وقفات مع قول امام أحمد بن حنبل حمه الله ( قَوْمٌ يَرُدُّونَ السُّنَنَ: قَالَ فُلَانٌ، قَالَ فُلَانٌ ) ..
هناك مَن ينـقل كلاماً عن الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، من غير إعتراض عليه .
بل ينقل كلامــه موافقاً له ، وربما يفتخر ، ويفرح بهذا الكلام !
وأنا أتعجب من هذا الإمام المشهور ، رحمه الله ؛ إمام مذهب من المذاهب المتبوعة ، كيف قال هذا الكلام ؟ !
التعليق :
1 – الإمام أحمد ليس برسول الله ، ولا هو معصوم ، وكلامه ليس بحجة على أحد .
2 – كلامه هذا الذي قاله ، هو إجتهاد منه .
3 – كلامه هذا يعتبر زلة من زلّاته ، تُغرق في بحر حسناته ، إن شاء الله تعالى .
لأنه كيف جعل الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز ، رحمه الله ، نِدّاً لرسول الله ، وعاصياً له ﷺ ؟ !
وكيف حكم على المسلمين أنهم تركوا اتباع النبيّ ﷺ ، واتبعوا عمر بن عبد العزيز ؟ !
وكيف وازن بين النبيّ ﷺ ، وبين عمر بن عبد العزيز ، وكأنهما نِدّان وصنوان ؟ !
4 – إنّ الناس لم يدَعوا قول النبيّ ﷺ ، لقول عمر بن عبد العزيز ، رحمه الله .
بل تركوا إجتهاد وفهم الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، واجتهاد وفهم أمثاله ،
واتبعوا إجتهاد وفهم الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز ، رحمه الله ! واجتهاد وفهم أمثاله ، بل وأفضل منه .
فالمقارنة الصحيحة ، هي ليست بين النبيّ ﷺ ، وبين عمر بن عبد العزيز .
بل هي بين عمر بن عبد العزيز ، وبين أحمد بن حنبل !
بين علمهما وفهمهما !
5 – إنه قــد حكـم على الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز ، رحمه الله ، وكلُّ مَن قـــال مثل قوله ، وكل الذين اتبعوهم ، بأنهم عصوا الله تعالى ، وعصوا رسوله ﷺ ،
فلم يطيعوا الله ورسوله ، والله تعالى يقول : ( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) .
وكذلك جميعهم ردّوا سنة رسول الله ﷺ ! !
ولماذا كل هؤلاء عصوا الله تعالى ، وعصوا رسول الله ، وردّوا سنته ﷺ؟
الجواب : لأنهم قالوا بجواز إخراج زكاة الفطر نقداً !
6 – هل فقط عمر بن عبد العزيز ، رحمه الله ، قال بجواز إخراج زكاة الفطر نقداً ؟
وانظر مرة أخرى ، لتتيقن مَن هم الذين خالفهم أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، في إجتهادهم وفهمهم في هذا الموضوع ؟
ولا بأس أن نذكر أسماءهم فقط :
1 – الحسن البصري . 2 – طاوس . 3 – سعيد بن المسيب . 4 – عروة بن الزبير . 5 – أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف . 6 – سعيد بن جبير . 7 – الخليفة عمر بن عبد العزيز . 8 – مجاهد . 9 – سفيان الثوري . 10 – الأوزاعي . 11 – الليث بن سعد . 12 – أبو حنيفة . 13 – محمد بن الحسن الشيباني . 14 – أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم . 15 – زفر .
هؤلاء كلهم قالوا بجواز إخراج زكاة الفطر نقداً ، خلافاً لأحمد بن حنبل وأمثاله .
فهل هؤلاء عصوا الله تعالى ، وعصوا رسول الله ، وردّوا سنّته ﷺ ؟ !
وأنا أظن أن الإمام أحمد ، رحمه الله - لصلاحه - لا يقبل أن يرفعه الناس فوق مرتبته فيجعلوه تلميذاً من تلاميذ بعض أولئك الأئمة !
فالحسن البصري تابعي .
طاوس ، تابعي .
سعيد بن المسيب ، تابعي ، ولد سنة 24 هـ لسنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب ، زوج بنت أبي هريرة ، أحد الفقهاء السبعة والمفتين ، في المدينة المنورة من التابعين .
عروة بن الزبير ، تابعي ، إبن حواريّ رسول الله ﷺ ، أحد الفقهاء السبعة .
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، تابعي ، إبن صحابيّ جليل ؛ توفي رسول الله ﷺ ، وهو راضٍ عنه ( عبد الرحمن بن عوف )
سعيد بن جبير ، تابعي .
عمر بن عبد العزيز ، ولد سنة 63 هـ .
مجاهد ، تابعي .
سفيان الثوري ، ولد سنة 97 هـ .
أبو حنيفة ، ولد سنة 80 هـ ، رأى الصحابي الجليل أنس بن مالك ، .
أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم ، تلميذ أبي حنيفة .
محمد بن الحسن الشيباني ، تلميذ أبي حنيفة ، وتلميذ مالك بن أنس ، وشيخ الشافعي .
زفر ، تلميذ أبي حنيفة .
الأوزاعي ، ولد سنة 88 هـ .
الليث بن سعد ، ولد سنة 94 هـ .
هؤلاء لم يفهموا الكلام ، وعصوا الله ورسوله ، وردّوا سنة رسول الله ﷺ ؟ !
فكلام الإمام أحمد ، الذي قاله يؤدي إلى هذه النتائج الخاطئة ، ولهذا قلنا : كلامه هذا ، زلة من زلاته !
فأولئك الأئمة لم ينافسوا النبيّ ﷺ ، ولم يزاحموه .
بل تنافسوا في فهم أقوال النبيّ وأوامره ﷺ ، وخدمة شريعته ، على الذي يرضي الله تعالى ، ويرضي رسوله ﷺ .
فكيف يقال عنــهم أنـــهم عصوا الله تعالى ، وعصوا رسوله ، وردّوا سنته ﷺ ؟ !
علماً أنه قد روي عن الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، بجواز إخراج القيمة في الزكاة ما عدا زكاة الفطر .
قال
الإمام إبن قدامة المقدسي ، رحمه الله :
[ وَقَالَ أَبُو دَاوُد: سُئِلَ أَحْمَدُ، عَنْ
رَجُلٍ بَاعَ ثَمَرَةَ نَخْلِهِ. قَالَ: عُشْرُهُ عَلَى الَّذِي بَاعَهُ. قِيلَ
لَهُ: فَيُخْرِجُ ثَمَرًا، أَوْ ثَمَنَهُ؟ قَالَ: إنْ شَاءَ أَخْرَجَ ثَمَرًا، وَإِنْ
شَاءَ أَخْرَجَ مِنْ الثَّمَنِ.
وَهَذَا
دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إخْرَاجِ الْقِيَمِ.
وَوَجْهُهُ
قَوْلُ مُعَاذٍ لِأَهْلِ الْيَمَنِ: ائْتُونِي بِخَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ آخُذُهُ
مِنْكُمْ، فَإِنَّهُ أَيْسَرُ عَلَيْكُمْ، وَأَنْفَعُ لِلْمُهَاجِرِينَ
بِالْمَدِينَةِ.
وَقَالَ
سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، وَعَنْ طَاوُسٍ، قَالَ لَمَّا قَدِمَ
مُعَاذٌ الْيَمَنَ، قَالَ: ائْتُونِي بِعَرْضِ ثِيَابٍ آخُذُهُ مِنْكُمْ مَكَانَ
الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ
لِلْمُهَاجِرِينَ، بِالْمَدِينَةِ.
قَالَ:
وَحَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ كَانَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ يَأْخُذُ الْعُرُوضَ فِي الصَّدَقَةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ.
وَلِأَنَّ
الْمَقْصُودَ دَفْعُ الْحَاجَةِ ، وَلَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ
بَعْدَ اتِّحَادِ قَدْرِ الْمَالِيَّةِ بِاخْتِلَافِ صُوَرِ الْأَمْوَالِ ] ([2]) .
وقال الشيخ الدكتور سلمان العودة :
[ القول الثاني: يجوز إخراج القيمة
في صدقة الفطر
وبه قال أبو حنيفة ، وقد سُبق
أبو حنيفة إلى هذا القول، فهو ثابت عن عمر بن عبد العزيز ،
فقد رَوى ابن أبي شيبة عن عون قال: سمعت كتاب عمر
بن عبد العزيز يُقرأ إلى عدي بالبصرة - وعدي هو الوالي -: يؤخذ من أهل الديوان من أعطياتهم
من كل إنسان نصف درهم. أي: عن صدقة الفطر .
وهذا لم يكن مجرد رأي شخصي لعمر
بن عبد العزيز، وإنما جعله أمراً عامّاً ، وأمر واليه أن يأخذ
من أهل ذلك البلد نصف درهم عن صدقة الفطر ولم يقع عليه اعتراض ،
والتابعون والأئمة حاضرون متوافرون ، وعمر هو من العلماء المجتهدين.
وجاء عن الحسن البصري
أنه قال : « لا بأس أن تعطِى الدراهم في صدقة الفطر» .
وقال أبو إسحاق السبيعي
: « أدركتهم وهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام » .
وكأن البخاري مال
إلى هذا في صحيحه فقال: باب العرض في الزكاة ، وأشار إلى ذلك .
وهذه المسألة من المسائل التي وافق
فيها البخاري الحنفية، مع أن البخاري في الغالب يرد عليهم في صحيحه
خصوصًا في التراجم، ولكنه في هذه المسألة وافقهم،
قالوا: وإنما قاده إلى ذلك الدليل
.
وهو مذهب الثوري . وهؤلاء
من سادة التابعين ؛
ومنهم مَن يُخبر عن الناس في
وقته، وليس يخبر عن رأيه فحسب ، ولا يلزم أن يكون خبره عن الناس جميعاً، بل
يكون عملاً مشهورًا معمولاً به.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق