وقفات مع كتاب صفة صلاة الالباني ...
"الشيخ الألباني يدعي العصمة له ولكتابه !.. في مقدمة كتابه ( صفة صلاة النبي). وهو كتاب مقدس المعصوم من الخطأ عند أدعياء السلفية !
وقد إختلط عندهم النص المعصوم عن رسول الله ﷺ ، وإجتهادات الشيخ الألباني ، فحسبوهما واحداً ، ولم يفرّقوا بينهما !
فحينما يسمعون الشيخ الألباني يقول عن حديث ما : ( هو حديث صحيح إن شاء الله ) . أو ( رواه فلان بسند صالح ) . أو ( إسناده حسن ) . فكأنما هذا هو بمرتبة الوحي المتواتر القطعي النازل من السماء ، ولا يحتمل أي خطأ ، وأدنى إحتمال !
فلهذا مَن خالف الشيخ فيه فقد خالف رسول الله ﷺ !
فعندهم أن الشيخ متى قال : ( هذه هي السنة ) فهي – فعلاً – قد نطق بها ، أو فعلها رسول الله ﷺ من غير أدنى شك أو ريب !
فمن ردّها فقد ردّ على رسول الله ﷺ ، وردّ سنته ، وحارب أهل التوحيد والسنة والجماعة !
ولم يحسبوا أي حساب لعلمائنا وسلفنا الصالح ممن خالفهم الشيخ الألباني من الفقهاء والمحدثين ، من القدماء والمعاصرين !
سلفنا الصالح وتعصبهم لآرائهم
إن علماءنا وأئمتنا وسلفنا الصالح على قربهم من عصر النبوّة ، ووجودهم في القرون الفاضلة التي هي خير القرون على الإطلاق بنص حديث رسول الله ﷺ حيث قال :
(( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )) ([1]) .
وعلى الرغم من أخذهم العلم والحديث عن شيوخ فقهاء محدثين أجلاء بالسند المتصل ، الذي يصل إلى رسول الله ﷺ بأربعة أو خمسة رجال أقل أو أكثر بقليل .
إن أئمتنا هؤلاء الأفاضل نراهم قد اتخذوا لهم قاعدة أصبحت شعاراً لهم ، ينقلها عنهم الموافق والمخالف وهي :
( قولي صواب يحتمل الخطأ ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب ) .
لكن هؤلاء المسلمين وعلى رأسهم الشيخ الألباني الذي يفصل بينه وبين النبيّ ﷺ أربعة عشر قرنا .
والذي ليس له سند واحد متصل إلى رسول الله ﷺ ، حيث لم يتتلمذ ، ولم يجلس على ركبتيه بين يدي محدث أو فقيه يأخذ منه العلم ، ليصبح حلقة في سلسلة العلماء والأئمة الذين أخذوا هذا الدين يداً عن يد تلقينا وتعليما ومدارسة ومذاكرة !
نراه – غفر الله لنا وله – يكاد أن يقولها صراحة :
( قولي صواب لا يحتمل الخطأ ، وقول غيري خطأ لا يحتمل الصواب ) !
وترى مصداق ذلك في تعابير يستخدمها الشيخ كثيراً في كتبه ، كأن يقول : ( هذا هو الذي ثبت في السنة ، وخلافه إما ضعيف أو لا أصل له ) . أو يقول ( وأما الذي استحسنه بعض التأخرين فبدعة ) . أو ( فهذا مما لا أعلم له أصلاً في شيء من الروايات والمصادر التي وقفت عليها ) . أو . . . إلخ
وأوضح من كل ذلك هو قوله :
( فالجواب عنه من وجوه : الأول : إن في
ثبوت
هذه القصة عن أحمد ،
نظر
لأن
شيخ الخلال الحسن بن أحمد الوراق
لم أجد ترجمة فيما
عندي الآن
من كتب الرجال
، وكذلك شيخه علي بن موسى الحداد
لم أعرفه
. . .
فنحن في
شك
من ثبوت ذلك
عن الشعبي بهذا اللفظ خاصة . . . ! ! ! ([2]) .
نحن لا نريد من أقوالنا هذا أن نطعن الشيخ الألباني ونجرحه ، ولكننا نقرر واقعاً مُرّاً ملموساً ونثبته .
دعوة العصمة !
نطق الشيخ الألباني أقوالاً ، لو قلّبتها على أي وجه من وجوهها لما رأيت فيها غير دعوة العصمة له ولكتابه !
فهو يقول في ( تلخيص صفة الصلاة ) ( الغلاف الخلفي ) :
( كيف كان رسول الله ﷺ يصلي من التكبير إلى التسليم
كأنك تراها
بعبارة وجيزة ،
لا تعقيد فيها ولا غموض ،
بعيدة عن الأقيسة والآراء
) .
( إستقصيت فيها
كل ما ثبت عن النبيّ
ﷺ
مما له صلة بموضوعها بحيث
جمعت ما في بطون الامهات الفقهية وغيرها ، بل وأربت عليها
) .
( إنتخبت مادتها من عشرات الكتب الحديثية المعتمدة ، من مطبوعة ومخطوطة ) .
(
كل مسألة فيها ، تجد مستندها من قوله
ﷺ
أو فعله
في أصلها (( صفة الصلاة )) فهي
بهذه المزايا فائقة كل ما هو معروف اليوم من الرسائل المؤلفة في بابها
) .
ويقول في كتابه ( صفة صلاة النبيّ ﷺ ) :
( ولذلك فإن الكتاب سيكون إن شاء الله تعالى
جامعاً لشتات ما تفرق في بطون كتب الحديث والفقه على إختلاف المذاهب
مما له علاقة بموضوعه .
بينما
لا يجمع ما فيه من الحق أي كتاب أو مذهب
، وسيكون
العامل به إن شاء الله ممن قد هداه الله
((
لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه
، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم )) ) ([3]) .
فهذه دعوة صريحة ، ودعاية سافرة ، وادّعاء صارخ لعصمة كتابه عن الخطأ ، وتفرده في جمع الحق فيه !
بل أصرح من هذه الدعوة ، وأوضح منها وأثخن هو ما قاله في خاتمة تقديمه لكتابه المذكور ، حيث قال بنصه :
( ولذلك فإني أستطيع أن أقول :
كتابنا هذا لما جمع السنن الثابتة عنه
ﷺ
في صفة صلاته ،
لا عذر لأحد في ترك العمل بها
،
لأنه ليس فيه ما اتفق العلماء على تركه
، حاشاهم من ذلك ، بل ما من مسألة وردت فيه إلا وقد قال بها طائفة منهم ، و
من لم يقل بها فهو معذور ومأجور
أجراً واحدا
ً
، لأنه لم يرد إليه النص بها إطلاقاً ، أو ورد لكن بطريق لا تقوم عنده به الحجة ، أو لغير ذلك من الأعذار المعروفة لدى العلماء .
وأما
مَن ثبت النص عنده من بعده فلا عذر له في تقليده
، بل الواجب إتباع
النص المعصوم
، وذلك هو المقصود من هذه المقدمة ، والله عز وجل يقول : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ، واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ، وأنه إليه تحشرون ) ) ([4]) .
مثل هذه الإدعاءات ، وقصر الباع في الفقه والحديث ، وعدم معرفة أقدار وعلم أئمتنا جعل أتباع الشيخ يسلمون له زمامهم فيبادرون إلى إمتثال أمره واتباع إجتهاداته وكأنها صدرت عن رسول الله ﷺ بنفسه !
أين المنطلق ؟
إن إنطلاقة هذه الجماعة في بداية نشأتها كانت إنطلاقة صحيحة وصائبة ، حيث رفعوا أصواتهم ونادوا بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ .
ونادوا بعدم تقديس الرجال ، والتعصب لآرائهم ، وعدم إحاطتهم بهالة من التقديس والعصمة ، بحيث لا يُتصور صدور الأخطاء منهم !
فالإمام أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله ، هؤلاء ليسوا أنبياء ولا معصومين ، فلا يجب علينا أن نقلدهم في كل آرائهم ، حيث ( ليس أحد بعد النبيّ ﷺ إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبيّ ﷺ ) .
وكانوا ينقلون أقوالاً عن الأئمة المذكورين ، ويذيعونها وينشرونها تخدم هذا الإتجاه .
فعلى سبيل المثال :
كتب الشيخ الألباني في كتابه ( صفة الصلاة ) عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله أنه قال :
( (( حرام على مَن لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي )) زاد في رواية : (( فإننا بشر نقول القول اليوم ، ونرجع عنه غدا )) . وفي أخرى : (( ويحك يا يعقوب ( هو أبو يوسف ) لا تكتب كل ما تسمع مني ، فإني قد أرى الرأي اليوم وأتركه غدا ، وأرى الرأي غدا وأتركه بعد غد )) . . (( إذا قلت قولاً يخالف كتاب الله تعالى وخبر الرسول ﷺ فاتركوا قولي )) ) ([5]) .
وكتب عن الإمام مالك رحمه الله أنه قال :
( (( إنما أنا بشر أخطيء وأصيب ، فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه ، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه )) ) ([6]) .
وكتب عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال :
( (( أنتم أعلم بالحديث والرجال مني فإذا كان الحديث لصحيح فأعلموني به ، أي شيء يكون : كوفيا أو بصرياً أو شامياً ، حتى أذهب إليه إذا كان صحيحاً )) .
(( كل مسألة صح فيها ألخبر عن رسول الله ﷺ عند أهل النقل بخلاف ما قلت ، فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي )) .
(( إذا رأيتموني أقول قولاً ، وقد صحّ عن النبيّ ﷺ خلافه فاعلموا أن عقلي قد ذهب )) .
(( كل ما قلت ؛ فكان عن النبيّ ﷺ خلاف قولي مما يصح ، فحديث النبيّ أولى : فلا تقلدوني )) ) ([7]) .
وكتب عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال :
( (( لا تقلدني ولا تقلد مالكاً ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري ، وخذ من حيث أخذوا )) . وفي رواية : (( لا تقلد دينك أحداً من هؤلاء ، ما جاء عن النبيّ ﷺ وأصحابه فخُذ به ، ثم التابعين بعد ، الرجل فيه مخير ، رأي الأوزاعي ورأي مالك ورأي أبي حنيفة كله رأي ، وهو عندي سواء ، وإنما الحجة في الآثار )) .
(( مَن ردّ حديث رسول الله ﷺ فهو على شفا هلكة )) ) ([8])
تعقيب
قبل أن نسترسل في الكلام لنا بعض الملاحظات على قول ووصايا هؤلاء الأئمة التي نقلها عنهم الشيخ الألباني ، فنقول :
1 – إن خطاب هؤلاء الأئمة موجه إلى تلاميذهم ، الذين هم كانوا على وشك إن يتخرجوا فيصبحوا مجتهدين مستقلين ، أو تخرجوا فعلاً ، وما كان يمنعهم التصدر في الفتوى إلا وجود شيوخهم وأساتذتهم .
وليس موجهاً إلى العوام ، أو الذين لا يملكون أدوات الإجتهاد ، ولا يتصفون بصفات المجتهد .
فإذا تأملنا في أقوالهم فسوف نرى مصداق ما قلناه واضحاً .
فأبو حنيفة قال :(( حرام على مَن لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي )) .
فهو يحرم الفتوى على المفتي من غير معرفة الدليل .
ثم هو يخاطب أمثال أبا يوسف الذي أطبقت شهرته الآفاق
أما الإمام الشافعي رحمه الله فقد قال :
(( أنتم أعلم بالحديث والرجال مني )) .
فهو يخاطب أمثال الإمام أحمد بن حنبل والذي كان تلميذاً للإمام الشافعي ، ولا يخاطب بأقواله تلك العوام وأشباههم .
أما الإمام أحمد رحمه الله فقد قال :
(( لا تقلدني . . . وخذ من حيث أخذوا )) .
هل العوام وأشباههم – من غير الأئمة المجتهدين – يستطيعون أن يأخذوا من حيث أخذ الإمام مالك والشافعي والأوزاعي والثوري ؟
2 – لو نقارن بين أقوال أولئك الأئمة الأعلام الذين هم نجوم في سماء الإسلام ، يهتدي بهم المؤمنون في ظلمات الحياة أكثر من عشرة قرون ، والذين أطبقت شهرتهم الآفاق ، وأتباعهم لا يحُصون .
لو نقارن بين أقوالهم التي تتقطر منها التواضع وهضم النفس ، وإثبات البشرية الخطاّءة ، والتي تستشعر الإثم في الإتباع المطلق لأصحابها .
نقارن بينها وبين أقوال الشيخ الألباني التي نقلناها عنه من كتابه (( صفة الصلاة )) ، والتي تستشعر الإثم في عدم إتباعها المطلق ، فستجد البون بينهما واسعاً شاسعاً .
أين المنطلق ؟
قلنا إن هذه الجماعة قد إنطلقت في بداية نشأتها إنطلاقة صحيحة فكانت – على ما يبدو – تحارب التعصب البغيض ، وتقديس الرجال وإنزالهم منزلة فوق الأخطاء والإنتقاد .
وتنشر أقوال أولئك الأئمة المتبوعين المشهورين في ذلك وكانوا هم حملة هذه الراية وأبطالها ، فكان المفروض فيهم أن يكونوا قدوة للناس في ذلك ، وفي طليعة من لا يعرفون الحق بالرجال ، وأن يكونوا من الأوائل في إمتثال وتطبيق ما دعوا إليه !
ولكننا – مع الأسف – رأينا غير ذلك ، بل رأينا عكس ذلك تماماً ، مما جعلنا نسيء الظن بهم ن ونتهم نياتهم بناءً على مواقفهم المتناقضة جداً مع أقوالهم وادّعاء اتهم !
وقد إتهمهم البعض بأنهم ما كانت غايتهم في تلك الدعوة إلا رفع الثقة عن الأئمة المتبوعين المشهورين وغيرهم ، وإزاحتهم عن المنزلة العالية الرفيعة السامقة التي تبوؤها في قلوب الناس ، وإعطاء ومنح هذه الثقة والمكانة لأناس لا يصلحون أن يكونوا كتبة لتلاميذ أولئك الأئمة !
فعلى سبيل المثال :
ما معنى هذا التعصب الشديد للشيخ الألباني وآرائه واجتهاداته ؟
وما معنى هذا التكلف المجهد والمضني في تأويل أخطائه ، وإيراد المبررات لها ؟
حتى أنهم في سبيل بقاء الشيخ في دائرة العصمة عن الخطأ ليحاولون جاهدين تغيير بعض معاني الألفاظ العربية ، كتغييرهم ( الإشارة ) بـ ( الحركة ) مثلا ً ! !
ثم ما معنى موقفهم الغريب والعجيب من العالِم الذي ينتقد الشيخ الألباني أو غيره في بعض أخطائه ؟
وكأنه قد قام بانتقاد رسول الله ﷺ ، فهو بالتالي – عندهم – عدّو للتوحيد وأهل السنة والجماعة ! ! !
أين هو حب الحق ومناشدته ؟ أين هو التعصب للشريعة لا للرجال ؟ أين المنطلق ؟
فمثل هذه المواقف لا تنسجم أبداً مع دعواهم التي إنطلقوا بها ، وبالتالي فهُم لا يُعتبرون إلا جماعة جديدة من المقلدين ، إنضموا إلى صفوف المقلدة المتعصبين ، بل فاقوهم وسبقوهم فأصبحوا في مقدمتهم ، مع الفرق الشاسع بينهم وبين غيرهم من ناحية الإمام الذي قلدوه دينهم .
فأئمة أولئك أجمعت الأمة الإسلامية على تبحرهم في العلم ، وإمامتهم على مدار القرون !
على العكس من إمام هؤلاء فهو لا يرتقي إلى مستوى أحد تلاميذهم من الطبقة العاشرة !
بالإضافة إلى وجود آلاف مؤلفة من العلماء المجتهدين ، المتبحرين في العلم في صفوف أولئك كأمثال الأئمة : أبو يوسف ومحمد بن الحسن وزُفر بن الهذيل وبدر العيني والنووي والبيهقي وابن كثير وابن حجر العسقلاني وابن تيمية وابن القيم والذهبي . . . وغيرهم كثير كثير !
تعقيب
وقد قال الأستاذ مازن بدران تعقيباً على مدح الشيخ الألباني لكتابه ( صفة صلاة النبيّ ﷺ ) ، وادّعائه صحة نصوصه :
( ها هنا ثلاث قضايا ننازعه فيها :
أولاً : صحة النصوص التي جمعها ، وضعف ما خالفها ، فلا نسلم له أبداً ، وأي حامل لنا على ذلك ؟ فهو لا يَفضُل العديد ممن ينازعه أحكامه من معاصريه علماً ودراية ، فكيف بمن خالفه من أئمة السلف ! ولا يغترن أحد بكثرة أصحاب الدعاوى من العوام المؤازرين لهذا النهج ، إذ هم قوم يميلون مع كل ريح وفي الداخل شواهد ما نقول .
ثانياً : الأحكام المستنبطة من النصوص الصحيحة ، لو وافقناه جدلاً ، وهذه من أعظم أسباب الخلاف الفقهي الدائر من زمن السلف . ولا ريب أن شطراً واسعاً من النصوص ، سواء القطعية أو الظنية الثبوت ، هي ظنية الدلالة . فالشيخ وغيره سواء في إحتمال الإصابة والخطأ ؛ ولا زال المنصفون من أصحاب الحديث يشهدون لأرباب الفقه بالإمامة والفضل والتقدم في أمثال هذه المباحث . وأما من يحسب أن ظن الشيخ يقين ، فليس كلامنا هنا معه !
ثالثاً : كون كتابه قد جمع كل النصوص الثابتة في بابه ؛ فهذا بعيد ، ولا يلزم من مراجعته الكثير من كتب الحديث ، كما يقول ، صحة دعواه ؛ بل ما يصحب ذلك من الإغترار الدافع للتقصير ، مع إمكان الغفلة والسهو – وهو غير معصوم – سيتكفل بتصويب ما نقول . . . وكم مرة إستدرك هو على الأئمة وقال : كم ترك الأول للآخر ! ) ([9]) .
ثم قال الأستاذ مازن تحت عنوان (( دعوة إلى التقليد )) :
( ثم إن ما تقدم من كلامه لا يرغّب القاريء في البحث والتدقيق ، بل يسلمه إلى الخمول والتقليد ، والمفروض أنه يسعى إلى خلاف ذلك ! بل إن مجمل خطته في الكتاب لا تنفع في إخراج مجتهدين ، أو حتى متبعين – كما في إصطلاحه - : إذ هو قد بتر الأسانيد ، وخلط المتون ، وما تكلم في تفاصيل التصحيح والتضعيف ؛ وإنما يأتيك بجمل مؤلفة من تداخل أحاديث عدة ، ويقول : خرّجه فلان وفلان ، وما خالفه ضعيف . وإن إرتقى فيقول : وتفصيله في كتاب كذا . أو كما بيّنت في موضع كذا ؛ فهو يفترض أن القاريء يجب أن يبتاع مع كتابه هذا : إرواء الغليل ، تمام المنة ، الصحيحة ، الضعيفة ، صحيح أبي داود ، ضعيف . . . باختصار : سلسلة كتبه المعهودة . هذا بالإضافة إلى إطلاعه على جميع المراجع التي يعزو إليها ؛ وإلا فكيف للقاريء أن يتحقق من وجود الحديث في مكان عزوه أولاً ، وصحة أو ضعف إسناده ثانيا ؟ ناًهيك عن كتب الجرح والتعديل اللازمة لذلك !
ومبرر صنيعه هذا ، كما يقول ، إرادة التسهيل والإختصار ، وغفل أن ذلك لا يجامع دعواه في الحث على الإجتهاد المطلق !
وأذكر يوماً أنّي شاهدت زميلاً ، ممن ينقد التقليد بشدة ، ينهض في صلاته معتمداً على قبضتي يديه ، فسألته إن كان في المسألة نص ، فقال : نعم . فقلت : لا أعلم فيها شيئاً يثبت ! فقال : فيها حديث صحيح . واستمهلني لحظات عاد بعدها وبيده كتاب (( الصفة )) ، كما يقولون ، وقال لي بابتهاج : أنظر إسناده صالح ! مشيراً إلى قول المؤلف ( ص 155 ) : (( رواه أبو إسحاق الحربي بسند صالح )) . وأنا أعلم تماماً أنه لا يعرف مَن هو أبو إسحاق الحربي ولا كتابه الذي أخرج فيه هذا الحديث ، فضلاً على أن يحكم على إسناده !
ونظام التفكير هذا لا يخص زميلي المذكور فقط ، بل أصحابه كثر ؛ كلهم يهزؤون بالتقليد والمقلّدة ، ويقولون لا نأخذ إلا من الكتاب والسنة . وهم حقيقة يأخذون من حيث علمت !
ولا شك أنه التقليد ، ولكن في ثوب جديد ! ) ([10]) .
الشيخ الألباني يدعي العصمة له ولكتابه !.. في مقدمة كتابه ( صفة صلاة النبي). وهو كتاب مقدس المعصوم من الخطأ عند أدعياء السلفية !
الذي دفعنا للكتابة في هذا الموضوع هو رؤية جماعة من المسلمين – من الذين تمذهبوا في صلاتهم على كتاب (( صفة صلاة النبيّ – قد أخذوا بعض الحركات وبعض مظاهر الصلاة وهيئاتها مأخذ العقيدة ، فكأن هذه الحركات قد أنزل بها الوحي من السماء ، أو تواترت بها الأخبار عن رسول الله .
وقد إختلط عندهم النص المعصوم عن رسول الله ﷺ ، وإجتهادات الشيخ الألباني ، فحسبوهما واحداً ، ولم يفرّقوا بينهما !
فحينما يسمعون الشيخ الألباني يقول عن حديث ما : ( هو حديث صحيح إن شاء الله ) . أو ( رواه فلان بسند صالح ) . أو ( إسناده حسن ) . فكأنما هذا هو بمرتبة الوحي المتواتر القطعي النازل من السماء ، ولا يحتمل أي خطأ ، وأدنى إحتمال !
فلهذا مَن خالف الشيخ فيه فقد خالف رسول الله ﷺ !
فعندهم أن الشيخ متى قال : ( هذه هي السنة ) فهي – فعلاً – قد نطق بها ، أو فعلها رسول الله ﷺ من غير أدنى شك أو ريب !
فمن ردّها فقد ردّ على رسول الله ﷺ ، وردّ سنته ، وحارب أهل التوحيد والسنة والجماعة !
ولم يحسبوا أي حساب لعلمائنا وسلفنا الصالح ممن خالفهم الشيخ الألباني من الفقهاء والمحدثين ، من القدماء والمعاصرين !
سلفنا الصالح وتعصبهم لآرائهم
إن علماءنا وأئمتنا وسلفنا الصالح على قربهم من عصر النبوّة ، ووجودهم في القرون الفاضلة التي هي خير القرون على الإطلاق بنص حديث رسول الله ﷺ حيث قال :
(( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )) ([1]) .
وعلى الرغم من أخذهم العلم والحديث عن شيوخ فقهاء محدثين أجلاء بالسند المتصل ، الذي يصل إلى رسول الله ﷺ بأربعة أو خمسة رجال أقل أو أكثر بقليل .
إن أئمتنا هؤلاء الأفاضل نراهم قد اتخذوا لهم قاعدة أصبحت شعاراً لهم ، ينقلها عنهم الموافق والمخالف وهي :
( قولي صواب يحتمل الخطأ ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب ) .
لكن هؤلاء المسلمين وعلى رأسهم الشيخ الألباني الذي يفصل بينه وبين النبيّ ﷺ أربعة عشر قرنا .
والذي ليس له سند واحد متصل إلى رسول الله ﷺ ، حيث لم يتتلمذ ، ولم يجلس على ركبتيه بين يدي محدث أو فقيه يأخذ منه العلم ، ليصبح حلقة في سلسلة العلماء والأئمة الذين أخذوا هذا الدين يداً عن يد تلقينا وتعليما ومدارسة ومذاكرة !
نراه – غفر الله لنا وله – يكاد أن يقولها صراحة :
( قولي صواب لا يحتمل الخطأ ، وقول غيري خطأ لا يحتمل الصواب ) !
وترى مصداق ذلك في تعابير يستخدمها الشيخ كثيراً في كتبه ، كأن يقول : ( هذا هو الذي ثبت في السنة ، وخلافه إما ضعيف أو لا أصل له ) . أو يقول ( وأما الذي استحسنه بعض التأخرين فبدعة ) . أو ( فهذا مما لا أعلم له أصلاً في شيء من الروايات والمصادر التي وقفت عليها ) . أو . . . إلخ
وأوضح من كل ذلك هو قوله :
( فالجواب عنه من وجوه : الأول : إن في
ثبوت
هذه القصة عن أحمد ،
نظر
لأن
شيخ الخلال الحسن بن أحمد الوراق
لم أجد ترجمة فيما
عندي الآن
من كتب الرجال
، وكذلك شيخه علي بن موسى الحداد
لم أعرفه
. . .
فنحن في
شك
من ثبوت ذلك
عن الشعبي بهذا اللفظ خاصة . . . ! ! ! ([2]) .
نحن لا نريد من أقوالنا هذا أن نطعن الشيخ الألباني ونجرحه ، ولكننا نقرر واقعاً مُرّاً ملموساً ونثبته .
دعوة العصمة !
نطق الشيخ الألباني أقوالاً ، لو قلّبتها على أي وجه من وجوهها لما رأيت فيها غير دعوة العصمة له ولكتابه !
فهو يقول في ( تلخيص صفة الصلاة ) ( الغلاف الخلفي ) :
( كيف كان رسول الله ﷺ يصلي من التكبير إلى التسليم
كأنك تراها
بعبارة وجيزة ،
لا تعقيد فيها ولا غموض ،
بعيدة عن الأقيسة والآراء
) .
( إستقصيت فيها
كل ما ثبت عن النبيّ
ﷺ
مما له صلة بموضوعها بحيث
جمعت ما في بطون الامهات الفقهية وغيرها ، بل وأربت عليها
) .
( إنتخبت مادتها من عشرات الكتب الحديثية المعتمدة ، من مطبوعة ومخطوطة ) .
(
كل مسألة فيها ، تجد مستندها من قوله
ﷺ
أو فعله
في أصلها (( صفة الصلاة )) فهي
بهذه المزايا فائقة كل ما هو معروف اليوم من الرسائل المؤلفة في بابها
) .
ويقول في كتابه ( صفة صلاة النبيّ ﷺ ) :
( ولذلك فإن الكتاب سيكون إن شاء الله تعالى
جامعاً لشتات ما تفرق في بطون كتب الحديث والفقه على إختلاف المذاهب
مما له علاقة بموضوعه .
بينما
لا يجمع ما فيه من الحق أي كتاب أو مذهب
، وسيكون
العامل به إن شاء الله ممن قد هداه الله
((
لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه
، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم )) ) ([3]) .
فهذه دعوة صريحة ، ودعاية سافرة ، وادّعاء صارخ لعصمة كتابه عن الخطأ ، وتفرده في جمع الحق فيه !
بل أصرح من هذه الدعوة ، وأوضح منها وأثخن هو ما قاله في خاتمة تقديمه لكتابه المذكور ، حيث قال بنصه :
( ولذلك فإني أستطيع أن أقول :
كتابنا هذا لما جمع السنن الثابتة عنه
ﷺ
في صفة صلاته ،
لا عذر لأحد في ترك العمل بها
،
لأنه ليس فيه ما اتفق العلماء على تركه
، حاشاهم من ذلك ، بل ما من مسألة وردت فيه إلا وقد قال بها طائفة منهم ، و
من لم يقل بها فهو معذور ومأجور
أجراً واحدا
ً
، لأنه لم يرد إليه النص بها إطلاقاً ، أو ورد لكن بطريق لا تقوم عنده به الحجة ، أو لغير ذلك من الأعذار المعروفة لدى العلماء .
وأما
مَن ثبت النص عنده من بعده فلا عذر له في تقليده
، بل الواجب إتباع
النص المعصوم
، وذلك هو المقصود من هذه المقدمة ، والله عز وجل يقول : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ، واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ، وأنه إليه تحشرون ) ) ([4]) .
مثل هذه الإدعاءات ، وقصر الباع في الفقه والحديث ، وعدم معرفة أقدار وعلم أئمتنا جعل أتباع الشيخ يسلمون له زمامهم فيبادرون إلى إمتثال أمره واتباع إجتهاداته وكأنها صدرت عن رسول الله ﷺ بنفسه !
أين المنطلق ؟
إن إنطلاقة هذه الجماعة في بداية نشأتها كانت إنطلاقة صحيحة وصائبة ، حيث رفعوا أصواتهم ونادوا بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ .
ونادوا بعدم تقديس الرجال ، والتعصب لآرائهم ، وعدم إحاطتهم بهالة من التقديس والعصمة ، بحيث لا يُتصور صدور الأخطاء منهم !
فالإمام أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله ، هؤلاء ليسوا أنبياء ولا معصومين ، فلا يجب علينا أن نقلدهم في كل آرائهم ، حيث ( ليس أحد بعد النبيّ ﷺ إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبيّ ﷺ ) .
وكانوا ينقلون أقوالاً عن الأئمة المذكورين ، ويذيعونها وينشرونها تخدم هذا الإتجاه .
فعلى سبيل المثال :
كتب الشيخ الألباني في كتابه ( صفة الصلاة ) عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله أنه قال :
( (( حرام على مَن لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي )) زاد في رواية : (( فإننا بشر نقول القول اليوم ، ونرجع عنه غدا )) . وفي أخرى : (( ويحك يا يعقوب ( هو أبو يوسف ) لا تكتب كل ما تسمع مني ، فإني قد أرى الرأي اليوم وأتركه غدا ، وأرى الرأي غدا وأتركه بعد غد )) . . (( إذا قلت قولاً يخالف كتاب الله تعالى وخبر الرسول ﷺ فاتركوا قولي )) ) ([5]) .
وكتب عن الإمام مالك رحمه الله أنه قال :
( (( إنما أنا بشر أخطيء وأصيب ، فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه ، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه )) ) ([6]) .
وكتب عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال :
( (( أنتم أعلم بالحديث والرجال مني فإذا كان الحديث لصحيح فأعلموني به ، أي شيء يكون : كوفيا أو بصرياً أو شامياً ، حتى أذهب إليه إذا كان صحيحاً )) .
(( كل مسألة صح فيها ألخبر عن رسول الله ﷺ عند أهل النقل بخلاف ما قلت ، فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي )) .
(( إذا رأيتموني أقول قولاً ، وقد صحّ عن النبيّ ﷺ خلافه فاعلموا أن عقلي قد ذهب )) .
(( كل ما قلت ؛ فكان عن النبيّ ﷺ خلاف قولي مما يصح ، فحديث النبيّ أولى : فلا تقلدوني )) ) ([7]) .
وكتب عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال :
( (( لا تقلدني ولا تقلد مالكاً ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري ، وخذ من حيث أخذوا )) . وفي رواية : (( لا تقلد دينك أحداً من هؤلاء ، ما جاء عن النبيّ ﷺ وأصحابه فخُذ به ، ثم التابعين بعد ، الرجل فيه مخير ، رأي الأوزاعي ورأي مالك ورأي أبي حنيفة كله رأي ، وهو عندي سواء ، وإنما الحجة في الآثار )) .
(( مَن ردّ حديث رسول الله ﷺ فهو على شفا هلكة )) ) ([8])
تعقيب
قبل أن نسترسل في الكلام لنا بعض الملاحظات على قول ووصايا هؤلاء الأئمة التي نقلها عنهم الشيخ الألباني ، فنقول :
1 – إن خطاب هؤلاء الأئمة موجه إلى تلاميذهم ، الذين هم كانوا على وشك إن يتخرجوا فيصبحوا مجتهدين مستقلين ، أو تخرجوا فعلاً ، وما كان يمنعهم التصدر في الفتوى إلا وجود شيوخهم وأساتذتهم .
وليس موجهاً إلى العوام ، أو الذين لا يملكون أدوات الإجتهاد ، ولا يتصفون بصفات المجتهد .
فإذا تأملنا في أقوالهم فسوف نرى مصداق ما قلناه واضحاً .
فأبو حنيفة قال :(( حرام على مَن لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي )) .
فهو يحرم الفتوى على المفتي من غير معرفة الدليل .
ثم هو يخاطب أمثال أبا يوسف الذي أطبقت شهرته الآفاق
أما الإمام الشافعي رحمه الله فقد قال :
(( أنتم أعلم بالحديث والرجال مني )) .
فهو يخاطب أمثال الإمام أحمد بن حنبل والذي كان تلميذاً للإمام الشافعي ، ولا يخاطب بأقواله تلك العوام وأشباههم .
أما الإمام أحمد رحمه الله فقد قال :
(( لا تقلدني . . . وخذ من حيث أخذوا )) .
هل العوام وأشباههم – من غير الأئمة المجتهدين – يستطيعون أن يأخذوا من حيث أخذ الإمام مالك والشافعي والأوزاعي والثوري ؟
2 – لو نقارن بين أقوال أولئك الأئمة الأعلام الذين هم نجوم في سماء الإسلام ، يهتدي بهم المؤمنون في ظلمات الحياة أكثر من عشرة قرون ، والذين أطبقت شهرتهم الآفاق ، وأتباعهم لا يحُصون .
لو نقارن بين أقوالهم التي تتقطر منها التواضع وهضم النفس ، وإثبات البشرية الخطاّءة ، والتي تستشعر الإثم في الإتباع المطلق لأصحابها .
نقارن بينها وبين أقوال الشيخ الألباني التي نقلناها عنه من كتابه (( صفة الصلاة )) ، والتي تستشعر الإثم في عدم إتباعها المطلق ، فستجد البون بينهما واسعاً شاسعاً .
أين المنطلق ؟
قلنا إن هذه الجماعة قد إنطلقت في بداية نشأتها إنطلاقة صحيحة فكانت – على ما يبدو – تحارب التعصب البغيض ، وتقديس الرجال وإنزالهم منزلة فوق الأخطاء والإنتقاد .
وتنشر أقوال أولئك الأئمة المتبوعين المشهورين في ذلك وكانوا هم حملة هذه الراية وأبطالها ، فكان المفروض فيهم أن يكونوا قدوة للناس في ذلك ، وفي طليعة من لا يعرفون الحق بالرجال ، وأن يكونوا من الأوائل في إمتثال وتطبيق ما دعوا إليه !
ولكننا – مع الأسف – رأينا غير ذلك ، بل رأينا عكس ذلك تماماً ، مما جعلنا نسيء الظن بهم ن ونتهم نياتهم بناءً على مواقفهم المتناقضة جداً مع أقوالهم وادّعاء اتهم !
وقد إتهمهم البعض بأنهم ما كانت غايتهم في تلك الدعوة إلا رفع الثقة عن الأئمة المتبوعين المشهورين وغيرهم ، وإزاحتهم عن المنزلة العالية الرفيعة السامقة التي تبوؤها في قلوب الناس ، وإعطاء ومنح هذه الثقة والمكانة لأناس لا يصلحون أن يكونوا كتبة لتلاميذ أولئك الأئمة !
فعلى سبيل المثال :
ما معنى هذا التعصب الشديد للشيخ الألباني وآرائه واجتهاداته ؟
وما معنى هذا التكلف المجهد والمضني في تأويل أخطائه ، وإيراد المبررات لها ؟
حتى أنهم في سبيل بقاء الشيخ في دائرة العصمة عن الخطأ ليحاولون جاهدين تغيير بعض معاني الألفاظ العربية ، كتغييرهم ( الإشارة ) بـ ( الحركة ) مثلا ً ! !
ثم ما معنى موقفهم الغريب والعجيب من العالِم الذي ينتقد الشيخ الألباني أو غيره في بعض أخطائه ؟
وكأنه قد قام بانتقاد رسول الله ﷺ ، فهو بالتالي – عندهم – عدّو للتوحيد وأهل السنة والجماعة ! ! !
أين هو حب الحق ومناشدته ؟ أين هو التعصب للشريعة لا للرجال ؟ أين المنطلق ؟
فمثل هذه المواقف لا تنسجم أبداً مع دعواهم التي إنطلقوا بها ، وبالتالي فهُم لا يُعتبرون إلا جماعة جديدة من المقلدين ، إنضموا إلى صفوف المقلدة المتعصبين ، بل فاقوهم وسبقوهم فأصبحوا في مقدمتهم ، مع الفرق الشاسع بينهم وبين غيرهم من ناحية الإمام الذي قلدوه دينهم .
فأئمة أولئك أجمعت الأمة الإسلامية على تبحرهم في العلم ، وإمامتهم على مدار القرون !
على العكس من إمام هؤلاء فهو لا يرتقي إلى مستوى أحد تلاميذهم من الطبقة العاشرة !
بالإضافة إلى وجود آلاف مؤلفة من العلماء المجتهدين ، المتبحرين في العلم في صفوف أولئك كأمثال الأئمة : أبو يوسف ومحمد بن الحسن وزُفر بن الهذيل وبدر العيني والنووي والبيهقي وابن كثير وابن حجر العسقلاني وابن تيمية وابن القيم والذهبي . . . وغيرهم كثير كثير !
تعقيب
وقد قال الأستاذ مازن بدران تعقيباً على مدح الشيخ الألباني لكتابه ( صفة صلاة النبيّ ﷺ ) ، وادّعائه صحة نصوصه :
( ها هنا ثلاث قضايا ننازعه فيها :
أولاً : صحة النصوص التي جمعها ، وضعف ما خالفها ، فلا نسلم له أبداً ، وأي حامل لنا على ذلك ؟ فهو لا يَفضُل العديد ممن ينازعه أحكامه من معاصريه علماً ودراية ، فكيف بمن خالفه من أئمة السلف ! ولا يغترن أحد بكثرة أصحاب الدعاوى من العوام المؤازرين لهذا النهج ، إذ هم قوم يميلون مع كل ريح وفي الداخل شواهد ما نقول .
ثانياً : الأحكام المستنبطة من النصوص الصحيحة ، لو وافقناه جدلاً ، وهذه من أعظم أسباب الخلاف الفقهي الدائر من زمن السلف . ولا ريب أن شطراً واسعاً من النصوص ، سواء القطعية أو الظنية الثبوت ، هي ظنية الدلالة . فالشيخ وغيره سواء في إحتمال الإصابة والخطأ ؛ ولا زال المنصفون من أصحاب الحديث يشهدون لأرباب الفقه بالإمامة والفضل والتقدم في أمثال هذه المباحث . وأما من يحسب أن ظن الشيخ يقين ، فليس كلامنا هنا معه !
ثالثاً : كون كتابه قد جمع كل النصوص الثابتة في بابه ؛ فهذا بعيد ، ولا يلزم من مراجعته الكثير من كتب الحديث ، كما يقول ، صحة دعواه ؛ بل ما يصحب ذلك من الإغترار الدافع للتقصير ، مع إمكان الغفلة والسهو – وهو غير معصوم – سيتكفل بتصويب ما نقول . . . وكم مرة إستدرك هو على الأئمة وقال : كم ترك الأول للآخر ! ) ([9]) .
ثم قال الأستاذ مازن تحت عنوان (( دعوة إلى التقليد )) :
( ثم إن ما تقدم من كلامه لا يرغّب القاريء في البحث والتدقيق ، بل يسلمه إلى الخمول والتقليد ، والمفروض أنه يسعى إلى خلاف ذلك ! بل إن مجمل خطته في الكتاب لا تنفع في إخراج مجتهدين ، أو حتى متبعين – كما في إصطلاحه - : إذ هو قد بتر الأسانيد ، وخلط المتون ، وما تكلم في تفاصيل التصحيح والتضعيف ؛ وإنما يأتيك بجمل مؤلفة من تداخل أحاديث عدة ، ويقول : خرّجه فلان وفلان ، وما خالفه ضعيف . وإن إرتقى فيقول : وتفصيله في كتاب كذا . أو كما بيّنت في موضع كذا ؛ فهو يفترض أن القاريء يجب أن يبتاع مع كتابه هذا : إرواء الغليل ، تمام المنة ، الصحيحة ، الضعيفة ، صحيح أبي داود ، ضعيف . . . باختصار : سلسلة كتبه المعهودة . هذا بالإضافة إلى إطلاعه على جميع المراجع التي يعزو إليها ؛ وإلا فكيف للقاريء أن يتحقق من وجود الحديث في مكان عزوه أولاً ، وصحة أو ضعف إسناده ثانيا ؟ ناًهيك عن كتب الجرح والتعديل اللازمة لذلك !
ومبرر صنيعه هذا ، كما يقول ، إرادة التسهيل والإختصار ، وغفل أن ذلك لا يجامع دعواه في الحث على الإجتهاد المطلق !
وأذكر يوماً أنّي شاهدت زميلاً ، ممن ينقد التقليد بشدة ، ينهض في صلاته معتمداً على قبضتي يديه ، فسألته إن كان في المسألة نص ، فقال : نعم . فقلت : لا أعلم فيها شيئاً يثبت ! فقال : فيها حديث صحيح . واستمهلني لحظات عاد بعدها وبيده كتاب (( الصفة )) ، كما يقولون ، وقال لي بابتهاج : أنظر إسناده صالح ! مشيراً إلى قول المؤلف ( ص 155 ) : (( رواه أبو إسحاق الحربي بسند صالح )) . وأنا أعلم تماماً أنه لا يعرف مَن هو أبو إسحاق الحربي ولا كتابه الذي أخرج فيه هذا الحديث ، فضلاً على أن يحكم على إسناده !
ونظام التفكير هذا لا يخص زميلي المذكور فقط ، بل أصحابه كثر ؛ كلهم يهزؤون بالتقليد والمقلّدة ، ويقولون لا نأخذ إلا من الكتاب والسنة . وهم حقيقة يأخذون من حيث علمت !
ولا شك أنه التقليد ، ولكن في ثوب جديد ! ) ([10]) .
فصل مقتبس من كتاب ( كلاكما محسن ) للكاتب عبد الكريم علي
([1]) متفق عليه .
([2]) أحكام الجنائز ( 1 / 192 ) .
([3]) ص 22 ، الطبعة الحادية عشر .
([4]) صفة الصلاة – الطبعة الحادية عشر ، ص 51 .
([5]) صفة الصلاة – ص 25 – 26 .
([6]) نفس المصدر ص 26 .
([7]) صفة الصلاة ، ص 29 - 30
([8]) نفس المصدر ، ص 31
([9]) نقد صفة صلاة النبيّ ﷺ - مازن بدران . ص 5-6
([10]) نقد صفة الصلاة . ص 6-7
فصل مقتبس من كتاب ( كلاكما محسن ) للكاتب عبد الكريم علي
([1]) متفق عليه .
([2]) أحكام الجنائز ( 1 / 192 ) .
([3]) ص 22 ، الطبعة الحادية عشر .
([4]) صفة الصلاة – الطبعة الحادية عشر ، ص 51 .
([5]) صفة الصلاة – ص 25 – 26 .
([6]) نفس المصدر ص 26 .
([7]) صفة الصلاة ، ص 29 - 30
([8]) نفس المصدر ، ص 31
([9]) نقد صفة صلاة النبيّ ﷺ - مازن بدران . ص 5-6
([10]) نقد صفة الصلاة . ص 6-7
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق