لا أدري كيف يتجرأ مسلم على التقدم للإفتاء في دين الله تعالى وهو لا يملك أدوات الافتاء ولا حتى (ألف باء) أصول الفقه ولا يسير على منهج فقهي من مناهج المدارس الفقهية الأربعة ؟!!
ومن هذه الأدوات الأساسية: فهم التعاريف والمصطلحات التي سيبني عليها الأحكام، للوصول الى تصور صحيح للمسائل، وإلا وقع هذا المتصدر فيما لا تحمد عواقبه، وهو يظن نفسه -واهما- أنه يحسن صنعا في دين الله تعالى ..
ومن هذه التعاريف والمصطلحات الأولية .. التفريق بين العبادة والطاعة والقربة .
فمعلوم تجدد المعارك الشرسة في كل عام حول المناسبات التي تهم المسلمين ، وعلى سبيل المثال مناسبة المولد النبوي، الذي ينظر اليه البعض على انها بدعة لأنها - بنظره- ( عبادة ) لم يفعلها النبي عليه الصلاة والسلام .
ومن هنا يقع هذا المتصدر في خطأ الحكم على المسلمين بالتفسيق والتبديع وربما التكفير لأن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة وصاحبها في النار .. فبدل أن يكون مصلحا يصبح تكفيريا ..
فما هو الفرق بين العبادة والطاعة والقربة؟
- العبادة في اللغة تدور حول معاني التذلل والخضوع .
- والطاعة هي موافقة الأمر طوعا، أو هي الانقياد والموافقة.
- والقربة هي القيام بالطاعة ، كما ذكر ابن الكمال. او هي ما يُتقَرَّبُ به إِلى الله تعالى من أَعمال البِرِّ والطَّاعَةِ والجمع : قُرَبٌ ، وقُرُباتٌ .
قال تعالى:
(قل أطيعوا اللهَ والرّسول ) . آل عمران 32
( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) 183 ال عمران .
الفرق بين الألفاظ الثلاثة في الاصطلاح:
قال ابن عابدين نقلاً عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في التفريق بين القربة والعبادة والطاعة:
القربة: فعل ما يثاب عليه بعد معرفة من يتقرب إليه به، وإن لم يتوقف على نية. (تعيين النية).
والعبادة: ما يثاب على فعله، ويتوقف على نية .
والطاعة: فعل ما يثاب عليه يتوقف على نية أو لا، عرف من يفعله لأجله أو لا.
فنحو الصلوات الخمس، والصوم، والزكاة، والحج من كل ما يتوقف على النية قربة، وطاعة، وعبادة.
وقراءة القرآن والوقف، والعتق، والصدقة ونحوها مما لا يتوقف على نية قربة، وطاعة، لا عبادة.
والنظر المؤدى إلى معرفة الله تعالى طاعة لا قربة ولا عبادة .
فالطاعة أعم من القربة والعبادة، والقربة أعم من العبادة .اه
أي: كل عبادة وقربة هي طاعة .
وكل عبادة هي طاعة وقربة .
ولكن .. ليس كل طاعة وقربة هي عبادة .
وعليه .. لا يكون العمل عبادة الا اذا تحققت فيه :
١- التذلل والخضوع تعظيما لله سبحانه .
٢- تحديد النية.
وإلا أصبح العمل ليس عبادة..
وبالأمثلة تتضح الصورة :
- السجود تذللا وخضوعا بنية التعظيم : عبادة ، فإن كان السجود لغير الله تعالى كان شركا .
السجود بغير التعظيم (كتعظيم الاله) ومن غير نية العبادة: ليست عبادة ولا شركا، بدليل سجود الملائكة لآدم وسجود اخوة يوسف ليوسف عليه السلام .. بل هو هنا طاعة لأن فيه امتثال لأمر الله تعالى . ( السجود لادم)
بينما سجود عباد الشمس مثلا للشمس تعظيما وتأليها: فهو عبادة شركية لأنها بنية التعبد.
- الامساك عن الطعام من الفجر الى المغرب بنية الصيام لله تعالى : عبادة .. وبالتالي هو أيضا قربة وطاعة لله.
- الامساك عن الطعام من الفجر الى المغرب امتثالا لتوجيهات الطبيب مثلا للمريض: ليس عبادة ولا شرك.. ولكن ان نوى صاحبها الحفاظ على صحته لتعينه على فرائض الاسلام أصبح امساكه قربة لله وطاعة لأمره بالتداوي .. ولكنه ليس عبادة .
فمع ان الفعل نفسه، ولكن (تعيين النية) هي التي حددت الحكم عليه.
- الوقوف أمام العلم في باحات المدارس أو في الجندية : ليس شركا ولا عبادة، لأنه ليس بنية التعظيم بتذلل وخضوع.
(وقد أخطأ الألباني في فتواه باعتبار هذا شركا).
- طاعة الوالدين أو المعلم أو مدير العمل أو خليفة المسلمين ...الخ: ليست عبادة ولا شرك، ولكن لو قصد فيه امتثال أمر الله في طاعة الوالدين ..مثلا .. أصبحت طاعة وقربة .. مع أنها ليست عبادة .
- استغاثة اللاجئ بهيئات الاستغاثة والمساعدة: ليس شركا ولا عبادة ... بينما الاستغاثة بالأصنام لجلب النصر والرزق فهو شرك.. ومع أن العمل نفسه الا أن النية هي التي تحدد الحكم .
- الطواف حول الكعبة: عبادة، الطواف حول الصنم تعظيما له: شرك، بينما طواف الجندي في المعركة حول الحجارة ليلوذ: ليس عبادة ولا شرك.. وان قصد نصرة الاسلام أصبح طوافه قربة وطاعة مع انه ليس عبادة .. فالذي فرق بين الحكم عليه مع تشابه الافعال هي النية .
ومن هنا نعلم خطأ الشيخ ابن عثيمين عندما قال في (القول المفيد): (الطاعة اذا كانت منسوبة لله فلا فرق بينها وبين العبادة فإن عبادة الله طاعته) .. فطاعة الله مثلا في القربات لي
س عبادة .. كما أشرنا آنفا ..
وهكذا ... المولد النبوي .. ليس عبادة ، بل هو من باب التقرب الى الله تعالى وطاعته بتعظيم وتوقير نبيه صلى الله عليه وسلم ... فلا يقال أن المولد من العبادات التي لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم .. ولا يقال أنه بدعة لأن العبادات توقيفية لايجوز الاجتهاد فيها ... لأن هذه الامور هي من القربات أو الطاعات وليس من العبادات ...
فيا أخي المسلم .. تعلم وتفقه .. ولا تتصدر وتتجرأ .. ولا تتابع ما عليه اهل الأهواء كالخوارج والوهابية لأن في فتاويهم تتداخل الأحكام بالأهواء والسياسة والمصالح الدنيوية .
واتق الله في نفسك .. وفي المسلمين .. وفي دين الله الذي لا تملك أنت ولا غيرك اختراع تشريع جديد فيه .
والله أعلم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق