الأحد، 30 يناير 2022

حكم طواف الحائض المضطرة ؟

 


💥طواف الحائض المضطرة
السؤال: شيخنا؛ كيف تطوف المرأة اذا حاضت وقد يحين وقت العودة لبلدها ولم تَطهُر بعد ولا يمكن لرفقتها انتظار طهرها بسسبب موعد رجوع القافلة؟ جزاكم الله خيرا
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
👈فقد اتفق الفقهاء على أن المرأة اذا وصلت الميقات وهي حائض فعليها أن تغتسل وتُحرِم وتُلّبي من المقيات مع بقية القافلة التي معها، وتفعل ما يفعله الحاج او المعتمر ولكن من غير أن تطوف بالبيت العتيق حتى تطهر، لقوله عليه الصلاة والسلام لأُم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها- في الصحيحين لمّا حاضت : ((هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي )).
فلا يشترط في مناسك الحج والعمرة الطهارة إلا في الطواف في البيت ؛ فالحائض إن أمكنها المكث في مكة والانقطاع عن رفقتها وتبقى على احرامها حتى تَطهُرَ، ثم تطوف وتتم مناسكها، فذلك هو الواجب عليها، أما إذا وقعت في حرج شديد ومشقة وضرورة ملجئة، وقَرُبَ موعدُ مغادرة القافلة ولا يمكن تأخيرها كما جاء في السؤال، وهذا يحدث كثيرا في وقتنا الحاضر بسبب الحجز المسبق وتنظيم الرحلات ومنها اوقات المغادرة من قبل شركات الطيران والجهات المسؤولة في البلد.
👈فقد اختلف الفقهاء في الرخصة للحائض في هذه الحالة الشديدة في الطواف بالبيت :
✨فذهب الحنفية الى أن الحائض في هذه الحالة إذا شدت نفسها وتحفّظت، وطافت بالبيت، كان طوافها حراما وفيه معصية، ولكنها تتحلل به من إحرامها، وعليها ذبح بدنة.
قال الامام ابن نجيم المصري الحنفي في البحر الرائق شرح كنز الدقائق [1 / 207]: (وَيَمْنَعُ الْحَيْضُ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَكَذَا الْجَنَابَةُ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمَّا حَاضَتْ بِسَرِفٍ اقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَغْتَسِلِي»، فَكَانَ طَوَافُهَا حَرَامًا وَلَوْ فَعَلَتْهُ كَانَتْ عَاصِيَةً مُعَاقَبَةً وَتَتَحَلَّلُ بِهِ مِنْ إحْرَامِهَا بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَعَلَيْهَا بَدَنَةٌ كَطَوَافِ الْجُنُبِ).
✨وذهب المالكية الى ان للمرأة الحائض أن تطوف أثناء الطهر المتخلل للحيض؛ لأن الطهر المتخلل للحيض يُعد طهراً عندهم، وهو معتمد مذهب المالكية، وقال به بعض الشافعية .
ففي شرح مختصر خليل للخرشي [2 / 343] نقلا عن القاضي عياض: ) إنَّهَا فِي مِثْلِ هَذَا الزَّمَنِ الَّذِي لَا يُمْكِنُهَا السَّيْرُ إلَّا مَعَ الرَّكْبِ تَصِيرُ كَالْمُحْصَرِ بِالْعَدُوِّ أَيْ: فَلَهَا التَّحَلُّلُ بِنَحْرِ هَدْيٍ، أَوْ ذَبْحٍ يُجْزِئُ ضَحِيَّةً وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهَا الدَّمُ أَصْلًا، أَوْ انْقَطَعَ بَعْضَ يَوْمٍ وَعَلِمَتْ أَنَّهُ يَأْتِيهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ وَقْتِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْحَائِضِ إذْ هُوَ يَوْمُ حَيْضٍ فَلَا يَصِحُّ طَوَافُهَا بَلْ تَتَحَلَّلُ، وَأَمَّا إنْ انْقَطَعَ عَنْهَا يَوْمًا وَعَلِمَتْ أَنَّهُ لَا يَعُودُ قَبْلَ انْقِضَاءِ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ بِعُودِهِ وَلَا بِعَدَمِهِ فَيَصِحُّ طَوَافُهَا؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ النَّقَاءَ أَيَّامَ التَّقَطُّعِ طُهْرٌ فَيَصِحُّ طَوَافُهَا فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ).
✨وعند الشافعية ؛ فالحائض إن خشيت التخلف عن رفقتها ، أو خوف على نفسها، رحلت إن شاءت، فإذا وصلت لمحل يتعذر عليها الرجوع منه إلى مكة تحللت تحلل المُحصِر بالذبح والتقصير مع نية التحلل، ويبقى الطواف في ذمتها، فإن عادت إلى مكة ولو بعد زمن طويل طافت. ولها ان تقلد من يرى براءة ذمتها .
قال الامام ابن حجر الهيتمي الشافعي في كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج [ 4 / 74]: (وَلَوْ طَرَأَ حَيْضُهَا قَبْلَ طَوَافِ الرُّكْنِ وَلَمْ يُمْكِنْهَا التَّخَلُّفُ لِنَحْوِ فَقْدِ نَفَقَةٍ أَوْ خَوْفٍ عَلَى نَفْسِهَا رَحَلَتْ إنْ شَاءَتْ ثُمَّ إذَا وَصَلَتْ لِمَحَلٍّ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهَا الرُّجُوعُ مِنْهُ إلَى مَكَّةَ تَتَحَلَّلُ كَالْمُحْصَرِ وَيَبْقَى الطَّوَافُ فِي ذِمَّتِهَا فَيَأْتِي فِيهِ مَا تَقَرَّرَ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَزِيدُ بَسْطٍ بَيَّنْته فِي الْحَاشِيَةِ، وَإِنَّ الْأَحْوَطَ لَهَا أَنْ تُقَلِّدَ مَنْ يَرَى بَرَاءَةَ ذِمَّتِهَا بِطَوَافِهَا قَبْلَ رَحِيلِهَا).
✨واما الحنابلة فعندهم رواية عن الامام احمد بن حنبل –رحمه الله تعالى- في طواف الحائض أنه يصح، وأنها تجبره بدم، قال الامام المرداوي في كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف [ 1/ 348]: (فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْحَائِضَ تُمْنَعُ مِنْ الطَّوَافِ مُطْلَقًا، وَلَا يَصِحُّ مِنْهَا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ : يَصِحُّ، وَتَجْبُرُهُ بِدَمٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ جَوَازَهُ لَهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ. وَلَا دَمَ عَلَيْهَا).
وذهب شيخ الاسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- الى انه يجوز للمرأة المضطرة كما في هذه الحالة التي تخشى فيها فوات رفقتها أن تطوف على حالها ولا شيء عليها من دم وغيره ، لأنها معذورة بسبب لا ارادة لها به.
فقال في الفتاوى الكبرى [1 / 465]: (وَجَوَابُ أَحْمَد الْمَذْكُورُ يُبَيِّنُ أَنَّ النِّزَاعَ عِنْدَهُ فِي طَوَافِ الْحَائِضِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ ابْنُ عُمَرَ وَعَطَاءٍ وَغَيْرِهِمَا التَّسْهِيلُ فِي هَذَا ، وَمِمَّا نُقِلَ عَنْ عَطَاءٌ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا حَاضَتْ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ فَإِنَّهَا تُتِمُّ طَوَافَهَا وَهَذَا صَرِيحٌ عَنْ عَطَاءٌ أَنَّ الطَّهَارَةَ مِنْ الْحَيْضِ لَيْسَتْ شَرْطًا وَقَوْلُهُ : مِمَّا اعْتَدَّ بِهِ أَحْمَد وَذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ وَأَنَّ { قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ } يُبَيِّنُ أَنَّهُ أَمْرٌ بَلِيَتْ بِهِ نَزَلَ عَلَيْهَا لَيْسَ مِنْ قِبَلِهَا فَهِيَ مَعْذُورَةٌ فِي ذَلِكَ . وَلِهَذَا تَعَذَّرَ إذَا حَاضَتْ وَهِيَ مُعْتَكِفَةٌ فَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهَا بَلْ تُقِيمُ فِي رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ اُضْطُرَّتْ إلَى الْمُقَامِ فِي الْمَسْجِدِ أَقَامَتْ بِهِ وَكَذَلِكَ إذَا حَاضَتْ فِي صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ لَمْ يَنْقَطِعْ التَّتَابُعُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا تَشْهَدُ الْمَنَاسِكَ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَتَشْهَدُ الْعِيدَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَتَدْعُو وَتَذْكُرُ اللَّهَ، وَالْجُنُبُ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الطَّهَارَةِ. وَهَذِهِ عَاجِزَةٌ عَنْهَا، فَهِيَ مَعْذُورَةٌ. كَمَا عَذَرَهَا مَنْ جَوَّزَ لَهَا الْقِرَاءَةَ، بِخِلَافِ الْجُنُبِ الَّذِي يُمْكِنُهُ الطَّهَارَةُ، فَالْحَائِضُ أَحَقُّ بِأَنْ تُعْذَرَ مِنْ الْجُنُبِ الَّذِي طَافَ مَعَ الْجَنَابَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُمْكِنُهُ الطَّهَارَةُ، وَهَذِهِ تَعْجِزُ عَنْ الطَّهَارَةِ، وَعُذْرُهَا بِالْعَجْزِ، وَالضَّرُورَةُ أَوْلَى...... وقد قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} التغابن: 16، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم" رواه البخاري).
👍المفتى به:
هو ما ذهب اليه الحنفية -جزاهم الله خيرا - من ان الطهارة واجبة في الطواف ويصح بدونها مع فدية دم، والرواية الثانية عند الحنابلة عن الامام المبجل احمد بن حنبل ؛ من أن الحائض المضطرة التي ضاق عليها وقت المغادرة مع رفقتها الى بلدها؛ فإنها تغتسل وتشد نفسها وتتحفظ جيدا حتى لا يخرج منها دم يلوث الملابس والمكان، وعليها فدية دم لفقراء الحرم ، لقوله تعالى : { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } البقرة:286 ، وقوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: ((إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم))، وحسب القاعدة الفقهية : الضرورات تبيح المحظورات .. والضرورة تُقّدر بقدرها.
واما إذا كانت الحائض المضطرة غير متمكنة من الذبح لفقرها وحاجتها ونفاذ مالها ، فيترخص لها أن تأخذ بقول شيخ الاسلام ابن تيمية-رحمه الله- ومن وافقه من العلماء فتطوف وليس عليها شيء ، وكذلك الاخذ بالقول المعتمد عند المالكية وبعض الشافعية؛ (إنْ انْقَطَعَ عَنْهَا يَوْمًا وَعَلِمَتْ أَنَّهُ لَا يَعُودُ قَبْلَ انْقِضَاءِ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ بِعُودِهِ وَلَا بِعَدَمِهِ فَيَصِحُّ طَوَافُهَا؛ لِأَنَّ مَذْهَبَ المالكية أَنَّ النَّقَاءَ أَيَّامَ التَّقَطُّعِ طُهْرٌ فَيَصِحُّ طَوَافُهَا فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْن) ،والله تعالى اعلم بحالها وهو الرؤوف الرحيم. والله تعالى اعلم
✍د. ضياء الدين عبدالله الصالح

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق