قضاء النوافل والسنن الراتبة
السؤال: شيخنا أنا اصلي في مكان العمل الفرض فقط دون السُنن لضيق الوقت، فهل أستطيع أن اقضي السنن الراتبة عندما أرجع الى البيت ؟ جزاكم الله خيرا.
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعـد:
فقد اختلف الفقهاء في جواز قضاء النوافل والسنن الراتبة اذا انشغل عنها المصلي بعارضٍ ما حتى خرج وقتُها على قولين :
القول الاول : يجوز قضاؤها ؛ وهو قول عبدالله بن عمر بن الخطاب –رضي الله عنهما- ،ومن التابعين قول عطاء بن أبي رباح وطاوس بن كيسان اليماني والقاسم بن محمد بن أبي بكر. وهو مذهب الامام الشافعي في الجديد وقول الامام أحمد والمشهور عند اصحابه، وهو اختيار شيخ الاسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.
واستدلوا بما يأتي:
1- بما روي في الصحيحين عَنْ ام المؤمنين ام سلمة –رضي الله عنها- ((أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَسَأَلَتْهُ عَنْهُمَا فَقَالَ : إِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ فَشَغَلُونِي عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ)).
2- ولما روي عَنْ ام المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- : ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إِذَا لَمْ يُصَلِّ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ صَلَّاهُنَّ بَعْدَهُ)) رواه الترمذي وحسنه الشيخ الألباني.
3- ولما روي في صحيح مسلم عن انس –رضي الله عنه- ان النبي – صلى الله عليه وسلم قال : ((مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي})). فالسنن الرواتب صلاة مؤقتة فتدخل في هذا العموم ، فتقضى كالفرائض.
4- وكذلك لما روي في الحديث الصحيح عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- : (( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَامَ مِنَ اللَّيْلِ، أَوْ مَرِضَ صَلَّى بِالنَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً )) رواه احمد في مسنده وابن حبان في صحيحه.
فقضى عليه الصلاة والسلام صلاة الليل مع أنها نافلة ، فدل هذا على مشروعية قضاء النوافل .
قال الامام النووي -رحمه الله تعالى- في المجموع [4/43 ] :(الصحيح عندنا : استحباب قضاء النوافل الراتبة ، وبه قال محمد –الشيباني-، والمزني ، وأحمد في رواية عنه ، وقال أبو حنيفة ومالك وأبو يوسف في أشهر الرواية عنهما : لا يقضي ، ودليلنا هذه الأحاديث الصحيحة) .
وقال الامام ابن قدامة المقدسي –رحمه الله تعالى- في المغني [2/89]: (وأما قضاء السنن الراتبة بعد العصر، فالصحيح جوازه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله، فإنه قضى الركعتين اللتين بعد الظهر بعد العصر في حديث أم سلمة، وقضى الركعتين اللتين قبل العصر بعدها في حديث عائشة، والاقتداء بما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم – متعين).
وقال الامام المرداوي الحنبلي -رحمه الله تعالى- في الانصاف [2/187 ]: (ومن فاته شيء من هذه السنن سن له قضاؤها هذا المذهب -يعني مذهب الإمام أحمد- والمشهور عند الأصحاب).
القول الثاني: لا تقضى السُنن إذا فات وقتها -وفوات وقتها بخروج وقت فريضتها- وهو مذهب الحنفية والمالكية ، ولكن عند الحنفية والمشهور عن الامام مالك القول بقضاء راتبة الفجر- خاصة- بعد طلوع الشمس [المدونة 1/220 ] .
وعن الامام ابي حنفية وابي يوسف تُقضى السُنن تبعا للفرائض الفائتة ولا تقضى منفردة عنها .
قال الامام بدر الدين العيني الحنفي –رحمه الله تعالى- في البناية شرح الهداية [2/574] : (ولهما – الامام وابو يوسف-أن الأصل في السُنّة أن لا تُقضى لاختصاص القضاء بالواجب، والحديث ورد في قضائهما تبعا للفرض فبقي ما رواه على الأصل، وإنما تقضى تبعا له.... وأما سائر السنن سوى سنة الفجر، فلا تقضى بعد الوقت وحدها ،أي إذا كانت بدون الفرضية ).
وقال القاضي عبدالوهاب البغدادي المالكي –رحمه الله تعالى- في الإشراف على نكت مسائل الخلاف [1/287 ] : (السُنن من الصلاة لا تقضى بعد انقضاء أوقاتها خلافاً لأحد قولي الشافعي لأنها صلاة نفل، فوجب أن تسقط بفوات وقتها كالكسوف؛ ولأنها سنة كالأضحى إذا انقضت أيام النحر، وكالتسمية إذا فرغ من الذبح).
المفتى به:
هو ما ذهب اليه اصحاب القول الاول من أنه يُشرع قضاء النوافل والسنن الراتبة الفائتة بعذر، كالنوم أو النسيان أو الانشغال عنها فلم تُصلَّ في أوقاتها ، فتُقضى ولو في أوقات النهي على الراجح من كلام أهل العلم -جزاهم الله خيرا .
ولكن ينبغي على المسلم الحرص قدر الامكان على أداء صلاة النوافل والسنن الرواتب في أوقاتها المحدودة بالسُنّة الشريفة ، لأن هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- هو المواظبة عليها في أوقاتها . والله تعالى اعلم.
د. ضياء الدين عبدالله الصالح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق