السبت، 23 أبريل 2022

حجية السنة وأدلتها الشرعية

 حجية السنة وأدلتها الشرعية






عندما تؤكد لأحد منكري السنة أنها وحي يعدل القرآن يسخر من كلامك ويضحك وكأنك تلفق هذا الكلام مع أنه من أكبر ضروريات الإيمان ولوازمه ولا يتم الدين إلا به ، فهل من زعم أنه يتبع القرآن فقط أي ( قرآني ) وينكر السنة موفق أم مفتون .
إن السنة النبوية هي المصدر الثاني للتَّشريع بعد القرآن العظيم والذي هو المصدر الرئيسي للتشريع الاسلامي ، ولا يكتمل دين الله تعالى إلاَّ بالأخذ بالكتاب والسنة جنباً إلى جنب ويجب أن يعرف كل مسلم أن حكم من أنكر حجية السنة هو ( الكفر ) أي أنه كافر لإنكاره ضرورة معلومة وأكيدة من الدين .
سيكون التركيز هنا على أدلة حجية السنة الواردة في السنة نفسها وسيرى القارئء الكريم أن كل الأحاديث الواردة على حجية السنة هي من أعلامِ النبوة ، وإخبارِه صلى الله عليه وسلم عمَّا سيقع في مُستقبل الأيام وحاضرِها ، وقد صَدَّق الواقعُ المقال ، فهناك دعوات باطلة إلى الاقتصار على القرآن وحده دون السُّنة ، مُبرِّرين دعوتَهم الباطلة هذه بأدلة وحُجَجٍ باطلة ومنها : حُبُّهم القرآن وحِفظُهم له ، وأنَّ الله تكفَّل بحفظه دون السُّنة ، فهو إذن النَّص الوحيد الثابت الذي لم يتبدَّل ولم يتغيَّر ، وهذه كلُّها أدلةٌ واهية وحُجَجٌ باطلة ، وأن التَّنبيه على أنَّ هذه الأحاديث تُثبت بما لا يدع مجالاً للشَّك صِدْقَ ما أخبر به النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن وقوعه في المستقبل ، وبهذه الأحاديث يزداد المؤمنون ثباتاً على إيمانهم ؛ إذْ أنهم قد تهيَّؤوا إلى سماعها حتى قبل أن ينطق بها أصحابها ، بل وقد استعدُّوا لمواجهتهم وتفنيد حُجَجِهم قبل أنْ يُعلنوا بها .
وكلُّ هذا من تمكينِ الله تعالى لدينه وحِفظِه له ؛ إذْ إنَّ الأمر لن يقف بهؤلاء عند التشكيك في السُّنة فقط ، فهي مرحلة أُولى فإذا تم التسليم لهم انتقلوا إلى المرحلة الثانية ، وهي النَّيل من القرآن المجيد ، والادِّعاءُ بأباطيل وأوهام وقد حدث ذلك بالفعل ، فأرادوا أنْ يتعاملوا مع القرآن على أنه نصٌّ لغوي وبشري يخضع لما يخضع له أيُّ نصٍّ آخَر ، وهكذا يتم لهم هدم دين الله ، وهذا ما يأباه الله تعالى ورسوله ﷺ والمؤمنون .
الموضوع طويل فمن أراد اختصاره فليقرأ دليلا واحدا من كل مصدر من ادلة حجية السنة .
تؤخذ أدلة حجية السنّة من :
1 : دلالة القرآن الكريم على حجية السنة - والأدلة في كتاب الله كثيرة منها
الأول - قال الله تعالى : ( من يطع الرّسول فقد أطاع الله ) ، فجعل الله تعالى طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم من طاعته .
ثم قرن طاعته بطاعة رسوله ، قال تعالى : ( يـا أيّها الّذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول ) .
الثاني - حذر الله عز وجل من مخالفة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وتوعد من عصاه بالخلود في النار ، قال تعالى : ( فليحذر الّذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبُهم عـذاب ألـيم) .
الثالث - جعل الله تعالى طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم من لوازم الإيمان ، ومخالفته من علامات النفاق ، قال تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتّى يحكمُّوك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مـمّا قضيت ويسلموا تسليماً ) .
الرابع :- أمر سبحانه وتعالى عباده بالاستجابة لله والرسول ، قال تعالى : ( يا أيّـُها الّذين أمنوا استجيبوا لله وللرّسول إذا دعاكم لما يُحييكم ..) .
الخامس : - ثم أمرهم سبحانه برد ما تنازعوا فيه إليه ، وذلك عند الاختلاف ، قال تعالى : ( فإن تنازعتم في شيء فردّوُه إلى الله والرّسول ) .
2 : دلالة السنة النبوية على حجية السنة : وهنا يجب التوسع في إظهار أدلة حجية السنة من السنة نفسها كما ذكرت ذلك سابقا لأن سهام العدى متوجه نحوها بشكل مكثف ومقصود
وتنقسم هذه الادلة إلى ثلاثة أنواع :
النَّوع الأوَّل: أحاديثُ تدلُّ على أنَّ السُّنةَ صنو القرآن ومثيلتُه في الحُجَّة والاعتبار، ولا يمكن استقلال القرآن بالتشريع دون السُّنة بحال ، وأن المُعْرِض عن السُّنة هو مُعْرِضٌ عن القرآن العظيم .
1- ما جاء عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ - رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلاَ يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ، يَقُولُ : عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ! فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ فَأَحِلُّوهُ! وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ!) الحديث .
وجه الدلالة : أن الله تعالى أعطى نبيَّه الكريم صلى الله عليه وسلم القرآنَ ومِثْلَه معه، وهذا المُماثل للقرآن الذي أعطاه الله تعالى إياه هو السُّنة، والحديث القدسي مُندرِج في السُّنة.
قال الخطابي - رحمه الله - في شرحه للحديث: (قوله صلى الله عليه وسلم : (أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ) يحتمل وجهين من التأويل :
أحدهما : أن يكون معناه أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما أعطي من الظاهر المتلو.
ويحتمل أن يكون معناه : أنه أوتي الكتاب وحياً يُتلى ، وأوتي من البيان ، أي : أُذِن له أن يُبَيِّن ما في الكتاب ويعمَّ ويخصَّ ، وأن يزيد عليه فيُشَرِّع ما ليس له في الكتاب ذِكر ، فيكون ذلك في وجوب الحكم ولزوم العمل به ، كالظاهر المتلو من القرآن ) .
ويدلُّ على هذا قوله تعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4] ، حيث نفى الله تعالى عن نبيِّه الكريم صلى الله عليه وسلم اتِّباعَ الهوى ، وأتبع ذلك ببيان أنَّ كلَّ ما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم وكلَّ ما بلَّغه من أحكامٍ إنما بوحي من الله تعالى ، ولَمَّا كان القرآن العظيم قد خلا من أحكامٍ بعينِها وأشارت إليها السُّنة وجاءت بها صريحة، وكذا أبانت السُّنة عمَّا في القرآن من إجمالٍ وتفصيل ، وشرحت مقاصِدَه ، وفصَّلت أحكامَه ، دَلَّ ذلك بمنطوق القرآن أنَّ هذا كلَّه بوحيٍ من الله تعالى إلى رسولِه صلى الله عليه وسلم ، وليس بهوىً أو اجتهادٍ ؛ لذا وجب على المؤمنين اتِّباعه فيه ، بتنفيذ أوامره، والانتهاء عن نواهيه .
2- وفي رواية : (وَإِنَّ ما حَرَّمَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كما حَرَّمَ اللهُ) .
وجه الدلالة : أنَّ ما حرَّم رسولُ الله في السُّنة هو في التشريع كما حرَّم الله تعالى في القرآن لأنهما وحي من الله تعالى ، كما دلَّت الآيةُ الكريمة .
3- ما جاء عن أبي رافِعٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، يَأْتِيهِ الأَمْرُ مِنْ أَمْرِي؛ مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ، أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ، فَيَقُولُ: لاَ نَدْرِي! مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ!) .
وجه الدلالة: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حذَّر من خلاف أمره، كما حذَّر من خلاف كتاب الله عز وجل، فليحذر أن يخالف شيئًا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيحِقَّ عليه ما يحقُّ على مُخالف كتاب الله .
وهؤلاء المعرِضون عن السُّنة هم المنافقون ، الذين حذَّرنا منهم النبي صلى الله عليه وسلم ؛ كما جاء في حديث عُقْبَةَ بن عَامِرٍ - رضي الله عنه - قال : قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إنِّي أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي اثْنَتَيْنِ : الْقُرْآنَ وَاللَّبَنَ، أَمَّا اللَّبَنُ فَيَبْتَغُونَ الرِّيفَ ، وَيَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ ، وَيَتْرُكُونَ الصَّلَوَاتِ ، وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَيَتَعَلَّمُهُ الْمُنَافِقُونَ فَيُجَادِلُونَ بِهِ الْمُؤْمِنِين ) .
وسبب إعراضهم عن السُّنة : أنهم تأولوا القرآن على غير ما أُنزل كما جاء أيضاً عن عُقْبَةَ بن عَامِرٍ- رضي الله عنه - قال : سمعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول : (هَلاَكُ أُمَّتِي في الْكِتَابِ وَاللَّبَنِ) . قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ! ما الْكِتَابُ وَاللَّبَنُ؟ قال: (يَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ فَيَتَأَوَّلُونَهُ على غَيْرِ ما أنْزَلَهُ اللهُ ، وَيُحِبُّونَ اللَّبَنَ فَيَدَعُونَ الْجَمَاعَاتِ وَالْجُمَعَ وَيَبْدُونَ ) .
4- ما جاء عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: (كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إلاَّ مَنْ أَبَى) قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قال: (مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى) .
وجه الدلالة : أنَّ طاعة النبي صلى الله عليه وسلم الموجبة لدخول الجنة هي في التصديق بسنَّته ، والعمل بها كالقرآن .
والتَّصديق بالسُّنة إنما هو ركنٌ أصيل من أركان الدِّين ، فليست المسألة مسألة أحكام وتشريعات ، أو أوامر ونواهي ، وإنما القضية أخطر من ذلك بكثير ، إذْ هي قضية عقيدة في المقام الأول ، إذْ إنَّ تصديق السُّنة إنما هو تَبَعٌ لتصديقِ النبي صلى الله عليه وسلم ، وتصديقُ النبي صلى الله عليه وسلم من ضرورات ومقتضيات الإيمان ، إذْ كيف يؤمن بالقرآن العزيز وبالرسالة الخاتمة مَنْ شكَّ فيما يقوله النبيُّ الأمين صلى الله عليه وسلم ؟!
ولعلَّ هذا المعنى هو ما فَطِنَ إليه صدِّيق الأُمَّة أبو بكرٍ - رضي الله عنه - في حادثة الإسراء والمعراج ، حيث هُرِعَ إليه القوم يَقُصُّون عليه خَبَرَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ظانِّين أنه سيشكُّ فيما يقول ، مُحاولين بذلك زعزعةَ إيمانِ أبي بكرٍ - رضي الله عنه ، والتفريقَ بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذْ به يضرب مثلاً رائعاً في المتابعة والإيمان قائلاً: "إنْ كان قاله فقد صَدَقَ ، وإنَّا لَنُصَدِّقُه فيما هو أبعد من هذا لَنُصَدِّقُه على خَبَرِ السَّماء .
قال ابن القيم - رحمه الله - مبيِّناً حال السُّنة مع القرآن ، وأنها لا تُعارضه : (فما كان منها زَائِدًا على الْقُرْآنِ فَهُوَ تَشْرِيعٌ مُبْتَدَأٌ من النبي صلى الله عليه وسلم تَجِبُ طَاعَتُهُ فيه ، وَلاَ تَحِلُّ مَعْصِيَتُهُ .
وَلَيْسَ هذا تَقْدِيمًا لها على كِتَابِ اللَّهِ تعالى بَلْ امْتِثَالٌ لِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ طَاعَةِ رَسُولِهِ ، وَلَوْ كان رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يُطَاعُ في هذا الْقِسْمِ لم يَكُنْ لِطَاعَتِهِ مَعْنًى ، وَسَقَطَتْ طَاعَتُهُ الْمُخْتَصَّةُ بِهِ ، وَإِنَّهُ إذَا لم تَجِبْ طَاعَتُهُ إلاَّ فِيمَا وَافَقَ الْقُرْآنَ لاَ فِيمَا زَادَ عليه لم يَكُنْ له طَاعَةٌ خَاصَّةٌ تَخْتَصُّ بِهِ ، وقد قال اللَّهُ تَعَالَى ﴿ مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء: 80].
وَكَيْفَ يُمْكِنُ لأحدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ أَلاَّ يَقْبَلَ حَدِيثًا زَائِدًا على كِتَابِ اللَّهِ ، فَلاَ يُقْبَلُ حَدِيثُ تَحْرِيمِ الْمَرْأَةِ على عَمَّتِهَا ، ولاَ على خَالَتِهَا ، وَلاَ حَدِيثُ التَّحْرِيمِ بِالرَّضَاعَةِ لِكُلِّ ما يَحْرُمُ من النَّسَبِ... ) .
النَّوع الثاني : أحاديثُ يأمر فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلم باتِّباع سُنَّتِه، ويحذِّر من الفرقة والاختلاف، ومُعارضة الدِّين بالآراء الفاسدة ، ومن ذلك :
أ - ما جاء عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) .
ب - ما جاء عن الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي ، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ ) .
وفي هذه الأحاديث يُبَيِّن النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأصحابِه، وأُمَّته - من بعدهم - طريقَ النجاة، وهو اتِّباعُ هديه، والتزامُ سُنَّتِه، وهذا هو الطريق الوحيد، إذْ لا طريقَ سواه للنجاة.
النَّوع الثالث: أحاديثُ فيها الأمرُ بِحِفْظِ السُّنة وتبليغِها للناس، فهذا يدل أيضاً على حُجيَّتها ، ومن ذلك :
أ - ما جاء عن زَيْدِ بن ثَابِتٍ - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: (نَضَّرَ الله امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حتى يُبَلِّغَهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلى مَنْ هو أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيسَ بِفَقِيهٍ) .
ب - ما جاء عن ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أنه قال: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ : (فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ) .
وجه الدلالة: (ندب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى استماع مقالته وحِفظِها وأدائها... فدل على أنه لا يأمر أنْ يُؤدَّى عنه، إلاَّ ما تقوم به الحُجَّة على مَنْ أدَّى إليه؛ لأنه إنما يؤدَّى عنه حلالٌ يُؤتى، أو حرامٌ يُجتنب، أو حَدٌّ يُقام، أو مالٌ يؤخذ ويُعطى، أو نصيحةٌ في دينٍ ودنيا) .
3 : حجية السنة بالإجماع:
أجمعت أمة الإسلام قاطبة ؛ من الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين والأئمة المجتهدين، وسائر علماء المسلمين - على حجية السُّنة ووجوبِ العمل بها، والتحاكم إليها، والسَّير على هديها في كل جوانب حياة المسلمين ؛ بل لم نجد إماماً من الأئمة المجتهدين يُنكر الاحتجاج بها ، والعمل بمقتضاها إلاَّ نفراً ممَّنْ لا يُعتدُّ بخروجهم على إجماع المسلمين من الخوارج، والروافض ، ومَنْ نحا نحوهم وشذَّ شذوذهم من دعاة الإلحاد في عصرنا .
وممن نقل الإجماع من أئمة المسلمين
1- الإمام الشافعي - رحمه الله، إذْ يقول: (أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ: على أَنَّ من اسْتَبَانَتْ له سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لم يَكُنْ له أَنْ يَدَعَهَا لِقَوْلِ أَحَدٍ من الناس) .
وقال أيضاً : (لم أَسْمَعْ أَحَدًا - نَسَبَهُ الناسُ أو نَسَبَ نَفْسَهُ إلَى عِلْمٍ - يُخَالِفُ في أَنْ فَرَضَ اللَّهُ عز وجل اتِّبَاعَ أَمْرِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَالتَّسْلِيمَ لِحُكْمِهِ، بِأَنَّ اللَّهَ عز وجل لم يَجْعَلْ لأَحَدٍ بَعْدَهُ إلاَّ اتِّبَاعَهُ، وَأَنَّهُ لاَ يَلْزَمُ قَوْلٌ بِكُلِّ حَالٍ إلاَّ بِكِتَابِ اللَّهِ أو سُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّ ما سِوَاهُمَا تَبَعٌ لَهُمَا، وَأَنَّ فَرْضَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَى مَنْ بَعْدَنَا وَقَبْلَنَا في قَبُولِ الْخَبَرِ عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاحِدٌ، لاَ يَخْتَلِفُ في أَنَّ الْفَرْضَ وَالْوَاجِبَ قَبُولُ الْخَبَرِ عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) .
2- ابن حزم - رحمه الله، حيث يقول - في قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [النساء: 59]: (والبرهان على أنَّ المراد بهذا الرد إنما هو إلى القرآنِ، والخَبَرِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ الأُمَّة مُجمِعة: على أنَّ هذا الخطاب متوجِّه إلينا، وإلى كلِّ مَنْ يُخلق ويُركَّب روحُه في جسده إلى يوم القيامة من الجِنة والناس، كتوجُّهِه إلى مَنْ كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلِّ مَنْ أتى بعده - عليه السلام - وقبلنا، ولا فرق) .
3- ابن تيمية - رحمه الله، إذْ يقول : (وليعلم أنه ليس أحد من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولاً عامًّا يتعمَّد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سُنَّتِه دقيق ولا جليل، فإنَّهم مُتَّفقون اتِّفاقًا يقينيًّا على وجوب اتِّباع الرسول ، وعلى أنَّ كلَّ أحدٍ من الناس يؤخذ من قوله ويُترك إلاَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .
4- الشوكاني - رحمه الله، حيث قال: (والحاصل: إنَّ ثبوت حُجيَّة السُّنة المُطهَّرة، واستقلالَها بتشريع الأحكام ضرورةٌ دينية، ولا يُخالف في ذلك إلاَّ مَنْ لا حظَّ له في دين الإسلام) .
وغيرهم الكثير
4 - دلالة النظر الصحيح على حجية السنة :
كون النبي صلى الله عليه وسلم رسول الله ، يقتضي تصديقه في كل ما يخبر به ، وطاعته في كل ما يأمر به ، ومن المُسلَّم به أنه قد أخبر وحكم بأمور زائدة على ما في القرآن الكريم ، فالتفريق بينها وبين القرآن ، في وجوب الالتزام بـها ، والاستجابة لها ، تفريق بما لا دليل عليه ، بل هو تفريق باطل ، فلزم أن يكون خبره صلى الله عليه وسلم واجب التصديق ، وكذا أمره واجب الـطـاعة .
من كل ما سبق يتضح أن منكري حجية السنة أو ما يسمون أنفسهم ب (القرآنيين ) مفتونين فتنة عظيمة نسأل الله تعالى العافية
وصل اللهم وسلم على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
سبحانك اللهم وبحمدك لا اله الا انت أستغفرك واتوب اليك .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق