الجمعة، 28 أبريل 2017

شروط وضوابط الجمع بسبب المطر في ضوء المذاهب الأربعة”



شروط وضوابط الجمع بسبب المطر في ضوء المذاهب الأربعة”
 إنّ الصلاة عهد وميثاق غليظ وهي أمانة ثقيلة ورابطة متينة بحيث إذا حسنت تلك الرابطة انعكست آثارها على سلوكيات الفرد وأخلاقياته وتصرفاته. وممّا يؤكّد ذلك ما رَواه الطبرانِيُّ بسنده مرفوعاً: “أَوَّل ما يُحَاسَبُ بهِ العبدُ يومَ القيامةِ الصلاة، فإنْ صَلحَتْ صَلحَ لَهُ سَائِرُ عَمَلِهِ، وإِنْ فسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ” أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (1929). أي أنّ الذي لا يُصلِحُ صَلاَتَهُ من حيث الحفاظ على هيئاتها وآدابها وأركانها وشروطها دَخَلَ الخلل إلى سائرِ أعمالِهِ، ومَن كَانَتْ صَلاتُهُ تامة كاملة فإنّ أنوار وروحانية صلاته تنعكس على تصرفاته الفعلية والقولية على حدّ سواء. لذا حرصاً على أداء شعيرة الصلاة كاملة وحسماً للفوضى والإضطرابات الفقهية التي نراها في مساجدنا في فصل الشتاء فإنّنا نضع بين يدي الأئمة الكرام الذّين بهم يصلح الدّين ويوحد أمر المسلمين هذه الخلاصة الفقهية بخصوص الجمع بين الصلوات في فصل الشتاء في ضوء المذاهب الأربعة سعياً في توحيد صفوف المسلمين وتأدية الصلاة على أتمّ وجه وأكمل حال: أولاً:حكم الجمع بين الصّلوات بسبب البَرْد بين الظهر والعصر: اتفقت كلمة المذاهب الأربعة على عدم جواز الجمع بسبب البَرْد بين الظهر والعصر. ثانيا: الجمع بين الصلوات بسبب البَرْد بين المغرب والعشاء: اتفقت كلمة المذاهب الأربعة على عدم جواز الجمع بسبب البَرْد بين المغرب والعشاء. ثالثاً: حكم الجمع بين الظهر والعصر بسبب الرياح الشّديدة والوحل والطين والظلمة: اتفقت كلمة المذاهب الأربعة على عدم جواز الجمع بين الظّهر والعصر بسبب الرياح الشّديدة والوحل والطين والظلمة. رابعاً: حكم الجمع بين المغرب والعشاء بسبب الرياح شديدة: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية إلى عدم جواز الجمع بين المغرب والعشاء بسبب الرّياح الشّديدة. خامساً: حكم الجمع بين الظهر والعصر بسبب المطر: انفرد المذهب الشافعي بجواز الجمع بين الظهر والعصر بسبب المطر ولو كان يوم جمعة بشروط وقيود شديدة يجب الإلتزام بها وعدم التفريط بشرط منها، وإلاّ حرم الجمع وبطلت الصلاة بالإتفاق لأنّها لا تستقر حينئذ على مذهب فقهي، ومع ذلك نصّ المذهب الشافعي على عدم استحباب الجمع بين الظهر والعصر ولو توفرت الشروط خروجاً من خلاف الجمهور. حيث قد اشترط الشافعية للجمع بين الظهر والعصر: أن يكون المطر موجوداً عند تكبيرة الإحرام فيهما (أي الظهر والعصر) وعند السلام من الصلاة الأولى حتى تتصل بأول الثانية ولا يضر انقطاع المطر في أثناء الأولى أو الثانية أو بعدهما.
 وصفة المطر الذي يبيح الجمع عند الشافعية هو ما يبلّ أعلى الثوب أو أسفل النعل ومثل المطر الثلج والبَرَد. وبناءً على ذلك فما يفعله بعض الأئمة من الجمع بسبب البرْد والريح والمطر المتوقع بين الظهر والعصر فإنّه لا يصح اتفاقاً. سادساً: حكم الجمع بين الظّهر والعصر بسبب المطر المتوقع: اتفقت كلمة الفقهاء على عدم جواز الجمع بين الظّهر والعصر بسبب مطر متوقع. سابعاً: حكم الجمع بين المغرب والعشاء بسبب المطر والثلج والبَرَد: يجوز الجمع بين المغرب والعشاء بسبب (المطر والثلج والبَرَد) عند جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة على تفصيل واختلاف بينهم في صفة المطر وشروطه: أ. أمّا بالنسبة لمذهب السادة الشافعية بخصوص الجمع بين المغرب والعشاء فإنّها نفس شروط الجمع بين الظهر والعصر كما سبق بيانها آنفاً. ب. أجاز المذهب الحنبلي الجمع بين المغرب والعشاء بسبب المطر الذي يبلّ الثياب ويترتب عليه حصول مشقة، شريطة أن ينوي الجمع عند تكبيرة الإحرام في الصلاة الأولى، ووجود العذر المبيح للجمع عند افتتاحهما (أي عند تكبيرة الإحرام في الصلاتين) وعند السلام من الأولى، 
ومثل المطر والثلج والبَرَد. ج. أجاز المذهب المالكي الجمع بين المغرب والعشاء خاصةً بسبب مطر غزير يحمل أواسط النّاس على تغطية رؤوسهم، ولا يشترط عند المالكية وجود المطر أول الصلاتين كما اشترطه الجمهور. ثامناً: حكم الجمع بين المغرب والعشاء بسبب مطر متوقع: انفرد المذهب المالكيّ بالقول بجواز الجمع بين المغرب والعشاء بسبب مطر متوقع وذلك إن توقع نزول مطر وابل (غزير) قبل دخول وقت العشاء فإن لم ينزل المطر قبل العشاء فإنّه ينبغي إعادة الصلاة، ونرى عدم الأخذ بهذا القول لما قد يترتب عليه من إرباك واضطراب. تاسعاً: حكم الجمع بسبب الوحل والظلمة والطين بين المغرب والعشاء: لا يجمع بين المغرب والعشاء بسبب الوحل والطين والظلمة وهذا مذهب الحنفية والشّافعية، وذلك لأنّ هذه الأسباب ليست موجودة في حياتنا اليومية من ناحية ونظراً لصيانة الشوارع في القرى والمدن وانتشار الإضاءة فيها من ناحية أخرى.
 *صفة المطر الذي يباح معه الجمع: لم يشترط المذهب الشافعي غزارة المطر لجواز الجمع بين الظهرين (الظهر والعصر) أو بين العشاءين (المغرب والعشاء) وإنّما اكتفى المذهب الشّافعي بوجود مطر يبلّ أعلى الثياب أو أسفل النّعلين بخلاف المذهب المالكي والحنبلي حيث اشترطوا لجواز الجمع بين العشاءين أن يكون المطر غزيراً وأضاف الحنابلة شرط ترتب وحصول المشقة. المراجع: أولاً: مراجع المذهب المالكي: 1. الشرح الصغير على أقرب المسالك (1\175) وحاشية الصاوي عليه. 2. حاشية الدسوقي، للعالم العلامة أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي على الشرح الكبير، للشيخ أبي البركات سيدي أحمد بن محمد العدوي الشهير بالدردير وبالهامش تقريرات العلامة المحقق محمد بن أحمد بن محمد الملقب بعليش، 1\588، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1417ه – 1996م. ثانياً: مراجع المذهب الشّافعي: 1. مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، للشيخ شمس الدّين محمّد بن الخطيب الشربيني،1\412، دار المعرفة، بيروت لبنان، الطبعة الأولى، (1418ه\1997م). 2. حاشية إعانة الطالبين، للعلاّمة أبي بكر عثمان بن محمّد شطّا الدمياطي البكري على حلّ ألفاظ فتح المعين لشرح قرة العين بمهمّات الدّين، للإمام العلاّمة زين الدّين عبد العزيز بن زين الدّين المليباري، 2\229. 3. حاشية الشيخ إبراهيم البيجوري على شرح ابن القاسم الغزّي على متن أبي شجاع، ج1\ 309، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1429 – 1430ه\2009 م. مراجع المذهب الحنبلي: 1. كشّاف القناع، 
للشيخ منصور بن يونس البهوتي الحنبلي، عن متن الإقناع للإمام موسى بن أحمد الحجّاوي الصّالحي، ج2\ص6، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان الطبعة الأولى، 1418ه\1997م. 2. مطالب أولي النُّهى في شرح غاية المنتهى، الفقيه العلامة الشّيخ مصطفى السّيوطي الرّحيباني، (ج2\234-236)، الطبعة الثالثة \1421ه – 2000 م. توصيات المجلس الإسلامي للإفتاء بخصوص الجمع بين الصلوات بسبب المطر: هذا ويوصي المجلس الإسلامي للإفتاء الأئمة الكرام سعياً لتحقيق الوحدة الشّعائرية في العبادة وحسماً للفوضى والتهاون في ركن الإسلام الأعظم بما يلي: أولاً: نوصي الأئمة بعدم تتبع الرّخص والفتاوى الفردية التّي تخالف ما درَج وعاش عليه سلفنا على مدار قرون من الزّمان. ثانياً: نوصي الأئمة بالتيسير والتّوسعة على النّاس ومراعاة أعرافهم وما عمّت به البلوى واشتدت إليه الحاجة في نطاق المذاهب الفقهية الأربعة. ثالثاً: نوصي الأئمة ببثّ روح الورع والتقوى والأخذ بالعزائم لدى المأمومين، عملاً بالقاعدة الفقهية: “الخروج من الخلاف مستحب” مع مراعاة مبدأ الحكمة والرّفق واللّين. رابعاً: نوصي الأئمة بحثّ وشحذ همم المصلين على أداء الصلاة بوقتها الأصلي من خلال الخطب ومجالس الوعظ والمحاضرات مع التوضيح للنّاس بأنّ الجمع ليس مندوباً ولا مستحباً بل هو في أحسن أحواله خلاف الأولى بالإتفاق. رابعاً: نوصي الأئمة بالتّواجد في وقت الصّلاة المجموعة الأصلي أو توكيل مؤهلٍ بالإمامة إن تعذر عليه الحضور. وأخيراً نؤكّد على الإخوة الأئمة بعدم التهاون بمسألة الجمع بين الصلوات ولحسم باب الفوضى ينبغي ألاّ يجمع بين الصّلوات إلاّ إذا وجد المطر عند افتتاح الصّلاتين بالنسبة للظهر والعصر وعند افتتاح الصلاة الأولى بالنسبة للمغرب والعشاء، فإن كان المطر قبل ذلك ثمّ توقف قبل الشّروع فيها فلا جمع بالإتفاق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق