الاضحية عن الميت
السؤال: شيخنا هل يجوز الأضحية خصوصا عن الميت فقط ؟ وهل يجوز أن اشرك والداي المتوفين في أضحيتي؟ بارك الله فيكم.
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعـد:
فقد اتفق الفقهاء على جواز الاضحية عن الميت اذا أوصى بذلك، أو وقف وقفا لذلك، لما روي عن سيدنا علي بن ابي طالب –رضي الله عنه- انه كان يضحِّي بكبشَين، فقيل له: ما هذا؟ فقال: ((إن رسولَ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلم- أوصاني أن أُضحِّي عنه، فأنا أُضحِّي عنه)). ابو داود والترمذي والامام احمد.
ولكنهم اختلفوا في جواز الأضحية عن الميت بغير وصية منه على ثلاثة اقوال:
القول الاول: الجواز، وهو مذهب الجمهور من الحنفية والمالكية [ اجازوها مع الكراهة] وهو مذهب الحنابلة بل عندهم افضل من الاضحية عن الحي لاحتياجه للثواب وانقطاع عمله .
وقد نص الجمهور على أن ثوابها يصل إلى الميت وينتفع به قياساً على الصدقة عنه ، وإنما أجازوه لأن الموت لا يمنع التقرب عن الميت كما في الصدقة والحج.
واستدلوا بما يأتي:
1-ما رواه الإمام مسلم عَنْ ام المؤمنين عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِكبش لِيُضَحِّيَ بِهِ، فأَضْجَعَهُ، ثُمَّ ذَبَحَهُ، ثُمَّ قَالَ: ((بِاسْمِ اللهِ، اللهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ ضَحَّى بِهِ)). وفي سنن ابن ماجة عن جابر-رضي الله عنه- بلفظ : ((اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ)). ووجه الدلالة في الحديث : أنه -صلى الله عليه وسلم- قد جعلها لكل أمته، ومن المعلوم أن منهم حي ومنهم ميت فدل على جوازها عن الميت.
2- لعموم قوله -صلى الله عليه وسلم- في صحيح مسلم :(( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ )) وذبح الأضحية عنه من الصدقة الجارية؛ لما يترتب عليها من نفع المضحي والميت وغيرهما.
قال الامام الكاساني الحنفي –رحمه الله تعالى- في بدائع الصنائع [5/72 ]: (وجه الاستحسان أن الموت لا يمنع التقرب عن الميت بدليل أنه يجوز أن يتصدق عنه ويحج عنه، وقد صح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحى بكبشين أحدهما عن نفسه والآخر عمن لا يذبح من أمته ، وإن كان منهم من قد مات قبل أن يذبح فدل أن الميت يجوز أن يتقرب عنه فإذا ذبح عنه صار نصيبه للقربة فلا يمنع جواز ذبح الباقين).
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية-رحمه الله تعالى- في الفتاوى الكبرى [5/150 ]: (وتجوز التضحية عن الميت كما يجوز الحج عنه والصدقة عنه).
وقال الامام منصور البهوتي الحنبلي –رحمه الله تعالى- في شرح منهى الارادات [1/612 ] : (والتضحية عن ميت أفضل منها عن حي... لعجزه واحتياجه للثواب ويعمل بها، أي الأضحية عن ميت كأضحية عن حي من أكل وصدقة وهدية).
القول الثاني : لا تجوز إلا إذا أوصى بها الميت ، وهو مذهب الشافعية.
قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى- في منهاج الطالبين وعمدة المفتين ص 147 : (ولا تضحية عن الغير بغير إذنه، ولا عن ميت إن لم يوص بها ).
القول الثالث: تكره وهو مذهب المالكية. وإنما كره أن يضحي عن الميت لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من السلف، وأيضا فإن المقصود بذلك غالبا المباهاة والمفاخرة
وفي شرح مختصر خليل للخرشي المالكي – رحمهما الله تعالى- [3/42 ]: ( يُكْرَهُ لِلشَّخْصِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ الْمَيِّتِ خَوْفَ الرِّيَاءِ وَالْمُبَاهَاةِ وَلِعَدَمِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ وَهَذَا إذَا لَمْ يَعُدَّهَا الْمَيِّتُ وَإِلَّا فَلِلْوَارِثِ إنْفَاذُهَا).
وفي مواهب الجليل في شرح مختصر خليل [3/247 ]: (قال مالك: "في الموازية، ولا يعجبني أن يضحي عن أبويه الميتين". قال الشارح في الكبير: إنما كره أن يضحي عن الميت؛ لأنه لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من السلف، وأيضا، فإن المقصود بذلك غالبا المباهاة والمفاخرة).
وقد سُئل العلامة ابن باز –رحمه الله تعالى- في مجموع فتاويه عن الاضحية للميت فقال: (النبيُّ –صلى الله عليه وسلم- ضحى عنه وعن أهل بيته ولم يفرق بين الحي والميت، فدل ذلك على أنه إذا ضحى تكون الضحية عنه وعن أهل بيته؛ يدخل فيهم أبوه الميت، أو أمه الميتة، أو زوجته، أو أولاده يدخلون في ذلك؛ ... بل هو أمر مشروع لما فيه من الصدقة، والإحسان، والتقرب إلى الله بالنحر، والإحسان إلى الميت بالصدقة، والإحسان إلى الناس باللحوم للفقراء والمحاويج والهدية إلى أصدقائه وأقاربه وجيرانه، لكنها عن الحي آكد، فالسنة ألا يدع الضحية عنه، وإن ضحى عن أهل بيته فهو أفضل، وإن ضحى عن أمواته فحسن، ولا بأس كله طيب، أما إنكار من أنكر الضحية للميت فلا وجه لذلك، هذا الإنكار الذي يفعله بعض الناس عن الميت لا وجه له، إذا ضحى عن الميت فهي قربة وطاعة وخير عظيم).
المفتى به:
الأصل في الأضحية أنها مشروعة في حق الأحياء، كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- وأصحابه يضحون عن أنفسهم وأهليهم .
ولكنها تجوز عن الميت ايضا كما ذهب اليه جمهور العلماء اصحاب القول الاول، الذين نصوا على أن ثوابها يصل إلى الميت وينتفع به قياساً على الصدقة عنه التي يصل ثوابها للميت بالإجماع، ولأن الموت لا يمنع التقرب عن الميت كما في الصدقة والحج.
ولصحة ما استدلوا به من احاديث، وقد ثبت بالاحاديث الصحيحة الدالة على وصول ثواب الأعمال للأموات، ومنها جواز الحج عنه -وهو عبادة بدنية مالية- يصل ثوابهما إلى الميت؛ فوصول ثواب الأضحية عن الميت من باب أولى.
وعليه يجوز لك اخي السائل أن تذبح أضحية مستقلة بنية أن يكون الثواب لوالديك المتوفَينِ، ويصح كذلك أن تشركهما في ثواب أضحيتك التي تذبحها عن نفسك واهلك، وهو من البر والإحسان بهما، والله تعالى اعلم
د. ضياء الدين عبدالله الصالح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق