الاثنين، 18 يناير 2021

- تلاعب ربيع المدخلي بالمطلق والمقيد لإسقاط سيد قطب


- تلاعب ربيع المدخلي بالمطلق والمقيد لإسقاط سيد قطب
____________________________________________



يرى ربيع المدخلي أن حمل المطلق على المقيد، والمجمل على المفسر، والمتشابه على المحكم، لم يوضع إلا لكلام الله تعالى وكلام رسول الله ، وأنه لم يوضع لكلام البشر، فقد سئل مرة:
هل من أصول أهل السنة أن لا يحمل المطلق على المقيد ولا المجمل على المفسر ولا المتشابه على المحكم إلا في كلام الله تعالى؟ فأجاب الشيخ قائلا:
(والله، نحن ما نعرف ما وضعت هذه الأصول إلا لكتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، ولم توضع لكلام البشر، فالرجل إذا كان له قولان قالوا: له قولان، القول الأول كذا، والقول الثاني بخلافه، ما قالوا يحمل المطلق على المقيد، في المذهب الواحد خمسة أقوال، يختار منها الذي يريد الحق ما يوافق الكتاب والسنة، والبقية يقول: أقوال، ما يقول: يحمل المطلق على المقيد) اهـ ([172]).
قلت: لعل سبب نفيه هذه الدلالات عن الألفاظ في كلام الناس أنه تمسك في ردوده على سيد قطب بكلام مجمل أو مطلق أو مشتبه في عدد من المسائل التي أخذها عليه في مواضع من كتبه، فلما واجهه بعض طلبة العلم بكلام آخر لسيد قطب في مواضع أخرى، يُبَيِّنُ ما أُجمل، أو يُقيد ما أُطلق، أو يوضح المشتبه، أو ينسخ ما قبله، زعم ما زعمه من أن هذه الدلالات خاصة بالكتاب والسنة ولم توضع لكلام البشر ليُثَبِّتَ مآخذه على سيد قطب! ويسد الباب في وجه المدافعين عنه، فنعوذ بالله تعالى من اتباع الهوى!
أما إذا كان الشيخ لا يعرف إلا هذا الذي ذهب إليه في الأصول فهذه مصيبة! لأنه يدل على جهله بلسان العرب والفقه والإجماع وأصول أهل السنة! وهذه المسألة من البدهيات عند العقلاء! لأنها مقتضى اللسان العربي، وقد نص أهل العلم على أن لسان العرب يقتضي حمل المطلق على المقيد، والعام على الخاص، والمجمل على المفسر... الخ، وأنّ عُرْفَ الشارع حُمِلَ على مقتضى لسانهم ([173]).
حتى إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله نص على أن (تنوع دلالة اللفظ بالإطلاق والتقييد في كلام الله ورسوله وكلامِ كلِّ أحدٍ بيِّنٌ ظاهرٌ لا يمكن دفعه)اهـ([174]).
وقال أيضاً في جواب مسألة تتعلق بأوقاف الناس ووصاياهم: (لا يجوز اعتبار الكلام المقيد دون مطلقه، وهذا مما اضطر الله العقلاء إلى معرفته! إلا أن يحول بين البصيرة وبين الإدراك مانع! فيفعل الله ما يشاء)! اهـ([175]).
وكنت أظن أن الشيخ ربيعا لم يسبق إلى هذا الذي ذهب إليه حتى وجدت كلاما لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يدل على أن له سلفا في هذا الباب، وأن قولهم هذا محدث، قال شيخ الإسلام: (ومما يقضي منه العجب ظن بعض الناس أن دلالة المفهوم حجة في كلام الشارع دون كلام الناس، بمنزلة القياس، وهذا خلاف إجماع الناس، فإن الناس إما قائل بأن المفهوم من جملة دلالات الألفاظ، أو قائل أنه ليس من جملتها، أما هذا التفصيل فمحدث)اهـ ([176]).
وقد أعمل الفقهاء والقضاة هذه الأصول في شروط الناس وعقودهم، والنكاح والطلاق والبيوع والوصايا والأوقاف وغيرها([177])، وفي الأسماء والمعاني والألفاظ([178])، بحمل المطلق منها على المقيد، والعام منها على الخاص، على التفصيل المذكور في كتب الأصول، لأن لسان العرب يقتضيه.
ويقول النحاة: الصفات في المعارف للتوضيح لا للتخصيص، أي المعارف التي لا تحتاج إلى تخصيص، وفي النكرات للتخصيص، وتكون الصفات في النكرات للتوضيح أيضاً إذا تميزت ([179])... إلى آخر ما ذكروا في هذا الباب.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: (فإنما خاطب الله بكتابه العربَ بلسانها، على ما تعرف من معانيها، وكان مما تعرف من معانيها اتساع لسانها، وأن فطرته أن يخاطب بالشيء منه عاما ظاهرا يراد به العام الظاهر، ويستغنى بأول هذا منه عن آخره، وعاما ظاهرا يراد به العام ويدخله الخاص، فيُستدل على هذا ببعض ما خوطب به فيه، وعاما ظاهرا يراد به الخاص، وظاهرا يعرف في سياقه أنه يراد به غير ظاهره، فكل هذا موجود علمه في أول الكلام أو وسطه أو آخره، وتبتدئُ الشيء من كلامها يبين أولُ لفظها فيه عن آخره، وتبتدئُ الشيء يبين آخر لفظها منه عن أوله، وتَكلَّمُ بالشيء تُعَرِّفُهُ بالمعنى دون الإيضاح باللفظ، كما تُعَرِّفُ الإشارة، ثم يكون هذا عندها من أعلا كلامها لانفراد أهل علمها به دون أهل جهالتها، وتسمي الشيء الواحد بالأسماء الكثيرة، وتسمي بالاسم الواحد المعاني الكثيرة...) اهـ ([180])، ثم ذكر جملة نفيسة من الأمثلة من الكتاب والسنة وبين وجه فهمها على مقتضى لسان العرب في الدلالة على العام أو الخاص ليستدل بها على نظائرها([181])، ولذا قال الشافعي رحمه الله: (فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهدُهُ... وما ازداد من العلم باللسان الذي جعله الله لسان من ختم به نبوته وأنزل به آخر كتبه كان خيرا له) اهـ ([182]).
وقال الشيخ ربيع:
(... فالرجل إذا كان له قولان قالوا: له قولان، القول الأول كذا، والقول الثاني بخلافه، ما قالوا يحمل المطلق على المقيد، في المذهب الواحد خمسة أقوال...) اهـ.
قلت: هذا يدل على جهله بمذاهب أئمة أهل السنة والأدلة الشرعية ([183])، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (والذي تدل عليه الأدلة الشرعية أن نحمل المطلق من كلام العلماء على المقيد)اهـ ([184]).
وقد تقدم نقل كلام شيخ الإسلام في مسألة رؤية الله تعالى القلبية، حيث نص على أن ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما والإمام أحمد من الروايات الواردة فيها، منها ما هو مطلق، ومنها ما هو مقيد، ثم رجح حمل المطلق منها على المقيد ([185])، ونص على ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله فقال: (جاءت عن ابن عباس أخبار مطلقة وأخرى مقيدة، فيجب حمل مطلقها على مقيدها)([186]).
وقال شمس الدين ابن مفلح المقدسي الحنبلي في مقدمته النفيسة للفروع في مذهب الإمام أحمد: (وإذا نقل عن الإمام في مسألة قولان، فإن أمكن الجمع -وفي الأصح - ولو بحمل عام على خاص، ومطلق على مقيد، فهما مذهبه، وإن تعذر وعلم التاريخ، فقيل: الثاني مذهبه، وقيل: الأول، وقيل: ولو رجع عنه، وإن جهل فمذهبه أقربهما إلى الأدلة أو قواعده، ويخص عام كلامه بخاصه في مسألة واحدة في الأصح...) الخ([187]).
وقال شيخ الإسلام: (إن الناس في نقل مذاهب الأئمة قد يكونون بمنزلتهم في نقل الشريعة... ولهذا قد تختلف الرواية في النقل عن الأئمة، كما يختلف بعض أهل الحديث في النقل عن النبي ، ولكن النبي معصوم... وأما غير النبي فليس بمعصوم)اهـ ([188]).

__________________________________________

([172]) شريط: (وقفات في المنهج).
([173]) انظر زاد المعاد 5/341
([174]) مجموع الفتاوى 7/87
([175]) مجموع الفتاوى 31/136
([176]) مجموع الفتاوى 31/114
([177]) انظر إعلام الموقعين 2/30، 3/64 و 237 و 369، وأحكام أهل الذمة 2/756، والجواب الكافي 1/174، والتحفة العراقية 1/64، مجموع الفتاوى 29/155، و31/112.
([178]) انظر إعلام الموقعين 3/ 369، والجواب الكافي 1/174، والتحفة العراقية 1/64، وبغية المرتاد 1/417و434، ودرء التعارض 5/92 و170 و 178، وبيان تلبيس الجهمية 2/356، والنبوات 1/88، والصفدية 1/307، والفتاوى الكبرى 5/232
([179]) انظر مجموع الفتاوى 7/61
([180]) الرسالة ص 51-52.
([181]) انظر الرسالة ص 53-73.
([182]) الرسالة ص 48-49.
([183]) انظر الفصل الآتي بعد هذا: فصل 21.
([184]) مجموع الفتاوى 27/381
([185]) الفصل 15
([186]) فتح الباري 8/474
([187]) الفروع 1/64-65
([188]) مجموع الفتاوى 4/168

الجامع في الرد على المدخلي من خلال أشرطته لأبي عبد الله النجدي وفقه الله 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق