الأحد، 26 مايو 2024

حكم نكاح المتعة ؟!

 كنت قد تحدثت في الماضي عن نكاح المتعة، وهذا استثناف له مرة أخرى:


1- نكاح المتعة ليس زواجا، لأن الزواج له مقاصد أخرى غير المتعة، وفي مقدمتها: السكينة، المودة، الرحمة، إنجاب الذرية الصالحة، التعاون على أمور الدين والدنيا.
2- الرجل الشرقي يمكن أن يقبل الدخول في علاقات جنسية خارج إطار الزواج مع نساء الدنيا كلهن، لكنه يمكن أن يقتل أي امرأة من قريباته إن هي فعلت ذلك. الأمر ليس له علاقة بالدين، وإنما هي صفات نفسية تنطبق على الرجل الشرقي، لكنها ربما لا تنطبق على أمم اخرى. ما ينطبق على هذه العلاقات ينطبق أيضا على نكاح المتعة، ربما يفرك أحدنا يده في السر فرحا لو أتيح له التمتع بامرأة حسناء، لكن في العلانية سيصرخ الجميع قائلين: هذا نكاح الشيعة، ولن نرضاه لأهالينا. وربما سيلعب على الوتر الحساس قائلا: أنكحني أختك، أو بنتك، أو أمك، نكاح متعة.
3- من حقك ألا ترضى بدخول ابنتك أو اختك في علاقة نكاح أي شخص، سواء كان هذا النكاح زواجا أو نكاح متعة، لكن ليس من حقك قانونيا أن تفرض رأيك عليها، لك أن تقاطعها إن أحببت، ولكن ليس لك تعنفها أو تكرهها. وهنا أشير إلى أنه يحق للمرأة البالغة شرعا أن تزوج نفسها بغير وجود ولي أمر، إذ لا يوجد هذا في كتاب الله وليس في السنة القطعية، وأما قوله تعالى: "انْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ"، فهو في الفتيات المؤمنات، أي الإماء المملوكات.
3- كونك لا ترضى نكاح المتعة لأحد من قريباتي، لا يعني أن نكاح المتعة هو زنى. أنا مثلا لا أحب أكل الحلزون، ولا الضب، ولا القديد، ولا الشحم، ولكن لا أعد هذه الأشياء محرمة. وأما الدليل على إباحة المتعة خلال العهد النبوي فهو ما رواه سلمة بن الأكوع واجبر بن عبد الله الأنصار أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: «أَيُّمَا رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ تَوَافَقَا فَعِشْرَةُ مَا بَيْنَهُمَا ثَلَاثُ لَيَالٍ، فَإِنْ أَحَبَّا أَنْ يَتَزَايَدَا أَوْ يَتَتَارَكَا تَتَارَكَا». وقد علق البخاري على هذا الحديث قائلا: وَبَيَّنَهُ عَلِيٌّ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، ويقصد بذلك "أن رسول الله ﷺ نهى عن متعة النساء، وعن أكل الحُمُر الأهلية يوم خيبر"، لكن ابن القيم علق على هذا الحديث قائلا: "قال ابن القيم في (زاد المعاد): لم تحرم المتعة يوم خيبر، وإنما كان تحريمها عام الفتح، هذا هو الصواب". ودليله في تحريم المتعة يوم الفتح ما رواه: "أبو بكر بن أبي شيبة، عن ابن علية، عن معمر، عن الزهري، عن الربيع بن سبرة، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم الفتح عن متعة النساء". وهذا الحديث لا يصح، للأسباب التالية:
أ- لأنه حديث شاذ، إذ لا يمكن أن يتفرد معمر برواية الحديث عن الزهري، ثم لا يرويه بقية أصحاب الزهري مثل مالك وابن عيينة وعقيل بن خالد ويونس بن زيد وشعيب بن أبي حمزة. ولا يعقل أن يرويه معمر ثم لا يرويه عنه عبد الرزاق وابن المبارك.
ب- روى أبو الزبير عن جابر أنه قال: "كُنَّا نَسْتَمْتِعُ بالقَبْضَةِ مِنَ التَّمْرِ وَالدَّقِيقِ، الأيَّامَ علَى عَهْدِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، حتَّى نَهَى عنْه عُمَرُ، في شَأْنِ عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ". فالحديث واضح في أن نكاح المتعة إنما نهى الفاروق عمر، ولو أن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن المتعة ما كان لأحد من الصحابة أن يستمتع، ودعك من التبريات الفارغة من قبيل أن هؤلاء الصحابة ما كانوا يعلمون بالنهي النبوي، أو غيرهما من التريرات الخرقاء.
ج- ثبت أن عمر هو الذي نهى عن المتعة، ولو سبقه نهي نبوي لاحتج به حين نهى عنها، ولكنه لم يحتج بآية من القرآن أو أي حديث نبوي.
د- الثابت أن ابن عباس وتلاميذه كانوا يرون إباحة المتعة، ومن يقولون أنه تراجع عن رأيه قبل أن يموت ينقلون الكذب.
والذي ينبغي معرفته بخصوص النهي العمري، أنه لم ينه عن المتعة مطلقا، وإنما نهى عن المتعة بغير شهود، وحق له أن يفعل ذلك.
4- لا يمكن لمجتمعاتنا أن تقبل بالمتعة، ليس غيرة على الدين، أبدا، فأنتم تعلمون الواقع كيف هو، ولكن لأن المتعة هي فعل ثقافي غريب عنا، ولأننا لدينا عقلية شرقية، ولأن المرأة ليس في مصلحتها أن تتمتع، هي تفضل الزواج الدائم، وإن كانت فاسقة تفضل الدعارة أو اتخاذ الخدن. وعليه، أقول للإخوة الذين يدعون لتشريع نكاح المتعة، أنتم في الواقع تدعون لشيء من المستحيل أن يتحقق، هذا الشيء مرفوض ثقافيا واجتماعيا.
والخلاصة أني أرى أن العلاقة المثلى بين الذكر والأنثى هي علاقة الزواج، واحد بواحدة، وكل العلاقات الأخرى تضر بالمرأة: وأنا أرتبها في مقدار الضرر كما يلي: نكاح الجواري هو أشد ضررا، ثم الزواج بنية الطلاق، ثم التعدد أو نكاح المتعة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق