سؤال وجيه:
لماذا لم يُدفن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في يوم وفاته؟
المطلوب هو التعجيل بالدفن للميت المسلم.
في شأن الدفن والتجهيز ردّ القرآن الشأن كله إلى أهل المتوفى، وليس لأحد معهم سلطان،
{وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله..}، وفي حالة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تولى أهل بيته هذا الامر، وعلى رأسهم عمه العباس عليه الرضوان، فهو كان صاحب القرار في هذا، وعليه فتأخير الدفن كان قرارا من آل البيت ولا علاقة للصحابة به، بل لا علاقة لأقرب الصحابة كأبي بكر وعمر عليهما الرضوان، وعلى ذلك وافق الصحابة ولم يعترض أحد أبدا، فكان ذلك إجماعا وحجة على صوابية الفعل، والسؤال: لماذا قرر العباس - عليه الرضوان - وبقية آل البيت - عليهم السلام - تأخير الدفن إلى ليلة الأربعاء؟
إن المظنون بهم - عليهم الرضوان - أنهم كانوا تحتَ صدمةِ الوفاة، وكانت المدينة من حولهم لا تصدق أن الوفاة حصلت، ويكفي أن عمر - رضي الله عنه - قال أنه سيقتل كل من يقول أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - قد مات، وكان يعتقد أنه غائب كما غاب موسى عليه السلام عن قومه ثم عاد، فالتعجيل بالدفن مع شعور الصدمة وتكذيب الخبر ما كان ملائما، وهذه السيدة فاطمة - رضي الله عنها - لم تحتمل الدفن بعد ثلاثة أيام فقالت لأنس: (يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - التراب؟)؟ فلو تُرك الأمر لها ما سمحت بدفنه عليها السلام، وكان بقاء الجسد الطاهر على سريره تلك المدة أنسا لنساء بيت النبوة، حتى قالت إحداهن: (كنا نستأنس برؤيته على السرير)، وجاء في الموطأ عن أم سلمة أم المؤمنين - رضي الله عنها - أنها كانت تقول: (ما صدقت بموت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى سمعت وقع الكرازين)، أي: الحفارين.
ثم دل الفعل على اختلاف شأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - عن شأن بقية البشر، فالميت يُخشى عليه التغير، بخلاف حاله صلى الله عليه وآله وسلم، ولهذا كان بقاء جسده الشريف دون أي تغير في عز الصيف من معجزاته صلى الله عليه وآله وسلم، وتبين به معنى اسمه (الطاهر) و(الطيب)، ودل على صدقه - صلى الله عليه وآله وسلم - في قوله: (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)، وقد كان جسده الشريف طيبا ليلة دفن كصبيحة مات صلى الله عليه وآله وسلم، وقالها الصديق - كما في البخاري - وهو يقبّل الجسد الطاهر غداة الوفاة: (بأبي أنت وأمي، طبْتَ حيا وميتا)، وأكد ذلك حدث غسله من يوم الثلاثاء، ففي سيرة ابن هشام: (وعلي يغسله، قد أسنده إلى صدره وعليه قميصه يدلكه به من ورائه، لا يفضى بيده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليٌّ يقول: بأبي أنت وأمي، ما أطيبك حيا وميتا، ولم يُر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء مما يرى من الميت).
وأمر آخر أهم وهو إعطاء فرصة لكل من أراد إلقاء نظرة أخيرة عليه، والصلاة عليه فرادى، وبعد التجهيز قال ابن هشام: ( ثم دخل الناس على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يصلون عليه أرسالا، دخل الرجال، حتى إذا فرغوا أدخل النساء، حتى إذا فرغ النساء أدخل الصبيان، ولم يؤم الناس على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أحد ..)، وهذا يحتاج وقتا طويلا، وأظنهم ما دفنوه - صلى الله عليه وآله وسلم - إلا بعد أن رآه آخر مؤمن يومها في المدينة.
وأما القول أن التأخير كان بسبب الانشغال بالبيعة وشأن الخلافة فقد صرت أستبعده للأسباب السالفة، وذلك أنه لا شأن للخليفة بالتجهيز والدفن كما سبق، ولو تم أمر الخلافة والبيعة من أول ساعة الوفاة لكانت الأسباب السابقة داعية إلى تأجيل الدفن، فالربط بين الدفن وشأن الخلافة ربط لم يعد سائغا.
صلى الله وسلم وبارك على من طاب حيا وميتاا وعلى آله وصحبه أجمعين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق