الجمعة، 19 يونيو 2020

بيان شذوذ الألباني في مسألة التوسل والاستغاثة

الشبهة:
زادت جرأة الألباني وتطاوله على الحق وأهله حين حرّم [1] التوسل بذات النبي (صلى الله عليه وسلم) وجعل الاستغاثة بغير الله شركا[2].



الرد:
روى البخاري[3] عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن، فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد)، والتوسل والاستغاثة بمعنى واحد كما قال الحافظ اللغوي تقي الدين السبكي الذي قال فيه السيوطي إنه حافظ مجتهد لغوي فقيه أصولي نحوي متكلم.
ومما يدل على ذلك أن حديث الشفاعة روي بلفظين، رواه البخاري عن ابن عمر بهذا اللفظ، ورواه أيضا عن أنس بلفظ الاستشفاع ونصه: (فاشفع لنا عند ربنا)، فهاتان الروايتان يؤخذ منهما أن الاستغاثة توسل والتوسل استغاثة.
ومن أدلة أهل السنة على جواز الاستغاثة ما رواه البخاري في الأدب المفرد[4] عن ابن عمر أنه قال: يا محمد، وذلك عندما خدرت رجله، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، وكلامه هذا استغاثة ويقال عنه توسل أيضا.
ومن أدلة التوسل ما رواه الحافظ الطبراني[5] عن عثمان بن حنَيف أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان فكان عثمان لا يلتَفت إليه ولا ينظر في حاجته فلقي عثمان بن حُنَيْف فشكى اليه ذلك فقال: ائت الميضأةَ فَتَوضأ ثم صل ركعتين ثم قل: (اللهم إني أسألك وأتَوجّه إليك بنبِيّنا محمد نبيّ الرحمة، يا محمّدُ إني أتَوجهُ بكَ إلى ربّي في حاجتي لتُقضَى لي)، ثم رح حتى أرُوحَ معك.
فانطلق الرجل فصنع ما قال له، ثم أتَى عثمان بن عفان فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال: ما حاجتك؟ فذكر حاجته، فقضاها له ثم قال له: ما ذكرت حاجتَك حتى كانَت هذه الساعة، وقال له ما كان لك من حاجة فأتنا ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيرا، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت حتى كلمته فيَّ، فقال عثْمان بن حنيف: والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه ضرير فشكى إليه ذهاب بصره، فقال النبي: «أو تصبر» فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد وقد شق علي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “ائتِ المِيْضَأةَ فتَوضأ وصل ركعتين ثم ادع بهذه الدعوات”. قال عثمان ابن حنيف: فوَالله مَا تفرقنا ولا طال بِنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضرّ قط. قال الطبراني[6]: والحديث صحيح. ففي هذا الحديث الصحيح دليل على جواز التوسل بالنبي في حياته بغير حضوره وبعد وفاته.
ومن أدلة الاستغاثة بالنبي (صلى الله عليه وسلم) ما رواه الحافظ البيهقي[7] أيضا بإسناد صحيح عن مالك الدار – وكان خازن عمر – قال: (أصاب الناس قحط في زمان عمر، فجاء رجل إلى قبر النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: (يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأُتي الرجل في المنام – أي رأى النبي (صلى الله عليه وسلم) في المنام – فقيل له: أقرئ عمر السلام وأخبره أنهم يسقون وقل له: عليك بالكيس الكيس، فأتى الرجل فأخبرعمر فقال: (يا رب ما ءالوا إلا ما عجزت”، انتهى. وهذا الرجل هو بلال بن الحرث المزني الصحابي، فهذا الصحابي قد قصد قبر الرسول للتبرك فلم ينكر عليه عمر ولا غيره.
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري[8] ما نصه: “وروى ابن شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمّان عن مالك الدار قال: أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأُتي الرجل في المنام فقيل له: ائت عمر … الحديث. وقد روى سيف الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحرث المزني أحد الصحابة”، انتهى.
ولما لم يستطع الألباني أن يثبت ضعف هذا الأثر عمد إلى الافتراء على الحافظ ابن حجر بأنه ضعفه[9] مع أن الحافظ صرّح بصحة سنده كما نقلنا عنه من كتابه “فتح الباري”، وهذا دليل أيضا على أن الألباني لا يوثق بنقله ولا برأيه الذي يحرّف الحقائق والوقائع نصرة لرأيه.
ثم إن الاستغاثة بالرسول بعد موته شرك وكفر عند هذا الرجل أي ناصر الدين الألباني فماذا يقول في زعيمه ابن تيمية الذي أوقعه في التجسيم وتوابعه في قوله في كتابه الذي سماه “الكلم الطيب”، أي أن كل ما فيه شئ حسن أن عبد الله بن عمر (رضي الله عنه) خدرت رجله – أي أصابها مرض الخدر الذي هو شبه فالج في الرِّجل وهو معروف عند الأطباء – فقال له رجل: اذكر أحبّ الناس إليك فقال: يا محمد، فكأنما نشط من عقال.
وكتاب ابن تيمية هذا توجد منه نسخ خطية وطبع عدة طبعات في مصر وغيرها، فموجب قوله بتكفير المستغيث برسول الله بعد موته تكفير ابن تيمية حيث انه استحسن هذا ومن استحسن الكفر فهو كافر ومن دلَّ إلى الكفر فهو كافر، فهل يكفر ابن تيمية لأنه استحسن هذه الاستغاثة كما يُكفر المستغيثين بالرسول بعد وفاته على الإطلاق أم يستثنيه؟! أم ماذا يفعل؟! فإن قال: لا أكفر ابن تيمية لاستحسانه ذلك لأنه زعيمنا قيل له: إذن أنت تتحكم تطبق على الناس ما لا تطبقه على زعيمك فقد أشبهت في هذا اليهود الذين كانوا بدّلوا حكم التوراة في الرجل الزاني المحصن كانوا يرجمون الزاني المحصن إن كان من الوضعاء ولا يرجمونه إن كان من أشرافهم. وقد اعترفت يا ألباني بأن هذا الكتاب من مؤلفات ابن تيمية كما عرف الناس سواك لأن مترجميه ذكروا ذلك في عداد من مؤلفاته، فأين المهرب؟!
ثم ماذا يقول الألباني فيما ذكره الحافظ الخطيب[10] بسنده إلى عبد الواحد بن آدم يقول: (رأيت النبي (صلى الله عليه وسلم) في النوم ومعه جماعة من أصحابه وهو واقف في موضع، فسلمت عليه فرد على السلام، فقلت: وما وقوفك ههنا يا رسول الله؟ قال: أنتظر محمد بن إسماعيل – إلى آخر ما تقدم – وقال القسطلاني: لما ظهر أمره بعد وفاته، خرج بعض مخالفيه إلى قبره وأظهروا التوبة والندامة، وقال أبو علي الحافظ: أخبرنا أبو الفتح نصر بن الحسن السمرقندي، قدم علينا “بلنسية” عام أربعة وستين وأربعمائة، قال: فقحط المطر عندنا بسمرقند في بعض الأعوام، فاستسقى الناس مرارا فلم يسقوا، فأتى رجل صالح معروف بالصلاح إلى قاضي سمرقند وقال له: إني رأيت رأيا أعرضه عليك، قال: وما هو؟ قال: أرى أن تخرج ويخرج الناس معك إلى قبر الإمام البخاري فتستسقي عنده فعسى الله أن يسقينا، فقال القاضي: نِعْمَ ما رأيت! فخرج القاضي ومعه الناس واستسقى بهم وبكى الناس عند القبر وتشفعوا بصاحبه، فأرسل الله تعالى السماء بماء عظيم غزير، أدام الناس من أجله «بخرتنك» سبعة أيام ونحوها لا يستطيع أحد الوصول إلى سمرقند من كثرة المطر وغزارته”، انتهى.
وقد حصل لي أن ذهبت إلى شعيب الأرناؤوط لمناقشته في مسألة التوسل والاستغاثة فتكلمت معه في موضوع التوسل أولا وأعطيته حديث الطبراني فقال لي: إنه يجيز التوسل بالنبي في حال حياته وبعد مماته، وكذلك حديث بلال بن الحارث المزني الذي ذهب إلى قبر النبي وتوسل به بعد موته، فقال لي: هذا الحديث ضعيف، فقلت له رواه البيهقي بسند صحيح كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح وكذلك صححه ابن كثير، فقال لي: ابن حجر يقول رواه البيهقي بسند صحيح إلى مالك الدار أي أن الحديث صحيح إلى مالك الدار، ومالك الدار هذا مجهول، فلا حجة في الحديث، فقلت له: عمر يولي على خزائن المسلمين على بيت مال المسلمين رجلا مجهولا ليس معروفا أم ثقة، فسكت. ثم رجع فقال: أنا التوسل أقول إن فيه خلافا فلا أعترض على من يتوسل أما الاستغاثة بغير الله هي المحرّمة ولا يجوز لمخلوق أن يستغيث بمخلوق آخر، فقلت له: ماذا تقول في الحديث الذي رواه البخاري من طريق ابن عمر أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن، فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم)، فقال لي: هذا في حال حياتهم يجوز أن تستغيث بهم أما بعد مماتهم لا يجوز.
فقلت له: إذا أنت تُقرُّ بجواز الاستغاثة بالأنبياء في حال حياتهم فقال لي: نعم، فقلت له: ما المانع عقلا أو شرعا من الاستغاثة بهم بعد مماتهم، فقال لي: حديث أحمد الذي رواه في مسنده والذي أقوم بتحقيقه ولم تر الأسواق مثله، ثم قال لي: الحديث هو أن الرسول قال: (إنه لا يُستغاث بي، إنما يُستغاث بالله)، فقلت له أنت شهدت على نفسك الآن بالتناقض، فقد قلت لي لما ذكرت لك حديث ابن عمر إن الاستغاثة بالأنبياء في حال حياتهم جائزة فكيف تُورِد حديثا أن النبي في حال حياته قال إنه لا يُستغاث بي، فقال لي: هذا الحديث ضعيف لا حُجة فيه!!! ثم قال لي: أعطني واحدا من الأئمة الأربعة ذهب إلى قبرٍ أو ولي تبرك أو استغاث به، فقلت له: روى الخطيب البغدادي بإسناد صحيح في تاريخ بغداد –[11] – أن الشافعي قال: إني لأتبرك بأبي حنيفة وأجيء إلى قبره كل يوم يعني زائرا فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين وأتيت إلى قبره وسألت الله الحاجة عنده فما تبعد عني حتى تقضى، فقال لي: هذا ليس صحيحا وصار يصرخ ويقول: من أين أتيت بهذا، فكان الكتاب كتاب تاريخ بغداد خلف ظهره، فقلتُ له: أعطني الكتاب ففتحت له الكتاب حيث الرواية فلما رأى ذلك بعينه عجب وقال لشخص عنده: اذهب وخرّج لي رواه هذا الحديث، وهذا يعني أن يُجرئ الذين عنده على التصحيح والتضعيف، فذهب هذا ورجع فسمعته يقول له بصوت منخفض: كل رواة الحديث ثقات، فقلت له فورا: ماذا وجدت في رواة هذا الحديث، فقال: كل رواته ثقات إلا راوٍ لم أجد له عندي ترجمة، فقال الوهابي: إذا هذا الحديث ضعيف لأن فيه راوٍ مجهول، فقلت له: كيف تحكم بضعف هذه الرواية لأنك لم تجد ترجمة لراوٍ عندك والقاعدة تقول “عدم الوجدان ليس دليل العدم”، فقال لي: ما معنى هذه القاعدة، فقلت له: إذا لم تجد ترجمة لراوٍ عندك فليس المعنى أنه مجهول ضعيف فقال لي: إذا أتيتني بترجمة هذا الراوي أنا أبصم لك بالعشرة، ثم قال لي: أنا مشغول الآن، وسألني عن اسمي، فقلت له اسمي وليد السعيد من تلاميذ الشيخ عبد الله الهرري.
_____________________________
[1] . انظر كتابه المسمى “التوسل” (ص/70 و 74).
[2] . المصدر السابق (ص/25).
[3] . أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الزكاة: باب من سأل الناس تكثُّرًا.
[4] . الأدب المفرد (ص/207).
[5] . المعجم الكبير (9/ 17)، والمعجم الصغير (1/ 201 – 202).
[6] . المعجم الصغير (1/ 201 – 202).
[7] . انظر البداية والنهاية (7/ 91 – 92).
[8] . فتح الباري شرح صحيح البخاري (2/ 495 – 496).
[9] . انظر كتابه المسمى “التوسل أنواعه وأحكامه” (ص/13).
[10] . لامع الدراري (1/ 44).

[11] . تاريخ بغداد (1/ 123).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق