د. علي الصلابي - خاص ترك برس
يستمر مسلسل التشويه والافتراء والكذب والتضليل الإعلامي (المسيس) بحق التاريخ الإسلامي وخصوصاً التاريخ العثماني وسلاطينه العظام، فلم يكتف أعوان الاستبداد والطغيان ومزاميرهم الإعلامية وأعداء تاريخ الأمة والحضارة الإسلامية من مختلف مشاربهم بالافتراء على شخصيات فذة في تاريخنا في مقدمتها السيدة عائشة (رضي الله عنها) ومعاوية بن أبي سفيان والقائد صلاح الدين الأيوبي والأمير التركي أرطغرل والسلاطين العثمانيين محمد الفاتح وسليم الأول على أنهم سلاطين سفاحين ولصوص وظالمين، وكذلك على الأئمة والعلماء الربانيين أمثال الشيخ ابن تيمية والغزالي والشعراوي وغيرهم كثيرون. ولم يتركوا قدوة أو شخصية إلا وأساؤوا لها وكان آخر من تطاول عليه هؤلاء الجهلة وأعوان الطغاة وأعداء الحقيقة والعلم، شخصية إسلامية ورمزية عظيمة حفظتها كُتب التاريخ، وصدور الأسلاف، وأمهات الكتب التاريخية وبلغات العالم أجمع، بل حفظها العدو قبل الصديق، وهي شخصية السلطان سليمان القانوني. وانطلاقاً من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} "الحجرات:6"، وجب علينا أن نبين للمسلمين وغيرهم حقائق تاريخ هذا السلطان الذي لا تسعفني هذه المقالة البسيطة لسرد قصته وتاريخه، وإنما الأمر يحتاج إلى مؤلفات لاستيفاء حقه ودَينه علينا.
أولاً: بعض أقوال العلماء والمؤرخين في السلطان سليمان القانوني:
قبل أن أسرد جانباً من حياة وأعمال السلطان سليمان القانوني، أبتدأ حديثي عنه في ما ذكره ابن العماد في كتابه "شذرات الذهب في أخبار من ذهب" في وصف القانوني، قائلاً: "... ولي السلطنة بعد وفاة أبيه السلطان سليم خان في سنة ست وعشرين وتسعمائة، وجلس على تخت السلطنة وما دُمي أنف أحد ولا أُريق في ذلك محجمة من دم، ومولده الشريف سنة تسعمائة، واستمر في السلطنة تسعاً وأربعين سنة، وهو سلطان غاز في سبيل الله، مجاهد لنصرة دين الله، مرغم أنوف عداه بلسان سيفه وسنان قناه". وأكل قوله فيه: "وكان مؤيداً في حروبه ومغازيه، مسدداً في آرائه ومغازيه، مسعوداً في معانيه ومغانيه، مشهوداً في مواقعه ومراميه، أيَّان سلك ملك، وأنى توجه فتح وفتك، وأين سافر سفر وسفك، وصلت سراياه إلى أقصى الشرق والغرب، وافتتح البلدان الشاسعة الواسعة بالقهر والحرب، وأخذ الكفار والملاحدة بقوة الطعان والضرب، وكان مجدد دين هذه الأمة المحمدين في القرن العاشر (الهجري)، مع الفضل الباهر والعلم الزاهر والأدب الغض الذي يقصر عن شأوه كل أديب وشاعر، إن نظم نضد عقود الجواهر أو نثر آثر منثور الأزاهر أو نطق قلد الأعناق نفائس الدر الفاخر، له ديوان فائق بالتركي، وآخر عديم النظير بالفارسي تداولهما بلغاء الزمان وتعجز أن تنسج على منواله فضلاء الدوران.
وكان رؤوفاً، شفوقاً، صادقاً، صدوقاً، إذ قال صدق، وإذا قيل له صدق لا يعرف الغل والخداع، ويتحاشى عن سوء الطباع، ولا يعرف المكر والنفاق، ولا يألف مساوئ الأخلاق، بل هو صافي الفؤاد، صادق الاعتقاد، منور الباطن، كامل الإيمان، سليم القلب، خالص الجنان:
وما تَناهيتُ في بثي محاسنهُ إلا وأكثر مما قُلت ما أدعُ".
وذكره القاضي شمس الدين بن إسماعيل بن عبد الصمد الموزعي اليمني في كتابه المسمى "الإحسان في دخول مملكة اليمن تحت ظل عدالة آل عثمان" بالقول: "... وصادف انقسام المملكة في اليمن، وصول خبر مولانا السلطان سليمان خان، تغمده الله بأذكى الرحمة والرضوان، وبل ضريحه بوابل المغفرة والغفران، وحف روضته بروائح الروح والريحان...".
وقال فيه عبد الملك بن حسين بن عبد الملك الشافعي العاصمي المكي في كتابه "سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي": "... سلك طريق المعدلة وجادة الإنصاف، وتفقد أحوال الرعايا والعساكر، ورفع الظلم والاعتساف، وأعرض عن المنهيات، وله خيرات لا تحصى معروفة في الآفاق، وفتوحات وغزوات، رفعت أهل الإيمان، وخفضت أرباب الشقاق والنفاق، منها انكروس ورودس وبُدن وبلغراديج وغزوة العجم وألمان وأولونية وبغداد وإسطنبول والستوراغون وسكتوار آخر غزواته، وتوفي فيها سنة 974 أربع وسبعين وتسعمائة..".
ثانياً: السلطان سليمان القانوني: النشأة واستلامه عرش السلطنة العثمانية:
ولد سليمان القانوني في مدينة (طرابزون) كان والده آنذاك والياً عليها، اهتمَّ به والده اهتماماً عظيماً، فنشأ محبَّاً للعلم، والأدب، والعلماء، والأدباء، والفقهاء، واشتهر منذ شبابه بالجدِّية، والوقار، ارتقى عرش السَّلطنة في السادسة والعشرين من عمره، وكان متأنِّياً في جميع شؤونه، ولا يتعجَّل في الأعمال الَّتي يريد تنفيذها، بل كان يفكِّر بعمقٍ، ثمَّ يقرِّر، وإِذا اتَّخذ قراراً؛ لا يرجع عنه.
مثل عهد السُّلطان سليمان القانوني رأس الهرم بالنِّسبة لقوَّة الدَّولة العثمانيَّة ومكانتها بين دول العالم آنذاك. ويعتبر عصر السُّلطان سليمان هو العصر الذَّهبي للدَّولة العثمانيَّة، حيث شهدت ثمانية وأربعون عامًا قضاها السلطان سليمان القانوني في حكمه من 926 - 972هـ، الموافق 1520 - 1566م توسُّعاً عظيماً لم يسبق له مثيلٌ، بلغت قمة درجات القوة والسلطان، وأصبحت أقاليم الدَّولة العثمانيَّة منتشرةً في ثلاث قاراتٍ عالميَّةٍ. فقد كان عهده قمة العهود العثمانية سواءً في الحركة الجهادية، أو في الناحية المعمارية والعلمية والأدبية. إذ أصبح السلطان سليمان القوة العظمى دولياً في زمنه، فقد استطاع أن يؤثر في سياسة أوروبا تأثيراً كبيراً، حتى أنه لقب في المصادر الأوروبية بـ "سليمان العظيم"، وقد نعمت الدولة الإسلامية العثمانية في عهده بالرخاء والطمأنينة.
ثالثاً: مواجهة الفتن والتمردات في بداية حكمه
ابتلي سليمان في السَّنوات الأولى من عهده بأربعة تمرُّداتٍ شغلته عن حركة الجهاد؛ حيث ظنَّ الولاة الطَّموحون: أنَّ فرصة الاستقلال بأقاليمهم حان وقتها، فكان التَّمرُّد الأول حيث قام «جان برد الغزالي» والي الشَّام بتمرُّدٍ على الدَّولة، وأعلن العصيان عليها، وحاول أن يستولي على حلب إِلا أنَّه فشل في ذلك، وأمر السلطان سليمان بقمع الفتنة، فقمعت، وقطع رأس المتمرد «جان برد» وأرسل إِلى إستانبول دلالةً على انتهاء التَّمرُّد.
وأمَّا التَّمرُّد الثاني؛ فقد قام به «أحمد شاه» الخائن في مصر، وكان هذا عام 930هـ/1524م وكان هذا الباشا طامعاً في منصب الصَّدر الأعظم، ولم يفلح في تحقيق هدفه، وطلب من السُّلطان أن يعيِّنه والياً على مصر، فعيَّنه. وما أن وصل إِلى مصر؛ حتَّى حاول استمالة النَّاس، وأعلن نفسه سلطاناً مستقلاً إِلا أنَّ أهل الشَّرع، وجنود الدَّولة العثمانيَّة من الإِنكشاريَّة قاموا ضدَّ الوالي المتمرِّد، وقتلوه، وظلَّ اسمه في كتب التاريخ مقروناً باسم الخائن.
والتمرُّد الثَّالث ضد خليفة المسلمين هو تمرُّدٌ شيعيٌّ رافضيٌّ قام به بابا ذو النُّون عام 1526م في منطقة يوزغاد، حيث جمع هذا البابا ما بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف ثائر، وفرض الخراج على المنطقة، وقويت حركته حتَّى أنَّه استطاع هزيمة بعض القواد العثمانيِّين الَّذين توجَّهوا لقمع حركته، وانتهت فتنة الشِّيعة هذه بهزيمة بابا ذو النُّون، وأرسل رأسه إِلى إستانبول.
والتمرُّد الرَّابع ضدَّ الدَّولة العثمانيَّة في عهد سليمان القانوني كان تمرُّداً شيعيَّاً رافضيَّاً أيضاً، وكان على رأسه «قلندر جلبي» في منطقتي قونية، ومرعش، وكان عدد أتباعه 000 , 30 شيعي قاموا بقتل المسلمين السُّنِّيِّين في هاتين المنطقتين. وتوجه بهرام باشا لقمع هذا العصيان، فقتله العصاة، ثمَّ نجحت الحيلة معهم؛ إِذ أنَّ الصَّدر الأعظم إبراهيم باشا قد استمال بعض رجال «قلندر جلبي»، فقلَّت قوَّاته، وهزم، وقتل. وبعد هذا هدأت الأمور في الدَّولة العثمانيَّة، وبدأ السُّلطان في التَّخطيط لسياسة الجهاد في أوروبا.
رابعاً: التخطيط السياسي والتوسع في أوروبا:
1. فتح رودس:
كانت رودس جزيرةً مشاكسةً؛ إِذ كانت حصناً حصيناً لفرسان القدِّيس يوحنَّا؛ الَّذين كانوا يقطعون طريق الحجَّاج المسلمين الأتراك إِلى الحجاز، فضلاً عن أعمالهم العدوانيَّة الموجَّهة لخطوط المواصلات البحريَّة العثمانيَّة، فاهتمَّ السلطان سليمان بفتح رودس، وأعدَّ حملةً عظيمةً وشنَّ حرباً كبيرةً ابتداءً من منتصف عام 1522م، وفتحها، وأعطى الفرسان حقَّ الانتقال منها، فذهبوا إِلى (مالطة) وهناك أعطاهم (شارل كنت) حقَّ حكم هذه الجزيرة.
2. قتال المجر وحصار فيينا:
كان ملك المجر (فيلاديسلاف الثَّاني جاجليو) قد عزم على فكِّ أيِّ تعهُّداتٍ كانت قد أعطيت من قبل أسلافه لسلاطين الدَّولة العثمانيَّة، وذهب إِلى حدِّ قتل مبعوث السُّلطان سليمان إِليه، وكان المبعوث يطالب بالجزية السَّنويَّة المفروضة على المجر، ولهذا ردَّ سليمان في عام 1521م بغزوةٍ كبيرةٍ ضدَّ المجر، واستمرَّت المعارك حتَّى أحرز الأتراك انتصارهم الكبير، في موقعة «موهاكس» عام 1526م، ودخل سليمان القانوني (بودا) في 11 سبتمبر عام 1526م، واستمرَّت المقاومة الهنغارية رغم هذا، وتابع السُّلطان ضغطه حتَّى بلغت جيوشه أسوار فينَّا عاصمة الإمبراطورية الرُّومانيَّة المقدَّسة عام 1529م، إِلا أنَّ طول خطوط المواصلات، وتحوُّل (شارل كنت) من قتال فرانسوا إِلى التَّصالح معه للتفرُّغ لحرب العثمانيِّين، ولإِنقاذ عاصمة الهايسبورج جعل من المستحيل على سليمان القانوني فتح هذه العاصمة، وتراجع عنها، بينما استمرَّ الصِّراع بين سليمان، والقوى الأوربيَّة المؤيِّدة لملك المجر من أجل السَّيطرة على هذه المملكة حتَّى وفاة سليمان.
وبالرغم من أنَّ أبرز حدثٍ تاريخيٍّ في السِّياسة الخارجيَّة العثمانيَّة في عهد سليمان القانوني هو علاقته مع فرانسوا، تلك العلاقة الَّتي تحوَّلت إِلى حلف.
3. سياسة التَّقارب بين سليمان القانوني وملك فرنسا:
بعد أن ظهرت قوَّة الدَّولة العثمانيَّة ومكانتها في العالم آنذاك وبرزت قوة السلطان العثماني سليمان القانوني، كان لذلك أثره على دول العالم المعاصرة، وبالأخصِّ على دول أوربَّة، الَّتي كانت تعيش انقساماتٍ سياسيَّةً، ودينيَّةً خطيرةً، ولهذا تنوَّعت مواقف الدُّول الأوربيَّة من الدَّولة العثمانيَّة حسب ظروف كلِّ دولة. وكان تشارلز الخامس ملك الإمبراطورية الرُّومانيَّة المقدَّسة ينافس فرانسوا الأوَّل ملك فرنسا على كرسي الحكم للإمبراطوريَّة الرُّومانيَّة، وكان البابا ليو العاشر منافساً للرَّاهب الألماني مارتن لوثر زعيم المقاومة البروتستانتيَّة.
ولهذا رأى فرانسوا الأوَّل أن يستغلَّ مكانة، وقوَّة الدَّولة العثمانيَّة، ويكسبها صديقاً له، فوقف منه موقف التودُّد، والرَّغبة في الوفاق معتقداً: أنَّ الدَّولة العثمانيَّة هي الَّتي ستحدُّ من طموحات تشارلز الخامس، وتُوقفه عند حدِّه، وبدأت مفاوضات فرنسا مع الدَّولة العثمانيَّة بعد معركة «بافيا» الَّتي أُسر فيها ملك فرنسا «فرانسوا الأوَّل» عام 1525م، وبعدها أطلق سراح الأسير بموجب معاهدة تمَّ عقدها في مدريد بين فرنسا وأسرة الهايسبرج سنة 1526م إِلا أنَّ فرانسوا بعد إِطلاق سراحه أرسل في عام 941هـ/1535م سكرتيره «جان دي لافوريه» إِلى السُّلطان سليمان بهدف عقد تحالف في شكل معاهدةٍ، سُمِّيت فيما بعد بـ «معاهدة الامتيازات العثمانيَّة الفرنسيَّة»، ونظراً لما ستكون عليه هذه المعاهدة من أهمِّيَّةٍ كبرى بعد ذلك نورد هنا أهمَّ نصوصها:
• حرِّيةُ التَّنقُّل والملاحة للسفنٍ المسلَّحةٍ وغير المسلَّحةٍ بِحُرِّية تامَّةٍ.
• حقُّ التِّجارة والمتاجرة في كلِّ أجزاء الدَّولة العثمانيَّة بالنِّسبة لرعايا ملك فرنسا.
• تدفع الرُّسوم الجمركيَّة وغيرها من الضَّرائب مرَّةً واحدةً في الدَّولة العثمانيَّة.
• الضَّرائب الَّتي يدفعها الفرنسيُّون في الدَّولة العثمانيَّة هي نفسها التي يدفعها الرَّعايا الأتراك.
• حقُّ التَّمثيل القنصلي، مع حصانةٍ قنصليَّةٍ له، ولأقاربه، وللعاملين معه.
• من حقِّ القنصل الفرنسي النَّظر في القضايا المدنيَّة، والجنائيَّة الَّتي يكون أطرافها من رعايا ملك فرنسا، وأن يحكم في هذه القضايا، وإِنَّ للقنصل الحقُّ في الاستعانة بالسُّلطات المحلِّية لتنفيذ أحكامه.
• في القضايا المختلفة الَّتي يكون أحد أطرافها رعيَّةً من رعايا السُّلطان العثماني، لا يستدعي، ولا يستجوب رعيَّة الملك الفرنسي، ولا يحاكم إِلا بحضور مترجم القنصليَّة الفرنسيَّة.
• إِفادات رعيَّة الملك في القضايا مقبولةٌ، ويؤخذ بها عند إِصدار الحكم.
• حرِّية العبادة محفوظة لرعايا الملك.
• منع استعباد رعيَّة الملك.
وكان من نتائج هذه المعاهدة زيادة التَّعاون بين الأسطولين الفرنسي، والعثماني، وشنَّ الأسطول العثمانيُّ هجماتٍ قويَّةً على شواطئ مملكة نابولي؛ الَّتي كانت تابعةً لـ«شارل كنت»، وفي عام 1543م، تجمَّعت وحدات الأسطولين العثماني، والفرنسي، وهاجمت «نسير» التَّابعة لدوق سافوي حليف شارل كنت.
واستفادت فرنسا من تقاربها مع الدَّولة العثمانيَّة عسكريَّاً، واقتصاديَّاً، وسياسياً، واتَّخذت من المعاهدة السَّابقة وسيلةً لفتح أبواب التِّجارة مع المشرق دون الخضوع للاحتكار التِّجاري الَّذي فرضته البرتغال بعد اكتشافها طريق رأس الرَّجاء الصَّالح، كما حصلت بموجبها على الحقِّ الكامل في الحماية تحت علمها رعايا الدُّول الغربيَّة الأخرى، ممَّا جعل لها مكانةً مرموقةً بين دول الغرب الأوربيِّ.
وفي أواخر أيَّام الدَّولة العثمانيَّة صارت دول أوربة النَّصرانيَّة تتدخَّل في شؤونها تحت حماية الامتيازات، وللدِّفاع عن نصارى الدَّولة الَّذين كانوا يُعَدُّون رعايا للدَّولة الأجنبيَّة، وخاصَّةً في بلاد الشَّام.
ولم يكن عهد سليمان القانوني العهد الذي بلغت فيه الدولة أقصى حدود لها من الاتساع فقط، وإنما هو العهد الذي تمت فيه إدارة أعظم دولة بأرقى نظام إداري تحكمه القوة والعدل والعمران وهذا ما سيكون له حديث في مقالات أخرى.
وتوفي السلطان سليمان وهو يحاصر مدينة سيكتوار البحرية في (20 من صفر 974 هـ/ 5 من سبتمبر 1566م).
خاتمة
يمكننا القول في نهاية المطاف: لن يُؤثر قرار إزالة اسم السلطان سليمان القانوني من اسم شارع من شوارع على تاريخه العظيم وسيرته المشرفة، فمكانة هذا السلطان الإسلامي المظفر وقيمته في أذهان ونفوس وقلوب الغيورين من أبناء أمتنا راسخة وخالدة أبد الدهر، وإنهم يتوجهون بالدعاء له والترحم عليه كلما قرأوا سيرته أو تذكروها أو سمعوا بها في حديث من الأحاديث. أما الكاذبون والجهلة وأعوان الطغاة، فكلما حاولوا أن يطفئوا نوراً بأقلامهم وأفواههم أضاء الله أنواراً، وكلما حاولوا أن يسقطوا رمزاً أو عالماً رفع الله من قدره وأحيا ذكره، وها هو اسم السلطان القانوني يرتفع اسماً لأحد الشوارع في منطقة تاجوراء في العاصمة الليبية طرابلس في الآن نفسه، ولا يحتاج تاريخ السلطان القانوني لوحة شارع لتشرحه بل تحمله وتعبر عنه أجيال مؤمنة بهويتها وتاريخها وحضارتها وأثرها ماضياً وحاضراً.
مراجع
1. ابن العماد، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، تحقيق، محمود الأرناؤوط، دار ابن كثير، دمشق، 549 – 550.
2. د. محمد حرب، العثمانيون في التاريخ والحضارة، المركز المصري للدراسات العثمانية، القاهرة، 1414ه/ 1994م، ص (91).
3. زكريَّا سليمان بيُّومي، قراءة جديدة في تاريخ العثمانيِّين، عالم المعرفة، الطَّبعة الأولى 1411هـ/1991م، ص (77، 78).
4. عبد العزيز نوّار، الشعوب الإِسلاميَّة، الأتراك العثمانيُّون، الفرس، مسلمو الهند، دار النَّهضة العربيَّة، طبعة 1411هـ/1991م. ص (147).
5. عبد الملك بن حسين بن عبد الملك الشافعي العاصمي المكي في كتابه "سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، تحقيق، الشيخان عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، المجلد الرابع، ص 85.
6. علي محمّد الصلابي. الدولة العثمانية، عوامل النهوض وأسباب السقوط، الطبعة الأولى 2003م، ص (164: 168).
7. القاضي شمس الدين بن إسماعيل بن عبد الصمد الموزعي اليمني، دخول العثمانيين الأول إلى اليمن المسمى الإحسان في دخول مملكة اليمن تحت ظل عدالة آل عثمان، تحقيق عبد الله محمد الحبشي، ص 36 – 37.
8. يوسف علي الثقفي، دراساتٌ متميِّزةٌ في العلاقات بين الشَّرق والغرب على مرِّ العصور، دار الثِّقة، الطَّبعة الثَّانيَّة، 1411هـ. ص (92).
9. يوسف علي الثَّقفي، موقف أوروبا من الدَّولة العثمانيَّة، ط1، 1417هـ، ص 47.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق