السبت، 18 نوفمبر 2017

ليس كل جديد بدعة وليس كل شيء لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فهو بدعة ضلالة .


ليس كل جديد بدعة

البدعة بمعناها الاصطلاحي الشرعي، ضلالة يجب الابتعاد عنها، ينبغي التحذير من الوقوع فيها. ما في ذلك ريب ولا خلاف .
وأصل ذلك قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيما اتفق عليه الشيخان: "من أحدث في أمرنا ماليس منه فهو رد". وقوله فيما رواه مسلم :        "إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة".
ولكن ما هو المعنى المراد من كلمة (بدعة) هذه ؟
هل المراد بها معناها اللغوي الذي تعارف عليه الناس، فيكون المقصود بها إذن، كل جديد طارئ على حياة المسلم مما لم يفعله رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولا أحد من أصحابه ولم يكن معروفاً لديهم؟.. وإذن،
" .

=-=-=-=-=-=

فالمسلمون كلهم، من أقصى عالمهم المعمور إلى أقصاه، يعانون اليوم  من ضلالة لا مفر لهم منها، إذ أنهم غارقون في بحار من البدع كيفما تقلبوا وأينما اتجهوا أو تحركوا: أبنية بيوتهم بدعة، والأثاث الذي فيها بدعة، وموائدهم بدعة، طراز ثيابهم بدعة، والأساليب التي تنهض عليها أنشطتهم الثقافية والعملية والاجتماعية، كلها من ظلمات من البدع المتراكمة!... وهي ليست مصيبة حاقت بهذا الجيل وحده، بل إنها الضلالة التي انحرفت فيها أجيال المسلمين من بعد عصر الصحابة إلى يومنا هذا، ثم إلى أن تقوم الساعة. ذلك لأن الحياة _ منذ بعثة  المصطفى ( صلى الله عليه وسلم )_ ما تزال تتحول بأصحابها من حال إلى حال، وتنقلهم من طور إلى آخر. ولا مطمع في إمكان التغلب على قانونها هذا وربطها بمسمار من الثبات والجمود على حالة واحدة على مر الأزمنة والعصور. وحتى الفترة القصيرة التي عاشها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مع أصحابه، لم تجمد الحياة خلالها على نسق مطرد ثابت، بل استقبل النبي وأصحابه منها أطواراً إثر أطوار. ولكن (لحسن حظ ذلك الرعيل الأول) كان المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) بين ظهرانيهم، وكان يرحب بسنة الكون هذه دون أي مقاومة لها أو ثورة عليها. فكم من عرف جديد أيده، وكم من كشف طارئ على حياة الصحابة والعرب رحب به ودعا إليه، بعد أن تأمل فرآه لا يخالف من أصول الدين وأحكامه شيئاً، بل ربما يسر سبيل إحيائه والأخذ به على خير وجه؛ حتى استظهر من ذلك علماء الشريعة الإسلامية القاعدة القائلة:"الأصل في الأشياء الإباحة"، واستنبط من ذلك علماء الحنفية وآخرون أن العرف_بقيود معينة مصدر لا يستهان به من مصادر الشريعة وأحكامها.
       إذن فلا يعقل أن يكون المقصود بالبدعة هذا المعنى اللغوي          العام. بل ما رأينا واحداً من علماء المسلمين وفقهائهم ذهب في تفسير البدعة وتعريفها هذا المذهب العجيب. وإنما تنطوي الكلمة على معنى اصطلاحي خاص، فما هو؟
*   *   *
أمامي تعريفات كثيرة للبدعة، كلها يدور في فلك معنى اصطلاحي واحد، وإن تخالفت من حيث الصياغة والأسلوب. ولكني أختار منها تعريفين عرفها بهما الإمام الشاطبي في كتاب (الاعتصام). وذلك لسببين:
أحدهما: أن الشاطبي يعد في مقدمة من خدم هذا البحث وتناوله بالشرح والتحليل من جوانبه .
ثانيهما: أنه يعد من أكثر العلماء المتقدمين محاربة للبدعة  وتشدداً في الابتعاد عنها .
التعريف الأول أنها: "طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله عز وجل".
والتعريف الثاني أنها: "طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة، يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية".
وإنما رددها الشاطبي رحمه الله بين هذين التعريفين، نظرأ لرأي من حصر البدعة في العبادات ، ولرأي من عممها في سائر أنواع السلوك والتصرفات. على أنه مال فيما بعد إلى أن البدعة إنما تختص بالعبادات سواء منها القلبية وهي العقائد أوالسلوكية وهي سائر أنواع العبادات الأخرى .
ولا يعنينا الآن أن نقف عند هذا الترديد بأي نظر أو تمحيص. إنما الذي يعنينا أن نلاحظ قولهم في التعريف: "طريقة في الدين   مخترعة .." .
إذن، فلكي يأخذ السلوك معنى البدعة وحكمها، يجب أن  يمارسه صاحبه على أنه داخل في بنية الدين وأنه جزء لا يتجزأ منه ، مع أنه في واقع الأمر على خلاف ذلك.. وتلك هي روح البدعة وسر تحذير الشارع منها. وذلك هو الملاحظ في تسميتها: (بدعة) .
والمستند الذي يشكل الدليل القطعي على ذلك قوله ( صلى الله عليه وسلم ): "من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه ..." إذ المقصود بـ "أمرنا هذا" ، الدين، كما هو واضح؛ وقوله( صلى الله عليه وسلم ) فيما أخرجه الطحاوي:"ستة ألعنهم لعنهم الله وكل نبي مجاب: الزائد في دين الله، والمكذب بقدر الله ، والمتسلط بالجبروت يذل من أعز الله ويعز به من أذل الله، والتارك لسنتي، والمستحل لحرم الله،  والمستحل من عترتي ما حرم الله" .
ويتضح من ذلك أن مناط إنكار البدعة وردها على صاحبها، أن المبتدع يقحم في بنية الدين وجوهره ما ليس منه. ولما كان المشرع هو الله عز وجل ، لم يبق مجال لأي تزيد أو تغيير على شرعه .
والأمثلة على ذلك كثيرة، نذكر منها: اختراع صلاة زائدة على ما ثبت في الشرع من المكتوبات والنوافل، واختراع صيام يوم لفضيلة لم يرد بشرعه في قرآن أو سنة ثابتة، وإيجاب الاقتصار على لون واحد    من الطعام على المائدة تزهداً، واختراع التقرب إلى الله بتحميل الجسم من المشاق مالم يرد به دليل من الشرع، ورفع الصوت بالأذكار والقصائد أمام الجنائز، والأذان عند إدخال الميت قبره .
ونذكر منها في أمور العقائد كل ما تزيدته الفرق المبتدعة على الدين من عقائد وأفكار باطلة .
أم سائر الأفعال والتصرفات الأخرى، التي قد تصدر من  الإنسان، دون أن يتصور أنها جزء من جوهر الدين أو واحد من أحكامه، وإنما يندفع إليها ابتغاء تحقيق هدف أو مصلحة له، دينية كانت أو دنيوية: فهي أبعد ما تكون عن احتمال تسميتها بدعة، وإن كانت مستحدثة في حياة المسلمين غير معروفة لهم من قبل. بل مآلها أن تصنف إما تحت ما سماه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ): (سنة حسنة) أو تحت ما سماه: (سنة سيئة) .
وأنت تعلم أنه ( صلى الله عليه وسلم ) قال فيما رواه مسلم وغيره: "من سن في

الإسلام سنة حسنة(1)فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء. ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء".
وأمثلة هذا السنة الحسنة كثيرة لا تكاد تحصى. نذكر منها دراسة كل ما جد من المعارف والعلوم التي تحقق مصلحة من مصالح الدين أو الحياة أو المصالح الأخرى، وإقامة المؤسسات والمجامع التي تخدم الهدف ذاته ، وإقامة أجهزة إعلام ووسائل نشر ، وإنشاء مجلات وصحف تخدم المصالح الإسلامية أو واحدة منها، طبق الترتيب الذي صنفها الشارع على أساسه . وتنظيم اللقاءات والمؤتمرات والندوات التي تدعو إليها الضرورة أو الحاجة لإنجاز شيء من تلك المصالح أو رعايتها .
وإننا لنرى أن من أمثلة هذه السنة الحسنة: تلك الاحتفالات التي يقوم بها المسلمون عند مناسبات معينة، كبدء العام الهجري ، ومولد المصطفى ( صلى الله عليه وسلم )، وعند ذكرى الإسراء والمعراج، وذكر فتح مكة وغزوة بدر ، ونحوها ، مما يتوخى منه تحقيق خير يعود إلى مصلحة الدين سواء على مستوى الضرورات أو الحاجيات أو التحسينيات .
ومن المفروغ منه أن ذلك كله مشروط بأن لا تستتبع هذه الأعمال آثاراً ضارة تودي بجدوى ما حققته من المصالح أو تلحق الضرر بمصلحة مقدمة عليها .
*    *    * 

(1)               ليس المقصود بالسنة الحسنة هنا، ما توهمه بعضهم من إحياء سنة مندثرة للنبي ( صلى الله عليه وسلم ). إذ لو كان المعنى كذلك لاستلزم أن تكون للنبي سنة سيئة أيضاً، نظراً إلى ما تقتضيه تتمة الحديث . وإنما المقصود استحداث أمر لم يكن من قبل، فيه خير للمسلمين .


=-=-=--=-=-=-

إن احتفالات المسلمين بذكرى مولده ( صلى الله عليه وسلم ) والمناسبات المتشابهة، لا تسمى بدعة قبل كل شيء . لأن أحداً من القائمين على أمرها لا يعتقد أنها جزء من جوهر الدين وأنها داخلة في قوامه وصلبه، بحيث   إذا أهملت ارتكب المهملون على ذلك وزراً . وإنما هي نشاطات اجتماعية يتوخى منها تحقيق خير ديني. فإن هم توهموا ذلك كانت بسبب ذلك بدعة .
ثم إنها لا تدخل تحت ما يسيء إلى نتائجها، فإن التنبيه يجب أن يتجه إلى هذا الخلط، لا إلى جوهر العمل بحد ذاته. وإلا فكم من عبارة صحيحة مشروعة يؤديها أناس على غير وجهها، فتؤدي إلى نقيض الثمرة المرجوة منها. أفيكون ذلك مبرراً للتحذير من أدائها والقيام بها .
نعم، إن اجتماع الناس على سماع قصة المولد النبي الشريف، أمر استحدث بعد عصر النبوة، بل ما ظهر إلا في أوائل القرن السادس الهجري . ولكن أفيكون ذلك وحده كافياً لتسميته بدعة، وإلحاقه بما قال عنه المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ): "كل من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد"؟. إذن فليجردوا حياتهم من كل ما استحدث بعد عهده ( صلى الله عليه وسلم )، إن كانوا يستطيعون. فإن كل ذلك من البدع!.
وإني لأعجب لأناس، ينتقلون من مؤتمر إسلامي إلى آخر ، ويتصدرون فيه باحثين وأعضاء عاملين، دون أن يتذكروا أنه هو الآخر بدعة (بالمعنى الذي يتوهمون) لا فرق بينه بين احتفالات المسلمين  بالمولد ونحوه شروى نقير، اللهم إلا أن تكون تلك المؤتمرات يبذل عليها من الأموال الطائلة ما لا يعطي ثمرة ولا نتيجة، وقد تشيع فيها أمور لا ترضي الله عز وجل، على حين لا يكلف اجتماع طائفة  من 


 المسلمين في أحد البيوت أو المساجد للاحتفال بذكرى المولد أو الهجرة شيئاً من ذلك . ولكنهم ما إن يوضعون أمام الحديث عن المولد ونحوه، إلا وتجدهم ثاروا وهاجوا ونعتوا الاجتماع عليه بأنه ضلال وبدعة .
ترى لو وضعت هذا الاحتفالات ضمن إطار مؤتمرات ، دعي إليها الناس من الأقطار، وأنفق عليه المال الطائل، أتتحول بفضل ذلك من بدعة باطلة إلى عمل مبرر؟
وغني عن البيان أنني لا أنكر شيئاً من هذه المستجدات على اختلافها، بل إنني لا أدعو إليها أيضاً لذاتها..إذ هي أمور تقبل أو ترفض على ضوء النتائج الآتية من ورائها، فهي كالماء الذي يأخذ لون الإناء الذي يتجمع فيه، وما تنسحب أحكام الشريعة الإسلامية على سائر ما يستجده الناس من شؤون وعادات، إلا بناء على هذه القاعدة التي لا مجال لأي ارتياب فيها .
وإنني لأذكر مولداً حضرته في أحد المساجد، كانت ثمرته العاجلة أن أعلن كثير من الحاضرين توبتهم عن موبقات كانوا يرتكبونها، وأعلن آخرون بدء التزامهم بعبادات كانوا معرضين عنها أو متساهلين بشأنها، والتزم آخرون بالعكوف على دراسة القرآن، وآخرون برد ما عليهم من مظالم والتزامات لإخوان لهم. ولم يخرجوا من المسجد حتى تعاهدوا وتواثقوا على ذلك .. فبأي ميزان من موازين الشريعة الإسلامية أعد مثل هذا الاحتفال ضلالة تجب محاربتها، لمجرد أن عصر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لم يشهدها ومن ثم فلم يتح له أن يؤيدها ؟!! …
أجل، من الضروري الدعوة إلى تنقية مثل هذه الحفلات، وسائر الشؤون المستجدة الأخرى، من الشوائب، والتحذير مما قد يتسلل إليها من المنكرات .. لكن حتى لو ظهر في هذه المستجدات قليل     من الشر، فإننا نقبلها ونحافظ عليها تمسكاً بما قد تنتجه من الخير الكثير، على أن نحافظ على تطبيق القاعدة القائلة: (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ).
*   *   *
أقول بعد هذا كله: فلنفرض أننا مخطئوون في فهم (البدعة) على هذا النحو، وأن الصواب ما يقوله الآخرون من أن كل ما استحدثه الناس، حتى مما لا يدخلونه في جوهر الدين وأحكامه، بدعة محرمة _ فإن المسألة تغدو عندئذ من المسائل المختلف في شأنها والخاضعة للاجتهاد .
ومما هو معروف في آداب الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أن القائم بهذا الشأن ينبغي (كلما وقف في موقف عام) أن ينهى عن المنكرات المجمع على أنها كذلك، ولا ينصرف  عنها إلى النهي عما اختلف فيه المسلمون من المسائل الاجتهادية التي       لا يكلف المجتهدون فيها بأكثر من الوقوف عند ما قضت به    اجتهاداتهم وفهومهم . إذ الإمعان في النهي عن هذه المسائل لا يمكن أن ينتهي إلا إلى إثارة أسباب الشقاق وتصديع وحدة المسلمين وبث عوامل البغضاء فيما بينهم  .
       وإن في حياتنا ومن حولنا من المنكرات الشنيعة والمفاسد الخطيرة التي لا خلاف في مدى جسامتها وسوء آثارها، ما يكفي لأن نمضي العمر كله في معالجتها والسعي إلى جمع الكلمة وتوحيد الصف للقضاء عليها. فلماذا نتشاغل عن هذا الذي أجمعت الأمة على أنه من المنكر الذي لا عذر في السكوت عليه، ثم نشتغل بالانتصارلاجتهاداتنا الشخصية وحرب ما يقابلها ويكافئها من الاجتهادات الأخرى؟ .
ألا إن أعظم مصيبة رانت على حياتنا، إنما هي مصيبة هذا

التدابر والشقاق الذي مني به العالم العربي والإسلامي على عرضه وطوله، ومن ثم فإنها لأعظم منكر يشيع في أرجاء عالمنا الإسلامي .
فمن كان يريد أن ينهض بواجب النهي عن المنكر، فليبدأ من هنا .. على أن يتخذ لنفسه عدة واحدة في مسعاه هذا، ألا وهو الإخلاص . الإخلاص، ذلك السر الأقدس الذي يسحق الأنانية والعصبية، ويفرق بين أدق ما يلتبس على كثير من الدعاة والربانيين، في مجال السلوك والتطبيق: الانتصار للنفس .. والانتصار لله" . انتهى .
وقال الدكتور سعيد رمضان البوطي في ترجمة والده العلامة الصالح البركة الشيخ ملا رمضان في كتابه "هذا والدي"(1)ما أنقله هنا إتماماً للفائدة:
موقف من المولد:
كان يحضر مجالس المولد النبوي الشريف، إن لم يكن فيها منكر أو بدعة عملية أو قولية، وكان يعدها_ إن خلت من البدع والمنكرات_ من مجالس الذكر التي كان يندب إليها سيدنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وكان يراها داخلة في معنى قوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم في صحيحه: "لا يقعد قوم يذكرون الله تعالى إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله تعالى فيمن عنده"، فالحديث دليل على فضل الاجتماع على ذكر الله عز وجل، لا شك أن الاجتماع على الصلاة على رسول الله ومدحه والثناء عليه من أفضل أنواع ذكر الله عز وجل .
ولكن إذا شاب هذه المجالس منكر، كاختلاط الرجال بالنساء، أو كإنشاد أبيات تخالف هدي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ). فإن الحكم يتبع ما تقتضيه المفسدة لا المصلحة، تطبيقاً للقاعدة الشرعية القائلة: "درء
      المفاسد مقدم على جلب المصالح"(1) .
أما القيام عند ذكر ولادته ( صلى الله عليه وسلم )، فالذي أذكره أنه في السنوات الأولى من إقامته في دمشق، كان لا يشترك مع الناس في القيام عنده، إذ كان يراه بدعة دخيلة على مجلس الذكر الذي هو الإصغاء إلى سيرة سيدنا رسول الله.. ولعله كان يتبع في ذلك ما ذكره ابن حجر الهيتهي في فتاواه الحديثية من أن القيام بحد ذاته بدعة. ولكن اجتهاده في  ذلك اختلف فيما بعد، فكان يشترك مع الناس في القيام . وأظن أنه إنما عدل عن رأيه الأول، ترجيحاً لما قد لاحظه من القصد إلى تعظيم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالقيام .. فالتعظيم مشروع بل مطلب، وأداة التعظيم عي اللغة وما اجتمع عليه عرف الناس مما لا يصادم نصاً ولا يخالف حكما شرعياً ثابتاً(2) .
وكان يعجبه الإنشاد الذي يتضمن الثناء على الله عز وجل، أو يتضمن مدح سيدنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالنهج المشروع، ويؤثر أن يكون المنشدون والسامعون على حالة من التأدب مع الله عز وجل، والأدب
 (1)    أقول: لو أن أرباب النحلة أدعياء السلفية  فصلوا هذا التفصيل في بيان حكم المولد والتداعي إليه، لأيدناهم في ذلك. ولكن العجب أنهم ينكرون أصل التلاقي على تلاوة سيرة رسول الله والصلاة عليه والمدح له، مهما كان المجلس خالياً من المنكرات، ومهما شاع فيه معنى ذكر الله عز وجل .. والغريب أنهم لا يرون في التداعي إلى دراسة سيرة محمد بن عبد الوهاب بمناسبة مرور كذا عام على ولادته أو وفاته في ظل ندوات ومؤتمرات ينفق عليها المال الوفير، بدعة محرمة .. فإذا تحول العمل ذاته إلى دراسة حياة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والثناء عليه والصلاة عليه ،  تحول العمل كله عندئذ إلى بدعة محرمة، واتجه الهجوم عليه من كل صوب .. ترى لماذا تصبح البدعة عملا مشروعاً عندما تكون لصالح محمد بن عبد الهاب، وتبقى بدعة محرمة عندما تكون لصالح سيدنا محمد رسول الله ؟!!..
(2)     وللعلامة الكبير الشيخ محمد العطار رسالة قيمة بعنوان "استحباب القيام عند ذكر مولده عليه الصلاة والسلام" قمنا بنشرها مع عدد من رسائل علماء دمشق في هذا  الموضوع . (الناشر).




=-=-=-=-==-=--=-==-=-=

مع رسوله، لا أن يهتاجوا هياج من يبحثون عن الطرب بالأنغام والألحان .
وربما رأى فيهم من يصفق بيديه، لطرب استخفه، فينكر بشدة، وربما أخذه الغضب. إذ المجلس مجلس ذكر وثناء على الله وصلاة   على رسوله، والتصفيق رعونة أنكرها جمهور الفقهاء، فما ينبغي أن يشوب المجلس المبرور والمبارك شيء يخالف الشرع أو لا يتفق مع  آدابه .
وبعد هذا البيان الشافي و النقول المفيدة، والأقوال المجموعة المحررة نقدم كتاب الشيخ _ أبي الحسنين _ رحمه الله تعالى، وهو من أجلة علماء مكة المكرمة، ولعل مناسبة تأتي لترجمته بعون الله تعالى .
ولا ندعي له العصمة ولا الإحاطة ولا الصواب المطلق، ومن ادعى احتكار الصواب لنفسه أو لشيخه فهو أجل الخاطئين وأكذبهم أجمعين .
كما أننا نعلن أن هذا الكتاب ليس محاجة لخصوم الاحتفال بالمولد، لأنهم _ وقد اغتروا بأنفسهم واحتكروا الصواب لآرائهم _لن يقتنعوا، ولن يغيروا من مواقفهم لأن الاختلاف ليس طلباً للحق وإنما هو انتصار للعصبية والذات .
وليس المراد أن نلزمهم باجتهادنا، ولا نطلب منهم أن يتخلوا عما اختاروه لأنفسهم، فاللدد في الخصومة، والجدل خصيصتهم ووظيفتهم وتجارتهم، وطريق شهرتهم، وتحقيق شهوتهم .
ولكن المراد هو تحصين من لم يصب بداء التعصب والتقليد الأعمى، وتعريف من اغتر بأقوالهم وشبههم .
على أننا نذكر _ من باب الإنصاف والعدل في الحكم _أن هذا الكتاب والذي سبقه لا نقصد فيه الإساءة إلى أشخاص بأعينهم، ولا نعمم الحكم على كل من تمذهب بمذهب (السلفية) ففيهم من هو بريء من التعصب والهوى، طالب للحقيقة، وناشدٌ للصواب .
فنسأل الله سبحانه أن يؤلف بين قلوب المؤمنين، ويجمع  كلمتهم، ويرزقهم الحب والتعاون والإلفة ووحدة الكلمة، وسلامة المنهج، وأن يهدينا جميعاً لما اختلف فيه من الحق بإذنه، إنه يهدي     من يشاء إلى صراط مستقيم .
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .

ليس كل شيء لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فهو بدعة ضلالة . 

قصة وعبرة ...حدث في مثل هذا العصر !!!
أحد إخواننا المصريين كان يعيش في أفغانستان فقال : دعوت إثنين من إخواننا إلى وجبة غداء . 
قال : فجاءا على دراجتيهما الهوائية فوضعا الدراجتين وصعدا إلى غرفة الضيوف ولما جاء وقت الغداء ذهبت وأحضرت مائدة الطعام ( وهي مائدة مدورة من الخشب يستخدمها إخواننا وأخواتنا المصريين ) فوضعتها ثم ذهبت لآتي
بالطعام فلما رجعت ذهلت لما رأيت المائدة محطمة وكل جزء في مكان !!!
... فقلت : ما هذا ؟
قالا : ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما على خوان قط . فقال : فأحرجت ماذا أقول لزوجتي ؟إ
يقول : فلما أنهيا أكلهما قمت بدون علمهم فأخذت حديدة ( جاكوج ) ونزلت فحطمت دراجتيهما !!!
فلما نزلا للمغادرة ورأيا دراجتيهما محطمة قالا : ما هذا ؟
قلت : ما ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم دراجة قط . إ إ إ
الفائدة : ليس كل شيء لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو بدعة ضلالة .


؛؛؛؛ هـــــــــــو والله خيــــــــــــــــــــــــــــــر !!!!! قصة وعبرة.
جاء عمر ابن الخطاب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بعدما إستشهد كثير من قراء الصحابة رضوان الله عليهم في حرب اليمامة ضد مسيلمة الكذاب فأشار عليه بجمع القرآن في مصحف واحد .
... أتدرون إخواني الكرام بماذا أجابه أبو بكر الصديق رضي الله عنهما ؟ قال له :
...... كيف نفعل ش...يئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ إ
وتدرون بماذا أجابه عمر ابن الخطاب ؟ لم يأتي له بآية من الكتاب ولا حديث من السنة ولم يقل له : أنت من الخلفاء الراشدين المهديين ولك أن تفعل ما تراه .
لا لا أبدا إ بل قال : هـــــــــــو والله خيــــــــــــــــــــــــــــــــــــر إ إ إ
فاقتنع أبوبكر الصديق برأي عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بعد إلحاح ومجادلة ثم استدعوا زيد بن ثابت أعلم الصحابة بالفرائض رضي الله عنه وأخبروه بالمسألة .
أتدرون إخواني الكرام بماذا أجابهما زيد رضي الله عنهم ؟ قال لهما : كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ إ
الثلاثة يعلمون أنهم يريدون أن يفعلوا شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم . وتدرون بماذا أجابه أبو بكر الصديق ؟
لم يستدل بآية من الكتاب ولا بحديث من السنة ولا قال : أنا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسم . ولا قال عمر بن الخطاب : إن أبابكر من الخلفاء الراشدين ونحن السلف الصالح لنا أن نفعل ما نشاء إ إ إ .
لا لا أبدا بل قال أبو بكر الصديق له : والله هو خير إ إ إ حتى إقتنع زيد وكان يقول : والله لو كلفوني بنقل جبل لكان أهون علي من ذلك إ
ولهذا إعتبر العلماء جمع القرآن في مصحف واحد من البدع الحسنة إ
الثلاثة يعترفون بأنهم يفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولم يستدلوا بآية من القرآن الكريم ولا بحديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يستدلوا بأنهم السلف الصالح لهم أن يسنوا ما يشاءون .
فجاء من بعدهم بقرون وقرون ليقولوا : إنهم لم يفعلوا شيئا جديدا يسمى بدعة حسنة ولم يكن عملهم بدعة . فلماذا إذن كانوا يهابون ذلك العمل ولاسيما أبوبكر وزيد ؟
فهل نحن أعلم منهم وأفهم وأفقه من السلف الصالح ؟ إ
ومن كلام عمر بن الخطاب ثم أبي بكر الصديق ( هو والله خير ) نفهم أن كل شيء كان خيرا ومصلحة حقيقية لا تعارض النصوص أي الكتاب والسنة ولا يخالفهما فهو جائز فعله بل مندوب ومستحب وأحيانا يكون واجبا . وللكلام بقية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق