السبت، 26 نوفمبر 2022

دعوى مساواة المرأة في الميراث

 

دعوى مساواة المرأة في الميراث


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد كثُر الجدل في الآونة الأخيرة حول حق المرأة في الميراث، وإثارة الشُّبهات على ذلك من أعداء الإسلام، ومن المفتونين بهم من أبناء جلدتنا، وأن الإسلام لم يُنصفها مقارنةً بالرجل الذي يحصل على ضِعف نصيبها في الميراث، ويدَّعون أن حقَّها مغبون، وأنه يتعيَّن مساواتها بالرجل في كل شيءٍ، بما في ذلك الميراث، دون الالتزام بالقواعد التي حدَّدتها الشريعة الإسلامية في هذا المجال.

 

وظهرت هذه الشُّبهة جليًّا بعد ما أُعلن قانون المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، وأخذت الأصوات النشاز في بقية الدول العربية والإسلامية تطالب بذلك، بزعم أن الشريعة الإسلامية قد ظلمت المرأة ولم تُنصفها، وهذا بهتان عظيم وكذب مكشوف؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 140].

 

فقانون الميراث في الشريعة الإسلامية من أفضل القوانين التي تنظِّم الحقوق بين الرجل والمرأة، وأن المرأة قد تحصل في كثير من الحالات على نصيب من الميراث مثل الرجل، بل أكثر منه، من خلال استقراء حالات ومسائل الميراث، فهناك أكثر من ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل، أو أكثر منه، أو ترث هي ولا يرث نظيرها من الرجال، في مقابلة أربع حالات محددة ترث فيها المرأة نصف الرجل.

 

فهذه الشُّبهات التي أثارها بعضُهم حول ميراث المرأة، وادعاؤهم أن الإسلام قد هضَم حقَّها حين فرض لها نصف ما فرض للذكر - تنمُّ عن جهل تام بأحكام وقواعد الميراث في الإسلام عامة، وميراث المرأة على وجه الخصوص من طرف هؤلاء المتعالين على الدين الإسلامي وعلى منطق العلم والواقع.

 

فقد رفع الإسلام مكانة المرأة، وأكرمها بما لم يُكرمها به دينٌ سواه؛ فالنساء في الإسلام شقائق الرجال، وخير الناس خيرهم لأهله، وهي آخر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته بإكرامها وحُسن معاملتها.

 

وقد أكد القرآنُ الكريم مساواة الرجل والمرأة في الالتزامات الأخلاقيَّة، والتكاليف الدينيَّة إلا في حالات مخصوصة خفَّف الله فيها عن المرأة؛ رحمةً بها، ومراعاةً لفِطرتها وتكوينها، وأما قوله تعالى: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: 11].

 

فالقاعدة التي تقرِّرها هذه الآية الكريمة لا تَسري على كل حالات المواريث، بل هي مجرد صورة لوضعٍ معين، فهناك حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل، وحالات ترث فيها المرأة ولا يرث فيها الرجل، وحالات أخرى ترث فيها المرأة مثل الرجل.

 

ومن الحكمة التي يذكرها العلماء في كون نصيب المرأة على النصف من نصيب الرجل في هذه الحالة - أن المرأة ليست مكلفة بالنفقة على نفسها أو بيتها أو أولادها، ولا بدفع المهر عند زواجها، وإنما المكلف بذلك الرجل، كما أن الرجل يتحمل المسؤولية الكاملة في النفقة عليها، وكذلك في الضيافة والدِّيَة والصلح على الأموال، ونحو ذلك.

 

فقد ذكر العلماء جزاهم الله خيرًا حالات المرأة مع الرجل في الميراث؛ كما جاء في الكتاب والسنة وكتب الفقه الإسلامي، وكما يأتي:

أولًا: أربع حالات ترث فيها المرأة نصف الرجل وهي:

1- وجود البنت مع الابن؛ لقوله تعالى: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: 11].

 

2- وجود الأب مع الأم دون وجود أولاد ولا زوج أو زوجة؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ﴾ [النساء: 11]، فهنا يكون للأم الثلث يتبقى للأب الثلثان.

 

3- وجود الأخت الشقيقة أو الأب مع الأخ الشقيق أو للأب؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [النساء: 176].

 

4- إذا مات أحد الزوجين ووُجد ولدٌ، أو لم يوجد، فإذا مات الزوج فالزوجة ترث الربع إن لم يكن لها ولد، واذا كان لها ولد ترث الثُّمن، أما إذا ماتت الزوجة فيرث الزوج النصف إذا لم يكن له ولدٌ، وإذا كان له ولد فيرث الرُّبع؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾ [النساء: 12].

 

ثانيًا: حالات ترث فيها المرأة مثل الرجل، وهي:

1- ميراث الأم مع الأب مع وجود ولدٍ ذكر أو بنتين فأكثر أو بنت أحياناً.

2- الإخوة للأم مع أخوات الأم.

3- زوج وأم وإخوة للأم وأخ شقيق فأكثر.

4- عند انفراد الرجل أو المرأة بالتركة، فيرث الابن إن كان وحده التركة كلها تعصيبًا، والبنت ترث النصف فرضًا والباقي ردًّا عليها، وكذلك أيضًا لو ترك أبًا وحده فإنه سيرث التركة كلها تعصيبًا، ولو ترك أمًّا فسترث الثلث فرضاً والباقي ردًّا عليها.

5- الأخت الشقيقة مع الأخ لأب. فللشقيقة النصف فرضاً والباقي نصف يأخذه الأخ للأب.

6- الأخت للأم مع الأخ الشقيق دون تشريك، وهذا إذا تركت المرأة زوجاً، وأمًّا، وأختًا لأم، وأخًا شقيقاً؛ فسيأخذ الزوج النصف، والأم السدس، والأخت لأم السدس، والباقي للأخ الشقيق تعصيبًا وهو السدس.

7- إذا توفي شخصٌ وترك بنتاً وأخاً واحداً، فإنَّ نصيب البنت هو نصف الميراث، والأخ هنا عصبة، فسيأخذ باقي الميراث، والباقي في هذه الحالة هو النصف، وهكذا ترى هنا أن بنت المتوفى قد أخذت مثل نصيب أخ المتوفى.

8- ميراث ذوي الأرحام في حالة عدم وجود أحد من العصبة ولا أحد من ذوي الفروض، في مذهب أهل الرحم، وهو إن لم يكن هناك أصحاب فروضٍ ولا عصبات فإن ذوي الأرحام هم الورثة، وتقسم بينهم التركة بالتساوي كأن يترك المتوفى (بنت بنت، وابن بنت، وخالاً، وخالة) فكلهم يرثون نفس الأنصبة.

وهناك ستةٌ لا يُحجبون حجب حرمانٍ أبدًا وهم ثلاثةٌ من الرجال، وثلاثةٌ من النساء، فمن الرجال: (الزوج، والابن، والأب)، ومن النساء: (الزوجة، والبنت، والأم).

 

ثالثًا: حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل:

وقد ذكر العلماء ست حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل، وهي مفصلة حسابيًّا في كتب المواريث؛ منها:

الحالة التي تُخلف فيها امرأةٌ زوجًا وأبًا وأمًّا وبنتين، فإن الثلثين للبنتين يُمكنهما من أن يأخذ أكثر من الابنين إذا وجد مكان البنتين، وكذا الحالة التي تخلف فيها امرأةٌ زوجًا وأمًّا وأختًا شقيقة، فإن الفارق يكون كبيرًا جدًّا؛ إذ تأخذ الأخت الشقيقة أكثر من ضعف نظيرها الأخ الشقيق.

 

رابعًا: ثلاث حالات ترث فيها المرأة ولا يرث فيها نظيرها من الرجال:

وهذه الحالات تتميز أيضًا بتعقد العمليات الحسابية، يمثل لها بالحالة التي توفيت فيها امرأة عن زوج وأب وأم، وبنت، وبنت ابن، فإن بنت الابن ترث السدس بالفرض، ولو جعلنا ابن الابن مكان بنت الابن، فإنه لا يرث شيئًا، وكذا حالة ميراث الجدة، فكثيرًا ما ترث ولا يرث نظيرها من الأجداد، وقد ترث الجدة ولا يرث معها زوجها الجد.

 

الخلاصة:

إن الإسلام قد رفع مكانةَ المرأة، وأكرمها بما لم يُكرمها به دينٌ سواه، وأمر بمعاشرتها بالمعروف والإحسان، وقد أكد القرآنُ الكريم مساواة الرجل والمرأة في الالتزامات الأخلاقيَّة، والتكاليف الدينيَّة إلا في حالات مخصوصَة خفَّف الله فيها عن المرأة؛ رحمةً بها، ومراعاةً لفِطرتها وتكوينها.

 

وإن شبهة ظلم الشريعة للمرأة وعدم مساواتها بالرجل، هي دعوى باطلة ولا أساس لها من الصحة في الشريعة الإسلامية؛ كما نقلنا من أقوال العلماء.

 

وإن هناك أكثرَ من ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل أو أكثر منه، أو ترث هي ولا يرث نظيرها من الرجال، في مقابل أربع حالات واردة على سبيل الحصر، ترث فيها المرأة نصف الرجل؛ لأن الرجل هو المكلف بالنفقة على المرأة والعائلة، وأنه مكلَّفٌ بدفع المهر عند زواجه منها، كما أن الرجل يتحمل المسؤولية الكاملة في النفقة عليها وعلى البيت، وعلى الضيوف وغير ذلك.

 

إن قانون المساواة المزعوم هو من ظَلم المرأةَ حقيقةً؛ إذ يساويها بالرجل في كل حالات الميراث التي ذكرناها، فينقصها حقَّها ويهضمها، والله تعالى أعلم.



رابط الموضوع: https://www.alukah.net/culture/0/131233/%D8%AF%D8%B9%D9%88%D9%89-%D9%85%D8%B3%D8%A7%D9%88%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D8%AB/#ixzz7llUQmeLF

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق