انتقاد الحركة الإسلامية الفلسطينية!!
حركة المقاومة الإسلامية ذات تاريخ معروف، وشعبية كبيرة بين أبناء الأمة الإسلامية والعربية، وأحرار العالم، سواء الحركة، أم قادتها ورموزها، وليس خافيا على أحد تاريخ الحركة، وسيرة قيادات وأفراد الداخل والخارج معا.
ولفترات طويلة كانت عبارات الانتقاد للحركة قليلة جدا، بل نادرة، لكن حدثا معينا فتح باب الانتقاد؛ وذلك عندما قام أبو العبد الأستاذ إسماعيل هنية بالعزاء في قاسم سليماني، وقال عبارته التي أثارت الجدل، منذ هذه اللحظة ولا ينتهي النقاش والنقد للحركة من حيث عبارات عزائها، وليس من حيث العزاء في حد ذاته.
ولست هنا في مقام النقاش لصحة أو خطأ ما قام به قيادات الحركة في عزاء هذا أو ذاك، أو تحية هذا أو ذاك، فقد كفاني في ذلك من قاموا بالكتابة في الأمر، والنقاشات التي دارت على مواقع التواصل الاجتماعي، أعتقد أن حجم النقاش كان كبيرا وهائلا، وذلك لما تمثله الحركة عند الأمة من اعتبار وثقل، يقر به العدو قبل الصديق، والكاره قبل المحب.
في المرة الأولى التي قام هنية بالعزاء في سليماني، قامت موجة انتقاد كبيرة له وللحركة معا، سواء من أبناء الحركة، أم من مؤيديها والمتعاطفين معها، وتناقل البعض وقتها: أن هناك سعيا من بعض قيادات الحركة، لمحاسبة من قاموا بانتقاد أبو العبد، ولكن غلب صوت العقل، وانتهى هذا التوجه الذي لا يتسم بأي درجة من الحكمة.
لكن هذه المرة بعد انتصار غزة والمقاومة، بعد أزمة حي الشيخ جراح والأقصى، زادت التصريحات، وزاد الانتقاد، ولم تعد التبريرات مقبولة من تصريحات بعض قيادات الحركة، في شكرها لأنظمة لها جرائم كبرى، ضد مدنيين عزل، وضد شعوبهم، ورأينا ضيقا من عدد من المحسوبين على الحركة، ناسين أن النقد الموجه لها هو من محبين لا كارهين، ومن حريصين على رصيدها من التآكل، أو الانتهاء، وربما نسوا هؤلاء سبب قيام الحركة ونشأتها.
إن أساس قيام ونشأة (الحركة الإسلامية للمقاومة في فلسطين)، كان بسبب انتقاد عدد كبير من أبناء الإخوان المسلمين في التنظيم الفلسطيني لقرار أصدره القيادات، فقد كان قرار الإخوان المسلمين (التنظيم الفلسطيني) بعد نكبة 1967م، أنهم أصدروا قرارا تنظيميا، بحظر انضمام أي أحد من أعضاء الإخوان لأي تنظيم جهادي يقاتل العدو الصهيوني، وبمنع الإخوان من أي عمل جهادي ضد المحتل آنذاك، لأسباب فصلوها في مذكرة من أربع صفحات (لدي نسخة كاملة منها)، وصدر القرار عن إخوان فلسطين بتاريخ: 12 من ذي القعدة سنة 1387هـ - 11 فبراير (شباط) سنة 1968م بالتالي: (امتناع الإخوان عن القيام بالعمل المسلح في فلسطين في ظل الظروف الراهنة). وهو قرار قامت به اللجنة التنفيذية بالإجماع كما ذكرت.
ظل القرار ساريا لسنوات طويلة داخل الإخوان الفلسطينيين، حتى قامت مجموعة من الشباب ممن درسوا وعاشوا في الخليج وبلاد أخرى، تستنكر مثل هذا القرار، إذ كيف نعيش بين بقية الفصائل الفلسطينية الأخرى، يفاخر العضو في حركة (فتح) وغيرها بحاضره، ويفاخر العضو الإخواني بماضيه، ويخجل من حاضره؟! ونتج عن هذه الانتقادات والضغوط أن صححت الجماعة الأوضاع، وسمحت للشباب وغيرهم بتأسيس حركة المقاومة الإسلامية، ثم اكتشف الكبار خطأهم فاعتذروا عن قرارهم، وعن وقوفهم عقبة أمام هذا الإصلاح الكبير للجماعة، ولفلسطين.
الحقيقة أن الراصد لتاريخ الإخوان المسلمين الفلسطينيين سيجد تاريخ لقياداتهم في النقد الذاتي للجماعة، فإن أول من امتلك شجاعة نقد المفكرين الكبار للإخوان كان من التنظيم الفلسطيني، فأول من انتقد أفكار الشهيد سيد قطب رحمه الله، كان الأستاذ عبد الله أبو عزة، وقد كان وقتها المراقب العام للإخوان الفلسطينيين، وكتب سلسلة مقالات مهمة كانت أول من فتح أعين الناس على أفكار سيد قطب المختلف عليها، فكتب سلسلة مقالات بعنوان: (الحركة الإسلامية في الدوامة)، انتقد فيها تفكير الإخوان، وأنه تفكير عاطفي، ولا يتسم بالتخطيط والعقلانية المطلوبة للمرحلة، أدعو قيادات الحركة والإخوان بوجه عام لقراءة مقالات الرجل في هذه المرحلة، والتي شرَّحت العقل الإخواني تشريحا علميا، يتسم بالجرأة في الطرح، والنظرة الثاقبة للعلاج المطلوب.
الحقيقة التي لا بد أن تفهمها الحركة بكل مستوياتها أنها ليست مؤسسة فلسطينية مقصورة على أعضائها، بل هي مؤسسة من مؤسسات الأمة الإسلامية، هذا هو التوصيف الصحيح لها، سواء نص على ذلك أهلها أم لم ينصوا، ومؤسسات الأمة ملك للأمة كلها، ورصيدها الحقيقي يأتي من جماهير الأمة، ومن تأييدهم لها، ولو وقف هذا التأييد على الدعم المعنوي فقط، أو كان محدودا وقليلا، لكنها النواة الصلبة التي لا وجود للحركة بدونها.
على حركة المقاومة أن تتسع صدورها قادة وأفرادا لكل نقد، مهما كان قاسيا، ومهما كان زائدا عن الحد، وأن تعيد النظر في تصريحات قيادتها، وفي ممارساتها السياسية، فهذا ما ينتظره كل محب لهم، وكل حريص على ترشيد أفعالها وأقوالها، حتى لو كان من باب المجاملات السياسية، فلا بد من إعادة بوصلة الحركة لتحسن وضع كل عبارة في موضعها الصحيح، لا يزيد ولا ينقص، كما كان معهودا من قبل فيها.
أعقتد أن واجب الوقت على الحركة الآن، هو ذلك، حتى لا يتسع الشرخ الذي وجد بينها وبين جماهير أمتها في بلاد كثيرة، فلا شك هناك شرخ بدأ في الاتساع للأسف في الآونة الأخيرة، وعليها العمل على رتق هذا الشرخ. وأول العلاج: جلوس الحركة مع نفسها ومع المقربين منها، تمارس فيه النقد الذاتي بكل أمانة وحيدة، وتجمع كل ما قيل بحقها مؤخرا، وتعمل على علاجه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق