(( حكم القيام للقادم))
القيام على أربعة أوجه :
الوجه الأول : (( محظور ))
وهو أن يقع لمن يريد أن يقام إليه تكبراً وتعاظماً على القائمين إليه..
الوجه الثاني : (( مكروه ))
وهو أن يقع لمن لا يتكبر ولا يتعاظم على القائمين ولكن يخشى أن يدخل نفسه بسبب ذلك ما يحذر ولما فيه من التشبه بالجبابرة..
الوجه الثالث : (( جائز))
وهو أن يقع على سبيل البر والإكرام لمن لا يريد ذلك ويؤمن معه التشبه بالجبابرة..
الوجه الرابع : (( مندوب ))
وهو أن يقوم لمن قدم من سفر فرحاً بقدومه ليسلم عليه أو إلى من تجددت له نعمة فيهنئة بحصولها أو مصيبة فيعزيه بسببها..
(( هذه الأربعة ذكرها العيني رحمه الله شارح صحيح البخاري ))..
قال الحافظ ابن حجر ( رحمه الله في الفتح: ((وقد قال الغزالي القيام على سبيل الإعظام مكروه، وعلى سبيل الإكرام لا يكره وهذا تفصيل حسن ))..
وقال النووي ( رحمه الله) في كتابه الأذكار ( ص ٢١١ ) :
(( وأما إكرام الداخل بالقيام، فالذي نختاره أنه مستحب لمن كان فيه فضيلة ظاهرة من علم أو صلاح أو شرف أو ولاية ونحو ذلك ويكون هذا القيام للبر والإكرام والاحترام لا للرياء والإعظام وعلى هذا استمر عمل السلف والخلف))..
جواز القيام للقادم أو الداخل بقصد الإكرام أو التوقير لما له من الشرف والرفعة من علم أو صلاح أو ولاية وعلى هذا يتنزل حديث "قوموا إلى سيدكم" أخرجه البخاري ومسلم
جواز القيام للتهنئة أو المصافحة لحديث كعب بن مالك في قصة توبته، وفيه: "فقام إليَّ طلحة بن عبيد الله يهرول فصافحني وهنأني" كما في الصحيحين، وأدخل العلماء القيام للتعزية إلحاقاً به.
كراهية من أحبَّ أن يُقَام له حال قدومه لحديث أنس مرفوعاً "من أحب أن يتمثل له الناس قياماً؛ فليتبوأ مقعده من النار". وهو حديث صحيح، أخرجه الترمذي في جامعه، وأحمد في مسنده وغيرهما.
ثانياً : كراهية القيام على رأس الفاضل وهو قاعد سواء كان أميراً أو عظيماً في قومه أو غير ذلك وعلى هذا يتنزل حديث : "إن كدتم آنفا لتفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا". وهو حديث حسن، أخرجه مسلم في صحيحه، والنسائي في سننه، وابن ماجه في سننه، وأحمد في مسنده كلهم من رواية ليث عن أبي الزبير عن جابر
ثالثاً: كراهية القيام للداخل بنية التعظيم والإطراء وعلى هذا يتنزل حديث:"ما كان في الدنيا شخصٌ أحبَّ إليهم رؤيةً من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له لِمَا كانوا يعلمون من كراهيته لذلك" وهو حديث صحيح، أخرجه الترمذي في جامعه، وأحمد في مسنده وغيرهما من حديث أنس
رابعاً: جواز القيام على رأس الفاضل وهو قاعد سواء كان أميراً أو عظيماً في قومه بقصد حراسته والذب عنه متى خيف عليه وعلى هذا يتنزل حديث: "أن المغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومعه السيف وعليه المغفر". أخرجه البخاري في صحيحه وغيره.
جواز قيام المضيف لضيفه أو قريبه لإكرامه وإجلاسه وعلى هذا يتنزل حديث: عائشة أم المؤمنين قالت: "ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ودلاً وهدياً برسول الله في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: وكانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها"، وهو حديث صحيح، أخرجه البخاري في الأدب المفرد، والترمذي في جامعه، وأبو داود في سننه وغيرهم.
تاسعاً: جواز القيام لخدمة الضيف وهو قاعد، وهذا وارد في بلادنا العربية لصب القهوة أو الماء والانتظار حتى يتم الضيف حاجته من المشروب أو المطعوم، وهذه عادة مستحسنة، ولذا قال الشيخ عبد الغني المجددي الدهلوي: "والظاهر أنهم إذا كانوا قائمين للخدمة لا للتعظيم فلا بأس به كما يدل عليه حديث سعد
وأما في هذا الزمان فقد صار تركه مؤدياً إلى التباغض والتقاطع والتدابر، فينبغي أن يُفْعَل دفعاً لهذا المحذور لكون تركه قد صار وسيلة إلى ذلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخواناً) [رواه مسلم]، فهذا لا يؤمر به لعينه، بل لكونه صار تركه وسيلة إلى هذه المفاسد في هذا الوقت، ولو قيل بوجوبه لم يكن بعيداً؛ لأنه قد صار تركه إهانة واحتقاراً لمن جرت العادة بالقيام له، ولله تعالى أحكام تحدث عند حدوث أسباب لم تكن موجودة في الصدر الأول. والله أعلم.
"فتاوى العز بن عبد السلام" (رقم/57)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق