وضع
اليدين على الصدر
تحت
عنوان (( وضعهما على الصدر )) ، نقل الشيخ الألباني في كتابه صفة
الصلاة ، عدة أحاديث ، أثبتها في هذا الباب ، ليبرهن على صحة ما ذهب إليه .
وها
نحن ننقلها بنصها ، ونضعها على نقاط :
قال
الشيخ :
1
/ و (( كان يضع اليمنى على ظهر كفه اليسرى
والرسغ والساعد )) .
2 / (( وأمر بذلك أصحابه )) .
3 / و (( كان أحياناً يقبض باليمنى على
اليسرى )) .
4 / و (( كان ينهى عن الإختصار في الصلاة [
ووضع يديه على خاصرته ] )) .
5 / وهو الصلب الذي كان r ينهى
عنه .
وقال الشيخ عن هذا الحديث
الأخير في الهامش :
[ أبو داود وابن خزيمة في
صحيحه ( 1 / 54 / 2 ) وأحمد وأبو الشيخ في (( تاريخ أصبهان )) ( ص 125 ) ، وحسّن أحد أسانيده
الترمذي ، ومعناه في الموطأ والبخاري في صحيحه عند التأمل .
(
تنبيه ) : وضعهما على الصدر هو الذي ثبت في السنة ، وخلافه إما ضعيف أو لا أصل له
، وقد عمل بهذه السنة الإمام إسحاق بن راهويه ، فقال المروزي في (( المسائل )) ( ص 222 ) : (( كان إسحاق يوتر بنا . . . ويرفع
يديه في القنوت ، ويقنت قبل الركوع ، ويضع يديه على ثدييه أو تحت الثديين )) . ومثله القاضي عياض المالكي في (( مستحبات الصلاة )) من كتابه (( الإعلام )) ( ص 15 – الطبعة الثالثة – الرباط )
، (( ووضع اليمنى على ظهر اليسرى عند
النحر )) .
وقريب
منه ما روى عبد الله بن أحمد في (( مسائله )) ( ص 62 ) قال : (( رأيت أبي إذا صلى وضع يديه إحداهما
على الأخرى فوق السرة )) . وانظر
(( إرواء الغليل )) ( 353 ) ] ([2])
.
مناقشة
الشيخ
ونود
قبل أن ننقل أقوال العلماء في هذه المسألة ، أن نناقش ما ورد في كتابه صفة الصلاة
، ليتبيّن لنا وجه الحق بإذن الله تعالى .
أحاديث
لا علاقة لها بالموضوع !
أ
/ أما الأحاديث رقم ( 1 ، 2 ، 3 ، 4 ، 5 ) فلا علاقة لها بالعنوان والباب الموضوع
لها أبداً !
وكان
المفروض على الشيخ الألباني أن يضعها تحت العنوان والباب الذي قبله وهو (( وضع اليمنى على اليسرى والأمر به )) ([3])
!
ولا
أعرف – حقيقة – غاية الشيخ في صنيعه هذا ، هل هي إزدحام العنوان وإظهاره بصورة
تُغري القاريء العامي الساذج ، وتُفهمه بأن في هذه المسألة أحاديث كثيرة تثبتها
وليس حديثاً واحداً ؟ أم ما هي الغاية ؟ !
ويعلم
الله أني لا أقصد تجريح الشيخ وطعنه ، ولكني أستغرب جداً لهذا التصرف ، وقد فعله الشيخ أيضاً عند موضوع (( تحريك الأصبع في التشهد )) فقد نقل هناك أحاديث وأثبتها لا
علاقة لها بالموضوع المطروح والمختلف فيه أبداً .
إلا
إذا قال قائل بأن الحديثين رقم ( 4 ، 5 ) لهما علاقة بالموضوع ، وهو النهي عن وضع
اليد على الخاصرة ، ولكن ليس لهما أية علاقة بوضعهما على الصدر أو فوق السرة أو
تحت السرة !
حديث أبي
داود
ب
/ أما عن قول الشيخ في الحديث الذي جاء فيه : (( وكان يضعهما على الصدر )) [ أبو داود ] .
فقد
قال أبو داود :
[ حدثنا أبو توبة ، حدثنا
الهيثم – يعني إبن حميد – عن ثور ، عن سليمان بن موسى ، عن طاوس ، قال : كان رسول
الله r يضع يده
اليمنى على يده اليسرى ، ثم يشُدّ بينهما على صدره وهو في الصلاة ] ([4])
.
دراسة
السند
إن
لهذا السند علتان تقدحان في صحته :
1 – فيه سليمان بن موسى وهو
وإن كان من رجال الأربعة ، ووثقه كل من إبن معين ، ودحيم ، وإبن سعد وابن حبان ،
وقال عنه إبن عدي : ثبت صدوق .
إلا
أنه فيه ضعف ، ولهذا لم يخرج له البخاري ولا مسلم ، بل روى له مسلم في المقدمة فقط
، والمقدمة ليست على شرطه في الصحيح كما هو معروف .
قال
أبو حاتم الرازي : (( محله الصدق ، وفي حديثه بعض
الإضطراب )) .
وقال
البخاري : (( عنده مناكير )) . وقال النسائي : (( أحد الفقهاء ، وليس بالقوي في
الحديث )) كما في (( تهذيب الكمال )) ( 12 / 97 ) وفي حاشية (( التهذيب )) المذكور [ وقال البخاري في تاريخه
الصغير : (( عنده أحاديث عجائب )) ( 1 / 305 ) وروى الترمذي في العلل
الكبير عن البخاري أنه قال : (( منكر الحديث أنا لا أروي عنه شيئاً روى سليمان بن موسى
أحاديث عامتها مناكير )) ] ا هـ
.
فقول
الإمام البخاري فيه ، والذي رواه عنه الترمذي في العلل الكبير ( منكر الحديث )
يعني أنه متهم عنده !
قال
الحافظ إبن حجر العسقلاني :
[ ونقل إبن القطان : أن البخاري
قال : كل مَن قُلت فيه (( منكر الحديث )) فلا تحل الرواية عنه ] ([5])
.
وهذا
ما اعترف به الشيخ الألباني ، حيث قال عن رجل في سند حديث :
( قلت : لكن قد أشار البخاري إلى إتهامه
بقوله : (( منكر الحديث )) وقال في موضع آخر : (( فيه نظر )) . ولا يقول هذا إلا فيمن
لا تحل الرواية عنه كما تقدم ذكره مراراً
، وإذا ثبت هذا عن إمام الأئمة فهو جرح واضح ، وهو مقدم على التعديل لا سيما
إذا كان المعدل دون البخاري في العلم
بالرجال ) ([6])
.
ونقل
الشيخ الألباني – لتقوية سليمان هذا – عن الحافظ في (( التقريب )) أنه قال فيه : [ صدوق فقيه ، في
حديثه بعض لين ، وخولط قبل موته بقليل ] .
ونقل
أيضاً عن إبن عدي أنه قال فيه : [ وهو فقيه راو ، حدث عنه الثقات ، وهو أحد علماء
الشام ، وقد روى أحاديث ينفرد بها لا يرويها غيره ، وهو عندي ثبت صدوق ] ([7])
.
وجاء
عنه في (( قانون الموضوعات والضعفاء )) :
[ سليمان إبن موسى الأشدق ليس
بقوي قاله النسائي ، وقال البخاري عنده مناكير : الترمذي قال البخاري يروي أحاديث
منكرة عامتها ، وقال أبو عيسى هو ثقة عند أهل الحديث لا نعرف أحداً ذكره بسوء ] ([8])
.
فإن كان أبو عيسى في قوله ( لا نعرف
أحداً ذكره بسوء ) يقصد به (( عدالته )) فهو صحيح .
أما
إن كان يقصد به (( ضبطه )) أيضا فقد رأينا أنه لم سلم من جرح .
فمن
ناحية (( العدالة )) هو : [ صدوق ، فقيه ، راو ، حدث عنه
الثقات ، أحد علماء الشام ] .
أما
من ناحية (( الضبط )) فهو : [ ليس بقوي ، منكر الحديث
أنا لا أروي عنه شيئاً ([9])
، في حديثه بعض لين ، يروي أحاديث منكرة عامتها ، روى أحاديث ينفرد بها لا
يرويها غيره ، خولط قبل موته بقليل ) .
فكيف
يقول أبو عيسى : [ هو ثقة عند أهل الحديث لا نعرف أحداً ذكره بسوء ) إن كان يقصد
به ضبطه ؟
ثم
إن أوصاف العدالة هذه التي في سليمان بن موسى هي في الإمام أبي حنيفة النعمان رحمه
الله أقوى وأكثر ! حيث هو : [ صدوق ،
فقيه ، بل قد قال الإمام الشافعي رحمه الله : ( الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة
) ، راو ، أحد علماء الكوفة ، بل رأسها ، وقد حدّث عنه الثقات ] .
قال
إبن المديني : [ إن أبا حنيفة روى عنه الثوري وإبن المبارك وحماد بن زيد
وهشيم ووكيع بن الجراح وعباد بن العوام وجعفر بن العوام وجعفر بن عون ، وهو ثقة لا
بأس به ] ([10])
.
وقال
إبن معين : [ وأما أبو حنيفة فقد روى عنه قوم صالحون ]
وقد
سئل إبن معين عن أبي حنيفة فقال : [ ثقة ما سمعت أحداً ضعّفه ،
هذا شعبة يكتب إليه أن يحدّث ويأمره ، وشعبة شعبة ] ([11])
.
كل
هذا لم يمنع الشيخ الألباني من أن يجرح الإمام أبي حنيفة ويضعّفه ، فما هو المانع
في عدم تضعيفه للإمام سليمان بن موسى ؟ !
قال
الشيخ الألباني :
[ ومما لاشك فيه عندنا أن
أبا حنيفة من أهل الصدق ، ولكن ذلك لا يكفي ليحتج بحديثه حتى ينضم إليه
الضبط والحفظ ، وذلك مما لم يثبت في حقه رحمه الله بل يثبت فيه العكس بشهادة
مَن ذكرنا من الأئمة ، وهم القوم لا يضل مَن أخذ بشهادتهم ، واتبع أقوالهم ، ولا
يمس ذلك من قريب ولا من بعيد مقام أبي حنيفة رحمه الله في دينه وورعه وفقهه ،
خلافاً لظن بعض المتعصبين له من المتأخرين فكم من فقيه وقاض وصالح تكلم فيهم
أئمة الحديث من قبل حفظهم ، وسوء ضبطهم ، ومع ذلك لم يعتبر ذلك طعناً في دينهم
وعدالتهم ] . ( ثم ذكر الشيخ أقوال الأئمة الذين ضعّفوا أبا حنيفة في الحديث ،
ثم قال ) [ قلت : فهذا هو الحق والعدل وبه قامت السماوات والأرض ، فالصلاح
والفقه شيء ، وحمل الحديث وحفظه وضبطه شيء آخر ، ولكل رجاله وأهله
، فلا ضير على أبي حنيفة رحمه الله أن لا يكون حافظاً ضابطاً ، ما دام أنه صدوق
في نفسه ، أضف إلى ذلك جلالة قدره في الفقه والفهم . . . ] ([12]) .
إذا
علمنا هذا ، فنعجب من صنيع الشيخ الألباني في دفاعه عن سليمان بن موسى – والقصد
منه هو تقوية وتصحيح حديث أبي داود ( وضع اليدين على الصدر ) - ، حيث أعلّ بعض العلماء الحديث من
ناحية ضبط سليمان بن موسى ، والإرسال الذي فيه ، فقال عن سليمان هذا : [ فيه لين ،
وخلط قبل موته بقليل ثم هو مرسل ] .
فردّ
الشيخ الألباني عليه قائلاً :
[ وقوله (( فيه لين . . . )) هو عبارة الحافظ في (( التقريب )) ، لكنه حذف منها ما يدل على
فضل سليمان هذا ، وأنه خير مما ذكر ! ونصها فيه :
(( صدوق فقيه ، في حديثه
بعض لين ، وخولط قبل موته بقليل ؟ )) .
قلت
: فمثله حسن الحديث في أسوأ الإحتمالات ، وصحيح في الشواهد والمتابعات . . . ] ([13])
.
فما
دخل الصدق والفقه هنا في ضبط الحديث ؟ ولماذا لم يكن أبو حنيفة رحمه
الله حسن الحديث في أسوأ الإحتمالات ، وصحيح في الشواهد والمتابعات إذا كانت
المسألة هي الصدق والفقه والفضيلة ؟
!
وأي
فضل لسليمان بن موسى قد حُذف هنا مما يقوي ضبطه وينفي عنه لينه ؟
مثل
هذا الأسلوب والكلام والطعن من الشيخ الألباني جعل أتباعه يسيئون الظن بذلك العالم
، ويطعنون في ثقته وعلمه وأمانته في النقل ، مع أن الحق معه ، وهو بريء من كل ما
نسب إليه ، وهو مصيب فيما قال !
هذا
فضلاً عن أن الشيخ الألباني نفسه قد قال في سليمان بن موسى هذا في تعليقه على حديث
في سنده سليمان بن موسى ما نصه :
[ إن الحديث رجاله كلهم ثقات
رجال مسلم ، إلا أن سليمان بن موسى مع جلالته في الفقه ، فقد قال الذهبي في (( الضعفاء )) : (( صدوق ، قال البخاري : عنده مناكير )) .
وقال
الحافظ في (( التقريب )) :
(( صدوق فقيه ، في حديثه بعض لين ،
وخلط قبل موته بقليل )) . وعلى هذا فالحديث حسن الإسناد ، وأما
الصحة فهي بعيدة عنه ، وإن كان صححه جماعة منهم إبن معين كما رواه إبن عدي
عنه . ومنهم الحاكم فقال : (( صحيح
على شرط الشيخين )) !
كذا
قال ، وسليمان لم يخرج له البخاري .وقال إبن الجوزي في (( التحقيق )) ( 3 / 71 / 2 ) :
(( هذا الحديث صحيح ، ورجاله رجال
الصحيح )) .
وردّه
الحافظ إبن عبد الهادي في (( التنقيح
)) ( 3 / 261 ) بأن سليمان صدوق
وليس من رجال الصحيحين .
نعم
لم يتفرد به سليمان بن موسى بل تابعه عليه جماعة فهو بهذا الإعتبار صحيح
] ([14])
.
ثم
إذا كان سليمان بن موسى قد خلط قبل موته بقليل فهل هذا الحديث قد أُخذ منه قبل
الإختلاط أم بعده ؟
2
– هذا الحديث هو حديث مرسل لأن طاووس ليس بصحابي ، بل هو تابعي لم
يرَ رسول الله r ولم
يسمع منه .
تعريف
الحديث الصحيح
ومن
تعريف الحديث الصحيح الذي يعرفه صغار طلبة العلم يتبيّن أن هذا الحديث غير صحيح بل
هو ضعيف .
وذلك
لأن الحديث الصحيح هو : [ الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط
عن العدل الضابط إلى منتهاه ، ولا يكون شاذاً ولا معللاً ] ([15])
.
قال
الحافظ إبن كثير رحمه الله بعد هذا التعريف :
[ ثم أخذ – أي إبن الصلاح –
يبيّن فوائده ، وما احترز بها عن المرسل والمنقطع والمعضل والشاذ ،
وما فيه علة قادحة ، وما في راويه نوع جرح .
قال
– أي إبن الصلاح - : وهذا وهو الحديث الذي يُحكم له بالصحة ، بلا خلاف
بين أهل الحديث . وقد يختلفون في بعض الأحاديث ، لإختلافهم في وجود هذه
الأوصاف أو في إشتراط بعضها كما في المرسل .
قلت
– أي إبن كثير – فحاصل حد الصحيح : أنه المتصل سنده بنقل العدل الضابط
عن مثله حتى ينتهي إلى رسول الله r ، أو
إلى منتهاه من صحابي ، أو دونه ولا يكون شاذاً ولا مردوداً ولا معللاً بعلة قادحة
، وقد يكون مشهوراً أو غريباً ] ([16])
.
فأهل
الحديث قاطبة ذكروا للحديث الصحيح خمسة شروط وهي :
1 – إتصال السند . 2 – عدالة الراوي . 3 – ضبطه . 4- عدم الشذوذ . 5 – عدم العلة القادحة .
فهذا
الحديث الذي ذكره الشيخ الألباني وعزاه إلى أبي داود ، يفقد أول شرط من شروط صحة
الحديث وهو إتصال السند . وذلك لأن سنده منقطع بين طاووس وبين رسول الله r
إضافة إلى فقدان الشرط الثالث
لأحد الرواة في سنده وهو ضبط سليمان بن موسى .
وقد صنف العلماء الأحاديث ، وقسّموها إلى ثلاثة أقسام كما إستقر
عليه الوضع :
1 – الحديث الصحيح . 2 – الحديث الحسن . 3 – الحديث الضعيف .
فجعلوا الحديث المرسل تحت قسم
الحديث الضعيف .
الإحتجاج بالحديث المرسل
أما الإحتجاج بالحديث المرسل
فقد إختلف فيه العلماء كما هو معروف عند الشيخ .
فالإحتجاج به هو مذهب مالك
وأبي حنيفة وأصحابهما في طائفة وهو محكي عند الإمام أحمد بن حنبل في رواية .
وأما الشافعي فنص على أن
مرسلات سعيد بن المسيب : حسان ، قالوا لأنه تتبعها فوجدها مسندة .
والذي عوّل عليه كلامه في
الرسالة (( أن مراسيل كبار التابعين إن جاءت من
وجه آخر ولو مرسلة ، أو إعتضدت بقول صحابي أو أكثر العلماء أو كان المرسِل لا يسمي
إلا ثقة فحينئذ يكون مرسله حجة ، ولا ينتهض إلى مرتبة المتصل )) .
قال الشافعي : وأما مراسيل غير
كبار التابعين فلا أعلم أحداً قبلها .
وقد ذكر الإمام مسلم في مقدمة
صحيحه :
[ أن المرسل في أصل
قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة ] ([17])
.
وكذا
حكاه إبن عبد البر عن جماعة أصحاب الحديث .
وقال
إبن الصلاح : وما ذكرناه من سقوط الإحتجاج بالمرسل والحكم بضعفه ، هو
الذي إستقر عليه آراء جماعة حفاظ الحديث ونقاد الأثر وتداولوه في تصانيفهم ([18])
.
والعجيب
بعد هذا هو أن الشيخ الألباني – دفاعاً عن هذا الحديث ، وفي سبيل تصحيحه – قد قال
:
[ وأقول : المرسل عند
الحنفية حجة ، وكذلك عند غيرهم إذا جاء موصولاً أو من طرق أخرى كما هو الشأن
هنا . . . ] ([19])
.
وقال
أيضاً :
[ وهو وإن كان مرسلاً فهو
حجة عند جميع العلماء على إختلاف مذاهبهم في المرسل ، لأنه صحيح السند إلى المرسل
، وقد جاء موصولاً من طرق كما أشرنا إليه آنفاً فكان حجة عند الجميع . . . ] ([20])
.
وقال
في تعليقه على حديث :
[ وهو حديث صحيح عندنا له طرق
كثيرة جداً وقد ساقها الزيلعي ( 2 / 6 – 11 ) ثم خرّجتها في (( الإرواء )) رقم ( 493 ) ، وهي وإن كانت لا تخلو
من ضعف ، ولكنه ضعيف منجبر ، وقد صح إسناده عن عبد الله بن شداد مرسلاً ، والمرسل
إذا جاء متصلاً فهو حجة عند الإمام الشافعي وغيره فاللائق بأتباعه أن يأخذوا بهذا
الحديث إذا أرادوا أن لا يخالفوه في أصوله ! ] ([21])
.
وقد
جانب الشيخ الصواب هنا من ناحتين :
1 – من ناحية فهمه لأصول
الإمام الشافعي رحمه الله ، فهو فهم غير صحيح ، وذلك لأن الإمام الشافعي لم يقل ما
ذكره الشيخ الألباني عنه ، إنما قال في كتابه (( الرسالة )) ص ( 461 ) :
[ فمن شاهد أصحاب رسول الله r من
التابعين فحدّث حديثاً منقطعاً عن النبيّ r أُعتُبر
عليه بأمور :
( منها ) : أن يُنظر إلى ما
أُرسل من الحديث ؛ فإن شركه فيه الحفاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الله
r بمثل معنى ما روي كانت هذه دلالة على
صحة مَن قبل عنه وحفظه . . . ] .
فالإمام الشافعي لم يشترط أن
يروى المرسل من طريق آخر مسنداً بسند ضعيف بل إشترط أن يُسنَد بسند صحيح عبّر عنه
بكون رواته حفاظاً مأمونين !
وقد قال الإمام الحافظ النووي
الشافعي رحمه الله تعالى في (( شرح
المهذب )) ( 1 / 62 ) :
[ فإن قيل : ذكرتم أن المرسل
إذا أُسند من جهة أخرى أحتج به وهذا القول فيه تساهل لأنه إذا أُسند عملنا بالمسند
فلا فائدة حينئذٍ في المرسل ولا عمل به ! !
فالجواب
: أنه بالمسند يتبيّن صحة المرسل وأنه يحتج به فيكون في المسألة حديثان صحيحان حتى
لو عارضهما حديث صحيح من طريق واحد وتعذّر الجمع بينهما قدّمناهما عليه .
والله أعلم ] .
يعني
أن المسند الصحيح يبيّن صحة المرسل فيصبح في المسألة حديثان صحيحان ،
أحدهما وهو المسند صحيح لذاته ، والأخر المرسل الصحيح الذي أصبح صحيحاً
لغيره ؛ فإذا جاء حديث آخر صحيح معارض لهما قدّمناهما عليه ، أي : رجحناهما
عليه ؛ ولا يُتصوّر أن يكون في مسألة ما حديث مرسل وهو من أقسام الضعيف وآخر مسند
بسند ضعيف فيأتي حديث معارض لهما في الصحيحن مثلاً فيقدّما عليه ! !
قال
الحافظ صلاح الدين العلائي الشافعي ، رحمه الله تعالى ، في كتابه (( جامع التحصيل في أحكام المراسيل )) ص ( 40 – 41 ) بعد ما ذكر كلام الإمام
الشافعي ، رحمه الله ، الذي في الرسالة فقال ما نصه :
[ وقد تضمّن هذا الفصل البديع
من كلامه أموراً :
أحدها
: أن المرسل إذا أسند من وجه آخر دلّ ذلك على صحته . وهذا قد أعترض فيه على الإمام
الشافعي ؛ فقيل إذا أُسند المرسل من وجه آخر ، فإما أن يكون سند هذا المتصل مما
تقوم به الحجة أو لا ؛ فإن كان مما تقوم به الحجة ، فلا معنى للمرسل هنا ولا
إعتبار به ، لأن العمل إنما هو بالمسند لا به ، وإن كان المسند مما لا تقوم به
الحجة لضعف رجاله فلا إعتبار به حينئذٍ إذا كنت لا تقبل المرسل ، لأنه لم
يعضده شيء .
وجواب هذا : مراده ما
إذا كان طريق المسند مما تقوم بها الحجة . وقولهم ( لا معنى للمرسل حينئذٍ
ولا إعتبار به ) قلنا : ليس كذلك من وجهين ( أحدهما ) : أن المرسل يُقوّى بالمسند
ويتبين صحته ، ويكون فائدتهما حينئذٍ الترجيح على مسند آخر يعارضه لم ينضمَّ إليه
مرسل ، ولا شك أن هذه فائدة مطلوبة ، (
ثانيهما ) : أن المسند قد يكون في درجة الحسن ، وبانضمام المرسل إليه يقوي
كل منهما بالآخر ، ويرتقي الحديث بهما إلى درجة الصحة ، وهذا أمر جليل أيضاً ، ولا
ينكره إلا مَن لا مذاق له في هذا الشأن ، فقول المعترض أن كلام الإمام الشافعي رحمه
الله لا فائدة فيه قول باطل ] انتهى كلام العلائي .
2
– عدم إلتزام الشيخ الألباني بما قاله هنا في المرسل :
فبينما نرى الشيخ الألباني هنا
يقوي الحديث المرسل ، ويدّعي أنه حجة عند جميع العلماء على إختلاف مذاهبهم في
المرسل ، نراه في مكان آخر ينسى ما يقوله هنا ، فيعتبر المرسل من أقسام الحديث
الضعيف ويعتبره علة من علل الحديث ، من غير أن يخصص أو يستثني أو يقيد ، بل يطلقها
أحكاماً عامة :
يقول الشيخ الألباني :
[ وأما ما لم أجده في شيء من
المصادر إطلاقاً ، فإن كان مرسلاً ، فهو ضعيف فإن المرسل من
أقسام الضعيف ، كما تقرر في (( علم المصطلح )) ]
ويقول
:
[ وجملة القول أن الحديث ضعيف
بجميع طرقه ، وخيرها حديث بكر بن عبد الله المزني وهو مرسل ، وهو من أقسام
الحديث الضعيف عند المحدثين . . . ] ([22]) .
ويقول
أيضاً :
[ وقوله : (( فإنما رواه عن بعض التابعين
، . . )) قلنا : نعم ، فكان ماذا ؟ أليس
كذلك كل مرسل تابعي ؟ إنما رواه عن تابعي إن لم يكن عن صحابي ؟ فلماذا
إعتبر المحدثون الحديث المرسل أو المنقطع من قسم الحديث الضعيف ؟ذلك لاحتمال
أن يكون الرجل الساقط من الإسناد مجهولاً أو ضعيفاً لا يحتج به لو
عرف ، وهذا بخلاف ما لو كان المرسِل لا يروي إلا عن صحابي فإن حديثه حجة ، لأن
الصحابة كلهم عدول فهذا المرسل فقط هو الذي يحتج به من بين المراسيل كلها ، وهو
الذي إختاره الغزالي وصححه الحافظ العلائي في (( جامع التحصيل في أحكام المراسيل )) ( 7 / 1 ) وأما دعوى البعض
أن الإجماع كان على الإحتجاج بالحديث المرسل حتى جاء الإمام الشافعي فدعوى
باطلة مردودة بأمور منها ما رواه مسلم في مقدمة (( صحيحه )) ( 1 / 12 ) عن عبد الله بن المبارك
أنه رد حديث (( إن من
البر بعد البر أن تصلي لهما مع صلاتك ، وتصوم لهما مع صيامك )) بعلة الإرسال ، في
قصة له تراجع هناك . وابن المبارك رحمه الله توفي قبل الشافعي بأكثر من عشرين سنة ]
([23])
.
وقال
عن حديث رواه طاووس عن رسول الله r :
[ قلت : وهذا إسناد ضعيف
فيه ثلاث علل :
الأول : الإرسال من طاووس ، فإنه تابعي
. . . ] ([24])
!
وقال
:
[ ذلك لأن الإرسال
وإن كان علة قائمة بنفسها كافية في تضعيف الحديث ، فإن . . . ] ([25])
.
وقال
عن حديث :
[ حتى ولو كان مرفوعاً لكان
ضعيفاً لأنه مرسل تابعي ] ([26])
.
وقال
أيضاً :
[ وهذا سند رجاله ثقات ولولا
إرساله لحكمت عليه بالصحة ] ([27])
وقال
أيضاً :
[ قلت : وهذا سند ضعيف لا
تقوم به حجة ، وفيه علتان : الأولى : الإرسال فإن مكحولاً تابعي
] ([28])
.
وقال
أيضاً :
[ قلت : وهذا سند ضعيف ،
رجاله كلهم ثقات ، لكنه مرسل لأن المطعم هذا تابعي ] ([29])
.
وقال
:
[ ولهذا لا يحتج علماء
الحديث بالمرسل ، كما هو مقرر في علم المصطلح ] ([30])
.
وقال
أيضاً :
[ المرسل من أقسام الحديث
الضعيف عند جمهور علماء الحديث . . . ] ([31])
.
وقال
:
[ قلت : وهذا مردود باتفاق
علماء الحديث في ( المصطلح ) : أن الحديث المرسل من أقسام الحديث الضعيف . وما
ذاك إلا لاحتمال أن يكون بين التابعي الثقة وبين النبيّ r تابعي
واحد أو أكثر ، واحتمال أن يكون الواسطة مجهولاً أو ضعيف الحفظ ، وليس من
الضروري ليكون حديث التابعي ضعيفاً أن يكون متهماً كما لا يخفى . . . ]
([32])
.
وقال :
[ ولهذا الإحتمال ، جعل
المحدثون الحديث المرسل من أقسام الحديث الضعيف – كما هو معلوم
- . . . ] ([33])
.
وقال :
[ فراجعها تجد فيها - كما في هذا
الحديث - شاهداً قوياً على ما ذهب إليه المحدثون : من أن الحديث المرسل من قسم
الحديث الضعيف ؛ خلافاً للحنفية . . . ] . [34]
فلا
ندري بجانب مَن هو الشيخ الألباني ؟ جانب الفقهاء أم المحدثين ؟ وما هو موقفه
الثابت من الحديث المرسل ؟
أم
أنه ينظر إلى خصمه ، فإن كان خصمه يحتج بالحديث المرسل أو كان دليله حديثاً مرسلاً
ردّ عليه الشيخ بأن الحديث المرسل من أقسام الحديث الضعيف ، وهو عند المحدثين ليس
بحجة ؟ !
وإن
كان خصمه يضعف الحديث المرسل ولا يحتج به ، أو كان الشيخ دليله حديث مرسل إعتبر الحديث
المرسل حجة عند الحنفية والفقهاء ! !
فحديث
أبي داود هذا إذن ضعيف وفيه علتان : الأولى : ضعف ضبط
سليمان بن موسى . والثانية : الإرسال .
إذاً
تبيّن أن ما يقوله البعض من أن الشيخ الألباني لا يعتمد إلا على الأحاديث الصحيحة
التي لا غبار عليها ، غير صحيح ، بل إنه في غالب ما يخالف الأئمة – إن لم نقل في
كل ذلك – يعتمد على أحاديث ضعيفة واهية يقوم هو بتصحيحها وترجيحها على أحاديث أقوى
منها وأثبت ([35])
! كما سيأتي في بيان درجة الأحاديث الأخرى إن شاء الله .
(((وقفات مع كتاب صفة صلاة الالباني ...
(((وقفات مع كتاب صفة صلاة الالباني ...
"الشيخ الألباني يدعي العصمة له ولكتابه !.. في مقدمة كتابه ( صفة صلاة النبي). وهو كتاب مقدس المعصوم من الخطأ عند أدعياء السلفية !
وقد إختلط عندهم النص المعصوم عن رسول الله ﷺ ، وإجتهادات الشيخ الألباني ، فحسبوهما واحداً ، ولم يفرّقوا بينهما !
فحينما يسمعون الشيخ الألباني يقول عن حديث ما : ( هو حديث صحيح إن شاء الله ) . أو ( رواه فلان بسند صالح ) . أو ( إسناده حسن ) . فكأنما هذا هو بمرتبة الوحي المتواتر القطعي النازل من السماء ، ولا يحتمل أي خطأ ، وأدنى إحتمال !
فلهذا مَن خالف الشيخ فيه فقد خالف رسول الله ﷺ !
فعندهم أن الشيخ متى قال : ( هذه هي السنة ) فهي – فعلاً – قد نطق بها ، أو فعلها رسول الله ﷺ من غير أدنى شك أو ريب !
فمن ردّها فقد ردّ على رسول الله ﷺ ، وردّ سنته ، وحارب أهل التوحيد والسنة والجماعة !
ولم يحسبوا أي حساب لعلمائنا وسلفنا الصالح ممن خالفهم الشيخ الألباني من الفقهاء والمحدثين ، من القدماء والمعاصرين !
سلفنا الصالح وتعصبهم لآرائهم
تكملة المقال :
https://fatawaeslam.blogspot.com/2022/10/blog-post_40.html
حديث إبن
خزيمة
ب / أما عن عزو الشيخ الحديث لابن خزيمة في
صحيحه :
فقد قال الحافظ إبن القيم رحمه الله عن حديث
وائل بن حجر الذي رواه إبن خزيمة في صحيحه والذي أشار إليه الشيخ الألباني :
أي
: تفرد مؤمل بن إسماعيل بهذه الزيادة التي أخرجها إبن خزيمة في صحيحه .
وقد
جاء في ( ميزان الإعتدال في معرفة الرجال ) للإمام المحدث الناقد الذهبي ما نصه :
[ مؤمل بن إسماعيل ( س ، ق ، ت ) ،
أبو عبد الرحمن البصري مولى آل عمر بن الخطاب ، حافظ عالم يخطأ ، روى عن
شعبة ، وعكرمة إبن عمار ، وعنه أحمد ، بندار ، مؤمل بن يهاب وطائفة .
وثقه
إبن معين ، وقال أبو حاتم : صدوق شديد في السنة كثير الخطأ . وقال البخاري
: منكر الحديث . وقال أبو زرعة : في حديثه خطأ كثير ، وذكره أبو داود
فعظمه ورفع من شأنه ] ([37])
.
قال
أبو عبيد الآجري : سألت أبا داود عن مؤمل بن إسماعيل ، فعظمه ورفع من شأنه ثم قال
: إلا أنه يهم في الشيء وقال غيره : دفن كتبه فكان يحدث من حفظه ، فكثر خطؤه ] ([38])
قال
الحاكم : قلت للدار قطني مؤمل بن إسماعيل ؟ قال : صدوق كثير الخطأ .
وقال الدارقطني : ثقة ، كثير
الخطأ ([39])
.
وقال المروذي : قلت ( يعني
لأبي عبد الله ) : يحيى بن يمان ، ومؤمل إذا اختلفا ؟ قال : دع هذا ، كأنه ليّن
أمرهما ، ثم قال : مؤمل كان يخطأ ([40])
.
وسئل أبو حاتم الرازي عن (
مؤمل بن إسماعيل ) و ( أبي حذيفة موسى بن مسعود النهدي ) صاحبي سفيان الثوري ؟
فقال : (( في كتبهما خطأ كثير ،
وأبو حذيفة أقلها خطأ )) ([41])
فالجرح
والتعديل الذي يتضمنه هذه النصوص حول مؤمل بن إسماعيل هو أنه من ناحية العدالة فهو
( عدل ) .
ولكن
من ناحية ( الضبط ) فهو مجروح .
فقد
قال الذهبي : يخطأ .
وقال
أبو حاتم : في حديثه خطأ كثير .
وقال
البخاري : منكر الحديث .
وقال
أبو داود : يهم في الشيء .
وقال
غيره : كثر خطؤه .
وقال
الدار قطني : كثير الخطأ .
وقال
الإمام أحمد : دع ذا ، وليّن أمره ، وقال : كان يخطيء .
وقال
أبو حاتم الرازي : وفي كتبه خطأ كثير .
فإذا
جمعنا ما قاله العلماء عنه في أنه : دفن كتبه فكان يحدث من حفظه ، فكثر خطؤه ،
مع ما قاله عنه أبو حاتم الرازي : في كتبه خطأ كثير ، فسوف يجتمع خطأين ؛ خطأ
الكتاب و خطأ الحفظ !
وقد
ذكرنا أن من قال فيه البخاري ( منكر الحديث ) فلا تحل الرواية عنه .
فثالث
شرط الحديث الصحيح وهو ضبط الراوي مفقود هنا .
إذن
فهذه الزيادة ( على صدره ) التي تفرد بها ( مؤمل بن إسماعيل ) ضعيفة
غير صحيحة .
وقد ضعف الشيخ الألباني أيضاً
مؤمل بن إسماعيل الذي في سند هذا الحديث فقال في تعليقه على حديث في سنده
مؤمل هذا :
[ فقد تابعه الحسن بن الصباح ،
وكأنه لذلك لم يذكر أبو نعيم هذا التفرد وإنما تفرد المؤمل ، فقال :
(( غريب من حديث طلق ، لم يروه متصلا
مرفوعاً ، إلا مؤمل عن حماد )) .
قلت
: وهو ضعيف لكثرة خطئه ، وقد وصفه بكثرة الخطأ الإمام البخاري والساجي وابن
سعد والدارقطني ، وقال إبن نصر :
(( إذا تفرد بحديث ، وجب أن
يتوقف ، ويثبت فيه ، لأنه كان سيء الحفظ ، كثير الغلط )) .
ولخص
ذلك الحافظ في (( التقريب
)) فقال :
(( صدوق سيء الحفظ )) .
قلت
: فمؤمل بن إسماعيل هذا هو علة هذا الحديث ، وقد تفرد به
كما حققناه في هذا التخريج بما لم نسبق إليه والفضل لله عزوجل .. ] ([42])
.
وقال
أيضاً :
[ والمؤمل هذا ضعيف لسوء
حفظه ] ([43])
.
وقال
أيضاً في تعليقه على حديث موضوع :
[ وعلة اللفظ
الثاني هو هذا الذي دارت عليه الطرق : مؤمل بن إسماعيل ، فإنه ضعيف لسوء
حفظه وكثرة خطأه ، قال أبو حاتم : (( صدوق شديد في السنة ، كثير الخطأ )) . وقال البخاري : (( منكر الحديث )) , وقال أبو زرعة :
كتبنا
هذا ثم وقفنا على ما كتبه الشيخ ماهر ياسين تفصيلاً حول هذا الموضوع فرأيناه قد سد
الباب أمام كل من تسول له نفسه أن يشكك في تفرد مؤمل بن إسماعيل لزيادة
( على صدره ) .
وقد
رأينا من المفيد جداً أن ننقله هنا لنكون على علم ، ونطلع على أصل الحديث :
قال
الشيخ ماهر :
[ حديث (( مؤمل بن إسماعيل )) عن (( سفيان الثوري )) عن (( عاصم بن كليب )) عن (( كليب إبن شهاب )) عن (( وائل بن حجر )) قال :
(
صليت مع رسول الله r ووضع
يده اليمنى على اليسرى على صدره ) .
أخرجه
إبن خزيمة ( 479 ) ، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان الورقة ( 125 ) ([45])
من طريق مؤمل بن إسماعيل به .
وقد
تفرد مؤمل بن إسماعيل فيما أعلم بزيادة على صدره فقد روى الحديث عن سفيان
الثوري جماعة من الرواة ، لم يذكر أحد منهم لفظة ( على صدره )
فقد رواه بدون الزيادة :
1
– عبد الله بن الوليد ، عند أحمد ( المسند 4 / 318 ) .
2
– عبد الرزاق الصنعاني ( المصنف 2522 ) وعند أحمد ( المسند 4 / 317 ) .
3
– أبو نعيم الفضل بن دكين ، عند أحمد ( المسند 4 / 318 ) .
4
– محمد بن يزيد المخزومي ، عند إبن خزيمة
( 691 ) .
5
– محمد بن يوسف ، عند النسائي ( المجتبى 3 / 35 )
6
– وكيع بن الجراح ، عند أحمد ( المسند 4 / 316 ) .
7
– يحيى بن آدم ، عند أحمد ( المسند 4 / 318 ) .
8
– محمد بن عبد الله بن يزيد المقريء عند النسائي ( المجتبى 2 / 236 ) .
ثمانيتهم
رووه عن (( سفيان )) فلم يذكر أحد منهم هذه الزيادة التي بها مؤمل وقد تابع (( سفيان الثوري )) على رواية هذا الحديث جماعة فلم
يذكر أحد منهم هذه الزيادة التي تفرد بها مؤمل وهم :
1
– سفيان بن عيينة ، عند الحميدي ( المسند 885 ) والنسائي ( المجتبى 3 / 34 ) وابن
خزيمة ( 713 ) .
2
– محمد بن الفضل ، عند إبن خزيمة ( 478 و 713 ) .
3
– عبد الواحد بن زيادة ، عند أحمد ( المسند 4 / 316 ) .
4
– زهير بن معاوية ، عند أحمد ( المسند 4 / 318 ) .
5
– شعبة بن الحجاج ، عند أحمد ( المسند 4 / 316 و 319 ) والبخاري ( جزء رفع اليدين
ص 26 ) وابن خزيمة ( 689 و 697 ) .
6
– عبد العزيز بن مسلم ، عند أحمد ( المسند
4 / 317 ) .
7
– زائدة بن قدامة ، عند الدارمي ( السنن 1364 ) و أحمد ( المسند 4 / 318 ) والبخاري
( جزء رفع اليدين ص 30 ) وأبو داود ( السنن 727 ) والنسائي ( المجتبى 2 / 126 )
وابن خزيمة ( 480 و 714 ) والبيهقي ( السنن الكبرى 2 / 228
) وابن الجارود ( المنتقى 208 ) .
8
– عبد الله بن إدريس ، عند البخاري ( جزء رفع اليدين ص 71 ) وابن ماجه ( السنن 810
و 912 ) والترمذي ( الجامع 292 ) والنسائي
( المجتبى 2 / 211 ) وابن خزيمة ( 477 و
641 و 690 و 713 ) .
9
– بشر بن المفضل ، عند أبي داود ( السنن 726 و 957 ) وابن ماجه ( السنن 810 و 867
) والنسائي ( المجتبى 3 / 35 ) .
10
– سلام بن سليم عند الطيالسي ( المسند 137 ) .
11
– خالد بن عبد الله ، عند البيهقي ( السنن 2 / 131 ) .
فهؤلاء
جميعهم رووه عن (( عاصم بن كليب )) عن (( كليب )) عن (( وائل )) ولم يذكر أحد منهم هذه الزيادة
.
وقد
روى هذا الحديث عن وائل بن حجر غير كليب :
1
و 2 – علقمة بن وائل ومولى لهم عند أحمد ( المسند 4 / 317 ) ومسلم ( الصحيح 2 / 13
) وأبو عوانة ( الصحيح 2 / 97 ) وابن خزيمة ( 906 ) والبيهقي ( السنن الكبرى 21 / 28 ) .
3
– عبد الجبار بن وائل ، عند أحمد ( المسند 4 / 318 ) والدارمي ( السنن 1244 )
والنسائي ( المجتبى 2 / 122 ) وابن حزم ( المحلى 4 / 112 ) .
فعدم
ورود هذه الزيادة عند أحد من تلاميذ (( سفيان الثوري )) وعدم ورودها عن أحد من تلاميذ (( عاصم بن كليب )) و (( وائل بن حجر )) يدل على شذوذها وأنها زيادة غير صحيحة أخطأ فيها (( مؤمل بن إسماعيل )) من حفظه ، وهذه المخالفة مع شدة
الفردية لا تقبل ، ومؤمل مع ثقته وجلالته فإنه يخطيء من حفظه أحياناً بعد ما دفن
كتبه . . .
ومما
يؤكد شذوذ هذه الزيادة أن (( سفيان الثوري )) وهو من أهل الكوفة مذهبه كمذهب الحنفية في وضع اليدين تحت السرة كما نقله النووي ، ( المجموع 3 /
247 ) وابن قدامة ( المغني 1 / 519 ) .
فلو
كانت هذه الزيادة ثابتة عنه لما خالفها، وقد ضعفها إبن القيم
( أعلام الموقعين 2 / 318 ) . وعدّ وضع اليدين على الصدر مكروها ([46])
، ( بدائع الفوائد 3 / 91 ) ] ([47])
.
وقد
ضعّف الشيخ الألباني حديثاً وحكم عليه بالشذوذ إعتماداً على نفس
الأسباب الموجودة في هذا الحديث ، بل هو كان أقوى من هذا الحديث ؛ وذلك لأن
راويه الذي خالف جماعة الثقات هو من رجال مسلم .
قال
الشيخ ما نصه :
[ قلت : فاتفاق جماعة من
الثقات على رواية الحديث عن (( سفيان )) دون آخر الحديث (( حياتي . . . )) ، ثم متابعة الأعمش له على
ذلك مما يدل عندي على شذوذ هذه الزيادة ؛ لتفرد (( عبد المجيد بن عبد العزيز )) بها ، لاسيما وهو متكلم فيه من
قبل حفظه ، مع أنه من رجال مسلم ، وقد وثقه جماعة وضعّفه
آخرون ، وبيّن بعضهم السبب ، فقال الخليلي :
(( ثقة ، لكنه أخطأ في أحاديث )) . وقال النسائي :
(( ليس بالقوي ، يكتب حديثه )) . وقال إبن عبد البر :
(( روى عن مالك أحاديث أخطأ فيها
)) . وقال إبن حبان في (( المجروحين )) ( 2 /
152 ) :
(( منكر الحديث جداً ، يقلب الأخبار ،
ويروي المناكير عن المشاهير ، فاستحق الترك )) .
قلت : ولهذا قال فيه الحافظ في (( التقريب )) :
(( صدوق يخطيء )) .
وإذا
عرفت ما تقدم فقول الحافظ الهيثمي في (( المجمع )) ( 6 /
24 ) :
(( رواه البزار ، ورجاله رجال الصحيح )) .
فهو
يوهم أنه ليس فيهم من متكلم فيه ! ولعل السيوطي إغتر بهذا حين قال
في (( الخصائص الكبرى )) ( 2 / 281 ) :
(( سنده صحيح )) .
ولهذا
فإني أقول : إن الحافظ العراقي – شيخ الهيثمي – كان أدق في التعبير
عن حقيقة إسناد البزار حين قال عنه في (( تخريج الإحياء )) ( 4 /
128 ) :
(( ورجاله رجال الصحيح ، إلا أن عبد
المجيد بن أبي رواد وإن أخرج له مسلم ووثقه إبن معين والنسائي ، فقد ضعفه
بعضهم )) .
قلت
: وأما قوله هو أو إبنه في (( طرح
التثريب ، في شرح التقريب )) ( 3 /
297 ) :
(( إسناده جيد )) .
فهو
غير جيد عندي ، وكان يكون كذلك لولا مخالفة عبد المجيد للثقات
على ما سبق بيانه ، فهي علة الحديث ، وإن كنت لم أجد مَن نبه
عليها ، أو لفت النظر إليها ، إلا أن يكون الحافظ إبن كثير في كلمته التي
نقلتها عن كتابه (( البداية )) . والله أعلم ] ([48])
فلماذا
كان الشاذ هنا ضعيفاً وهناك صحيحاً ؟ !
وقد
ضعّف الشيخ الألباني إسناد حديث فقال :
[ إسناده ضعيف ، من أجل
أبي هلال واسمه محمد بن سليم الراسبي وهو صدوق فيه لين ، ونحوه المؤمل وهو إبن إسماعيل ، قال الحافظ :
وأخيراً
قال الشيخ الألباني في تعليقه على حديث ضعيف عنده بعد إطلاعه على سنده :
[ فلا يفيد بعد
الإطلاع على هذا أن إبن خزيمة أخرجه ، لا سيما وهو معروف عند أهل
المعرفة بهذا الفن أنه متساهل في التصحيح ، على نحو تساهل تلميذه
إبن حبان الذي عرف عنه الإكثار من توثيق المجهولين ثم التخريج لأحاديثهم في كتابه (( الصحيح )) ! ولعله تأسى بشيخه في ذلك ،
غير أنه أخطأ في ذلك أكثر منه .
وقد
يكون من المفيد أن نذكر أمثلة أخرى من الأحاديث الضعيفة التي وردت في (( كتاب التوحيد )) لإبن خزيمة مع بيان علتها ،
ليكون القاريء على بيّنة مما ذكرنا من تساهل إبن خزيمة رحمه الله
تعالى ] ([50])
.
فحديث
إبن خزيمة أيضاً ضعيف وفيه علتان :
1
– ضعف مؤمل بن إسماعيل 2 – الشذوذ
ومعروف
أن أحد شروط الحديث الصحيح هو أن لا يكون شاذا .
الترمذي
ووضع اليدين على الصدر
د
/ أما عن قول الشيخ : ( وحسّن أحد أسانيده الترمذي ) ففيه أمور :
1
– إن تحسين الترمذي عند الشيخ الألباني لا وزن له ، وهو ليس بحجة لا عند الشيخ ولا
عند غيره .
وسننقل رأي الشيخ الألباني ،
وما قاله عن الترمذي وأبي داود وابن خزيمة ، ليتبيّن أن عزو الشيخ الأحاديث إلى
هؤلاء الأئمة وحدهم لا وزن له عنده ما لم يوافقهم هو بنفسه .
قال
الشيخ ما نصه :
[
وأما تحسين الترمذي للحديث فمما لا يُعتمد عليه لا سيما بعد
ظهور علة الحديث ، ذلك أن الترمذي معدود في جملة المتساهلين في
تصحيح الأحاديث كالحاكم وابن خزيمة وابن حبان ونحوهم ] ([51])
.
وقال
أيضاً :
[
قلت : تساهل الترمذي إنكاره مكابرة لشهرته عند العلماء
، وقد تتبعت أحاديث (( سننه )) حديثاً حديثاً ، فكان الضعيف منها
نحو ألف حديث ، أي قريباً من خمس مجموعها ، ليس منها ما قويته لمتابع أو شاهد ] ([52])
.
[ وأما سكوت أبي داود ،
فلأن الروايات المروية عن أبي داود نفسه فيما سكت عليه من الأحاديث في (( سننه )) مختلفة ، وعند إمعان
النظر فيها ، والمطابقة بينها وبين الواقع في (( سننه )) يتبيّن أنه يعني أنه ليس
كل ما سكت عنه فهو حسن عنده وصالح ([53])
، وإنما يعني بذلك الحديث الذي لم يشتد ضعفه ، وهذا هو الذي لا يمكن القول بغير
كما حققته في مقدمة كتابي (( ضعيف أبي داود )) وجنح إليه الحافظ إبن حجر العسقلاني
وذلك لكثرة الأحاديث الضعيفة فيه بالنسبة لمجموع أحاديث (( سننه )) البالغة (( 4800 )) في ما ذكره في (( التدريب ))
ص 98 .
فقد
بلغت الأحاديث الضعيفة في كتابي (( ضعيف
أبي داود )) أكثر من (( 300 )) حديث إلى كتاب المناسك وهذا نحو ثلث
الكتاب تقريباً ، أي أن مجموع الأحاديث الضعيفة قد يبلغ إلى ألف حديث ضعيف
: ومنها ما يقول فيه المصنف نفسه : (( وإنما لم يصرح أبو داود بضعفه لأنه ظاهر )) .
وعلى
هذا الذي إعتمدنا جرى عليه المنذري في كتابه (( الترغيب والترهيب )) فقال : (( وأنبه على كثير مما حضرني حال
الإملاء مما تساهل أبو داود رحمه الله في السكوت عن تضعيفه )) .
ومن
هنا يظهر خطأ الإغترار بسكوت أبي داود عليه وتحسينه ، وقد أكثر من ذلك
المتأخرون كصاحب (( التاج الجامع للأصول )) فتنبه . . .
لذلك
كله كان لابد لكل محقق أن ينظر فيما سكت عنه أبو داود أو صححه
الترمذي وحسنه فإن في كل منهما كثيراً من الضعاف . . . ] ([54])
.
فأي قيمة علمية تبقى لعزو
الشيخ الألباني – في تصحيح الأحاديث وتحسينها – إلى هؤلاء الأئمة إذا كان رأي
الشيخ فيهم هو هذا الذي نقلناه عنه ؟ !
وإذا
كان رأي الشيخ الألباني في تحسين الترمذي وتصحيحه للأحاديث هو هذا فكيف قلده هنا
وعول عليه ولم يجتهد هو في تحقيق الحديث والنظر في سنده ؟ ولِمَ لَمْ يحكم هو على
ذلك السند بل قال : ( وحسن أحد أسانيده الترمذي ) ؟
والشيخ
يعيب على غيره التقليد والإعتماد على الغير في تحسين الأحاديث وتصحيحها ، ولا سيما
الإعتماد على تحسين الترمذي وتصحيحه ! فقد قال ردّاً على خصم له :
[
. . . وإلا فهو قد إعتمد على الترمذي في تحسينه إياه في كتاب آخر له
، وهو الذي سماه (( الكنز الثمين )) ( رقم 2149 ) ، وقد زعم في
مقدمته أنه ليس فيه أحاديث ضعيفة ، كما تقدم ، فهو دليل واضح على
صحة ما نسبته إليه من إعتماده على تحسين الترمذي المعروف تساهله فيه عند
النقاد ] ([55])
.
وقال
أيضاً معيباً على غيره :
[
( تنبيه هام ) : بعد تحرير الكلام على الحديثين بزمن بعيد وقفت على مقال طويل
لأخينا الفاضل الشيخ . . . ذهب فيه إلى إتباع – ولا أقول تقليد – مَن صحح
الحديث من علمائنا رحمهم الله تعالى ، دون أن يقيم الدليل على ذلك بالرجوع
إلى القواعد الحديثية وتراجم الرواة التي لا تخفى على مثله . . ] ([56])
فلماذا
فعل الشيخ الألباني هنا ما عابه على غيره ؟
الجواب
يظهر في النقطة الثانية ! :
2
– قد يظن البعض أو يتوهم – إعتماداً على قول الشيخ الألباني – أن الترمذي فعلاً
حسّن أحد أسانيد حديث وضع اليدين على الصدر !
ولكن الحقيقة غير ذلك ، فلم
يحسن الترمذي أي حديث ينص على وضع اليدين على الصدر ! بل لم يروِ حديثاً يفيد ذلك
إطلاقاً لا في (( سننه )) ولا في غيره !
وقد
سلك الشيخ الألباني في إثبات هذا الظن والوهم في ذهن القاريء لكتابه ، طريقة عجيبة
! :
فقد
روى الإمام الترمذي رحمه الله في (( سننه )) حديثاً في موضوع (( آداب الإنصراف من الصلاة )) قال فيه :
[
حدثنا قتيبة حدثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن قبيصة بن هلب عن أبيه
قال كان رسول الله r
يَؤُمّنا فينصرف على جانبيه جميعاً على يمينه وعلى شماله .
وفي الباب عن عبد الله بن مسعود
وأنس وعبد الله بن عمرو وأبي هريرة قال أبو عيسى حديث هلب حديث حسن ] ([57])
.
وروى
الإمام أحمد في مسنده حديثاً في نفس الموضوع فقال :
[ حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان
حدثني سماك عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال رأيت النبيّ r ينصرف عن يمينه وعن يساره ورأيته قال يضع
هذه على صدره وصف يحيى اليمنى على اليسرى فوق المفصل ] ([58])
.
فرأى
الشيخ الألباني أن سند الحديثين واحد ، حيث يشترك في كل منهما سماك
عن قبيصة بن هلب عن أبيه ، وقد حسّن الترمذي حديثه
الذي رواه في (( سننه )) ، فحديث الإمام أحمد الذي رواه في
مسنده بنفس السند هو إذن أيضاً (( حسن )) عند الإمام الترمذي ! !
ولكن
هذا الإستنتاج من الشيخ الألباني خطأ غير صحيح وذلك :
أ
– لأن الشيخ الألباني يعتبر أن كل حديث قال فيه الإمام الترمذي : (( حديث حسن )) فهو يعني أنه (( حسن لغيره )) . أي أن سنده ضعيف ، ولكن
الحديث أصبح حسنا بمجموع طرقه ، فكثرة الطرق يقوي بعضها بعضاً !
قال
الشيخ ما نصه :
[ ( تنبيه ) : ثم إنني
أقول : قد يشكل على بعض القراء إستغرابي المذكور .
وجواباً
عليه أقول :
وجه
ذلك أن جمع الترمذي بين لفظتي (( غريب )) و (( حسن )) إنما يعني في إصطلاحه أنه حسن لذاته
بخلاف ما لو قال (( حديث حسن )) فقط ، دون لفظة (( غريب )) فإنه يعني أنه حسن لغيره
. . . ] ([59])
.
أي أن الإمام الترمذي – حسب
فهم الشيخ الألباني – عندما يقول عن حديث ما : (( حديث حسن )) فهو لا يعتمد على سند ذلك الحديث
وحده ، بل على جملة أسانيد كمتابعة له أو شواهد .
قال الدكتور صبحي الصالح
ناقلاً عن (( توضيح الأفكار )) ( 1 / 188 ) :
[ أما الحسن لغيره فهو ما في
إسناده مستور لم تحقق أهليته ولا عدم أهليته غير أنه ليس مغفلاً كثير الخطأ ولا
متهماً بالكذب ، ويكون متنه معضداً بمتابع أو مشاهد ] ([60])
.
فالإمام الترمذي قد حسّن
حديث إنصراف النبيّ r على
جانبيه جميعاً على يمينه وعلى شماله بعد الصلاة ، ولم يتعرض لوضع اليدين على الصدر
أبداً ، بل عدم ذكره لتلك الزيادة في مسند الإمام أحمد وبنفس السند يدل على عدم
إعترافه بها ، فكيف نُقَوّلُه ما لم يقل ؟ !
ثم إن الإمام الترمذي قد قال :
(( حديث هلب حديث حسن )) ولم يقل (( سنده حسن )) ! وهناك فرق كبير بين القولين يعرفه
الشيخ جيداً فلطالما فرق بينهما !
قال الشيخ الألباني رداً على
أحد العلماء لوقوعه فيما وقع فيه الشيخ :
[ قوله أيضاً : (( وروى الترمذي بسند حسن
أنه r قال :
ثلاثة لا ترد دعوتهم : الصائم حتى يفطر ، والإمام العادل ، والمظلوم )) .
قلت : كأنه إستلزم حسن
إسناده من تحسين الترمذي للحديث ، ولا تلازم بينهما ،
فقد يكون الحديث حسناً عند الترمذي وغيره لشواهده ، ولا يكون
إسناده الذي ساق الحديث به حسناً ، وفي مثل هذا يقول
المتأخرون : إنه حسن لغيره . فتأمل ] ([61])
.
وقال في حكمه على حديث :
[ حديث صحيح ، وإسناده
ضعيف جداً ، إبن أبي المساور قال الحافظ : متروك وكذبه إبن
معين . ومن طريقه أخرجه الطبراني ( 1 / 225 ) لكن الحديث صحيح له شواهد ] ([62])
.
وقال أيضاً :
[ حديث حسن ، إسناده ضعيف ،
مصعب بن إبراهيم منكر الحديث أيضاً لكنه يتقوى بما قبله
] ([63])
.
وأسلوب الشيخ هذا (( حسن أحد أسانيده الترمذي )) في تقوية الحديث ، قد إنتقده هو
بنفسه في غيره فقال :
[ قوله : (( 2 – وروى كذلك أن رسول الله r قال :
إن
صدقة المسلم تزيد في العمر ،
وتمنع ميتة السوء ، ويذهب الله بها الكبر والفخر )) .
قلت : هذا الحديث لم
يروه الترمذي ولم يحسنه ، وكأن المؤلف – حفظه الله تعالى – أخذ
ذلك من قول المنذري في تخريج الحديث :
(( رواه الطبراني من طريق كثير بن عبد
الله عن أبيه عن جده عن عمرو بن عوف ، وقد حسنها الترمذي ، وصححها
إبن خزيمة لغير هذا المتن )) .
ولكن هذا صريح في أن الترمذي
لم يخرجه ، وإنما
حسّن هذه الطريق في غير هذا الحديث ، فكأنه – من إستعجاله في النقل
– لم يقع بصره على قول المنذري : (( لغير
هذا المتن )) . فتأمل .
ثم إن الحديث ضعيف ، أو ضعيف
جداً ؛ لأن كثيراً هذا متروك كما قال الدار قطني وغيره ، وقال أبو داود : (( ركن من أركان الكذب )) !
وتحسين الترمذي لحديثه من
تساهله الذي عرف به ، وقد
قال الذهبي في ترجمة كثير هذا : (( وأما الترمذي فروى من حديثه : الصلح
جائز بين المسلمين ، وصححه ، فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي
)) ! لكن الجملة الأولى من الحديث
ثابتة في حديث آخر كما سيأتي ] ([64])
.
ب – في إسناد الحديث سماك
بن حرب وقبيصة بن هلب
· أما سماك بن حرب فقد قال
الذهبي : صدوق من أوعية العلم مشهور ، هو من رجال مسلم والأربعة ، وثقه يحيى بن
سعيد القطان : وقال أبو حاتم : ثقة صدوق . روى إبن المبارك عن سفيان : أنه ضعيف
وقال يحيى بن سعيد القطان : كان شعبة يضعفه . وقال أحمد بن حنبل : سماك
مضطرب الحديث هو أصلح حديثاً من عبد الملك بن عمير . وقال صالح جزرة
: يضعف . وقال النسائي : إذا انفرد بأصل لم يكن بحجة لأنه كان يلقن
فيتلقن ، وقال إبن عمار : كان يغلط . وقال العجلي
: جائز الحديث كان الثوري يضعفه قليلاً . وقال إبن المديني : روايته
عن عكرمة مضطربة . وقال يعقوب إبن شيبة : هو في غير عكرمة صالح وليس من
المتثبتين ] ([65])
.
وقال
الشيخ الألباني عن حديث في سنده سماك :
[ قلت :
وهذا إسناد ضعيف ، لأن سماكاً ، وإن كان من رجال مسلم ففيه ضعف من قبل حفظه ،
وخصوصاً في روايته عن عكرمة . قال الحافظ في (( التقريب )) :
· أما قبيصة بن هلب الطائي :
فقد قال عنه علي بن المديني :
مجهول لم يرو عنه غير سماك . وقال النسائي : مجهول . وقال يعقوب
إبن أبي شيبة : قلت ليحيى بن معين : متى يكون الرجل معروفاً إذا روى
عندكم ؟ قال : إذا روى عن الرجل مثل إبن سيرين والشعبي ، وهؤلاء أهل العلم فهو غير
مجهول . قلت : فإذا روى عن الرجل مثل سماك بن حرب وأبي إسحاق ؟ قال
هؤلاء يروون عن مجهولين .
قال
الشيخ الألباني في تعليقه على حديث :
[
وقال الترمذي : (( حديث حسن غريب )) . كذا قال ، وفيه عندي نظر
، فإن عمرو بن جارية وأبا أمية لم يوثقهما أحد من الأئمة المتقدمين ، غير
إبن حبان ، وهو متساهل في التوثيق كما هو معروف عند أهل العلم ، ولذلك لم
يوثقهما الحافظ في (( التقريب )) وإنما قال في كل منهما : (( مقبول )) يعني عند المتابعة ، وإلا فليّن
الحديث كما نص عليه في (( المقدمة )) من
(( التقريب )) ] ([70])
.
فسند الحديث إذن غير صحيح !
3 – ما هو مذهب الإمام
الترمذي في وضع اليدين ؟
سننقل نص ما قاله الإمام
الترمذي في هذا الموضوع ، وهو يسرد نفس سند حديث (( آداب الإنصراف من الصلاة )) المذكور !
قال رحمه الله :
[ باب ما جاء في وضع اليمين
على الشمال في الصلاة :
234 حدثنا قتيبة حدثنا أبو
الأحوص عن سماك بن حرب عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال كان رسول الله r يؤمّنا
فيأخذ شماله بيمينه قال وفي الباب عن وائل بن حجر وعُطيف بن
الحارث وابن عباس وابن مسعود وسهل بن سعد قال أبو
عيسى حديث هلب حديث حسن والعمل على هذا عند أهل العلم
من أصحاب النبيّ r والتابعين
ومَن بعدهم يرون أن يضع الرجل يمينه على شماله في
الصلاة ورأى بعضهم أن يضعهما فوق السّرة ورأى بعضهم
أن يضعهما تحت السّرة وكل ذلك واسعٌ عندهم ] ([71])
.
هذا كل ما قاله الإمام الترمذي
في هذا الموضوع : رأى بعضهم ( يقصد الصحابة والتابعين وتابع التابعين ) أن
يضعهما فوق السرة ، ورأى بعضهم أن يضعهما تحت السرة ،
وكل ذلك واسعٌ عندهم ! ! فأين هو وضعهما على الصدر ؟ !
ويلاحظ أن الإمام الترمذي قد
قال : حديث هلب حديث حسن ، ولم يقل سنده ! وسرد في
هذا الباب – عن عدد من الصحابة – شواهد هذا الحديث
التي إرتقت به إلى الحسن !
التأمل في موطأ مالك وصحيح البخاري
هـ / أما عن قول الشيخ الألباني
:( ومعناه في الموطأ والبخاري في (( صحيحه )) عند التأمل ) !
فهذا إعتراف واضح وصريح منه في
أنه لا يوجد في صحيح البخاري ولا في الموطأ حديث ينص على وضع اليدين على الصدر .
ولذلك قال الشيخ ( ومعناه
. . . عند التأمل ) محاولاً أن يستنبط من الحديث ما يريد ، ويحمّله على ما
لا يطيق ولو بتكلف واضح ! !
قلنا هذا لئلا يقع في الوهم
مَن يرى إسم البخاري وصحيحه والموطأ في قول الشيخ ، وهو لا يملك الكتابين
المذكورين فيظن أن فيهما أحاديث صحيحة تنص على وضع اليدين على الصدر !
وللشيخ أن يفهم ويتأمل كيف شاء
، وله أن يستنبط ما يريد ، أما أن يعتبر فهمه سنة من سنن رسول الله r ،
ويحاول فرضه على الناس ، ويتهمهم بالتعصب ومخالفة السنة ، لعدم تقليدهم له
واتباعهم لإجتهاده وفهمه ، فليس بمقبول منه !
وسننقل الحديث الذي أشار إليه
الشيخ ، واستنبط منه وضع اليدين على الصدر ، ثم ننقل ما قاله في أحد العلماء
المحدّثين الذين لم يذهبوا مذهب الشيخ وخالفوه لتظهر حقيقتين :
1 – خطأ فهم الشيخ وتأمله .
2 – عدم إعتماد الشيخ الألباني
في أكثر ما يذهب إليه على نصوص الأحاديث الصحيحة المروية عن رسول
الله r ، والصريحة
في موضوعها ، بل إعتماده هو على فهمه من تلك الأحاديث ، وهناك فرق
شاسع بين الأمرين ! !
جاء في الموطأ تحت عنوان (( وضع اليدين إحداهما على الأخرى في
الصلاة )) ما نصه :
[ حدثني يحيى عن مالك عن عبد
الكريم بن أبي المخارق البصري أنه قال :
من كلام النبوة إذا لم تستحي فاصنع ما شئت ووضع اليدين إحداهما على الأخرى في
الصلاة يضع اليمنى على اليسرى وتعجيل الفطر والإستناء بالسحور .
وحدثني عن مالك عن أبي حازم بن
دينار عن سهل بن سعد أنه قال : كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على
ذراعه اليسرى في الصلاة .
قال أبو حازم : لا أعلم إلا
أنه ينمي ذلك ] ([72])
.
وجاء في صحيح البخاري تحت
عنوان : (( باب وضع اليمنى على اليسرى )) :
[ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن
مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال :
(( كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد
اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة .
قال أبو حازم : لا أعلمه إلا
أن ينمي ذلك إلى النبيّ r )) قال إسماعيل : يُنمَى ذلك ، ولم يقل
يَنمي ] ([73])
.
و (( ينمي )) يعني : يرفع .
هذا هو الحديث الذي أشار إليه
الشيخ ، فهل – عند التأمل – يدل على ما ذهب إليه ؟ ! وهل ذُكر فيه موضع الوضع
والصدر ؟ !
هذا ولننظر الآن كيف يستنبط
الشيخ ، ويقرر سنناً من فهمه واجتهاده ، ويعرضها على أنها سنة من سنن رسول الله r في
الصلاة ، ويتهم غيره بمخالفتها ؟ !
قال ما نصه :
[ وثمة حديث رابع من حديث وائل
بن حجر أعله المومى إليه بالشذوذ ( 3 / 7 ) ، ولكنه تعامى عن كونه بمعنى الحديث
الذي قبله عن وائل أيضاً مرفوعاً بلفظ :
(( ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه
اليسرى والرسغ والساعد )) .
وقد إعترف بصحة إسناده ( 3 / 7
) ، فلو أنه حاول يوماً أن يحقق هذا النص الصحيح في نفسه عملياً –
وذلك بوضع اليمنى على الكف اليسرى والرسغ والساعد ، دون أي تكلف – لوجد
نفسه قد وضعهما على الصدر ! ولعرف أنه يخالفه هو ومَن على شاكلته من
الحنفية حين يضعون أيديهم تحت السرة ، وقريباً من العورة !
وبمعنى حديث وائل هذا حديث سهل بن سعد قال
:
(( كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده
اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة )) . رواه البخاري وغيره . وقد كنت أشرت إلى هذا المعنى في
الموضع الآتي في الكتاب ، ولكن الرجل المشار إليه لا يهمه التفقه في
الحديث ؛ لأنه يخشى منه على مذهبه ، ولذلك يراه الناس لا يهتم باتباع
السنة في الصلاة فضلاً عن غيرها ، وإنما همه التخريج فقط
. هدانا الله تعالى وإياه ] ([74])
.
إذاً ظهر بصورة واضحة هنا ؛ أن
الشيخ الألباني يفرض فهمه من الأحاديث واجتهاداته على الناس باسم
السنة النبوية ، ويتهم مَن يخالفه في الرأي : بالتعصب للمذاهب ، وعدم التفقه
في الحديث ، وقلة المبالاة بالسنة في الصلاة فضلا عن غيرها ، وغيرها من
الإتهامات التي جعلت أتباعه ينتقصون العلماء والأئمة بظلم إستناداً
إلى أقاويله هذه وأمثالها !
وقد ظهر أن صحيح البخاري وموطأ
الإمام مالك ليس لهما أي علاقة بالموضوع ، بل هو مجرد فهم الشيخ الألباني
واستنباطه الشخصي للمسألة ، وفقهه الخاص به في الحديث !
الإمام إسحاق بن راهويه ووضع اليدين على الصدر
و / أما عن قول الشيخ :
[ وقد عمل بهذه السنة
الإمام إسحاق بن راهويه ، فقال المروزي في (( المسائل )) : (( كان إسحاق يوتر بنا . . . ويرفع
يديه في القنوت ، ويقنت قبل الركوع ، ويضع يديه على ثدييه أو تحت الثديين )) ] .
فهو إلتباس في فهم مسائل
المروزي من قبل الشيخ ، ووضع الأمور في غير مواضعها .
وذلك لأن الإمام إسحاق بن
راهويه قد ثبت عنه أنه كان يذهب إلى وضع اليدين تحت السرة . هذا ما حكى عنه
الأئمة والعلماء بلا خلاف ، كالإمام المقدسي والنووي وغيرهما .
قال الإمام إبن قدامة المقدسي
، رحمه الله :
إختلفت
الرواية في موضع وضعها . فروي عن أحمد أنه يضعهما تحت سرته ، وروي
ذلك عن علي وأبي هريرة وأبي مجلز والنخعي والثوري وإسحاق ] ([75]) .
وقال
الإمام النووي ، رحمه الله :
[
وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري وإسحاق بن راهويه وأبو إسحاق المروزي من
أصحابنا يجعلهما تحت سرته ] ([76])
وقال
الإمام الشوكاني ، رحمه الله :
[
والحديث إستدل به من قال إن الوضع يكون تحت السرة وهو أبو حنيفة وسفيان
الثوري وإسحاق بن راهويه وأبو إسحاق المروزي من أصحاب الشافعي ] ([77])
.
حقيقة
قول المروزي في (( المسائل ))
إذاً فما هي حقيقة قول المروزي في (( المسائل )) ، والذي إعتمد عليه الشيخ الألباني
في إثباته لتلك الصفة للإمام إسحاق بن راهويه ؟
الحقيقة
هي أن المروزي لا يتحدث عن موضوعنا الذي نحن بصدده ، والذي أخطأ الشيخ في فهمه له فجعله تحت
عنوان (( وضعهما على الصدر )) .
إنما
هو يتحدث عن الدعاء في القنوت في الوتر ، ورفع اليدين فيها ، فيحكي ما
رآه من الإمام إسحاق بن راهويه في ذلك .
ورفع
اليدين في الوتر عند الدعاء في القنوت ، أمر مختلف فيه بين الأئمة ، فمنهم مَن
أثبته ، ومنهم من أنكره ، فالإمام إسحاق بن راهويه هو من الذين أثبتوا هذا الأمر
وذهبوا إليه .
هذا
ما أراده المروزي في مسائله .
بدليل
ما جاء في (( المغني والشرح الكبير )) في موضوع القنوت في الوتر ما نصه :
[ ( فصل ) إذا أخذ الإمام في
القنوت أمّن مَن خلفه لا نعلم فيه خلافاً وقاله إسحاق ، وقال القاضي :
وإن دعوا معه فلا بأس ، وقيل لأحمد إذا لم أسمع قنوت الإمام أدعو ؟ قال : نعم ، فيرفع
يديه في حال القنوت ، قال الأثرم كان أبو عبد الله يرفع يديه في القنوت
إلى صدره واحتج بأن إبن مسعود رفع يديه في القنوت إلى صدره .
وروي ذلك عن عمر وابن عباس وبه قال إسحاق وأصحاب الرأي وأنكره مالك
والأوزاعي ويزيد بن أبي مريم .
ولنا
قول النبيّ r (( إذا دعوت الله فادع ببطون كفيك ولا
تدع بظهورهما فإذا فرغت فامسح بهما وجهك )) رواه أبو داود وابن ماجه ، ولأنه
فعل مَن سمّينا من الصحابة ، وإذا فرغ من القنوت فهل يمسح وجهه بيده ؟ فيه روايتان
. . . ] ([78])
.
وحتى
لو فرضنا جدلا أن الإمام إسحاق كان يضع يديه على صدره كما ادعى الشيخ ذلك – وهو
غير صحيح – وكذلك القاضي عياض ، فهل هما ، وعملهما حجة ولا سيما عند الشيخ ؟
الإمام
أحمد ووضع اليدين على الصدر
ز
/ أما قول الشيخ :
[
وقريب منه ما روى عبد الله بن أحمد في (( مسائله ))
( ص 62 ) قال : رأيت أبي إذا صلى وضع يديه إحداهما على الأخرى فوق السرة ]
.
فهل
وافق الإمام أحمد هنا الشيخ الألباني في وضع اليدين على الصدر ، أم أنه وافق
الجمهور في وضعهما فوق السرة ؟
قال
الحافظ إبن القيم ، رحمه الله ، – وهو
حنبلي المذهب كما هو معروف – وهو يتحدث عن مذهب الإمام أحمد ، رحمه الله :
[
واختلف في موضع الوضع فعنه فوق السرة وعنه تحتها وعنه أبو طالب سألت أحمد أين يضع
يده إذا كان يصلي قال على السرة أو أسفل وكل ذلك واسع عنده إن وضع فوق السرة أو
عليها أو تحتها . عليّ t من
السنة في الصلاة وضع الأكف على الأكف تحت السرة . عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن
إبن عباس مثل تفسير عليّ إلا أنه غير صحيح والصحيح حديث عليّ قال في رواية المزني
أسفل السرة بقليل ويكره أن يجعلهما على الصدر وذلك لما روي عن النبيّ r أنه نهى
عن التكفير وهو وضع اليد على الصدر . مؤمل عن سفيان عن عاصم بن كليب عن أبيه عن
وائل أن النبيّ r وضع يده
على صدره فقد روى هذا الحديث عبد الله بن الوليد عن سفيان لم يذكر ذلك ورواه شعبة
وعبد الواحد لم يذكرا خالفاً ([79])
كذا سفيان ] ([80])
.
ثم ما معنى قول الشيخ الألباني
: ( وقريب منه ) ؟ !
وقد
بيّن الشيخ في مكان آخر ضعف حديث وضع اليدين تحت السرة ، الذي روي عن عليّ t فقال :
[ قلت : ولذلك لم يأخذ الإمام أحمد بحديثه هذا ، فقال إبنه عبد الله
: (( رأيت أبي إذا صلى وضع يديه إحداهما
على الأخرى فوق السرة )) ] ([81])
.
وقال الشيخ أيضاً :
[ قلت : ومما يدل على ضعفه أنه روي عن عليّ خلافه ، بإسناد خير منه ،
وهو حديث إبن جرير الضبي عن أبيه قال :
(( رأيت عليا t يمسك
شماله بيمينه على الرسغ فوق السرة )) . وهذا
إسناد محتمل للتحسين ، وجزم البيهقي ( 2 / 130 ) أنه حسن . وعلقه البخاري ( 1 /
301 ) مجزوما ] ([82])
.
هذا وقد نقلنا عن الشيخ إستدلاله على صحة وضع اليدين على الصدر بعمل
القاضي عياض المالكي أيضا حيث قال ([83])
:
[ ومثله القاضي عياض المالكي في (( مستحبات ([84])
الصلاة )) من كتابه (( الإعلام )) ( ص 15 – الطبعة الثالثة – الرباط )
، (( ووضع اليمنى على ظاهر اليسرى عند
النحر )) ] .
فحصلت عندنا هنا ثلاثة مواضع ؛ (( فوق السرة )) و (( الصدر )) و (( النحر )) .
ومعلوم عند الجميع أنها ثلاثة مواضع مختلفة في الجسم ، ففوق السرة
غير الصدر والصدر غير النحر !
فكيف يحتج الشيخ ويستدل بأمر هو مغاير لما يريد إثباته ؟
وإذا لم تصح تلك الروايات عن عليّ t ، وأحمد
، والقاضي عياض ، فذِكرها هنا عند الإحتجاج والمناقشة لغو لا طائل تحته !
وإذا ثبت ذلك عنهم فعلاً فكيف خالفوا وجهلوا سنة رسول الله r ، ولم
يسعدوا بها ، بل سعد بها إسحاق بن راهويه وحده فقط ، وهذا على ما إلتبس الفهم عنه
عند الشيخ ؟
وكيف يقول الشيخ :
[ ( تنبيه ) : وضعهما على الصدر هو الذي ثبت في السنة وخلافه إما
ضعيف أو لا أصل له ] ؟
فإذا كان خلافه ضعيفاً فلماذا إذن يحتج بعمل الإمام عليّ وأحمد
والقاضي عياض ، وهو – عنده – ضعيف أو لا أصل له ؟
وضع اليدين تحت السرة
أ – قال أبو داود :
[ حدثنا محمد بن محبوب ، حدثنا
حفص بن غياث ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن زياد بن زيد ، عن أبي جحيفة ، أن عليا t قال :
من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة ] ([1])
.
هذا حديث رواه أبو داود في سننه وسكت عليه .
فإن أخذنا بقول الشيخ الألباني
– في معرض رده على بعض الأئمة لتقوية أحاديث المهدي – فسوف نقول :
وإن أخذنا بقول الشيخ في معرض رده على صاحب ( التاج الجامع للأصول )
فسوف نقول :
إنه حديث ضعيف ، ولكن ليس شديد الضعف ([3])
.
ذلك لأن أبا داود قد أخذ على نفسه – فيما ذكره في رسالته إلى أهل مكة
– أن لا يسكت على الحديث الذي إشتد ضعفه بل يبيّنه ويعلق عليه .
وهو هنا لم يعلق عليه بأي كلام !
هذا ولم ينسب أبو داود عبد الرحمن بن إسحاق الذي هو في هذا السند ،
وقد نسب عبد الرحمن بن إسحاق الذي هو في الحديث الثاني الآتي بالكوفي ، وقد بيّن
ضعفه عن الإمام أحمد .
فهل هما رجلان مختلفان عند أبي داود ، أم هما رجل واحد ؟
على ما يبدو لنا من ظاهر صنيع أبي داود أنهما رجلان مختلفان ، وذلك
لأنه سكت عنه في الحديث الأول ولم ينسبه ، أما في الحديث الثاني فقد نسبه إلى
الكوفة وبيّن ضعفه .
وكذلك عبد الرحمن بن إسحاق ( الواسطي ) و ( الكوفي ) هل هما شخصان أم
شخص واحد ؟
بعض الأئمة جعلوهما شخصاً واحداً كالدار قطني على ما يظهر ([4])
والنووي وغيرهما ، وتبعهم في ذلك أبي الطيب العظيم آبادي وصبحي السامرائي والشيخ
الألباني .
وبعضهم فرق بين الإثنين واعتبرهما شخصان مختلفان كالشيخ محمد بن طاهر
بن علي الهندي في كتابه ( قانون الموضوعات والضعفاء ) حيث قال :
[ عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي تكلم فيه من قبل حفظه ]
وقد تحدث الشيخ محمد طاهر الهندي عن عبد الرحمن بن إسحاق آخر بين
الإثنين المذكورين فقال :
[ عبد الرحمن بن إسحاق ضعيف وحسن له الترمذي ] .
وذكر أيضا عبد الرحمن بن إسحاق آخر وقارن بينه وبين الكوفي فقال :
[ وعبد الرحمن بن إسحاق قرشي المدني أثبت منه وهما
معاصران ]
فعبد الرحمن بن إسحاق هذا الذي هو في سند هذا الحديث هو أي الذين
ذكرناهم ؟
الإمام النووي وغيره إعتبروه الكوفي والواسطي .
وأبو داود سكت عنه ولم ينسبه وهو أعلم بما يروي وعمن يروي ، فالله
أعلم .
ب – قال أبو داود أيضاً :
[ حدثنا مسدد ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، عن عبد الرحمن بن إسحاق
الكوفي ، عن سيار أبي الحكم ، عن أبي وائل ، قال : قال أبو هريرة : أخذ الأكف على
الأكف في الصلاة تحت السرة ] ([5])
.
قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يضعف عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي ([6])
.
وقال الإمام النووي : هو ضعيف بالإتفاق ([7])
.
[ قال أحمد : ليس بشيء ، منكر الحديث . وقال يحيى : متروك . وقال
البخاري : فيه نظر ، وقال النسائي وغيره : ضعيف ، وقال الذهبي : ضعفوه ] ([8])
.
قال الإمام البدر العيني ، رحمه الله :
[ واحتج صاحب الهداية لأصحابنا في ذلك بقوله r إن من السنة
وضع اليمنى على الشمال تحت السرة ( قلت ) هذا قول عليّ بن أبي طالب وإسناده إلى
النبيّ غير صحيح وإنما رواه أحمد في مسنده والدار قطني ثم البيهقي من جهته في
سننيهما من حديث أبي جحيفة عن عليّ t أنه قال
إن من السنة وضع الكف على الكف تحت السرة وقول عليّ إن من السنة هذا اللفظ يدخل في
المرفوع عندهم ، وقال أبو عمر في التفصي واعلم أن الصحابي إذا أطلق إسم السنة
فالمراد به سنة النبيّ r ، وكذلك
إذا أطلقها غيره ما لم تضف إلى صاحبها كقولهم سنة العمرين وما أشبه ذلك ( فإن قلت
) سلمنا هذا ولكن الذي روي عن عليّ فيه مقال لأن في سنده عبد الرحمن بن إسحاق
الكوفي ، قال أحمد ليس بشيء منكر الحديث ( قلت ) روى أبو داود وسكت عليه ويعضده ما
رواه إبن حزم من حديث أنس من أخلاق النبوة وضع اليمين على الشمال تحت السرة وقال
الترمذي العمل عند أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وضع اليمين على
الشمال في الصلاة ورأى بعضهم أن يضعها فوق السرة ورأى بعضهم أن يضعها تحت السرة
وكل ذلك واسع ] ([9]) .
وضعهما فوق السرة
قال أبو داود رحمه الله :
[ حدثنا محمد بن قدامة – يعني إبن أعين – عن أبي بدر ، عن أبي طالوت
عبد السلام ، عن إبن جرير الضبي ، عن أبيه قال : رأيت عليّاً t يمسك
شماله بيمينه على الرسغ فوق السرة .
قال أبو داود : وروي عن سعيد بن جبير (( فوق السرة )) وقال أبو مجلز (( تحت السرة )) وروي عن أبي هريرة وليس بالقوي ] ([10])
.
أبو طالوت عبد السلام ، وثقه كل من وكيع بن الجراح ، وأحمد بن حنبل ،
ويحيى بن معين وابن حبان . وقال أبو داود وأبو حاتم الرازي : يكتب حديثه .
أما جرير الضبي ، فقد قال عنه الذهبي : لا يعرف ، ووثقه إبن حبان .
وسكوت أبي داود على ما روي عن عليّ ، وتضعيفه لما روي عن أبي هريرة
يُفهم منه تقويته للأول منهما .
قال الشيخ الألباني عن هذا الحديث :
[ هذا إسناد محتمل للتحسين ، وجزم البيهقي ( 2 / 130 ) أنه حسن وعلقه
البخاري ( 1 / 301 ) مختصرا مجزوما ] ([11])
.
وقول الشيخ : ( وعلقه البخاري مختصرا مجزوما ) ، يقصد به أنه صحيح .
قال الحافظ إبن كثير رحمه الله :
[ وتكلم الشيخ أبو عمرو – يعني إبن الصلاح – على التعليقات الواقعة
في صحيح البخاري ، وفي مسلم أيضا لكنها قليلة ، قيل : إنها أربعة عشر موضعا .
وحاصل الأمر : أن ما علقه البخاري بصيغة الجزم فصحيح إلى من علقه
عنه ، ثم النظر فيما بعد ذلك . وما كان منها بصيغة التمريض فلا يستفاد منها
صحة ، ولا تنافيها أيضا ، لأنه قد وقع من ذلك كذلك وهو صحيح ، وربما رواه رواه
مسلم .
وما كان من التعلقيات صحيحا فليس من نمط الصحيح المسند فيه لأنه قد
وسم كتابه ( بالجامع المسند الصحيح المختصر في أمور رسول الله r وسننه
وأيامه ) ] ([12])
.
وقد نقلنا إستدلال الشيخ الألباني بفعل الإمام أحمد رحمه الله الذي
ذكره إبنه عبد الله حيث قال :
( رأيت أبي إذا صلى وضع يديه
إحداهما على الأخرى فوق السرة ) ([13])
.
وهذا الوضع هو ما ذهب إليه الجمهور والشافعية منهم .
أقوال
العلماء ومذاهبهم في هذه المسألة
1
– قال الجمهور والشافعية منهم ، أن الوضع يكون تحت صدره ، فوق سرته .
2
– وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري وإسحاق بن راهويه وأبو إسحاق المروزي من الشافعية
، إن الوضع يكون تحت السرة .
3
– وعن عليّ بن أبي طالب t روايتان
كالمذهبين أي ( فوق السرة ، وتحت السرة ) ، وعن أحمد بن حنبل كذلك .
4
– وقال الأوزاعي وابن المنذر : إنه مخير بين وضعهما تحت صدره فوق السرة ، وبين
وضعهما تحت السرة ، ولا ترجيح .
5
– وعن مالك روايتان : إحداهما يضعهما تحت صدره ، والثانية يرسلهما ولا يضع إحداهما
على الأخرى وهي مذهب الليث بن سعد .
وقد
حكاه إبن المنذر عن عبد الله بن الزبير والحسن البصري وابن سيرين .
6
– ورواية عن عليّ وابن عباس رضي الله عنهم في تفسيرهما لقوله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر ) بأن النحر وضع اليمين على الشمال
في محل النحر والصدر .
7
– قال الإمام النووي رحمه الله :
[
. . . واستحباب وضع اليمنى على اليسرى بعد تكبيرة الإحرام ويجعلهما تحت صدره فوق
سرته ، هذا مذهبنا المشهور وبه قال الجمهور ، وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري وإسحاق
بن راهويه وأبو إسحاق المروزي من أصحابنا يجعلهما تحت سرته وعن عليّ بن أبي طالب t روايتان
كالمذهبين ، وعن أحمد روايتان كالمذهبين ورواية ثالثة مخيّر بينهما ولا ترجيح
وبهذا قال الأوزاعي وابن المنذر . وعن مالك رحمه الله روايتان إحداهما يضعهما تحت
صدره والثانية يرسلهما ولا يضع إحداهما على الأخرى وهذه رواية جمهور أصحابه وهي
الأشهر عندهم وهي مذهب الليث بن سعد وعن مالك رحمه الله أيضاً إستحباب الوضع في
النفل والإرسال في الفرض وهو الذي رجحه البصريون من أصحابه . . .
ودليل
وضعهما فوق السرة حديث وائل بن حجر قال صليت مع رسول الله r ووضع
يده اليمنى على يده اليسرى على صدره رواه إبن خزيمة في صحيحه ، وأما حديث عليّ t أنه قال
من السنة في الصلاة وضع الأكف على الأكف تحت السرة ضعيف متفق على تضعيفه . رواه
الدار قطني والبيهقي من رواية أبي شيبة عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي وهو ضعيف
بالإتفاق .
قال
العلماء والحكمة في وضع إحداهما على الأخرى أنه أقرب إلى الخشوع ومنعهما من العبث
] ([15])
.
8
– وقال الإمام الشوكاني رحمه الله :
[
والحديث إستدل به من قال إن الوضع يكون تحت السرة وهو أبو حنيفة وسفيان الثوري
وإسحاق بن راهويه وأبو إسحاق المروزي من أصحاب الشافعي ، وذهبت الشافعية قال
النووي وبه قال الجمهور إلى أن الوضع يكون تحت صدره فوق سرته ، وعن أحمد روايتان
كالمذهبين . ورواية ثالثة أنه يخير بينهما ولا ترجيح ، وبالتخيير قال الأوزاعي
وابن المنذر .
قال
إبن المنذر في بعض تصانيفه لم يثبت عن النبيّ r شيء فهو
مخير ، وعن مالك روايتان إحداهما يضعهما تحت صدره والثانية يرسلهما ولا يضع
إحداهما على الأخرى .
(( واحتجت الشافعية )) لما ذهبت إليه بما أخرجه إبن خزيمة
في صحيحه وصححه من حديث وائل بن حجر (( قال صليت مع رسول الله r فوضع
يده اليمنى على يده اليسرى على صدره )) وهذا الحديث لا يدل على ما ذهبوا إليه لأنهم قالوا إن الوضع يكون
تحت الصدر كما تقدم والحديث صريح بأن الوضع على الصدر وكذلك حديث طاووس المتقدم
ولا شيء في الباب أصح من حديث وائل المذكور وهو المناسب لما أسلفنا من تفسير عليّ
وابن عباس لقوله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر ) بأن النحر وضع اليمين على الشمال
في محل النحر والصدر ] ([16])
.
(( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر ))
ونود
أن نقف هنا وقفة قصيرة حول ما نُسب إلى عليّ وابن عباس رضي الله عنهم في تفسير
الآية الكريمة ((فَصَلِّ
لِرَبِّكَ وَانْحَر )) :
أ
– إن هذا الأثر الوارد عنهما في تفسيرها بأنه (( وضع اليمين على الشمال في محل النحر
والصدر )) غير صحيح ([17])
.
وهل
يُتصور أن تتنزل آية كريمة من آيات القرآن الكريم في العهد المكي – وهو عهد بناء
العقيدة والإيمان – وفي مواجهة صناديد الكفر والعناد – صناديد قريش – لتتحدث لهم
عن موضع وضع اليدين في الصلاة ، علماً بأن الوضع المذكور هو هيئة من هيئات الصلاة
وليس ركناً من أركانها ؟
والهيئة
– كما قال العلماء – لا يعود إليها بعد تركها ولا يسجد للسهو عنها سواء تركها
عمداً أو سهواً ([18])
.
ب
– إن تفسير الآية الكريمة – كما ذكره المفسرون – هو :
[
إجعل صلاتك كلها لربك خالصاً ، دون ما سواه من الأنداد والآلهة ، وكذلك نحرك إجعله
له دون الأوثان ، شكراً له على ما أعطاك من الكرامة والخير الذي لا كفاء له وخصك
به ([19])
.
والنحر
هو ذبح الناقة والبقرة وغيرها .
قال
صاحب الظلال :
[
بعد توكيد هذا العطاء الكثير الفائض الكثرة ، على غير ما أرجف المرجفون وقال
الكائدون ، وجه الرسول r إلى شكر
النعمة بحقها الأول . حق الإخلاص والتجرد لله في العبادة وفي الإتجاه . . في
الصلاة وفي ذبح النسك خالصاً لله : ((فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر )) . . غير ملق بالاً إلى شرك المشركين
، وغير مشارك لهم في عبادتهم أو في ذكر غير إسم الله على ذبائحهم .
وفي
تكرار الإشارة إلى ذكر إسم الله وحده على الذبائح ، وتحريم ما أهل به لغير الله ،
وما لم يذكر إسم الله عليه . . ما يشي بعناية هذا الدين بتخليص الحياة كلها من
عقابيل الشرك وآثاره . لا تخليص التصور والضمير وحدها .
ومن
ثم فهو دين الوحدة بكل معنى من معانيها ، وكل ظل من ظلالها ؛ كما أنه دين التوحيد
الخالص المجرد الواضح . ومن ثم فهو يتتبع الشرك في كل مظاهره ، وفي كل مكامنه ؛
ويطارده مطاردة عنيفة دقيقة سواء إستكن في الضمير ، أم ظهر في العبادة ، أم تسرب
إلى تقاليد الحياة فالحياة وحدة ما ظهر منها وما بطن ، والإسلام يأخذها كُلاًّ لا
يتجزأ ، ويخلصها من شوائب الشرك جميعاً ، ويتجه بها إلى الله خالصة واضحة ناصعة ،
كما نرى في مسألة الذبائح وفي غيرها من شعائر العبادة أو تقاليد الحياة . . ] ([20])
.
ج
– ورد عن عليّ t - كما
ذكرنا – ما يعارض الأثر الذي ذكره عنه الإمام الشوكاني ، حيث يذهب فيه عليّ t إلى ما
ذهب إليه الجمهور .
قال
إبن عبد البر :
[
وقال عليّ t في قوله
تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر ) : إنه وضع اليمين على الشمال في
الصلاة تحت صدره ] .
نقل
ذلك عنه الإمام إبن القيم ، رحمه الله ، مع بعض الآثار الأخرى ، وقال :
[
ذكر هذه الآثار أبو عمر ( يعني إبن عبد البر ) بأسانيدها ، وقال : هي آثار ثابتة ]
([21])
.
ذكرنا
هذا الأثر للمعارضة !
9
– وقال الإمام البدر العيني ، رحمه الله :
[
الوجه الثالث في مكان الوضع : فعندنا تحت السرة وعند الشافعي على الصدر ذكره
الحاوي وفي الوسيط تحت صدره ، واحتج الشافعي بحديث وائل بن حجر أخرجه إبن خزيمة في
صحيحه قال : صليت مع رسول الله r فوضع
يده اليمنى على يده اليسرى على صدره ، ولم يذكر النووي غيره في الخلاصة وكذلك
الشيخ تقي الدين في الإمام ، واحتج صاحب الهداية لأصحابنا في ذلك بقوله r إن من
السنة وضع اليمنى على الشمال تحت السرة ( قلت ) . . . ([22])
.
(
الوجه الخامس ) في الحكمة في الوضع على الصدر أو السرة فقيل الوضع على الصدر أبلغ
في الخشوع وفيه حفظ نور الإيمان في الصلاة فكان أولى من إشارته إلى العورة بالوضع
تحت السرة وهذا قول مَن ذهب إلى أن السنة الوضع على الصدر
ونحن
نقول الوضع تحت السرة أقرب إلى التعظيم وأبعد من التشبه بأهل الكتاب وأقرب إلى ستر
العورة وحفظ الإزار عن السقوط وذلك كما يفعل بين يدي الملوك وفي الوضع على الصدر
تشبه بالنساء فلا يسن ] ([23])
.
10
– وقال القاضي أبو الوليد الباجي ، رحمه الله :
[
( مسئلة ) وفي أي موضع توضع اليدان ؟ قال إبن حبيب ليس لذلك موضع معروف ، وقال
القاضي أبو محمد المذهب وضعهما تحت الصدر وفوق السرة وبه قال الشافعي ، وقال أبو
حنيفة السنة وضعهما تحت السرة والدليل على ما ذهب إليه مالك إن ما تحت السرة محكوم
بأنه من العورة فلم يكن محلاً لوضع اليمنى على اليسرى كالعجز ] ([24])
.
11
– وقال الحافظ إبن حجر العسقلاني ، رحمه الله :
[
ولم يذكر ( يعني البخاري ) أيضا محلهما من الجسد . وقد روى إبن خزيمة من حديث وائل
أنه وضعهما على صدره ، والبزار عند صدره ، وعند أحمد في حديث هلب الطائي نحوه وفي
زيادات المسند من حديث عليّ أنه وضعهما تحت السرة وإسناده ضعيف . . .
قال
العلماء : الحكمة في هذه الهيئة أنه صفة السائل الذليل وهو أمنع من العبث وأقرب
إلى الخشوع ، وكأن البخاري لحظ ذلك فعقبه بباب الخشوع .
ومن
اللطائف قول بعضهم : القلب موضع النية ، والعادة أن من إحترز على حفظ شيء جعل يديه
عليه ] ([25])
.
أصل
الصدر
ولقد
علمنا أن جمهور العلماء والأئمة – والشافعية من ضمنهم – قد قالوا بأن السنة أن يضع
يديه فوق سرته تحت صدره .
وهذا
الوضع يكون بوضعهما فوق السرة بقليل ، وليس عليها ولا يرفع يديه فيضعهما على ثدييه
أو عند نحره ، فأصل الصدر هو العظام التي تبرز وتصدر للإمام إذا حنى الإنسان نفسه
إلى الوراء .
فالوضع
ليس على الثدي بل إلى أسفل بين السرة والثدي ، هذا هو الصدر بدليل قوله تعالى (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي
فِي الصُّدُور ) ([26])
.
الخلاصة
ومن
كل ما ذكرنا – حول هذا الموضوع – وضع اليدين على الصدر – نلاحظ الأمور التالية :
1
– لم يسلم حديث من أحاديث الباب من جرح وطعن وضعف .
وهذا
دليل آخر على جلالة صحيحي البخاري ومسلم ، حيث لم يشينا كتابيهما بأي من هذه
الأحاديث الضعيفة والمجروحة .
ومن
العجيب جداً أن نرى الإمام البخاري وكذلك الإمام مسلم لم يخرجا ولو حديثاً واحداً
في هذا الموضوع في صحيحيهما ، وهما الحريصان على تدوين وإثبات سنن رسول الله r !
وهذا
يرجع – والله أعلم – إلى أحد سببين :
إما
أنه لم يصح عندهما شيء في هذا الباب ، ولهذا لم يرويا ولا حديثاً واحداً أو أنه
صحت أحاديث ولكن لم يثبتاها لعدم خطر الموضوع عندهما !
2
– جمهور سلفنا الصالح والأئمة الأعلام قد حصروا الموضوع بين قولين هما ( تحت الصدر
: فوق السرة ) ، و ( تحت السرة ) .
ولم
يعرفوا وضعهما على الصدر الذي يتحدث عنه المتأخرون كالشوكاني ومتبعيه أمثال الشيخ
الألباني .
وهؤلاء
المتأخرون قد إبتعدوا عن عصر النبوّة ، وعصر أولئك الأعلام أكثر من عشر قرون !
تجد
ذلك واضحاً وصريحاً فيما نقله الإمام الترمذي عن الصحابة والتابعين وتابع التابعين
– خير القرون – الذين يفتخر المسلم بانتسابه إليهم .
قال
الإمام الترمذي رحمه الله :
[
والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبيّ r
والتابعين ومَن بعدهم يرون أن يضع الرجل يمينه على شماله في الصلاة ورأى بعضهم أن
يضعهما فوق السرة ورأى بعضهم أن يضعهما تحت السرة وكل ذلك واسع عندهم ] ([27])
! ! فأين هو ( على الصدر ) ؟ .
3
– ونستنبط من ذلك أن حديث ( على الصدر ) وإن فرضنا صحته ، فهو حديث نظري إعتمد
عليه المتأخرون بمجرد قراءة الحديث ورؤيته من الكتب أو سماعه ممن قبلهم .
أما
أئمتنا وسلفنا الصالح الذين لم يذهبوا إلى ذلك فهُم مع أخذهم الحديث من شيوخهم
سماعاً فقد أخذوه أيضاً من خلال رؤيتهم لتطبيق الأئمة والسلف له عملياً ، كما مر
علينا – على سبيل المثال – قول عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل : ( رأيت أبي إذا
صلى وضع يديه إحداهما على الأخرى فوق السرة ) ، أو قول المروزي : ( كان إسحاق يوتر
بنا . . . ويرفع يديه في القنوت . . . ) . . . وهكذا ، فهم كانوا يسمعون الحديث
ويرون تطبيقه عملياً بخلاف المنقطع عنهم .
ولهذا
نرى إستغراب الشوكاني لإستدلال الإمام النووي لما يذهب إليه هو والشافعية والجمهور
في وضع اليدين تحت الصدر بحديث وائل بن حجر الذي ينص على وضعهما على الصدر ، فقال
:
[
وهذا الحديث لا يدل على ما ذهبوا إليه لأنهم قالوا إن الوضع يكون تحت الصدر كما
تقدم والحديث صريح بأن الوضع على الصدر ] ([28])
!
فلم
يراع الإمام الشوكاني إعتماد أولئك الأئمة الأعلام – في فهمهم للحديث – على
تطبيقات شيوخهم وأساتذتهم له ، وأخذهم العلم مع العمل كابراً عن كابر ([29])
.
وإلا
فكيف يجهل كل أولئك الأئمة ويغيب عنهم ما هو واضح وصريح في بابه عند الإمام
الشوكاني ومتبعيه ؟
4
– قد نستغرب ونتساءل فنقول : كيف ذهب جمهور وعامة أئمتنا وسلفنا الصالح إلى أمر لم
نجد لهم فيه حديثاً صحيحاً صريحاً في بابه يؤيد موقفهم ؟
وكيف
يغرب هذا الأمر عنهم ويفتوا بأقوال وأفعال ضعيفة ، وهم أئمة أعلام ، فقهاء الأمة
الإسلامية كأبي حنيفة النعمان الذي قيل أنه رأى عدداً من الصحابة ، وكسفيان الثوري
وإسحاق بن راهويه ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل والأوزاعي وابن المنذر والنووي و .
. . إلخ .
كيف
لم يعرف أولئك الأئمة هذا الأمر وعرفه مَن جاء بعدهم بعدة قرون ؟
وكيف
بنوا أقوالهم وأعمالهم على أحاديث ضعيفة ؟
ويزول
الإستغراب إذا عرفنا ما قاله الحافظ إبن تيمية ، رحمه الله ، دفاعاً عن أولئك
الأعلام .
قال
، رحمه الله :
[
فمن إعتقد أن كل حديث صحيح قد بلغ كل واحد من الأئمة ، أو إماما معيناً ؛ فهو
مخطيء خطأ فاحشاً قبيحاً .
ولا
يقولن قائل : إن الأحاديث قد دونت وجمعت ، فخفاؤها – والحال هذه – بعيد لأن هذه
الدواوين المشهورة في السنن إنما جمعت بعد إنقراض الأئمة المتبوعين رحمهم الله .
ومع
هذا فلا يجوز أن يدعي إنحصار حديث رسول الله r في
دواوين معينة ، ثم لو فرض إنحصار حديث رسول الله r فليس كل
ما في الكتب يعلمه العالم . ولا يكاد ذلك يحصل لأحد بل قد يكون عند الرجل الدواوين
الكثيرة ، وهو لا يحيط بما فيها
بل
الذين كانوا قبل هذه الدواوين كانوا أعلم بالسنة من المتأخرين بكثير لأن
مما بلغهم – وصح عندهم – قد لا يبلغنا إلا عن مجهول أو بإسناد
منقطع ، أو لا يبلغنا بالكلية .
فلقد
كانت دواوينهم صدورهم التي تحوي أضعاف ما في الدواوين وهذا أمر
لا يشك فيه من علم القضية ] ([30])
.
فلنكن
على ثقة بعلم وإيمان وتقوى سلفنا الصالح ، ولنثق ونتيقن في أنهم لا يذهبون مذهباً
إذا لم يكن معهم الدليل والبرهان وليس بالضرورة أن نعلم نحن – أبناء هذا العصر –
هذا الدليل .
وإلا
فظننا بخير القرون وموقفنا منهم لا ينسجم وادعاؤنا الإنتساب إليهم !
وكيف
نطالب الناس بالإقتداء بالسلف الصالح ونحن نتهم فهمهم ، ونطعن في علمهم ونقول : هم
رجال ونحن رجال ؟ !
وإذن
فما هي فضيلة القرن الذي كانوا فيه ؟ ولماذا كان قرنهم خير القرون إذا كنا نحن
أعلم منهم وأفهم وأتبع لسنة رسول الله r ، ولا
سيما في هذا الأمر ( موضع وضع اليدين في الصلاة ) الذي كادوا أن يجمعوا على أمرين
لا ( صدر ) فيه ؟ !
5
– إن أدخلنا هذا الموضوع في الأمور الإجتهادية التي إن أصاب فيها المجتهد فله
أجران ، وإن أخطأ فله أجر واحد ، ولا إثم عليه ولا ملامة ، فنقول :
إن
هذا الأمر – إذن – لا يستدعي كل هذه التشنجات ، والتفرق والشقاق ، واتخاذه شعارا
وعَلَماً على جماعة معينة تفارق باقي الجماعات . وسلفنا – في كل حال – هم المصيبون
.
وإن
أدخلناه في البدعة والإبتداع في الدين فنقول :
إما
أن سلفنا الصالح وأئمتنا الأعلام لم يعرفوا سنة رسول الله r ،
واعتمدوا كلهم على أحاديث ضعيفة وموضوعة ، ومن ثم إبتدعوا وضعاً معيناً ما أنزل
الله به من سلطان ، فهم مبتدعون
وبقيت
الأمة قروناً طوالاً لا تهتدي إلى سنة رسول الله r إلى أن
جاء من بعدهم بأكثر من عشر قرون من بصّرها بها وهداها إليها !
أو
أن هؤلاء المتأخرون الذين اتخذوا هذه الهيئة شعاراً لهم هم المبتدعون ، الذين
جاءوا بأمر ما كان يعرفه سلفنا الصالح وأئمتنا الأعلام ، وما أنزل الله به من
سلطان .
الحكمة
من وضع اليدين
ولنرجع
إلى أقوال الأئمة كالحافظ إبن حجر والإمام النووي والإمام العيني وغيرهم التي
نقلناها عنهم ، لنر كيف أنهم ذكروا الحكمة من وضع اليدين في الصلاة ، فهي :
الخشوع
، والتذلل ، والتعظيم ، وحفظ نور الإيمان ، والنية الصالحة ، والمنع من العبث .
فليكن
في بال المسلم حين صلاته : أنه واقف بين يدي ربّ السماوات والأرض ، يسأله الرحمة
والغفران ، ويعلن إستسلامه وخضوعه ، ويُظهر عبوديته لربّ العرش العظيم ، فكيف يقف
؟ وكيف يكون خشوعه وخضوعه وتذللـه
واستسلامه ؟
فالغاية
من وضع اليدين هو هذا الخشوع والتعظيم ، فلا ننساه ونضيّع الحكمة الجليلة منه ! !
([18]) متن أبي شجاع ص ( 67 ) . وقال الإمام الشافعي في ( الأم 1 / 117 ) :
[ وهكذا نقول في كل هيئة في الصلاة نأمر بها وننهى عن خلافها ولا نوجب سجود سهو
ولا إعادة بما نهينا عنه منها وذلك مثل الجلوس والخشوع والإقبال على الصلاة
والوقار فيها ولا نأمر من ترك من هذا شيئاً بإعادة ولا سجود سهو ] . وقال الإمام
عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي في ( عمدة الفقه 1 / 19 ) وهو حنبلي المذهب : [
باب أركان الصلاة وواجباتها . أركانها إثنا عشر ( ثم ذكرها ولم يذكر وضع اليمين
على الشمال ) ( ثم قال ) فهذه الأركان لا تتم الصلاة إلا بها . وواجباتها سبعة (
ثم ذكرها ولم يذكر وضع اليمين على الشمال ) ( ثم قال ) فهذه إن تركها عمدا بطلت
صلاته وإن تركها سهواً سجد لها وما عدا هذا فسنن لا تبطل الصلاة بعمدها ولا يجب
السجود لسهوها ] .
([29]) ومن هنا رأينا الإمام مالك رحمه الله قد شرط في العمل بخبر الواحد
على ألا يعارض عمل أهل المدينة فإن عارضه يقدم عمل أهل المدينة وذلك
لأن عملهم بمثابة روايتهم عن رسول الله r ورواية جماعة عن جماعة أولى بالتقديم من رواية
فرد عن فرد ! أنظر ( أسباب إختلاف الفقهاء ) د . مصطفى الزلمي ص ( 311 ) . وهذا بغض النظر عن صحة شرطه ذاك !
([49])موسوعة العلامة الإمام مجدد العصر محمد ناصر الدين
الألباني «موسوعة تحتوي على أكثر من (50) عملاً ودراسة حول العلامة الألباني وتراثه
الخالد» ، المؤلف: أبو عبد
الرحمن محمد ناصر الدين، بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني (المتوفى:
1420هـ) ، صَنَعَهُ: شادي بن
محمد بن سالم آل نعمان ، الناشر: مركز النعمان للبحوث والدراسات الإسلامية
وتحقيق التراث والترجمة، صنعاء – اليمن ، الطبعة: الأولى، 1431 هـ - 2010 م ، ( 9 / 435 ) .
([53]) والغريب في المسألة أن الشيخ الألباني ينفي هنا أن يكون سكوت أبي
داود عن الحديث في (( سننه )) معناه أنه حسن أو صالح عنده ، بينما هو يثبت في مكان آخر ما نفاه هنا
! فيقرر أن ما سكت عنه أبو داود في (( سننه )) هو حسن ! بل هو صحيح ! ! فقال في معرض رده على بعض الأئمة والعلماء
دفاعاً عن أحاديث المهدي المنتظر ( حياة الألباني 1 / 316 ) ما نصه :
[ قلت : فهؤلاء خمسة
من كبار أئمة الحديث قد صححوا أحاديث خروج المهدي ، ومعهم
أضعافهم من المتقدمين والمتأخرين أذكر أسماء مَن تيسّر لي منهم :
1 – أبو داود
في (( السنن )) بسكوته على أحاديث المهدي ]
! ! .
([67]) سبق أن نقلنا في صحيفة ( 77 ) ما قاله الشيخ الألباني عن إبن حبان
وكتابه الصحيح ! ولا بأس أن نعيد ذكره حيث قال : ( لا سيما وهو – يقصد إبن خزيمة –
معروف عند أهل المعرفة بهذا الفن أنه متساهل في التصحيح ، على نحو تساهل تلميذه
إبن حبان ، الذي عرف عنه الإكثار من توثيق المجهولين ثم التخريج لأحاديثهم في
كتابه (( الصحيح )) ! ولعله تأسى بشيخه
في ذلك ، غير أنه أخطأ في ذلك أكثر منه ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق