الأحد، 25 أبريل 2021

عدد ركعات صلاة التراويح ؟!

 

💥عدد ركعات صلاة التراويح
السؤال: شيخنا نحن مجموعة من طلبة العلم اختلفنا حول عدد ركعات صلاة التراويح ،نطلب من فضيلتكم بيان رأي العلماء في ذلك بشيء من التفصيل لحل النزاع؟ جزاكم الله خيرا.
الجواب: الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فان تحديد عدد ركعات التراويح من المسائل الخلافية السائغة ، والتي لا ينبغي التنازع والانكار فيها، فلا انكار في مسائل الاجتهاد كما نصت القاعدة الفقهية، ولهذا اختلف العلماء في تحديد عدد ركعات التراويح على ثلاثة أقوال:
👈القول الأول: أن السّنة إحدى عشرة ركعة بالوتر والباقي مستحب. وهو قول جماعة من أهل العلم من السلف والخلف وهو قول عند الحنفية ، وقول الإمام مالك ، واختيار أبي بكر بن العربي من المالكية.
قال الكمال ابن همام –رحمه الله- في فتح القدير [1/468]: (إن الدليل يقتضي أن تكون السنة من العشرين ما فعله صلى الله عليه وسلم منها، ثم تركه خشية أن تكتب علينا ، والباقي مستحب، وقد ثبت أن ذلك كان إحدى عشرة ركعة بالوتر كما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة، فإذن يكون المسنون على أصول مشايخنا ثمانية منها والمستحب اثنا عشر).
ونقل الامام السيوطي – رحمه الله- في المصابيح في صلاة التراويح عن الإمام مالك أنه قال [1/45]: (الذي جمع عليه الناس عمر بن الخطاب أحب إليّ، وهي إحدى عشرة ركعة، وهي صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قيل له: إحدى عشرة ركعة بالوتر؟ قال نعم، وثلاث عشرة قريب، قال: ولا أدري من أين أحدث هذا الركوع الكثير).
وقال الامام بدر الدين العيني الحنفي – رحمه الله- في عمدة القاري شرح صحيح البخاري [7/127]: (وقيل إحدى عشرة ركعة وهو اختيار مالك لنفسه، واختيار أبي بكر بن العربي).
واحتجوا بما يأتي: بحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت:(( ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يزيد في رمضان ولا في غيره ،على إحدى عشرة ركعة؛ يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ،ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا)) متفق عليه .
وبحديث مالك عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد-رضي الله عنه- أنه قال : ( أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميما الداري؛ أن يقوما للناس إحدى عشرة ركعة ، قال : وقد كان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر ) رواه مالك في الموطأ. وهذا إسناد صحيح جدا، فإن السائب بن يزيد صحابي صغير ، و محمد بن يوسف بن عبد الله بن يزيد ، وأمه ابنة السائب بن يزيد ،حدث عن السائب بن يزيد، وهو ثقة ثبت احتج به الشيخان.
وبحديث ابن أبي شيبة حدثني يحيى بن سعيد القطان عن محمد بن يوسف أن السائب بن يزيد -رضي الله عنه- أخبره:( إن عمر جمع الناس على أبيّ وتميم، فكانا يصليان إحدى عشرة ركعة) ، وإسناده صحيح، ويحيى بن سعيد القطان، الإمام الكبير، أمير المؤمنين في الحديث، أبو سعيد التميمي مولاهم البصري، الأحول، القطان، الحافظ، وثبت أن أحمد بن حنبل قال: ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطان وهو أثبت الناس.
وبحديث جابر بن عبد الله-رضي الله عنه- قال : جاء أبي بن كعب -رضي الله عنه- إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال :(( يا رسول الله إنه كان مني الليلة شيء - يعني في رمضان - قال : وما ذاك يا أبي ؟ قال : نسوة في داري قلن إنا لا نقرأ القرآن فنصلي بصلاتك قال : فصليت بهن ثمان ركعات وأوترت . فكان شبه الرضا ولم يقل شيئا )) رواه ابن حبان في صحيحه .
وأيضا بحديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال : صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان ثمان ركعات وأوتر ، فلما كانت الليلة القابلة اجتمعنا في المسجد ورجونا أن يخرج إلينا ، فلم نزل فيه حتى أصبحنا ، ثم دخلنا ، فقلنا : يا رسول الله ، اجتمعنا في المسجد ورجونا أن تصلي ، فقال : ((إني خشيت - أو كرهت - أن تكتب عليكم )) ، صحيح ابن حبان، صحيح ابن خزيمة، مسند ابي يعلى، المعجم الصغير للطبراني.
👈القول الثاني: أنها عشرون ركعة ، وهو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة ، وبه قال سفيان الثوري، وابن المبارك، واحتجوا بما ورد عن يزيد بن رومان أنه قال : ( ان الناس يقومون في زمان عمر بن الخطاب في رمضان؛ بثلاث وعشرين ركعة) رواه مالك في الموطا والبيهقي في سننه، لكن الحديث ضعيف منقطع، لان يزيد بن رومان لم يدرك عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- .
وبحديث السائب بن يزيد قال: (كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب في شهر رمضان بعشرين ركعة وكانوا يقرأون بالمئين وكانوا يتوكؤون على عصيهم في عهد عثمان من شدة القيام). وإسناده صحيح كما قال النووي في المجموع . وفيه يزيد بن خصيفة وثقّه جماعة، وروى أبو داود أن أحمد قال: منكر الحديث.
قال الامام الترمذي [3/160]: (وأكثر أهل العلم على ما روي عن عمر وعلي وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عشرين ركعة ، وهو قول الثوري وابن المبارك والشافعي، وقال الشافعي: وهكذا أدركت ببلدنا بمكة يصلون عشرين ركعة ، وقال أحمد: روي في هذا ألوان ولم يقض فيه بشيء).
👈القول الثالث: التراويح ستة وثلاثون ركعة ، وهو مذهب المالكية، وتعلقوا بفعل أهل المدينة ، وإنما فعل هذا أهل المدينة لأنهم أرادوا مساواة أهل مكة ، فإن أهل مكة يطوفون سبعا بين كل ترويحتين ، فجعل أهل المدينة مكان كل سبع أربع ركعات.
قال الزرقاني في شرح الموطأ [1/420]: (وذكر ابن حبان أن التراويح كانت أولا إحدى عشرة ركعة، وكانوا يطيلون القراءة فثقل عليهم فخففوا القراءة وزادوا في عدد الركعات فكانوا يصلون عشرين ركعة غير الشفع والوتر بقراءة متوسطة، ثم خففوا القراءة وجعلوا الركعات ستا وثلاثين غير الشفع والوتر، ومضى الأمر على ذلك).
👍المفتى به:
هو القول الأول ، بأن السُنة في عدد التراويح إحدى عشرة ركعة والباقي مستحب، لأنه الأقوى من حيث الدليل، وهو الثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بالسند الصحيح ، وبها أمر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-، وأما الأقوال الباقية فلم يثبت واحد منها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسند صحيح، ولا ثبت الأمر به عن أحد من الخلفاء الراشدين بسند صحيح خال عن الكلام ، لكن هذا لا يمنع العمل بما قال به أصحاب القول الثاني من أنها عشرون ركعة ،لأن عدد ركعات صلاة الليل والوتر منه، لم يثبت فيه تحديد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- على سبيل الوجوب ، والأمر في ذلك واسع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى [2/114]: ( له أن يصلي عشرين ركعة كما هو المشهور من مذهب أحمد والشافعي، وله أن يصلي ستا وثلاثين كما هو مذهب مالك، وله أن يصلي إحدى عشرة ركعة وثلاث عشر ركعة وكل حسن، فيكون تكثير الركعات أو تقليلها بحسب طول القيام وقصره ).
فلو أن المسلم قام الليل كله فلا حرج، ولو قام بعشرين ركعة أو أكثر فلا حرج، فالنبيّ-صلى الله عليه وسلم- لم يقيد صلاة الليل بعدد معين ،بل ثبت انه قال :(( صلاة الليل مثنى مثنى ، فإذا خشي أحدكم الصبح فليوتر بركعة)) ، وثبت في الصحيحين قوله في صلاة الليل:((ليصل أحدكم نشاطه فإذا كسل أو فتر فليقعد)) ،وإذ ثبت هذا فلا مبرر لما يفعله بعضهم تعصبا لرأيه ومضللا للباقين، الذين يأخذون بغير ما يراه ،فتحدث الفرقة والشقاق وهو منهي عنه.
👌وانصح الإخوة السائلين بترك النزاع والتمسك بوحدة الصف والكلمة وإشاعة روح المحبة والتسامح في قبول الرأي الأخر، وأن لا يضيعوا فرض المحبة ووحدة الصف بسنة التراويح، وليعلموا أن الخلاف في عدد ركعات التراويح ونحوها مما يسوغ فيه الاجتهاد ولا ينبغي أن يكون مثاراً للخلاف والشقاق بين الأمة، خصوصاً وأن السلف اختلفوا في ذلك.
ولكن العدد الأفضل ما كان النبي -صلى الله عليه وسلّم- يفعله، وهو إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة، و يجب أن تكون هذه الركعات على الوجه المشروع، وينبغي أن يطيل فيها القراءة والركوع والسجود والقيام بعد الركوع والجلوس بين السجدتين، خلاف ما يفعله بعض الناس اليوم، يصليها بسرعة تمنع المأمومين أن يفعلوا ما ينبغي أن يفعلوه من افعال واقوال الصلاة ، وما يفعله اليوم الكثير من أئمة المساجد في التراويح يصلون صلاة لا يعقلونها ، ولا يطمئنون في ركوعها ، ولا في سجودها، والمطلوب في الصلاة حضور القلب بين يدي الله تعالى واتعاظه بكلام الله تعالى إذا يتلى، وهذا لا يحصل في العجلة المكروهة. وصلاة إحدى عشرة ركعة مع طول القراءة والطمأنينة أولى من عشرين ركعة مع العجلة المكروهة، لأن لب الصلاة وروحها ؛هو إقبال القلب على الله عز وجل ورُبّ قليل خير من كثير، وكذلك ترتيل القراءة أفضل من السرعة، والسرعة المباحة هي التي لا يحصل فيها إسقاط شيء من الحروف، فإن أسقط بعض الحروف لأجل السرعة لم يجز ذلك وينهى عنه، وأما إذا قرأ قراءة بيّنة ينتفع بها المصلون خلفه فلا بأس.
👈الخلاصة: أن السُنة في عدد التراويح إحدى عشرة ركعة والباقي مستحب، لأنه الأقوى من حيث الدليل، وهو الثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بالسند الصحيح ، وبها أمر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-، وأما الأقوال الباقية فلم يثبت واحد منها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسند صحيح، ولا ثبت الأمر به عن أحد من الخلفاء الراشدين بسند صحيح خال عن الكلام ، لكن هذا لا يمنع العمل بما قال به أصحاب القول الثاني من أنها عشرون ركعة ،لأن عدد ركعات صلاة الليل والوتر منه، لم يثبت فيه تحديد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- على سبيل الوجوب ، والأمر في ذلك واسع. والله تعالى اعلم.
✍د.ضياء الدين عبدالله الصالحي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق