحدة الأمة ،
بتقصيرها في بذل الحد الأدنى من العوامل « الشرعية » لوحدة هذه الأمة ، لا على
المستوى العام فقط ، بل على المستوى الخاص أيضاً مستوى الإسلاميين العاملين .
إنني أزعم أن هناك قسماً كبيراً من الشريعة
التي نتنادى بتطبيقها وإقامة أحكامها ، نقوم نحن الإسلاميين إلا من رحم الله
بتجافيه والإهمال فيه ، وهو ذلك القسم الذي يشمل الأحكام والهدايات والآداب التي
تتضمن تأليف القلوب وتوحيد الصفوف ؛ فوحدة هذه الأمة منهجياً وقلبياً ، مطلب من
مطالب الشريعة كبير ، ومقصد من مقاصد الإصلاح عظيم ، ولا أدري ؛ كيف خلت مناهج
أكثر الجماعات الإسلامية إن لم تكن كلها من مراعاة تحقيق ذلك المقصد في الواقع
العملي ؟! صحيح أنه كانت هناك دائماً مساحة
للكلام على ( الوحدة الإسلامية ) من الناحية النظرية ، ولكنها من الناحية العملية
كانت توظف في الغالب لصالح الوحدة الحزبية أو الفكرية أو التنظيمية ، ولن أدلل على
ذلك بأكثر من شهادة الواقع على ذلك ، مما يعرف الجميع تفاصيله .
? معاتبات ( أخوية ) :
« المسلم أخو المسلم » [2] هذه مقولة نبوية ،
وشِرعة إلهية ، وهي مع ذلك بدهية أولية من بدهيات الإسلام ، ليست من مسائل الخلاف
الوعر أو البحث الدقيق .
ولكن تعالوا ننظر في واقعنا - نحن الإسلاميين -
: هل ينظر كل منا إلى الآخر هذه النظرة ، وهل يطبق معه هذه البدهية ؛ فـ « لا
يظلمه ولا يسلمه ولا يحقره » ؟! * « ترى
المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى عضو تداعى له
سائر جسده بالسهر والحمى » [3] ، كلمات مضيئة من مشكاة النور النبوي ؛ فهل تربت
الأجيال في الفصائل والتجمعات ، على ذلك الخُلق السامي مع ( كل المؤمنين ) ، ولو
كانوا مخالفين في « الانتماء » ، أو مغايرين في « الفكر » ؟! * ثم .. ما حقيقة هذا « الانتماء » ، عندما
يتعارض مع الانتماء المعقود في السماء ؟ وما قيمة ذلك « الفكر » الذي لا ينطلق من
الفقه القرآني والهدى الرسولي عندما يدعو ذلك الفكر إلى قطيعة وجدانية بين
المؤمنين الذين « تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ، ويجير عليهم أقصاهم ، وهم
يد على من سواهم » [4] .
* أمْرُ الله لهذه الأمة بالاعتصام بحبله
تكليف للعامة والخاصة ؛ فكيف ننادي في
العامة بالاجتماع تحت راية الإسلام ، ونحن غارقون في الفرقة ، والناس يروننا ونحن
حملة الراية أوْلى الأمة بذلك الاجتماع ؟
* « المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضُه بعضَه وشبك بين أصابعه » [2]
، هل أقمنا البنيان على مبدأ الأخوة والمحبة في الله ، حتى يشد بعضه بعضاً ، أم
أقيم ذلك البنيان على أسس من المحبة في .... ، وفي ...... ، وفي .... ، وفي ....
حتى أصبحت مبانينا يهد بعضها بعضاً ، بدلاً من أن يشد بعضها بعضاً ؟!
* تنادينا بأهمية الحوار ، حتى نادى
بعضنا بضرورة الحوار مع ( الآخر ) يعني الكفار والحوار مع ( الآخر ) من المارقين و العلمانيين الفجار ،
وقد سمعنا كثيراً عن حوارات ( التقارب بين الأديان ) و ( الحوار الإسلامي المسيحي
) وحوارات ( التقارب بين السنة و الشيعة ) والحوارات بين الإسلاميين والقوميين و
الليبراليين ، ولكن : أين حوار الإسلاميين مع الإسلاميين ؟ حوار السُّنة مع
السُّنة ؟ حوارات جماعاتها مع جماعاتها ، وقياداتها مع قياداتها ، ودعاتها مع
دعاتها ؟ أم أن الحوار مع ( الأخ ) مؤخر دائماً حتى ينتهي الحوار مع ( الآخر ) ؟!
* نتحسس في الكلام كثيراً ونتدسس في
الأسلوب غالباً ونهادن أو
نداهن في العبارة أحياناً إذا كان الكلام مع ( الآخر ) ولو كان هذا الآخر منافقاً
معلوم النفاق ، أو فاجراً يكرمه الناس مخافة شره ، أو كافراً لا حرمة له ولا ذمة ،
خوفاً على شعوره ( الرقيق ) أن يخدش ، وحسه ( المرهف ) أن يمس ، أما إذا جاء
الحديث مع ، أو عن ، أو إلى ذلك الأخ ( المخالف ) أو فعند الكثيرين منا إلا من رحم
الله فلا تحسس ولا تدسس ولا مجاملة ولا حتى حسن مجادلة ، مع أن حسن المجادلة مطلوب
مع أهل الكتاب ، فكيف بمن جعلته الشريعة في منزلة الأقربين من الأهل والأصحاب
؟!
* كلما ندب دعاة الوفاق أنفسهم
لمحاولة إصلاح ذات البين بين خواص الأمة ، انبرى لهم دعاة الشقاق متهمين إياهم بأنهم أصحاب
نهج ( عاطفي ) ، أو أن الواحد منهم مجرد ( واعظ ) لا يرقى إلى مستوى فوق الخطب
والمواعظ !! نقول : هبهم ( عاطفيين ) فمتى أصبح شأن المؤمنين في ( تراحمهم وتوادهم
وتعاطفهم ) أمراً مستهجناً ؟ وهل تستنزل الرحمة إلا بذلك التراحم وتلك العاطفة
فيما بين المسلمين ؟ ثم .. ماذا يُنقم من ( الموعظة ) ، ولماذا يُهوَّن من شأنها ،
مع أن القرآن كله ( موعظة ) وكذلك التوراة المنزلة من عند الله ، والإنجيل المنزل
من عند الله .
قال سبحانه عن القرآن : [ يَا أَيُّهَا النَّاسُ
قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ ](
يونس : 57 ) ، وقال عن التوراة : [ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ
شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْء ]( الأعراف : 145 ) ، وقال عن
الإنجيل : [ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى
وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ ]( المائدة : 46 ) ، وليست المواعظ في الرقائق
والسلوكيات فحسب بل إن الأمر بالنظر في جوهر الرسالة وهو التوحيد موعظة ، والنهي
عن الشرك موعظة ، قال سبحانه : [ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن
تَقُومُوا لله مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن
جِنَّةٍ ]( سبأ : 46 ) ، وقال : [ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ
يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ](
لقمان : 13 ) .
* فلسفة ( ليس في الإمكان أحسن مما كان )
تكاد تحكم النظرة « التجميدية »
للواقع الإسلامي ، على ما هو عليه من تشرذم وفرقة ، مع أن النظرة الشرعية «
التجديدية » تدعو دائماً لإحياء ما اندرس من معالم الدين ، ومنها وفي مقدمتها بعد
التوحيد عقيدة الولاء والبراء ، التي هي أوثق عُرى الإيمان .
* شرعيون لا قدريون : نحن نؤمن بالقدر ، لكننا لا نؤمن « بالقدرية » فالقدرية ( العقدية ) بنوعيها
[3]
، ابتداع في الدين ، وشذوذ في الاعتقاد ، عافى الله تعالى منه أهل السنة والجماعة
، ولكن نوعاً
جديداً من ( القدرية الفكرية ) بدأ ينتشر بين المسلمين ، يشيع بينهم نوعاً من
الهزيمة ، ولوناً من السلبية ، تقعدهم عن العمل بتكاليف الشريعة ومحكمات الأحكام
احتجاجاً بالقدر ؛ وذلك في صنوف من الأقاويل ،
منها مثلاً : أن هزيمة أعداء الأمة والتمكين للإسلام لن
يكون إلا في زمان المهدي ، ومنها : أن انتصارنا على اليهود لن يكون إلا في زمن
الدجال .. !
ومنها : وهذا هو المقصود هنا أن وحدة الأمة لن
تتحقق أبداً ؛ لأن القدر محتوم بدوام الافتراق ؛ فلهذا فإن من العبث كما يقولون
السعي في الوفاق والاتفاق ، بل إن بعضهم تنطع وعدَّ الدعاء بجمع كلمة المسلمين من
التعدي في الدعاء ؛ لأن ذلك يتعارض مع القدر المعلوم باستحالة هذا الجمع !! ولو
أنصف هؤلاء من أنفسهم ، لعلموا أن الاعتصام بحبل الله حكم شرعي للتنفيذ لا حكم
قدري للتعجيز ، أو من باب ( التكليف بما لا يطاق ) ؛ فاجتماع قلوب المسلمين على
العمل بالدين هو الدين ، وتفرقهم وتنازعهم وفرقتهم بمزاعم قدرية أو حزبية أو
مصلحية هو هدم لأهم عوامل التمكين ؛ ألم يأمر الله تعالى بالاجتماع في قوله سبحانه
: [ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا ]( آل عمران : 103
) ؟ إن هذه الآية أصل في فقه الوفاق ، وقاعدة من قواعد العلاقات بين المسلمين ،
ولو كان الاجتماع والوفاق مستحيلاً قدراً ، لما جاء الأمر به شرعاً .
قال
الإمام الطبري - رحمه الله - في تفسيره لهذه الآية : « يعني بذلك جل ثناؤه :
وتعلقوا بأسباب الله جميعاً ، يريد بذلك تعالى ذكره : وتمسكوا بدين الله الذي
أمركم به ، وعهده الذي عهد إليكم في كتابه إليكم من الألفة والاجتماع على كلمة
الحق ، والتسليم لأمر الله »[4] ، ولو كان ذلك الاجتماع غير مقدور لما فُسرت
الآية بذلك .
وقال المفسر ابن عاشور - رحمه الله - عند كلامه
على هذه الآية : « هذه الآية أصل عظيم من أصول الأخلاق الإسلامية » وعلل ذلك بأنها
تشتمل في أولها على النهي عن الموت على غير الإسلام ، بما يستوجب النهي عن مفارقة
الإسلام طول الحياة ، وأنها تشتمل كذلك على الأمر الشرعي بالاعتصام وعدم التفرق بما
يستوجب الأخذ بأسباب ذلك وقال - رحمه الله - : « أمرهم بما فيه صلاح حالهم في
دنياهم ، وذلك بالاجتماع على هذا الدين وعدم التفرق ليكتسبوا باتحادهم قوة ونماءً
»[5]
فأين هذا من قول من يقول : إن الفرقة قدر
غالب ، وضربة لازب ؟! إن الأمر بالاجتماع
هو أمر بمسبباته من الأوامر الشرعية ، كما أن النهي عن الفُرقة هو نهي عن مسبباتها
من المناهي الشرعية ، ولذلك قال العلامة أبو السعود في تفسير الآية نفسها : [
وَلاَ تَفَرَّقُوا ]( آل عمران : 103 ) : « لا تُحدِثوا ما يوجب التفرق ويزيل
الألفة » [6]
.
وما يوجب التفرق ويزيل الألفة ، نعرفه جميعاً في كثير من المجالس
والمنتديات ، وفي أكثر المجادلات والحوارات الخالية من أدب الحوار الإسلامي ، وإذا
كان بذل الأسباب لتقوية أواصر الأخوة بين المسلمين واجباً شرعياً ، فإن مع ذلك
الواجب واجباً آخر أوجب ، وهو أن يكون هذا الإخاء مبنياً على الالتفاف حول ثوابت
هذا الدين ومحكماته .
والدعوة إلى وحدة العمل الإسلامي
هنا ليست دعوة إلى تأليف القلوب على مفهوم مقلوب ، أو منهج مبتدع ، أو اعوجاج ظاهر
عن الأصول الثابتة ؛ ولكنها دعوة إلى التآلف على الهدى المحكم ، والثوابت المجمع
عليها[7]
؛ وهذه مساحتها أكبر بكثير من مساحة المسائل المختلف فيها .
وأكثر ما تعج به الساحة الإسلامية من خلافات
واختلافات ، إنما هو في مسائل قد تختلف فيها الأنظار ويسوغ فيها الاختلاف .
ولوحدة الجماعة المسلمة كما يقول سيد قطب - رحمه الله - « ركيزتان تقوم
عليها لتحقق وجودها وتؤدي دورها : الركيزة الأولى هي الإيمان والتقوى المأمور بها
في قوله تعالى : [ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ
وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ]( آل عمران : 102 ) ، والركيزة الثانية هي ركيزة الأخوة ..
الأخوة في الله على منهج الله ، لتحقيق منهج الله ؛ فهي أخوة إذن تنبثق من التقوى
والإسلام ، من الركيزة الأولى .. أساسها الاعتصام بحبل الله ، أي عهده ونهجه ودينه
، وليست مجرد تجمع على أي تصور آخر ، ولا على أي هدف آخر ، ولا بواسطة حبل آخر »[8]
.
وقد يقول قائل : وهل حققت
التجمعات الإسلامية في العالم الركيزة الأولى حتى تنتقل إلى الركيزة الثانية ؟
والجواب : إن الفصائل التي ندعو إلى التوافق
القلبي والتوفيق المنهجي بينها ؛ هي تلك التي لم تخرج عن ( الجماعة ) بالمعنى
الشرعي ، أي التي لم تخالف الأصول العامة لأهل السنة والجماعة ، وهذا حال أكثر
الفصائل المشهورة والمعنية بالكلام هنا فيما نعلم فهؤلاء وحدتهم المنهجية متقاربة
، ولكنهم فرطوا كثيراً في وحدتهم الأخوية الوجدانية .
أما
الزاعمون بأن اجتماع الكلمة ووحدة القلوب من الممنوع قدراً ، بناء على أحاديث
الافتراق ، وتفرد الطائفة الناجية ، فنقول لهم : حديثنا هو عن اجتماع فصائل العاملين
من تلك الطائفة ، وليس عن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً من الطوائف البدعية
المخالفة في أصول الاعتقاد ؛ فلهؤلاء شأن آخر ، ثم إنه لا يمكننا أن نضرب الشرع
بالقدر ، للهروب من الشرع احتجاجاً بالقدر ؛ فهل إذا أخبر النبي صلى الله عليه
وسلم بوقوع هذه الأمة قدراً في التشبه بأعدائها في قوله : « لتتبعن سنن الذين من
قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه وراءهم » [9].
هل يعني ذلك أننا غير مأمورين شرعاً بترك
هذا التشبه ؟! وهل يعني تقدير وقوع الفتن ألاَّ يفر المرء من الفتن ؟ أو أن تقدير
غربة الدين يعفينا من العمل على إزالة تلك الغربة عن الدين ؟
إن
الوحدة بين المسلمين فريضة توصل إليها فرائض ، وشرعة تتضمن العديد من التشريعات ؛
فالأمر بالأخوة الإيمانية هو أمر بالعديد من شعب الإيمان الموصلة لها ، هو أمر
بخفض الجناح ، وحسن الظن ، والعفو والصفح ، وصنائع المعروف ، وإبداء النصيحة ،
وقبول النصيحة ، والرفق في النصيحة ، والإخلاص في النصيحة ، والستر على العيوب ،
والرفق في الأفعال واللين في الأقوال ، والدفع بالتي هي أحسن ، والصبر على التي هي
أقوم من مواقف العدل وسياسة الإحسان ، إلى غير ذلك من العديد والعديد من شعب
الإيمان .
أكاد أجزم بأن أكثر شعب الإيمان توصلنا إلى الاعتصام بحبل الله ، وكيف لا ؟
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعلها أهم روابط الإيمان في قوله عليه الصلاة
والسلام : « أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله ، والحب في الله
والبغض في الله » [10][13]
.
وأكاد أجزم - في الوقت نفسه - بأن الشقاق لا يحصل إلا بعد الوقوع في العديد
من شعب العصيان التي يزينها الشيطان ليوقع المسلمين في الافتراق والشقاق .
الحاضر الغائب ( لعنه الله ) :
أعني به ذلك العدو المبين الذي قال الله
تعالى عنه : [ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُواًّ ]( فاطر
: 6 ) ؛ فمن عظيم عداوته ، وشدة أذاه لأولياء الرحمن أنه يتربص بأُخوَّتهم ،
ويستهدف محبتهم ، ويحرص لعنه الله على أن ينال حظه من مجموع المؤمنين بالمعاصي
الجماعية ، بعد أن ينال من آحادهم بالمخالفات الفردية ، وذلك بأن يضل الجميع عن
أعظم محاب الله ، وهو الحب في الله ، فينشر البغضاء ، ويشيع الكراهية ، ويبث
الأحقاد والضغائن والإحن ، ليظفر عليه اللعنة من وراء ذلك بكم كبير من الكبائر ...
نعم
الكبائر والآثام التي يقع فيها المتدابرون والمتباغضون والمتنازعون المتفرقون .
تصور معي شخصاً ، لا يقيم علاقته مع إخوانه المسلمين على الميزان الشرعي
للأخوة الإيمانية ، فيقع كما نشاهد كثيراً في بغض أخ له بغير حق ، وفي عداوته لغير
الله ، إنه سيحوز بلا شك ، من وراء ذلك الخلل الشرعي في علاقته بأخيه ، عدداً غير
قليل من كبائر الذنوب وموبقات الآثام ، وقد لا يشعر بذلك لتزيين الشيطان له سوء
عمله حتى يراه حسناً .
-
إنه قد يحتقره ، واحتقار المسلم من الكبائر « بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه
المسلم » [11]
.
-
وقد يهجره هجراً غير شرعي فوق ثلاث ، وذلك لا يحل له ، لقوله صلى الله عليه وسلم :
« لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام »[12]
[15] .
-
وقد يعتدي عليه في عرضه أو ماله أو نفسه ، وذلك من الكبائر [ إِنَّ اللَّهَ لاَ
يُحِبُّ المُعْتَدِينَ ]( البقرة : 190 ) .
-
وقد يسبه أو يتشاجر معه وذلك من الكبائر ؛ لأن « سباب المسلم فسوق وقتاله كفر »[13]
[16] .
-
وقد يسيء به الظن ؛ وذلك لا يحل بحال ؛ لأن [ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ]( الحجرات :
12 ) .
-
وهو في الغالب سيستحل غيبته ويقع في عرضه ، وذلك من الكبائر ؛ لأن الله قال : [
وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ
أَخِيهِ مَيْتاً ]( الحجرات : 12 ) .
-
وهو لا بد واقع في همزه ولمزه ، وذلك من الكبائر ؛ لأن الله قال : [ وَيْلٌ
لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ]( الهمزة : 1 ) ، وقال : [ وَلاَ تَلْمِزُوا
أَنْفُسَكُم ]( الحجرات : 11 ) .
-
وأخونا هذا أو أختنا سيقعان غالباً في السخرية من إخوانهم أو أخواتهن ، وذلك من
الإثم ؛ لأن الله تعالى يقول : [ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن
يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ
خَيْراً مِّنْهُنّ ]( الحجرات : 11 ) .
-
وقد يصعِّر أحدهم خده لأخيه ، أو يتكبر عليه ، أو يمنع عنه الماعون ، أو يخذله أو
يسلمه ، أو يوشي به أو يتجسس عليه أو يؤذيه بأي نوع متعمدٍ من الأذى ، وكل ذلك من
الكبائر أو الآثام التي كثر التحذير منها في نصوص الشريعة ، والتي أجمل الله ذمها
وذم أهلها في قوله سبحانه : [ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً
وَإِثْماً مُّبِيناً ]( الأحزاب : 58 ) .
وهنا يفرح الشيطان ، ويرقص طرباً ، وهو يتفرج على هؤلاء الإخوة الأعداء
الذين قد يقنع منهم بتلك الذنوب من كبائر القلوب ، عوضاً عن إيقاعهم في كبائر
الجوارح التي يعلم الملعون أن التورع عنها أسهل من التورع عن ذنوب القلوب .
لن
نعجب بعد ذلك ، عندما نعلم أن حظ إبليس اللعين من الإيقاع بين المسلمين يكفيه في
نفث عداوته ، وإنفاذ أحقاده ؛ وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : « إن
الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون ، ولكن في التحريش بينهم »[14]
، إن ذلك التحريش قد يوقعه الشيطان بين أهل الصلاة ، بحزازات حزبية ، أو خلافات
فكرية ، أو فروق طبقية ، أو عرقية أو عنصرية ، وقد يوقعهم في ذلك بسبب حواجز وهمية
أو أحقاد متوارثة تاريخية ، لا بل قد يحرش بين المصلين بمجرد اختلافات ( جغرافية )
ليس لأحد فيها اختيار ، فيجري على ألسنة المخدوعين به عبارات الاستثقال والاحتقار
لأهل بلد ، بل لجهة في البلد الواحد دون جهة كأن يسخر مثلاً من أهل ( الجنوب ) في
بلدٍ ما ، أو سكان ( الشمال ) في أرض ما ، كما قد يغري أهل ( الشرق ) بالتكبر على
أهل ( الغرب ) أو العكس ، فتنطلق على ألسنة البعض عبارات النتن الكريه الذي كرم
الله المؤمنين عنه ، وكرَّههم رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخوضوا فيه ، في قوله
عليه الصلاة والسلام لمن كادوا أن يفتنوا بالتحريشات الجاهلية : « ما بال دعوى
الجاهلية ؟! دعوها فإنها منتنة »[15]
، يقصد بذلك صلى الله عليه وسلم التعالي بالأحساب والأنساب ، والتميز بالأسماء
والألقاب .
أين موقع التحصين من تلك المخاطر
في مناهجنا التربوية ، وبرامجنا التعليمية والتثقيفية ؟! أظن أن أمامنا الكثير من
الوقت ، حتى تحل ( ثقافة الإخاء ) أو ( فقه الوفاق ) في قلوب وعقول الناشئين
والمُنشِّئين ؛ لأن الثقافة المعاكسة ، والفكر المخالف في ذلك ، قد كاد يستفرد
بالعقول والقلوب حيناً من الدهر ، حتى لقد أثمر هذا الخلل أحوالاً من الخصام شبه
العام في غير ما قضية ، بما يستوجب بحكم الشرع والدين إجراء مصالحة شاملة بين
أنصار الشرع وأهل الدين ترغم أنف الشيطان ، وتحبط خطط الأعداء .
الشعيرة
الغائبة :
لا
بد من عزمه أكيدة على إحباط خطط الشياطين في التفريق بين المؤمنين ، لا بد من أن
ينتدب قوم من العقلاء والصلحاء لمهمة إصلاح ذات البين بين خاصة الأمة فضلاً عن
عامتها .
لا
بد من بذل الجهد واستفراغ الوسع في الإصلاح بين طوائفها وفصائلها وجماعاتها
ومنظماتها .
وما
نقوله ليس اختراعاً لاقتراح ، بل هو تذكير بشعيرة منسية ، يبدو أن الخلافات شغلتنا
عنها ، والمزايدات زهدتنا فيها .
إن
الإصلاح بين المؤمنين فريضة أخرى لا تقل أهمية عن فريضة الاعتصام بحبل الله ؛ فقد
خاطب الله تعالى خير أجيال البشر في زمان خير البرية صلى الله عليه وسلم آمراً
إياهم بأن يتقوا الله في الإصلاح ، ويندبوا له من يقوم به ، فقال جل شأنه : [
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ]( الأنفال : 1 ) ، وهل هناك
أقدر على الإصلاح في الأمة منا نحن الإسلاميين ؟ وهل هناك أحوج إلى الإصلاح في
الأمة منا نحن الإسلاميين ؟ إن الآية أمر إلهي لنا ، وللأمة جميعاً بأن نبادر إلى
رفع أسباب الشقاق ، وإحلال أسباب الوفاق .
يقول ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره لهذه
الآية : [ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ]( الأنفال : 1 ) ، «
أي : واتقوا الله في أموركم ، وأصلحوا فيما بينكم ، ولا تظالموا ، ولا تشاجروا ؛
فما آتاكم الله من الهدى والعلم خير مما تختصمون بسببه » ثم أورد عن ابن عباس -
رضي الله عنهما - قوله : « هذا تحريج من الله ورسوله أن يتقوا الله ويصلحوا ذات
البين »[16] .
وانتداب طائفة من الإسلاميين العاملين لبذل جهد إصلاحي بين الفصائل
الإسلامية ؛ ليس كما يظن البعض كتابة على الرمال أو نطحاً للجبال ؛ فهذا من
تسويلات الشيطان وتحريشاته العنيدة ، بل إن مجهودات المصالحة لا بد أن تعود بخير ؛
لأن الله تعالى قال في شأن الزوجين : [ وَالصُّلْحُ خَيْر ]( النساء : 128 ) ؛ فما
بالنا بخيرية الصلح بين جماعتين أو اتجاهين أو أكثر أو أقل ؟
إن
إصلاح ذات البين لا بد أن تكون له آثاره وثماره ، وقد يكون نصيب المصلحين ، ما
يعود على أشخاصهم هم من نفع وبر فضلاً عن دفع الشر والضر ؛ فالله تعالى يقول : [
لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ
مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ
مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ]( النساء : 114 ) ، فهل
يُزهد في هذا الأجر العظيم ، وهل يفرط حريص على الخير في تلك الفضيلة الكبرى التي
جاء الخبر المعصوم بأنها الأفضل بين الأفضل من الأعمال ؟ قال صلى الله عليه وسلم :
« ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ؟ قالوا بلى ! قال : صلاح ذات
البين ؛ فإن فساد ذات البين هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ، ولكن تحلق الدين »[17] .
بلى
والله .. تحلق الدين وتميت الشعور .
هذا البراء
، فأين الولاء .. ؟
لا
أدري ، لماذا أشعر كثيراً بأننا شطرنا تلك القضية في واقعنا الإسلامي إلى شطرين :
أحدهما : فاعل حيْ ، والثاني : خامل ضامر .
أعني بذلك أن مسائل الولاء ، لم تحظ دعوياً
وعلمياً بذاك الاهتمام الذي نالته مسائل البراء ، بل تكاد قضايا الولاء الشرعي
للمؤمنين بأحكامه ومسائله تذوب وتتوارى خلف قضايا البراءة الشرعية من الكافرين ،
مع أن هذه لا تقل أهمية عن تلك ، ولهذا اقترنت هذه دائماً بتلك ؛ فهل السبب في ذلك
هو أن الأعداء أفلحوا في إحياء مشاعرنا في البراءة منهم بكثرة اعتدائهم وكشفهم عن
أحقادهم ؟! ...
ربما ، وهل ساعد على ذلك أن علماء دُعاة الصحوة
ركزوا كثيراً في طروحاتهم وأدبياتهم على إحياء البراء قبل الولاء والإخاء ؟! ...
قد
يكون .
الحقيقة الضائعة وسط ذلك ، هي أن البراء بلا ولاء لن يجدي كثيراً في
إنهاضنا من كبواتنا ؛ فقضية الولاء ليست ذات بعد عقدي فقط ، ولكن لها أيضاً بُعد
واقعي ، نحياه منذ عهود طويلة ، فأنا أزعم ، بل دعني أقول : أجزم بأن التفريط في
أسباب الولاء والإخاء بين المسلمين هو تفريط في رأس مالنا ، وفي أكبر أسباب
استجلاب النصر لنا .
فعندما امتن الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه أمدَّه بكل
أسباب النصرة والتأييد جعل كل تلك الأسباب : من تنزيل الملائكة ، وتثبيت الأقدام ،
وإنزال الغيث ، وتنزل السكينة على قلوب المؤمنين ، مع إلقاء الرعب في قلوب
الكافرين جعل ذلك كله في كفة ، وجعل التأييد بالمؤمنين المتآخين المتآلفين في كفة
أخرى ، فقال سبحانه : [ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ *
وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا
أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ ]( الأنفال : 62-63 ) ؛ فالله تعالى أيد رسوله صلى الله عليه وسلم
بمؤيدات كونية وعلى رأسها الإمداد بالملائكة ، ومؤيدات شرعية وعلى رأسها التأييد
بالمؤمنين المتآلفين الذين ألف بينهم هذا الدين بتشريعاته السامية .
قال
الشيخ السعدي - رحمه الله - في تفسيره لتلك الآية : « أي أعانك بمعونة سماوية ،
وهو النصر منه الذي لا يقاومه شيء ، ومعونة بالمؤمنين ، بأن قيضهم لنصرك [
وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ]فاجتمعوا وائتلفوا وازدادت قوتهم بسبب اجتماعهم » [18]
إن
روح التحقير أو التنفير من شأن ذلك الاجتماع والائتلاف ، هو تفجير لأكبر مستودعات
القوة لدى المسلمين ، وبعث لأقوى عوامل الفتنة فيما بينهم ، مهما كان المسمى الذي
تتسمى به تلك الروح .
قال
ابن تيمية - رحمه الله - : « كل ما أوجب فتنة وفرقة ، فليس من الدين ، سواء كان
قولاً أو فعلاً » [19]
.
والذين يطوِّلون ذيل البراء ، حتى يمدونه إلى ساحة الولاء وبيت الإخاء
بذرائع خلافية ، وفي مسائل قد تكون اجتهادية ، هؤلاء ينزلون ألواناً من العداوة
إلى غير محلها ، مع أننا لسنا أحراراً في أفعال قلوبنا من محبة أو بغضاء ، بل نحن
متعبدون بألا نحب إلا لله ، ولا نبغض إلا لله .
وتعدي الحدود الشرعية في ذلك وبخاصة في المسائل الاجتهادية لون من البغي
وصنف من العدوان .
قال
ابن تيمية - رحمه الله - : « الاجتهاد السائغ لا يبلغ مبلغ الفتنة والفرقة إلا مع
البغي ، لا لمجرد الاجتهاد ، كما قال تعالى : [ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا
الكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ]( آل
عمران : 19 ) ، وقال : [ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً
لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ]( الأنعام : 159 ) ، وقال : [ وَلاَ تَكُونُوا
كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ
وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ]( آل عمران : 105 ) .
وقد أرسى شيخ الإسلام قاعدة ذهبية في التعامل بين المسلمين على أساس مراعاة
الموالاة الإيمانية التي عقدها الله تعالى بينهم في قوله عز وجل : [ إِنَّمَا
المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ]( الحجرات : 10 ) ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «
كونوا عباد الله إخواناً » [20]
، فقال عليه رحمة الله : « على المؤمن أن يعادي في الله ، ويوالي في الله ، فإن
كان هناك مؤمن ، فعليه أن يواليه وإن ظلمه ؛ فإن الظلم لا يقطع الموالاة الإيمانية
؛ قال تعالى : [ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا
بَيْنَهُمَا ]( الحجرات : 9 ) فجعلهم إخوة مع وجود القتال والبغي ، وأمر بالإصلاح
بينهم ؛ فليتدبر المؤمن : أن المؤمن تجب موالاته وإن ظلمك واعتدى عليك ، والكافر
تجب معاداته وإن أعطاك وأحسن إليك ؛ فإن الله سبحانه بعث الرسل ، وأنزل الكتب
ليكون الدين كله لله ، فيكون الحب لأوليائه والبغض لأعدائه ، والإكرام والثواب
لأوليائه ، والإهانة والعقاب لأعدائه ، وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر ،
وفجور وطاعة ، وسنة وبدعة ، استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير ،
واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر » [21]
وقد
حرص الإمام - رحمه الله - على بيان الفصل التام بين طبيعة التعامل مع الكافرين
بمقتضى عقيدة البراء ، والتعامل مع المؤمنين بمقتضى عقيدة الولاء ، مبيناً أنه لا
تنقطع الموالاة عن مؤمن أبداً ، فقال : « الحمد والذم ، والحب والبغض ، والموالاة
والمعاداة ، إنما تكون بالأشياء التي أنزل الله بها سلطانه ، وسلطانه كتابه ؛ فمن
كان مؤمناً وجبت موالاته من أي صنف كان ، ومن كان كافراً وجبت معاداته من أي صنف
كان »[22]
، وحذر شيخ الإسلام أيضاً من إطلاق العنان للنفس لتحب من تشاء وتبغض من تشاء دون
تقيد بسلطان القرآن ومنهاج السنة ، فقال : « من الناس من يكون حبه وبغضه ، وإرادته
وكراهته بحسب محبة نفسه وبغضها ، لا بحسب محبة الله ورسوله ، وبغض الله ورسوله ؛
وهذا نوع من الهوى ، فإن اتبعه الإنسان فقد اتبع هواه : [ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ
اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّه ]( القصص : 50 ) »[23]
.
إن
إحياء الموالاة بين المؤمنين ، هو استدعاء لموجبات ولاية الله ، وولاية الله موجبة
لرحمته ونصرته ، وفي الوقت نفسه فإن التنكر لتلك الموالاة للمؤمنين ، والتماسها
عند غير أهلها من موجبات الحرمان من الولاية الإلهية .عياذاً بالله .
قال سبحانه : [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن
دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ
عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ]( المائدة : 54 ) .
قال حَبر الأمة ، عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : « من أحب في الله
وأبغض في الله ، ووالى في الله وعادى في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك ، ولن
يجد عبد طعم الإيمان ، وإن كثرت صلاته وصومه ، حتى يكون كذلك ، وقد صارت مؤاخاة
الناس على أمر الدنيا ، وذلك لا يجدي على أهله شيئاً »[24]
.
أقَْدِم ولا تتردد !
الإخاء روح يسري ، وفقه يُشاع ، وثقافة تنتشر ،
وعلى العكس تماماً ، فإن الجفاء له روحه وفكره وثقافته ، ولكل من روح الإخاء
والجفاء أهل ، ولكل منهما أنصار ورموز ومنظِّرون ومندوبون ، مسوِّقون وموزِّعون .
وبقدر ما تُخدم قضايا الإصلاح يجيء الإصلاح ،
وبقدر ما تخدم جهود الفرقة ، تعم الفرقة ، وفي أوضاعنا المعاصرة ، عندي ما يشبه
اليقين ، بأن الجهود التي تبذل من أجل الوفاق والائتلاف ، لا تبلغ عشر معشار ما
بذل ولا يزال يبذل من جهود الشقاق والاختلاف ، وإذا كان قد فرط من أمرنا في ذلك ما
فرط ، مما لا يرضي الله سبحانه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلا أقل من
المسارعة الآن إلى تدارك ما فُرط فيه ؛ قبل أن ينفرط ما تبقى من عقودنا وعهودنا ، ويسقط
ما تبقى من شعاراتنا ومشاريعنا ؛ فالظرف قاهر ، والأزمات محكمة ، والعدو من كل صنف
أصبحوا كصف واحد برأي واحد في تحدٍ سافر ، وعناد خطير ، هم فيه أولياء متناصرون ،
وحلفاء متعاضدون : [ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ
تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ]( الأنفال : 73 ) .
نعم ! فساد كبير ، أن يتحد أعداؤنا ونتفرق ، وفساد كبير أن يتعاونوا على
الإثم والعدوان ولا نتعاون على البر والتقوى ، وفساد كبير أن يكونوا على أفجر قلب
رجل واحد منهم ، ولا نكون على أتقى قلب رجل واحد منا .
هل
بقي هناك متسع للتردد في أهمية وإمكانية ، بل فرضية الانتداب للإصلاح ؟!
اندب نفسك أخي من الآن ، وشارك بعقلك وقلبك
وروحك في إشاعة روح الوفاق والاتفاق ، فذاك عمل تغييري كبير ، ودور عظيم في (
العمل الإسلامي ) لا يحتاج إلى تنظيم أو جماعة ، أو تنظير أو تقعير ؛ فالأمر في
غاية البساطة : « المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله ولا يحقره »
اعلم أهمية ذلك واعمل بذلك ، وادع الجميع من حولك إلى إحياء ذلك الهدي النبوي
العظيم « لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله ولا يحقره . التقوى ها هنا ، التقوى ها هنا
»[25]
.لعل الله أن يجعلنا وإياك من المتقين .
إن روح الإخاء تلتقي مع
صفاء الفطرة ، وإنه بقدر الغيرة على الدين يكون الحرص على ائتلاف أهل الدين ، وإن
من علامة سلامة الفكر والعقل سلامة الصدر ، ومن أمارات رجاحة الرأي الشغف بالوفاق
والنفور من الشقاق ، وأنت أيها القارئ ! نعم أنت أنت ... لا أراك إلا من الموفورين
حظاً في صفاء الفطرة وسلامة الصدر ورجاحة العقل ، فليكن لك رأي ، ولتكن لك مشاركة
في دفع تيار المصالحة الإسلامية والولاية الإيمانية نصحاً لله ولرسوله ولخاصة
المسلمين وعامتهم .
وقد يقول قائل :
وما
علاقة هذا الكلام بملف ( التغيير القادم ) أو موضوع ( تغيير الخطط في مواجهة خطط
التغيير ) ؟ وهنا أقول : إن كل خطط الأعداء قد وضعت على افتراض بقاء المسلمين عامة
، والإسلاميين منهم خاصة في حال من الوهن والتشرذم والفشل الناتج عن التنازع
والتخالف والفرقة ؛ فهم يعلمون عنا من خلال المنافقين بيننا كل ذلك ، ولهذا فهم
يخططون وينفذون وهم آمنون من أي ( مفاجآت ) تضامنية على المدى القريب والمتوسط
والبعيد ، ظانين أن هذه الأمة قد فُرغ منها ، فأيس عوامها من زعمائها ، وانفصلت
قمتها عن قاعدتها على المستوى العام والخاص .
فدورنا الآن أن نغير خطنا في الفرقة والشقاق إلى خطط للوحدة والألفة
والوفاق .
وحتى لا نكون ( قدريين )
أو ( عاطفيين ) أو ( واعظين ) فقط !
فهذه بعض
خطوات ( عملية ) يمكن أن نفتتح بها عهداً جديداً لمرحلة جديدة لعمل إسلامي قائم
على أسس الإخاء والتناصح والتراحم :
1
- انتصاب جمع من أهل العلم والدعوة والفكر ، من أنحاء مختلفة ، لمهمة وضع ورقة عمل
، لما يمكن أن يكون ( ميثاق عمل إسلامي ) يوضح بصورة علمية منهجية الخطوط العريضة
التي ينبغي أن يتوافق العاملون في أهل السنة جميعاً على الالتقاء حولها ، مع بيان
ما يجوز وما لا يجوز الاختلاف حوله ، وإبراز ماهية خلاف التنوع الجائز المحمود ،
وخلاف التضاد المحرم المذموم ، وأخلاقيات المسلم عند وقوع الاختلاف ونحو ذلك ، على
أن تنطلق هذه الورقة من أساس راسخ قائم على علمي أصول الفقه وأصول الاعتقاد .
2 - إبراز أهم الدراسات الجادة في فقه الخلاف
، وأدب الحوار ، وأصول الجدال بالحسنى ، واستخلاص أهم ما يمكن توظيفه ( عملياً )
من تلك الدراسات في تنقية الأجواء الإسلامية ، والمسارعة إلى ما يمكن أن يكون (
حملة مصالحة ) علمية وإعلامية ، ترتكز على مفاهيم الوفاق والاتفاق والأخوة في ظل (
عقيدة ) الولاء والبراء ، و ( شريعة ) الاعتصام بحبل الله ، و ( شعيرة ) إصلاح ذات
البين و ( سلوك ) المحبة والإخاء ، وذلك لدفع تيار عام في الأمة يدعو إلى مصالحة
إسلامية ، وأتصور أن العديد من منابر الدعوة ، ودور النشر ، ووسائل الإعلام
الإسلامي المقروءة والمسموعة والمشاهدة ، يمكن أن يقوم القائمون عليها بدور فاعل
في ذلك ، يحتسبون فيه الأجر ، ويساهمون من خلال ذلك في المسيرة التي طالما طالب
الناصحون للأمة بتفعيلها وهي ( ترشيد الصحوة الإسلامية ) .
3 - إضافة بند جديد إلى ما اشتهر مؤخراً
بعمليات ( المراجعة ) بحيث تنطلق من ذلك البند عملية ( مراجعة ) جديدة وجادة
للبرامج التربوية في التجمعات الإسلامية ، لتنقيتها من كل ما لا يرضي الله ورسوله
، من شوائب التعصب والتحزب ، وآفات الفرقة والاختلاف ، وهي موجودة بنسب متفاوتة في
تلك البرامج ، ولكن مراجعتها تحتاج فقط إلى نوع من التجرد والإخلاص .
4 - عند صياغة برامج تربوية جديدة ؛ فمن
المهم إعطاء قضية الولاء والإخاء والتآلف بين المسلمين ، مساحتها الكبيرة الجديرة
بها ، حتى تتربى الأجيال الناشئة على غير ما تربت عليه الأجيال التي سبقتها ،
وسيساعد على تلك النقطة ما جاء في النقطة رقم ( 2 ) .
فمن
غير المنتظر أن تزول ( آثار العدوان ) الشيطاني على أُخوتنا الإسلامية بين يوم
وليلة ، بحدث قدري بحت كما سبقت الإشارة ولكنه التواصي بالحق والصبر ، حتى تنمو
ثمرات البر والتقوى .
5 - من المهم إجراء دراسات محايدة
لفهم خلفيات الخلافيات ، ورصد العوامل التاريخية والشخصية فيها ؛ فكثير من
الخلافات متوارثة دون تمحيص ، والعديد منها أسبابه نفسية قبل أن تكون فقهية أو
فكرية ، وبالإمكان حصر مسائل الاختلاف الحقيقية بين فصائل أهل السنة المعاصرين ،
وإخضاعها لبحوث علمية جادة ، أو استصدار فتاوى معتمدة فيها ، من أهل العلم والفتوى
، لتقليل مساحات الاختلاف كلما أمكن .
6 - يمكن استحداث منابر متخصصة في شؤون العمل
الإسلامي تسعى في جهود ( التقريب ) بين أهل السنة ؛ بحيث يكون بعضها على شكل مجلات
، أو برامج أو مواقع ، أو على الأقل زوايا خاصة بذلك ، تسمح بفتح حوار يدار بأسلوب
راقٍ ، ونفوس صافية ، أو مستعدة للصفاء .
أعرف أن هناك العديد والعديد مما يمكن إضافته من مقترحات لدى المهتمين ، من
أجل جهد أكبر في إحياء الوفاق الإسلامي ، ولعل جهودنا جميعاً تتضافر حسبة لله
للمساهمة في تغيير الخطط ، قبل أن تدهمنا جميعاً خطط التغيير .
[2] (5) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة ، ح (459) ،
ومسلم في كتاب البر والصلة ، ح (4684) ، والإمام أحمد في مسنده ، ح (944) .
[3] (6) القدرية الاعتقادية تمثلها فرقتان ؛ فهناك
القدرية المغالون في إثبات القدر ، القائلون بأن الإنسان مجبر على أفعاله (مسيَّر)
وهم أتباع الجهم بن صفوان ، ويعرفون أيضاً بالجبرية ، وهناك القدرية النافون للقدر
، القائلون بأن الإنسان يستقل بعمله في الإرادة والقدرة ، وهذه القدرية هي التي
دعا إليها معبد الجهني و غيلان الدمشقي
[4] . تفسير الطبري للآية : 103 من سورة آل عمران ،
والنقل من طبعة دار الحديث بالقاهرة (3/21) .
[5] تفسير التحرير والتنوير ، للطاهر بن عاشور ،
(3/30 ، 31) .
[6] (9) تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب
الكريم ، للعلامة أبي السعود (1/526) .
[7]
(10) من أحسن ما ألف في
ذلك كتاب الثوابت والمتغيرات في مسيرة العمل الإسلامي ، للدكتور صلاح الصاوي .
[8] في ظلال القرآن ، لسيد قطب (1/ 436) .
[9] (12) أخرجه البخاري في الاعتصام ، ح (6775) .
[10] أخرجه الإمام أحمد في مسنده ، ح (17793) ، وقال
الألباني قوي بطرقه وحسن بشواهده ، انظر : السلسة الصحيحة ، (998 ، 1728) .
[11] أخرجه البخاري في كتاب الأدب ، ح (5605) ،
ومسلم في البر والصلة ، ح (4650) .
[12] أخرجه البخاري في كتاب الأدب ، ح (5605) ،
ومسلم في البر والصلة ، ح (4641) .
[13] (16) أخرجه الترمذي في البر والصلة ، ح (1860) ،
وأحمد في مسنده ، ح (14288) وقال الألباني صحيح (السلسلة الصحيحة/2947) .
[14](17) أخرجه البخاري في
كتاب التفسير ، ح (4525) ، ومسلم في البر والصلة ، ح (4682) .
[15] (18)
تفسير ابن كثير للآية 1 من سورة الأنفال ، (1/316) طبعة الندوة العالمية .
[16] (19)
أخرجه الترمذي في صفة القيامة والرقائق والورع ، ح (2432) ، وقال الألباني : حسن
لغيره ، انظر : صحيح الترغيب والترهيب ، ح (2827) .
[17] (20)
أخرجه مسلم في البر والصلة ، ح (4677) .
[18] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ،
للشيخ السعدي ، (3/186) .
[19] (22)
الاستقامة ، لشيخ الإسلام ابن تيمية ، (1/39) .
[20] (23)
سبق تخريجه
[21] مجموع الفتاوى ، لشيخ الإسلام ابن تيمية ،
(28/208) .
[22] (25)
مجموع الفتاوى ، (28/201) .
[23] (26)
رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لشيخ الإسلام ابن تيمية ، (1/354) .
[24] (27)
حلية الأولياء ، لأبي نعيم ، (1/312) وجامع العلوم والحكم ، ص 30
[25] مسلم حديث (4650) ، البر والصلة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق