احكام عامة في الاضحية
السؤال: ممكن يا شيخنا أن تفصل لنا احكام الاضحية ، وحكم الاشتراك فيها ، وهل يضحى عن الميت منفردا؟ جزاكم الله خيرا
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعـد:
فالأضحية : اسم لما يذبح من بهيمة الأنعام -الغنم والبقر والابل - أيام عيد الأضحى تقرباً إلى الله عز وجل، وهي من شعائر الإسلام المشروعة بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلّم-، وإجماع المسلمين.
وفضلها عظيم فقد روى الترمذي وابن ماجه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( ما عمل ابن آدم يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع بالأرض، فطيبوا بها نفسا)).
وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أنها سنة مؤكدة، وهو مذهب الائمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد – رحمهم الله تعالى- وهو الراجح والمفتى به.
وذهب الامام أبو حنيفة إلى أنها واجبة على المستطيع، وهي إحدى الروايتين عن الامام أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وقال في مجموع الفتاوي : (هو أحد القولين في مذهب مالك، أو ظاهر مذهب مالك).
ويجب أن تكون الأضحية من بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم – ضأن وماعز- لقول الله تعالى: {ليَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ } [الحج: 34] .
وأن تبلغ السن المعتبرة شرعاً، لما رواه الامام مسلم عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تذبحوا إلا مسّنة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن)).
قال الامام النووي في شرح مسلم [13/114]:( قال العلماء: المُسّنة هي الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم فما فوقها وهذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع من غير الضأن في حال من الأحوال وهذا مجمع عليه على ما نقله القاضي عياض ( .
والمسنة: هي الثَّنِيَّة - إحدى الأسنان الأربع التي مقدَّم الفم ، ثنتان من فوق وثنتان من تحت- أو الثني من الإبل والبقر والغنم، فلا يجزئ من الإبل إلا ما أتم خمس سنين، ولا من البقر إلا ما أتم سنتين، ولا من المعز إلا ما أتم سنة، وأما الضأن فيجزئ منها الجذع، وهو ما أتم ستة أشهر، لما رواه أحمد وابن ماجه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يجزئ الجذع من الضأن ضحية)).
ويجب أن تكون خالية من العيوب المانعة من الإجزاء وهي أربعة:
العور البين؛ وهو الذي تنخسف به العين، أو تبرز ، أو تبيض ابيضاضاً يدل دلالة بينة على عورها .
والمرض البين: وهو الذي تظهر أعراضه على البهيمة كالحمى التي تقعدها عن المرعى وتمنع شهيتها، والجرب الظاهر المفسد للحمها أو المؤثر في صحته، والجرح العميق المؤثر عليها في صحتها ونحوه .
والعرج البين: وهو الذي يمنع البهيمة من مسايرة السليمة في ممشاها.
والهزال المزيل للمخ: لقول النبي -صلى الله عليه وسلّم- حين سئل ماذا يتقي من الضحايا فأشار بيده وقال: ((أربعاً: العرجاء البين ضلعها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقى))، رواه الامام مالك في الموطأ من حديث البراء بن عازب، وفي رواية في سنن أبي داود عنه -رضي الله عنه- قال: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- فقال: (( أربعٌ لا تجوزُ في الأضاحِي: العَوراءُ بيِّن عَوَرُها، والمريضةُ بيِّن مَرَضُها، والعَرجاءُ بين ظَلْعُها، والكَسِيرُ التي لا تُنْقِي)).
ويضاف اليها العمياء التي لا تبصر بعينيها، والمبشومة حتى تنشط ويزول عنها الخطر، والمتولدة إذا تعسرت ولادتها حتى يزول عنها الخطر، والمصاب بما يميتها من خنق وسقوط من علو ونحوه حتى يزول عنها الخطر، والزمنى وهي العاجزة عن المشي لعاهة، ومقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين.
ويكره التضحية بالعضباء: وهي ما قطع من أذنها أو قرنها النصف فأكثر، والبتراء من الإبل والبقر والمعز وهي التي قطع نصف ذنبها فأكثر، وما قطع من أليته أقل من النصف، فإن قطع النصف فأكثر فقال جمهور أهل العلم: لا تجزىء، فأما مفقودة الألية بأصل الخلقة فلا بأس بها. وما سقط بعض أسنانها ولو كانت الثنايا أو الرباعيات، فإن فقد بأصل الخلقة لم تكره.
وتجزىء الأضحية الواحدة من الغنم عن الرجل وأهل بيته من حي وميت، فعن أبي أيوب الانصاري -رضي الله عنه- قال:( كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ حَتَّى تَبَاهَى النَّاسُ، فَصَارَتْ كَمَا تَرَى). قال الامام الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وعن أبي رافع -رضي الله عنه-: (أن النبي -صلى الله عليه وسلّم- كان يضحي بكبشين أحدهما عنه وعن آله، والاخر عن أمته جميعاً) رواه أحمد.
وقال الامام ابن القيم [2/295]:( وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الشَّاةَ تُجْزِئُ عَنْ الرَّجُلِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَوْ كَثُرَ عَدَدُهُمْ ).
ويجوز أن يشترك سبعة أشخاص سواء كانوا من أهل بيت واحد أو من بيوت متفرقين ، وسواء كان بينهم قرابة أو لا ، في واحدة من البقر أو الإبل ، وقد ثبت اشتراك الصحابة رضي الله عنهم في الهدي ، السبعة في بعير أو بقرة في الحج والعمرة ، لما روى الامام مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ : ( نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ ).
قال الامام النووي في المجموع: (يجوز أن يشترك سبعة في بدنة أو بقرة للتضحية سواء كانوا كلهم أهل بيت واحد أو متفرقين أو بعضهم يريد اللحم فيجزئ عن المتقرب، وسواء كان أضحية منذورة أو تطوعا).
ويسن لمن أراد أن يضحي الكف عن قص أظافره وحلق شعره حتى يذبح أضحيته، لما في صحيح مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظافره))، وفي رواية عنها ((فلا يأخذن شعراً ولا يقلمن ظفراً)).
فإن فعل شيئاً من ذلك فليست عليه فدية، لاسيما إذا كان محتاجاً إلى ذلك لطول أظافره طولاً فاحشاً مثلاً، على أن بعض أهل العلم من حمل النهي عن الأخذ من الأظافر والشعر خلال هذه المدة على الكراهة فقط.
والأصل في الأضحية أنها مشروعة في حق الأحياء كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- وأصحابه يضحون عن أنفسهم وأهليهم .
وذهب اكثر أهل العلم على جواز الاضحية عن الميت ، وقد نصوا على أن ثوابها يصل إلى الميت وينتفع به قياساً على الصدقة عنه ، وهو المُفتى به.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوي:( وتجوز الأضحية عن الميت كما يجوز الحج عنه والصدقة عنه) ، واجازه الشافعية اذا اوصى الميت ان يضحى عنه، وكرّه بعض الفقهاء ذلك لأنه لم يرد في السّنة الاضحية للميت استقلالا عن الاحياء.
ويجب أن يضحى بها في الوقت المحدود شرعاً وهو من بعد صلاة العيد يوم النحر إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، فتكون أيام الذبح أربعة: يوم العيد بعد الصلاة، وثلاثة أيام بعده، فمن ذبح قبل فراغ صلاة العيد، أو بعد غروب الشمس يوم الثالث عشر لم تصح أضحيته لما روى البخاري عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلّم- قال: ((من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله وليس من النسك في شيء)).
ويسن أن يقسمها ثلاثة أقسام : يأكل الثلث ويتصدق بالثلث ويهدي الثلث ، وفيه قول أنه يأكل النصف ، ويتصدق بالنصف، والله تعالى اعلم.
د. ضياء الدين عبدالله الصالح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق