حرب تكسير العظام.. «مداخلة السودان» يخوضون صراع «الأكثر تشددًا»
اعتاد دعاة السلفية المدخلية، خوض حروب كلامية متتالية مع العديد من التيارات والجماعات الإسلاموية بدءًا من جماعة الإخوان، ومرورًا بأنصار السنة المحمدية، وانتهاء بالتيارات السلفية، التي يسميها المداخلة بـ«الحزبية»، كالسروريون والقطبيون والحدادية، وذلك من أجل تحقيق ما يطلقون عليه «منهج أهل السنة والجماعة».
ولم يتوقف التأثير السلبي لهذه الحروب، عند حد خلق حالة من العداء بين التيار المدخلي وباقي التيارات الإسلاموية فقط؛ بل أدت إلى انقسام المداخلة أنفسهم؛ حيث انشق كثير منهم عن «ربيع بن هادي»، الذي ينسب إليه هذا التيار.
وتُعد السلفية المدخلية بالسودان، من أبرز الدلائل على هذه الانشقاقات التي طالت التيار المدخلي؛ حيث نشأت هذه الطائفة بعد انشقاق دعاتها عن جماعة أنصار السنّة المحمدية، في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، إثر دخولهم في صراع طويل مع الجماعة، التي اتهموها بأنها مخترقة من الحزبيين والسروريين والقطبيين.
ويعتنق «مداخلة السودان»، نفس معتقدات التيار المدخلي الذي يتزعمه ربيع بن هادي؛ حيث يحرمون الانتماء إلى الجماعات الإسلاموية، ويحاربون الطرق الصوفية، ويتهمونها بالوقوع في الشرك والغلو في محبة الأولياء والصالحين، إضافة إلى تحريمهم الخروج على ولي الأمر، وهي القناعات التي اكسبتهم عداء خاصًا مع جماعة الإخوان.
ومؤخرًا سرى الانشقاق في صفوف «مداخلة السودان»، إثر معارك منبرية نشبت بين «نزار هاشم» من جهة، و«مزمل فقيري» و«أبوبكر آداب» من جهة أخرى (وهؤلاء الثلاثة هم القادة الكبار للتيار)، ووصلت هذه المعارك إلى حد الطعن في كبار رموز التيار السلفي المدخلي في العالم، أمثال: ربيع بن هادي المدخلي، ومحمد بن هادي المدخلي.
رأس الفتنة
يُعد نزار بن هاشم السوداني، رأس الفتنة السلفية المدخلية، والسبب في انقسام «مداخلة السودان»، وهو خريج الجامعة اﻹسلامية بالمدينة المنورة، وتعلم فيها على يد ربيع بن هادي المدخلي، وحصل على تزكيته العلمية، إلى جانب تزكيات أخرى من: حمَّاد الأنصاري ، وحسن بن عبد الوهَّاب البنا، ومحمد بن عبد الوهَّاب العقيل، ومحمد بن هادي المدخلي.
بدأ «هاشم»، دعوته المدخلية عقب عودته إلى السودان، من خلال جمعية الكتاب والسنة في السودان (المنشقة عن جمعية أنصار السنة)، وترأس هذه الجمعية فيما بعد، ما ساعده على استقدام بعض دعاة التيار المدخلي لإلقاء الدروس في مساجد الجمعية، وهذا الأمر جعله يصطدم بعدد من كبار دعاة الجمعية الذين رأوه ينحو بها إلى منحنى مختلفًا عن مسارها العام الذي انتهجته منذ نشأتها؛ فما كان منه إلا أن انقلب عليهم وصار يجرح فيهم ويهاجم منهجهم.
وكان هذا الهجوم هو بداية الصراع الذي دخله «هاشم» مع رفقاء دربه القدامى من دعاة جمعية الكتاب والسنة في السودان، الذي تطور فيما بعد ليطال أحد رموز التيار المدخلي الكبار في اليمن وهو «مقبل بن هادي الوادعي»، ثم تعدى ذلك ليطعن في محمد بن هادي المدخلي، في كتابه الذي حمل عنوان: «وقفاتٌ مع الشيخ محمد بن هادي المدخلي»، والذي تسبب في نشوب فتنة «الصعافقة» (فتنة ضربت التيار السلفي المدخلي في مختلف أنحاء العالم، وتسببت في انشقاقه إلى تيارين، وكان أول من أطلق هذه التسمية عليهم، هو: محمد بن هادي المدخلي، واصفًا بها نزار هاشم السوداني؛ في درسه الشهير الذي جاء تحت عنوان: «آن لمحمد بن هادي أن يخرج عن صمته»، و«الصعافقة»، جمع «صعفوق» وهو العبد الأسود).
مدخلي يسب النبي
أما مزمل عوض فقيري، فهو داعية مدخلي سوداني، تخرج في كلية التجارة بجامعة النيلين، وبدأ نشاطه الدعوي من خلال انتمائه إلى جماعة أنصار السنة المحمدية، إلا أنه اختلف مع دعاتها فيما بعد، بسبب عدة أمور بعضها دعوي، وبعضها غير ذلك، ثم انضم إلى جمعيَّة الكتاب والسنة بالسودان، رغم وصف دعاة التيار السلفي المدخلي لهم بـ«الحزبية»، بسبب احتضانهم لبعض الدعاة من التيارات المخالفة للمنهج السلفي المدخلي، مثل الداعية القطبي «عدنان عرعور»، إضافة إلى «مختار بدري»، و«محمد حسين يعقوب»، و«علي الحلبي»، وعدد من السروريين.
ورغم توافق «فقيري»، في الرؤى مع دعاة جمعيَّة الكتاب والسنة بالسودان؛ إلا أنه كان له موقفٌ مضادٌ من الصوفية، تسبب في إلقاء القبض عليه عدة مرات خاصة بعد بلاغات قدمت ضده من الاتحاد العام للشباب الصوفي ومشايخ الطرق، بتهمة الإساءة إلى الشيخ محمد المنتصر الإزيرق، والطريقة العركية الصوفية، إضافة إلى إدانته بالإساءة لعدد من شيوخ الصوفية أمثال: الأمين عمر الأمين، الملقب بـ«شيخ الجلكسي المحايتو ببسي وحيرانو جكسي».
وتعد أشهر القضايا التي تمت محاكمة «فقيري» فيها، اتّهامه بسب الصحابة، والطعن في النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وإساءته لبعض الصحابيات، وزوجات الرسول، وذلك في 29 أغسطس 2018؛ حيث أكد رئيس المحكمة عباس علي بابكر، «أن ما صدر من مزمل فقيري، يعتبر ردة مغلظة، وساقط قول، واستهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم»، وعليه أيدت المحكمة حكم الاستئناف المؤيد لحكم جنايات محكمة الكلاكلة، التي قضت بإدانة «فقيري» بناء على المادتين 77 المتعلقة بـ«قانون الإزعاج»، و69 المتعلقة بـ«الإخلال بالسلامة العامة»، وخضوعه للاستتابة القانونية أمام الجهات القضائية المختصة، وهي «مجمع الفقه الإسلامي»، وفي حال إعلان توبته فإنّ العقوبة الموقعة عليه ستتراوح بالسجن ما بين 4 إلى 5 سنوات، وفي حال إصراره على أقواله فستطبّق عليه عقوبة الإعدام.
الصراع على المدخلية
وبالعودة إلى الصراع المحتدم بين قادة التيار المدخلي في السودان؛ فإن «مزمل فقيري»، ينتقد «نزار هاشم»، بسبب تحريم الأخير لعقد حلقات العلم في الأسواق، وهو التحريم الذي يبرره «هاشم» بأنه يتماشى مع منهج السلف في أن التعليم بالمساجد وليس الأسواق.
كما عاب «فقيري» على «نزار هاشم»، تساهل مع عوام الصوفية، وشدته على الحزبيين، في مقابل تساهل واحتواء الأول لهم، وهو ما تسبب في انقلاب «هاشم» عليه وتبديعه، قائلا: «وقع في بدع لجهله»، خاصة بعد تورط «فقيري» في سب النبي والصحابة.
وأكد «فقيري»، أن «هاشم» لا يعرفه إلا القليل من الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي، وأنه منشغل بجمع تزكيات علماء التيار المدخلي ودعاته، وهو ما برره «هاشم» بقوله: «إن المشهد الديني أصابته فوضى نتيجة لتصدر أنصاف المتعلمين للدعوة، وهو ما دفعه لاشتراط تزكية الداعية من عالم معروف بالتزامه بمنهج التيار، حتى لا يتصدر للمشهد من يؤخذ عليه أكثر مما يؤخذ منه».
وانقسم شيوخ التيار المدخلي في الداخل والخارج على هذه الفتنة، وبات بعضهم مؤيدًا لـ«مزمل فقيري»، ومن أبرز هؤلاء: محمد بن هادي المدخلي، وعبد الرحمن محيي الدين، وآخرون مؤيدون لـ«نزار هاشم»، وعلى رأسهم «ربيع بن هادي المدخلي».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق