الخميس، 16 يناير 2025

"فهم الإسلام في ظلال الأصول العشرين" للإمام الشهيد حسن البنا - الأصل الثاني عشر.

 

الأصل الثاني عشر

البدع المختلف في الحكم عليها

"والبدعة الإضافية والتركية والالتزام في العبادات المطلقة خلاف فقهي لكلٍ فيه رأيه ولا بأس بتمحيص الحقيقة بالدليل والبرهان "

هذا الأصل يعالج :

1-البدعة الإضافية.

2-البدعة التركية .

3-الالتزام في العبادات المطلقة.

هذا الأصل متمم بل ومبين للفرق الواضح بين الأصل السابق ذلك لأننا إذا قلنا أن الأصل السابق تكلم عن البدعة الأصلية والتي هي في أمور تتصل بأصل الدين ويقصد بها العبادة والتقرب إلى الله بالرغم من أنها لا أصل لها واستحسنها الناس بأهوائهم بالزيادة فيه أو بالنقص منه، وهذه هي البدعة التي يجب محاربتها بالطرق الشرعية وهذا لا خلاف فيه بين العلماء لأنها عمل يخالف معلوماً من الدين بالضرورة أو نص لا يحتمل اجتهاد أو تأويلاً أو إجماعًا أو غير ذلك من  الأمور القطعية التي لا اجتهاد فيها وهذا الأصل المختلف فيه بين العلماء لذلك فإن الإمام البنا رحمه الله أفرد له هذا الأصل وخصصه ليوضح الفرق بين البدعة الإضافية والتركية والالتزام في العبادات المطلقة وبين البدعة الحقيقية التي تتصل إما بالعقيدة أو العبادة أو الحل والحرمة.

فالذي نحن بصدده في هذا الأصل –ونكرر ذلك ونؤكد عليه –أنه من مسائل الخلاف الفقهى فهناك من العلماء من جوزها وهناك من منعها ولكل رأيه، فأصبح من المسائل الظنية المجتهد فيها، والإمام النووي t قال :"المختلف فيه لا إنكار فيه" أي عند اختلاف العلماء في قضية من القضايا فلا أمر فيها بالمعروف ولا نهى عن المنكر لأن من شروط الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أن تكون القضية التي فيها أمر ونهى مُجمع عليها وليس مختلف فيها ، فما حقيقة هذه البدع المختلف فيها؟

البدعة الإضافية : هي كل بدعة لها أصل في الدين أي أصلها مشروع وهذا هو الشرط الأول ولكن اختلف في الكيفية، أي كيفية الأداء ولها شائبتان.

إحداهما: لها من الأدلة متعلق فلا تكون من تلك الجهة بدعة لأن لها أصل في الدين مشروع كما قلنا.

الأخرى: ليس لها متعلق إلا بمثل ما للبدعة الحقيقية ولذلك سميت بدعة إضافية لأنها بالنسبة إلى إحدى الجهتين سنة لأنها مستندة إلى دليل وبالنسبة للجهة الأخرى بدعة لأنها مستندة إلى شبهة لا إلى دليل أو غير مستندة إلى شيء ولذلك سميت إضافية لأنها لم تتخلص لأحد الطرفين: إما المخالفة الصريحة أو الموافقة الصريحة.

مثال : الصلاة على رسول الله r بعد الأذان مباشرة وبتغن وتلحين في الصوت كما يفعل بعض المسلمين في جميع مساجد الأوقاف وبعض المساجد الأهلية فهى من حيث الأصل مشروعة لأن الرسول r طلب منا أن نصلى عليه r بعد الأذان ولكن الكيفية هنا هي التي اختلفت فبعضهم يقول يردد المؤذن والسامعون الصلاة الإبراهيمية فى آخر التشهد لأنها الصيغة الواردة والبعض من المؤذنين يستكمل بعد الأذان وبصوت جهور الصلاة على النبي r بصيغ متعددة ولذلك اختلف الكيف مع الاتفاق فى أداء الصلاة على النبي r بعد الأذان ولذلك سميت بدعة إضافية لأن الأصل موجود ثم أضيف الكيف بوجوه متعددة. وقس على ذلك هل لصلاة الجمعة أذان واحد يردده المؤذن والإمام على المنبر أم أذانين وأكبر دليل على صحة هذا وذاك ما يحدث فى الحرمين، المسجد الحرام ومسجد رسول الله r من رفع الأذانين وليس أذان واحد.

مثال آخر: قراءة سورة الكهف في بعض المساجد من قارئ معين بصوت مسموع ويجلس على كرسى والجميع ينصت له – وذلك لانتشار الجهل والأمية وعدم حفظ القرآن وهذه الطريقة تعين هؤلاء على سماع القرآن- فقراءة سورة الكهف مشروعة وسنة من السنن فلو قرأها مسلم على حدة فقد أصاب السنة في رأي الذين يحكمون على ابتداع من قرأها بصوت يسمعه جميع المصلين وأما الحكم الشرعي فإن هذا الفعل مشروع أيضًا إلا أنه مختلف فيه لنفس السبب السابق الذي سقناه فالأصل مشروع واختلف الكيف فكانت بدعة إضافية.

مثال آخر :خطبة الجمعة، أيضًا يقولون هذا مسجد بدعة لماذا؟ لأنه يؤذن أذانين وحدثت معركة ووصل الأمر  إلى أن بعضهم يسمع أذان الفجر يؤذن في رمضان ويتعمد أن يأكل ويشرب أمام الناس لأن هذا الفجر الكاذب ولم يأت وقت الفجر الصادق حتى الآن، أمور عجيبة جداً والغريب أن الأمر وصل إلى أن يقال لأحد الإخوة الدعاة الذين يعطوا دروساً في المساجد: أنت أشد عداوة من اليهود؛ لأن اليهود معروفين أنهم أعداء الله لكن أنت باسم الدين تلبس على الناس وتنشر البدعة فأولى بنا أن نحاربك أنت قبل أن نحارب اليهود.

المأثورات وورد الرابطة : نستطيع أن نقول على أكثر الفروض أنهما من البدع الإضافية المختلف في حكمها ذلك لأن الأدعية التي وردت في المأثورات مشروعة وأحاديثها صحيحة والدعاء بها سنة مستحبة ولكن قراءتها بهذا الترتيب الذي وضعه الإمام البنا غير واجبة وغير واردة فالخلاف هنا فى الكيف مع وجود الأصل ولذلك نعتبرها فى أشد الأحكام بدعة إضافية ومن دقة الأستاذ البنا وتحرزه أنه قال في ورد الرابطة بعد أن ذكر المأثور من الدعاء قال يدعو الأخ بمثل هذا –الدعاء- حتى لا يظن أحد أن هذا الترتيب واجب الإتيان به.

يقول الدكتور القرضاوي ولكى نتلافى هذا الخلاف – وإن كانت مسألة خلافية – يمكن قراءتها- أي المأثورات- بأن نقدم بعضها مرة ونؤخر بعضها مرة أخرى حتى لا يظن ما هو ليس بواجب واجب وإن كانت هذه الكيفية من الصعوبة بمكان بل إن فعلها ؟؟؟؟ (غير واضحة) ولا بأس لمن فعل ذلك، فلقد كان أبو بكر وعمر لا يضحيان مخافة أن يرى ذلك الناس واجباً وكان ابن عباس يشترى درهمين لحم ويقول هذه أضحية ابن عباس حتى لا يعتقد الناس وجوب الأضاحى والأمثلة على ذلك كثيرة فكل بدعة لها أصل في الدين مشروع ولكن اختلفت الكيفية فهى بدعة إضافية من مسائل الخلاف الفقهى الذي لا إنكار فيه.

وها هو ابن عمر رضى الله عنهما يسمى صلاة الضحى جماعة في المسجد بدعة إلا أنه استحسنها فعن مجاهد قال : دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة والناس يصلون الضحى في المسجد فسألناه عن صلاتهم فقال: بدعة وفى رواية – نعمت البدعة.

الذكر الجماعي ومشروعيته:

فضل الذكر[1]:

إن ذكر الله U ودعاءه ومناجاته بالمأثور عن رسول الله r فى جميع الأحوال والأوقات والمناسبات هو إحدى الركائز الكبرى فى هذا الدين العظيم، يقول المولى U موجهاً نداءه الكريم إلى عباده المؤمنين : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [الأحزاب : 41] وتلك الصفات العشر التي يجب على جميع العباد –رجالاً ونساءً- أن يكونوا من أهلها ، والتي بدأها المولى I بالإسلام جَعَل مسك الختام (الذكر والذكر الكثير) فقال عَزَّ من قائل: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب : 35] وحسب الذكر والذاكرين شرفاً وفضلاً أن يقول رسولنا الحبيب r ردًا على هذا الصحابي الذي سأله: "يا رسول الله إن شرائع الإسلام كثرت عليّ، فدلني على شيء أتشبث به" فقال :"لا يزال لسانك رطباً بذكر الله تعالى".

والمؤمن القوي الإيمان يذكر ربه على جميع حالاته ذكراً كثيراً ، ولقد وصف الذكر المأمور به فى القرآن بالكثرة فى عدة مواضع. فنعوذ بالله من الغفلة عن ذكره ، كما نعوذ به كذلك أن نشبه المنافقين – ولو فى الشكل والصورة- ذلك أن الله تعالى قد وصفهم بقوله : (وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً) ولنسعتن به I على ذكره وعلى أمرنا كله، داعين ملحين مخبتين "اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" " اللهم لا تولنا غيرك، ولا تُؤمنا مكرك ولا تنسنا ذكرك، ولا تكشف عنا سترك ولا تجعلنا من الغافلين".

فوائد الذكر:

إن للذكر فوائد جليلة الشأن عظيمة الأثر فى حياة المسلم فى دنياه وآخرته وقد ذكر أكثرها الإمام ابن القيم فى كتابه الصغير المبارك" الوابل الصيب".

فمنها: أنه يطرد عنك عدوك اللعين إبليس وجميع شياطين الإنس والجن ، ويزيل عن قلبك كل هم وغم وحزن، ويملؤه بالفرح والسرور والبهجة وبه يقذف الله فى قلبك نور الإيمان وحلاوته فإذا بهما ينعكسان على وجهك وظاهرك مهابة وإشراقاً ونضرة وجمالاً .. كما أن الذكر يغرس فى قلبك حب الله تعالى ومراقبته والإنابة إليه ويجعلك قريباً منه I فيحبك ويرضى عنك ويرزقك من حيث لا تحتسب ،ويعلمك ما لم تكن تعلم ...إلخ.

وما أشد افتقار المسلمين إلى مذاكرة هذه الفوائد كلها ، وهضمها واستشعارها وتذوقها واليقين بصدقها، حتى يدفعهم ذلك بقوة وعزيمة إلى الإكثار من ذكر الله تعالى بقلوبهم وألسنتهم وجوارحهم فى كل لحظة من لحظات هذا  العمر المحدود فى طريق الرحلة الطويلة الشاقة إلى الله U : إلى فردوسه الأعلى ..إلى رضوانه الأكبر.

نذكر هذه المقدمة لأهميتها لنذكر أنفسنا بفضل الذكر وقد يقول قائل : وهل هذا ينكره مسلم إننا نتحدث عن الذكر الجماعي وبدعيته ونقر الذكر الفردي بين  الإنسان وبين ربه وندعو إليه ولكننا ننكر الذكر الجماعي فهذا ما نقصده ونسأل هل هو بدعة أم لا؟

فنقول وبالله التوفيق للإجابة على هذا عقد الإمام الفقيه المحدث محي الدين النووي t بابًا فى كتابه الأذكار تحت عنوان : "فضل حلق الذكر والندب إلى ملازمتها والنهي عن مفارقتها لغير عذر" ذكر فيه خمسة أحاديث صحاح عن رسول الله r فى هذا  الموضوع واستفتح الباب بقوله تعالى (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) ولعل مما يحسن فى هذا المقام أن نورد تفسير الإمام ابن كثير لهذه الآية الكريمة السابقة "اجلس مع الذين يذكرون الله ويهللونه ويحمدونه ويسبحونه ويكبرونه ويسألونه بكرة وعشيا من عباد الله ، سواء كانوا فقراء أو أغنياء أو أقوياء أو ضعفاء"[2].

ويسوق ابن كثير نفسه عدة أحاديث فى هذا المعنى كذلك –على طريقته فى تفسير القرآن بالسنة، ومنها:

1-روى أبو داود الطيالسي عن أنس t قال: قال رسول الله r :"لأن أجالس قوماً يذكرون الله من صلاة الغداة إلى طلوع الشمس أحب إلي مما طلعت عليه الشمس".

2-روى الإمام أحمد عن أنس أيضًا t عن رسول الله r قال :"ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله تعالى لا يريدون بذلك إلا وجهه إلا ناداهم مناد من السماء : أن قوموا مغفورًا لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات".

3-روى الطبراني عن عبد الرحمن بن سهل بن حنيف رضي الله عنهما قال : "نزلت على رسول الله r وهو فى بعض أبياته : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) فخرج يلتمسهم فوجد قوماً يذكرون الله تعالى فلما رآهم جلس معهم وقال :"الحمد لله الذى جعل فى أمتى من أمرني أن أصبر نفسي معهم".

وأما الأحاديث الخمسة التى أشرنا إليها آنفًا فهي:

1-روى البخارى ومسلم عن أبى هريرة t قال : قال رسول الله t :"إن لله تعالى ملائكة يطوفون فى الطرق، يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله U تنادوا : هلموا إلى حاجتكم ، فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا فيسألهم ربهم –وهو أعلم بهم – ما يقول عبادي؟ قال : يقولون : يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك، فيقول هل رأوني؟ فيقولون : لا والله ما رأوك، فيقول كيف لو رأوني؟ يقولون لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدًا، وأكثر لك تسبيحاً قال: فماذا يسألون؟ قال: يقولون : يسألونك الجنة، قال : يقول : وهل رأوها؟ قال : يقولون : لا والله يا رب ما رأوها ، قال : يقول : فكيف لو رأوها ؟ قال يقولون : لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً ، وأشد لها طلباً وأعظم فيها رغبة قال فمم يتعوذون ؟ قال : يتعوذون من النار قال فيقول : وهل رأوها؟ قال: يقولون : لا والله ما رأوها فيقول : فكيف لو رأوها ؟ قال يقولون : لو رأوها كانوا أشد منها فراراً وأشد لها مخافة . قال : فيقول فأشهدكم أنى قد غفرت لهم، قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة ، قال : هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم".

2-فى إحدى روايات الإمام مسلم لهذا الحديث ، بشرح النووي :" إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة فُضُلاً[3] يتبعون مجالس الذكر. فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكر قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضاً بأجنحتهم حتى يملئوا ما بينهم وبين السماء الدنيا فإذا تفرقوا[4] عرجوا وصعدوا إلى السماء قال : فيسألهم الله U -وهو أعلم بهم- من أين جئتم، فيقولون جئنا من عند عباد لك فى الأرض يسبحونك، ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك قال وماذا يسألونني؟ قالوا : يسألونك جنتك. قال وهل رأوا جنتي؟ قالوا لا أى رب ؟ قال فكيف لو رأوا جنتي؟! قالوا : ويستجيرونك، قال ومم يستجيرونني قالوا : من نارك يا رب ، قال وهل رأوا نارى؟ قالوا لا ، قال فكيف لو رأوا نارى ؟! قالوا ويستغفرونك قال : فيقول قد غفرت لهم فأعطيتهم ما سألوا وأجرتهم مما استجاروا ، قال فيقولون رب فيهم فلان عبد خطاء إنما مر فجلس معهم، قال فيقول وله غفرت ، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم".

3-روى الإمام مسلم فى صحيحه عن أبى سعيد الخدرى وأبى هريرة رضى الله عنهما أنهما شهدا على رسول الله r أنه قال :"لا يقعد قوم يذكرون الله تعالى إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله تعالى فيمن عنده". والرواية المذكورة لهذا الحديث فى (بلوغ المرام) للحافظ بن حجر :"ما جلس قوم مجلساً يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة..." إلخ ويقول الإمام الصنعاني فى شرحه لهذا الحديث : "دل الحديث على فضيلة مجالس الذكر والذاكرين، وفضيلة الاجتماع على الذكر".

4-عن أبى واقد الحارث بن عوف t أن رسول الله r بينما هو جالس فى المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر فأقبل اثنان إلى رسول الله r وذهب واحد ، فوقفا على رسول الله r فأما أحدهما فرأى فرجة فى الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم ، وأما الثالث فأدبر ذاهباً فلما فرغ رسول الله r قال : "ألا أخبركم عن النفر الثلاثة أما أحدهم فآوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيى فاستحيى الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله U عنه" متفق عليه.

5-عن أبي سعيد الخدري t قال : خرج معاوية t على حلقة فى المسجد فقال : ما أجلسكم؟ قالوا جلسنا نذكر الله تعالى ، قال : آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال أما إنى لم أستحلفكم تهمة لكم وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله r أقل عنه حديثًا منى وإن رسول الله r خرج على حلقة من أصحابه فقال؟ ما أجلسكم؟ قالوا جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنّ به علينا، قال آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ أما إنى لم أستحلفكم تهمة لكم ، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله تعالى يباهي بكم الملائكة" رواه الإمام مسلم فى صحيحه.

هذه الأحاديث الخمسة التى ذكرها الإمام النووى فى هذا الباب من كتابه "رياض الصالحين".

وقال فى كتابه الأذكار[5] :"اعلم أنه كما يستحب الذكر يستحب الجلوس فى حلق أهله وقد تظاهرت الأدلة على ذلك ، وسترد فى مواضعها إن شاء الله تعالى ويكفي فى ذلك حديث ابن عمر رضى الله عنهما قال: قال رسول الله r :"إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا : وما رياض الجنة يا رسول الله؟ قال: حلق الذكر، فإن لله تعالى سيارات من الملائكة يطلبون حلق الذكر فإذا أتوا عليهم حفوا بهم" ثم ساق حديثين آخرين مما تقدم.

وقد ذكر الإمام ابن القيم فى كتابه (الوابل الصيب)[6] هذا الحديث بزيادة لطيفة فقال: "ذكر ابن أبى الدنيا وغيره من حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال " خرج علينا رسول الله r فقال :"يا أيها الناس ارتعوا فى رياض الجنة" قلنا يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال "مجالس الذكر" ثم قال :"اغدوا وروحوا واذكروا ، فمن كان يحب أن يعلم منزلته عند الله تعالى فلينظر كيف منزلة الله تعالى عنده، فإن الله تعالى ينزل العبد من حيث أنزله العبد من نفسه".

وذكر ابن القيم فى هذا الموضع من كتابه بقية الأحاديث التى ساقها فى فضل الذكر الجماعي وقد روى الإمام شمس الدين الجزرى فى كتابه (الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين) الحديث السابق بلفظ مختصر رواه الترمذي وهو :"إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا ، قالوا : يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال حلق الذكر"

كما روى الإمام الجزرى فى كتابه المذكور أحاديث عديدة عن موضوعنا هذا، منها ما تقدم وغيره ومما يجذب القلب منها بصورة أقوى هذان الحديثان:

1-قال رسول الله r :"يقول الله U : سيعلم أهل الجمع اليوم من أهل الكرم؟! قيل من أهل الكرم يا رسول الله؟ قال أهل مجلس الذكر" رواه ابن حبان والطبراني فى الأوسط.

2-قال رسول الله r : " لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلى من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل" رواه أبو داود وقال العراقي: إسناده حسن.

وليكن مسك الختام لهذه المجموعة الطيبة من الأحاديث الدالة على هذا الفضل العظيم لأهل مجالس الذكر ما رواه البزار بإسناد حسن عن أنس بن مالك t عن النبي r قال: " إن لله سيارة من الملائكة يطلبون حلق الذكر، فإذا أتوا عليهم حفوا بهم ثم بعثوا برائدهم إلى رب العزة تبارك وتعالى فيقولون ربنا أتينا على عباد من عبادك يعظمون آلاءك ويتلون كتابك ويصلون على نبيك محمد r ويسألونك لآخرتهم ودنياهم فيقول تبارك وتعالى غشوهم رحمتي فيقولون يا رب إن فيهم فلاناً الخطاء إنما اغتبقهم اغتباقاً فيقول تبارك وتعالى غشوهم رحمتى فهم القوم لا يشقى بهم جليسهم".

ألا ما أجزل هذا الثواب !! وما أعظم هذا الأجر!! وما أجل هذا الفضل الذي يمنحه الله تعالى ويتكرم به على عباده الصالحين الذين يتحلقون حلقاً حلقاً فيتلون كتابه ويهللونه ويكبرونه ويسبحون بحمده ويذكرونه بما علمهم إياه رسول الله r ويسغفرونه من ذنوبهم ويحمدونه على آلائه ونعمه عليهم ويصلون على نبيه r ويسألونه جنته ويستعيذون به من ناره ويدعونه في كل ما يشمل مصالح آخرتهم ودنياهم.

تُرى ما هذا الفضل الكبير؟ وهل هناك أعظم من المغفرة؟ من الرحمة؟ وأن يجيرهم الله مما استجاروا ويعطهم ما سألوا ؟ هل هناك أروع وأبلغ من أن تحفهم ملائكة الرحمن بأجنحتها العلوية، و أن تتنزل عليهم السكينة فتطمئن منهم القلوب وتنشرح الصدور، وينعمون بالرضا والأمان والراحة النفسية أليسوا فى رياض الجنة؟ بلى ..ألم يبشرهم الصادق الصدوق r بذلك ؟! بلى .. ثم ماذا؟ ثم مباهاة ربهم بهم لدى الملائكة ..بل إن الله تبارك وتعالى يذكرهم هناك ..هناك في الملأ الأعلى كما ذكروه سبحانه هنا في جمعهم المبارك ذِكرٌ بِذِكرٍ ..وجمع بجمع ..وشتان بين  الذكرين !! وشتان بين الجمعين .

وهناك نقطة مهمة ينبغي إبرازها في هذا المقام ذكرها الإمام النووي في شرح مسلم تحت باب "فضل الاجتماع على  تلاوة القرآن وعلى الذكر"

فقد ربط بين هذين الحديثين:

1-حديث : "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده".

2-وحديث: "لا يقعد قوم يذكرون الله تعالى إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله تعالى فيمن عنده".

فقال وهو يشرح الحديث الأول : " ويلحق بالمسجد في تحصيل هذه الفضيلة : الاجتماع في مدرسة ورباط ونحوهما إن شاء الله تعالى ، ويدل عليه الحديث الذى بعده [يقصد الحديث الثانى لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل ...إلخ] فإنه مطلق يتناول جميع المواضع ويكون التقييد في الحديث الأول خرج على الغالب لا سيما في ذلك الزمان" حيث كان المسجد هو مجمع المسلمين في كل أمورهم وأيضًا كما أن الحديث الثاني مطلق من حيث المواضع فهو مطلق كذلك من حيث أنواع الذكر سواء كانت قرآناً أو غيره كالتسبيح والتحميد ونحوهما، و لذلك كانت ترجمة النووي السابقة بعطف "الذكر" على " تلاوة القرآن" مع التأكيد بإعادة "الجآر".


لإيضاح هذا المعنى بجلاء:

الجهر غير المكروه والرفع غير المذموم:

1-روى البخارى ومسلم عن أبى هريرة t أن رسول الله r قال:"يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم..".

والشاهد في هذا الحديث القدسي على ما نحن بصدده هو قوله تعالى :" وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم" في  مقابلة قوله تعالى: " فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي " -والملأ هم الجماعة كما في  القاموس[7] وغيره- فمعنى الجملة الأولى "ذكرني في نفسه" أى سرًّا منفرداً لم يُسمع أحداً، ومعنى الجملة الثانية : "ذكرني في ملإ" أي: ذكرني في جماعة جهراً بحيث يسمعون ذكره لله تبارك وتعالى. ولذلك كان ثوابه أن يذكره الله تعالى هناك في الملأ الأعلى وهم الملائكة، وهم المعبر عنهم هنا بقوله :"في ملإ خير منهم". حيث يحدثهم عن عباده الذاكرين له في جماعة، ويباهيهم بهم، ويثني أمامهم عليهم . وكل هذا الذكر الكريم من المولى U إنما يكون جهراً في مقابلة أن عباده ذكروه جهراً كذلك فيما بينهم. وهنا ملاحظة مهمة نُبادر بذكرها لتندفع بها شبهة[8] قد تَرِدُ ، وذلك أن العلماء الذين جمعوا أحاديث الأذكار في كتب خاصة كالنووي وابن القيم والجزرى وغيرهم يوردون هذا الحديث في هذه الكتب الخاصة،  وكذلك فإن كثيراً من العلماء الذين يجمعون السنة المطهرة ويؤلفونها أبواباً أبواباً ، إنما يدونون هذا الحديث في أبواب الذكر[9] ، وليس في أبواب العلم والتفقه في الدين ، ولا في أبواب النصيحة والتذكير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

2-في قوله r في الحديث السابق :"فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة" .وفى رواية : "إنما مر فجلس معهم". وأمثال ذلك من أحاديث النبي r السابقة دلالة واضحة على ارتباط هؤلاء الذاكرين واتفاقهم على أن يذكروا الله تعالى في جماعة بعضهم مع بعض.

أضف إلى ذلك إن مادة "التحلق" الواردة بلفظ : "الحلقة" ، و "الحِلَق". مرات عديدة في تلكم الأحاديث المذكورة في الفقرة السابقة تدل على أن اجتماعهم وتحلقهم إنما هو على ذكر موحد يشتركون فيه جميعاً ، سواء كان قرآناً يتلى ويتدارس أو غيره من أنواع الأذكار والدعوات، إذ لو لم يكونوا مجتمعين على ذكر معين يجهرون به كلهم أو بعضهم أو أحدهم على الأقل – لما كان لهذا التحلق فائدة، وكان الأولى بهم أن يتفرقوا ويبتعد بعضهم عن بعض دفعاً لأية شبهة رياء، وكان الأولى بهذه الحلقة أن تنفضّ، حتى يتمكن كل منهم من استقبال القبلة، ويخلو بنفسه مع ربه ويذكره على الوضع الذى يريد ما دام كل منهم منفرداً ومستقلاً تماماً عن الآخرين.

والحق أن كلا من النوعين : الذكر الفردي والذكر الجماعي مطلوب ، ولكل منهما أهميته ودواعيه وظروفه وفوائده وثوابه الخاص به.

3-اشتراك حديث(الذكر العام المطلق) وحديث (الذكر الخاص بتلاوة القرآن ومدارسته) في هذا الثواب العظيم المشتمل على هذه الأمور الأربعة المحددة : غشيان الرحمة، ونزول السكينة، وحفّ الملائكة وذكر الله لهؤلاء المجتمعين على ذكره فيمن عنده- يشير بوضوح إلى الاشتراك والتماثل بينهما في الصفة، ومعلوم أن تلاوة القرآن ومدارسته في جماعة لا تكون إلا جهراً ، فهذه قرينة على أن الذكر الذى يُجتمع عليه يكون جهراً كذلك.

4-قوله r :"وذكرهم الله فيمن عنده". ملتق من حيث المعنى في خط واحد مع قوله I في الحديث القدسي : "...ذكرته في ملإ خير منهم" ، وبما أن الحديث القدسي يدل على الجهر دلالة واضحة كما سبق، فإن الثواب المماثل له في الحديث الآخر يدل على أن الذكر الوارد فيه جهرٌ أيضًا.

5-روى أبو داود والترمذي وابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال :"كنا نعد لرسول الله r في المجلس الواحد مائة مرة "رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم". قال الترمذي : حديث صحيح.

فها هو ذا عليه الصلاة والسلام يجهر بالاستغفار وهو في مجلس أصحابه ، ولم يكن بضمير الجمع كدعاء عام مثلاً وهم يؤمّنون، بل كان بصيغة المفرد، ويظل يجهر طوال المجلس حتى يفرغ من المائة، والصيغة سهلة محدودة كان يمكن حفظها بمرة أو اثنتين أو ثلاث!! ويبعُد أنهم رضوان الله عليهم لم يشاركوه هذا الاستغفار؛ حيث يستغفر كل منهم لنفسه سرًّا أو جهراً خفيفاً، فهم أشد منه r افتقاراً واحتياجاً إلى مغفرة ربهم، كما يبعد أن ينصرفوا إلى شيء آخر وهم في مجلسه r، ويسمعونه ويرونه وهو يستغفر ربه وهم لا يستغفرونه بل وينشغلون بشيء آخر غير الاستغفار مهما كان خيراً، لأن هذا يتنافى مع تمام الأدب معه وكمال التأسي به، وحرصهم الشديد على الثواب. كما أن "العد" لا يتعارض مع "الفعل" فهم يعدون ويستغفرون كما يعد الإنسان لنفسه، وواضح أيضًا أنه r لم يجهر ببعض المائة ويسر ببعضها، ولكنه جهر بها جميعاً وإلا لما انضبط العدد، كما يتضح من أسلوب سيدنا عبد الله بن عمر أن هذا كان يحدث كثيراً، فهو لم يحدث مرة واحدة وقضي الأمر وإلا لقال مثلاً : عددنا لرسول الله r في أحد مجالسه كذا ولكنه قال :"كنا نعد". وقال :"في المجلس الواحد" .

والحق أن هذا الحديث جليل الشأن في  الباب كله؛ فهو دليل على الجهر بالذكر، وهو دليل على الاجتماع على الذكر الجهري، وهو دليل على تكرار الذكر الواحد في مجالس متعددة. فالحمد الله رب العالمين الذي بنعمته تتم الصالحات.

6-روى الترمذى عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال، :"قَلَّما كان رسول الله r يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا". قال الترمذي: حديث حسن.

فهذا الحديث الشريف يدل بلا ريب على مواظبة الرسول r على هذا الدعاء في كل مجالسه إلا قليلاً، وإنه r كان يجهر به دائماً، وإلا لما سمعه عبد الله في كل مرة ..وهذا هو منحى الإمام النووي في فقه هذا الحديث ، حيث ترجم له في كتاب (الأذكار)  بهذا العنوان: (باب دعاء الجالس في جمع لنفسه ومن معه). وذكر النووي أيضًا في (الأذكار)[10] :"أن السلف كان يجمع بعضهم بعضاً للدعاء عند ختم القرآن ، يقولون : لتنزُّل الرحمة، ولاستجابة الدعاء في هذا الموطن"، وقال النووي أيضًا في الكتاب نفسه:"روى ابن أبي داود بإسنادين صحيحين عن قتادة التابعي الجليل صاحب أنس t قال :"كان أنس بن مالك t إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا" اهـ. وذلك تطبيقاً للحديث الشريف :"من ختم القرآن فله دعوة مستجابة" رواه الطبراني وغيره.

7-هذا الحديث الكريم الذى أخرجه السبعة عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما قال :"إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله r ". فها أنت ذا ترى أن رسول الله r وصحابته رضى الله عنهم كانوا بعد تسليمهم من صلاة الفريضة يرفعون أصواتهم بالأذكار التي تقال عقب الصلاة كالتكبير والتهليل، ولا شك أن الصيغ كانت مُوَحدة فيما بينهم، وإلا لحدثت جلبة وضوضاء وتشويش من بعضهم على بعض ولا شك أيضًا أنه كان رفعًا مناسباً ومعقولاً حتى لا يحدث تشويش على المسبوقين.

فها هى ذى جماعة مجتمعة على ذكر معين قد رفعوا به أصواتهم في بيت الله U والحديث صحيح صريح محكم لم يقل أحد بنسخه والعلماء الذين لم يذهبوا هذا المذهب وقالوا باستحباب الإسرار بأذكار ما بعد الصلاة تأولوا الحديث على أنه r جهر مدة بقصد التعليم ثم أسَرَّ، علما بأن هذا التفسير لم ينقل قط كخبر من أحد الصحابة وهم المعاصرون المشاهدون فهذه سبعة أدلة على مشروعية الجهر بالذكر في جماعة، كل دليل منها يكفي وحده في بيان مشروعية هذا الأمر في دين الله ، فما بالك إذا اجتمعت هذه الأدلة وتضافرت وقوى بعضها بعضًا؟

وأوضح من ذلك وأصرح ما قرره حامل لواء السنة الإمام الحافظ ابن حجر في كتابه (فتح  الباري شرح صحيح البخاري) قال :"المراد بمجالس الذكر الواردة : ما اشتمل على تسبيح وتكبير وغيرهما وعلى تلاوة كتاب الله وعلى الدعاء بخيري الدنيا والآخرة" ثم يقول : "وفى دخول قراءة الحديث النبوي ومدارسة العلم الشرعي ومذاكرته والاجتماع على صلاة  النافلة: في هذا المجلس نظر والأشبه: اختصاص ذلك بمجلس التسبيح والتكبير ونحوهما والتلاوة فحسب، وإن كانت قراءة الحديث : ومدارسة العلم ،  والمناظرة فيه : من جملة ما يدخل تحت مسمى ذكر الله تعالى" اهـ كلام الحافظ.

وقد علق الشيخ عبد الجليل عيسى في كتابه (الصفوة) على هذه العبارة موضحاً لهما فقال :"يعني : أن دخول مجلس التسبيح وما يليه[11] في مجلس الذكر لا شك فيه وأما دخول مجلس قراءة الحديث وما يليهما[12] في هذا المجلس ففيه احتمالان والأشبه عنده[13] عدم دخوله لأن هذه الأمور لا تدخل تحت مسمى الذكر حقيقة وإن دخلت تحته مجازاً ،  وذلك بتشبيهها بالتسبيح ونحوه ، بجامع التقرب إلى الله تعالى ، ثم إطلاق اسم الذكر عليها".

ولذا فإن الأئمة الذين يجمعون أحاديث الأذكار والدعوات في كتب خاصة بها. يدونون في هذه الكتب تلك الأحاديث التى أوردناها في الفقرات السابقة عن مجالس الذكر، وما ذاك إلا لأنهم فقهوا هذا المعنى الذي فصلناه سابقًا ونقلناه عن الإمامين الصنعاني وابن حجر ولم يفهموا منها أنها خاصة بمجالس العلم والفقه أو مجالس الأمر والنهي والتذكير-وإن شملتهما من حيث المعنى العام، بعد شمولها الأولى المباشر- من حيث المعنى الخاص – لمجالس التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل والاستغفار- وتلاوة القرآن والدعاء والصلاة على رسول الله r وسائر الأذكار.

ومما يجب التنبيه إليه هنا : أن الذي حمل بعض العلماء قديماً أو حديثاً على صرف هذه الأحاديث عن ظاهرها البين الواضح وجعلها قاصرة على مجالس العلم والتذكير دون مجالس الذكر: هو ما تعقده بعض الطرق الصوفية –قديماً وحديثاً أيضًا- من مجالس الذكر البدعية المنحرفة فهم قد انحرفوا عن الصراط السوي للذكر الجماعي الشرعي إلى ذكر شيطاني ما أنزل الله به من سلطان، وذلك لاشتمال هذه المجالس على كثير من البدع والمنكرات : كالرقص والغناء والشطحات والتشويش والإيذاء واللحن في القراءة والبناء على قراءة الغير، والمبالغة في رفع الأصوات بصورة فيها إزعاج ورعونة والإتيان بأذكار غير واردة وتفضيلها على الواردة وما إلى ذلك، وهم مع هذا جاهلون بأمور دينهم، لا يعرف أحدهم كيف يستبرئ أو يتوضأ ولا يحسن قراءة الفاتحة، وقد يضيعون بسبب هذه المجالس الليلية الطويلة صلاة الصبح من جراء سهرهم المفرط في هذا الذكر المبتدع أصلاً وشكلاً ...إلخ.

وفى هذا المقام يتبادر هذا السؤال إلى الأذهان:

ما هي الصورة الطيبة للاجتماع على الذكر حتى نحظى بتلك الفضائل الواردة فيه؟ دون أن نقع في شيء من هذه الآثام؟؟

والجواب: أن من سعة رحمة الله وفضله أن جعل هيئة الذكر من الهيئات الموسعة فليست كهيئة الصلاة مثلاً، ذلك أن المسلم يذكر ربه في كل أوقاته وعلى جميع حالاته قائماً وقاعداً وماشياً وسابحاً وراكباً ومضطجعاً ، بقلبه ولسانه معاً، أو بقلبه فقط، أو بلسانه فقط، سرًا أو جهراً ، منفرداً أو مع الناس ، طاهراً أو محدثاً حدثاً أصغر أو أكبر..إلخ ولم يستثنوا اتفاقاً إلا حالتي (الجماع وقضاء الحاجة) بالنسبة للذكر اللساني.

وتفرع عن هذه السعة في هيئة الذكر أنه لم ترد لنا صورة معينة للاجتماع في مجالس الذكر الوارد فضلها العظيم في تلكم الأحاديث، وهذا يدل على جواز انعقادها بأية صورة تحقق مقاصدها والمصالح المترتبة عليها، والثواب الموعود به في أحاديثها.

والشرط الرئيسي الواجب تحقيقه في هذه المجالس حتى تكون مجالس ذكر شرعية لا نكير عليها: هو خلوها من جميع المحظورات الشرعية السابقة وأمثالها، فإن اشتملت على أي محظور شرعي منعت،  ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

وكذلك ينبغي أن تتحقق في المجلس وفى أفراده: آداب الذكر والدعاء المحررة في مظانها من (كتب الأذكار) وغيرها ، كالوضوء ، والإخلاص وتدبر المعاني، وحضور القلب، واستحضار الثواب، واليقين بصدق الوعد، وتعظيم الله تعالى، والتأدب معه سبحانه ظاهراً وباطناً ، وطرح الوساوس الشيطانية والخواطر الدنيوية، والتفرغ من المشاغل والعوائق قبل الاجتماع وارتياد المكان الصالح الطاهر الملائم، واختبار الأوقات الفاضلة والمناسبة، وسد فرجات الحلقة ...إلخ.

فإن خلا المجلس من الموانع واشتمل على الآداب استُحب انعقاده على أي شكل يناسب كل ظرف وكل مجتمع وكل موضع. ومن هذه الصور المحتملة[14]:

1-أن يقرأ الجميع بصوت خفيف وسط بين الجهر القوى والسر الخفي ، ومما يستشهد به لهذه الصورة حديث ابن عباس السابق ذكره وهو أنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالأذكار التي تقال عقب الصلاة.

2-أن يقرءوا سراً بحيث يُسمع كل منهم نفسه فقط، ما عدا واحداً منهم يرفع صوته بعض الشيء ، بحيث يُسمع من بالحلقة فقط؛ حتى يحققوا الاشتراك والاجتماع على الذكر. ولعل مما يستأنس به لأرجحية هذه الصورة حديث الاستغفار مائة مرة حيث كان يجهر الرسول r وهم في مجلسه يسمعون ويعدون، ويبعد (كما قلنا) أنهم لا يستغفرون.

3-أن يسروا جميعاً بحيث يسمع كل منهم نفسه فحسب، متفقين مثلاً على وقت البداية والنهاية وعلى بعض الأذكار أو أكثرها أو كلها، ويستفتح أمير مجلسهم هذا المجلس ويختمه.

4-الصورة السابقة ، ويزداد عليها مثلاً : أن يرفع أمير مجلسهم أو أحدهم صوته بما تيسر من القرآن وهم مستمعون منصتون ، أو أن يرفع صوته ببعض الدعوات وهم يؤمِّنون.

5-الصورة الأولى بالنسبة لصيغ الذكر التي ليست قرآناً ولا دعاء بشرط أن لا يشوش بعضهم على بعض. أما في القرآن والدعاء فيتوقفون عن القراءة، إلا واحداً منهم فهو الذي يتلو ويدعو، وهم يستمعون لتلاوته ويؤمِّنون على دعائه.

وليس معنى هذا تفضيل هذه الصورة الخامسة على الصورة الأولى مطلقًا فقد يكون ما يُتلى من قرآن وما يُدعَى  الله به من دعاء: من الصيغ التي ورد بشأنها أحاديث معينة تقول مثلاً : إن من تلا كذا (من الآيات والسور) فله كذا وإن من قال كذا (من صيغ الدعوات) فله كذا، كما هو الحال في أذكار الصباح والمساء مثلاً ، ففى نحو هذا ربما يُفضل الاشتراك من كل فرد على الاكتفاء بمجرد الاستماع أو التأمين.

6-الصورة الأولى أيضًا إلا في الصيغ التي يزيد عددها عن ثلاث مثلاً كالسبع والعشر والمائة ، فيمكن أن يُسر الجميع بها، على أن يحدد أحدهم وقت البداية والنهاية لكل صيغة منها.

وفى مقدمة كتاب الأذكار (المأثورات)[15]عن الرسول r توجه مؤلفه الجليل ذلكم الشيخ الصالح إلى تلاميذه وقال ما معناه : إليكم خاصة وإلى المسلمين عامة نقدم بعض أذكار الصباح والمساء (الوظيفة الكبرى أولاً ، فإن كان هناك عذر أو فتور فالوظيفة الصغرى )  فلتجتمعوا عليها في دوركم وتقرءوها جماعة فيما بينكم، حتى يتعلم أميكم وينشط ضعيفكم ، وتقوى هممكم ، وتتآلف على الله قلوبكم، ويذهب الفتور والكسل عنكم ، وتحفكم الملائكة وتغشاكم الرحمة بشرط أن لا تقعوا في أى محظور شرعي، كالتشويش على مصلِّ، أو بناء البعض على قراءة البعض الآخر...إلخ الكلام الطيب حول هذه المعاني.

ولقد نشرت جريدة الأهرام فتوى لمفتي الجمهورية فضيلة الدكتور على جمعة تحت عنوان: الذكر الجماعي ومدح الرسول r مشروع وسنة ثابتة تقول :

أكد مفتي الجمهورية فضيلة الدكتور على جمعة على أن الذكر الجماعي أمر مشروع ولا شيء فيه وأن مدح النبي r عمل مطلوب وممدوح شرعاً وهو سنة ثابتة منقولة بالتواتر أخذها الخلف عن السلف، على أن يكون في إطار الحد الذى وضعه النبي r في قوله "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم" يقصد في اتخاذهم إياه ولداً لله أو إلهاً معه فالرب رب والعبد عبد وهناك فارق بين المخلوق والخالق.

وأضاف أنه إذا ما عرف المسلم تلك الثوابت فليمدح بعد ذلك كما يشاء وليعلم أن كل غلو هو في حقيقته تقصير لأنه لا يحيط بصفاته وشمائله r إلا الذى خلقه I ولا يبلغ المادحون في مدحه r إلا على قدر ما يفهمونه من ذلك لا على قدره r كما أن المدائح النبوية كانت وما زالت تحبب الناس في رسول الله r عبر العصور وترغبهم في اتباع سنته والاقتداء بشمائله الشريفة وسجاياه الكريمة التي تنير القلوب وتنشرح بها الصدور وتزكو النفوس. وأوضح أن هذه السنة من السنن المهجورة عند كثير من المسلمين ونسأل الله أن يحييها في الأمة كما كان يفعل السلف الصالح.

ووصف د.على جمعة مدح الله تعالى ورسوله r بأنه من أعظم الطاعات تقرباً إلى الله تعالى كما أن المدح والذكر من أعظم ما يثبت حب الله تعالى ورسوله r في القلوب وقد وردت أحاديث كثيرة بأنه لا أحد أحب إليه المدح من الله تعالى .وفى حديث الأسود بن سريع t أنه قال قلت يا رسول الله مدحت الله تعالى بمدحه ومدحتك بمدحك .

قال : هات وابدأ بمدح الله تعالى ، وقد سمع مدحه بأذنه من حسان بن ثابت، وعمه العباس وأنس بن مالك وعبد الله بن رواحه وزهير وغيرهم ولم ينكر أحد ذلك كما تغنى المتغنون بين يديه بمدحه فرادى وجماعات عند استقبال الأنصار له ولم يرد إنكار لهذا الأمر.

وأشار فضيلة المفتي إلى أن معظم الآيات القرآنية التي أمرت بالذكر جاء الأمر الإلهي فيها بصيغة الجمع كقوله تعالى (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) وقوله (فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ) وقوله (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) وقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على مشروعية الاجتماع على ذكر الله تعالى ودعائه.

وقال أن هناك من الأحاديث النبوية الشريفة الدالة على ذلك فعن أبى هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما أنه r قال :"لا يقعد قوم يذكرون الله U إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله تعالى فيمن عنده". وعن أنس بن مالك t عن رسول الله r قال :"ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله لا يريدون بذلك إلا وجهه إلا ناداهم مناد من السماء أن قوموا مغفوراً لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات " كما أوضح أنه يوجد الكثير من الأحاديث الدالة على مشروعية الاجتماع على الذكر على ذلك فإن القول بأن هذا اللون من الذكر بدعة هو نفسه بدعة مذمومة إذ من البدعة تضييق ما وسع  الله ورسوله r وعلى ذلك فإن الذكر في الجمع أرجى للقبول وأيقظ للقلب وأجمع للهمة وأدعى للتضرع بين يدي الله تعالى.

الالتزام في العبادات المطلقة:

وهى أن يلتزم المسلم بعبادة لها أصل مشروع ولكنه يحدد لها مكاناً معيناً أو زماناً محدداً أو عدداً بعينه مكرراً ذلك مثل قراءة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) مائة مرة بعد الفجر أو في أي وقت معلوم ، أو استمرارية قراءة الكهف كل يوم جمعة بطريقة معينة فإلزام المسلم نفسه بعبادة لها أصل في الدين مشروعة واستمراره عليها تسمى التزام عبادة مطلقة وحكمها كالبدعة الإضافية سواء بسواء اختلف العلماء في الحكم عليها فهى من مسائل الخلاف الفقهى الذي لا إنكار فيه أيضًا.

البدعة التركية، يقول الإمام الشاطبى الترك فعل من الأفعال الداخلة تحت الاختيار وعلى ذلك يكون طاعة ويكون معصية ما دام داخلاً تحت الاختيار فإذا ما خرج الترك من حد الاختيار ولم يقصد الإنسان إليه فلا أثر له في ثواب ولا في عقاب.

والبدعة كما تشمل الفعل المخالف للسنة تشمل الترك المخالف للسنة كذلك والمسلم إن عزم على ترك المباح من الطيبات لغير سبب مقبول كمرض يزيد بتناوله أو ضرر ينتج عنه فإن كان تركه لذلك على وجه من التحريم بحيث لو رغب فيه لتناوله فلا شيء عليه لأن المباح يستوى فيه الفعل والترك وإن حرمه على نفسه أو نذر ترك تناوله مطلقاً أو لمدة محدودة فهو مبتدع بهذا التحريم وبهذا النذر.

ومن هذا الباب ترك المباح تقرباً إلى الله – في كثير من أنواع الزهد وعند بعض المتصوفة فلقد قُدم لأحدهم تفاحة فرفض أن يأكلها فقيل له لم؟ قال لا أستطيع أن أقدم شكرها كنعمة فقال له الحسن البصري: وهل يستطيع الأحمق شكر نعمة الماء البارد ومثل ذلك ترك الزواج كي لا يقرب النساء تعففاً أو غير ذلك.

وكقاعدة فإن البدعة التركية هي ترك الأشياء المشروعة بغية التقرب إلى الله تعالى وعلى كل حال فهي من المسائل الخلافية بين العلماء كما ذكرنا.

نحلص من هذا أن العلماء اختلفوا في حكم البدعة باختلاف مفهومها فمن العلماء من عم البدعة في كل حادث مذموماً كان أو ممدوحاً فالبدعة عنده ليست على مرتبة واحدة بل تختلف فيما بينها من ناحية القبول والرد فمنها ما هو واجب ومنها ما هو حرام يقول ابن حزم البدعة في الدين كل ما لم يأت في القرآن ولا عن رسول الله r إلا أن منها ما يؤجر عليه صاحبه ويعذر بما قصد من الخير ومنها ما يؤجر عليه صاحبه ويكون حسناً وهو ما كان أصله الإباحة كما روى عن عمر t "نعمت البدعة هذه" حين جمع المسلمين على صلاة التراويح ومنها ما يكون مذموماً ولا يعذر صاحبه وهو ما قامت الحجة على فساده فتمادى القائل به؟

ومن أصحاب هذا الرأى الإمام القرافى يقول: فالبدعة إذا عُرضت تعرض على قواعد الشرع وأدلته فأى شيء تناولها من الأدلة والقواعد أُلحقت به من إيجاب أو تحريم وغيرهما وإن نظر إليها من حيث الجملة إلى كونها بدعة -مع قطع النظر عما يتقاضاها -كُرهت -فإن الخير مع الإتباع والشر كله في الابتداع"

ولقد تعقب الإمام الشاطبى هذا القول بما يفيد تناقضه فقال ما خلاصته:

"هذا كلام يقتضى أن الابتداع شر كله فلا يمكن أن يجتمع مع فرض الوجوب أى كيف، يقول الإمام القرافى إن البدعة أحيانًا تكون واجباً وقد ذكر أن البدعة قد تجب وإذا وجبت لزم العمل بها فقد اجتمع في رأيه الأمر بها والأمر بتركها لأنه يقول والبدعة من حيث الجملة مكروهة ولا يمكن فيها الانفكاك وإن كان من جهتين لأن الوقوع يستلزم الاجتماع  لأنها إذا وجبت فإنما تجب على الخصوص وقد فرض أن الشر فيها على الخصوص فلزم التناقض"

ورد الشيخ البراد ما قاله الشاطبى : بأن المقصود أن حكم البدعة المقررة لها بحسب ذاتها والثابت لها من حيث أصلها وبقطع النظر عن عوارضها هو الكراهة وليس القصد أن الكراهة من جهة والوجوب من جهة أخرى حتى يرد ما زعم فهى نظير النكاح مثلاً له حكم بحسب أصله وهو الندب وقد يخرج عنه لعارض وكذلك أكل الميتة يخرج إلى الوجوب عن أصله وهو الحرمة عند الاضطرار"

وأصحاب هذا الرأى – كما رأيت- لا يجيزون إحداث شيء يتصل بالشريعة إلا إذا اقتضت الظروف والأحوال ذلك لمصلحة الدين وهو ما قيل فيه إنه مندوب أو واجب.

والحق يقال إن العلماء اختلفوا من حيث تقسيم البدع فللعلماء فيها أقوال فمنهم من وسع في التحديد فاتسع عنده مدلولها وما يندرج تحت اسمها ويمثل هذا  الاتجاه بعض العلماء ذوو المكانة العلمية الفائقة منهم:

الإمام الشافعى : يقسم البدعة إلى حسنة وسيئة ومحمودة ومذمومة وهى عنده تشمل كل حادث بعد عصر رسول الله r وعصر الخلفاء الراشدين يقول حرملة بن يحيى: سمعت الشافعى رحمه الله يقول: البدعة بدعتان بدعة محمودة وبدعة مذمومة فما وافق السنة فهو محمود وما خالف السنة فهو مذموم.

ابن الأثير: يقول أيضًا البدعة بدعتان : بدعة هدى وبدعة ضلالة وبدعة الهدى هي ما كانت واقعة تحت عموم ما ندب الله إليه وحض عليه سبحانه أو رسوله r وبدعة ضلالة هي ما كانت على خلاف ما أمر الله به ورسوله r وما لم يكن له مثال موجود.

الإمام الغزالى : يقول " وما يقال أنه أبدع بعد رسول الله r فليس كل ما أبدع منهياً عنه بل المنهى عنه بدعة تضاد سنة ثابتة وترفع أمراً من الشرع مع بقائه عليه بل الابتداع يجب في بعض الأحوال إذا تغيرت الأسباب"

ومنهم من ضيق هذا المدلول وما يندرج تحته من الصور والأحكام وهذا الاتجاه ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: لا تتقيد فيه البدعة بشيء سوى مخالفة السنة بحيث تكون البدعة على غير مثال سابق في الشرع سواء اتخذت ديناً أم لا ومن هؤلاء:

ابن رجب الحنبلى يقول : البدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشرائع يدل عليه، أما ما كان أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعاً.

ابن حجر العسقلانى يقول: البدعة أصلها ما أحدث على غير مثال سابق وتطلق في الشرع في مقابل السنة فتكون مذمومة.

ابن حجر الهيثمى: يقول البدعة كل ما أحدث خلاف أمر الشارع ودليله الخاص والعام.

الإمام الزركشى : يقول البدعة في الشرع موضوعة للحادث المذموم .

القسم الثانى : ويمثله:

الإمام الشاطبى : وعرف البدعة بتعريفين :

الأول: البدعة عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهى الشريعة يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله I - وهذا رأى من لا يدخل العادات في معنى البدعة.

الثانى: البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهى الشريعة يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية.

والإمام الشاطبى يقول في تعريفه "طريقة في الدين" ليخرج الطريقة في الدنيا كإحداث الصنائع والبلدان ويقول "مخترعة" أي لا أصل لها في الشريعة ولا تعلق لها بها ، ويقصد بالسلوك عليها ليخرج العادات من البدعة

ونحن نكتفى هنا بهذا القدر لنؤكد أن ما قاله الأستاذ البنا رحمه الله – إنما هو تأصيل فقهى قال به كثير من فقهاء الأمة وعلماء السلف – وفى المسألة تفصيل ليس هنا مجاله فقد قسم العلماء البدعة إلى عادية وتعبدية وحقيقية وإضافية وحسنة وسيئة وفعلية وتركية واعتقادية وقولية وفعلية وكلية وجزئية وكل نوع منها له حكمه عند العلماء وفي هذا  القدر ما يكفي لتبيان صواب ما ذهب إليه الإمام البنا فى هذه القضية فما كان بدعاً من العلماء ولكنه سار على نهجهم.

والذي نريد أن نقف عنده مسألة الاحتفال بمولد الرسول r:

لقد أُعلنت الحرب الشعواء على الاحتفال بمولد الرسول r لأن هذا لون من ألوان البدع التي يجب محاربتها واتهم الإخوان بأنهم مبتدعة لاحتفالهم بمولد الرسول r بل والمناسبات الإسلامية المختلفة والمتعددة وقال بعضهم إن  الإخوان ما وجدوا بدعة إلا وأحيوها وما وجدوا سنة إلا وأخفوها، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

فنقول وبالله التوفيق لا خلاف بين المسلمين في أن الاحتفال بيوم مولد الرسول r عمل محدث لم يعهد في عهد رسول الله r ولا في عهد أصحابه أو التابعين لهم بإحسان يقول الإمام السخاوي إن عمل المولد حدث بعد القرون الثلاثة.

وأول من أحدثه في القاهرة المعز لدين الله الفاطمى سنة 362 هجرية ودام الاحتفال به إلى أن أبطله الأفضل أمير الجيوش بدر الجمالى سنة 488 هجرية في عهد المستعلى بالله ولما ولى الخلافة الآمر بأحكام الله ابن المستعلى أعاد الاحتفال به سنة 495 هجرية.

والغريب أنه بالرغم من أن حكم الاحتفال بمولد الرسول r هو من المسائل الخلافية بين العلماء -كما سنرى- إلا أن بعض العلماء الأجلاء غيرة منهم على دين الله، وخوفاً من الانحرافات التي تظهر في المجتمعات الإسلامية بوجه عام وفي الموالد بوجه خاص غالوا في الحكم في هذا الموضوع حتى أننا وجدنا عالماً جليلاً يكتب في رسالة سماها "الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف" يهاجم فيها الإمام السيوطى هجوماً شديداً لأنه يقول بجواز الاحتفال بمولد الرسول r فيقول عن رأى الإمام السيوطى بجواز الاحتفال بمولد الرسول r "كان رده ساقطاً بارداً لأنه يجادل بالباطل ليدحض به الحق ، والعياذ بالله تعالى".

أليست هذه مغالاة فى الأحكام الشرعية؟ وهل مثل الإمام السيوطي يُقال عنه أن يجادل بالباطل ليدحض به الحق إلى هذا الحد يصف عالماًَ جليلاً من علماء السنة بأنه يجادل بالباطل أي أنه يعلم أنه الباطل الذي يريد أن يدحض به الحق الذي يعلمه فهل هذه صفة المسلم يعرف الحق فضلاً عن أن يكون عالماً جليلاً، وهل علماء الإسلام حين يختلفون يجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

إن الأمر لا يحتاج إلى هذا الغلو الشديد فى أمر اجتهادي فكلا طرفى الأمور ذميم؛ لأن العلماء اختلفوا في الاحتفال بمولد الرسول r، فالبعض أجرى عليه أدلة ذم البدع باعتبار حدوثه وترك النبى r له ومن بعده السلف الصالح هذا من ناحية وقالوا من ناحية أخرى لأنه تخصيص بغير مخصص وقد ورد النهى عن مثله ، فقد نهى النبى r عن تخصيص يوم الجمعة بصيام ولولا أن المفسدة إنما تنشأ من تخصيص ما لا خصوصية له – كما في الاحتفال بالمولد– لما نهى عنه r فإن الناس إنما يخصصون هذا اليوم بالاحتفال لاعتقادهم فيه فضيلة تقتضى ذلك ولا فضيلة فيه فأقل أحوال هذا الاحتفال –في نظر الشرع- أن يكون مكروهاً.

وقالوا أيضًا: أن الواجب على الناس في نظرهم إلى الأيام من ناحية التشريف والتكريم وتخصيص بعضها بالعبادة أو الاحتفال به دون البعض الآخر اتباع الكتاب والسنة وإن لم يدركوا ذلك من المصلحة أو المفسدة.

ومن أشهر هؤلاء المانعين الاحتفال بمولد رسول الله r تاج الدين عمر بن على اللخمى السكندرى المالكى المعروف بالفاكهانى حيث ألف كتاباً سماه "المورد في الكلام على عمل المولد" رد فيه هذا الاحتفال وقال بمنعه لأنه لا يعلم له أصلاً في كتاب ولا سنة.

وهذا الرأى يوافق رأى الإمام ابن تيمية والشاطبى وغيرهما، ومما يوضح أن هذا الأمر مختلف فيه بين العلماء وبالتالي لا إنكار فيه كما شدد البعض هو من رأوا إباحة هذا الاحتفال بل ويحبذون القيام به ويستحسنوه وإليك ما قالوه:

يقول العلامة أبو شامة: "إن من أحسن ما أحدث في زماننا ما يفعل كل عام في اليوم الموافق ليوم مولده r من الصدقات والمعروف وإظهار الزينة والسرور فإن ذلك مع ما فيه من الإحسان إلى الفقراء مشعر محبته r وتعظيمه في قلب فاعل ذلك وشكر الله تعالى على ما منّ به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين r" هذا رأي إمام من الأئمة.

ويمثل هذا الاتجاه الإمام السيوطى وأما ابن حجر فيرى أن الاحتفال بالمولد بدعة اشتملت على محاسن وضدها فمن تحرى في عمله المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة وإلا فلا .ويستدل الإمام ابن حجر بقول الرسول r حين قدم إلى المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء فقال :"ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ فقالوا هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكراً فنحن نصومه، فقال رسول الله r : فنحن أحق وأولى بموسى منكم فصامه رسول الله r وأمر بصيامه.

فإذا نظرنا إلى ما منّ الله به على الناس أجمعين برسالة محمد r لكان أولى بالاحتفال به فإن كان ابن حجر استخدم القياس فإن ابن الحاج –في المدخل – كان موفقاً في توصله إلى دليل على تخصيص هذا اليوم باستحباب عبادة خاصة فيه إظهاراً للسرور بالمولد شكراً لله على مولده r ألا وهو تعليل الرسول r استحباب صوم يوم الاثنين بقوله :"ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت أو أُنزل علىّ فيه"

ويرجع ابن الحاج ترك الرسول r ومن بعده من السلف للاحتفال بهذا اليوم إلى رحمة النبى بأمته ورفقه بهم حيث كان يترك العمل خشية أن يفرض على أمته ومما يدل على ذلك أنه r حرم المدينة بقوله "اللهم إن إبراهيم حرّم مكة وإنى أُحرم المدينة بما حرم إبراهيم مكة ومثله معه"

ومع ذلك فإنه r لم يشرع في قتل صيدها أو في قطع شجرها شيئاً من الجزاء تخفيفاً على أمته ورحمة بهم.

وقد يكون سبب ترك الصحابة لهذا الاحتفال : إنما لانشغالهم بما هو أهم وهو الجهاد وإعداد الدولة الإسلامية أو كانوا يحتفلون به فرادى أو أسراباً .

والغريب أن البعض قالوا : إن الحزن فى هذا اليوم والذى توفي فيه أولى من الفرح بمولده r فإن الإمام السيوطى يقول "الشريعة حثت على إظهار شكر النعم والصبر والسكوت والكتم عن المصائب فيأمر بالعقيقة وهى إظهار شكر وفرح بالمولود وينهى عن النياحة وإظهار الجزع عند الموت ، ولا يأمر بذبح ولا بغيره وذلك يدل على أن الأحسن في هذا الشهر إظهار الفرح لولادته r دون إبداء الحزن على وفاته r " قال ابن رجب :"لم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتماً فكيف بمن دونهم"

ويمكن أن نضيف إلى ما ذكره الإمام السيوطى في ذلك أن الرسول r أشار إشارة واضحة إلى أن وفاته نعمة لا نقمة فقال :"إن الله U إذا أراد رحمة أمة من عباده قبض نبيها قبلها فجعله لها فرطاً وسلفاً بين يديها ، وإذا أراد هلكة أمة عذبها ونبيها حى فأهلكها وهو ينظر فأقر عينه بهلكتها حين كذبوه وعصوا أمره"

ومن هنا يظهر بوضوح اختلاف العلماء في الحكم على الاحتفال بيوم المولد في صورة شخصية أو أسرية بل استحب بعض العلماء هذا الاحتفال وذلك لما يأتي:

1-تخصيص يوم الاثنين بفضيلة الصوم وبيان أن سبب هذا التخصيص أنه r ولد فيه.

2-حث الرسول r على صوم يوم عاشوراء شكراً لله تعالى على نجاة موسى ومن معه وفى ذلك ما يشير إلى  الحث على صوم مولده والاحتفال به بشتى ألوان العبادة والطاعة.

3-تخصيصه r الأوقات الفاضلة بمزيد العناية كزيادة الجود في شهر رمضان والاجتهاد في العبادة فيه أكثر من غيره من الشهور ، ومن أفضل الأيام مولده r.

هذا ومما تجدر الإشارة إليه أن الاحتفال بالمولد على ما اخترناه في تعريف البدعة ليس من المنهي عنه شرعاً بدعة. فلم يقترن به ادعاء ورود الشرع به أو حثه على هذا  التخصيص أو نسبة ما ليس من الشرع في هذا المجال إليه.

وعلى ذلك فهذا الاحتفال ليس مما تحقق فيه تعريف البدعة الأصلية على أي اتجاه من الاتجاهات في تعريف البدعة لثبوت أصله من السنة ، وتوارد الأدلة المؤيدة لوقوعه وهو كما رأيت من الأمور المختلف فيها ولا إنكار فيها.

أما ما يعمل فيه أو كيفية ممارسته فذلك مشروط بأن يقتصر فيه على ما يفيد الشكر لله تعالى من التلاوة والتذكير بسيرته ومآثره r والإطعام والصدقة وإنشاء شيء من الأشعار في المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة وهذا مقيد بشرط ألا يشغل عن فرض أو يعطل عن طاعة أو يسوق إلى إرهاق من كثرة السهر لأن الغرض تحصيل السرور عن طريق مشروع وإظهار الشكر لله تعالى على أي وجه أما كشف العورات والاختلاط المزرى والألعاب الملهية المشتملة على فنون النصب والاحتيال فيجب تجريد ذكرى المولد من كل ذلك على أي حال.

وهذا ما نراه إذ لا يمكن أن يستوى الاحتفال بشم النسيم أو أعياد الغربيين الدينية أو "غدير خم" [16] مع الاحتفال بمولد الرسول r فليسوا سواءً.

وفي النهاية يجدر بنا أن نشير إلى أهم الأسباب التي بها تنتشر البدع كي نحذر منها:.

أسباب انتشار البدع

1-سكوت كثير من العلماء على تلك البدع وعدم تبيانها .

2-تأييد كثير من الحكام لتلك البدع ومحاربة شرع الله.

3-القول في الدين بغير علم في الفتوى.

4--الجهل بالسنة من حيث مكانتها في التشريع أو الجهل بتمييز الأحاديث.

5-إتباع المتشابه والهوى والجهل بأساليب اللغة.

6-عمل العالم نفسه بالبدعة فيقلده العامة.

فما هي وسائل الوقاية منها لكي نحيي السنة ونميت البدعة ؟

وسائل الوقاية من البدع:

1-نشر السنة وإحياؤها والتعريف بها.

2-تطبيق السنة في سلوك الفرد والمجتمع وإنزالها على الواقع ليحيي بها الناس.

3-عدم قبول الاجتهاد ممن لا يتأهل لذلك ويجب التأكد وتحري مصدر التلقي.

4-نبذ التعصب للرأى ورد الأمر للكتاب والسنة والنزول عليهما.

5-الرد على ما يوجه إلى الدين من حملات ظاهرة أو خفية على أساس من العلم وصد التيارات الفكرية والعقائدية الباطلة.

6-تحذير العامة من القول في الدين بغير علم وذلك بالتوعية والدعوة الرشيدة.

7-الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بالطرق المشروعة وبأحسن الأساليب الدعوية.

 




[1] الذكر الجماعي –الشيخ نصر عبد الفتاح-بتصرف.

[2] تفسير ابن كثير ج3-ص80-81، ط دار المعرفة : بيروت

[3] يعني أنهم زائدون على الحفظة وغيرهم من الملائكة المربين مع الخلائق.

[4] أى : تفرق الذاكرون بعد انتهاء المجلس.

[5] الأذكار للنووي: ص6 ط دار الفكر

[6] الوابل الصيب : 68 ط: المختار الإسلامي

[7] القاموس المحيط (م ل أ) ، والمعجم الوسيط، 2/882.

[8] والشبهة هنا والتي يرد عليها المؤلف هى ما يثيره البعض بغير دليل من بدعة الذكر الجماعي

[9] كالإمام مسلم في صحيحه وكالإمام النووي في رياض الصالحين وقد رواه البخارى في كتاب التوحيد من صحيحه "كما ورد فيه غيره من أحاديث الأذكار والدعوات" وذلك لاشتماله واشتمالها على الكثير من أسماء الله تعالى وصفاته وأفعاله.

[10] الأذكار للنووي – ص88:87، ط دارالفكر.

[11] أي وما عطف في العبارة السابقة .

[12] أي وما عطف عليهما.

[13] أي والأرجح والأقوى عند الحافظ ابن حجر.

[14] هذه الصور استنباطات واستنتاجات من المؤلف وليست كل الصور محصورة فيها، والباب مفتوح لأي صورة أخرى ما دامت آداب الذكر تُراعى فيها.

[15] رسالة المأثورات : للإمام الشهيد حسن البنا.

[16] عيد يحتفل به الشيعة الاثنى عشرية احتفالاً دينياً وليس له أصل في الدين بل هو موضوع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق