الأحد، 17 أكتوبر 2021

#الخلاف_حول_يوم_المولد_النبوي

 



نفس الأسواطنة المشروخة كل سنة: معارك طاحنة حول حكم الاحتفال بالمولد النبوي وكأن الناس تعلّمت كل الدين ولم يبق لها إلا الصراع حول هذه المسألة.
ليس اعتراضي منوطا بمناقشة المسألة علميا بين من يحسنون النقاش وكانوا من أهله وإنما أن تتحول المسألة إلى صراع يتسبب بالهجر في كل مرة.
المشكلة ليست في وجود الخلاف وإنما في كيفية إدارته.
أما بالنسبة لحكم الولد النبوي فيختلف باختلاف نية المحتفل به:
إن كان المحتفل به يحتفل به من باب الذكرى ويُكثر من الذّكرِ والدعاء والتذكير بسيرته في هذا اليوم من باب اغتنام الفرصة والمناسبة للتذكير بالله وبسيرة النبي صلى الله عليه وسلم فهذا يجوز احتفاله بالمولد ويؤجر في العبادات التي نشط فيها بمناسبة هذا اليوم بشرط ألا يعتقد أن العبادة في هذا اليوم تحديدا فيها زيادة أجر عن العبادة في سائر الأيام وإنما يجعل تخصيص هذا اليوم من باب اغتنام الفرصة كما نغتنم فرصة إساءة الغرب للنبي صلى الله عليه وسلم للتذكير بسيرته وكما ذكّر السلفيون بسيرة ابن تيمية والألباني لما طُعِن فيهما، وقد فعل بقية المسلمين ذلك في مناسبة الرسوم المسيئة، بل ونجد مناسبة طعن الملحدين في ربنا فرصة للتذكير بصفاته والاستدلال على وجوب وجوده، فهذا يدخل في اغتنام الفرص والمناسبات للتذكير وليس له علاقة بالابتداع في الدين ما لم يعتقد المحتفل أن اليوم في حد ذاته تُستحب فيه العبادة كما لا يجوز تحريم العبادات والسنن والنوافل والذّكر وسرد سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم لأن المحرّم يكون قد ابتدع في الدين إذ أخرج حُكم العبادة في هذا اليوم من أصل الجواز كما هو الحال مع سائر الأيام إلى التحريم "بغير دليل" فإن قالوا "العبادة توقيفية" قلنا إن مناط العبادة هنا ليس هو اليوم نفسه وإنما تلك الأذكار التي وردت النصوص في استحبابها دون استثناء هذا اليوم أو غيره، ولا يوجد نص يمنع تكثيف الأذكار في يوم معين دون غيره ما لم يعتقد الذاكر أن ذاك اليوم فيه أجر إضافي على سائر الأيام.
أما أسئلة الشيخ الألباني المشهورة "هل عيد المولد خير أم شر وهل علمه النبي أم لم يعلمه وهل عمل به أم لم يعمل به" فنقول: قد تلزم هذه الأسئلة من يعتقد أن اليوم نفسه مخصوص بأجرٍ مختلف عن سائر الأيام.
أما من يعتبره يوما للذكرى فلا تلزمه كل هذه الإلزامات لأنه سيقول "احتفالي بالعيد في حد ذاته ليس عبادة وإنما حبي للنبي صلى الله عليه وسلم هو العبادة، وحب النبي في حد ذاته ليس بدعة بل هو أمر واجب، أما التعبير عن حبنا للنبي صلى الله عليه وسلم فلا يُشترط فيه التوقيف فيمكن أن يكتب مسلمٌ ما كلمة "محمد صلى الله عليه وسلم" ويضعها في منشور أو في صورة للبروفايل عند سماعه بالرسوم المسيئة إليه ولا يكون بذلك مبتدعا لمجرد أنه عبر عن حبه له بطريقة ليس فيها نص، فلا يوجد صحابي عبر عن حبه للنبي صلى الله عليه وسلم بهذه الطريقة ومع ذلك لا يكون من فعل ذلك مبتدعا، فكذلك الاحتفال بيوم المولد له نفس الحكم، ومثله من يُنشد أنشودة يمدح فيها النبي صلى الله عليه وسلم ويذكر محاسنه فهو يعبر عن حبه له بهذه الطريقة وليس شرطا أن يعبّر بطريقة محددة لا فكاك منها.
أما الذين قالوا بأن أول من احتفل بالمولد هم الفاطميون العبيديون فإن ذلك لا يعني أن الاحتفال به محرم، بل لو كان أول محتفل به بوذيا أو كافرا لما غيّر ذلك من حكمه شيئا فنحن لا نتكلم عن شيء جديد شُرّع في الدين وإنما نتكلم عن طريقة من طرق التعبير عن حبنا للنبي صلى الله عليه وسلم.
توجد عدة مغالطات أولها حصر المسائل ما بين طاعة ومعصية ومعلوم أن الطاعة إما أن تكون واجبة أو مستحبة والمعصية تكون محرمة، فأين ذهبوا بخانة (الجائز والمكروه) في هذه الاحتمالات ؟ ومعلوم أنه لا يمكن إلزام المخالف باحتمالين كلاهما خاطئ مع وجود احتمالات أخرى، فهذه أضداد توجد غيرها والضدان لا يجتمعان لكنهما يرتفعان "إلا إن كانا الاحتمالين الوحيدين".
وهذا السؤال يشبه أن نقول: هل لون السماء أسود أم بنفسجي ؟ ونحذف بقية الألوان من الاحتمالات.
والمغالطة الثانية قولهم "هل علمها النبي صلى الله عليه وسلم أم جهلها" ثم قالوا "إن قلتم جهلها فاتهام النبي صلى الله عليه وسلم بالجهل زندقة".
أقول: هنا يجب التنبيه على مسألة عقائدية خطيرة أخطأ فيها ناشر هذه الصورة وهي جعل النبي صلى الله عليه وسلم معصوما من جنس الجهل "عدم العلم" وكأنه يريد وصفه بالعلم التام المطلق فيكون علمه بذلك مساويا لعلم الله، وإلا فمن المعلوم أن النبي إنسان وعلمه ناقص فهو لا يعلم كل شيء وإلا لكان علمه مساويا لعلم الله وهذا شرك بالله في صفة العليم، والله يقول "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير".
هنا قد يقول الناشر: قصدنا بذلك اتهامه بالجهل في مسألة دينية، فنقول "وهنا المصيبة: من الذي قال بأن هذا الاحتفال يراد به التعبد لحد ذاته ؟" فإن قال " يوجد من يعتقد ذلك ويصرح به" قلنا ذلك يلزمه وحده، ولكن على أي أساس حرمتم الاحتفال بالمولد هكذا من غير تفصيل ولا استثناء ؟
ثم إن الله عز وجل نفى عن نبيه العلم ببعض الأمور في عدة مواضع من القرآن فنفى عنه العلم بالمنافقين فقال (لا تعلمهم الله يعلمهم) ونفى عنه العلم بالغيب فقال (قل لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء) والنبي صلى الله عليه وسلم نفسه قال كما في حادثة تأبير النخل (أنتم أعلم بأمور دنياكم)، وليس نفي علم النبي صلى الله عليه وسلم بمسألة معينة أو عدة مسائل معناه وصفه بالجاهل، فالجاهل هو الذي يغلب جهله على علمه فيما هو مكلف به أو في المجال الذي يتكلم فيه، والنبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالشريعة ولكن ذلك لا يعني أنه يعلم كل شيء.
أما مسألة الاحتفال بالمولد فلم يحتفل به النبي صلى الله عليه وسلم لأن المسألة لم تكن مطروحة أصلا، وهذا يشبه أن يقال "لماذا لم يستعمل النبي صلى الله عليه وسلم الفايسبوك"، فحتى ولو كان الاحتفال بالمولد ممكنا آنذاك فإن الفكرة نفسها لم تُطرح عليه، فلو طُرِحت عليه ثم حرمها لقلنا "هذا دليل على تحريم الاحتفال" أما الاستدلال بمجرد عدم عمل النبي صلى الله عليه وسلم به على التحريم فذلك ما لا أراه صحيحا.
بل إن هناك مأكولات عُرضت على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأكلها مع أنه لا يحرمها وقد مات رجلٌ فقال لهم صلى الله عليه وسلم "صلوا على صاحبكم" فأجاز لهم الصلاة عليه لكنه لم يصلّ عليه بنفسه.
فحتى المسائل التي عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعلها ليست بالضرورة محرمة إلا إن قال ما يفيد تحريمها.
إنما يكون التحريم لمجرد عدم عمل النبي صلى الله عليه وسلم بالفعل لما يكون الفعل بنية العبادة ولا يكون له أي أصل في الشريعة، أما الفعل الذي ليس بنية العبادة أو الفعل المصحوب بنية العبادة مع بنائه على ما كان له دليل كلي يشمل حكمه أو دليل في عين المسألة فهذا لا يكون بدعة أبدا
#ملاحظة: أنا شخصيا لا أحتفل بهذا اليوم ولا أخصصه بشيء ولكني لو شهدتُ حفلا فيه فإني لا أمانع من حضوره.
فحكم تخصيص هذا اليوم بالأذكار عندي كحكم عدم تخصيصه بها، فالأذكار مستحبة لذاتها بغض النظر عن الزمن الذي تقال فيه إلا الأزمان التي وردت النصوص في تفضيلها على غيرها، ويوم المولد ليس منها، في نفس الوقت لم يرد نصٌّ في تحريم الذكر يوم المولد أيضا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق