الجمعة، 11 يونيو 2021

منهجية في التعامل !

 منهجية في التعامل !

هذه كلمات علمية عملية من إمام كبير وعلامة نحرير له سعة اطلاع وقوة فهم للنصوص واستنباط عجيب يخرج لنا بهما دررا وجواهر من القواعد والجمل والكلمات ..
قال الله تعالى
" وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۗ
إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا "
وجاء فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَمَّا اجْتَازَ بِدِيَارِ ثَمُودٍ قَالَ:
{لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ؛
فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ لِئَلَّا يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ}
قال شيخ الاسلام رحمه الله :
" فَنَهَى عَنْ عُبُورِ دِيَارِهِمْ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْخَوْفِ الْمَانِعِ مِنْ الْعَذَابِ. وَهَكَذَا السُّنَّةُ فِي مُقَارَنَةِ الظَّالِمِينَ وَالزُّنَاةِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ وَالْفُجُورِ وَسَائِرِ الْمَعَاصِي:
لَا يَنْبَغِي لِأَحَدِ أَنْ يُقَارِنَهُمْ وَلَا يُخَالِطَهُمْ إلَّا عَلَى وَجْهٍ يَسْلَمُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُنْكَرًا لِظُلْمِهِمْ مَاقِتًا لَهُمْ شَانِئًا مَا هُمْ فِيهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ: {مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ
فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ}
وَقَالَ تَعَالَى:
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ} الْآيَةُ.
وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ عَنْ يُوسُفَ الصِّدِّيقِ وَعَمَلِهِ عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ لِصَاحِبِ مِصْرَ لِقَوْمِ كُفَّارٍ.
وَذَلِكَ أَنَّ مُقَارَنَةَ الْفُجَّارِ إنَّمَا يَفْعَلُهَا الْمُؤْمِنُ فِي مَوْضِعَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مُكْرَهًا عَلَيْهَا
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي مَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ رَاجِحَةٍ عَلَى مَفْسَدَةِ الْمُقَارَنَةِ
أَوْ أَنْ يَكُونَ فِي تَرْكِهَا مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ فِي دِينِهِ
فَيَدْفَعُ أَعْظَمَ الْمَفْسَدَتَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَدْنَاهُمَا
وَتَحْصُلُ الْمَصْلَحَةُ الرَّاجِحَةُ بِاحْتِمَالِ الْمَفْسَدَةِ الْمَرْجُوحَةِ.
وَفِي الْحَقِيقَةِ فَالْمُكْرَهُ هُوَ مَنْ يَدْفَعُ الْفَسَادَ الْحَاصِلَ بِاحْتِمَالِ أَدْنَاهُمَا وَهُوَ الْأَمْرُ الَّذِي أُكْرِهَ عَلَيْهِ قَالَ تَعَالَى: {إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} .." الفتاوى (15/ 324)
وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وَالْمُؤْمِنُ مَشْرُوعٌ لَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ أَنْ يُقِيمَ دِينَ اللَّهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ بِالْمُحَارَبَةِ وَغَيْرِهَا
وَمَعَ الْعَجْزِ يُمْسِكُ عَمَّا عَجَزَ عَنْهُ مِنْ الِانْتِصَارِ
وَيَصْبِرُ عَلَى مَا يُصِيبُهُ مِنْ الْبَلَاءِ مِنْ غَيْرِ مُنَافَقَةٍ،
بَلْ يُشْرَعُ لَهُ مِنْ الْمُدَارَاةِ وَمِنْ التَّكَلُّمِ بِمَا يُكْرَهُ عَلَيْهِ مَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا
وَلِهَذَا كَانَ أَهْلُ السُّنَّةِ مَعَ أَهْلِ الْبِدْعَةِ بِالْعَكْسِ إذَا قَدَرُوا عَلَيْهِمْ لَا يَعْتَدُونَ عَلَيْهِمْ بِالتَّكْفِيرِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، بَلْ يَسْتَعْمِلُونَ مَعَهُمْ الْعَدْلَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ " الفتاوى الكبرى
وقال رحمه الله :
" من أعان ظالما في الأفعال فإن الأفعال لا تقع إلا عن إرادة ;
فالظالم يطرد إرادته فيصيب من أعانه أو يصيب ظلما لا يختاره هذا
فيريد المعين أن ينقض الطرد ويخص علته
ولهذا يقال : من أعان ظالما بلي به ... " الفتاوى 4/48
وقال رحمه الله:
« ﻳﺤﺮﻡ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﺬﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺣﻴﺚ ﻳﺤﺼﻞ ﻟﻪ ﺿﺮﺭ ﻓﻲ ﺩﻳﻨﻪ،
ﻓﺄﻣﺮﻩ ﺑﺎﻟﻜﻒ ﻋﻦ اﻟﺬﻫﺎﺏ ﺣﺘﻰ ﻳﻈﻬﺮ ﺃﻭ ﻳﺘﺒﻴﻦ ﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﺒﺎﻃﻦ ﺃﻥ ﻫﺬا ﻣﺼﻠﺤﺔ؛
ﻷﻧﻪ ﺇﺫا ﻟﻢ ﻳﺘﺒﻴﻦ ﻟﻪ ﺃﻥ اﻟﺬﻫﺎﺏ ﻭاﺟﺐ ﺃﻭ ﻣﺴﺘﺤﺐ ﻟﻢ ﻳﻨﺒﻎ ﻟﻪ ﻓﻌﻠﻪ،
ﻭﺇﺫا ﺧﺎﻑ اﻟﻀﺮﺭ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻪ ﺗﺮﻛﻪ، ﻓﺈﺫا ﺃﻛﺮﻩ ﻋﻠﻰ اﻟﺬﻫﺎﺏ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺮﺝ ﻓﻼ ﻳﺆاﺧﺬ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ.
ﺑﺨﻼﻑ ﻣﺎ ﺇﺫا ﻓﻌﻠﻪ ﺑﺎﺧﺘﻴﺎﺭﻩ ﺃﻭ ﺷﻬﻮﺗﻪ؛ ﻭﺇﺫا ﺗﺒﻴﻦ ﻟﻪ ﺃﻧﻪ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺭاﺟﺤﺔ ﻛﺎﻥ ﺣﺴﻨﺎ.
ﻭﻗﺪ ﺟﺎءﺕ ﺷﻮاﻫﺪ اﻟﺴﻨﺔ: ﺑﺄﻥ ﻣﻦ اﺑﺘﻠﻲ ﺑﻐﻴﺮ ﺗﻌﺮﺽ ﻣﻨﻪ ﺃﻋﻴﻦ، ﻭﻣﻦ ﺗﻌﺮﺽ ﻟﻠﺒﻼء ﺧﻴﻒ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺜﻞ ﻗﻮﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻟﻌﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﺳﻤﺮﺓ :
"ﻻ ﺗﺴﺄﻝ اﻹﻣﺎﺭﺓ ﻓﺈﻧﻚ ﺇﻥ ﺃﻋﻄﻴﺘﻬﺎ ﻋﻦ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻭﻛﻠﺖ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﺇﻥ ﺃﻋﻄﻴﺘها ﻋﻦ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺃﻋﻨﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ".
ﻭﻣﻨﻪ ﻗﻮﻟﻪ: ﻻ ﺗﺘﻤﻨﻮا ﻟﻘﺎء اﻟﻌﺪﻭ، ﻭاﺳﺄﻟﻮا اﻟﻠﻪ اﻟﻌﺎﻓﻴﺔ، ﻓﺈﺫا ﻟﻘﻴﺘﻤﻮﻫﻢ؛ ﻓﺎﺻﺒﺮﻭا ». الفتاوى 10/ 521
وقال رحمه الله:
"فالمؤمن إذا كان بين الكفار والفجار لم يكن عليه أن يجاهدهم بيده مع عجزه، ولكن إن أمكنه بلسانه وإلا فبقلبه،
مع أنه لا يكذب ويقول بلسانه ما ليس في قلبه،
إما أن يظهر دينه، وإما أن يكتمه، وهو مع هذا لا يوافقهم على دينهم كله، بل غايته أن يكون كمؤمن آل فرعون، وامرأة فرعون،
وهو لم يكن موافقا لهم على جميع دينهم، ولا كان يكذب،
ولا يقول بلسانه ما ليس في قلبه، بل كان يكتم إيمانه،
وكتمان الدين شيء وإظهار الدين الباطل شيء آخر،
فهذا لم يبحه اللَّه إلا لمن أكره بحيث أبيح له النطق بكلمة الكفر،
واللَّه تعالى قد فرق بين المنافق والمكره. . .
بل المسلم يكون أسيرا أو منفردا في بلاد الكفر،
ولا أحد يكرهه على كلمه الكفر ولا يقولها، ولا يقول بلسانه ما ليس في قلبه،
وقد يحتاج إلى أن يلين لناس من الكفار؛ ليظنوه منهم،
وهو مع هذا لا يقول بلسانه ما ليس في قلبه، بل يكتم ما في قلبه،
وفرق بين الكذب، وبين الكتمان،
فكتمان ما في النفس يستعمله المؤمن حيث يعذره اللَّه في الإظهار،
كمؤمن آل فرعون،وأما الذي يتكلم با لكفر فلا يعذره، إلا إذا أكره،
والمنافق الكذاب لا يعذر بحال، ولكن في المعاريض مندوحة عن الكذب،
ثم ذلك المؤمن الذي يكتم إيمانه يكون بين الكفار الذين لا يعلمون دينه،
وهو مع هذا مؤمن عندهم يحبونه ويكرمونه؛لأن الإيمان الذي في قلبه يوجب
أن يعاملهم بالصدق والأمانة والنصح وإرادة الخير بهم،
وإن لم يكن موافقا لهم على دينهم،
كما كان يوسف الصديق يسير في أهل مصر، وكانوا كفارا،
وكما كان مؤمن آل فرعون يكتم إيمانه، ومع هذا كان يعظم موسى
وَيَقُولُ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ}" منهاج السنة
رحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته
اللهم سددنا والهمنا رشدنا وعلمنا وزدنا علما وانفعنا وانفع بنا .
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

هذا اختصار لكلمات ابن تيمية التي نقلتها لكم في المقال السابق ( منهجية التعامل ) .. !

* ان كان ولابد من مخالطة الظلمة والعصاة فعلى المسلم ان يكون منكرا عليهم ظلمهم ومعاصيهم بقلبه وهذا اضعف الإيمان الواجب عليه فعله .
** وجواز اختلاطك بهم إما مكرها أو لأجل مصلحة دينية ترجوها
والمكره هنا حاله انه أخذ أدنى المفسدتين وليس تشهيا ودنيا
*** وعلى المسلم المستضعف او العاجز عن الإنتصار ان يصبر على البلاء الذي هو فيه ويحذر النفاق
وله ان يداري بكلامه لسلامة نفسه ودينه
وفرق بين المداراة والنفاق والمداهنة .
قال القرطبي رحمه الله في الفرق بينهما: (أنَّ المدَاراة: بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو لهما معًا، وهي مباحة وربما استحبت. والمداهنة: ترك الدين لصلاح الدنيا).
في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: " أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه و سلم فلما رآه قال: بئس أخو العشيرة وبئس ابن العشيرة،
فلما جلس تطلق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وانبسط إليه!!
فلما انطلق الرجل قالت له عائشة: يا رسول الله حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة متى عهدتني فحاشاً؟! إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره."
" والنبي صلى الله عليه وسلم إنما بذل له من دنياه حسن عشرته والرفق في مكالمته ومع ذلك فلم يمدحه بقول، فلم يناقض قوله فيه فعله، فإن قوله فيه قول حق وفعله معه حسن عشرة. " فتح الباري لابن حجر
**** وعلى المسلم ان يعلم ان ارادة الظالم ظلم الناس قد تصيب من يعينه فإرادة الظلم قد تنال من هو معه وقريب منه
فليحذر إعانته حتى لايبتلى به فيقع عليه ظلمه .
ولهذا قيل من اعان ظالما ابتلي به
***** وعلى المسلم ان لا يذهب الى شيء إلا إذا كان له فيه مصلحة راجحة
فهناك أشياء او أحوال إن قُدّرَت عليك من غير سعي منك لها يعينك الله عليها
وإن أنت تعرضت لها توكل لها .. والمسلم من غير عون الله له يخذل في سعيه.
****** ولايجوز في وقت الاستضعاف استعمال الكذب واظهار الكفر من غير إكراه
بل للمسلم كتم إيمانه لأجل سلامته
وقد يكون تعامل المسلم الذي يكتم إيمانه مع القوم الذين يعيش بينهم بصدق ونصح وأمانة وإرادة الخير لهم
فيكون هذا الخلق منه سببا في إكرامهم له ومحبتهم له
اللهم سددنا والهمنا رشدنا اللهم احفظنا في ديننا ودنيانا يارب العالمين
وصل يارب وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق