الجمعة، 21 مايو 2021

تعريف البدعة وحكم الاحتفال بالمولد ؟!

 


بِسمِ اللهِ الذي أرسل لنا من بِالحقِ سن، والحمد للهِ الذي جعل لنا مِن البِدعِ ما هو حسنٌ، والصلاة والسلام على صاحِبِ الصوتِ والوجهِ الحسنِ، أبي القاسِمِ جدِ الحسينِ والحسنِ. أما بعد فهذا بيان جوازِ الاحتِفالِ بِالمولِدِ وأن فيهِ أجرًا وثوابًا. نقول متوكِلين على اللهِ:
1- البِدعة: لغةً هي ما أحدِث على غيرِ مِثالٍ سابِقٍ وشرعًا المحدث الذي لم ينص عليهِ القرءان ولا الحديث.

2- الدليل مِن القرءانِ الكريم على البِدعةِ الحسنةِ:
قوله تعالى في مدحِ المؤمنين مِن أمةِ سيِدِنا عيسى عليه السلام: قال تعالى (وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفةً ورحمةً ورهبانِيةً ابتدعوها ما كتبناها عليهِم إِلا ابتِغاء رِضوانِ الله ﴾ [سورة الحديد، 27]، فالله امتدح المسلِمِين الذين كانوا على شريعةِ عيسى عليه السلام لأنهم كانوا أهل رحمةٍ ورأفةٍ ولأنهم ابتدعوا الرهبانية وهِي الانقِطاع عنِ الشهواتِ المباحةِ زيادةً على تجنبِ المحرماتِ، حتى إنهم انقطعوا عنِ الزِواجِ وتركوا اللذائِذ مِن المطعوماتِ والثِيابِ الفاخِرةِ وأقبلوا على الآخِرةِ اقبالاً تامًا، فالله امتدحهم على هذِهِ الرهبانِيةِ مع أن عيسى عليه السلام لم ينص لهم عليها. أما قوله تعالى في بقِيةِ الآيةِ: ﴿ فما رعوها حق رِعايتِها ﴾ [سورة الحديد، 27] فليس فيها ذمٌ لهم ولا لِلرهبانِيةِ التي ابتدعها أولئِك الصادِقون المؤمِنون بل ذمٌ لِمن جاء بعدهم مِمن قلدهم في الانقِطاعِ عنِ الشهواتِ مع الشِركِ أي مع عِبادةِ عيسى عليه السلام وأمِهِ.

3- الدليل مِن السنةِ المطهرةِ على البِدعةِ الحسنةِ:
قوله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلامِ سنةً حسنةً فله أجرها وأجر من عمِل بِها بعده مِن غيرِ أن ينقص مِن أجورِهِم شىءٌ، ومن سن في الإسلامِ سنةً سيِئةً كان عليهِ وِزرها ووِزر من عمِل بِها مِن بعدِهِ مِن غيرِ أن ينقص مِن أوزارِهِم شىءٌ"، رواه مسلِمٌ في صحيحِهِ مِن حديثِ جريرِ بنِ عبدِ اللهِ البجلِيِ رضي الله عنه. فأفهم هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي علم أمته أن البِدعة على ضربينِ: بدعة ضلالةٍ: وهِي المحدثة المخالِفة لِلقرءانِ والسنةِ. وبِدعة هدًى: وهِي المحدثة الموافِقة لِلقرءانِ والسنةِ. فإن قيل: هذا معناه من سن في حياةِ رسولِ اللهِ أما بعد وفاتِهِ فلا، فالجواب أن يقال: "لا تثبت الخصوصِية إلا بِدلِيلٍ" وهنا الدليل يعطِي خِلاف ما يدعون حيث إِن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "من سن في الإسلام" ولم يقل من سن في حياتِي ولا قال من عمِل عملاً أنا عمِلته فأحياه، ولم يكنِ الإسلام مقصورًا على الزمنِ الذي كان فيهِ رسول الله، فبطل زعمهم. فإِن قالوا: الحديث سببه أن أناسًا فقراء شديدي الفقرِ يلبسون النِمار جاؤوا فتمعر وجه رسولِ اللهِ لِما رأى مِن بؤسِهِم فتصدق الناس حتى جمعوا لهم شيئًا كثيرًا فتهلل وجه رسولِ اللهِ فقال: "من سن في الإسلامِ سنةً حسنةً فله أجرها وأجر من عمِل بِها"، فالجواب أن يقال: العِبرة بِعمومِ اللفظِ لا بِخصوصِ السببِ كما ذكر علماء الأصولِ.




4- الدليل مِن أقوالِ وأفعالِ الخلفاءِ الراشدين على البِدعةِ الحسنةِ:
فقد أحدث الخلفاء الراشدون المرضِيون أشياء لم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أمر بِها مِما يوافِق الكِتاب والسنة فكانوا قدوةً لنا فيها، فهذا أبو بكرٍ الصِديق يجمع القرءان ويسمِيهِ بِالمصحفِ، وهذا عمر بن الخطابِ يجمع الناس في صلاةِ التراويحِ على إمامٍ واحِدٍ ويقول عنها: "نِعمتِ البِدعة هذِهِ"، وهذا عثمان بن عفان يأمر بِالأذانِ الأولِ لِصلاةِ الجمعةِ، وهذا الإمام عليٌ ينقط المصحف ويشكل في زمانِهِ على يدِ يحيى بنِ يعمر، وهذا عمر بن عبِدِ العزيزِ يعمل المحارِيب والمآذِن لِلمساجِدِ. كل هذِهِ لم تكن في زمانِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فهل سيمنعها المانِعون لِلمولِدِ في أيامِنا هذِهِ أو أنهم سيتحكمون فيستبِيحون أشياء ويحرِمون أشياء؟! وقد فعلوا ذلِك فإِنهم حرموا المولِد وأباحوا نقط المصحفِ وتشكيله وأباحوا أشياء كثيرةً مِما لم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم كالرزناماتِ -مواقيتِ الصلواتِ- التي لم تظهر إلا قبل نحوِ ثلاثِمِائةِ عامٍ وهم يشتغِلون بِها وينشرونها بين الناسِ.



5- الدليل مِن أقوالِ علماءِ السلف على البِدعةِ الحسنةِ:
قال الإمام الشافِعي رضِي الله عنه: "المحدثات مِن الأمورِ ضربانِ أحدهما ما أحدِث مِما يخالِف كِتابًا أو سنةً أو إِجماعًا أو أثرًا فهذِهِ البِدعة الضلالة والثانِية ما أحدِث مِن الخيرِ ولا يخالِف كِتابًا أو سنةً أو إِجماعًا وهذِهِ محدثةٌ غير مذمومةٍ" رواه البيهقِي بالإسنادِ الصحيحِ في كِتابِهِ مناقِب الشافِعِيِ. ومعلومٌ أن المحدِثين أجمعوا على أن الشافِعِي رضي الله عنه هو المقصود بِقولِهِ صلى الله عليه وسلم: "عالِم قريشٍ يملأ طِباق الأرضِ عِلما" رواه التِرمِذِي. أما البيهقِي فهو مِن الحفاظِ السبعةِ الذين اتفِق على عدالتِهِم.



6- المولد هو شكرٌ للهِ تعالى على أنه أظهر محمدًا في مِثلِ هذا الشهر، ليس عِبادةً لِمحمدٍ، نحن لا نعبد محمدًا ولا نعبد شيئًا سِوى اللهِ، لكِن نعظِم تعظيمًا فقط، نعظِم محمدًا أكثر مِن غيرِهِ مِن الأنبياءِ والملائِكةِ، ثم نعظِم كل الأنبياءِ ولا نعبد واحِدًا مِنهم، لا نعبد محمدًا ولا أي ملكٍ ولا أي نجمٍ ولا الشمس ولا القمر، نِهاية التذللِ عِندنا لله، نضع جِباهنا بِالأرضِ ونقدِسه، نِهاية التذللِ هِي العِبادة، هذِهِ نحن لا نفعلها لِسيِدِنا محمدٍ، إِنما نحن عِبادتنا للهِ، نحن لا نعبد محمدًا بل نعتبِر محمدًا داعِيًا إلى اللهِ، هدى الناس ويستحِق التعظيم، أقل مِن العِبادةِ، أقل مِن أن يعبد، والله تعالى امتدح الذين ءامنوا بِهِ صلى الله عليه وسلم وعزروه أي عظموه فقال عز وجل: ﴿ فالذِين ءامنوا بِهِ وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزِل معه أولئِك هم المفلِحون ﴾ [سورة الأعراف، 157]. المولِد فيهِ اجتِماعٌ على طاعةِ اللهِ، اجتِماعٌ على حبِ اللهِ وحبِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، اجتِماعٌ على ذِكرِ اللهِ وذِكرِ شىءٍ مِن سيرةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ونسبِهِ الشريفِ، وشىءٍ مِن صِفاتِهِ الخلقِيةِ والخلقِيةِ، وفيهِ إِطعام الطعامِ لِوجهِ اللهِ تبارك وتعالى والله تعالى يقول: ﴿ ويطعِمون الطعام على حبِهِ مِسكِينًا ويتِيمًا وأسِيرًا ﴾ [سورة الإنسان، 8]، بعد هذا كيف يحرِم شخصٌ يدعي العِلم عمل المولِدِ فرحًا بِوِلادةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟!


7- الأصل الذي استخرجه الحافِظ ابن حجرٍ مِن السنةِ على جوازِ عملِ المولِدِ في كِتابِهِ الحاوِي لِلفتاوي (1/189-197):
ما رواه ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال: لما قدِم النبِي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسئلوا عن ذلِك، فقالوا: "هو اليوم الذي أظهر الله موسى وبني إسرائيل على فِرعون ونحن نصومه تعظيمًا له"، فقال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: "نحن أولى بِموسى" وأمر بِصومِهِ أمر استِحبابٍ. فيستفاد مِن هذا الحديثِ فِعل الشكرِ للهِ تعالى على ما تفضل بِهِ في يومٍ معينٍ مِن حصولِ نِعمةٍ أو رفعِ نِقمةٍ، ويعاد ذلِك في نظيرِ ذلِك اليومِ مِن كلِ سنةٍ، والشكر للهِ يحصل بِأنواعِ العِبادةِ كالسجودِ والصِيامِ والصدقةِ والتِلاوةِ، وأي نِعمةٍ أعظم مِن نِعمةِ بروزِ النبيِ صلى الله عليه وسلم.



8- الأصل الذي استخرجه الحافِظ السِيوطِي مِن السنةِ على جوازِ عملِ المولِدِ في رِسالتِهِ"حسن المقصِدِ في عملِ المولِدِ":
قوله صلى الله عليه وسلم: "ذاك يومٌ ولِدت فيهِ وفيهِ أنزِل علي"، لما سئِل عليهِ الصلاة والسلام عن سببِ صِيامِهِ لِيومِ الاثنينِ. وفي هذا الحديثِ إِشارةٌ إِلى استِحبابِ صِيامِ الأيامِ التي تتجدد فِيها نِعم اللهِ تعالى على عِبادِهِ، وإن مِن أعظمِ النِعمِ التي أنعم الله بِها علينا إِظهاره صلى الله عليه وسلم وبِعثته وإرساله إِلينا، ودليل ذلِك مِن قولِهِ تعالى: ﴿ لقد من الله على المؤمِنين إِذ بعث فِيهِم رسولاً مِن أنفسِهِم ﴾ [سورة ءال عمران، 164]. قال الحافِظ السِيوطي في رِسالتِهِ "وقدِ استخرج له - أي المولِدِ - إِمام الحفاظِ أبو الفضلِ أحمد بن حجرٍ أصلاً مِن السنةِ واستخرجت له أنا أصلاً ثانيًا ...." اهـ.





9- المولِد سنةٌ حسنةٌ وأول من عمِل بِهِ المسلِمون وليس كما قيل إِن أصله هو أن أناسًا كانوا يحتفِلون بِوفاتِهِ صلى الله عليه وسلم:
فقد ذكر الحفاظ والعلماء مِن أصحابِ التوارِيخِ وغيرِهِم أن أول منِ استحدث عمل المولِدِ هو الملِك المظفر الذي كان يحكم إِربِل، وهو ورِعٌ، صالِحٌ، عالِمٌ، شجاعٌ، ذو عِنايةٍ بِالجِهادِ، كان من الأبطالِ، مات وهو يحاصِر الفِرِنج بِعكا، هو أول من استحدث هذا الأمر، ثم وافقه العلماء والفقهاء، حتى علماء غيرِ بلدِهِ الذين لا يحكمه، ذكر ذلِك الحافِظ السِيوطِي في كِتابِهِ الأوائِلِ، ولا زال المسلِمون على ذلِك منذ ثمانِمِائةِ سنةٍ حتى الآن. فأي أمرٍ استحسنه علماء أمةِ محمدٍ وأجمعوا عليهِ فهو حسنٌ وأي شىءٍ استقبحه علماء أمةِ محمدٍ فهو قبيحٌ، ومعلومٌ أن علماء الأمةِ لا يجتمِعون على ضلالةٍ لِحديثِ: "إِن أمتي لا تجتمِع على ضلالةٍ" رواه ابن ماجه في سننِهِ.



10- المولِد سنةٌ حسنةٌ ولا يقال عنه لو كان خيرًا لدل الرسول أمته عليهِ:
فجمع المصحفِ ونقطه وتشكيله عمل خيرٍ مع أنه صلى الله عليه وسلم ما نص عليهِ ولا عمِله. فهؤلاءِ الذين يمنعون عمل المولِدِ بِدعوى أنه لو كان خيرًا لدلنا الرسول عليهِ وهم أنفسهم يشتغِلون في تشكيلِ المصحفِ وتنقيطِهِ يقعون في أحدِ أمرينِ: فإِما أن يقولوا إِن نقط المصحفِ وتشكيله ليس عمل خيرٍ لأن الرسول ما فعله ولم يدل الأمة عليهِ ومع ذلِك نحن نعمله، وإِما أن يقولوا إن نقط المصحفِ وتشكيله عمل خيرٍ لو لم يفعله الرسول ولم يدل الأمة عليهِ لِذلِك نحن نعمله. وفي كِلا الحالينِ ناقضوا أنفسهم.



11- المولِد سنةٌ حسنةٌ ولا يقال الرسول لم يأتِ بِه فلا نعمله احتِجاجًا بِقولِهِ تعالى: "وما ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا":
فليس كل أمرٍ لم يأمرنا بِهِ الرسول ولا نهانا عنه فهو حرامٌ، فالرسول لم يأمرنا بِنقطِ المصحفِ ولا نهانا عنه فليس حرامًا علينا عمله لأنه موافِقٌ لِدينِهِ صلى الله عليه وسلم، كذلِك عمل المولِدِ الرسول لم يأمرنا بِهِ ولا نهانا عنه فليس حرامًا علينا عمله لأنه موافِقٌ لِدِينِهِ صلى الله عليه وسلم. الحاصِل ليست كل أمورِ الدِينِ جاءت نصًا صريحًا في القرءانِ أو في الحديثِ، فلو لم يوجد فيهِما فلِعلماءِ الأمةِ المجتهِدين أهلِ المعرِفةِ بِالحديثِ أن يستنبِطوا أشياء توافِق دينه صلى الله عليه وسلم، ويؤيِد ذلِك قوله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلامِ سنةً حسنةً فله أجرها..."، فيستفاد مِن هذا الحديثِ أن الله تبارك وتعالى أذِن للمسلمين أن يحدِثوا في دينِهِ ما لا يخالِف القرءان والحديث فيقال لذلك سنةٌ حسنةٌ.



12- المولِد سنةٌ حسنةٌ وليس داخِلاً تحت نهيٍ مِنه صلى الله عليه وسلم بِقولِهِ: "من أحدث في أمرِنا هذا ما ليس مِنه فهو ردٌ":
لأنه صلى الله عليه وسلم أفهم بِقولِهِ: "ما ليس مِنه" أن المحدث إِنما يكون ردًا أي مردودًا إِذا كان على خِلافِ الشريعةِ، وأن المحدث الموافِق لِلشريعةِ ليس مردودًا. فالرسول لم يقل من أحدث في أمرِنا هذا فهو ردٌ بل قيدها بِقولِهِ: "ما ليس مِنه" لِيبيِن لنا أن المحدث إِن كان مِنه (أي موافِقًا لِلشرعِ) فهو مشروعٌ وإِن لم يكن مِنه (أي لم يكن موافِقًا لِلشرعِ) فهو ممنوعٌ. ولما كان عمل المولِدِ أمرًا مشروعًا بِالدليلِ النقلِيِ مِن قرءانٍ وسنةٍ ثبت أنه ليس بِمردودٍ.



13- المولِد سنةٌ حسنةٌ وليس فيهِ إشارةٌ إلى أن الدِين لم يكتمِل ولا تكذيبًا لِقولِهِ تعالى: ﴿ اليوم أكملت لكم دِينكم ﴾ [سورة المائدة، 2]:
لأن معناها أن قواعِد الدِينِ تمت، قال القرطبِي في تفسيرِهِ: "وقال الجمهور: المراد معظم الفرائِضِ والتحليلِ والتحريمِ، قالوا: وقد نزل بعد ذلِك قرءانٌ كثيرٌ، ونزلت ءاية الرِبا ونزلت ءاية الكلالةِ إلى غيرِ ذلِك". ثم إِن هذِهِ الآية ليست هِي ءاخِر ءايةٍ نزلت مِن القرءانِ بل ءاخِر ءايةٍ نزلت هِي قوله تعالى: ﴿ واتقوا يومًا ترجعون فيهِ إِلى اللهِ ثم توفى كل نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون ﴾ [سورة البقرة، 285] ذكر ذلِك القرطبِي في تفسيرِهِ عنِ ابنِ عباسٍ رضِي الله عنهما.



14- المولِد سنةٌ حسنةٌ وليس فيهِ اتهامٌ لِرسولِ اللهِ بِالخِيانةِ بِدعوى أنه لم يعرِف أمته بِهِ كما زعم المانعون لِلمولِدِ:
فإِن كان كل فِعلٍ أحدِث بعد الرسولِ لم يعرِفِ النبِي أمته بِهِ مِما هو موافِقٌ لِلقرءانِ والسنةِ يكون فيه اتهامٌ لِلرسولِ بِالخِيانةِ فعلى قولِكم أبو بكرٍ وعمر وعثمان وعلِيٌ وعمر بن عبدِ العزيزِ وصفوةٌ مِن علماءِ الأمةِ اتهموا الرسول بِالخِيانةِ لأنهم أحدثوا أشياء موافِقةً للقرءانِ والسنةِ مِما لم يعرِفِ الرسول أمته بِها. أما استِشهادكم بِما تنسبونه للإمامِ مالِكٍ مِن أنه قال: "منِ ابتدع في الإسلامِ بِدعةً يراها حسنةً فقد زعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم خان الرِسالة" فمعناه البِدعة المحرمة كعقيدةِ التشبيهِ والتجسيم وليس في المولِدِ وما أشبه. ثم أنتم تستشهِدون بِقولِ الإمامِ مالِكٍ وأنتم تكفِرونه معنًى وإن لم تكفِروه لفظًا، لأن الخليفة المنصور لما جاء المدينة سأله: "يا أبا عبدِ الله أستقبِل القِبلة وأدعو أم أستقبِل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ولِم تصرِف وجهك عنه وهو وسِيلتك ووسيلة أبيك ءادم عليه السلام إلى اللهِ تعالى؟ بلِ استقبِله واستشفِع بِهِ فيشفِعه الله"، وهذا عِندكم شِركٌ وضلالٌ مبين. رميتم علماء الأمةِ بالشِركِ ثم استشهدتم بِأقوالِهِم.



15- المولِد سنةٌ حسنةٌ ولا يمنع بِدعوى أن فيهِ مشابهةً لِلنصارى في احتِفالِهِم بِمولِدِ عيسى عليه السلام:
لأن ما يوافِق دِين اللهِ مِما عمِله أولئك اليهود أوِ النصارى إِن نحن عمِلناه فهو مرخصٌ لنا بِخِلافِ ما فعلوه مِما لا يوافِق دِين اللهِ، أليس الرسول صلى الله عليه وسلم لما رأى اليهود تصوم يوم عاشوراء لما قدِم المدينة وقالوا: "هذا يومٌ أغرق الله فِرعون ونصر موسى" قال صلى الله عليه وسلم: "نحن أولى بِموسى مِنكم" وأمر بِصومِهِ، ما قال لا تصوموا عاشوراء اليهود تصومه هذا تشبهٌ بِهِم، بل أمر أمته بِصومِهِ، نعظِم هذا اليوم كما أتباع موسى عظموا ذلِك اليوم، يوم عاشوراء.



16- المولِد سنةٌ حسنةٌ ومنِ اشترط لِجوازِهِ أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم عمِله فشرطه باطِلٌ:
كما أن نقط المصحفِ سنةٌ حسنةٌ ومنِ اشترط لِجوازِهِ أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم عمِله فشرطه باطِلٌ لأن هذينِ الشرطينِ لا أصل لهما في دينِ اللهِ تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "كل شرطٍ ليس في كِتابِ اللهِ تعالى فهو باطِلٌ وإِن كان مِائة شرطٍ"، رواه البزار عنِ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما.



17- المولِد سنةٌ حسنةٌ وليس داخِلاً في البِدعِ التي نهى عنها رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقولِهِ: "وكل بِدعةٍ ضلالةٌ":
قال الحافِظ العِراقِي في ألفِيتِهِ "وخير ما فسرته بِالوارِدِ" معناه أحسن ما يفسر بِهِ الوارِد الوارِد، وقال العلماء إِن أحسن تفسيرٍ ما وافق السِياق، وسِياق الحديثِ ابتدأه الرسول بِقولِهِ "فإِن أحسن الحدِيثِ كِتاب اللهِ" معناه أحسن الكلامِ كلام اللهِ، "وأحسن الهديِ هدي محمدٍ" معناه أحسن السِيرِ سِيرة محمدٍ، ثم قال "وشر الأمورِ محدثاتها" الحدِيث، فيكون المعنى إِن شر الأمورِ المحدثات التي خالفت أحسن الحديثِ وأحسن الهديِ وهِي بِدعة الضلالة، فلا دخل لِلبِدعةِ الحسنةِ في ذلِك الذمِ المذكورِ. قال النووي في شرحِ صحيحِ مسلِمٍ (المجلدِ السادِسِ في صحيفةِ مِائةٍ وأربعةٍ وخمسين) ما نصه: "قوله صلى الله عليه وسلم: "وكل بِدعةٍ ضلالةٌ" هذا عامٌ مخصوصٌ (أي لفظه عامٌ ومعناه مخصوصٌ)، والمراد بِهِ غالِب البِدعِ" وقال أيضًا: "ولا يمنع مِن كونِ الحديثِ عامًا مخصوصًا قوله: "كل بِدعةٍ" مؤكِدًا بِكل، بل يدخله التخصيص مع ذلِك كقولِهِ تعالى: ﴿ تدمِر كل شىء ﴾ [سورة الأحقاف، 25]" ا.هـ. فهذِهِ الآية لفظها عامٌ ومعناها مخصوصٌ لأن هذِهِ الرِيح التي ورد أنها تدمِر كل شىءٍ سخرها الله على الكافِرين مِن قومِ عادٍ فأهلكتهم ولم تدمِر كل من على وجهِ الأرضِ لأن الله تعالى أخبرنا أنه نجى هودًا عليه السلام ومن معه مِن المؤمِنين، قال تعالى: ﴿ ولما جآء أمرنا نجينا هودًا والذِين ءامنوا معه بِرحمةٍ مِنا ونجيناهم مِن عذابٍ غلِيظٍ ﴾ [سورة هود، 58]. ومِن الأمثِلةِ على العامِ المخصوصِ قول الرسولِ صلى الله عليه وسلم :"كل عينٍ زانيةٌ" ومعلومٌ شرعًا أن هذا الحديث لا يشمل أعين الأنبياءِ عليهِم الصلاة والسلام لأن الله تعالى عصمهم مِن ذلِك لِقولِهِ تعالى: ﴿ وكلاً فضلنا على العالمين ﴾ [سورة الأنعام، 86]. وقد ورد في الحديثِ الصحيحِ الذِي رواه أبو داوود في سننِهِ في بابِ ذِكرِ الصورِ والبعثِ أنه صلى الله عليه وسلم: "كل ابنِ ءادم تأكل الأرض إلا عجب الذنبِ مِنه خلِق وفِيهِ يركب" وهذا يؤيِد أن كلِمة كل لا تأتي دائِمًا لِلشمولِ الكلِيِ بِدلِيلِ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إِن الله حرم على الأرضِ أن تأكل أجساد الأنبِياء". فيكون معنى "كل ابنِ ءادم تأكل الأرض" الأغلب لأن الرسول استثنى في الحديثِ الآخرِ الأنبِياء.



19- المولِد سنةٌ حسنةٌ وليس داخِلاً في قولِهِ صلى الله عليه وسلم: "لتتبِعن سنن الذين قبلكم":
لأن معنى الحديثِ مِما حصل مِن أمورٍ دنيوِيةٍ، أليس الآن الناس في أثاثِ المنازِلِ والأزياءِ وأمورٍ كثيرةٍ قِسمٌ مِنه مباحٌ ليس محرمًا وقِسمٌ محرمٌ اتبعت هؤلاءِ، اليوم الأمة اتبعت هؤلاءِ في أشياء محرمةٍ وفي أشياء غيرِ محرمةٍ إنما هِي توسعٌ في الدنيا.



20- المولِد سنةٌ حسنةٌ وليس داخِلاً في الإطراءِ الذي نهانا عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بِقولِهِ: "لا تطروني كما أطرتِ النصارى المسيح ابن مريم":
لأن معناه لا ترفعوني فوق منزِلتي كما رفعتِ النصارى عيسى فوق منزِلتِهِ، جعلوه إلـهًا خالِقًا. أما عملنا لِلمولِدِ ليس رفعًا لِلرسولِ فوق منزِلتِهِ بل هو شكرٌ لله تعالى على ولادتِهِ صلى الله عليه وسلم. فإِذًا قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تطروني" ليس معناه لا تمدحوني على الإطلاقِ، بلِ الحق أن يقال ما كان غلوًا فهو ممنوعٌ وما لم يكن كذلِك فليس بِممنوعٍ، وإلا كيف أذِن الرسول صلى الله عليه وسلم لِعمِهِ العباسِ رضي الله عنه أن يمدحه بل ودعى له، فقد ثبت بِالإسنادِ الحسنِ فِيما رواه ابن حجرٍ في الأماليِ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له عمه العباس رضي الله عنه: "يا رسول الله إِنِي امتدحتك بِأبياتٍ"، فقال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قلها لا يفضضِ الله فاك" فكان مِما قاله العباس رضي الله عنه في مدحِ النبِيِ صلى الله عليه وسلم: "وأنت لما ولِدت أشرقتِ الأرض وضاءت بِنورِك الأفق".



21- المولِد سنةٌ حسنةٌ وليس فيهِ اختِزالٌ لِمحبتِهِ صلى الله عليه وسلم في يومٍ واحِدٍ:
أليس الرسول صلى الله عليه وسلم قال لِليهودِ: "نحن أولى بِموسى مِنكم" وأمر بِصومِ عاشوراء، فهل يكون الرسول بِذلِك اختزل محبة موسى عليه السلام في يومٍ واحِدٍ فقط؟!



22- المولِد سنةٌ حسنةٌ وليس فيهِ قدحٌ لِصحابتِهِ صلى الله عليه وسلم بِزعمِ أن فيهِ إِشارةً إلى أننا نحِبه أكثر مِنهم:
فالرسول صلى الله عليه وسلم ما جمع القرءان في كتابٍ واحِدٍ بل أبو بكرٍ الصِديق هو الذي جمعه وسماه المصحف، ولم ينكِر عليهِ أحدٌ مِن الصحابةِ بِحجةِ أن فِعله هذا يشير إلى أنه يحِب القرءان أكثر مِن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. ثم أليس العلماء قالوا: "المزِية لا تقتضي التفضيل"، فإن كان أبو بكرٍ الصِديق جمع القرءان والرسول لم يجمعه في كِتابٍ واحِدٍ على هيئتِهِ اليوم فهذا لا يعني أنه أفضل مِن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان عمر بن الخطابِ جمع الناس في صلاةِ التراويحِ على إمامٍ واحِدٍ وأبو بكرٍ لم يفعله فهذا لا يعني أنه أفضل مِن أبي بكرٍ، وإن كان عثمان بن عفان أمر بالأذانِ الأولِ لِصلاةِ الجمعةِ وعمر لم يفعله فهذا لا يعني أنه أفضل مِن عمر، كذلِك عمل المولِدِ إِن نحن عمِلناه لكِن الصحابة ما عمِلوه فمجرد هذا لا يعني أننا أفضل مِنهم ولا أننا نحِبه صلى الله عليه وسلم أكثر مِنهم.



23- المولِد سنةٌ حسنةٌ وإِظهارنا لِلفرحِ والسرورِ في مِثلِ هذا اليوم بِوِلادتِهِ وبِعثتِهِ صلى الله عليه وسلم ليس قدحًا في محبتِنا له صلى الله عليه وسلم لِمجردِ أن يوم وفاتِهِ صلى الله عليه وسلم كان في نظيرِ يومِ وِلادتِهِ صلى الله عليه وسلم كما زعم المانِعون لِلمولِدِ:
فما استندوا عليهِ ليس لهم فيهِ متمسكٌ لأن أيام الأسبوعِ على مرِ العصورِ لا يخلو مِنها يومٌ إِلا وحصل فيهِ حادِثٌ أو مصيبةٌ ألمت بِالمسلمين وأحزنتهم، فعلى قولِكم المسلِمون لا يحتفِلون بِعرسٍ ولا بِعيدٍ لأنه قد يكون في مِثلِ اليومِ الذي مات فيهِ الرسول صلى الله عليه وسلم أو في مِثلِ اليومِ الذي كسِرت رباعِيته وشقت شفته الشريفة صلى الله عليه وسلم كما حصل في غزوةِ أحدٍ. الحاصِل أن ما ادعيتموه لا يقبله العقل ولا النقل. ثم أليس الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "خير يومٍ طلعت عليهِ الشمس يوم الجمعةِ فيهِ خلِق ءادم وفيهِ أدخِل الجنة وفيه أخرِج مِنها" رواه مسلِمٌ في الصحيحِ، فتفضيل الرسولِ صلى الله عليه وسلم لِيومِ الجمعةِ وتفضيلنا لِهذا اليومِ ليس فيهِ قدحٌ في محبتِنا لآدم عليه السلام مع أنه نظير اليومِ الذي أخرِج فيهِ مِن الجنةِ، كذلِك تعظيمنا لِيومِ عاشوراء لِقولِهِ صلى الله عليه وسلم: "نحن أولى بِموسى مِنكم" وأمر بِصومِهِ ليس فيهِ قدحٌ في محبتِنا لِسيِدِ شبابِ أهلِ الجنةِ الحسينِ بنِ عليٍ رضي الله عنهما مع أنه نظير اليومِ الذي قتِل فيهِ، كذلِك إِظهارنا لِلفرحِ في مِثلِ يومِ مولِدِهِ صلى الله عليه وسلم ما فيهِ قدحٌ لِمحبتِنا له صلى الله عليه وسلم مع أن وفاته كانت في مِثلِ هذا اليومِ.



24- المولِد سنةٌ حسنةٌ ولا نحرِمه بِسببِ ما يفعله بعض الجهلةِ فيهِ:
فمعلومٌ أن الحج في أيامِنا هذِهِ ومِن قبل يحصل فيهِ منكراتٌ مِن بعضِ الجهلةِ حتى إِنه ومنذ زمنٍ قال بعض العلماءِ: "ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج"، كل هذا لم يكن سببًا لِتحرِيمِ الحجِ أو منعِ الناسِ مِنه، كذلِك سائِر العِباداتِ، كذلِك المولِد إن حصل فيهِ منكراتٌ مِن بعضِ الجهلةِ فلا نحرِمه على الإطلاقِ بل نحرِم ما يفعله الجهلة فيهِ مِما يخالِف دين الله. ثم إِن حصل فسادٌ في مسجِدٍ أيغلق المسجِد أم ينهى عنِ الفسادِ الذي فعِل فيهِ؟



25- الحاصِل أن عمل المولِدِ خيرٌ وبركةٌ، هذا ليس شيئًا يرد الأمة إِلى الوراءِ، ليس شيئًا يؤخِر، هذا يجدِد حب النبِيِ صلى الله عليه وسلم في المسلِمِ، يبث فيهِ الشعور بِالحبِ للنبِيِ والميلِ إِليهِ.




فما لِهؤلاءِ الذين يحارِبون المولِد والمحتفِلين بِهِ ويبدِعونهم ويفسِقونهم بل ويكفِرونهم أحيانًا تركوا إِنكار المنكراتِ التي هِي منكراتٌ حقًا بِحسبِ الشرِيعةِ كالكفرِ اللفظِيِ المنتشِرِ بين كثِيرٍ مِن العوامِ مِن سبِ اللهِ وغيرِهِ وكتكفيرِ المسلِمين بِلا سببٍ شرعِيٍ لِمجردِ أنهم توسلوا بِالنبِيِ أوِ الصالِحِين أو تبركوا بِالنبِيِ أو ءاثارِهِ أو قرءوا الفاتِحة أو غيرها مِن القرءانِ على الميِتِ، لِم لم ينكِروا هذا وأنكروا الاحتِفال بِمولِدِ النبِيِ الذي اتفق المسلِمون مِن حِينِ ظهورِهِ إِلى يومِنا هذا على استِحسانِهِ إِن خلا عنِ المنكراتِ كتحرِيفِ اسمِ اللهِ أوِ الكذِبِ على الرسولِ صلى الله عليهِ وسلم، فهل يكون ذلِك بِسببِ ضغِينةٍ في قلوبِهِم تجاه أفضلِ الخلقِ أو لِمجردِ أنهم حبِب إِليهِم الشذوذ ومخالفة المؤمِنين فِيما اتفقوا عليهِ مِما لا تهواه نفوسهم المِعوجة، أو يكون لِكلا الأمرينِ، والله حسِيبهم وإِليهِ المرجِع والمآل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق