💥نكاح المرأة من غير ولي
السؤال: شيخنا انا امرأة ارملة وعندي اطفال يحتاجون الى الرعاية، فهل يجوز لي ان اتزوج من رجل متدين وصاحب خلق دون موافقة اهلي ؟ لانهم يرفضون ذلك من غير سبب مقنع . جزاكم الله خيرا.
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فقد اختلف الفقهاء في صحة تزويج المرأة نفسها بغير وليها على ثلاثة أقوال :
¬القول الأول : لا تملك المرأة البكر او الثيب تزويج نفسها، فان فعلت لم يصح النكاح.
وقد روي هذا القول عن عمر بن الخطاب وعلي بن ابي طالب وابن مسعود وابن عباس وابي هريرة وعائشة -رضي الله تعالى عنهم- وبه قال اكثر التابعين، وهو مذهب الامام مالك والامام الشافعي والامام احمد والظاهرية والزيدية.
واستدلوا بما يأتي :
1- بقوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة من الآية 232 ].
فمنع الله تعالى الولي من عضل المرأة إن أرادت النكاح ونهاه عن ذلك، فلو كان للمرأة إنكاح نفسها بغير إنكاح وليها إياها أو كان لها تولية من أرادت توليته في إنكاحها لم يكن لنهي وليها عن عضلها معنى مفهوم، إذ كان لا سبيل له إلى عضلها، وذلك أنها إن كانت متى أرادت النكاح جاز لها إنكاح نفسها أو إنكاح من توكله إنكاحها، فلا عضل هنالك لها من أحد فينهى عاضلها عن عضلها. [تفسير الطبري 2/ 488].
قال الامام الشافعي في تفسيره [1/378 ] : (هي أصرح آية في اعتبار الولي، وإلا لما كان لعضله معنى).
وسبب نزولها في معقل بن يسار زوّج أخته فطلقها زوجها طلقة رجعية وتركها حتى انقضت عدتها، ورام رجعتها فحلف أن لا يزوجها، ففيها نفي ثبوت النكاح على عمومه وخصوصه إلاّ بولي.[الحاوي الكبير للماوردي9/37 ].
2- وبقوله تعالى: { قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْن} [القصص الآية 27 ]. قال الامام ابن العربي المالكي عند تفسيره هذه الآية الكريمة: (قال علماؤنا في هذه الآية دليل على أن النِّكاح إلى الوليّ، لا حظَّ للمرأة فيه؛ وبه قال فقهاء الأمصار).[احكام القران 3/1476 ].
3- وبحديث ام المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- ، قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: ((أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ أَصَابَهَا، فَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا، فَإِنْ اشْتَجَرُوا، فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ )). والحديث صحيح رواه اصحاب السنن وغيرهم.
والحديث نص صريح لا يحتمل التأويل في نفي صحة النكاح بغير اذن الولي ، ولا يصح بحال حمله على نفي الكمال.
ورد المخالفون عن الحديث بقولهم : ان فتوى الراوي بخلاف الحديث ، دليل وهن الحديث، فقد زوجت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- ابنة أخيها في غيبته ودون معرفته . والحديث رواه الامام مالك في الموطأ 4/796 .
واجاب الجمهور :
إن عائشة -رضي الله عنها- تولت نكاح بنت أخيها وهذا محمول بحال العذر كما إذا عدم الولي أو السلطان، وهذا ثابت في مذهب الشافعية والحنابلة ، أو إنها زوجت أي مهدت أسباب التزويج لا أنها وليت عقدة النكاح [ينظر: الشرح الكبير للرافعي 7/530 ] .
4- وبحديث أبي هريرة – رضي الله عنه- قال ، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : ((لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها...)) رواه ابن ماجه والدّارقطْنيّ بإسْناد صحيح والبزار في مسنده والبيهقي في السنن الكبرى.
والحديث صريح الدلالة على أنّ المرأة لا تزوّج نفسها ولا غيرها مطلقاً.
5-وبما روي عن ابن عباس وابي موسى الاشعري – رضي الله عنهم-: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : ((لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ ))، وفي رواية عن عائشة -رضي الله عنها- : ((والسلطان ولي من لا ولي له)) والحديث صحيح رواه ابو داود والترمذي وابن ماجه والامام احمد والدارمي والدارقطني.
والحديث صريح بنفي صحة النكاح بغير الولي.
قال الامام ابن قدامة في المغني [7/8 ]: (والعلة في منعها من تزويج نفسها؛ صيانتها عن مباشرة ما يشعر بوقاحتها ورعونتها وميلها إلى الرجال وذلك ينافي حال أهل الصيانة والمروءة ).
وقد أودع الله تعالى في المرأة من العواطف اكثر مما أودع في الرجل ، لذا فهي سريعة التقلب تنقاد لعواطفها أكثر مما تنقاد لعقلها، وربما تنخدع نتيجة لهذه العواطف بالمظاهر وبالكلام المعسول وتُقدِم على الزواج بغير كفء، لذلك جعل الشارع الحكيم زواجها بيد وليها فهو من يتولى عقد النكاح .
القول الثاني : للمرأة بكراً كانت أو ثيباً أن تزوج نفسها ممن تريد إذا بلغت عاقلة رشيدة .
وهو مذهب الامام ابي حنفية؛ واشترط الحنفية بأن تزوج نفسها بكفء وبمهر المثل، وللولي حق فسخ العقد إذا تزوَّجت بغير كفءٍ ، واستحبوا أن لا تتولى عقد زواجها بنفسها [ ينظر:بدائع الصنائع 2/247، والاختيار لتعليل المختار 3/103 ]، وهو مذهب الإمامية.
واستدلوا بما ياتي:
1- بقوله تعالى : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ } [سورة البقرة من الآية:230 ] .
ففي قوله تعالى: {حتى تنكح زوجا غيره} أضيف النكاح إليها فيقتضي تصوّر النكاح منها.
واجاب الجمهور بقولهم : بأن أضافة النكاح إليها في الآية لأنها محل له. [المغني 7/6].
2- وبحديث مسلم في صحيحه عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: ((الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها)).
وفي الحديث أسناد النكاح إلى المرأة فدل ذلك على صحة مباشرة المرأة العقد بنفسها من غير توقف على إذن احد ، وإنّ الأيّم في هذا الحديث اسم لامرأة لا زوج لها، بكرًا كانت أم ثيّبًا.
واعترض الجمهور عليه بقولهم:
بأنه قد تقدم إن الولي لا يزوجها إلا برضاها وأمرها فان زوجها وهي كارهة فالنكاح مفسوخ، وأنّه متى أمكن الجمع بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض وجب المصير إليه، لما في ذلك من العمل بالأدلّة جميعًا دون العمل ببعضها وردّ بعض، والجمع بين هذا الحديث وأحاديث اشتراط الولاية في النكاح ممكن، وذلك بحمل حقّ الوليّ على العقد، وحقّها على الرضى، ولا شك أنّ حقّها بنفسها آكد؛ لتوقّف حقّ الوليّ عليه، فهذا وجه أحقّيّتها بنفسها.[ ينظر: الاستذكار5/185 ] .
وأنه لو كان معنى الحديث ما أرادوا، للزم أفضلية الزواج بدون الولي، وهذا يخالف ما عليه الحنفية من استحباب وجود الولي.[صحيح فقه السنة لابي مالك 3/138 ]
القول الثالث : لا يجوز لها ذلك بغير إذن الولي فان فعلت كان موقوفاً على إجازته ، وبه قال محمد بن سيرين والقاسم بن محمد والحسن بن صالح وأبو يوسف.
واستدلوا بما ياتي :
بما روى الدارقطني في سننه عن بحرية بنت هانئ بن قبيصة ، قالت: زوجت نفسي القعقاع بن شور وبات عندي ليلة ، وجاء أبي من الأعراب فاستعدى عليا- امير المؤمنين- وجاءت رسله فانطلقوا به إليه ، فقال: ((أدخلت بها؟)) ، قال: نعم ، فأجاز النكاح.
وفي هذا الاثر إن المرأة إذا زوجت نفسها أو أمرت غير الولي إن يزوجها فزوجها جاز النكاح [ينظر:المبسوط للسرخسي5/10] .
واعترض عليه الجمهور بقولهم:
والحديث مرسل ضعيف عند اهل الحديث. ومن ثم هذا الامر جائز، لأن امير المؤمنين علي بن ابي طالب حين أجازه كان بمنزلة الولي.
ثم قد ورد أثر مخالف لهذه الرواية عن سيدنا علي – رضي الله عنه- فقد روى الدارقطني والبيهقي عن الشعبي قال: (ما كان أحد من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم- أشد في النكاح بغير ولي من علي حتى كان يضرب فيه).
المفتى به:
ما ذهب اليه الجمهور في القول الاول من ان المرأة لا تملك أن تزوج نفسَها بنفسها فان فعلت فالنكاح لا يصح ، لصحة ووضوح ما استدلوا به ، ولصيانتها عن مباشرة ما يشعر بوقاحتها ورعونتها وميلها إلى الرجال وذلك ينافي حال أهل الصيانة والمروءة.
ولان الشرع أمر بالولي والشهود ونحو ذلك مبالغة في تمييزه عن السفاح، ولحفظ النسب والعِرض وصيانة للنساء عن التشبه بالبغايا حتى شُرّع في اعلان النكاح الضرب بالدف والوليمة الموجبة لشهرته .
ولهذا يا اختي في الله لا يجوز لك الزواج بدون علم أهلك أو إذنهم، ويُعد النكاح فاسداً، ويفرق القاضي بينكما لفساد النكاح ، وكذلك يُعد من العقوق ، فإذا كان هذا الرجل الذي تقدم إليك صاحب خلق ودين وسمعة طيبة، وجب على اهلك القبول ، لقوله -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي وابن ماجه: ((إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ )).
وعليك أن تجتهدي في محاولة إقناع ولي امرك بزواجك منه ، ووسطي الوجهاء واهل الخير من أقاربك، مع الاستعانة بالله تعالى والدعاء، فإذا رفض ولي امرك تزويجك بلا مبرر شرعي، فيمكنك رفع أمرك إلى القضاء الشرعي لتزويجك، أو يأمر من يفعل ذلك من أوليائك، فإن الشرع قد جعل الولاية تنتقل إلى الولي الأبعد للمرأة إذا عضلها الولي الأقرب، يعني اذا يمنع تزويجها من كفئها الذي ترغب في الزواج منه، فإذا عضل الأبعد زوجها القاضي، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ام المؤمنين عائشة: ((فإن تشاجروا؛ فالسلطان وَلِي من لا وَلِي له)). والله تعالى اعلم
السؤال: شيخنا انا امرأة ارملة وعندي اطفال يحتاجون الى الرعاية، فهل يجوز لي ان اتزوج من رجل متدين وصاحب خلق دون موافقة اهلي ؟ لانهم يرفضون ذلك من غير سبب مقنع . جزاكم الله خيرا.
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فقد اختلف الفقهاء في صحة تزويج المرأة نفسها بغير وليها على ثلاثة أقوال :
¬القول الأول : لا تملك المرأة البكر او الثيب تزويج نفسها، فان فعلت لم يصح النكاح.
وقد روي هذا القول عن عمر بن الخطاب وعلي بن ابي طالب وابن مسعود وابن عباس وابي هريرة وعائشة -رضي الله تعالى عنهم- وبه قال اكثر التابعين، وهو مذهب الامام مالك والامام الشافعي والامام احمد والظاهرية والزيدية.
واستدلوا بما يأتي :
1- بقوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة من الآية 232 ].
فمنع الله تعالى الولي من عضل المرأة إن أرادت النكاح ونهاه عن ذلك، فلو كان للمرأة إنكاح نفسها بغير إنكاح وليها إياها أو كان لها تولية من أرادت توليته في إنكاحها لم يكن لنهي وليها عن عضلها معنى مفهوم، إذ كان لا سبيل له إلى عضلها، وذلك أنها إن كانت متى أرادت النكاح جاز لها إنكاح نفسها أو إنكاح من توكله إنكاحها، فلا عضل هنالك لها من أحد فينهى عاضلها عن عضلها. [تفسير الطبري 2/ 488].
قال الامام الشافعي في تفسيره [1/378 ] : (هي أصرح آية في اعتبار الولي، وإلا لما كان لعضله معنى).
وسبب نزولها في معقل بن يسار زوّج أخته فطلقها زوجها طلقة رجعية وتركها حتى انقضت عدتها، ورام رجعتها فحلف أن لا يزوجها، ففيها نفي ثبوت النكاح على عمومه وخصوصه إلاّ بولي.[الحاوي الكبير للماوردي9/37 ].
2- وبقوله تعالى: { قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْن} [القصص الآية 27 ]. قال الامام ابن العربي المالكي عند تفسيره هذه الآية الكريمة: (قال علماؤنا في هذه الآية دليل على أن النِّكاح إلى الوليّ، لا حظَّ للمرأة فيه؛ وبه قال فقهاء الأمصار).[احكام القران 3/1476 ].
3- وبحديث ام المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- ، قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: ((أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ أَصَابَهَا، فَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا، فَإِنْ اشْتَجَرُوا، فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ )). والحديث صحيح رواه اصحاب السنن وغيرهم.
والحديث نص صريح لا يحتمل التأويل في نفي صحة النكاح بغير اذن الولي ، ولا يصح بحال حمله على نفي الكمال.
ورد المخالفون عن الحديث بقولهم : ان فتوى الراوي بخلاف الحديث ، دليل وهن الحديث، فقد زوجت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- ابنة أخيها في غيبته ودون معرفته . والحديث رواه الامام مالك في الموطأ 4/796 .
واجاب الجمهور :
إن عائشة -رضي الله عنها- تولت نكاح بنت أخيها وهذا محمول بحال العذر كما إذا عدم الولي أو السلطان، وهذا ثابت في مذهب الشافعية والحنابلة ، أو إنها زوجت أي مهدت أسباب التزويج لا أنها وليت عقدة النكاح [ينظر: الشرح الكبير للرافعي 7/530 ] .
4- وبحديث أبي هريرة – رضي الله عنه- قال ، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : ((لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها...)) رواه ابن ماجه والدّارقطْنيّ بإسْناد صحيح والبزار في مسنده والبيهقي في السنن الكبرى.
والحديث صريح الدلالة على أنّ المرأة لا تزوّج نفسها ولا غيرها مطلقاً.
5-وبما روي عن ابن عباس وابي موسى الاشعري – رضي الله عنهم-: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : ((لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ ))، وفي رواية عن عائشة -رضي الله عنها- : ((والسلطان ولي من لا ولي له)) والحديث صحيح رواه ابو داود والترمذي وابن ماجه والامام احمد والدارمي والدارقطني.
والحديث صريح بنفي صحة النكاح بغير الولي.
قال الامام ابن قدامة في المغني [7/8 ]: (والعلة في منعها من تزويج نفسها؛ صيانتها عن مباشرة ما يشعر بوقاحتها ورعونتها وميلها إلى الرجال وذلك ينافي حال أهل الصيانة والمروءة ).
وقد أودع الله تعالى في المرأة من العواطف اكثر مما أودع في الرجل ، لذا فهي سريعة التقلب تنقاد لعواطفها أكثر مما تنقاد لعقلها، وربما تنخدع نتيجة لهذه العواطف بالمظاهر وبالكلام المعسول وتُقدِم على الزواج بغير كفء، لذلك جعل الشارع الحكيم زواجها بيد وليها فهو من يتولى عقد النكاح .
القول الثاني : للمرأة بكراً كانت أو ثيباً أن تزوج نفسها ممن تريد إذا بلغت عاقلة رشيدة .
وهو مذهب الامام ابي حنفية؛ واشترط الحنفية بأن تزوج نفسها بكفء وبمهر المثل، وللولي حق فسخ العقد إذا تزوَّجت بغير كفءٍ ، واستحبوا أن لا تتولى عقد زواجها بنفسها [ ينظر:بدائع الصنائع 2/247، والاختيار لتعليل المختار 3/103 ]، وهو مذهب الإمامية.
واستدلوا بما ياتي:
1- بقوله تعالى : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ } [سورة البقرة من الآية:230 ] .
ففي قوله تعالى: {حتى تنكح زوجا غيره} أضيف النكاح إليها فيقتضي تصوّر النكاح منها.
واجاب الجمهور بقولهم : بأن أضافة النكاح إليها في الآية لأنها محل له. [المغني 7/6].
2- وبحديث مسلم في صحيحه عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: ((الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها)).
وفي الحديث أسناد النكاح إلى المرأة فدل ذلك على صحة مباشرة المرأة العقد بنفسها من غير توقف على إذن احد ، وإنّ الأيّم في هذا الحديث اسم لامرأة لا زوج لها، بكرًا كانت أم ثيّبًا.
واعترض الجمهور عليه بقولهم:
بأنه قد تقدم إن الولي لا يزوجها إلا برضاها وأمرها فان زوجها وهي كارهة فالنكاح مفسوخ، وأنّه متى أمكن الجمع بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض وجب المصير إليه، لما في ذلك من العمل بالأدلّة جميعًا دون العمل ببعضها وردّ بعض، والجمع بين هذا الحديث وأحاديث اشتراط الولاية في النكاح ممكن، وذلك بحمل حقّ الوليّ على العقد، وحقّها على الرضى، ولا شك أنّ حقّها بنفسها آكد؛ لتوقّف حقّ الوليّ عليه، فهذا وجه أحقّيّتها بنفسها.[ ينظر: الاستذكار5/185 ] .
وأنه لو كان معنى الحديث ما أرادوا، للزم أفضلية الزواج بدون الولي، وهذا يخالف ما عليه الحنفية من استحباب وجود الولي.[صحيح فقه السنة لابي مالك 3/138 ]
القول الثالث : لا يجوز لها ذلك بغير إذن الولي فان فعلت كان موقوفاً على إجازته ، وبه قال محمد بن سيرين والقاسم بن محمد والحسن بن صالح وأبو يوسف.
واستدلوا بما ياتي :
بما روى الدارقطني في سننه عن بحرية بنت هانئ بن قبيصة ، قالت: زوجت نفسي القعقاع بن شور وبات عندي ليلة ، وجاء أبي من الأعراب فاستعدى عليا- امير المؤمنين- وجاءت رسله فانطلقوا به إليه ، فقال: ((أدخلت بها؟)) ، قال: نعم ، فأجاز النكاح.
وفي هذا الاثر إن المرأة إذا زوجت نفسها أو أمرت غير الولي إن يزوجها فزوجها جاز النكاح [ينظر:المبسوط للسرخسي5/10] .
واعترض عليه الجمهور بقولهم:
والحديث مرسل ضعيف عند اهل الحديث. ومن ثم هذا الامر جائز، لأن امير المؤمنين علي بن ابي طالب حين أجازه كان بمنزلة الولي.
ثم قد ورد أثر مخالف لهذه الرواية عن سيدنا علي – رضي الله عنه- فقد روى الدارقطني والبيهقي عن الشعبي قال: (ما كان أحد من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم- أشد في النكاح بغير ولي من علي حتى كان يضرب فيه).
المفتى به:
ما ذهب اليه الجمهور في القول الاول من ان المرأة لا تملك أن تزوج نفسَها بنفسها فان فعلت فالنكاح لا يصح ، لصحة ووضوح ما استدلوا به ، ولصيانتها عن مباشرة ما يشعر بوقاحتها ورعونتها وميلها إلى الرجال وذلك ينافي حال أهل الصيانة والمروءة.
ولان الشرع أمر بالولي والشهود ونحو ذلك مبالغة في تمييزه عن السفاح، ولحفظ النسب والعِرض وصيانة للنساء عن التشبه بالبغايا حتى شُرّع في اعلان النكاح الضرب بالدف والوليمة الموجبة لشهرته .
ولهذا يا اختي في الله لا يجوز لك الزواج بدون علم أهلك أو إذنهم، ويُعد النكاح فاسداً، ويفرق القاضي بينكما لفساد النكاح ، وكذلك يُعد من العقوق ، فإذا كان هذا الرجل الذي تقدم إليك صاحب خلق ودين وسمعة طيبة، وجب على اهلك القبول ، لقوله -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي وابن ماجه: ((إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ )).
وعليك أن تجتهدي في محاولة إقناع ولي امرك بزواجك منه ، ووسطي الوجهاء واهل الخير من أقاربك، مع الاستعانة بالله تعالى والدعاء، فإذا رفض ولي امرك تزويجك بلا مبرر شرعي، فيمكنك رفع أمرك إلى القضاء الشرعي لتزويجك، أو يأمر من يفعل ذلك من أوليائك، فإن الشرع قد جعل الولاية تنتقل إلى الولي الأبعد للمرأة إذا عضلها الولي الأقرب، يعني اذا يمنع تزويجها من كفئها الذي ترغب في الزواج منه، فإذا عضل الأبعد زوجها القاضي، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ام المؤمنين عائشة: ((فإن تشاجروا؛ فالسلطان وَلِي من لا وَلِي له)). والله تعالى اعلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق