السبت، 26 نوفمبر 2022

كتاب التيسير في شرح القواعد الفقهيّة - الشيخ الدكتور ضياء الدين عبدالله محمد الصالح

  التيسير في شرح القواعد الفقهيّة

الشيخ الدكتور ضياء الدين عبدالله محمد الصالح

عضو الهيئة العليا للمجمع الفقهي العراقي

 لكبار العلماء للدعوة والإفتاء



تقديم

الاستاذ الدكتور عبد المنعم خليل إبراهيم الهيتي

عضو الهيئة العليا للمجمع الفقهي العراقي لكبار العلماء

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين، وبعد: 

 فقد قرأت الكتاب الموسوم (التيسير في شرح القواعد الفقهية) لمؤلفه الشيخ الدكتور ضياء الدين عبدالله محمد صالح، وقد تبيّن لي من خلال هذه القراءة؛ أن المؤلف قد بذل جهودا قيّمة ومباركة في تأليف هذا الكتاب، فقد قام المؤلف جزاه الله خيرا بترتيب القواعد التي شرحها ترتيبا رائعا، حيث كان ترتيبه لها كسلسلة ذهبية يكمّل بعضها بعضا، ويخصص اللاحق منها السابق، ويقيد اللاحق منها ما جاء مطلقا أولا، وهكذا كانت هذه السلسلة الذهبية تغري القارئ الكريم بقراءة هذا الكتاب دون أن يشعر بكلل أو ملل.

 ندعو الله سبحانه وتعالى أن يوفق مؤلف الكتاب الى ما فيه خير الاسلام والمسلمين، وأن يجعل عمله خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع كل من يقع بين يديه.

والله ولي التوفيق



الاستاذ الدكتور عبد المنعم خليل إبراهيم الهيتي

عميد كلية الشريعة – سابقا-/الجامعة العراقية

عضو الهيئة العليا للمجمع الفقهي العراقي لكبار العلماء

للدعوة والإفتاء

كتب في 2 صفر1435هـ الموافق 5 كانون أول 2013م



بسم الله الرحمن الرحيم

 إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ورضي الله تعالى عن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: 

 فإن معرفة ودراسة القواعد الفقهية في الشريعة الإسلامية من الأهمية بمكان، لما يترتب على دراستها من تيسير الفروع الفقهية وجمع شملها ومعرفة مقاصد التشريع الإسلامي، وتكوين الملكة الفقهية عند طالب العلم، وتُعين على معرفة أحكام الجزئيات وتوضح التصورات والأفكار القانونية في الفقه الإسلامي، وتبين مناهج الفقهاء في استنباط الأحكام الفقهية، كما تُظهر مدى استيعاب الفقه الإسلامي للأحكام، ومراعاته للحقوق والواجبات، وتُسهِّل على غير المخـتـصـين بالفقه الاطلاع على محاسن هذا الدين، وتُبطِل دعوى من ينتقصون الفقه الإسلامي، ويتهمونه بأنه إنما يشتمل على حلول جزئية وليس قواعد كلية، ولهذا قد عني الفقهاء بدراسة هذه القواعد والتي تندرج تحت كل واحدة منها فروع كثيرة.

 وقد أُستخرجتْ هذه القواعد بالاستقراء لمسائل الفقه وفروعه، وإرجاع كل مجموعة منها إلى قاعدة عامة مستنبطة من الكتاب والسنة، أو من روح التشريع الإسلامي الخالد، ويسري حكمها العام على جميع أو أكثر جزئيات هذه المجموعة، والتي تتشابه فيها هذه الجزئيات ببعض المعاني، وفي ذلك يقول الإمام القرافي رحمه الله ((والقسم الثاني قواعد كلية فقهية، جليلة كثيرة العدد، عظيمة المدد، مشتملة على أسرار الشرع وحكمه بكل قاعدة من الفروع في الشريعة، بما لا يحصى وهذه القواعد مهمة في الفقه، عظيمة النفع، وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقه ويشرف)) .

 وهذه القواعد الفقهية العامة قد صاغها العلماء جزاهم الله خيرا بصيغة قانونية وبإسلوب محكم ومتين وبليغ، وقد صنفوها إلى صنفين: 

أ- القواعد الأساسية التي كل منها أصل مستقل ليس متفرعا من قاعدة أعم منه.

ب- القواعد المتفرعة من تلك القواعد الأساسية. 

 ولتسهيل وصولها إلى طلبة العلم، وتيسير فهمها، طلب مني بعض إخواني في الله تعالى من طلبة العلوم الشرعية، أن ألخص لهم بعض هذه القواعد مع شرح موجز لها، وتعزيز ذلك بالأمثلة إن أمكن، ليسهل عليهم فهمها والإنتفاع بها، وتحقيقا لحسن ظنهم بي والله تعالى أعلم بحالي، فقد توكلت عليه تعالى ودعوته للتوفيق في إعداد رسالة أجمع فيها شتات هذه القواعد من كتب الفقه وأصوله مع شرح ميّسر، مستفيدا ممن سبق في هذا الأمر من العلماء في جمع هذه القواعد وترتيبها وتبين معانيها، ومن أهمها: شرح القواعد الفقهية الشيخ احمد محمد الزرقا، القواعد الفقهية ودورها في إثراء التشريعات الحديثة الدكتور محيي هلال السرحان، القواعد الكلية في الشريعة الإسلامية الدكتور محمد عبد المجيد المغربي، القواعد الفقهية مع الشرح الموجز عزت عبيد الدعاس، الوجيز في شرح القواعد الفقهية الدكتور عبد الكريم زيدان، الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية الدكتور محمد صدقي بن أحمد بن محمد البورنو، القواعد والاصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، القواعد الفقهية بين الاصالة والتوجيه الدكتور محمد بكر اسماعيل، وغيرهم فجزاهم الله تعالى خيرا.

 إنْ تجد عيباً فسد الخللا جلّ مَن لا عيبَ فيه وعلا

 وأسأل الله تعالى أن يجعل عملي هذا خالصا له من غير شريك، وأن يغفر لي فيه خطئي وزللي وتقصيري، إنه نعم المولى ونعم المجيب، وأن ينفع به المسلمين وأن لا ينسونا بالدعاء لي ولوالدي ولمشايخي، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. 



كتبه الفقير لله تعالى

الشيخ ضياء الدين عبد الله محمد صالح

بغداد المحروسة / الرصافة

جمادي الآخرة 1421 هـ - أيلول 2000 ميلادية

















المبحث الأول: تعريف ببعض المصطلحات

وفيه خمسة مطالب

المطلب الاول: تعريف القاعدة لغة واصطلاحا: 

القاعدة لغة: تعني الأساس قال تعالى: { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } (البقرة: 127)، ومن معاني القاعدة ايضا في اللغة: الضابط وهو: الأمر الكلي ينطبق على جزئيات مثل قوله(): ((كلُ مُسكرٍ حرام)) متفق عليه .

القاعدة في اصطلاح الفقهاء: هي حكم كلي ينطبق على جميع جزئياته أو أكثرها لتعرف أحكامها منه  .

 وفي الفقه الإسلامي جملة كبيرة من هذه القواعد، التي تعتبر كل قاعدة منها ضابطا وجامعا لمسائل فقهية كثيرة، إذن فالقواعد الفقهية هي؛ اصول فقهية كلية في نصوص موجزة ومستوعبة، تتضمن أحكاما تشريعية عامة في الحوادث التي تدخل تحت موضعها .

المطلب الثاني: الفقه لغة واصطلاحا: 

الفقه لغة: الفهم أو دقة الفهم، قال تعالى: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ} (هود: من الآية91).

الفقه اصطلاحا: هو معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الإجتهاد ، أو هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من ادلتها التفصيلية .

المطلب الثالث: أصول الفقه لغة واصطلاحا: 

الأصل لغة: ما يبنى عليه غيره، وله عدة معان منها: الدليل والقاعدة والراجح والمستحب.

وأما أصول الفقه اصطلاحا: فهو العلم بالقواعد والأدلة الإجمالية التي يتوصل بها إلى استنباط الفقه ، أو هو علم يبحث عن أدلة الفقه الإجمالية وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد  .

المطلب الرابع: الفرق بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية: 

 تختلف القواعد الفقهية عن القواعد الأصولية، وإن كان النوعان قواعد كلية وأصولا عامة يندرج تحتها جزئيات متعددة، ويظهر الاختلاف بينهما في أن القواعد الفقهية من قبيل المبادئ العامة والضوابط الفقهية وتتضمن أحكاما تشريعية عامة في الحوادث التي تدخل تحت موضوعها، وهي توضح التصورات والأفكار القانونية في الفقه الإسلامي وتعين على ضبط المسائل ومعرفة أحكام الجزئيات المندرجة تحتها، والتي لم ينص عليها أو لم يرد على حكمها دليل، وأكثر القواعد الفقهية قواعد أغلبية أي غير مطردة، إذ أن لكل قاعدة عامة مستثنيات لقيد أو تخصيص، فموضوع القاعدة الفقهية فعل المكلف.

 وأما القواعد الأصولية؛ فهي التي تضع المناهج وتبين المسالك التي يلتزم بها الفقيه لاستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية، فهي تعين على استخراج الحكم من الدليل نفسه من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس أو سائر المصادر التشريعية والمباحث اللغوية، فموضوع القاعدة الأصولية الدليل الذي يساعد على استنباط الحكم.

 والفرق الأخر أن قواعد الأصول إنما تتعلق بالألفاظ ودلالاتها على الأحكام في غالب أحوالها، وأما قواعد الفقه فتتعلق بالأحكام ذاتها، وإن قواعد الأصول إذا اتفق على مضمونها لا يستثنى منها شيء فهي قواعد كلية مطردة كقواعد العربية بلا خلاف.

 وأما قواعد الفقه فهي مع الاتفاق على مضمون كثير منها يستثنى من كل منها مسائل تخالف حكم القاعدة بسبب من الأسباب، كالاستثناء بالنص أو الإجماع أو الضرورة أو غير ذلك من أسباب الاستثناء، ولذلك يطلق عليها كثيرون بأنها قواعد أغلبية أكثرية لا كلية مطردة .

 فمثلاً قاعدة: (الاجتهاد لا ينقض بمثله) أو بالاجتهاد، ينظر إليها الأصولي من حيث كونها دليلاً يعتمد عليه في بيان عدم جواز نقض أحكام القضاة وفتاوى المفتين إذا تعلقت بها الأحكام على سبيل العموم والإجمال، وينظر إليها الفقيه من حيث تعليل فعل من أفعال المكلفين فيبين حكمه من خلالها، فإذا حكم حاكم أو قاض بنقض حكم في مسألة مجتهد فيها كالخلع هل هو فسخ للعقد أو طلاق، وقد كان حكم حاكم في مسألة بعينها بأن الخلع فسخ، وأجاز العقد على امرأة خالعها زوجها ثلاث مرات أو بعد طلقتين، ثم جاء حاكم آخر فأراد التفريق بين الزوجين؛ لأنه يرى أن الخلع طلاق فيقال له: لا يجوز ذلك؛ لأن الاجتهاد لا ينقض بمثله. ولكن له في مسألة أخرى متشابهة أن يحكم فيها باجتهاده لا أن ينقض حكمه أو حكم غيره في مسألة اجتهادية لا نصية.

 ومن أمثلة القواعد الأصولية قولهم (مطلق الأمر يفيد الوجوب ما لم ترد قرينة تصرفه إلى غير ذلك , ومطلق النهي يفيد التحريم ما لم ترد قرينة تصرفه إلى غير ذلك).

المطلب الخامس: الفرق بين القاعدة الفقهية والضابط

 حتى نعرف الفرق بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي، يجدر بنا أن نعرف الضابط الفقهي أولاً، ومنه يتضح الفرق إن شاء الله تعالى.

الضابط لغة: من الضبط، وضبط الشيء حفظه بالحزم ، والرجل ضابط أي حازم

واصطلاحا: هو ما يجمع فروعا من باب واحد، قال العلامة تاج الدين السبكي: )والغالب فيما اختص بباب وقصد به نظم صور متشابهة أن يسمى ضابطاً) ، هذا هو المقصود بالضابط الفقهي، وهو أنه قاعدة تختص بباب واحد فقط.

أما الفرق بينهما: 

 فقد قال ابن نجيم: (الفرق بين الضابط والقاعدة: أن القاعدة تجمع فروعاً من أبواب شتى، والضابط يجمعها من باب واحد، هذا هو الأصل) ، وأكد ذلك الحافظ السيوطي في كتابه الأشباه والنظائر حيث قال: (القاعدة تجمع فروعاً من أبواب شتى والضابط يجمع فروع باب واحد) ، وحتى يتضح الأمر تماماً نضرب مثالاً للضابط الفقهي، وهو حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيما إهاب دبغ فقد طهر)) ، فهذا الحديث يعتبر ضابطاً لطهارة الجلود في باب الآنية، لذلك فان كل شيء منع الجلد من الفساد فهو دباغ.

 أما مثال القاعدة فهي قاعدة (الأمور بمقاصدها) نجد أنها تدخل في أغلب أبواب الفقه إن لم يكن جميعها، بهذا نكون قد وقفنا على الفرق بين الضابط والقاعدة في الفقه، وهذا لا يمنع أن يكون بعض العلماء قد ساروا في كتبهم على عدم التفريق بينهما، وهو عند أكثر المتقدمين.




المبحث الثاني: القواعد الفقهية الكلية

القاعدة رقم (1): الأمور بمقاصدها

 وهي من القواعد الأساسية وأصلها الحديث الصحيح: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى... الحديث))  متفق عليه، والمقاصد: جمع مقصد من القصد ومعناه: الاعتزام، والتوجه، والأم والقصد يأتي بمعنى: النية وهو المعنى المراد هنا .

معنى القاعدة: 

 إن الأحكام الشرعية التي تترتب على أفعال العباد ومعاملاتهم مقيدة بمقاصدهم ونواياهم من تلك الأفعال، فالنية هي الأساس في صحة الأعمال واعتبارها وقبولها، وقد شُرعت النية لتمييز العبادات من العادات وتمييز رتب العبادات بعضها من بعض .

تطبيقاتها: 

أ- انعقاد البيع بلفظ الفعل المضارع يقصد الحال لا الاستقبال، كقول البائع: أبيعك فرسي بكذا مبلغ , فيقول المخاطب قبلت، ولكن إذا قصد بالفعل المضارع الاستقبال لا ينعقد البيع.

ب - ملتقط اللقطة يعتبر أمينا لا ضمان عليه إذا هلكت اللقطة في يده بدون تعد منه أو تقصير، أما إذا كان قصده من التقاطها تملكا فيضمن هلاكها وتلفها ولو كان هلاكها بدون تعد منه أو تقصير، لأنه غاصب والغاصب يضمن هلاك المغصوب مطلقا .

ج - وفي العبادات لتمييزها عن العادات، كالوضوء والغسل بنية العبادة لا بنية التبرد والتنظيف، والإمساك عن المفطرات قد يكون لعلاج أو غاية أخرى غير العبادة، فالأحكام الشرعية في أمور العباد تتكيف حسب قصدهم من إجرائها.

د- لو قال الأعجمي لامرأته: أنت طالق وهو لا يفهم معنى هذه اللفظة، لم تطلق لأنه ليس مختارا للطلاق، فلم يقع طلاقه كالمكره قالوا: فلو نوى موجبه عند أهل العربية لم يقع أيضا لأنه لا يصح منه اختيار مالا يعلمه، وكذلك لو نطق بكلمة الكفر من لا يعلم معناها لم يكفر، وفي مصنف وكيع أن عمر بن الخطاب () قضى في امرأة قالت لزوجها: سمني فسماها الطيبة، فقالت: لا، فقال لها: ما تريدين أن اسميك قالت: سمني خلية طالق، فقال لها: فأنت خلية طالق، فأتت عمر بن الخطاب فقالت: إن زوجي طلقني، فجاء زوجها فقص عليه القصة، فأوجع عمر رأسها وقال لزوجها: خذ بيدها وأوجع رأسها، وهذا هو الفقه الحي الذي يدخل على القلوب بغير استئذان .

 المستثنى من القاعدة: 

أ- إذا كان الفعل لفظاً فإما أن يكون اللفظ صريحاً أو غير صريح، فإن كان اللفظ صريحاً فلا يحتاج إلى نية ويكفي صدور اللفظ لترتب الحكم عليه، لأن اللفظ الصريح تكون النية متمثلة به، كما لو قال شخص لآخر: بعتك هذه الشيء أو أوصيت لك به أو أقر بشيء أو وكلّ أو أودع أو قذف أو طلق زوجته ثم قال: انا لم أنو الطلاق ولم أرده ولكني أردت بانها خالية القيد تسير حيث تشاء وتفعل ما تريد، أي أنه أراد المعنى اللغوي للطلاق لا المعنى الشرعي له فلا يقبل منه هذا القول، فكل هذه أمور لا تتوقف على النية بل يكفي التلفظ بها لترتب الحكم عليها، وإما أن يكون اللفظ غير صريح (أي لفظاً كنائياً) كمن قال لامرأته: اذهبي لأهلك أو قال لها: حبلك على غاربك فلا يقع طلاقا إلا إذا نواه، أو قال لعبده ليس لي عليك يد فلا يعتبر عتقا له إلا إذا نواه، فيختلف هنا حكم اللفظ الواحد باختلاف مقصد الفاعل إذا غير الصريح لا يعطي حكمه إلا بالقصد فلا ينفصل الفعل عن النية فيه.

 ب- وأما إذا كان التصرف فعلاً غير النطق كمن سرق، أو ضرب، أو هرب من المعركة، فالحكم في مثل هذا تابع للفعل ولا ينظر إلى نيته ومقصده غالباً.

 كما أن هناك أفعالاً لا تتبدل أحكامها باختلاف القصد أو النية، كما لو أخذ شخص مال آخر على سبيل المزاح بدون إذنه، فمبجرد وقوع الأخذ يكون الآخذ غاصباً ولا ينظر إلى نيته، كذلك لو أقدم إنسان على عمل غير مأذون فيه، فإنه يضمن الخسارة الناشئة عن عمله ولو حصلت عن غير أرادة منه، كمن أخذ مال صغير أو مغمى عليه أو سكران ليحفظه له فضاع المال فهو ضامن.

القاعدة رقم (2): العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني

وهذه القاعدة فرع من القاعدة الأولى، وقد ذكرها الإمام إبن القيم بلفظ (القصود معتبرة في العقود) .

معاني المفردات: 

العبرة: الاعتداد.

العقود: جمع عقد وهو ارتباط الإيجاب بالقبول، كعقد البيع والإجارة والإعارة.

اللفظ: هو الكلام الذي ينطق به الإنسان بقصد التعبير عن ضميره وما في نفسه.

المقاصد: جمع مقصد ومعناه نية المتكلم ومراده.

المعاني: جمع معنى وهو الصورة الذهنية التي دل عليها القول أو الفعل.

معنى القاعدة: 

 إن العقود المبنية على الأغراض والمقاصد لا على الألفاظ، كالبيع والإجارة والحوالة تعتبر فيها المقاصد والمعاني ولا عبرة للألفاظ، أي إنه عند حصول العقد لا ينظر للألفاظ التي يستعملها العاقدان، وإنما ينظر إلى مقاصدهم الحقيقية من الكلام الذي يلفظ به حين العقد، لأن المقصود الحقيقي هو المعنى، وليس اللفظ ولا الصيغة المستعملة، لأن الألفاظ ما هي إلا قوالب للمعاني، وأما إذا تعذر التأليف بين الألفاظ والمعاني المقصودة فلا يجوز إلغاء الألفاظ.

 ويعرف قصد العاقدين في العبارات الملحقة بصيغة العقد أو من قرينة الحال، فهي التي توضح القصد منه وعلى هذا لا بد من مناسبة بين الصيغة والمعنى المقصود، حتى يمكن اعتبار العبادات اللاحقة بصيغة العقد موضحة ومبينة القصد.

تطبيقاتها: 

أ- الهبة بشرط العوض تعتبر بيعا، فمن قال لآخر: وهبتك هذه الفرس بألف دينار، فقال الآخر: قبلت كان العقد بيعا وإن كانت الصيغة بلفظ الهبة  .

ب- الإعارة بشرط العوض إجارة، فمن قال لآخر: أعرتك سيارتي هذه بخمسين دينارا هذا اليوم، فقال الآخر: قبلت كان العقد إيجارا لا اعارة، ولو أن الإيجاب كان بلفظ الإعارة. 

ج- لو اشترى شخص من بقال سلعة وقال له: خذ هذا السيف أمانة عندك حتى أحضر لك الثمن، فالسيف يعتبر رهناً، وله حكم الرهن، ولا يكون أمانة، لأن الأمانة يحق للمؤتمن استرجاعها وقتما يشاء، ويجب على الأمين إعادتها وليس ما نحن فيه كذلك. 

الإستثناء من هذه القاعدة: 

 لو باع شخص لآخر شيئاً مع نفي الثمن بقوله: بعتُك هذه السلعة بدون ثمن، فعند الحنفية يكون البيع باطلاً ولا يعتبر العقد هبة، وكذلك لو آجره بدون أجرة لأن الثمن والأجرة من أركان العقد ، وأما عند الشافعية والحنابلة: فإنه ليس بيعاً وفي انعقاده هبة قولان، لتعارض اللفظ والمعنى، ولو قال: أسلمت إليك هذا الثوب في هذا العبد، فليس بسلم قطعاً، وفي انعقاده بيعاً قولان . 

القاعدة رقم (3): التبرع لا يتم إلا بالقبض

أصل القاعدة: 

 الحديث الصحيح عن أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها)أن أبا بكر (رضي الله عنه) قال لها في مرض موته: (إني قد نحلتك نحلا فلو كنت جذذتيه- أي قطعت ثمره - احتزتيه لكان لك، وإنما هو اليوم للوارث)  .

معنى القاعدة: 

التبرع: هو تمليك للحال مجاناً بلا مقابل، فيشتمل الهبة والهدية والصدقة، ولأنه لا يملك أحد إثبات ملك لغيره بلا رضى منه واختيار، كان لا بد من رضاء الموهوب له أو المهدي إليه أو المتصدق عليه بما يعطى، وإنما يتم ذلك ويظهر بقبض المملِّك وتسلمه .

شروط صحة التبرع: 

للتبرع شرطان لا يتم إلا بهما: 

1- لما كان التبرع تمليكاً للحال فلا يصح أن يكون معلقاً بما له خطر الوجود والعدم أي لا يعلق تنفيذه على أمر مستقبل يحدث، أو لا يحدث، كقدوم فلان مثلاً أو دخوله، كما لا يجوز إضافته إلى وقت، كملكتك غداً أو آخر الشهر.

 2- إن القبض شرط صحة التبرع، فلو لم يقبض لم يتم العقد، أي لا يكتفى فيه بالإيجاب والقبول بل لا بد من القبض والتسليم، فلا يملك الموهوب أو المهدي أو المتصدَّق به قبل قبضه، وعند مالك أن القبض شرط تمام الهبة لا شرط صحتها، فتصح الهبة دون قبض وفي رواية عند أحمد مثله.

 والعلة في لزوم القبض: إن إثبات ملك الموهوب له قبل القبض فيه إلزام المتبرع بما يتبرع به، فيثبت للموهوب له والمهدى إليه والمتصدق عليه ولاية مطالبة الواهب بالتسليم فيصير عقد ضمان، وهذا تغيير المشروع فلا يجوز.

 وعلى ذلك إذا توفي الواهب أو الموهوب له قبل القبض تبطل الهبة، وللواهب أن يرجع عن هبته قبل القبض بدون رضاء الموهوب له، وكذلك المهدي والمتصدق.

ويستثنى من هذه القاعدة: 

 الوصية فإنها تتم بدون حاجة إلى القبض ولو كانت تبرعا، لأنها تمليك مضاف إلى ما بعد موت الموصي، فقبض الموصى له في الحال غير ممكن ومن ثم يملكه الموصى له بعد موت الموصي بمجرد قبول الوصية.

القاعدة رقم (4): اليقين لا يزول بالشك

وهي من القواعد الأساسية ومن الأصول العظيمة.

وأصل القاعدة: 

أ- قوله تعالى: { وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} (يونس: 36)، قال ابن جرير الطبري: (إن الشك لايغني من اليقين شيئا ولايقوم في شيء مقامه، ولاينتفع به حيث يحتاج إلى يقين) .

ب- من السنة: ما في الصحيحين ((شكي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، قال: لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا)) ، وقوله ((إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ)) .

 قال الإمام النووي (رحمه الله تعالى): (وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام وقاعدة عظيمة من قواعد الفقه، وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك، ولا يضر الشك الطارئ عليها) ، قال الإمام السيوطي (رحمه الله تعالى): (وأعلم أن هذه القاعدة تدخل في جميع أبواب الفقه، والمسائل المخرجة عليها تبلغ ثلاثة أرباع الفقه وأكثر) .واليقين هو: الإعتقاد الجازم المطابق للواقع الثابت، والشك هو التردد بين النقيضين بلا ترجيح لأحدهما على الآخر .

معنى القاعدة: 

 إن الأمر المتيقن ثبوته لا يرتفع إلا بدليل قاطع، ولا يحكم بزواله لمجرد الشك، كذلك الأمر المتيقن عدم ثبوته لا يحكم بثبوته بمجرد الشك، لأن الشك أضعف من اليقين فلا يعارضه ثبوتاً وعدماً، وبعبارة أخرى: إذا ثبت أمر من الأمور ثبوتاً يقينياً قطعياً وجوداً وعدماً ثم وقع الشك في وجود ما يزيله، يبقى المتيقن هو المعتبر إلى أن يتحقق السبب المزيل.

تطبيقاتها: 

أ- من تيقن الطهارة وشك في الحدث فهو متطهر، ومن تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو محدث.

ب -ومن تيقن الفعل وشك في القليل أو الكثير حمل على القليل، لأنه هو المتيقن فلو شك المصلي في عدد الركعات يبني على القليل ويسجد سجدتين للسهو قبل السلام.

ج-ثبوت الدين في ذمة المدين لا يزول إلا بالأداء أو الإبراء، ومن ثبت نكاحه بامرأة فلا تزول الزوجية عنه إلا بتيقن، ومن ثبت ملكه بشيء لا تزول ملكيته إلا بثبوت ما يزيلها.

د - أكل آخر الليل وشك في طلوع الفجر، صح صومه لأن الأصل بقاء الليل. 

هـ- نص الفقهاء على عدم جواز البيع مجازفة في الأموال الربوية كالمكيلات الموزنات، لأن المماثلة في بيعها شرط محقق، والمماثلة مع المجازفة مشكوك فيها، فلا تثبت صحة بين المجازفة بناء على الأصل المقرر وهو: (إن الحكم المعلق على شرط أو المشروط بشرط، إذا وقع الشك في وجود شرطه لا يثبت) ، لأن ما ليس ثابتاً بيقين لا يثبت بالشك والثابت بيقين لا يزول بالشك.

 وإذا وقع النكاح بين رجل وامرأة بعقد صحيح، ثم وقع الشك في الطلاق، فالنكاح باق لأنه شك طرأ على يقين فوجب إطراحه.



المستثنى من القاعدة: 

 لو ادعى المشتري عيباً في المبيع موجباً لرده على البائع، بعد قبضه المبيع، فإنه لا يجبر على دفع الثمن للبائع حتى تنتهي الخصومة في العيب، فإن ثبت قدم العيب عند البائع يفسخ القاضي البيع، فإن عجز المشتري عن الإثبات يجبر على دفع الثمن حينئذٍ.فقد زال اليقين ها هنا، وهو وجوب دفع الثمن المتيقن به للحال بمجرد الشك، وهو قدم العيب المحتمل الثبوت وعدمه.

القاعدة رقم (5): الأصل براءة الذمة

دليل هذه القاعدة: 

 هذه القاعدة مأخوذة من الحديث الشريف وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه)) ، والأصل يراد به القاعدة الثابتة، والذمة هي: وصف شرعي يصير به الإنسان أهلا لما له وعليه من الحقوق، والمراد ببراءة الذمة أي خلوها وعدم انشغالها بأي حق للغير .

معنى القاعدة: 

 إن القاعدة المستمرة هي عدم انشغال ذمة الإنسان بأي حق للغير، حتى يقوم الدليل عليها، لأنه يولد بريء الذمة من وجوب شيء أو لزومه، وكونه مشغول الذمة خلاف الأصل، ولأن الأصل براءة ذمة الإنسان، فالمتمسك بالبراءة متمسك بالأصل، والمدعى متمسك بخلاف الأصل، ولذلك لا يقبل في دعوى شغل الذمة شاهد واحد ما لم يعتضد بشاهد آخر أو يمين المدعى، ولذلك كان القول للمدعى عليه مع يمينه عند عدم البينة لأنه متمسك بالأصل.

 وتعليل ذلك أن المتمسك بالأصل متمسك بالظاهر، والمتمسك بخلاف الأصل متمسك بخلاف الظاهر، وكل من يتمسك بخلاف الظاهر ويريد إثبات أمر عارض فهو مدَّع والمدعي تجب عليه البينة كما نص الحديث لأنه مثبت، وكل من يتمسك بالظاهر منكر للأمر العارض فهو مدّعى عليه، فعليه اليمين لأنه نافٍ ولا سبيل لإقامة البينة على النفي.

تطبيقاتها: 

أ- إذا ادعى رجل بأن له دين على آخر، فعليه أن يأتي بالدليل على ذلك، لأن الأصل براءة ذمة المدعي عليه من الدين.

ب-في الجنايات فإن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، والشك يفسر لمصلحة المتهم.

ج- من دفع لآخر ألف دينار ثم اختلفا فقال الدافع: دفعتها لك قرضا، وقال الآخر: بل هبة، فالقول للآخذ بيمينه (بالقسم) إن عجز الدافع عن الإثبات، فالبينة على من ادعى واليمين على من أنكر.

د- إذا ادعى رجل على بكر بالغة أنَّ وليها زوجها منه قبل استئذانها، فلما بلغها سكتت وقالت: بل رددت، فالقول لها في الراجح؛ لأن الزوج يدعي سكوتها ليتملك بضعها من غير ظاهر معه، وهي تنكر، والظاهر هو الاستمرار على الحالة المتيقنة، وهي عدم ورود ملك عليها الذي هو الأصل، فكانت هي متمسكة بأصل معنى هو الظاهر، فكان القول لها، كالمودَع يدعي رد الوديعة والمودِع ينكر، فإن القول لمدعي الرد وإن كان مدعياً صورة لتمسكه بالأصل الظاهر وهو فراغ ذمته وبراءتها من الضمان لكونه ظاهراً، أما إن أقام الزوج البينة على سكوتها فيعمل بها.

هـ- من قتل صيداً خطأ وهو محرم فلا فدية عليه؛ لأن الله حض المتعمد بإيجاب الجزاء بقوله: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} (المائدة: 95)، وهذا يقتضي أن المخطئ لا جزاء عليه؛ لأن الأصل براءة ذمته، والنص أوجب على المتعمد، فبقي المخطئ على الأصل.

القاعدة رقم (6): الأصل بقاء ما كان على ما كان

 وهي نفس قاعدة: (ما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يوجد دليل على خلافه)، وكذلك فرع من قاعدة (اليقين لايزول بالشك).

معنى القاعدة: 

 تشير هذه القاعدة إلى ما يعرف بالاستصحاب، وهو الحكم ببقاء أمر محقق لم يثبت تغيره، وهو على نوعين: 

الاول: إبقاء الشيء في الوقت الحاضر على ما كان عليه في الماضي، إلى أن يقوم الدليل على خلافه، وهو الاستصحاب عند الاصولين.

الثاني: إتخاذ الحال الحاضر للشيء دليلا على أن هذا الحال هو ما كان عليه الشيء في الزمن السابق، ويقال له الاستصحاب المقلوب لأنه عكس الأول .

تطبيقاتها: أولا أمثلة النوع الأول: 

أ- المفقود؛ وهو الغائب غيبة منقطعة بحيث لا يعلم موته ولاحياته، يعتبر حيا في حق نفسه في الحال الحاضر باستصحاب الحال في الزمن الماضي، بمعنى أن حياته قبل غيبته لما كانت متيقنة فيعتبر حيا في الحال الحاضر إلى أن يتيقن موته، ومن ثم لا تقسم أمواله بين ورثته.

ب - إذا ادعت المعتدة امتداد الطهر وعدم انقضاء العدة، فالقول قولها بيمينها، ولها نفقة العدة لأن الأصل بقاء العدة بعد وجودها.

ج- أكل آخر النهار بلا اجتهاد، وشك في الغروب، بطل صومه، لأن الأصل بقاء النهار، ولو أكل آخر الليل، وشك في طلوع الفجر، صح صومه، لأن الأصل بقاء الليل، ولو نوى الصوم وشك هل طلع الفجر أم لا؟صح صومه بلا خلاف.. 

ثانيا: أمثلة النوع الثاني

 لو ادعى المستأجر سقوط الأجرة بزعم أن المأجور غصب منه ففات الانتفاع به وأنكر المؤجر ذلك ولا بينة لأحدهما، فإنه يحكم الحال الحاضر فإن كان المأجور في يد الغاصب حين الخصومة فالقول قول المستأجر، وإن لم يكن في يد غاصب فالقول قول المؤجر. 

 لو ثبت أن شخصا ملك شيئا بالإرث أو بالشراء أو باي سبب شرعي من أسباب الملك، فإن ذلك الشيء يبقى ملكا له، ولا يقال أنه يحتمل أن مالكه قد أخرجه عن ملكه ببيع أو هبة، ولكن لو ثبت أنه خرج عن ملكه فيكون قد وجد حينئذ دليل على زوال ملكه، فلا يحكم ببقاء الملك له بل يحكم بزواله.

المستثنى من القاعدة: 

 الأمين يصدق يمينه في براءة ذمته: لو ادعى الأمين أنه أعاد الوديعة لصاحبها أو أنها تلفت في يده بلا تعدِّ منه أو تقصير، يقبل ادعاؤه مع يمينه، مع أنه كان يجب بمقتضى قاعدة الاستصحاب أن يعد الأمين مكلفاً بإعادة الأمانة ما لم يثبت إعادتها، لأن الحال الماضي هو وجود الأمانة عند المودع، ولكن السبب في تصديقه بيمينه: أن الأمين هنا يدَّعي براءة الذمة من الضمان، وأما المودع فهو يدعي شغل ذمة الأمين، وذلك خلاف الأصل: (لأن الأصل براءة الذمة).

ومنها: ما لو ادعت المرأة مضي عدتها في مدة تحتمل، صدقت بيمينها مع أن الأصل بقاء العدة بعد وجودها، وذلك لأن مضي العدة من الأمور التي لا تعلم إلا منها، فإذا لم يقبل قولها في مضيها لا يمكن ثبوت مضيها أصلاً، فقبل قولها في ذلك ضرورة. 

القاعدة رقم (7): الأصل في الصفات العارضة العدم

معنى القاعدة: 

 أنه عند الاختلاف في ثبوت الصفة العارضة وعدمها، القول قول من يتمسك بعدمها مع يمينه، لان الصفة العارضة هي حالة لاتكون موجودة مع الأصل بل حادثة بعده، كالربح في شركة المضاربة، فالأصل فيها العدم، ومن ادعى وجودها فعليه الاثبات.

والصفة الأصلية: هي حالة موجودة مع وجود الأصل، كالبكارة في الجارية، فمن ادعى عدمها فعليه الإثبات .

تطبيقاتها: 

أ- لو ثبت عليه دين بإقراره أو ببينة فادعى الأداء أو الإبراء، فالقول للدائن المنكر للأداء وللإبراء، لأن الأصل عدمهما.

ب- لو اختلفا في رؤية المبيع، فالقول للمشتري لأن الأصل عدم الرؤية، ولو اختلفا في تغير المبيع بعد رؤيته فالقول للبائع، لأن الأصل عدم التغير.

ج- لو اختلف البائع والمشتري في قبض المبيع أو الثمن، أو اختلف المؤجر والمستأجر في قبض المأجور أو بدل الإجارة، فالقول لمنكر القبض في جميع ذلك لأن الأصل عدمه.

د- إذا باع شخص من آخر بقرة، ثم طلب المشتري ردها لكونها غير حلوب، فأنكر البائع وقوع البيع على هذه الشرط، فالصفة الأصلية في البقرة كونها غير حلوب، وصفة الحلب طارئة، فالقول هنا للبائع الذي يدعي عدم حصول هذا الشرط، وعلى المشتري الذي يدعي خلاف الأصل إثبات ما يدعيه.

المستثنى من القاعدة: 

أ- إذا أراد الواهب الرجوع في الهبة، وادعى الموهوب له تلف الهبة، فالقول له بلا يمين، والعلة في ذلك؛ أن تلف الهبة وصف عارض وهو خلاف الأصل، فكان الواجب بمقتضى القاعدة أن يكون الموهوب له مكلفاً بإثبات ذلك، لكن بما أن الموهوب له هنا ينكر وجوب الرد على الواهب، فأصبح شبيهاً بالمستودع الذي يدعي براءة الذمة. 

ب- كذلك إذا تصرف الزوج في مال الزوجة فأقرضه آخر، وتوفيت الزوجة وادَّعى ورثتها أن الزوج تصرف في المال بدون إذن وطلبوا الحكم بضمانه، وادعى الزوج أن تصرفه كان بإذنها، فالقول للزوج مع يمينه، مع أن الإذن الذي ادعاه الزوج من الصفات العارضة، فكان الواجب أن يكون القول للورثة؛ ولكن الزوج هنا ينكر الضمان ويتمسك بأصل أقوى وهو براءة الذمة، فكان القول له مع يمينه.

القاعدة رقم (8): الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته

معنى القاعدة: 

 أنه إذا وقع اختلاف في زمن حدوث أمر، ينسب حدوثه إلى أقرب الأوقات للحال ما لم تثبت نسبته إلى زمن بعيد، وتعليل ذلك: إن أحكام الحوادث ونتائجها وما يترتب عليها كثيراً ما تختلف باختلاف تاريخ حدوثها، فعند التنازع في تاريخ الحادث يحمل على الوقت الأقرب إلى الحال حتى يثبت الأبعد، لأن الوقت الأقرب قد اتفق الطرفان على وجود الحادث فيه وانفرد أحدهما بزعم وجوده قبل ذلك. فوجود الحادث في الوقت الأقرب متيقن وفي الأبعد مشكوك.

تطبيقاتها: 

أ- لو قال المحجور عليه: بعتك بعد الحجر، وقال المشتري: بل قبله، فالقول للمحجور عليه، لأن الأصل إضافة البيع إلى أقرب الأوقات وهو وقت الحجر.

ب- أقر لأحد ورثته بدين ثم مات، فاختلف المقر له مع الورثة في وقت الإقرار، قالوا: أخر وقت مرض موته، وقال: بل أقر لي في حالة صحته، فالقول قول الورثة والبينة على المقر له.

ج- ومن ضرب بطن حامل فانفصل الولد حياً، وبقي زماناً بلا ألم ثم مات، فلا ضمان على الضارب لأن الظاهر أن الولد مات بسبب آخر إلا إذا عاضد ذلك السبب ظاهر قوي كمن جُرح وبقي زماناً يتألم من جرحه ثم مات إذ ينسب الموت هنا إلى الجرح لأنه سبب ظاهر مع احتمال أن يكون مات بغيره.

 د- إذا ادَّعت الزوجة أن زوجها طلقها أثناء مرض الموت (طلاق الفار) وطلبت الإرث وادعى الورثة أنه طلقها في حال صحته، وأنه لا حق لها في الإرث، فالقول للزوجة، لأن الأمر الحادث المختلف على زمن وقوعه هنا هو الطلاق، فيجب أن يضاف إلى الزمن الأقرب، وهو مرض الموت الذي تدعيه الزوجة، ما لم يقم الورثة البينة على أن طلاقها كان حال الصحة. 

هـ - ومنه ما لو مات رجل مسلم وله امرأة نصرانية فجاءت امرأته بعد موته مسلمة وقالت: أسلمت قبل موته فأنا وارثة منه، وقال الورثة: إنك أسلمت بعد موته فلا ترثين منه لاختلاف دينيكما عند موته، فالقول للورثة والبينة على الزوجة.

المستثنى من القاعدة: 

أ-إذا قال الوكيل بالبيع بعت وسلمت قبل العزل عن الوكالة، وقال الموكل: بل بعت وسلمت بعد العزل، كان القول للوكيل إن كان المبيع مستهلكاً، ولو فرعنا على القاعدة لكان القول قول الموكل لأنه يضيف الفعل إلى الزمن الأقرب، ولكن قالوا: إن القول للوكيل مع يمينه لأنه ينفي عن نفسه الضمان ويندرج تحت قاعدة (الأصل براءة الذمة) بخلاف ما إذا كان المبيع قائماً لم يستهلك فالقول للموكل مع يمينه.

 ب- وإذا قال شخص لغيره: قطعت يدك وأنا صغير فقال المقر له: بل قطعتها وأنت كبير، كان القول للمقر، لأنه ينفي عن نفسه الضمان مع أنه تبعاً للقاعدة يكون القول للمقر له لأنه يضيف الحادث إلى أقرب أوقاته.

القاعدة رقم (9): القديم يترك على قِدَمه

والقديم: هو الذي لا يوجد من يعرف أوله  .

معنى القاعدة: 

 أن المتنازع فيه إذا كان قديما تراعى فيه حالته التي هو عليها من القديم، فيترك على حالته القديمة بلا زيادة ولا نقصان ولا تغير ولا تحويل إلا بمقتضى الدليل، وذلك من باب حسن الظن بالمسلمين بأنه ما وضع إلا بوجه شرعي، ما لم يكن هذا القديم ضاراً فيجب إزالته بناءً على القاعدة التي تقول: (الضرر لا يكون قديماً) أي لا يعتبر قِدَمه حجة في بقائه.

تطبيقاتها: 

أ- لو كان لدار مسيل على دار الجار يجري من مدة لا يدركها الأقران، كان ذلك المسيل قديما فليس للجار منعه بل يجب ترك القديم على قدمه.

ب- لو كان لرجل نهر يجري في أرض غيره لسقي أراضيه، وهو في يده يكريه ويغرس في حافتيه الأشجار مثلاً، فأراد صاحب الأرض أن لا يجري النهر في أرضه فليس له ذلك، بل يترك على حاله، لأن من هو في يده يستعمله بإجراء مائه ونحوه، فعند الاختلاف القول قوله، فلو لم يكن في يده ولم يكن جارياً وقت الخصومة، فإن كان يدعي رقبة النهر فعليه أن يثبت أنه له، وإن كان يدعي حق الإجراء في النهر فعليه أن يثبت أنه كان يجري من القديم لسقي أراضيه، فيحكم له حينئذ بملك رقبة النهر في الصورة الأولى، وبحق الإجراء في الثانية، وبمثل ذلك يحسم الاختلاف إذا وقع في حق المرور، أو حق التسييل في أرض أو على سطح، أو في دار، أو في طريق خاص، أو بين علو وسفل.

القاعدة رقم (10): الضرر لا يكون قديما

 وهذه القاعدة قيدا ومستثناة للقاعدة السابقة، ولهذا قال الفقهاء: لا عبرة للقديم المخالف للشرع القويم، والمعنى أن الضرر قديمه كحديثه في الحكم، فلا يراعى قدمه ولا يعتبر، بل يزال، وليس المراد أنه لا يتصور تقادم عليه بحيث لا يوجد من يعرف أوله.

تطبيقاتها: 

 لو كان لدار مسيل ماء على الطريق العام ويحصل منه للمارين ضرر فاحش، فلا يعتبر قدمه، ويؤمر صاحبه برفعه، وعلى هذا ترفع الأشياء المضرة بالمارين ضررا فاحشا، ولو كانت قديمة كالشرفة والبروز على الطريق العام للمارين.

القاعدة رقم (11): الأصل في الكلام الحقيقة

الحقيقة هي: استعمال اللفظ في المعنى الذي وضع له في أصل التخاطب، مثل كلمة أسد للحيوان المفترس.

المجاز: هو استعمال اللفظ في غير ما وضع له في أصل الوضع، بشروط أن يكون بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي علاقة، مع وجود قرينة صارفة عن إرادة المعنى الحقيقي، كإطلاق كلمة (نور) على الإسلام أو على العلم، أو أسد على الرجل الشجاع .

تطبيقاتها: 

أ- لو قال: هذه الدار لزيد، كان ذلك إقرارا له بالملك حتى لو قال: أردت بقولي أنها مسكنه لم يقبل منه، لأن الأصل حمل الكلام على الحقيقة وهي الملك.

 ب- لو قال وقفت داري على حفاظ القرآن في بلدي، لم يدخل فيه من كان حافظا ونسي لأنه لا يطلق عليه أنه حافظ إلا مجازا باعتبار ما كان.

ج- لو حلف لا يبيع ولا يشتري أو لا يستأجر ونحو ذلك، لم يحنث إلا بالصحيح دون الفاسد بناءا على أن الحقائق الشرعية إنما تتعلق بالصحيح دون الفاسد.

ج- ما لو أوصى أو وقف على أولاد أولاده، دخل أولاد البنات على الراجح، لأن ولد بنت الإنسان ولد ولده حقيقة.

القاعدة رقم (12): إذا تعذرت الحقيقة يصار إلى المجاز

 معنى القاعدة: 

 المقصود بتعذر الحقيقة؛ هو عدم امكان حمل الكلام على معناه الحقيقي إما لهجر المعنى الحقيقي إلى المجازي كقول الحالف والله لا آكل من هذه الشجرة، فيحمل كلامه على الأكل من ثمارها فيحنث إن أكل من ثمارها، وإن كان مجازا ولا يحنث إن أكل من ورقها أو أغصانها، وإن كان حقيقة لأن المراد هو المعنى المجازي في الاستعمال لا الحقيقي.

 وأما لعدم إمكانها أصلا لعدم وجود فرد لها، كما لو وقف على أولاده وليس له إلا أحفاد، أو بعدم إمكانها شرعا كالوكالة بالخصومة فإن الخصومة هي: التنازع وهو محضور شرعا: قال تعالى: { ولا تنازعوا}.

 أو لدلالة العادة والعرف، كقول الحالف: والله لا أضع قدمي في هذه الدار، فهو يحنث إذا دخل الدار راكبا، ولا يحنث إذا وضع قدمه فيها بدون دخول، لأن المراد من كلامه حسب الاستعمال العرفي وجريان العادة بمثل هذا الكلام هو؛ الدخول إلى الدار وليس مجرد وضع القدم فيها دون دخول  .

 وعليه لو حلف أنه لا يأكل لحما لا يحنث بأكله للسمك، وإن كان لحما على الحقيقة ولكنه لا يحنث بحسب الاستعمال العرفي السائد بعدم اطلاق اسم اللحم على السمك، وكذلك لا يحنث إن حلف أن لا يجلس تحت سقف، وجلس تحت السماء وإن سماها الله تعالى { سقفا مرفوعا}، وكذا لا يحنث إن افترش الأرض وهو قد حلف على عدم الجلوس على بساط، وإن سمى الله تعالى الارض { بساطا} للاستعمال العرفي السائد، وإذا حلف أن لا يأكل من هذا الدقيق، يحنث لو أكله بعد أن صار خبزاً، ولا يحنث إذا استفه، لأن أكل الدقيق دون خبز مهجور عرفاً.

القاعدة رقم (13): إعمال الكلام أولى من إهماله

معنى القاعدة: 

 لا يجوز إهمال الكلام واعتباره بدون معنى ما أمكن حمله على معنى حقيقي أو مجازي، أي أن الأصل في الكلام الحقيقة ولا يحمل على المجاز إلا إذا تعذر حمله على معناه الحقيقي، كما في القاعدة السابقة.

 وهي من القواعد المهمة، كونها تتعلق بالدرجة الأولى بخطابات الشارع الحكيم، كما تتعلق بالكلام الصادر عن المكلف من حيث كونه يجب صونه عن الإهمال والإلغاء، ومن هنا كان لهذه القاعدة تأثير كبير في بعض الأبحاث القرآنية التي تتعلق بكلام الله سبحانه وتعالى، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.

تطبيقاتها: 

أ- لو أقر شخص بأنه مدين لآخر بألف دينار دون أن يذكر سبب الدين وأعطى للدائن سندا بذلك, ثم أقر بعد ذلك للشخص نفسه مرة ثانية بأنه مدين له بألف دينار وأعطاه سندا بذلك ولم يبين فيه سبب الدين، فإن إقراره الثاني يحمل على التأسيس أي الإقرار بدين جديد ولا يحمل على تأكيد دينه الأول الذي أعطاه به سندا.

 أما إذا تعذر أعمال الكلام فهو يهمل، يعني إذا تعذر حمله على الحقيقة أو المجاز ولا على التأسيس أو التأكيد فإنه يهمل ويعتبر لغوا لا يترتب عليه حكم، كما لو ادعى شخص أو أقر بأن فلانا الذي هو أكبر منه سنا ابنه، فلا يمكن حمل كلامه على معنى حقيقي لأن المقر له بالبنوة أكبر سنا من المقر، كما لا يمكن حمله على المجاز لعدم توفر القرينة فإن هذا الإقرار يهمل ويعتبر لغوا.

ب- لو أوصى أو أوقف على أولاده، يحمل على أولاده الصلبيين فقط، لأنه الحقيقة و إلا تناول أولادهم بطريق المجاز لأن إعمال الكلام أولى من إهماله، ومن حلف لا يأكل من هذه النخلة شيئاً، ثم أكل من ثمرها أو جُمارها أو طلعها أو بسرها أو الدبس الذي يخرج من رطبها حنث، لأن النخلة لا يتأتى أكل عينها فحمل على ما يتولد منها، وكذلك لو حلف لا يأكل من هذا القدر يحمل على ما يطبخ فيه.

القاعدة رقم (14): ذكر بعض ما لا يتجزا كذكر كله

وهذه القاعدة يمكن اعتبارها فرع من السابقة.

معنى القاعدة: 

 إذا كان إعمال اللفظ أولى من إهماله، فكل ما لا يقبل التجزئة، فذكر بعضه في الحكم كذكر كله، ووجود بعضه كوجود كله، إذ لا يخلو إما أن يجعل ذكر البعض كذكر الكل فيعمل الكلام، وإما لا فيهمل، لكن الإعمال أولى من الإهمال، وهذه القاعدة من باب ذكر الجزء وإرادة الكل، وهي من أساليب البلاغة في اللغة العربية.

تطبيقاتها: 

أ- قوله تعالى في كفارة الظهار: { فتحرير رقبة} (المجادلة: 3)، وفي كفارة القتل الخطأ: {فتحرير رقبة مؤمنة} (النساء: 92)، والمراد بالرقبة ذكرا أو أنثى فجاء التعبير عنه بذكر جزء منه وهو الرقبة.

ب- قوله عليه الصلاة والسلام: ((الحج يوم عرفة))  رواه أصحاب السنن، وعرفة جزء من الحج وكذا قوله: ((الدين النصيحة))  وعبر به عن الكل لأهميته. 

ج- لو أسقط ولي أمر القتيل نصف القصاص سقط القصاص كله، لأن القصاص لا يتجزأ، وأما حكم ذكر بعض ما يتجزأ فليس كذكره كله فثبت الحكم للبعض الذي ذكره وليس للشيء كله.

د- إذا طلق رجل نصف امرأته أو ربعها تطلق كلها، أو طلقها نصف تطليقة، فتعتبر تطليقة كاملة عند الجميع، وفي الكفالة بالنفس إن كفل ربع الشخص أو نصفه كان كفيلاً به كله، لعدم إمكان تجزئ الشخص، بخلاف الكفالة بالمال، فعدم التجزؤ يكون في نحو: الطلاق والقصاص والكفالة بالنفس والشفعة ووصاية الأب والولاية، وهذا راجع لعدم إمكان التجزؤ عقلاً, وقد يكون عدم التجزؤ لحق الغير، كلزوم الضرر على المشتري بتفريق الصفقة، ومنها من أذن لعبده في نوع من التجارة صار مأذوناً في جميعها، عند غير زفر من علماء الحنفية ، ومنها من أوجب على نفسه ركعة لزمه أن يصلي ركعتين لأن ذلك لا يتبعض، فذكر أحداهما كذكر كليهما.

ومنها أن المرأة إذا طهرت من حيضتها أو نفاسها آخر الوقت، وقد بقي من الوقت مقدار ما يمكنها من الاغتسال فيه والتحريمة للصلاة لزمها صلاة ذلك الوقت لأن الواجب لا يتبعض، ومنها إذا أسلم الكافر أو أدرك الغلام في آخر الوقت، ولم يبق من الوقت إلا مقدار ما يمكنه التحريمة للصلاة، لزمه فرض تلك الصلاة.

المستثنى من القاعدة: 

أ- إذا قال نصفي كفيل لك بفلان أو بدينه، لم تنعقد الكفالة. 

ب- إذا عفا عن بعض حد القذف، فلا يسقط منه شيء في الصحيح عند الشافعية. ومما خرج وزاد فيه البعض عن الكل: إذا قال لزوجته، أنت علي كظهر أمي فإنه صريح ويعتبر مظاهراً لكنه لو قال: أنت كأمي، كان كناية عن الاحترام مثلا ولا يقع ظهاراً إلا إذا نواه.

ج- وخرج عن القاعدة العتق عند أبي حنيفة رحمه الله، فإنه إذا أعتق بعض عبده لم يعتق كله، ولكن لم يدخل لأنه مما يتجزأ عنده، والكلام فيما لا يتجزأ .

القاعدة رقم (15): لا ينسب إلى ساكت قول

 وهذه القاعدة من عبارة الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ، ومعناها أنه لا يجوز أن يقول الساكت ما لم يقله، فيقال انه قال: كذا وكذا، وتفيد أن الشرع حيث ربط معاملات الناس بالعبارات الدالة على المقاصد، فما جعل للسكوت حكماً ينبني عليه شيء كما تبنى الأحكام على الألفاظ، ولهذا قال: لا ينسب إلى ساكت قول، بعكس البِكر كما سيأتي بعد قليل.

تطبيقاتها: 

أ- لو رأى شخص أجنبيا يبيع ماله فسكت لا يعد سكوته إجازة أو توكيلا.

ب- لو رأى غيره يتلف ماله فسكت، لا يكون سكوته إذنا بإتلافه.

ج- لو طلب رجل من آخر إعارته شيئا فسكت صاحب ذلك الشيء، ثم أخذه المستعير كان غاصبا وينطبق عليه أحكام الغصب ومنها ضمان هلاك المغصوب مطلقا.

د- لو سكتت الثيب عند الاستئذان في النكاح، لم يقم سكوتها مقام الإذن قطعاً، لأنه لا ينسب للساكت قول.

 القاعدة رقم (16): السكوت في معرض الحاجة بيان 

وهي فرع من القاعدة السابقة وتتمة لها.

معنى القاعدة: 

 إن السكوت فيما يلزم التكلم به إقرار وبيان وهو من علامات الرضا بالشيء ودلالة عليه، وهي قاعدة ذكرها الأصوليون أيضاً حيث أفادت أن السكوت في حكم النطق، وذلك في كل موضع تمس الحاجة فيه إلى البيان، وسمى الأصوليون هذا بيان الضرورة، وهو نوع من أنواع البيان يقوم السكوت فيه مقام الكلام، إما لدلالة حال في المتكلم، تدل على أن سكوته لو لم يكن بياناً ما كان ينبغي له أن يسكت عنه وذلك كسكوت صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم عند أمر يعاينه، عن التغيير أو الإنكار، فيكون سكوته إذناً به.

تطبيقاتها: 

أ- سكوت البكر عند استئمار وليها لها بالزواج، يعتبر منها رضا وإجازة لدلالة الحال (وهي استحياؤها من إظهار الرغبة في الرجال، لا من إظهار عدمها) .

ب- سكوت المالك عن قبض الموهوب له أو المتصدق عليه، يعتبر إذنا بالقبض.

ج- سكوت الشفيع عند علمه بالبيع، دلالة على رضاه به ويسقط حق شفعته.

د- سكوت الزوج عند ولادة امرأته وتهنئته بالمولود يعتبر إقرارا به وبنسبه منه، فلا يملك نفيه بعد ذلك.

هـ - سكوت المشتري قبل البيع عند إخباره بالعيب يعتبر رضا منه بالعيب، فلا يملك رده بالعيب.

و- لو رأى الولي الصبي المميز يبيع ويشتري ولم يمنعه وسكت، يكون سكوته إذنا له بالتجارة دلالة، والقراءة على الشيخ وهو ساكت ينزل منزلة نطقه، وهو من طرق تحمل الحديث وهو العرض عند الجمهور، والرواية بها سائغة عند العلماء، إلا عند شُذاذ لا يعتمد بخلافهم .


القاعدة رقم (17): لا عبرة بالدلالة في مقابلة التصريح

معنى القاعدة: 

 إذا تعارضت الأدلة والتصريح أي القول الصريح أو ما يقوم مقامه، فإن المعتبر والمعول عليه في ترتيب الأحكام هو التصريح لا الدلالة، إذ لا اعتبار لها مع وجود التصريح المخالف له، فالمفهوم لا يقاوم المنطوق، فالتصريح بالمراد أقوى من الدلالة فإذا تعارضاً أي الصريح والدلالة، فلا عمل للدلالة ولا اعتداد بها، وأما عند عدم التعارض فيعمل بالدلالة لأنها في حكم التصريح وقوته، وهذا في المواضع التي جعلوا السكوت فيها كالنطق.

تطبيقاتها: 

أ- إذا وهب شخص شيئا لآخر وقبضه الموهوب له في مجلس الهبة، كان قبضه صحيحا وإن لم يأذن له الواهب في القبض صراحة، لأن إيجاب الواهب إذن منه بالقبض دلالة، وأما لو نهاه عن القبض فلا يصح قبضه، لأنه لا عبرة للدلالة في مقابلة النص. 

ب- إذا دخل إنسان دار آخر بإذنه فوجد إناءً معداً للشرب فهو إذن بالشرب دلالة، فإذا أخذ ذلك الإناء ليشرب منه فوقع من يده وانكسر، فهو غير ضامن، وأما لو نهاه صاحب البيت أو الدار عن الشرب منه، ثم أخذه ليشرب به فوقع وانكسر، فإنه يضمن قيمته؛ لأن التصريح بالنهي أبطل حكم الإذن المستند إلى دلالة الحال، ففي صورة عدم التصريح بالنهي هو مأذون شرعاً بالدلالة (والجواز الشرعي ينافي الضمان) كما سيأتي إن شاء الله، وأما التصريح بالنهي فإنه يعدم بالدلالة فلا حكم لها.

 ج- والأمين له السفر بالوديعة دلالة، فأما إذا نهاه المودع عن السفر بها صراحة فليس له السفر بها؛ لأن التصريح أقوى من الدلالة.

المستثنى من القاعدة: 

أ- قد تكون الدلالة أقوى من الصريح إذا كانت دلالة الشرع، لأن دلالة الشرع أقوى من صريح العبد، لعدم احتمال دلالة الشرع الكذب، فيعمل بها، فدلالة الشارع في أن الولد للفراش أقوى في ثبوت النسب من منكر جماع المطلقة رجعياً أو إنكاره أنه راجعها في العدة، بقوله: لم أجامعها أو لم أراجعها، فيعمل بدلالة الشرع وينسب الولد إليه؛ لأن دلالة الشرع أقوى من صريح العبد.

ب- ما لو اشترى شيئاً ثم اطلع على عيب فيه فاستعمله استعمالاً يدل على الرضا بالعيب وهو يصرح بعدم الرضا به فإنه يلزمه المبيع ولا يقبل منه تصريحه بعدم الرضا، ويستثنى أيضاً ما لو بنى المتولي أو غرس في عقار الوقف ولم يشهد أنه لنفسه ثم اختلف مع المستحقين فقال: فعلته لنفسي، وقالوا: بل للوقف، فالقول قولهم، ترجيحاً للدلالة بكونه متولياً، وبناؤه وغرسه لنفسه غير جائز ويعد خيانة منه، والأصل عدمه على تصريحه بأنه فعل لنفسه  .

القاعدة رقم (18): لا عبرة للتصريح بعد العمل

 وهذه فرع من السابقة ومعناها: انه بعد العمل بموجب الدلالة لا عبرة للتصريح.

تطبيقاتها: 

أ- شاة لإنسان خيف عليها من الموت فذبحها آخر كيلا تموت فيحرم أكلها، لا يضمن ذابحها لأنه مأذون من المالك دلالة.

ب- إذا قبض المشتري المبيع قبل نقد الثمن بمشهد من البائع ولم ينهه صح القبض وسقط حق الحبس بالثمن بدلالة السكوت عن الإذن، وبالتالي لا يملك استرداد المبيع بل يطالبه بالثمن، أما لو وجد صريح النهي فلا يسقط حق الحبس وله أن يسترده منه ويحبسه بالثمن.

القاعدة رقم (19): المطلق يحمل على إطلاقه ما لم يقم دليل التقييد نصا أو دلالة

المطلق: هو اللفظ الدال على مدلول شائع من جنسه، أو هو اللفظ الدال على أفراد غير معينة وبدون أي قيد لفظي مثل رجل ورجال، المقيد: هو اللفظ الدال على شائع في جنسه مع تقيده بوصف من الأوصاف، مثل رجل عراقي أو رجال مسلمون .

معنى القاعدة: 

 أنه يحمل اللفظ المطلق على إطلاقه فلا يجوز تقييده بأي قيد إلا إذا قام الدليل على تقييده نصا أو دلالة، مثل قوله تعالى:  وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا  (البقرة: 234)، فتجب العدة في الآية سواء كانت المرأة مدخولا بها أو لا أو كانت حاملا أو لا، ولكن قام الدليل نصا بتقييده في قوله تعالى: وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ  (الطلاق: 4)، فخرجت الحامل من هذا الإطلاق، وكذلك المطلقة غير المدخول بها لقوله تعالى:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا  (الاحزاب 49). 

تطبيقاتها: 

أ- لو وكل أحد بشراء شيء معين ولم يبين له الثمن، كان للوكيل أن يشتري بثمن المثل أو بغبن يسير، ولكن لا يجوز له أن يشتريه بغبن فاحش، وأن فعل وقع الشراء له، وذلك لأن وكالته وإن كانت مطلقة إلا أنها مقيدة دلالة بعدم التجاوز إلى الغبن الفاحش.

ب- من وكل شخصاً بشراء فرس أو سيارة فاشتراها له حمراء أو بيضاء، فقال: أردت سوداء، يلزم بما اشتراه الوكيل، لأن كلامه مطلق فيجري على إطلاقه، وعقد الإعارة أو الإجارة المطلقة يسوِّغ للمستعير أو المستاجر جميع وجوه الانتفاع بالحدود المعتادة، فلا يتقيد بمكان ولا زمان أو استعمال مما ليس عليه دليل.

حالات التقييد : 

أ- التقييد بالنص: 

 وهو اللفظ الدال على القيد، كما لو قال الموكل لوكيله مثلاً: بع بعشرين، فلا ينفذ بيع الوكيل بأقل، أو قال: بيع بالنقد، فليس له البيع نسيئة.

ب- التقييد بالدلالة: 

 والمراد بالدلالة غير اللفظ، فقد تكون عرفية أو حالية، كما لو وكل طالب علم شرعي آخر بشراء بعض الكتب، فاشترى له كتباً في الفن أو الهندسة أو الطب، فإنه لا يلزمه ما اشتراه، لأن حالته تنبئ أن مراده كتب العلم الشرعي، وإن كان اللفظ مطلقاً، واتفقوا على أن وكيل الشراء يتقيد بثمن المثل، فلا ينفذ على الموكل شراؤه بأكثر منه.

القاعدة رقم (20): لا مساغ للاجتهاد في مورد النص

 دليل هذه القاعدة: قوله تعالى:  وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا  (سورة الأحزاب: 36).الاجتهاد في اصطلاح الفقهاء: هو بذل غاية الجهد واستفراغ ما في الوسع لتحصيل الحكم الشرعي من دليله الشرعي .

معنى القاعدة: 

 إنه لا يجوز الاجتهاد في قضية شرعية ورد فيها نص صريح، لأن الاجتهاد إنما يكون في ما لا نص عليه، فجواز الاجتهاد مقيد بعدم وجود النص الحاصل فيه الحكم، والمراد بالنص نصوص الكتاب والسنة النبوية الشريفة وما ثبت بالإجماع الشرعي، ويشترط في النص أن يكون مفسرا محكما لا يحتمل التأويل أو النسخ .

تطبيقاتها: 

أ- لا يجوز الاجتهاد في حل الربا بحجة الفائدة الاقتصادية، لورود النص في تحريمه.

ب- لا يجوز الاجتهاد بجعل ميراث الذكر مثل ميراث الأنثى، بدعوى المساواة لورود النص بأن للذكر مثل حظ الانثيين.

ج-لا يجوز الاجتهاد في حل القمار بحجة زيادة الموارد المالية، لوجود النص بتحريمه.

د- فلو قضى حاكم بعدم صحة رجعة الزوجة الرجعية بدون رضاها، لا ينفذ ذلك القضاء لأنه مخالف لقوله تعالى: وبعولتُهُنَّ أحق بردِّهِنَّ (سورة البقرة: 228)، وكذا لو قضى بحل المطلقة ثلاثاً بمجرد عقد الزواج الثاني: لا ينفذ؛ لأن حديث العسيلة  يخالفه، فيكون التحليل بدون الوطء مخالفاً له، فلا يجوز.

هـ-وكذا لو منع أحد بينة المدعي وألزم المدعي عليه البينة أو رد اليمين على المدعي مع وجو بينته فهذا اجتهاد لا ينفذ؛ لأنه مخالف لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: (البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه) لأن الحديث صريح في وجوب قبول البينة من المدعي للإثبات.

القاعدة رقم (21): الاجتهاد لا ينقض بمثله

 في المسائل التي يسوغ فيها الاجتهاد، إذا اجتهد فيها المجتهد وخرج فيها برأي سائغ، فلا يبطل أو ينقص باجتهاد آخر سائغ مثل الاجتهاد الأول. فلو جاز إبطال العمل في الفتاوى والأحكام الاجتهادية كلما تبدل اجتهاد المجتهد فيها، لما استقر حكم في حادثة، لأن الاجتهاد عرضة للتبدل دائماً بتبدل وجهات النظر في الأدلة.

ودليل القاعدة: 

 الإجماع؛ وسار عليه الخليفة الثاني أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فقد حكم الخليفة الأول أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) في مسائل وخالفه عمر (رضي الله عنه) فيها ولم ينقض حكمه، وعلته بأن ليس الاجتهاد الثاني بأقوى من الأول، وأنه يؤدي إلى أن لا يستقر حكم، وفيه مشقة شديدة، والمجتهد إذا أصاب له أجران وإذا أخطأ فله أجر واحد، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح .

تطبيقاتها: 

أ- لو حكم الحاكم بشيء ثم تغير اجتهاده لا ينقض حكمه الأول، ولكن له أن يحكم في المستقبل باجتهاده الجديد، كما لا يجوز لحاكم آخر ان ينقض حكم الحاكم الأول بحجة مخالفته لرأيه، لأن الإجتهاد لا ينقض بمثله وإنما ينقض الإجتهاد إذا كان مخالفا لنص الكتاب والسنة والاجماع.

ب- لو تغير اجتهاده في القبلة عمل بالثاني، ولم يبطل الأول، حتى لو صلى أربع ركعات إلى أربع جهات بالاجتهاد صحت صلاته ولا قضاء عليه ولا إعادة، وكذلك لو تحرى في ثياب اختلطت طاهرة منها بنجسة أو أواني ماء وصلى ببعضها أو توضأ ببعضها باجتهاده، ثم تغير اجتهاده فلا ينقض اجتهاده الجديد اجتهاده السابق ولا قضاء عليه ولا إعادة.

 المستثنى: 

 ومع ذلك فإنه يجوز نقض الاجتهاد إذا تبين الخطأ بيقين، كما لو وجدت مصلحة عامة تقتضي نقض اجتهاد ما يجوز نقضه باجتهاد لاحق، أو لو قضى بحكم مخالف للنص أو للإجماع أو خالف قياساً جلياً، أو خالف المذاهب الأربعة، في قول أو كان حكماً لا دليل عليه، أو كان بخلاف شرط الواقف، أو تبين خطأ الحاكم في نفس الحكم أو سببه أو طريقه، فينتقض الحكم هنا لتبين بطلانه.

القاعدة رقم (22): المشقة تجلب التيسير

معنى القاعدة: 

 إن المشقة والصعوبة تعتبر سببا للتسهيل والتوسع في وقت الحرج والضيق، فالأحكام التي ينشأ عن تطبيقها حرج على المكلف ومشقة في نفسه أو ماله، فالشريعة تخففها بما يقع تحت قدرة المكلف دون عسر أو إحراج، وهذه القاعدة مهمة جدا فقد ارجع بعض علماء الشافعية جميع مذهب الإمام الشافعي إلى أربع قواعد هي: 

 1- اليقين لا يزول بالشك. 

2- المشقة تجلب التيسير. 

3- الضرر يزال.

 4- العادة محكمة. وأضاف بعضهم قاعدة: الأمور بمقاصدها، قال البعض عنها: بأن الإمام الشافعي (رحمه الله تعالى) قال بحقها: يدخل في هذه القاعدة ثلث العلم .

ودليل هذه القاعدة: جميع نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية التي تصرح برفع الحرج عن الناس وإرادة التيسير لهم.

أسباب المشقة المعتبرة شرعا : 

 وقد حصر بعض الفقهاء أسباب التخفيف في سبعة أسباب رئيسية هي: 

 الأول: السفر، ورخصه تتعلق بقصر الصلاة، وتأخير الصوم، والمسح أكثر من يوم وليلة في السفر الطويل، وترك الجمعة، والتنفل على الدابة به وبالسفر القصير.

 الثاني: المرض، ورخصه كثيرة كالتيمم عند الخوف من استعمال الماء بزيادة المرض أو تأخير الشفاء، وكالقعود في صلاة الفرض والاضطجاع والإيماء فيها، والتخلف عن الجماعة مع حصول الفضيلة، والفطر في رمضان للشيخ الفاني للكِبَر مع وجوب الفدية عليه، وإباحة النظر للطبيب حتى العورة والسوأتين.

 الثالث: الإكراه، ومن رخصه جواز النطق بكلمة الكفر مع اطمئنان القلب بالإيمان.

 الرابع: النسيان، ومن رخصه رفع الإثم بسببه، وعدم الفطر له أكل أو شرب ناسياً، وعدم القضاء عند غير مالك رحمه الله.

 الخامس، الجهل، وهو أربعة أنواع: 

 1- جهل باطل لا يصلح عذراً في الآخرة كجهل الكافر بصفات الله تعالى وأحكام الآخرة، وجهل صاحب الهوى، وجهل الباغي، وجهل من خالف في اجتهاده الكتاب والسنة المشهورة والإجماع.

 2- الجهل في موضوع الاجتهاد الصحيح أو في موضع الشبهة فهو يصلح عذراً، كمن زنى بجارية ولده أو جارية زوجته على ظن أنها تحل له.

 3- الجهل في دار الحرب من مسلم لم يهاجر، فهو عذر في حقه، فلو شرب الخمر جاهلاً حرمتها لم يعاقب.

 4- جهل الشفيع بحقه في المشفوع، وجهل الأمة بالإعتاق، وجهل البكر بنكاح الولي، ففي هذه الثلاثة يعتبر الجهل عذرا حتى يعلم.

 السادس: العسر وعموم البلوى، كالصلاة مع النجاسة المعفو عنها، ونجاسة المعذور التي تصيب ثيابه، وطين السوق، ومس المصحف للصبيان للتعلم.

 وهذا السبب يعتبر من أعم الأسباب وأهمها للترخيص، بل إن أحكام الشرع كلها مبنية على التخفيف لذلك السبب، ويعتبر العسر وعموم البلوى عذراً في موضع لا نص فيه؛ لأنه لا اعتبار للبلوى في موضع النص، كحرمة رعي حشيش الحرم وقطعه إلا الإذخر، وعدم العفو عن بول الآدمي يصيب الثوب أو البدن.

 السابع: النقص، وبسببه لم يكلف الصبي لنقص عقله، وفوض أمر أمواله إلى الولي، وكذلك عدم تكليف النساء بكثير مما وجب على الرجال.

تطبيقاتها: 

الرخص التي شرعت للضرورة وأنواع التخفيفات التي خفف الله تعالى بها عن المكلفين وهي أنواع: 

الأول: تخفيف إسقاط كإسقاط العبادات عند وجود أعذارها.

الثاني: تخفيف تنقيص كالقصر في الصلاة.

الثالث: تخفيف إبدال كإبدال الوضوء والغسل بالتيمم والقيام بالقعود والاضطجاع والركوع والسجود بالإيماء والصيام بالإطعام.

الرابع: تخفيف تقديم كالجمع بعرفات وتقديم الزكاة قبل مضي الحول.

الخامس: تخفيف تأخير كالجمع في مزدلفة وتأخير الصلاة عن وقتها في حق مشتغل بإنقاذ غريق ونحوه.

السادس: تخفيف ترخيص كشرب الخمر للغصة واكل الميتة للمضطر.

السابع: تخفيف تغيير كتغيير نظم مثل كيفية الصلاة للخوف 

والرخص شرعت لتسهيل العبادات للمؤمنين ولم تشرع بقصد المعصية ولهذا جاء في القاعدة (إن الرخص لاتناط بالمعاصي) .

القاعدة رقم (23): إذا ضاق الأمر اتسع

 وهذه من جزئيات القاعدة السابقة، يجتمع تحتها من مسائلها كل ما كان التيسير فيه موقتاً، وهي من قول الإمام الشافعي رحمه الله نعالى .

 والأصل فيها: قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (البقرة: 185)، وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (الحج: 78).وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) .

 معنى القاعدة: 

 إذا ادعت الضرورة أو الصعوبة إلى اتساع الأمر، فإنه يتسع أي تجوز فيه الرخصة والتسهيل إلى غاية تندفع فيه الضرورة والمشقة ثم يعود الأمر إلى ما كان عليه.

تطبيقاتها: 

أ- من كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة، فالمدين المعسر الذي لا كفيل له بالمال يرخص له بالتأدية إلى حين الميسرة، والمدين العاجز عن دفع الدين دفعة واحدة يرخص له بتأديته مقسطا.

ب- جواز قبول شهادة الأمثل فالأمثل عند فقد العدالة أو ندرها، لأن التمسك بشرط العدالة في الشاهد مع فقدها في الناس مشقة وعنت تقتضيان الترخيص.

ج-جواز دفع الصائل والسارق والباغي بما يندفع به شرهم ولو بالقتل، لأن عدم دفعهم يؤدي إلى الاستسلام والخضوع للظلمة والمعتدين المفسدين والله لا يحب الظالمين. 

د- ومنها إباحة أكل الميتة للمضطر، أو أكل مال الغير على أن يضمنه حفظاً للحياة، ومنها جواز الإجارة على الطاعات كتعليم القرآن والأذان والإمامة حفظاً للشعائر من الضياع.

هـ - يسامح في قليل العمل في الصلاة لما كان يشق اجتنابه، لكن كثيره لم يسامح به لما لم يكن به حاجة، لأن الأمر إذا ضاق اتسع، وإذا اتسع ضاق، وكل ما تجاوز عن حدّه انعكس إلى ضده.

و- تغير مياه الأبار بروث الأنعام في البادية، لو حكمنا بفساده لضاق الأمر على أهل البادية، وما ضاق أمره اتسع حكمه.

القاعدة رقم (24): الضرورات تبيح المحظورات

الضرورة لغة: شدة الحال وهي اسم لمصدر الاضطرار، والاضطرار معناه: الاحتياج إلى الشيء.

واصطلاحا: بلوغ الإنسان حدا إن لم يتناول الممنوع هلك، أو قارب الى الهلاك، أي هي الحالة الملجئة لتناول الممنوع شرعا .

دليل القاعدة: 

 فهو قوله تعالى:  فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (البقرة: 173)، وهذه القاعدة لا تبيح كل المحرمات بل بعضها وهي كالآتي : 

أ- المحرمات من مطعوم ومشروب دفعا للهلاك عن المضطر، بدليل الآية المذكورة سابقا والآية  وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْه(الانعام: من الآية119)، يريد جميع ما حرم كالميتة وغيرها، وقال ابن قدامة المقدسي بعد أن بين إباحة الأكل من الميتة عند الاضطرار: (وكذلك سائر المحرمات) .

ب- إباحة النطق بالكفر عند الإضطرار إليه بالتهديد بالقتل والأصل جوازه، لقوله تعالى:  مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (النحل: 106)، وهذه نزلت في عمار بن ياسر (رضي الله عنه).

ج - جواز الكذب والحلف عليه لضرورة تخليص نفس بريئة من الهلاك أو امرأة من الزنا بها، أو مال معصوم من الغصب، لأن مفسدة الكذب أهون من مفسدة القتل أو الزنا أو الغصب فالضرر الأشد يدفع بتحمل الضرر الأخف.

د- أخذ مال الغير للضرورة وعليه أن يدفع ثمن ما أخذه من مال الغير بسبب الضرورة، لأن الاضطرار لا يبطل حق الغير.

هـ - جواز إتلاف شجر الأعداء الكفار، وتخريب ديارهم، وتحريقهم، وتغريقهم، وضربهم بوسائل القتل الثقيلة إذا اقتضت الضرورة أو الحاجة الحربية لذلك، لدفع عدوانهم أو الظفر بهم.

و- دفع الرشوة لدفع الضرر عن نفسه في أمر مشروع فجائز للدافع .

المستثنى من القاعدة: 

 وأما ما لا تبيحه الضرورات من المحرمات، مثل قتل النفس البريئة أو الزنا بامرأة ولو بالتهديد بالقتل، لقوله تعالى  وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (الانعام: 151)، وكونه مضطرا إلى إتلاف نفس الغير إبقاءا لحياته لا يبرر له هذا ارتكاب هذه الجريمة، لأن الاضطرار لا يبطل حق الغير بالحياة، وكذلك الزنا لأنه لا يباح للرجل لا بالإكراه ولا بغيره وإذا فعله فهو آثم، وأما المرأة فيباح لها الزنا إذا أكرهت إكراها ملجئا على الزنا ولم تستطع دفعه وسعها أن تمكن نفسها، لأنها مفعول بها وليس من جهتها مباشرة الفعل بعكس الرجل الذي يباشر الفعل بآلته.


القاعدة رقم (25): الضرورات تقدر بقدرها

 وهذه القاعدة موضحة للتي قبلها وتبين بدقة المقصود منها والمقدار الذي تبيحه الضرورة من المحظور شرعا.

معنى القاعدة: 

 أنه لا يباح من المحظور الشرعي إلا المقدار الذي تندفع به حالة الضرورة فقط.

تطبيقاتها: 

أ- فلو تمكن من دفع الصائل بضربة عصا أو بإطلاق رصاصة طائشة، أو على موضع غير مميت، لا يجوز قتله حيث التوغل أكثر من المطلوب ممنوع شرعا، ولذا قال سيدنا علي بن ابي طالب (): (لا تتبعوا مولياً، ولا تجهزوا على جريح)، لأن القصد من القتال كان دفع الضرر، وقد حصل بهربه أو جرحه فلا يجوز الزيادة عليه، لأن ما جاز لعذر امتنع بزواله .

ب- الجبيرة يجب أن لا تستر من العضو إلا بقدر ما لا بد منه، والطبيب إنما ينظر إلى العورة بقدر ما تستوجبه الضرورة ضرورة المعالجة.

ج- المجنون لا يجوز تزويجه أكثر من واحدة لاندفاع الحاجة بها.

 د -والمضطر لا يأكل من الميتة إلا بقدر سد الرمق، ومن استشير في خاطب اكتفى بالتعريض كقوله لا يصلح لك ولم يعدل إلى التصريح، وتقبل شهادة النساء في المواضع التي لا يمكن اطلاع الرجال عليها وذلك للضرورة.

القاعدة رقم (26): الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة أو خاصة

 الحاجة دون الضرورة، فالحاجة هي: الحالة التي تستدعي تيسيرا أو تسهيلا لرفع الضيق الذي يجده المكلف، وإن لم يصل إلى الضيق الذي تسبب الضرورة، المراد بالحاجة هنا ما كان دون الضرورة، لأن مراتب ما يحرص الشرع على توفيره للإنسان ثلاث : 

الأولى: الضرورة: وهي بلوغ الإنسان حداً إذا لم يتناول الممنوع عنه هلك أو قارب، وهذا يبيح تناول الحرام، كما فُصِّل في قاعدة سابقة.

الثانية: الحاجة: وهي بلوغ الإنسان حداً لو لم يجد ما يأكله لم يهلك غير أنه يكون في جهد ومشقة، فهذا لا يبيح الحرام، ولكنه يسوغ الخروج على بعض القواعد العامة ويبيح الفطر في الصوم.

الثالثة: الكمالية أو التحسينية: وهي ما يقصد من فعله نوع من الترفه وزيادة في لين العيش، وما عدا ذلك فهو زينة وفضول دون الخروج عن الحد المشروع.

فالحاجة العامة هي: التي لا تخص ناسا دون ناس ولا قطر دون قطر، بل تعمهم جميعا كالحاجة إلى الإيجار والاستئجار.

 وأما الخاصة فهي: التي تخص أناسا دون ناس أو فئة دون أخرى، كحاجة التجار اعتبار البيع بالنموذج مسقطا لخيار الرؤية.

تطبيقاتها: 

أ- تجويز الإجارة؛ فإنها جوزت بالنص على خلاف القياس للحاجة إليها، وهي حاجة عامة وتجويز بيع السلم (السلف) فإنه جوز بالنص على خلاف القياس للحاجة إليه.

ب- تجويز دخول الحمام بأجر مع مجهولية مدة المكث ومقدار الماء المستهلك.

ج- تجويز الوصية؛ وهي تمليك مضاف لما بعد الموت، والتمليكات لا تقبل الإضافة وبالموت تزول ملكية الموصي عن أمواله وتؤول إلى الورثة، فلم يبق ما يملكه الموصي حتى يملكه للغير (الموصى له) ولكنها جازت بنص القرآن للحاجة إليه.

د- جواز الاصطناع وهو: أن تدفع للصانع الثمن مقدما لصنع لك حاجة في الذمة غير مقبوضة.

هـ - إذا عمَّ الحرام بلداً بحيث لا يوجد فيه حلال إلا نادراً، فإنه يجوز تناول ما يحتاج إليه من الحرام للضرورة؛ لأن الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة، ولا يتوسع في الحرام من احتاج إليه، ولا يتبسط فيه كما يتوسع في الحلال، من وثير المركوب والمفروش، والأثاث والملبس، والتنعم بفواكه الطعام ولذائذه، لأن الضرورة أو الحاجة التي تنزل مترلتها تقدر بقدرها.

القاعدة رقم (27): ما جاز لعذر بطل بزواله

معنى القاعدة: 

 إذا زال العذر المبيح للمحرم لم يبق بسبب شرعي لبقاء الإباحة للمحظور شرعا، فتسقط الإباحة ويرجع المحظور إلى حكمه وهو التحريم، فلا يجوز فعله.

 ومعنى البطلان: سقوط اعتباره، فيصير في حكم العدم.وهذه القاعدة قريبة من قاعدة (الضرورة تقدر بقدرها)، فهي بقوة التقييد لها؛ لأن إباحة المحظور للضرورة مقيدة بمدة قيام الضرورة، أو إنها في قوة التعليل لها.

تطبيقاتها: 

أ- يبطل جواز التيمم إذا قدر على استعمال الماء، وعند الجمهور يبطل التيمم بوجود الماء قبل الدخول في الصلاة، وعند الحنفية يبطل التيمم بوجود الماء قبل الدخول في الصلاة، أو في أثناء الصلاة ، ومن جاز له لبس الحرير بسبب جرب أو حكة يجب نزعه إذا زال الجرب أو الحكة، ومن عجز عن القيام في الصلاة لمرضه فصلى قاعدا فإذا شفي من مرضه واستطاع القيام وجب عليه القيام في الصلاة.

ب_يجوز تحميل الشهادة للغير بعذر السفر أو المرض، فإذا زال ذلك العذر قبل أداء الفرع للشهادة بطل الجواز.

ج- يجوز للمستأجر فسخ الإجارة لعيب حادث، فهذا عذر لِحَقِّهِ بالفسخ، فإذا أزال المؤجر العيب الحادث قبل فسخ المستأجر الإجارة، لا يبقى للمستأجر حق الفسخ لزوال السبب، فلم يوجد العيب فيها بعد فسقط الخيار.

د- من اضطره الجوع إلى أكل الميتة، جاز له ذلك؛ فإن وجد طعاماً حلالاً صار أكل الميتة في حقه حراماً.

القاعدة رقم (28): إذا زال المانع عاد الممنوع

 وهذه القاعدة هي عكس القاعدة السابقة. فإن السابقة أفادت حكم ما جاز لضرورة ثم زالت، وهذه أفادت حكم ما امتنع لمانع ثم زال هذا المانع.

معنى القاعدة: إذا لم يحصل حكم ما لوجود مانع من حصوله، فإذا زال هذا المانع الذي منع حصول الحكم حصل وثبت هذا الحكم.

تطبيقاتها: 

أ- زيادة الموهوب له في الموهوب تمنع الواهب من الرجوع في الهبة، ولكن إذا زالت تلك الزيادة عاد للواهب حق الرجوع.

ب- إذا تزوجت المرأة (المطلقة) سقط حقها في الحضانة، فإنها إذا طلقها زوجها الثاني طلاقا بائنا عاد حقها في الحضانة لزوال المانع.

ج- لو وجد المشتري بما اشتراه عيبا قديما كان له رده على بائعه، ولكن لو حدث فيه عند المشتري عيب آخر امتنع الرد بسبب العيب الحادث غير أنه إذا زال العيب الحادث عاد للمشتري حق الرد.

د- ما لو أذن المستأجر للمؤجر ببيع المأجور فباعه حتى انفسخت الإجارة، ثم رد المشتري العين المبيعة بطريق هو فسخ (كما إذا ردها بعيب قبل القبض مطلقاً أو بعده بقضاء) تعود الإجارة.

هـ- لو انهدمت الدار المأجورة سقطت الأجرة، فإذا بناها المؤجر في المدة قبل أن يفسخ المستأجر الإجارة، عادت في المستقبل.

و- لو اشترى شيئاً بعقد فاسد، فتعيب عنده، لا بفعل البائع، ثم فسخ البيع بسبب الفساد، وأخذ البائع المبيع ونقصان العيب، ثم زال العيب يسترد المشتري من البائع ما دفعه له من نقصان العيب.

ز- الحائض والنفساء ممنوعتان من الصلاة بسبب وجود الحيض والنفاس، وقيام ذلك مانعاً، فإن طهرتا زال المانع، ووجبت عليهما الصلاة.


القاعدة رقم (29): الاضطرار لا يبطل حق الغير

هذه القاعدة تعتبر قيداً لقاعدة: (الضرورات تبيح المحظورات).

معنى القاعدة: إذا كان الاضطرار قد حمل المضطر إلى إتلاف مال الغير أو أخذه كطعام يأكله أو ماء يشربه أو أداة يستعملها كفرس وغيره للهرب به من عدو ظالم، ففي هذه الأحوال عليه أن يعوض صاحب المال ما أتلفه عليه من مال، لأن الاضطرار لا يبطل حق الغير، والاضطرار كما يكون سماوياً كالمجاعة، يكون أيضاً بالإكراه الملجئ كالقتل أو القطع أو الإتلاف، أو بالإكراه غير الملجئ كالضرب والحبس، ففي الملجئ الضمان على الآمر لا على الفاعل وفي غير الملجئ على الفاعل، والراجح عند الحنابلة في الإكراه على القتل اشتراك المكرَه والمكرِه في القَوَد والضمان، قالوا: لأن الإكراه ليس بعذر في القتل .

تطبيقاتها: 

أ- لو اضطر إنسان من الجوع، فأكل طعام الآخر يضمن قيمته.

ب- لو انتهت مدة الإجارة والزرع لم يحن حصاده بعد فإنه يبقى إلى حيث حصاده في وقته المعتاد، وعليه اجر المثل، لان اضطرار المستأجر بإبقاء الزرع إلى حين الحصاد في وقته لا يبطل حق المالك في استيفاء أجرة ملكه.

ج- وإذا استأجر شخص قارباً أو حصاناً ساعة من الزمن، وبعد أن وصل إلى عرض البحر بالقارب أو مسافة بعيدة بالحصان وانقضت مدة الإجارة، فبمقتضى العقد يجب على الراكب أن يبارح القارب أو ينزل عن الحصان ويسلمه إلى صاحبه، إلا إذا رضي المؤجر أن يؤجره ثانية، لكن بما أنه يوجد هنا اضطرار فصاحب السفينة أو الحصان مجبر على أن يبقى المستأجر في القارب حتى يخرج به إلى البر، أو على ظهر الحصان حتى يرده إلى منزله، ولكن هذا الإجبار لا يمنع المؤجر من أن يطالب المستأجر بدفع أجرة المثل عن المدة الزائدة، ولو أشرفت السفينة على الغرق فألقى متاع غيره ليخففها ضمنه.

القاعدة رقم (30): ما حرم أخذه حرم إعطاؤه

معنى القاعدة: إعطاء الحرام للغير أو أخذه من الغير سواء في الحرم، لأن المطلوب شرعا إزالة المنكر والفساد والمحرمات، فإذا عجز الإنسان عن المساهمة في إزالة هذه المفاسد فلا أقل من أن يمتنع عن المساهمة في زيادتها والمعاونة على وقوعها .

تطبيقاتها: 

أ- لا يجوز أخذ الرشوة ولا إعطاؤها للحديث الشريف: ((لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِيَ وَالمُرْتَشِيَ)) ، وكذلك: ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله))  وزاد الترمذي ((وشاهديه وكاتبه)) .

ب- لا يجوز للوصي أن يعطي شيئا من مال اليتيم، كما لا يجوز أن يأخذه لنفسه.

إستثناءات: 

 أ- استثنى جواز إعطاء الرشوة للحاكم أو لمن يمنع الحق إلا بها؛ لكي يصل المعطي إلى حقه والإثم على الآخذ، كذلك استثنى إعطاء فدية لفك الأسير، وإذا خاف الوصي أن يستولي غاصب على المال فله أن يؤدي شيئاً ليخلصه، كذلك يجوز الاستقراض بالربا في حال الاضطرار، وذلك دليل زوال الرحمة والتعاون في قلوب المسلمين، وهذا من باب اختيار أهون الضررين.

ب- ما يدفع للشاعر ونحوه للتخلص من هجوه، وما يدفعه الإنسان لتسوية أمره عند السلطان أو الأمير، فإنه (أي جميع ما دفع في هذه الوجوه) يحرم على الآخذ، دون المعطي.

القاعدة رقم (31): ما حرم فعله حرم طلبه 

معنى القاعدة: كل شيء حرم في الإسلام فعله لا يجوز للمسلم أن يطلب من الغير أن يفعله، لأن المطلوب من المسلم القضاء على الفساد في الأرض، فكما أن فعل السرقة والقتل والظلم ممنوع شرعا فإجراء ذلك بواسطة أخرى ممنوع أيضا.

تطبيقاتها: 

 أ- كما لا يجوز غش الغير، ولا خديعته، ولا خيانته، ولا إتلاف ماله، ولا سرقته، ولا غضبه، ولا الرشوة، ولا فعل ما يوجب حداً أو تعزيراً أو إساءة لا يجوز طلب شيء منها أن يفعله الغير. 

ب- الرشوة يحرم أخذها، وإعطاؤها، ويحرم أيضاً طلبها من غيره إذا كانت لإحقاق باطل، أو إبطال حق، كذلك شهادة الزور، واليمين الكاذبة، والظلم، وما شاكل ذلك يحرم

الفعل، والتوسط، والطلب.

المستثنى: 

 يستثنى من القاعدة مسألة وهي: ما لو ادعى دعوى صادقة فأنكر الخصم، فله طلب تحليفه، وفي الحقيقة لا استثناء، لأن طلب اليمين يكون رجاء لظهور الحق بنكوله عن اليمين الكاذبة لا رجاء الإقدام عليها. وإذا غصب أحد مال صبي، ولا بينة لوصيه عليه، ويعلم الوصي أن الغاصب يحلف كاذباً، فيجوز للوصي دفع شيء له من مال الصبي لاسترداد المغصوب، فالحرمة على الآخذ، لا المعطي والطالب للضرورة.

القاعدة رقم (32): لا ضرر ولا ضرار

 هذه القاعدة من أركان الشريعة، وتشهد لها نصوص كثيرة من الكتاب والسنة، منها الحديث النبوي الشريف الذي أخرجه الإمام مالك مرسلا وأخرجه الحاكم والدارقطني من حديث أبي سعيد الخدري وأخرجه إبن ماجة من حديث ابن عباس وعبادة بن الصامت(رضي الله عنهم) بنفس اللفظ ((لا ضرر ولا ضرار)) ، وزاد الحاكم في المستدرك: ((من ضار ضاره الله، ومن شاق شاق الله عليه))  .

 والحديث نص في تحريم الضرر؛ لأن النفي بلا الاستغراقية يفيد تحريم سائر أنواع الضرر في الشرع؛ لأنه نوع من الظلم، إلا ما خص بدليل كالحدود والعقوبات، أي أن الضرر والإضرار المحرَّمين إذا كانا بغير حق، وأما إيقاع الضرر بحق فهو مطلوب شرعاً، لأنه إدخال الضرر على من يستحقه، كمن تعدى حدود الله فيعاقب بقدر جريمته، أو كونه ظلم غيره فيطلب المظلوم مقابلته بالعدل.

ومعنى الضرر: هو ضد النفع، يقال: ضره ضرا وضررا وأضر به إضرارا، والضرار فعال من الضر، أي لا يجازيه باضرار بإدخال الضر عليه، فالضرر ابتداء العمل والضرار الجزاء عليه .

وتشمل هذه القاعدة على حكمين هما : 

الأول: لا يجوز لأحد الإضرار بغيره ابتداءا لا في نفسه ولا في عرضه ولا في ماله، لأن إلحاق الضرر بالغير ظلم وهو حرام في الإسلام.

الثاني: لا يجوز مقابلة الضرر بالضرر، وإنما على المتضرر أن يراجع جهة القضاء للحكم له بالتعويض عن ضرره على الذي ألحق به الضرر، وعلى هذا فمن أتلف ماله لا يجوز له إتلاف مال الغير المتلف وإنما عليه مراجعة القضاء لتعويضه عن الضرر.

 وهذه القاعدة مقيدة إجماعا بغير ما أذن به الشرع من الضرر كالقصاص والحدود وسائر العقوبات والتعازير، لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح على أنها لم تشرع في الحقيقة إلا لدفع الضرر أيضا.

تطبيقاتها: 

أ- لو باع شخص لآخر ما يتسارع إليه الفساد وغاب المشتري قبل قبضه وقبل نقد الثمن فأبطأ، فللبائع بيعه لغيره توقيا من تضرره بفساده ولا يرجع على المشتري بشيء لو نقص الثمن الثاني عن الأول.

ب- ومن ذلك أنواع الحجر فإنها شرعت توقيا من وقوع الضرر العائد تارة لذات المحجور وتارة لغيره، فإن من وجب حجره إذا ترك بدون حجر قد يضر نفسه وقد يضر بغيره كما هو ظاهر.

ج- ما لو أعار أرضاً للزراعة أو آجرها فزرعها المستعير أو المستأجر، ثم رجع المعير أو انتهت مدة الإجارة قبل أن ينضج الزرع، فإنها تترك في يد المستعير أو المستأجر بأجر المثل إلى أن يحصد الزرع، وذلك توقياً من تضرره بقلع الزرع وهو بقل.

د- ومنها: حبس الموسر إذا امتنع عن الإنفاق على أولاده أو قريبه المحرم، وجواز ضربه في الحبس إذا أصر على الامتناع، توقياً من وقوع الضرر بأولاده أو قريبه الفقراء ببقائهم بلا نفقة.

هـ - نصب الأئمة والقضاة، لمنع الضرر عن الأمة، ليقيموا الحدود، ويمنعوا الجرائم، ويستأصلوا شأفة الفساد. دفع الصائل عن النفس والعرض والمال، لإبعاد ضرره.

و- إذا وجد المستأجر بالمأجور عيباً قديماً، أو حدث فيه عيب وهو في يده، فإنه يستقل بفسخ الإجارة إذا أراد، بلا حاجة إلى رضا المؤجر أو قضاء القاضي، سواء في ذلك أكان قبل قبض المأجور أم بعده، لأنه لو كلف انتظار رضا المؤجر أو قضاء القاضي لتفرر بجريان الأجرة عليه في أثناء ذلك، فدفعاً للضرر عنه كان له الانفراد بالفسخ.

القاعدة رقم (33): الضرر يزال

معنى القاعدة: وجوب إزالة الضرر؛ وإن جاءت القاعدة بصيغة الإخبار، وإنما أوجبت إزالة الضرر لأن الضرر حرام، وبالتالي فهو منكر وعلى المسلم رفع المنكر وإزالته، كما جاءت نصوص القرآن والسنة.

تطبيقاتها: 

أ- ما لو استقرض طعاماً بالعراق فأخذه المقرض بمكة مثلاً وقيمة الطعام فيها أغلى أو أرخص، فعليه قيمة الطعام يوم القرض في بلد المقرض عند أبي يوسف، وقوله الراجح، فإيجاب قيمة الفلوس يوم صيرورتها ديناً في الذمة بالقبض أو بالبيع، وإيجاب قيمة الطعام في بلد القرض مع أنهما مثليان أيضاً؛ إزالة للضرر عن المقرض والبائع فيما إذا رخصا، وعن المستقرض والمشتري فيما إذا غليا .

ب- الرد بالعيب وجميع أنواع الخيارات والحجر بأنواعه، والشفعة فإنها للشريك لدفع ضرر القسمة وللجار لدفع ضرر الجار السوء، لأنه كما قيل بجيرانها تغلوا الديار وترخص، والقصاص والحدود والكفارات وضمان المتلفات ونصب الأئمة والقضاء ودفع الصائل وقتال المشركين والبغاة وفسخ النكاح بالعيوب. 

ج- من سلط ميزابه على الطريق العام بحيث يضر بالمارين فإنه يزال، ويضمن المتلف عوض ما أتلف للضرر الذي أحدثه.

القاعدة رقم (34): الأصل في المضار التحريم

معنى القاعدة: المضار جمع مضرة، وهي خلاف المنفعة، والتحريم معناه: طلب الشارع الكف عن الفعل على وجه الحتم والإلزام، ودليل القاعدة نصوص الكتاب والسنة الشريفة الدالة على تحريم الضرر.

تطبيقاتها: 

 ما ذكرناه من تطبيقات قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) وقاعدة (الضرر يزال) تصلح أن تكون أمثلة لهذه القاعدة، فعليه كل ما ثبت ضرره من مطعومات ومشروبات وغيرها فإنه يحرم، كشرب التبغ – السكائر ومشتقاتها- الذي ثبت ضرره بالإجماع، فالتحريم يتبع الضرر والخبث، فكل ما ضر وخبث فهو حرام، حتى وإن كان ضررها لا يصيب من يتناولها إلا إذا أكثر منها، فإنها تمنع شرعا أيضا بناءا على قاعدة سد الذرائع، وكذلك إذا ثبت علميا وطبيا ضررها كالتدخين فإنها تحرم تطبيقا لهذه القاعدة قطعا.

 قال القرافي (رحمه الله): ضبط أهل الفقه حرمة التناول إما بالإسكار كالبنج، وإما بالإضرار بالبدن كالتراب والترياق أو بالاستقذار كالمخاط والبزاق، وهذا كله فيما كان طاهرا، وبالجملة إن ثبت في هذا الدخان أضرار صرف عن المنافع فيجوز الإفتاء بتحريمه وإن لم يثبت أضراره فالأصل الحل  ، والامام القرافي (توفي 684هـ) ولم تُعرف اضرار التدخين أنذاك كما هو الحال ألان، فقد اثبت العلم الحديث أن الدخان على غير المدخن الذي يستنشق الدخان اشد وافتك ضررا من المدخن نفسه، فضلا عن الضرر المتحقق الواقع على المدخن، فاذا ثبت ذلك كما قال القرافي فيجوز الافتاء بتحريم التدخين.

القاعدة رقم (35): الضرر لا يزال بمثله

تعتبر هذه القاعدة قيدا لقاعدة (الضرر يزال).

معنى القاعدة: انه لا بد من إزالة الضرر، لأنه ظلم ومنكر وفساد، ولكن لا يجوز إزالته بضرر مثله أو أكبر منه.

تطبيقاتها: 

أ- إذا تسبب فتح دكان بتقليل ربح صاحب دكان مجاور أو خسارته لانصراف الناس عن الشراء من الدكان الأول القديم، فلا يجوز إغلاق الدكان الثاني الجديد لأن الضرر لا يزال بمثله.

ب-لا يباح للمضطر أكل طعام مضطر آخر مثله.

ج- من أتلف مال غيره مثلاً لا يجوز أن يقابل بإتلاف ماله، لأن ذلك توسيع للضرر بلا منفعة، وأفضل منه تضمين المتلِف قيمة المتلَف، فإنه فيه نفعاً بتعويض المضرور، وتحويل الضرر نفسه إلى حساب المعتدي، لأن مقابلة الإتلاف بالإتلاف لا تنفع المعتدى عليه، ولا تعوض عليه قيمة ضرره، وفي الوقت نفسه لا ترح المعتدي، لأنه سيان عنده إتلاف ماله أو إعطاؤه للمضرور لترميم الضرر الأول، فأصبحت مقابلة الضرر بالضرر، والإتلاف بالإتلاف مجرد حماقة ليس إلا.

د - لا يجوز للإنسان أن يدفع الغرق عن أرضه بإغراق أرض غيره.

المستثنى: 

 يستثنى من القاعدة ما لو كان أحدهما أعظم ضرراً، ولا بدَّ من فعل أحدهما، فإنه يرتكب أخف الضررين، وله فروع: 

 شرع القصاص، والحدود، وقتال البغاة، وقاطع الطريق، ودفع الصائل، لأن الضرر الواقع خاص، وأخف بكثير من الضرر العام، يجوز شق جوف المرأة الميتة إذا رُجي حياة الجنين، يجوز إجبار المدين على قضاء الديون.

القاعدة رقم (36): الضرر يدفع بقدر الإمكان

معنى القاعدة: إن الضرر مطلوب إزالته بالكلية كما مر سابقا، فإذا لم يتيسر من إزالته بالكلية، فيزال بقدر الإمكان، لأن هذا خير من تركه كما هو مع إمكان تقليله.

تطبيقاتها: 

أ-ولو امتنع الأب من الإنفاق على ولده القاصر أو العاجز، يحبس لدفع ضرر الهلاك عن الولد، ومن شهر على المسلمين سيفاً فعليهم أن يقتلوه إذا مست الضرورة، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((مَن شهر على المسلمين سيفاً فقد أحلَ دمه)) ، الحديث رواه الترمذي في الحدود، وكذلك ابن ماجة باختلاف لفظ، النسائي في كتاب التحريم بلفظ: (مَنْ شَهَرَ سَيْفَهُ ثُمَّ وَضَعَهُ فَدَمُهُ هَدَرٌ )، لأنه باغ فلضرورة دفع الضرر سقطت عصمته، وكذلك للمضطر أن يأكل مال غيره حفاظاً على حياته، لكن عليه الضمان، لأن الضرر يدفع بقدر الإمكان، ولأن الاضطرار لا يبطل حق الغير كما سبق بيانه.

ب-ومنها أن الأجير الذي لعمله أثر في العين، كالصبغ مثلاً أو الخياطة، إذا حبسها لقبض الأجرة فهلكت، يلزمه الضمان لكن له الأجر، لأن الضرر يدفع بقدر الإمكان.

ج- إذا استهلك الغاصب المال المغصوب أو هلك في يده بدون تعديه وتعذر رده إلى صاحبه، فيضمن الغاصب قيمة المغصوب يوم الغصب إن كان قيميا، ويرد مثله إن كان مثليا.

القاعدة رقم (37): يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام

معنى القاعدة: الضرر العام يصيب عموم الناس فلا اختصاص لأحد بهذا الضرر، اذ الكل معرضون له، أما الضرر الخاص فهو الذي يصيب فردا معينا أو فئة قليلة من الناس فيتحمل هذا الضرر الخاص لدفع أو منع وقوع الضرر العام.

 وهي قاعدة مهمة مبنية على المقاصد الشرعية في مصالح العباد، استخرجها المجتهدون من الإجماع ومعقول النصوص، وتعتبر قيداً لقاعدة (الضرر لا يزال بمثله) التي سبقت.

 فالشرع إنما جاء ليحفظ على الناس دينهم وأنفسهم وعقولهم وأنسابهم وأموالهم، فكل ما يؤدي إلى الإخلال بواحد منها فهو مضرة يجب إزالتها ما أمكن، وفي سبيل تأييد مقاصد الشرع يدفع الضرر الأعم بارتكاب الضرر الأخص، ولهذه الحكمة شرع الله حد القطع حماية للأموال، وحد الزنا والقذف صيانة للأعراض، وحد الشرب حفظاً للعقول، والقصاص وقتل المرتد صيانة للأنفس والأديان، ومن هذا القبيل شرع قتل الساحر المضر، والكافر المضل، لأن أحدهم يفتن الناس والآخر يدعوهم إلى الكفر، فيتحمل الضرر الأخص ويرتكب لدفع الضرر الأعم .

تطبيقاتها: 

 جواز هدم الجدار المائل إلى الطريق العام، ومنع المفتي الماجن والطبيب الجاهل، وجواز الحجر على السفيه، وبيع مال المديون المماطل لقاء دينه، وجواز التسعير عند تعدي أرباب الطعام في بيعه بغبن فاحش، وبيع طعام المحتكر جبرا عليه عند الحاجة، ومنع اتخاذ حانوت للطبخ بين البزازين، كما يجوز التسعير على الباعة - في بعض الأحوال - دفعاً لضررهم عن العامة .

 جواز الرمي إلى كفار تترسوا بأسارى المسلمين، إذ المفسدة الحاصلة عن قتل عدد معين محصور من المسلمين أقل من الضرر الذي ينتج عن تقوية الكافرين وانتصارهم وقتلهم عدداً أكثر من المسلمين إن لم يكن جميعهم، وهناك تفصيل في المسألة . 


القاعدة رقم (38): الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف

معنى القاعدة: قد مر علينا أن الضرر لا يزال بمثله بل يجب أن يزال بضرر أخف منه.

 أصل القاعدة: والأصل في هذه القاعدة قولهم: (إن من ابتلي ببليتين وهما متساويتان يأخذ بأيتهما شاء، وإن اختلفتا يختار أهونهما، لأن مباشرة الحرام لا تجوز إلا للضرورة، ولا ضرورة في حق الزيادة).

 تطبيقاتها: 

أ-الإجبار على قضاء الدين والنفقات الواجبة، وجواز شق بطن الميتة لإخراج الولد إذا كانت ترجى حياته، الطلاق فيه ضرر، ومع ذلك يرتكب وتطلق الزوجة للضرر والإعسار؛ لأنه ضرر أشد، وتملك الشفيع لما أحدثه المشتري من العقار بقيمته ولا يكلف بالقلع، وكسر السداد لتخليص البلد من الغرق وإن أدى إلى غرق بعض الأرض والزروع.

 ب- لو أحاط الكفار بالمسلمين - ولا مقاومة بهم - جاز دفع المال إليهم، وكذلك جاز استنقاذ الأسرى منهم بالمال، إذا لم يمكن بغيره، لأن مفسدة بقائهم بأيديهم واصطلامهم- أي استئصالهم أو أذاهم- للمسلمين أعظم من بذل المال.

القاعدة رقم(39): إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمها ضررا بارتكاب أخفها

وهذه القاعدة مخصصة للقاعدة السابقة.

معنى القاعدة: من ابتلاه الله تعالى بمفسدتين وهما متساويتان يأخذ بأيهما شاء، وإن اختلفت يختار أهونها لأن مباشرة الحرام لا تجوز إلا للضرورة وهي تقدر بقدرها.

تطبيقاتها: 

 لو اضطر وعنده ميتة ومال الغير فإنه يأكل الميتة، ومنها شيخ لا يقدر على القراءة قائما ويقدر عليها قاعدا يصلي قاعدا ولا يجوز ترك الصلاة بحال، ومنها لو ان امرأة صلت قائمة تنكشف من عورتها ما يمنع جواز الصلاة ولو صلت قاعدة لا ينكشف منها شيء فإنها تصلي قاعدة لما ذكرنا من أن ترك القيام أهون.

 ومنها تجويز السكوت على المنكر إذا كان يترتب على إنكاره ضرر عظيم أعظم من ضرر المنكر، ومنها جواز طاعة الأمير الجائر إذا كان يترتب على الخروج عليه شر عظيم، ومنها لو ابتلعت دجاجة شخص لؤلؤة ثمينة لغيره، فلصاحب اللؤلؤة أن يتملك الدجاجة بقيمتها ليذبحها، وإذا خشي من السفينة غرقها، فإنه يرمي منها ما ثقل من المتاع ويغرم أهل السفينة ما رموا به على قيمة ما معهم من المتاع


القاعدة رقم (40): يختار أهون الشرّين – أو أهون الضررين-

وهذه القاعدة من تطبيقات وفروع القاعدة السابقة، وقد يعبر عنها بقولهم ((يرتكب أخف الضررين لاتقاء أشدهما))، إن الشريعة جاءت لمنع المفاسد، فإذا وقعت المفاسد فيجب دفعها ما أمكن، وإذا تعذر درء الجميع لزم دفع الأكثر فساداً فالأكثر، لأن القصد تعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان، فإذا اضطر إنسان لارتكاب أحد الفعلين الضارين، دون تعيين أحدهما، مع تفاوتهما في الضرر أو المفسدة، لزمه أن يختار أخفهما ضرراً ومفسدة، لأن مباشرة المحظور لا تجوز إلا للضرورة، ولا ضرورة في حق الزيادة، والضرورة تقدر بقدرها.ومراعاة أعظم الضررين بإزالته، لأن المفاسد تراعى نفياً، والمصالح تراعى إثباتاً.

ودليل هذه القاعدة: 

 قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} (البقرة: 217)، لقد بين الله تعالى أن مفسدة أهل الشرك في الكفر بالله، والصد عن هداه، وإخراج أهل المسجد الحرام منه وفتنة أهله، أكبر عند الله، وأعظم مفسدة من قتالهم في الشهر الحرام، فاحتملت أخف المفسدتين لدفع أشدهما وأعظمهما.

 وكذلك في صلح الحديبية فإن ما فيه من ضيم على المسلمين، استشكله عمر رضي الله عنه، أخفُّ ضرراً ومفسدة من قتل المؤمنين والمؤمنات الذين كانوا متخفين بدينهم في مكة، ولا يعرفهم أكثر الصحابة، وفي قتلهم مَعَرَّة عظيمة على المؤمنين، فاقتضت المصلحة احتمال أخف الضررين لدفع أشدهما، وهو ما أشار إليه قوله عز وجل: {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ} (الفتح: 25).


القاعدة رقم (41): إذا تزاحمت المصالح قدم الأعلى منها فيقدم الواجب على المستحب والراجح على المرجوح

 وهذه القاعدة أصل عظيم قال تعالى:  وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (الزمر: آية 55)، وقال تعالى: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (الزمر: 18)، فالواجب أحسن من المستحب والراجح من المرجوح، وقصة الخضر العبد الصالح مع سيدنا موسى عليه السلام في سورة الكهف تدل على هاتين القاعدتين فارتكب الخضر الأرفق والأصلح والأحسن.

تطبيقاتها  : 

أ- تقديم الواجب من الصلاة والصدقة والصيام والحج وغيرها على المستحب منها.

ب- يجب تقديم من تجب نفقته على من تستحب وطاعة المرأة لزوجها مقدمة على طاعة الأبوين، ويقدم العبد طاعة الله تعالى على طاعة كل أحد ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ويقدم نفل العلم على نفل الصلاة والصيام وإذا أقيمت الصلاة تعينت المكتوبة، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)) .


القاعدة رقم (42): درء المفاسد أولى من جلب المصالح

معنى القاعدة: إذا تعارضت مفسدة ومصلحة قدم دفع المفسدة غالبا ونصوص الكتاب والسنة الشريفة تدل عليها، لأن اعتناء الشارع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات، قال تعالى: {ولا تَسُبُوا الَّذِينَ يَدْعُونَ من دوُنِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} (سورة الأنعام: 108)، ففي سب آلهة الكفار مصلحة وهي تحقير دينهم وإهانتهم لشركهم بالله سبحانه، ولكن لما تضمن ذلك مفسدة وهي مقابلتهم السب بسب الله عز وجل نهى الله سبحانه وتعالى عن سبهم درءاً لهذه المفسدة، وقال عليه الصلاة والسلام: ((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم)) ، ومنه ما رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها أنه عليه الصلاة والسلام قال لها: ((ياعائشة لولا قومك حديث عهدهم بكفر؛ لنقضت الكعبة، فجعلت لها بابين، باب يدخل الناس وباب يخرجون)) ، وفي رواية غيره لهدمت الكعبة وأقمتها على قواعد إبراهيم.وهذه القاعدة مهمة جدا في حياة الدعاة ليوازنوا بين المفسدة والمصلحة وأيهما يقدم  .

تطبيقاتها: 

أ- يمنع الشخص من التصرف في ملكه إذا كان تصرفه يضر بجاره ضررا فاحشا، لأن درء المفاسد عن جاره أولى من جلب المنافع لنفسه، فليس له أن يحدث في ملكه ما يضر بجاره ضرراً بيناً، كاتخاذه بجانب دار جاره طاحوناً مثلاً يوهن البناء أو معصرة أو فرناً يمنع السكنى بالرائحة والدخان، وكذا لو اتخذ بجانب دار جاره كنيفاً أو بالوعة أو ملقى قمامات يضر بالجدار فلصاحب الجدار أن يكلفه إزالة.

ب- الحجر على السفيه.

ج- ومنها ليس للإنسان أن يفتح كوة (شباك) تشرف على مقر نساء جاره، بل يكلف أن يتخذ منها ما يقطع النظر، ومنها اتخاذ الشخص في داره فرنا يمنع جاره من السكن في داره بسبب الرائحة والدهان.

د- منع التجارة في المحرمات من خمر ومخدرات وخنزير، ولو أن فيها أرباحاً ومنافع اقتصادية، وإذا اشتبه محرّمة بأجنبيات محصورات لم يحل الزواج بإحداهن، وما كان أحد أبويه مأكول اللحم والآخر غير مأكول لا يحل أكله على الصحيح كالبغل، ومنها إذا أرسل كلبه المعلم وشاركه كلب غير معلم في الصيد حرم أكل الصيد بهما.

استثناء من القاعدة: 

 لو رمى سهماً على طائر فجرحه ووقع على الأرض فمات فإنه يحل أكله، وإن أمكن إحالة الموت على الوقوع على الأرض والارتطام بها - لأن ذلك لا بد منه - فعفي عنه، بخلاف ما لو وقع في الماء.ومنها معاملة من أكثر ما له حرام إذا لم يعرف عين المال فلا يحرم في الأصح ولكن يكره. ومنه الكذب مفسدة محرمة لكن متى تضمن ذلك جلب مصلحة تربو عليه جاز كالكذب في الإصلاح بين الناس، وفي الحرب لخداع العدو، وعلى الزوجة لإصلاحها، وإذا جمع في عقد واحد بين من تحل له وبين من لا تحل، كمن يجمع بين مسلمة ووثنية، أو أجنبية ومحرمة، جاز العقد فيمن تحل، وبطل في غيرها.

القاعدة رقم (43): العادة مُحَكَّمة

 العادة هو: ما ألفه المجتمع واعتاده وسار عليه الناس في حياتهم من قول أو فعل وتلقته الطبائع السليمة بالقبول ، ويسمونه الأصوليون بالعرف، وهو حجة شرعية على رأي جمهور الفقهاء لقوله تعالى:  خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (الأعراف: 199)، ولكن بشرط أن لا يخالف القرآن والسنة، وأن يكون عرفا صحيحا ويؤدي إلى جلب مصلحة عامة ودرء مفسدة، ويكون عاما ومطردا، وسابقا للواقعة التي تقاس عليه.

أصل هذه القاعدة: 

 قوله صلى الله عليه وسلم لهند زوجه أبي سفيان رضي الله عنهما: ((خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)) ، وقال النووي (رحمه الله تعالى) في فوائد حديث هند رضي الله عنها: ومنها اعتماد العرف في الأمور التي ليس فيها تحديد شرعي . وقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا جناح على من وَليها، أن يأكل بالمعروف)) متفق عليه، وما روي عن عبد الله بن مسعود () موقوفا: ((ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن))  .

معنى القاعدة: إن العادة عامة كانت أو خاصة تجعل حكما لإثبات حكم شرعي وبناءا على رعاية العرف أو العادة جاءت القاعدة الفقهية(المعروف عرفا كالمشروط شرطا)، فالنوم في الفنادق والغسل في الحمامات والأكل في المطاعم وركوب سيارات الأجرة، كل ذلك يستلزم دفع الأجرة وإن لم يشترط لأن العرف يقتضي ذلك.

تطبيقاتها: 

أ- كل ما جرى العرف على اعتباره من مشتملات المبيع، فإنه يدخل في البيع من غير ذكر كالحديقة المحيطة بالدار تدخل في عقد البيع معه بلا ذكر لعرف الناس بذلك.

ب- إعتبار عرف الحالف والناذر إذا كان العرف مساويا للفظ أو أخص، فلو حلف لا يأكل رأسا أو لا يركب دابة أو لا يجلس على بساط لا يحنث بأكل رأس عصفور ولا بركوب إنسان ولا بجلوس على الأرض، لأن العرف خص الرأس بما يباع للأكل في الأسواق والدابة بما يركب عادة والبساط بالمنسوج المعروف الذي يفرش ويجلس عليه.


قاعدة رقم (44): استعمال الناس حجة يجب العمل بها

 معنى القاعدة: إن عادة الناس، إذا لم تكن مخالفة للشرع، حجة ودليل يجب العمل بموجبها، لأن العادة محكَّمة، واستعمال الناس إن كان عاماً يعدّ حجة في حق العموم، وأما إذا كان العرف خاصاً ببلدة مثلاً، فان الجمهور لا يعدُّونه حجة تخصص النص العام أو القياس.

ودليلهم على ذلك: 

 أن الإجماع العمومي يستحيل تواطؤ أفراده على الكذب والضلال، لكثرتهم واختلاف أقطارهم، وأما العرف الخاص فلا يمتنع فيه ذلك، وهو مع ذلك يخالفه عرف بلد آخر، فما يتفق مع النص ويساير القياس فهو أولى بالاعتبار من المخالف.

وحاصل القاعدة: أن استعمال الناس غير المخالف للشرع ولا لنصوص الفقهاء، يعدُّ حجة كبيع السلم وعقد الاستصناع مثلاً، فقد اتفق الفقهاء على جوازهما لما مسَّت الحاجة إليهما مع أنهما في الأصل غير جائزين لأنهما بيع معدوم.

 ملحوظة: 

 قد يعتبر استعمال الناس المخالف لنصوص الفقهاء إذا كانت هذه النصوص مبنية على العرف أو على ضرب من الاجتهاد والرأي، فبتبدل العرف لا مانع من تبدل الحكم إذا كان الاستمرار على الحكم السابق فيه ضرر ومشقة تصيب العباد.

 فمن ذلك: عدم الاكتفاء بظاهر العدالة في الشهادة، فعلى الحاكم أن يتحقق من عدالة الشهود مع أن ذلك مخالف لما نص عليه أبوحنيفة (رحمه الله تعالى) من الاكتفاء بظاهر العدالة، وبناءً على ما كان في زمنه من غلبة العدالة على الناس، ولكن أبا يوسف ومحمداً نصاً على أنه لا يكتفي بذلك الظاهر لفشو الكذب في زمانهما، وعلى ذلك فقهاء مختلف المذاهب .

 ومن ذلك تضمين الساعي (أي النمَّام) بالفساد بين الناس ما أتلف، بسبب سعايته مع مخالفة ذلك لقاعدة: (الضمان على المباشر دون المتسبب)، ولكن لكثرة السعاة المفسدين أفتوا بتضمينه، وسيأتي مزيد من الأمثلة على ذلك حين الحديث عن قاعدة: (لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان).

 من تطبيقات هذه القاعدة وفروعها: 

 أ- إذا استعان شخص بآخر على شراء عقار، وبعد وقوع البيع والشراء طلب المستعان به من المستعين أجرة، فينظر تعامل أهل السوق، فإن كان معتاداً في مثل هذه الحال أخذ أجرة كصاحب مكتب عقاري، فللمستعان به أخذ الأجرة المثلية من المستعين وإلا فلا.

 ب- وإذا تقاول ملاح مع نجار على أن يصنع له زورقاً أو سفينة وبيَّن له طولها وعرضها وأوصافها اللازمة، وقبل النجار بعد بيان الثمن المطلوب، انعقد الاستصناع.

 ج- وكذلك لو اتفق إنسان مع مقاول أو متعهد أن يبني له بيتاً طبقاً لمخطط مرسوم ومواصفات خاصة بثمن مبين وشروط واضحة، انعقد الاستصناع وجازت المعاملة.

 د- ومنها لو استأجر أجيراً يعمل له مدة معينة، حُمِل على ما جرت العادة بالعمل فيه من الزمان دون غيره، بغير خلاف، إلا إذا نص في العقد على زمن مخصوص.


القاعدة رقم (45): لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان

معنى القاعدة: إن الأحكام المبنية على العرف والعادة لا على النص والدليل تتبدل مع تبدل الأعراف والعوائد التي بنيت عليها، لأنه بتغير الزمان تتغير احتياجات الناس.

تطبيقاتها: 

أ- سقوط خيار الرؤية برؤية حجرة من حجر الدار في الزمن القديم، لجريان عرف الناس على هذا النمط من البناء، فقد أفتى فقهاؤنا القدامى (رحمهم الله تعالى) بسقوط خيار الرؤية برؤية حجرة واحدة من حجر الدار، ولكن تغير عرف الناس وعادتهم في بناء الدور ومشتملاته فأفتى الفقهاء بعدم سقوط خيار الرؤية برؤية حجرة واحدة، بل لا بد من رؤية جميع حجر الدار ومشتملاته.

ب- الإمام أبو حنيفة (رحمه الله تعالى) لم ير تزكية الشهود في دعاوى المال إلا إذا طعن الخصم بعدالتهم، لصلاح الناس في زمانه، ولكن لما تغيرت أحوال الناس أفتى (الصاحبان) أبو يوسف ومحمد بن الحسن بلزوم تزكية الشهود. ؟

ج- أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم على ما أفتى به متأخروا الفقهاء، لأن العادة قد تبدلت إذا كان الأمر في السابق تخصيص العطاء لهؤلاء من بيت المال، فلما انقطع أفتى المتأخرون بالجواز لئلا يهجر القرآن الكريم ويندرس.

 وهذه القاعدة جعلت إماما مثل ابن أبي زيد القيرواني صاحب الرسالة المشهورة في المذهب المالكي، يقتني كلبا للحراسة مخالفا لما أثر عن الإمام مالك من كراهية ذلك، فلما لاموه لمخالفة إمامه، قال: لو كان مالكا في زماننا لاتخذ أسدا ضاريا .

القاعدة رقم (46): الممتنع عادة كالممتنع حقيقة

معنى القاعدة: الامتناع إما حقيقي وإما عادي، فالأول: امتناع الشيء ضرورة لمخالفته للعقل، كإقراره لمن أكبر منه سنا أنه ابنه، وأما الثاني: فهو امتناع الشيء بحكم العادة فقط، وكلاهما سواء لا تسمع الدعوى به ولا تقام البينة عليه.

تطبيقاتها: 

 لو ادعى رجل معروف بالفقر بمبلغ جسيم على رجل معروف بالغنى المفرط، بأنه أقرضه إياه دفعة واحدة، حال كونه لم يرث ولم يصب مالا بوجه آخر، فلا تسمع دعواه لأنها مما يمتنع عادة فهي كالممتنع حقيقة، ويدخل تحت هذه القاعدة كل شيء مستبعد في العادة.

إستثناء من هذه القاعدة: 

 استثنى من هذه القاعدة فلم يعتبر الممتنع عادة كالممتنع حقيقة في اليمين عند أبي يوسف صاحب أبي حنيفة رحمهما الله، حيث إن شرط انعقاد اليمين عنده أن تكون في أمر في المستقبل ممكن أو غير ممكن، أما كون المحلوف عليه متصور الوجود عادة فهو ليس بشرط عنده، فإذا قال إنسان: والله لأشربن الماء الذي في هذه الكأس معتقداً أن فيها ماء، فإذا هي لا ماء فيها، حنث عند أبي يوسف وحده، ولم تنعقد اليمين عند جمهور الحنفية ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى، لأن شرط انعقاد اليمين عندهم أن تكون على أمر في المستقبل مع إمكان البر أو الحنث، أما مع عدم الإمكان فلا تنعقد، وكذلك لو حلف لأقتلن فلاناً معتقداً حياته، وهو ميت ولا يعلم بموته، فتنعقد اليمين عند أبي يوسف، ولا تنعقد عند جمهور الفقهاء لأن المحلوف عليه غير متصور الوجود عادة  .



القاعدة رقم (47): العبرة للغالب الشائع لا للنادر

معنى القاعدة: إن الأمر الشائع بين الناس والمتعارف عليه والمتكرر الحدوث هو المعول عليه، لأن النادر هو قليل الحدوث فترتبت الأحكام على الشائع دون النادر.

تطبيقاتها: 

أ- قدر الفقهاء سن البلوغ بالسنة الخامسة عشر، لأنها السن الذي يبلغ الأولاد فيه غالبا فمن خرج منهم عن هذه القاعدة كان نادرا لا يعتد به، كما قدروا أيضا مدة الحضانة بسبع سنين للصغير وتسع سنين للصغيرة، لأنهم حرصوا بترك الغلام عند أمه حتى يستغني عنها بترك الصغيرة عند أمها حتى تصير مشتهاة، ومن شذ عن هذه القاعدة كان نادرا لا عبرة له لأن العبرة للشائع لا النادر.

ب_ جوز المتأخرون للدائن في هذا الزمن استيفاء دينه من غير جنس حقه، لغلبة العقوق، وقالوا: ليس للزوج أن يجبر زوجته على السفر من وطنها إذا كان نكحها فيه وإن أوفاها معجل مهرها؛ لغلبة الإضرار في الأزواج، وقالوا: ليس للقاضي أن يقضي بعلمه، لفساد حال القضاة، وصححوا الاستئجار على الإمامة والأذان والتعليم؛ لتكاسل الناس عن القيام بها مجاناً، ومنعوا من سماع دعوى الزوجة بكل المهر المعجل على زوجها بعد الدخول بها، بل يقال لها: إما أن تقري بما تعجلت وإلا قضينا عليك بالمتعارف تعجيله؛ وذلك لأنها لا تسلم نفسها عادة من غير أن تقبض. وقدروا مدة الإياس من الحيض للمرأة بخمس وخمسين سنة لأجل أن تعتد؛ لأن المرأة إذا بلغت هذه السن ففي الغالب ينقطع حيضها، وجعلوا كل ذلك أحكاماً عامة، مع أنه لا شك في التخلف في بعض الأفراد وفي بعض الأوقات، ولكن لم ينظروا له وجعلوا العبرة للكثير الغالب. 

ج- إن قصر الصلاة في السفر هو رخصة مشروعة، والحكمة في ذلك دفع مشقة السفر، ولكنها لم تنضبط لاختلافها بحسب الأشخاص والأحوال والأزمان، فأقيم السفر علة مقامها بحيث متى وجد السفر وجد القصر؛ لأن السفر يلازم المشقة غالباً، وتخلفها في بعض المترفين لا عبرة له؛ لأن الحكم يراعى في الجنس لا الأفراد، فيجوز قصر الصلاة في حقهم؛ لأن العبرة للغالب الشائع لا للنادر.

د- يصح الاستئجار على الأذان والإمامة وتعليم القرآن لقعود همم الناس عن القيام بها مجاناً في الغالب الشائع، مع وجود من يقوم بها محتسباً، لكنه نادر، والنادر لا حكم له.

هـ - يغتفر ما قد يوجد في المعاملة من غرر يسير، إذا كان الغالب فيها السلامة من ذلك، لأن علة تحريم الغرر هو ما قد ينشأ عنه من نزاع وخصام، وأكل للمال بالباطل، فإذا كان الغرر يسيراً فاحتمال وقوع النزاع نادر، فيجري الحكم على الأغلب؛ لأن الأصل إلحاق الفرد بالأعم الأغلب دون النادر، وعليه جواز بيع ثمر النخل إذا بدا صلاح بعضه، فإنه بعد بدو الصلاح يأمن من العاهة في الغالب، وإن كان احتمال إصابته بالعاهة وارداً، لكنه نادر، فيبنى الحكم على الأعم الأغلب دون النادر، يجوز بيع المغيبات في الأرض، كالجزر واللفت وغيره، وإن كان باطنها لا يرى؛ لأن أهل الخبرة يستدلون بظاهرها على باطنها، وصدق هذا الاستدلال غالب، واحتمال عدم التوافق بين الظاهر والباطن نادر، فيلحق الفرد بالأعم الأغلب.


القاعدة رقم (48): إذا تعارض المانع والمقتضى يقدم المانع

معنى القاعدة: إذا وجد ما يستدعي ويقتضي وجود شيء ووجد ما يمنع وجود هذا الشيء، فالحكم هو الأخذ بالمانع.

أصل هذه القاعدة: 

 الحديث الشريف: ((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم))  متفق عليه، في هذا الحديث إشارة إلى أن اعتناء الشارع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات.

تطبيقاتها: 

 أ- ليس للراهن أن يبيع ماله المرهون عند دائنه إلى آخر، لوجود المانع، لأن الرهن يمنع الراهن من التصرف بماله المرهون إلا بعد الإيفاء أو الإبراء من الدائن (المرتهن).

ب- للمالك أن يتصرف بملكه كيف يشاء، لكن إذا تعلق به حق الغير يمنع المالك من تصرفه بوجه الاستقلال، فلو كان الطابق الأسفل لواحد والعلو لآخر فلصاحب العلو حق القرار على الأسفل، ولصاحب الأسفل حق السقف في العلو، ولهذا ليس لأحدهما أن يفعل شيئا مضرا إلا بإذن الآخر.

ج - منع المؤجر من التصرف في العين المأجورة بما يمس حق المستأجر، تقديما للمانع وهو حق المستأجر. وتمنع شرعاً التجارة في المحرمات من خمر ومخدرات وغير ذلك، ولو أن فيها ربحاً.

د- يمنع صاحب الدار من اتخاذ فرن أو محرك يؤذيان الجيران بالدخان أو اهتزاز الجدران، أو تشويش في الأصوات، ويمنع صاحب الدار من اتخاذ نوافذ تطل على جاره، ولو كان فيه منفعة، وهو يوافق النظرية المعروفة (منع التعسف في استعمال الحق). وكذلك يمنع أحد صاحبي الطوابق السفل أو العلو في الأبنية من عمل يضر بالآخر دون إذنه، لأن حقه التصرف بملكه، وهو مقتضٍ، وتعلق حق الجار مانع، فيقدم.

استثناء من القاعدة: 

 أ- لو رمى سهماً على طائر فجرحه ووقع على الأرض فمات فإنه يحل أكله، وإن أمكن إحالة الموت على الوقوع على الأرض والارتطام بها - لأن ذلك لا بد منه - فعفي عنه، بخلاف ما لو وقع في الماء، ومنها معاملة من أكثر ما له حرام إذا لم يعرف عين المال فلا يحرم في الأصح ولكن يكره، وإذا اختلطت محرّمة - برضاع أو نسب - بنسوة غير محصورات فله النكاح منهن، ومنها جواز مس كتب التفسير للمحدث إلا إذا كان الأكثر قرآناً، وبعضهم لم يفصل.

 ب- والصلاة مع اختلال شرط من شروطها من الطهارة أو التستر أو الاستقبال، فإن في ترك ذلك مفسدة لما فيه من الإخلال بجلال الله تعالى في أن لا يناجي إلا على أكمل الأحوال، لكن متى تعذر شيء من ذلك جازت الصلاة بدونه تقديماً لمصلحة الصلاة على هذه المفسدة.

 ج- ومنه الكذب مفسدة محرمة لكن متى تضمن ذلك جلب مصلحة تربو عليه جاز كالكذب في الإصلاح بين الناس، وفي الحرب لخداع العدو، وعلى الزوجة لإصلاحها.

 د- وإذا جمع في عقد واحد بين من تحل له وبين من لا تحل، كمن يجمع بين مسلمة ووثنية، أو أجنبية ومحرمة، جاز العقد فيمن تحل، وبطل في غيرها، وكل ما سبق فيما إذا اجتمع حلال وحرام.

القاعدة رقم (49): التابع تابع

معنى القاعدة: إن التابع للشيء في الوجود تابع له في الحكم، كالجلد من الحيوان وكالجنين وكالفص من الخاتم وكالطريق للدار.

تطبيقاتها: 

أ - القفل يدخل في البيع مفتاحه، وكذلك توابع المبيع المتصلة به اتصال قرار كالأبواب والنوافذ والأحواض في بيع الدور، والأشجار في بيع الحدائق والبساتين.

ب- كذلك بالنسبة للعقود فكل ما كان من توابع العقد التي لا ذكر لها فيه تحمل على عادة كل بلد وعرفها، فمثلاً: من استأجر خياطاً ليخيط له ثوباً فإن الخيوط والأزرار على الخياط، ومن استأجر فلاحاً ليحفر أو يحرث فإن أدوات الحفر والحرث على الفلاح، وكذلك من استأجر بناءً ليبني له فإن أدوات البناء وآلاته على البناء.

 ج- ومن توابع هذه القاعدة قول الحنفية والحنابلة: إن خطاب الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم يعم الأمة، وحجتهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم له منصب الاقتداء به في كل شيء إلا بدليل صارف على الاختصاص به وكل من هو كذلك يفهم من أمره شمول أتباعه، واحتجوا أيضاً بقوله تعالى:  يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ (سورة الطلاق: آية 1)، الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد هو وأتباعه، إذ التابع لا ينفك عن المتبوع .

د- إذا بيع الحيوان في بطنه جنين، دخل في البيع تبعا وبدون أن ينص عليه العقد لأنه تابع لأصله 

هـ- إذا باع أرضا دخل فيها البناء والأشجار المغروسة، تبقى مستمرة فيها.

و- زوائد المرهون والمغصوب تابعة لهما في الوجود، فتكون تابعة لهما في الحكم ولهذا فهي ملك الراهن والمغصوب منه والمراد بالزوائد كالسمن أو زيادة منفصلة كالولد والثمر.

 استثناء من القاعدة: 

 لو أسقط المرتهن حقه في حبس الرهن، جاز مع بقاء الدين، ومنها لو أبرأ الدائن الكفيل صح مع بقاء الدين كذلك، مع أن الرهن والكفيل تابعان للدين.


القاعدة رقم (50): التابع لا يفرد بالحكم

 وهذا من معاني وفروع القاعدة السابقة.

تطبيقاتها: 

أ- حقوق الارتفاق مثل حق الشرب وحق المرور لا يجوز بيعها منفردة.

ب- لا يجوز بيع الجنين في بطن أمه منفردا، وكل ما كان اتصاله خلقة كاللبن في الضرع والصوف على ظهر الخروف والجلد على الحيوان.

ج- لو اشترى فرسا حاملا وقبل قبضها ولدت وهلك فلوها، فلا يسقط شيء من الثمن.


القاعدة رقم (51): من ملك شيئا ملك ما هو من ضروراته

معنى القاعدة: من ملك شيئا ملك ما هو من لوازمه وما لا يستغني عنه، لإمكان الاستفادة من الشيء المملوك، والضرورة هنا يراد بها اللزوم لا الضرورة بمعنى الاضطرار، فمن ملك شيئاً ملك ما هو من لوازمه عقلاً أو عرفاً، ولو لم يشترط في العقد.

تطبيقاتها: 

أ- من اشترى داراً واقعة في سكة غير نافذة مشتركة بين عدة دور، يملك بحكم التبعية حصة الدار من الطريق من هذه السكة، ولو لم ينص عليها في العقد؛ لأن الطريق من ضرورات الدار ولوازمها، والدار بدون الطريق لا يمكن الانتفاع بها أو السكنى فيها.

ب- من اشترى قفلا دخل فيه مفتاحه.

ج- من اشترى بقرة لأجل حلبها دخل رضيعها في البيع، وإن لم يذكر.


القاعدة رقم (52): إذا سقط الأصل سقط الفرع

معنى القاعدة: الفرع هو: ما ليس له وجود مستقل بنفسه وإنه يسقط بسقوط أصله.

تطبيقاتها: 

أ- لو أن الدائن أبرأ الأصيل (المدين) برئ الكفيل أيضا، وإذا مات الموكل أو جن جنونا مطبقا سقطت وكالة الوكيل إذا لم يتعلق بها حق الغير.

ب- إذا كان لرجل حق المرور في ملك آخر فأسقط حق مروره أو أذن صاحب الأرض أن يبني في محل مروره، سقط حق المرور ولا تسمع دعواه.

ج- أو حلف ليشربن ماء هذا الكوز اليوم، وكان فيه ماء فصب قبل مضي اليوم، بطلت اليمين، لكون بقائها فرعاً عن بقاء الدين وبقاء الماء.

 ويسثنى من هذه القاعدة: 

 مسألة سقط فيها الأصل ولم يسقط الفرع وهي: ما إذا كفل بنفس المديون فأبرأه الطالب عن الدين يسقط الدين وتبقى كفالة النفس، فيطالب الكفيل بإحضاره، إلا إذا قال الطالب: لا حق لي قبله -أي المديون - ولا لموكل لي ولا لصغير أنا وليه أو وصيه ولا لوقف أنا متوليه، فحينئذ يبرأ كفيل النفس، يلزم البحث هنا عما إذا كان كفيل النفس قد كفل بنفس المديون وتسليمه للدائن لأجل هذا الدين فقط ثم أبرأ الدائن المديون أو أوفاه المديون الدين، والظاهر سقوط الكفالة حينئذ .

القاعدة رقم (53): الساقط لا يعود كما أن المعدوم لا يعود

معنى القاعدة: أن الحق يبطل ويسقط بالرضا ولا تسمع دعوى الخصومة بعد ذلك، 

وهي من تطبيقات القاعدة السابقة وتسري عليها نفس أمثلتها.

 والمراد بالساقط هنا الحكم أو التصرف الذي تم، والساقط صفة لموصوف محذوف هو الحكم أو التصرف، وإسقاطه يكون بفعل المكلف أو بالإسقاط الشرعي، ومعنى لا يعود: أي يصب؛ كالمعدوم لا سبيل لإعادته إلا بسبب جديد يعيد مثله لا عينه، هذه القاعدة تجري في كثير من الأبواب الفقهية.

تطبيقاتها: 

أ- من باع بثمن حال، فللبائع حق حبس المبيع حتى يقبض جميع الثمن، لكن لو سلمه للمشتري قبل قبض الثمن سقط حقه في الحبس، فليس له أن يسترده من المشتري ليحبسه حتى يقبض الثمن، لأن الساقط لا يعود.

 ب- من اشترى شيئاً قبل أن يراه فباعه أو رهنه أو آجره سقط خياره، فلو حكم عليه بالرد بخيار العيب، أو هو أفتكه من المرتهن، أو انقضت مدة الإجارة، لا يعود خياره لأن الساقط لا يعود، وهكذا كل خيار إذا سقط بمسقطه الشرعي، سواء كان في بيع أو نكاح أو شفعة أو غيرها لا يعود بالسقوط.

 ج- وكذا لو صالح على أقل من جنس حقه من الدراهم أو الدنانير يعتبر استيفاء لبعض حقه وإبراء عن الباقي، فليس له بعدُ أن ينقض هذا الصلح، لأن الساقط لا يعود.

 د- ولو كان لأحد حق في مسيل أو مرور في أرض آخر فأسقط حقه من ذلك، أو أذن لصاحب الأرض أن يحدث بناء على ذلك الممر سقط حقه، وليس له بعد حق الرجوع، بخلاف ما لو كان مالكاً لرقبة المسيل أو الممر فقال: أسقطت ملكيتي لها، أو بنى فيه صاحب الأرض بإذنه، فإن له أن يسترد الرقبة؛ لأن الإسقاط لا يتصور في الأعيان.

 هـ - وكذا لو أجاز الورثة الزائد عن الثلث من وصية مورثهم، سقط حقهم المتعلق بالزائد، فلا يصح رجوعهم عن الإجازة، لأن الساقط لا يعود.

القاعدة رقم (54): قد يثبت الفرع مع عدم ثبوت الأصل

 وهذه استثناء من القاعدة رقم 52(إذا سقط الأصل سقط الفرع)، حيث يثبت الفرع بالرغم من سقوط الأصل أو عدم ثبوته. فقد يثبت - أي قد يوجد ويبقى - الفرع مع عدم ثبوت الأصل - أي وجوده- فلا تلازم بين الأصل والفرع في الوجود. أما وجود الأصل بدون وجود الفرع، كالمديون إذا لم يكن له كفيل، فهو ظاهر، إذ ليس كل أصل له فرع.وأما وجود الفرع بدون وجود الأصل فأمثلته كثيرة منها: ما أفادته هذه القاعدة، مثلا: لو قال رجل: إن لفلان على فلان دينا، وأنا كفيل به، وبناء على إنكار الأصيل ادعى الدائن على الكفيل بالدين لزم الكفيل أداؤه.

تطبيقاتها: 

أ- لو ادعى الزوج الخلع فأنكرته الزوجة، بانت أي وقعت الفرقة بينهما ولم يثبت المال (بدل الخلع) الذي هو الأصل من الخلع ومع عدم ثبوته ثبت الفرع وهو وقوع البينونة بينهما.

ب- لو قال شخص لزيد على عمرو ألف دينار وأنا ضامن، فأنكر عمرو الدين لزم القائل وهو الكفيل ما ضمنه إذا ادعى زيد بالمبلغ لأن المرء مؤاخذ بإقراره.

ج- لو غصب إنسان شيئاً فباعه، ثم تداولته الأيدي بالبيع والشراء، فأجاز المالك أحد العقود، جاز ذلك العقد الذي أجازه خاصة، لا ما قبله، ولا ما بعده.


القاعدة رقم (55): إذا بطل الشيء بطل ما في ضمنه

معنى القاعدة: إذا فسد الشيء وبطل فسد وبطل ما دفع في ضمنه من التصرفات، كالإقرار والإبراء بين المتعاقدين، وهذا مثل قول الفقهاء إذا بطل المتضِّمن بطل المتضَّمن .

تطبيقاتها: 

أ- إذا فسد الصلح والبيع، بطل ما دفع في ضمنهما من الإقرار والإبراء بين المتعاقدين. 

ب- لو قال لرجل بعتك دمي بألف فقتله، وجب القصاص، لأن الإذن بالقتل نشأ عن بيع دمه وهو باطل، فبطل الإذن الذي في ضمنه.

ج- الصلاة المشتملة على واجبات وسنن إذا بطلت بطل جميع ما تضمنته.

د- لو استأجر الأرض ليترك الزرع قائماً عليها إلى أن يدرك، فسد العقد، ولم يطب له ما زاد الزرع، لفساد الإذن بإبقائه فيها لفساد عقد الإجارة، بخلاف ما لو استأجر الشجر لإبقاء الثمر.

المستثنى من القاعدة: 

خرج عن هذه القاعدة مسائل، منها: 

أ - لو صالح الشفيع عن شفعته أو اشتراها منه بمال لم يصح الصلح، ولم يلزم المال، وسقطت شفعته، بخلاف ما لو صالحه عن دعوى الشفعة، فإنه يصح، ويلزم المال.

ب - لو صالح الزوج زوجته الخيرة على مال لتختاره، ففعلت، واختارت زوجها لم يصح الصلح، ولم يلزم المال، وسقط خيارها.

ج - لو جعل الكفيل بالنفس مالاً للمكفول له ليسقط عنه الكفالة، فأسقطها، سقطت، ولم يلزم المال.

د - لو اشترى ثمراً غير مدرك، ثم استأجر الأشجار ليبقى الثمر عليها إلى وقت الإدراك، فالإجارة باطلة، ولا يبطل ما في ضمنها من الإذن بإبقاء الثمر، فإذا أبقاه فزاد طابت لى الزيادة.

هـ - لو اشترى داراً، وقبل أن يراها بيعت دار بجانبها، فأخذها بالشفعة، ثم ردَّ الأولى بخيار الرؤية، تبقى الثانية التي أخذها بالشفعة له، فقد بطل شراؤه الذي ترتب عليه الأخذ بالشفعة، ولم يبطل الأخذ بها.


القاعدة رقم (56): إذا بطل الأصل يصار إلى البدل

معنى القاعدة: إذا بطل الأصل(وهو ما يجب أداؤه) بأن صار متعذرا يصار إلى البدل، أما ما دام الأصل ممكنا فلا يصار إلى البدل، وعلى هذا يجب رد المغصوب إذا كان قائما في يد الغاصب، لأنه تسليم عين الواجب وإذا تعذر رد عين المغصوب وهو الأصل بأن كان هالكا مستهلكا فيجب حينئذ رد بدله أو قيمته، ولما كان إتيان البدل عند تعذر الأصل رخصة، كانت هذه القاعدة مندرجة تحت قاعدة (المشقة تجلب التيسير) ومتفرعة عليها.

أدلة هذه القاعدة: 

 لهذه القاعدة أدلة كثيرة من كتاب الله: منها قوله تعالى: فَمَن كانَ مِنكُم مَرِيضًا أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ، وَعَلى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ (البقرة: آية 184).

أنواع البدل: الإبدال التي يصار إليه عند العجز ثلاثة أنواع : 

 (ا) الأول: نوع بدل ينتقل إليه عند العجز مع إمكان القدرة على الأصل مستقبلاً، ولكن بوقت يفوت بفواته: وأمثلته: من دخل عليه وقت الصلاة ولم يجد الماء، ينتقل إلى التيمم، وإن كان يرجو القدرة على الماء بعد خروج الوقت، والمتمتع إذا عجز عن الهدي ينتقل إلى الصوم، ولو كان له مال غائب لأنه تعلق بوقت يفوت بفواته، ومثله المحصر إذا وجد الثمن ولم يجد الهدي يصوم ولا يلزمه الصبر للضرورة، ومثله المال الغائب لا يمنع نكاح الأمة كما لا يمنع ابن السبيل الزكاة.

 (ب) الثاني: نوع بدل لا يتعلق بوقت يفوت بفواته ولا يضر تأخيره، مثل كفارة القتل، واليمين، والجماع في الصوم، فلا يجوز الانتقال عنها إلى البديل إذا كان يرجو القدرة عليه، بل يصبر حتى يجد الرقبة، لأن الكفارة على التراخي، وبتقدير أن يموت يؤدي من تركته بخلاف العاجز عن المال.

 (ج) الثالث: ما يحتمل الوجهين مثل كفارة الظهار، يمكن أن يقال: يلزمه التأخير لأنها ليست مضيقة الوقت، أو له الانتقال إلى البدل لأنه يتضرر بالتأخير، ولو كان واجداً طول الحرة ولا يجد في القرية حرة، فهل له الزواج بالأمة؟ في المسألة خلاف، إلا إذا خشي العنت أي الزنا فله نكاح الأمة.

تطبيقاتها: 

 إذا مات الزوج حين يهل الشهر فابتداء العدة بالأهلّة: لأنها أصل في الشهور العربية لقوله تعالى: يسألُونك عن الأهِلَّةِ قل هي مواقيتُ للناسِ والحج (البقرة: آية 189). وإن مات في خلال الشهر فالعدة بالأيام واعتبار الشهر ثلاثون يوماً، وكذا الإجارة وأجل البيع، وقيل: الشهر الأول يتم بالأيام والباقي بالأهلة، لأن الضرورة تقدر بقدرها، يذبح الصيد إذا استأنس، ويكفي جرح نَعَمَ توحش أو سقط في بئر ولم يمكن ذبحه؛ لأن ذكاة الاضطرار إنما يصار إليها عند العجز عن ذكاة الاختيار، لما كان الأصل في إثبات الأحكام هو البينة الشرعية، فإذا تعذرت البينة ينتقل إلى بدلها، فالعمل بالاستصحاب إنما يصار إليه عند عدم وجود الأصل وهو البينة فهو بدل عنها، والرجوع إلى تعامل القائمين السابقين على الوقف بدل من البينة الشرعية، أو التسجيل لشروط الوقف في ديوان القضاة إذا اختلف أهل الوقت في شرط الواقف، وكذلك تحكيم مهر المثل إذا اختلف الزوجان في مقدار المهر ولا بينة لأحدهما.

 وكذلك اختلاف المتبايعين في مقدار الثمن أو جنسه، وفي كل موضع يكون القول فيه لأحد المتخاصمين مع يمينه يكون بدلاً عن الأصل وهو البينات الشرعية. 


القاعدة رقم (57): يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع

معنى القاعدة: يغتفر في التابع ما دام تابعا ما لا يغتفر فيه إذا صار متبوعا أي أصلا مقصودا، وهذه القاعدة من تطبيقات قاعدة (التابع لا يفرد بالحكم).

تطبيقاتها: 

أ- لا يجوز بيع حق الشرب وحق المسيل وحق المرور قصدا؛ بل يجوز بيعها تبعا للأرض، لأن بيع الحقوق الإرتفاقية بانفرادها لا يجوز.

ب- يشترط في الوقف أن يكون الموقوف مالاً ثابتاً، أي عقاراً، ولا يصح وقف المنقولات ، إلا إذا تعورف، كوقف الكتب وأدوات الجنازة، لكن لو وقف عقاراً كقرية أو داراً بما فيها من منقولات صح الوقف في هذه المنقولات أيضاً تبعاً للعقار؛ إذ يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع.

ج- لو حلف لا يشتري صوفاً، فاشترى غنمة عليها صوف، جاز ولا يحنث، لأن الصوف دخل في البيع تبعاً للشاة لا قصداً، فاغتفر فيه، فإن دخل مقصوداً يحنث.


القاعدة رقم (58): التصرف على الرعية منوط بالمصلحة

معنى القاعدة: إن تصرف ولي الأمر في الأمور العامة في الرعية تناط بتحقيق المصلحة العامة، وفي ذلك يقول الفقيه ابن نجيم: (إذا كان فعل الإمام مبنيا على المصلحة فيما يتعلق بالأمور العامة، لم ينفذ أمره شرعا إلا إذا وافقه فإن خالفه لم ينفذ)، فهذه القاعدة تضبط الحدود التي يتصرف في نطاقها كل من ولي شيئاً من أمور العامة، من إمام أو والٍ أو أمير أو قاض أو موظف، وتفيد أن أعمال هؤلاء وأمثالهم وتصرفاتهم لكي تنفذ على الرعية وتكون ملزمة لها يجب أن تكون مبنية على مصلحة الجماعة وخيرها، لأن الولاة والعمال والأمراء والقضاة والقادة وغيرهم ليسوا عمالاً لأنفسهم إنما هم وكلاء على الأمة في القيام بشؤونها، فعليهم أن يراعوا خير التدابير لإقامة العدل وإزالة الظلم وإحقاق الحق وصيانة الأخلاق وتطهير المجتمع من الفساد، ونشر العلم ومحاربة الجهل، والحرص على الأموال العامة ورعايتها وإنفاقها فقط فيما يعود على الأمة بالخير والنفع، كما لا يجوز لهم أن يحابوا بها أحداً دون أحد لجاه أو لسلطان أو رغبة أو طمع، لأنه لا يجوز للوالي أن يأخذ درهماً من أموال الناس إلا بحق، كما لا يجوز له أن يضعه إلا في يد تستحق، كما لا يجوز له كذلك أن يأخذ من مال أحد شيئاً إلا بحق ثابت معروف .

دليل القاعدة: 

 أحاديث كثيرة منها ما رواه الإمام مسلم: ((ما من أمير يلي أمر المسلمين، ثم لا يجتهد لهم وينصح، إلا لم يدخل معهم الجنة)) ، قال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم: وفي هذه الأحاديث وجوب النصيحة على الوالي لرعيته والاجتهاد في مصالحهم والنصيحة لهم في دينهم ودنياهم. وقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (): (إني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة وليِّ اليتيم، إن احتجت أخذت منه، فإذا أيسرت رددته، فإن استغنيت استعففت) .

تطبيقاتها: 

أ- لا يجوز لولي الأمر أن يعين في الوظائف العامة إلا الكفوء الأمين، فقد جاء في الحديث النبوي الشريف: ((من ولي من أمر المسلمين شيئا، فولي رجلا وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه، فقد خان الله ورسوله وجميع المؤمنين)) ، وقوله عليه الصلاة: ((من ولي من أمر المسلمين شيئا، فأمر عليهم أحدا محاباة، فعليه لعنة الله، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا حتى يدخله جهنم)) .

ب- لا يجوز لولي الامر السماح بشيء من المفاسد والمحرمات الشرعية، كدور الفسق والدعارة والقمار والخمور بحجة جباية الضرائب أو الفائدة الاقتصادية.

ج- إذا لم يكن لإنسان وارث بقرابة أو ولاء أو موالاة إذا مات فتركته لبيت مال المسلمين، وإذا قتله أحد عمداً فوليه السلطان لقوله عليه الصلاة والسلام: (السلطان ولي من لا ولي له) ، وليس للسلطان أن يعفو عن قاتله، لأن القصاص حق المسلمين، بدليل أن ميراثه لهم والسلطان نائب عنهم في إقامة الحد، وفي العفو إسقاط حقهم أصلاً، ولكن للإمام أن يصالح على الدية يأخذها من القاتل أو يدفعها من ماله ليضعها في بيت مال المسلمين. وإذا قسم الإمام المال على المستحقين يحرم عليه التفضيل مع تساوي الحاجات؛ لأن عليه التعميم وكذا التسوية بخلاف المالك، فلا يجوز للإمام أن يقدم في مال بيت مال المسلمين الغني على الفقير أو ذي القرابة على البعيد، أو غير المحتاج على المحتاج، وإذا أمر وال أو قاض شخصاً بأن يستهلك مالاً من بيت المال أو مالاً لشخص آخر، فإنه غير صحيح، والمستهلك ضامن حتى أن الوالي نفسه أو القاضي لو استهلك ذلك المال كان ضامناً.

 كذلك لا يجوز للوالي أو القاضي أو الناضر أو الوصي أن يهب أموال الوقف أو أموال الصغير، لأن تصرفه فيها يجب أن يكون مقيداً بالمصلحة، ولا يجوز لأحد من ولاة الأمور أن ينصب إماماً للصلوات فاسقاً، وإن صحح بعضهم الصلاة خلفه، لأنها مكروهة، وولي الأمر مأمور بمراعاة المصلحة، ولا مصلحة في حمل الناس على فعل المكروه، كما أنه ليس لولي الأمر أن يزوج امرأة ليس لها ولي بغير كفء وإن رضيت؛ لأن حق الكفاءة للمسلمين وهو نائب عنهم فلا يقدر على إسقاطه .


القاعدة رقم (59): الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة

معنى القاعدة: الولاية هي نفوذ التصرف على الغير، والمراد بالولاية العامة هي ولاية الإمام الأعظم الخليفة ونوابه، أما الخاصة فهي التي تكون للشخص على مال الغير ونفسه أو على أحدهما مثل ولاية الأب على نفس ولده الصغير وماله (ولهذا لا يتصرف القاضي مع وجود الولي الخاص وثبوت أهليته).

تطبيقاتها: 

أ- إن القاضي لا يزوج اليتيم أو اليتيمة إلا عند عدم ولي لهما في النكاح، ولو زوج الإمام لغيبة الولي، وزوجها الولي الغائب بآخر في وقت واحد، وثبت ذلك بالبينة، قدم الولي، لأن الأصح في هذه الحالة أن تزويج الحاكم كان بالنيابة عن الولي الغائب، بدليل عدم الانتقال إلى الأبعد.

ب- للولي الخاص استيفاء القصاص والصلح على مال والعفو مجانا، والإمام يملك العفو.

ج- مما يتفرع على القاعدة المذكورة أن القاضي لا يملك التصرف في الوقف مع وجود متولٍ عليه ولو من قبله، حتى لو تصرف بإيجار أو قبض أو صرف لا ينفذ، وكذلك لا يملك القاضي التصرف في مال الصغير مع وجود وصي الأب أو وصي الجد أو وصي نفس القاضي، أما مع وصي غير من ذكر كوصي الأم ومن شاكلها ممن كانت ولايته ضعيفة في المال من الأقارب فإنه يملك التصرف. 

المستثنى من القاعدة : 

 أخرج بعضهم عن القاعدة المذكورة ما نصوا عليه من أن الوصي لا يملك استيفاء القصاص إذا قتل مورث الصغير الذي تحت وصايته، مع أن القاضي يملك استيفاءه، فتكون الولاية العامة هنا أقوى من الولاية الخاصة، وفي الحقيقة لا استثناء، فإن ولاية استيفاء القصاص عن الصغير تابعة للولاية على نفسه، ولا ولاية على نفسه للوصي، وما له من الولاية المتقدمة ضعيفة ولا تزيد على ولاية الأجنبي إذا كان الصغير في حجره، ولكن ينبغي أن يستثنى من القاعدة ما ذكروا من أن المتولي لا يملك العزل والنصب لأرباب الجهات بدون أن يشترط الواقف ذلك له، ويملكه القاضي بدون شرط، وكذلك يملك القاضي إقراض مال الصغير دون الأب والوصي، وكذلك يملك القاضي الاستقراض للوقف واستبداله بشروطه وإيجاره مدة طويلة عند مسيس الحاجة إلى تعميره، ولا يملك المتولي ذلك.

تنبيه: 

 إن ما ذكر من أن القاضي لا يملك التصرف مع وجود وصي أو متول ولو من قبله؛ مقيد بغير مداخلته بالسبب العام، أما به فإنه يتداخل، فإنه يحاسب الأوصياء والمتولين ويعزل الخائن منهم وإن شرط الموصي أو الواقف عدم مداخلته، وكذلك ما ذكر من المستثنيات في التنبيه السابق، فإن ملكه لها بالسبب العام، وكذلك يملك بالسبب المذكور إيجار عقار الوقف من المتولي أو ممن لا تقبل شهادته للمتولي ولو لم يكن هناك خيرية. 


القاعدة رقم (60): دليل الشيء في الأمور الباطنة يقوم مقامه

معنى القاعدة: انه يحكم بالظاهر فيما يتعذر الإطلاع عليه، لا سيما عندما يتعلق الأمر بمعرفة النية، ولما كانت النية من الأمور الباطنة والاطلاع عليها متعذر فيستدل عليها ببعض الدلائل الظاهرة كما في حالة القتل العمد، أي عندما يقصد القاتل ضرب المقتول، ولما كان القصد من الأمور الباطنة كان الاطلاع عليه متعذرا فيقام دليله مقامه ويبنى عليه الأحكام كاستعمال الأسلحة والآلات التي تقتل غالبا.

تطبيقاتها: 

أ- الرضا بالعيب القديم فيما اشتراه المشتري مسقطا لخيار الرد بالعيب إذا تصرف فيه تصرف المالك كاستعماله وإيجاره وغيره، فهذه التصرفات تقوم مقام الرضا الباطني.

ب- إقامة الخلوة الصحيحة بالزوجة مقام الوطء في إلزام الزوج كل المهر عند الحنفية والحنابلة  ، لأن الوطء من الأمور الخفية والخلوة الصحيحة دليل عليه، فأقيمت مقامه.

ج- ومنها أن العمال والجباة والتابعين لبيت المال ومتولي الأوقاف ونحوهم إذا توسعوا في الأموال وبنوا البيوت والعمارات ولم يكن لهم مورد رزق إلا ما لديهم من وظائف، كان ذلك دليلا على خيانتهم الباطنة فللحاكم مصادرتها بأخذ أموالهم وعزلهم.

د- الرضا في العقود مثلاً من الأمور الباطنة، وهو خفي، ومن العسير أو المستحيل الوقوف عليه فجعل الشرع الإيجاب والقبول دليله، وقائماً مقامه.

هـ - عمد القتل أمر خفي، فإن قصد القتل لا يوقف عليه، فجعل الشرع استعمال القاتل الآلة الجارحة المفرقة للأجزاء، أو المذهبة للارواح أو موضع الاصابة، دليلاً على التعمد والقصد.

و- اختلاف الزوجين في متاع البيت هما يكون للرجل يجعل في يد الزوج، وما يكون للنساء يجعل في يدها.

المستثنى من القاعدة: 

 ما لو أدخلت المرأة حلمة ثديها في فم الرضيع ولم يدر أدخل اللبن في حلقه أم لا؟ فإنه لا يحرم  .


القاعدة رقم (61): الكتاب كالخطاب

معنى القاعدة: هو ما يتم من العقود بواسطة الإقرار بالكتابة يكون كالإقرار باللسان، فإذا تم عقد بواسطة الكتابة بين رجلين كل منهما في بلد فيعتبر الإقرار بالكتابة كالإقرار باللسان، ولكن بشرط أن تكون المكاتبة سالمة من شبهة التزوير. فالبيان بالكتاب بمنزلة البيان باللسان.

تطبيقاتها: 

أ- لو أثبت المديون أن الدائن كتب على قرطاس بخطه أن الدين الذي لي على فلان أبرأته عنه صح ويسقط الدين، لأن الكتابة المرسومة المعنونة كالنطق، وإن لم يكن كذلك لا يصح الإبراء ولا دعوى الإبراء.

ب-إذا كانت الكتابة في العقود التي تتوقف على علم الآخر ورضاه، كالبيع والإجارة والشركة والزواج، فلا تأخذ الكتابة مفعولها من بدء الكتابة، بل من بدء وصول الكتاب، ووقت قراءته، وعندها يعتبر الموجب والقابل، فيعتبر مجلس بلوغ الكتاب، ولا يظهر أثر الخط إلا على القبول.

ج - وكذا الحكم في الكتابة في التفويض بالطلاق، فإنه يقتصر على المجلس، وبعتبر فيه مجلس بلوغ الكتاب 

د - إذا كان التصرف يتوقف على العلم فقط كالوكالة فلا يظهر تقييده بالمجلس، ويكفي فيه الاطلاع على ما في الكتاب.

هـ-من أراد أن يخطب امرأة وبتزوجها فكتب إليها بالخطبة والزواج، فإذا بلغ المرأة الكتاب، وأحضرت الشهود، وقرأته عليهم، وقالت: زوجت نفسي منه، انعقد النكاح وصح


القاعدة رقم (62): الإشارة المعهودة للأخرس كالبيان باللسان 

معنى القاعدة: لما كان الأخرس لا يستطيع التكلم، جعلوا إشارته المعهودة أي المعلومة كالبيان باللسان، لئلا يحرم من الحقوق المدنية وإنشاء التصرفات القولية المختلفة، وقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أخبر بالإشارة بقوله: ((الشهر هكذا وهكذا وهكذا، وخنس إصبعه في الثالثة، يعني تسعاً وعشرين، وثلاثين)) متفق عليه. ويشترط لصحة اعتبار إشارة الأخرس أن تكون مفهومة ومعهودة يفهمها كل من وقف عليها كالتحريك برأسه طولاً للموافقة وعرضاً للرفض.

تطبيقاتها: 

أ-ينعقد البيع بالإشارة المعروفة للأخرس، وأما الإشارة من الناطق فلا ينعقد بها البيع لأن الإشارة لاتعتبر بحقه.

ب- إشارة الأخرس في النكاح، والطلاق، والعتاق، والبيع، والإجارة، والهبة، والرهن، والإبراء، والإقرار، والنكول، والقصاص في إحدى الروايتين معتبرة.

المستثنى: 

أ - لا تقبل إشارة الأخرس في الحدود؛ لأنها تدرأ بالشبهات.

ب - لا تقبل إشارة الأخرس في الشهادة؛ لأنها تعتمد على لفظ أشهد.

ج - لا تقبل إشارة الأخرس في القصاص في إحدى الروايتين.

د - يشترط لقبول إشارة الأخرس في الطلاق أن تكون مقرونة منه بتصويت.


القاعدة رقم (63): يقبل قول المترجم مطلقا 

معنى القاعدة: إن الحاكم إذا كان لا يفهم لغة الخصمين والشهود فيحكم ويستشهد بواسطة الترجمان الحاذق العالم بأسرار اللغتين، ويقبل قوله مطلقا في الحدود وغيرها.

قال الامام ابن قدامة المقدسي: (قال الحنابلة لا تقبل الترجمة إلا من عدلين، وبهذا قال: الشافعي وعن أحمد، رواية اخرى أنها تقبل من واحد، وتجوز ترجمة المرأة العدل عند الحنابلة) . ومعنى الإطلاق الوارد في القاعدة أنه يقبل قول المترجم في جميع أنواع الدعاوى والبينات، رجلاً كان أو امرأة. والترجمان مؤتمن، وقوله حجة إذا توفرت شروطه، وشرائط المترجم هي: 

1 - يشترط أن يكون المترجم في الحدود والقود رجلاً، فلو كان امرأة لا يقبل، زيادة في الاحتياط.

2 - يشترط أن يكون المترجم مطلقاً، ولو في غير الحدود، عدلاً، غير فاسق، فلو كان فاسقاً لا يقبل، لأن الفاسق غير مؤتمن، ولو كان أكثر من واحد، وكذا لو كان مستور الحال، فإن خبره - كخبر الفاسق - لا يقبل، وإن كان متعدداً إلا في عشر مسائل، يكتفى فيها بأحد شطري الشهادة: العدد والعدالة، فيقبل فيها خبر المستورين كفاسقين، وهي: عزل الوكيل، وعزل المتولي، وعزل القاضي، وحجر المأذون، وفسخ الشركة، وإخبار البكر بالنكاح، وإخبار الشفيع بالبيع، وإخبار المسلم الذي لم يهاجر بالشرائع، وأخبار المشتري بالعيب، وإخبار السيد بجناية عبده، فلو أخبر بهذه واحد عدل، أو اثنان ولو فاسقين يقبل.

3 - أن يكون عارفاً باللغتين المترجم عنها، والمُترْجَم لها معرفة كافية؛ ليكون مأمون الخطأ والخلط.

4 - أن يكون الحاكم غير عالم بلغهَ الخصوم، أو الشاهدين لدى الاستشهاد، فلو كان الحاكم يعلم لغة الخصوم والشهود فلا يقبل قول المترجم.

5 - أن يكون المترجم بصيراً، لأنه لو كان أعمى لا يؤمن عليه اشتباه النغمات، فلا تفبل ترجمته عند أبي حنيفة، خلافاً لأبي يوسف .


القاعدة رقم (64): لاعبرة بالظن البين خطؤه

معنى القاعدة: لا يعتد بالظن الظاهر خطؤه ولا يلتفت إليه، ويبطل الحكم الذي بني عليه.

تطبيقاتها: 

أ- لو دفع المدين الدين، ثم دفعه عنه وكيله، أو كفيله، جاهلاً أداء الأصيل، وكذا العكس، يسترد الدافع الثاني ما دفع، وأن كل من دفع شيئاً على ظن وجوبه.أو صالح عن حق مدعى به عليه، ثم تبين أن لا حق عليه، ولم يكن أقرَّ به، فله استرداد ما دفع، أما إذا كان الدفع لا على ظن الوجوب بل بقصد التبرع والصدقة، فإنه يجري عليه حكم الهبة والصدقة، ولو كان الدفع لا على سبيل التمليك كان وديعة فيسترد، لأن الأمور بمقاصدها .

 فكل من دفع ما ليس بواجب عليه على ظن وجوبه، فله استرداده قائماً، أو استرداد مثله أو قيمته هالكاً كالأمثلة السابقة، وكذا لو دفع الكفيل الدَّين، ثم تبين له فساد الكفالة فإنه يرجع بما دفع، وذلك كما لو كان لاثنين على آخر دين مشترك، فكفل أحدهما لصاحبه نصيبه من الدين لم تجز تلك الكفالة، فلو دفع نصيب صاحبه فإنه يرجع عليه، وكذا لو كفل وكيل البيع الثمن لموكله لم تجز تلك الكفالة، فلو دفع الثمن لموكله، رجع عليه به.

ب- لو أقر بطلاق زوجته ظانا وقوع الطلاق بناء على إفتاء المفتي؛ فتبين عدم وقوعه لم يقع ديانة.

ج- لو ظن أن عليه دينا؛ فظهر خلافه رجع بما أدى.

د- لو أتلف مال غيره يظنه ماله؛ ضمن.

هـ-لو تكلمت زوجته فقال: هذا كفر وحرمت علي، ثم تبين أن ذلك اللفظ ليس بكفر لا تحرم عليه.

استثناءات من هذه القاعدة: 

 أ- باع شخص حيواناً من آخر، فطلبه جاره بالشفع، فظن المشتري أن الشفعة تجري في المنقول كما في غيره، وسلم الحيوان للشفيع برضاه واختياره، فليس له بعد ذلك، إذا اطلع على خطئه، استرداد الحيوان، لأنه بتسليمه المبيع يكون قد عقد بينه وبين ذلك الرجل عقداً جديداً.

 ب- لو أعطى زكاته من ظنه مصرفاً لها ثم تبين أنه غنى أو أنه ابنه، أجزأه عند أبي حنيفة ومحمد وجمهور الفقهاء، ولم يجزئه عند أبي يوسف، ولكن لو تبين أنه عبده أو مكاتبه أو حربي لم يجزئه اتفاقاً .

 ج- لو صلى في ثوب وعنده أنه نجس فظهر أنه طاهر، أعاد الصلاة. وكذلك لو صلى وعنده أنه محدث ثم ظهر أنه متوضئ، أعاد كذلك، ولو صلى الفرض وعنده أن الوقت لم يدخل فظهر أنه كان قد دخل، لم يجزئه ووجب عليه إعادة الصلاة، إذا رأى المتيمم ركباً فظن أن معهم ماء توجه عليه الطلب.

 د- لو خاطب امرأته بالطلاق وهو يظنها أجنبية أو عبده بالعتق، وهو يظنه لغيره نفذ طلاقه وعتقه، ولا عبرة بخطأ ظنه في كل هذه المسائل.

هـ- ما لو دخل رجل الحمام وقال للحمامي: احفظ الثياب، فخرج ولم يجد ثيابه، فقال الحمامي: إني رأيت أحداً رفع ثيابك إلا أني ظننت أن الرافع أنت، لا يضمن، إذ لم يترك الحفظ لما ظن أن الرافع هو.

القاعدة رقم (65): لا حجة مع الاحتمال الناشئ عن دليل

المقصود بالحجة هو البرهان، والدليل كما عرفه الإمام ابن حجر: (ما يرشد إلى المطلوب، ويلزم من العلم به بوجود المدلول، وأصله في اللغة؛ من أرشد قاصدا مكان ما إلى الطريق الموصل إليه) .

معنى القاعدة: ليس من البرهان المقبول ولا الاحتجاج المسموع الذي تثبت به الحقوق والادعاءات؛ إذا تطرق إلى هذا البرهان أو الاحتجاج احتمال وجود ما ينقضه أو يضعفه، إذا كان هذا الاحتمال ناشئ عن دليل مقبول، فإن عري الاحتمال عن الدليل كان مجرد وهم ولا عبرة بالوهم، كما سيأتي في القاعدة الأخرى وهذه القاعدة عبر عنها البعض بقوله: (إذا تطرق الاحتمال إلى الدليل بطل الاستدلال به).

تطبيقاتها: 

أ-لو أقر رجل لأحد ورثته بدين فإن كان في مرض موته، لا يصح ما لم يصدقه باقي الورثة، وذلك لاحتمال كون المريض قصد بهذا الإقرار حرمان سائر الورثة مستندا إى دليل وقوعه في المرض بخلاف لو أقر به بحالة صحته.

ب-ما لو باع المريض (مرض الموت) ماله من وارثه، ولو بأضعاف قيمته، لم يجز عند أبي حنيفة، إلا أن يجيز الورثة، لأنه متهم، لجواز أنه أراد إيثاره على سائر الورثة بعين من أعيان ماله  ، ومنه: ما لو أقر المريض لامرأته بأنه كان طلقها في صحته وانقضت عدتها، وصدقته المرأة، ثم أوصى لها بوصية، أو أقر لها بدين، ثم مات، فلها الأقل من الميراث ومبلغ الوصية أو الدين المقر به عند أبي حنيفة، لدليل احتمال التهمة في إقراره.

ج- لا تقبل شهادة الزوجين، وشهادة الأصول والفروع بعضهم لبعض لاحتمال الميل الناشئ عن القرابة، ولا تقبل شهادة الأجير الخاص لمستأجره، لتمكن التهمة الناشئة عن علاقة قد تدفع إلى تحزب مريب يجب أن تتجرد الشهادة عنه.

د- لو كان رجلان في سفينة بها دقيق، فادعى كل واحد السفينة وما فيها، وأحدهما يعرف ببيع الدقيق، والآخر يعرف بأنه ملاح، فالدقيق للذي يعرف ببيعه، والسفينة لمن يعرف بأنه ملاح، عملاً بالظاهر.


القاعدة رقم (66): لا عبرة للتوهم

معنى القاعدة: إن الأحكام الشرعية لا تبنى على الشك، وكذلك فإنها لا تبنى على الوهم من باب أولى، لأن الوهم لا أساس له أصلا فإنه مجرد خاطر ذهني، فلا يجوز الالتفات إليه ولا يؤثر على الحكم الشرعي. ولا تكرار بين هذه القاعدة وقاعدة (لا عبرة بالظن البيِّن خطؤه)؛ لأن الظن هو: إدراك الطرف الراجح، والوهم: إدراك المرجوح.

تطبيقاتها: 

أ- إذا كان لواحد شباك أعلى من قامة الإنسان، فليس لجاره أن يكلفه سده لاحتمال أنه يضع سلما وينظر إلى مقر نساء ذلك الجار.

ب- إذا جرح شخص آخر ثم شفي المجروح من جرحه تماما وعاش، ثم توفي فادعى ورثته بأنه من الجائز أن يكون والدهم مات بتأثير الجرح فلا تسمع دعواهم، لأنها من قبيل التوهم فلا عبرة فيه.

ج- وكذلك لو كان للدار المبيعة شفيعان، غائب وحاضر، وطلب الحاضر الشفعة، فإنه يقضى له بها عند تحقيقها، ولا يتأخر حقه لما عساه يحدث من طلب الشفيع الآخر عند حضوره، لأنه موهوم.

د- لو أثبت الورثة إرثهم بشهود، وانحصار الإرث بهم، وقالوا: لا نعلم له وارثاً غيرهم، فيقضى لهم بالإرث، ولا عبرة لاحتمال ظهور وارث آخر يزاحمهم؛ لأن ذلك موهوم فلا يعوق القضاء.

ه- إذا شهد الشهود الثقات المعدلون على أحد بحق وجب الحكم بشهادتهم فوراً، ويفسق الحاكم بتأخيره، ولا عبرة لاحتمال خطئهم أو كذبهم؛ لأنه من المحتمل كذب الشهود والمعدلين.لأن هذا الاحتمال مجرد توهم لا دليل عليه.

و- لو اشتبهت عليه القبلة، فصلى إلى جهة بدون تحرٍ واجتهاد، لا تصح صلاته، لابتنائها على مجرد الوهم، بخلاف ما لو تحرى وصلى مع غلبة الظن فإنه تصح صلاته وإن أخطأ القبلة.

ز- إذا ولدت المرأة ونفست، ثم طهرت قبل الأربعين، اغتسلت وصلت بناء على الظاهر؛ لأن معاودة الدم موهوم، فلا يترك المعلوم بالموهوم.

المستثنى: 

أ- ما لو انهدم بناء الدار المأجورة كله فإن الإجارة لا تبطل وإن سقطت الأجرة، لأن توهم الفائدة بإعادة البناء ثابت، حتى لو بناها المؤجر والمدة باقية لم تنقض بعد ظهور فائدتها ولزمت المستأجر الأجرة لما بقي من المدة.

ب- لو دفع المشتري من الفضولي الثمن له على رجاء إجارة المالك، ثم أراد استرداده منه لم يملك استرداده قبل أن يفسخ المالك البيع، فيمنع من استرداد الثمن مع أن الإجازة موهومة الحصول.


 القاعدة رقم (67): الثابت بالبرهان كالثابت بالعيان

معنى القاعدة: إن الثابت بالبرهان والدليل الشرعي؛ كالثابت بالمشاهدة الحسية. والمراد بالبرهان: الأدلة القضائية التي تسمى: البيّنات، أي أن ما ثبت لدى القاضي في مجلس القضاء بالبينة من الحوادث الشرعية يعتبر أمراً واقعاً كأنه محسوس شاهد بالعيان، فيقضي به اعتماداً على هذا الثبوت، وإن كان هناك احتمال خلافه بسبب من الأسباب، ككون الشهود كذبة متسترين بالصلاح، أو نحو ذلك من الاحتمالات؛ لأن كل هذه الاحتمالات تبقى فىِ حيز الموهومات بالنسبة للبينة الظاهرة، ومن القواعد الفقهية أنه (لا عبرة للتوهم) وإن مهمة القضاء البناء على ما يظهر ويثبت، وليس القاضي مكلفاً باكتناه الحقائق من الواقع فإن هذا ليس في طاقته.

أدلة هذه القاعدة: 

أولاً من القرآن الكريم: قوله تعالى: واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجلٌ وامرأتان ممن ترضون من الشهداءِ (البقرة: آية 282)، وقوله تعالى: شهادةُ بينكم إذا حضر أحدكم الموتُ حين الوصية اثنان ذوا عدلٍ منكم (المائدة: آية 106).

ثانياً من السنة: قوله صلى الله عليه وسلم: ((البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه)) ، وقوله عليه الصلاة والسلام: ((إنما أنا بشر، وإنكم لتختصمون إلي وعسى أن يكون بعضكم ألحن بحجته من الآخر، فأقضي له على نحو ما أسمع)) .

ووجه الدلالة من الآيتين والحديثين: 

 أن البينة لو لم تكن حجة وقائمة مقام المعاينة لما أمر الله عز وجل بالاستشهاد، ولما أمر رسوله عليه الصلاة والسلام بالبينة واليمين، ولما قضى عليه الصلاة والسلام بهما، فدل كل ذلك على أن الثابت بالدليل قائم مقام الثابت بالمشاهدة؛ وذلك تيسيراً على العباد وضماناً لعدم ضياع الحقوق لو لم يقبل إلا المعاينة والمشاهدة.

تطبيقاتها: 

 إذا ثبت الدين للمدعي به بالبينة العادلة أو ثبت بها التصرف من بيع أو كفالة أو غيرهما، فإنه يحكم بموجب ما ثبت بهذه البينة كما لو ثبتت هذه التصرفات بالمشاهدة الفعلية الحسية.

المستثنى: 

 إذا أنكر المدعى عليه المال وحلف بالطلاق على ذلك، فأقام المدعي شاهدين شهدا بإقراضه له لم يحنث، ووجه الفرق أنه بالشهادة على الإقراض لم يتحقق قيام الدين حين الحلف، كما يعلم من المحل المذكور. 

القاعدة رقم (68): البينة على المدعي واليمين على من أنكر

البينة هي: ما يبيّن الحق ويظهره، وتطلق فقهاً على الشهادة، ويكلف بها المدعي، أما اليمين بالله تعالى فتكون على المنكر المدعى عليه.

 وأصل هذه القاعدة: 

 ما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((لو يعطى الناس بدعواهم، لاَدَّعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه)) وفي رواية ((ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر)) ، القاعدة المستمرة أن الإنسان بريء الذمة من وجوب شيء أو لزومه، وكونه مشغول الذمة خلاف الأصل، ولأن الأصل براءة ذمة الإنسان، فالمتمسك بالبراءة متمسك بالأصل، والمدعى متمسك بخلاف الأصل، ولذلك لا يقبل في دعوى شغل الذمة شاهد واحد ما لم يعتضد بشاهد آخر أو يمين المدعى عليه، ولذلك كان القول للمدعى عليه مع يمينه عند عدم البينة لأنه متمسك بالأصل.

 وتعليل ذلك أن المتمسك بالأصل متمسك بالظاهر، والمتمسك بخلاف الأصل متمسك بخلاف الظاهر، وكل من يتمسك بخلاف الظاهر ويريد إثبات أمر عارض فهو مدَّع والمدعي تجب عليه البينة كما نص الحديث لأنه مثبت. وكل من يتمسك بالظاهر منكر للأمر العارض فهو مدّعى عليه فعليه اليمين لأنه نافٍ ولا سبيل لإقامة البينة على النفي، ويكون تحليف المدعى عليه المسلم بالله تعالى إذ لا يجوز الحلف بغير الله تعالى وإذا كان المدعى عليه نصرانيا قال في حلفه والله الذي أنزل الإنجيل على عيسى وإن كان يهوديا قال في حلفه والله الذي أنزل التوراة على موسى وإذا كان مجوسيا قال في حلفه والله الذي خلق النار.

تطبيقاتها: 

أ- المرأة إذا طلبت من القاضي أن يفرض لها نفقة في مال الزوج الغائب، فإن القاضي يحلفها بالله تعالى ما أعطاك نفقتك حين خرج ولم يترك لك مالا ولم يطلقك.

ب- اختلفا في قيمة المتلف، حيث تجب قيمته على متلفه كالمستعير، والمستلم والغاصب، والمودع المتعدي، فالقول قول الغارم، مع يمينه لأن الأصل براءة ذمته مما زاد، لو أقر شخص بشيء أو حق قُبِل تفسيره بماله قيمة، والقول للمقر مع يمينه.


القاعدة رقم (69): البينة لإثبات خلاف الظاهر واليمين لإبقاء الأصل

معنى القاعدة: إن الذي يدعي خلاف الظاهر والأصل لا يصدق بدون بينة تشهد له، وأما الذي يتمسك بأصل مشهود له فيصدق بيمينه لإبقاء هذا الأصل.

تطبيقاتها: 

أ-لو ادعى رجل دينا على آخر وجب عليه إثباته بالبينة المعتبرة، لأنه يدعي خلاف الأصل وهي براءة الذمة، وأما المدعى عليه المنكر فإنه يتمسك بهذا الأصل الظاهر فيصدق بيمينه لإبقاء هذا الأصل.

ب- ادعى إضافة الحادث إلى أبعد أوقاته فعليه البينة؛ لأن ذلك خلاف الأصل، فإن الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته، ادعى عدم بقاء ما كان، فعليه البينة، لأن ذلك خلاف الأصل، فإن الأصل بقاء ما كان على ما كان.

ج - ادعى وجود الصفات العارضة، فعليه البينة، لأن ذلك خلاف الأصل، فإن الأصل عدم وجود الصفات العارضة.

د - ادعى شغل الذمة، فعليه البينة، لأن ذلك خلاف الأصل، فإن الأصل براءة الذمة، فلا يحكم بخلاف الأصل إلا بالبينة.

ه - لوكان الأصل في الأشياء الخصوص كالوكالة والعارية، فادعى العموم، فإنه لا يحكم فيها بخلاف الأصل إلا بالبينة.

و - لو كان الأصل في العقود العموم كالمضاربة، والشركة، فادعى الخصوص، فإنه لا يحكم فيها بخلاف الأصل إلا بالبينة.

ز - تمسك أحد المتخاصمين بما هو الأصل، وعجز الآخر عن إقامة البينة على ما ادعاه من خلافه فيكون القول قول من يتمسك بالأصل مع يمينه.

المستثنى: 

 ما لو ادعى المودع رد الوديعة أو هلاكها، فالقول قوله، مع أن كلاً من الرد والهلاك عارض والأصل عدمه. وما لو اختلف في الصحة والمرض، فالقول قول من يدعي المرض، والبينة بينة من يدعي الصحة ، مع أن المرض عارض والأصل الصحة، ومنها: ما لو اختلف في العقل والجنون، فالقول قول من يدعي الجنون، والبينة بينة من يدعي العقل، ومنها ما لو اختلف في القدم والحدوث فالقول قول من يدعي القدم، والبينة بينة مدعي الحدوث.

القاعدة رقم (70): البينة حجة متعدية والإقرار حجة قاصرة

معنى القاعدة: الإقرار حجة على المقر فقط فلا يسري حكمه إلى غيره، وأما البينة فهي: حجة على من قامت عليه وعلى غيره أيضا، وإنما كان الإقرار حجة على نفس المقر فقط لأنه حجة يبتني على زعمه وزعمه ليس حجة على غيره.

تطبيقاتها: 

أ- لو اشترى أحد شيئا فاستحقه منه غيره بالحكم الشرعي، فإن كان استحقه بإقرار المشتري فليس للمشتري الرجوع على بائعه بالثمن لأن إقراره لا يسري على البائع، ولكن لو استحقه بالبينة رجع على بائعه بالثمن لأن حكمها أي البينة سرى عليه أيضا.

ب- لو أقر الراهن بالمرهون لرجل فلا ينفذ إقراره على المرتهن، بل لا بد للمقر من إقامة البينة بوجه الراهن والمرتهن.

ج- من أقر بدين مشترك عليه وعلى غيره فإن إقراره هذا ينفذ في حق نفسه فقط، فيؤاخذ به في ماله ولا يتعداه إلى شريكه ما لم يصدقه أو تقوم البينة، وأما إذا قامت البينة بشهادة الشهود على أن زيداً من الناس أقرض فلاناً وفلاناً مالاً أو ضار بهما معاً، فإن المؤاخذة على الاثنين فيطالبان معاً برد المال.

المستثنى: 

 خرج عن هذه القاعدة مسائل يتعدى فيها الإقرار على غير المقر منها: ما لو أقر المؤجر بدين لا وفاء له إلا ببيع العين المأجورة، فإن الإجارة تفسخ ويباع المأجور لوفاء الدين ومنها ما لو كان شيء في يد رجل فادعاه اثنان بالشراء منه، كل على حدة، أو ادعى كل منهما أنه رهنه منه وسلمه إياه، أو ادعى أحدهما الشراء والآخر الرهن، أو ادعى أحدهما الإجارة والآخر الشراء، أو أحدهما الصدقة مع القبض والآخر الشراء، أو ادعى كل منهما الإجارة، ولا بينة في جميع ذلك، فأقر ذو اليد لأحدهما يمنع الآخر بمجرد إقراره للأول ولا يستحلف له، ومنها: ما لو أقر الأب على ابنته البكر البالغة بقبضه مهرها من زوجها، فإنه حجة عليها، وتبرأ به ذمة الزوج ، ومنها: ما لو أقر اثنان من الورثة بولد للمتوفى فإنه يثبت نسبه في حق غيرهم من الورثة، وفي حق الناس كافة، ولا يحتاج في ذلك للفظ الشهادة ولا لمجلس القضاء على الأصح.


القاعدة رقم (71): المرء مؤاخذ بإقراره

الإقرار هو: الاعتراف بحق الغير على نفس المقر.

معنى القاعدة: إن المقر يؤاخذ بموجب إقراره ويطالب بما أقر به إذا ما توفرت شروط صحة الإقرار، وهي كما بينها العلماء؛ أن يكون المقر عاقلا بالغا مختارا غير متهم بإقراره، وأن يكون المقر به لا يستحيل عقلا ولا شرعا، كما لو أقر بأن زيدا أقرضه ألف دينار في اليوم الفلاني وتبين أن زيدا قد مات قبل هذا اليوم بزمن بعيد، أما ما يستحيل شرعا كما لو مات شخص عن ابن وبنت، وأقر الابن بأن الميراث بينهما بالسوية فهذا باطل لمخالفته الشرع، ويشترط في المُقر أن يكون عاقلاً بالغاً، فلا يصح إقرار الصغير والصغيرة والمجنون والمجنونة والمعتوه والمعتوهة. كما يشترط رضا المقر فلا يصح الإقرار الواقع بالجبر لأنه لا إقرار مع الإكراه.

هل يقبل رجوع المقر؟

 لو أقر زيد لعمرو بمبلغ معلوم من المال ديناً عليه، ثم ادعى الغلط أو الخطأ، هل يقبل رجوعه؟ قالوا: لا يقبل رجوع المقر عن إقرار لأنه تكذيب لنفسه، إلا إذا كان مكذباً شرعاً أو كان الإقرار بمحال أو كان الإقرار بحق لله تعالى كالزنا، فلو ادعى المشتري الشراء بألف والبائع بألفين وأقام البينة، فإن الشفيع يأخذها بألفين، لأن قضاء القاضي تكذيب للمشتري في إقراره. لو أقر بقتل إنسان ثم تبين حياته، أو بقطع يد ثم تبين سلامتها، فإقراره غير مقبول لأنه يكذبه ظاهر الحال، لو أقر على نفسه بالزنا ثم أكذب نفسه يعتبر رجوعاً ولا يقام عليه الحد  ؟

وأما دليل القاعدة: 

 فهو قوله تعالى:  يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم  (النساء: 135)، ومن السنة إقرار ماعز والغامدية بالزنا وإقامة الحد عليهما، وأجمع العلماء أن الإقرار حجة على المقر لأن العاقل لا يقر على نفسه بشيء لغيره إلا وهو صادق في إقراره.

تطبيقاتها: 

أ - لو أقرت امرأة بالزوجية لرجل لا مانع من اقترانهما، صح هذا الإقرار وترتب عليه الأحكام الشرعية. 

ب- إذا ادعى مشتري العقار أنه اشتراه بألف مثلاً، وأثبت البائع أن الشراء كان بألفين وقضى له، فإن الشفيع يأخذه بألفين وإن كان المشتري أقر بالشراء بألف، لأنه لما قضى عليه بالبينة صار مكذباً بحكم الحاكم وبطل إقراره، وكذا إذا كان المقر به محالاً من كل وجه، عقلاً، أو شرعاً: 

 فالأول: كما إذا أقر له بأرش يده التي قطعها وهي قائمة.

والثاني: كما إذا أقر لوارث معه أنه يستحق بطريق الإرث أكثر من حصته الشرعية كان باطلا، وكما لو أقر بالدين بعد أن قبل إبراء الدائن منه كان باطلاً.

القاعدة رقم (72): لا حجة مع التناقض ولكن لا يختل معه حكم الحاكم

معنى القاعدة: لو رجع الشاهدان عن شهادتهما لا تبقى شهادتهما حجة، أما لو كان القاضي قد حكم بما شهدوا به أولا لا ينقض ذلك الحكم وإنما يلزم الشاهدين ضمان المحكوم به، فالحكم يمضي استقرارا للأحكام ولكن يحمل الشاهدان مسؤولية رجوعهما عن شهادتهما سواء كانت مسؤوليتهما مالية لما سبباه من ضرر للمحكوم عليه أو مسؤولية جزائية إذا أقر بأن شهادتهما كانت شهادة زور فرجعا عنها، كما حكم بذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

تطبيقات: 

أ-لو أقر أحد بأنه استأجر داراً، ثم ادعى أنها ملكه، فإن دعواه لا تسمع، لأن التناقض وقع في الدعوى فترد ابتداء، ولا تسمع حتى يمكن التوصل لإقامة الحجة عليها، إلا إذا كان التناقض يمكن رفعه، مثل إذا دفعه، كأن قال: كنت مستأجراً ثم اشتريتها تسمع دعواه.

ب-لو ادعى على آخر ألفاً ثمن مبيع، فشهد الشهود بأنه قرض، أو ادعى ملك الشيء بالإرث من والده، فشهدوا أنه ملكه بالإرث من أمه، أو ادعى بألف قرش ذهباً، فوافق أحد الشهود وخالف الآخر فشهد أنها ألف فضة، ونحو ذلك، فإن البينة في جميع ذلك لا تعتبر للتناقض بين الشهادة ودعوى المدعي.

الاستثناء: 

أ-لو استأجر داراً، ثم بعد الاستئجار علم أنها منتقلة إليه بالإرث، وادعى بذلك، فإن دعواه تسمع، لأن هذا التناقض من محلات الخفاء.

ب- لو اختلعت من زوجها على بدل دفعته له، ثم ادعت أنه كان طلقها قبل الخلع ثلاثاً مثلاً، فبرهنت على ذلك، تقبل بينتها، وتسترد البدل، وهذا بخلاف ما لو ادعى نكاحها، فأنكرت، فصالحها على بدل على أن تقر بالنكاح، ثم وجد بينة على النكاح الأولى المدعى، لا يرجع بالبدل، لأنه كزيادة في المهر .

القاعدة رقم (73): الخراج بالضمان

معنى القاعدة: الخراج ما خرج من الشيء فخراج الشجر ثمره وخراج الحيوان نسله، وما خرج من الشيء من عين ومنفعة وغلة فهي للمشتري عوض ما كان عليه من ضمان الملك، فإنه لو أتلف المبيع كان من ضمانه فالغلة له ليكون الغنم في مقابلة الغرم.

أصل القاعدة: ما روي عن أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها): أن رجلا اشترى عبدا فاستغله ثم وجد به عيبا فرده، فقال: يا رسول الله إنه قد استعمل غلامي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((الخراج بالضمان)) .

تطبيقاتها: 

أ- لو رد المشتري حيوانا بخيار العيب، وكان قد استعمله مدة، لا تلزمه أجرته لأنه لو كان قد تلف في يده قبل الرد لكان من ماله أي أن خسارته كانت راجعة عليه.

ب- الزيادة المنفصلة غير المتولدة من الأصل كالكسب والغلة، لا تمنع الرد بالعيب وتسلم للمشتري ولا يضر حصولها له مجانا، لأنها لم تكن جزءا من المبيع فلم يملكها بالثمن وإنما ملكها بالضمان.

ج- ما لو استأجر داراً مثلاً ببدل، ثم آجرها بأكثر منه من جنس ذلك البدل، فإن الزيادة لا تطيب له إلا إذا أصلحها بإحداث ما تشاهد عينه فيها، كبناء وتجصيص، وجعل الخصاف كري النهر من ذلك، بخلاف كنس الدار وإلقاء التراب من الأرض وإن تيسرت الزراعة فيها.

د- وإذا رد المشتري حيواناً أو سيارة، أو داراً بخيار العيب بعد قبضه واستعماله غير عالم بالعيب، وكان قد استعمل المشتري مدة، بنفسه أو آجره من غيره وقبض أجرته، لا يلزم رد ذلك للبائع معه لكونه في ضمان المشتري، لأنه لو كان تلف في يده قبل الرد لكان تلفه عليه ومن ماله، أما لو كان المشتري عالماً بالعيب واستعمل المبيع بعد إطلاعه عليه فيسقط خياره ولا يحق له الرد.

ه - لو وهب شخص لآخر عيناً فاستعملها، أو استغلها أوأجرها، بعد قبوله وقبضه، ثم رجع الواهب عن هبته، فالغلة والخراج والثمرة للموهوب له.

إستثناء: 

أ- خرج عن هذه القاعدة مسألة وهي: ما لو أعتقت المرأة عبداً فإن ولاءه يكون لابنها، ولو جنى هذا العبد جناية خطأ فالعقل (أي الدية) على عصبة المرأة لا على ابنها، فعصبة المرأة هنا عليهم العقل ولا ميراث لهم بوجود الابن. وأصل هذا الحكم الأثر الذي أورده الزيلعي: أن علي ابن أبي طالب والزبير بن العوام (رضي الله عنهما) اختصما إلى عثمان بن عفان (رضي الله عنه) في معتق صفية بنت عبد المطلب عمة علي وأم الزبير، حين مات، فقال علي (رضي الله عنه): هو مولى عمتي فأنا أحق بإرثه لأني أعقل عنه وعنها، وقال الزبير: هو مولى أمي فأنا أرثها وكذا أرث معتقها، فقضى عثمان بالولاء للزبير وبالعقل على علي رضي الله عن الجميع .

ب- مستأجر العين الذي يفرط فيها، فتضيع، فإنه يضمنها. 


القاعدة رقم (74): الأجر والضمان لا يجتمعان

 الأجر هو: ثمن المنفعة، والضمان هو: إعطاء مثل الشيء إن كان مثليا وقيمته إن كان قيميا.

معنى القاعدة: إن ما يجب فيه ضمان لا يجب أجره لأن الضمان يقوم مقام الأجرة، والأجر هو: بدل المنفعة والضمان، وهو الغرامة لقيمة الشيء أو نقصانه ، لا يجتمعان إذا اتحدت جهتهما، لأن الضمان إنما يكون بسبب التعدي، والتعدي على مال الغير غصب له أو كالغصب، ومنافع المغصوب غير مضمونة، لأن المنافع معدومة، وعند وجودها فهي أعراض غير باقية، وإنما تقوم بعقد الإجارة على خلاف القياس لمكان الحاجة الضرورية إليها، وعقد الإجارة لا يبقى مع صيرورة المستأجر ضامناً، بل يرتفع، إذ لا يمكن اعتباره مستأجراً أميناً وغاصباً ضميناً في آن واحد، لتنافي الحالتين.

تنبيه: 

 وهذه القاعدة عند الحنفية فقط، وعند غيرهم لا اعتبار لهذه القاعدة، ويجتمع الأجر والضمان، كالغاصب الذي انتفع بالمغصوب وهلك، فإنه يضمنه وعليه الأجرة، وأما عند الحنفية فالضمان يكون بسبب التعدي، والتعدي على مال الغير غصب له، أو كالغصب، ومنافع المغصوب عندهم غير مضمونة، لأن المنافع معدومة، وعند وجودها فهي أعراض غير باقية، وإنما تقوَّم بعقد الإجارة على خلاف القياس لمكان الحاجة الضرورية إليها، وعقد الإجارة لا يبقى مع صيرورة المستأجر ضامناً، بل يرتفع، إذ لا يمكن اعتباره مستأجراً أميناً، وغاصباً ضميناً في آن واحد، لتنافي الحالتين .

تطبيقاتها: 

 من استأجر شيئا ثم أتلفه بتعد منه أو تقصير ضمن ما أتلفه بالمثل أو بالقيمة ولا أجرة عليه، فلو استأجر دابة إلى محل معين فتجاوز بها ذلك المحل وهلكت لزمه الضمان ولا أجرة عليه.

الاستثناء: 

 استأجر حماراً ليحمل عليه اثنى عشر وقراً من التراب إلى أرضه بدرهم، وله في أرضه لَبِن، فصار كلما عاد يحمل عليه اللبِن، فإذا سلم الحمار في هذه الصورة يجب عليه كل الأجر، ولا مانع من وجوب الأجر مع المخالفة، وهذا خلاف ما عليه الفتوى .


القاعدة رقم (75): الجواز الشرعي ينافي الضمان

معنى القاعدة: إن الشخص إذا استعمل حقه ضمن ما أجازه الشرع، ترفع عنه كل تبعة تجاه الغير، فلا يضمن ولا يتحمل تعويض ما أصاب الغير من الضرر نتيجة استعماله للجواز الشرعي المأذون به، فإن تحمله يعتبر تناقض. وهذه القاعدة تشبه قاعدة الشافعية الآتية: (الرضا بالشيء رضاً بما يتولد عنه) .ولكن بشرط: أن لا يكون ذلك الأمر الجائز مقيدا بشرط السلامة، كما لو رمى الصيد فإنه مأذون فيه بشرط السلامة ، حتى لو أصاب إنساناً فيضمن باتفاق، وأن لا يكون عبارة عن إتلاف مال الغير لأجل نفسه، وذلك لأن الضمان يستدعي سبق التعدي، والجواز الشرعي يأبى وجوده، فتنافيا.

تطبيقاتها: 

أ- من حفر في ملكه، من أرض أو دار، حفرة فوقع بها إنسان أو حيوان، فالحافر هنا غير ضامن؛ لأنه غير متعد، ولكن لو حفر في الطريق حفرة فوقع فيها إنسان، أو حيوان فهو ضامن؛ لأن الحفر في الطريق غير مأذون فيه، ومن استأجر دابة وحمّلها حملاً معتاداً فهلكت لا يضمن لأنه غير متعد، بخلاف ما لو حملها أكثر من المعتاد فإنه يضمن. ومن كسر لمسلم طبلاً أو مزماراً أو قتل خنزيراً فلا يضمن على الأصح؛ لأن فعله بإذن الشرع، ولكن إذا كان هناك حاكم مسلم منفذ لشرع الله، فله تعزيره؛ لافتياته على حق الحاكم في ذلك

ب- وأما ما جاز تركه شرعا لا ضمان عليه فكما إذا امتنع الوكيل بالبيع أو الشراء عن فعل ما وكل به انتظارا لبيع أو شراء أفضل حتى هلك في يده المبيع والثمن أو امتنع المضارب عن العمل في رأس المال انتظارا لفرصة أحسن للعمل حتى هلك في يده فلا ضمان على الوكيل والمضارب لأن امتناعهما جائز شرعا والجواز الشرعي ينافي الضمان.

استثناءات: 

 خرج عن هذه القاعدة مسائل: 

 أ- لو تصدق الملتقط باللقطة فجاء ربها بعد ذلك فله تضمين الملتقط أو الفقير الذي تُصدِّق بها عليه، إذا هلكت اللقطة أو استهلكت، وإلا فله استردادها، مع أن تصرف الملتقط مستند إلى إذن الشرع حيث قال صلى الله عليه وسلم: ((من وجد لقطة فليشهد ذوي عدل، وليحفظ عفاصها ووكاءها، فإن جاء صاحبها فلا يكتم وهو أحق بها، وإن لم يجيء صاحبها فهو مال الله تعالى يؤتيه من يشاء)) . وإنما وجب الضمان هنا؛ لأن أخذ مالِ الغير بلا عقد ولا عوض حرام، فقوبل بالضمان.

ب- أن الوكيل بالشراء له حبس المبيع عن موكله، حتى يقبض منه الثمن، ولكن لو هلك المبيع في يده، والحالة هذه، يلزم الوكيل الثمن. 

ج- إذا ضرب الزوج زوجته ضرباً غير مبرح على امتناعها من التمكين، وأفضى إلى الهلاك، فإنه يضمن بدية شبه العمد، لشرط السلامة.


القاعدة رقم (76): المباشر ضامن وإن لم يتعمد

معنى القاعدة: المباشر هو: الذي يقوم بالأمر بنفسه، فإنه يضمن الضرر الذي يتولد من فعله سواء كان بقصد منه أو بدون قصد.

تطبيقاتها: 

أ- إذا رمى أحد طيرا بسهم أو برصاص فأصاب رجلا فإنه يضمن ديته، لأنه ضامن وإن لم يتعمد الفعل.

ب- إذا زلق واحد فأتلف مال آخر ضمنه، ولو كان قد زلق رغما عنه لأن الإتلاف هنا حدث يفعله المباشر، والمباشر ضامن وإن لم يتعمد، فإن الخطأ يرفع عنه الإثم ولا يرفع ضمان ما أتلفه خطأ.

ج- وما لو سقط من ظهر الحمال شيء فأتلف مال أحد ضمن الحمال، وكذا لو طرق الحداد الحديدة المحماة فطار شررها فأحرق ثوب إنسان مار في الطريق ضمنه الحداد.


القاعدة رقم (77): المتسبب لا يضمن إلا بالتعمد

معنى القاعدة: المتسبب هو: من يسبب تلف الشيء بعمله أمرا يفضي إلى إتلافه فهو لا يضمن إلا إذا كان متعمدا، والسبب في تضمين المباشر مطلقا وتضمين المتسبب عند التعدي أو التعمد هو: أن المباشرة علة وسبب للتلف، أما التسبب فليس سببا مستقلا فاقتضى أن يرافقه صفة عداء ليصلح علة التضمين.

تطبيقاتها: 

أ- لو جفلت دابة واحد من الآخر وفرت فضاعت، لا يلزم الآخر الضمان، أما إذا أجفلها قصدا فإنه يضمن.

ب- لو أتلف أحد مال آخر أو نقص قيمته تسببا يعني لو فعل ما كان سببا إلى تلف مال أو نقصان من قيمته، كان ضامنا.

ج- لو دفع السكين إلى صبي فوقعت من يده فجرحته، أو حفر في غير ما له حق الحفر فيه فتدهور في حفرته حيوان فهلك، أو سقى أرضه سقيا غير معتاد ما ضر بجاره ضمن في كلها لمتعديه.

د- لو قعد إنسان في الطريق للبيع بغير إذن ولي الأمر فتلف بقعوده شيء يضمنه، أما لو كان قعوده بإذن ولي الأمر فإنه لا يضمن، فلو لم يتعد أصلاً، كما لو حفر في محل له حق الحفر فيه، أو سقى سقياً معتاداً فتلف بعمله شيء، أو تعدى ولكن لم يتعمد، كما لو رمى بالبندقية ولم يقصد إخافة الدابة ولكن حصل خوفها أو ساق دابة مخصوصة فانساقت أخرى بجانبها وأتلفت، لا يضمن في الكل، لعدم التعدي أو لعدم التعمد. ولو حفر بئراً أو حفرة في أرضه فدخل حيوان لجاره، وسقط فيه، أو حفر حفرة في الطريق العام بإذن ولي الأمر، وأحاطها بحاجز، فسقط فيها أعمى، أو حيوان، فلا ضمان عليه، لكونه غير متعمد في تسببه.


القاعدة رقم (78): الغرم بالغنم (من له الغنم عليه الغرم).

معنى القاعدة: إن الذي ينتفع بشيء فإنه يتحمل ضرره، وهذه عكس قاعدة (الخراج بالضمان) فإنه من يحصل على منافع شيء يتحمل تكاليفه ومؤنته.

تطبيقاتها: 

أ- إذا حصل للحائط المشترك بين جارين وهن وخيف سقوطه وطلب أحدهما نقضه وامتنع الآخر، فيجبر على النقض والهدم بالاشتراك.

ب- تعمير منزل الوقف المشروط للسكن لا يلزم من غلة الوقف، بل يلزم من له السكن لهم فيتحملون تعميره والظاهر أنهم يتحملون الترميمات التي يحتاجها المنزل من حين لآخر، وليس المقصود بناء أو إعادة بناء منزل الوقف.

ج- مؤنة كري النهر المشترك وتعمير حافاته وتطهير مائه، فإنها على الشركاء فيه بمقابلة انتفاعهم بحق الشرب.

د- وكقيمة ما اتفقوا على إلقائه في البحر من الأمتعة المحمولة في السفينة، إذا أشفت على الغرق من ثقلها، فإنها على ركابها بمقابلة سلامة أنفسهم، وكأجرة صك الشراء وحجج المبايعات، فإنها على المشتري بمقابلة انتفاعه بها، وكأجرة القسام والكيل والوزان، فإنها على الشركاء، لأن نفع ذلك عائد لهم.

ه- إن نفقة رد العارية إلى المعير يلتزم بها المستعير؛ لأن منفعة العارية له، فيغرم نفقة ردها.

و-إن أجرة كتابة صك المبايعة والحجج على المشتري، لأنها توثيق لانتقال الملكية إليه وانتفاعه بها.

ز-يتحمل بيت المال نفقة اللقيط، وهو الطفل المنبوذ المجهول النسب، لأنه تعود تركته إلى بيت المال إذا مات.


ألقاعدة رقم (79): إذا اجتمع المباشر والمتسبب يضاف الحكم إلى المباشر 

معنى القاعدة: 

 إذا اجتمع المباشر للفعل، أي الفاعل له بالذات والمتسبب له، أي المفضي والموصل إلى وقوعه يضاف الحكم إلى المباشر لما تقدم في المادة السابقة، من أن الفاعل هو العلة المؤثرة، والأصل في الأحكام أن تضاف إلى عللها المؤثرة لا إلى أسبابها الموصلة، لأن تلك أقوى وأقرب، إذ المتسبب هو الذي تخلل بين فعله والأثر المترتب عليه، من تلف أو غيره، فعل فاعل مختار، والمباشر هو الذي يحصل الأثر بفعله من غير أن يتخلل بينهما فعل فاعل مختار، فكان أقرب لإضافة الحكم إليه من المتسبب.

تطبيقاتها: 

أ- لو حفر رجل بئرا في طريق عامة، فألقى رجل نفسه في البئر لا ضمان على الحافر، وكذا لو فتح باب غيره فدخل آخر وسرق البيت فالضمان على السارق، لأنه مباشر لا على فاتح الباب لأنه متسبب، إلا إذا اتفقا على ذلك فإنه يعتبر مباشر للفعل وكما لو دل المودع السارق على الوديعة، فإنه يضمن لتركه الحفظ فإن له حكم المباشر والمباشر ضامن وإن لم يتعمد.

ب- ويتفرع على القاعدة ما لو دل سارقاً على مال إنسان فسرقه أو دل آخر على القتل أو قطع الطريق، ففعل فلا ضمان على الدال بل على السارق والقاتل وقاطع الطريق لأنه المباشر، وكذا لو دفع سكيناً إلى صبي مميز ليمسكه له فقتل الصبي به نفسه، فلا ضمان على الدافع المتسبب، لأنه تخلل بين فعله والتلف فعل فاعل مختار، وهو الصبي، لأنه ضرب نفسه باختيار.

المستثنى: 

 خرج عن هذه القاعدة المسألة التالية: لو دل المودع نفسه السارق على الوديعة فسرقها، فإنه يضمن لترك الحفظ، إلا إذا منعه حين الأخذ فأخذها كرهاً فلا يضمن، بخلاف وارث المودع إذا دل السارق عليها فإنه لا يضمن لأنها في يده أمانة محضة لم يلتزم الحفظ فيها، ويظهر أن مثله ما لو ألقت الريح ثوب الجار في داره، فدل السارق عليه، لتصريحهم بأنه أمانة محضة لا التزام للحفظ فيها. 


القاعدة رقم (80): يضاف الفعل إلى الفاعل لا إلى الآمر ما لم يكن مجبرا

معنى القاعدة: انه يضاف الفعل إلى سبب حكمه إلى الفاعل لأن الشرع يبحث عن أفعال المكلفين من حيث ما يثبت لها أحكام لا من حيث ذواتها، لأن الفاعل هو العلة للفعل ولا ينسب الفعل إلى الآمر به، لأن الأمر بالتصرف في ملك الغير باطل إلا إذا كان الفاعل مكرها إكراها ملجئا، فحينئذ ينسب الفعل إلى الآمر لأن الفاعل أصبح كالآلة في يده.

تطبيقاتها: 

 لو أمر إنسان غيره بإتلاف مال أو بقطع عضو محترم أو بقتل نفس معصومة ففعل فالضمان وهو القصاص على الفاعل لا على الآمر، إلا إذا كان الآمر مجبرا ومكرها للفاعل على الفعل فالضمان والقصاص يكونان عليه إذا كان الإكراه ملجئا، وكذلك إذا كان الآمر سلطانا فإن أمره للمأمور يعتبر إكراها.

والضابط في هذه القاعدة وما يصح الاستثناء فيها وما لا يصح هو: كل ما لا يصح فيه الأمر فالضمان على المأمور لا الآمر، وكل موضع يصح فيه الأمر فيجب الضمان على الآمر.

المستثنى: 

 إذا كان الآمر سلطاناً فإن أمره إكراه، إذا كان الآمر أباً فأمر ابنه بإتلاف مال لغيره، فالأب الآمر ضامن، أو غير الأب إذا كان المأمور صبياً، إذا كان الآمر سيداً والمأمور عبداً، فالضمان على السيد.


القاعدة رقم(81): لا يجوز لأحد أن يتصرف في ملك الغير بلا إذنه

معنى القاعدة: لصاحب الملك الحق التام بالتصرف بملكه، وهذا الحق محترم فلا يجوز انتهاك حرمته بالتصرف فيه بلا إذن وموافقة صاحبه، ومن فروعها قولهم (الأمر بالتصرف في ملك الغير باطل)، ويكون الضمان على المأمور لا على الآمر ما لم يكن مجبرا، والإذن قد يكون صريحاً كمن يوكل شخصاً بتصرف ما في ما له، وقد يكون دلالة كأجير لرعي الغنم رأى شاة أشرفت على الموت، فذبحها لئلا تموت حتف أنفها فلا ينتفع بها صاحبها، فلا ضمان على الأجير، لأنه مأذون دلالة، والأذن أيضا كما يكون من المالك يكون أيضاً من صاحب الشرع فيجوز التصرف، وكذلك يجوز التصرف دون إذن للضرورة.

أنواع التصرف في ملك الغير : 

ا- التصرف في ملك الغير إما فعلي بالأخذ أو الاستهلاك أو الحفر أو الذبح، فكل فعل من ذلك دون إذن يعتبر تعدياً وفاعله ضامن لأنه في حكم الغاصب.

ب- وإما تصرف قولي بطريق التعاقد كالبيع أو الهبة أو الإجارة أو الإعارة، فإذا صاحب ذلك تنفيذ كان تصرفاً فعلياً، وأما إن بقي في حيز القول كان فضولاً، والمتصرف الفضولي يتوقف عقده على إجازة المالك ما رأينا، ففي حالة التصرف الفعلي دون إذن المالك يكون معنى عدم الجواز المنع الموجب للضمان، وأما في حالة التصرف القولي فمعناه عدم النفاذ، وقولنا أو حقه لأن هناك حقوقاً لا يجوز التصرف فيها بغير إذن من له الحق وليست من الملك في شيء كصلاة الجنازة، فلو صلى أحد على جنازة غير السلطان أو القاضي بدون إذن الولي فللولي إعادتها إن شاء؛ لتصرف الغير في حقه بلا إذنه.

من تطبيقاتها: 

أ- يعتبر كل من الشركاء في شركة الملك أجنبي في حصة سائرهم، فليس أحدهم وكيلا عن الآخر ولا يجوز له أن يتصرف في حصة شريكه بدون إذنه.

ب- لا يجوز أن تبيع الأم مال ولدها الصغير لنفقتها إذ لا ولاية لها في التصرف حال الصغر ولا في الحفظ بعد الكبر، ويضمن مودَع الابن الغائب لو أنفق الوديعة على أبويه بلا أمر قاض؛ لتصرفه في مال الغير بلا إنابة ولا ولاية.

 ج- ولا يجوز المشي في ملك الغير بلا إذنه داراً كان أو بستاناً أو أرضاً مزروعة أو مكروبة أي محروثة، حتى لا يجوز إجابة دعوة من سكن في دار مغصوبة ولا عيادته.

 د- وإن قيدت المضاربة ببلد أو سلعة أو وقت أو معامل فليس له أن يتجاوز تلك القيود، وإن تجاوز ضمن ما شراه والربح له.

ه-تصرف شخص بالبيع أو الإجارة أو الهبة من مال غيره فإن تصرفه موقوف، فإن لحقته الإجازة من المالك نفذ التصرف، لأن الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة.

المستثنى: 

 مما استثني من هذه القاعدة وكان التصرف مشروعاً؛ لو سقط ثوبه في بيت غيره وخاف لو أعلمه أخذه، فله الدخول لأخذه ولو بدون علم صاحب البيت، ويجوز للولد والوالد إذا مرض أحدهما الشراء من مال المريض ما يحتاج إليه المريض بلا إذنه، ولا يجوز في المتاع، وكذلك لو أنفق المودَع على أبوي المودِع بلا إذنه، وكان في مكان لا يمكن استطلاع رأي القاضي لم يضمن استحساناً، ولو مات بعض الرفقة في السفر فباعوا قماشه وعدته وجهزوه بثمنه وردوا البقية إلى الورثة، أو أغمي عليه أو مرض مرضاً يمنعه من الإذن فأنفقوا عليه من ماله لم يضمنوا استحساناً.


القاعدة رقم (82): جناية العجماء جُبَار

معنى القاعدة: إن ما يصدر من الدابة دون أن يكون بفعل الإنسان من ضرر بمال الغير فإنه هدر لا ضمان على صاحبها فيه، وأما إذا نظر إلى حيوانه وهو يتلف شيئا ولم يمنعه فإنه يضمن قيمة ما أتلفه الحيوان، وأصل هذه القاعدة ما رواه الشيخان عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ ((العجماء جرحها جبار)) ، والعجماء هي: الحيوان البهيم، وجبار بمعنى؛ هدر لا ضمان عليه.

تطبيقاتها: 

أ- إذا ربط شخصان دابتين في محل لهما فيه حق الربط؛ فالتفت إحدى الدابتين الدابة الأخرى فلا يلزم الضمان.

ب- لو انفلتت دابة بنفسها في الطريق أو في ملك غير صاحبها؛ فأصابت مالا أو آدميا نهارا أو ليلا، لا ضمان في هذه الحالات، لأن جناية العجماء جبار، ولو رفست الفرس البيطار بينما هو يعالجها فلا ضمان على صاحب الفرس.

ج- ما لو كان راكب الدابة يسير في ملكه فنفحت برجلها أو بذنبها أو كدمت بفمها أو ضربت بيدها فلا ضمان عليه، بخلاف ما لو داست شيئاً وأتلفته فإنه يضمنه وإن كان يسير في ملكه، لأنه جنايته لا جنايتها. 

د- ما لو اغتالت هرة إنسان طائراً لغيره فلا ضمان على صاحبها. 

المستثنى: 

أ - لو أتلفت العجماء شيئاً بنفسها، وكان صاحبها يراها، فلم يمنعها ضمن، والظاهر تقييده بما إذا كان قادراً على منعها.

ب - إذا كانت جناية العجماء منبعثة من الإنسان، أو تقصيره؛ كانت مضمونة، كما إذا أجفل الدابة، فضربت أحداً فإنه يضمن، وكذا لو استهلك حيوان مال أحد ورآه صاحبه ولم يمنعه يضمن، وكذا لو سيب دابته في الطريق العام، أو في ملك الغير يضمن الضرر الذي أحدثته.


القاعدة رقم (83): الحدود تدرأ بالشبهات

معنى القاعدة: الشبهة لغة: الالتباس، وشرعا: ما التبس أمره فلا يعرف أحلال هو أم حرام وحق هو أم باطل.

أصل القاعدة: 

 حديث ام المؤمنين عائشة (رضي الله عنها)قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام إن يخطأ في العفو خير من أن يخطأ في العقوبة)) ، ثم قال الترمذي وقد روى نحو هذا غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنهم قالوا مثل ذلك، وعن ابن عباس : ((ادرؤوا الحدود بالشبهات)) .

تطبيقاتها: 

أ- سقوط حد القذف بقذف من شهد أربعة بزناها وأربعة أنها عذراء، لاحتمال صدق شهود الزنا، وأنها عذراء لم تزل بكارتها بالزنا وسقط عنها الحد لشبهة البكارة.

ب- لو ادعى السارق أن المسروق ملكه، سقط الحد ولو لم يثبت ادعاؤه.

ج- رجوع المقر بالزنا عن إقراره، يسقط حدّ الزنا.

د- لا قصاص بقتل من قال اقتلني فقتله، وعليه الدية. 

ه- أن يشهد الشهود على شخص بجريمة تستوجب الحد، ثم يرجعوا عن شهادتهم، أو يرجع بعضهم بحيث ينقص نصاب الشهادة، فإن رجوعهم يعتبر شبهة تستوجب إسقاط الحد عن المتهم، لاحتمال أن يكونوا صادقين في رجوعهم.


القاعدة رقم (84): من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه

معنى القاعدة: ان من استعجل الحصول على شيء معين قبل حلول وقته الشرعي، وذلك بسلوكه وسائل غير مشروعة أو مشروعة ولكن بقصد غير مشروع، فإنه يحرم من الحصول على ذلك الشيء عقابا له أو معاملة له بعكس قصده السيء، ويعبر عنها الحنفية بقولهم (من استعجل ما أخره الشرع يجازى برده)، وتقوم هذه القاعدة على أساس سد الذرائع الموصلة إلى المفاسد.

تطبيقاتها: 

أ-قتل الوارث مورثه يحرمه من الميراث، لاستعجاله الحصول عليه بارتكابه وسيلة غير مشروعة وهي مورثة فقد جاء في الحديث الشريف: ((لا يرث القاتل)) . 

ب- إذا قتل الموصى له الموصي فهو يحرم من الوصية بالإجماع.

 ج- ومنها لو طلق الرجل امرأته ثلاثاً بغير رضاها في مرض موته قاصداً حرمانها من الإرث ومات وهي في العدة فإنها ترثه، وفي قول آخر إنها ترث ولو مات بعد انقضاء عدتها .

 د- ومنها الفارُّ من الزكاة قبل تمام الحول بتنقيص النصاب أو إخراجه عن ملكه، إذا تجب فيه الزكاة، ومنها: لو صرف أكثر أمواله في ملك لا زكاة فيه كالعقار والحلي، على من يقول بعدم الزكاة فيه، فهل ينزل منزلة الفارّ من الزكاة؟ وجهان عند الحنابلة والمالكية .

 هـ- ومنها من تزوج امرأة في عدتها من غيره حرمت عليه على التأييد على رواية ، ومنها: من تزوجت بعبدها، فإنه يحرم عليها على التأييد، كما روى عن عمر رضي الله عنه . 

و- ومنها: من ثبتت عليه الرشوة لغرض ما فهو يحرم منه عقوبة له، ومنها: السكران يشرب الخمر عمداً، يجعل كالصاحي في أقواله وأفعاله فيما عليه.

ز- من اصطاد صيداً قبل أن يحل من إحرامه، لم يحل له وإن تحلل، حتى يرسله ويطلقه.

ح- من كانت له ماشية فخاف وجوب الزكاة فيها، فباعها قبل الحول بقليل ْكشهر ونحوه، واشترى بها ماشية أخرى فراراً من الزكاة، فإن الزكاة تجب عليه، وتؤخذ من المبدلة، ويعامل بنقيض مقصوده.

ط- السكران بشرب الخمر عمداً له، حكم الصاحي في أقواله وأفعاله فيما عليه، بخلاف من سكر من بنج ونحوه، أو أزال عقله بأن ضرب رأسه فجنّ، فإنه لا يقع طلاقه على المنصوص؛ لأن ذلك مما لا تدعو النفوس إليه، بل في الطبع وازع عنه، ولذلك لا يجب عليه قضاء الصلاة إذا جنّ في الحالة على الصحيح.

المستثنى: 

 لو قتلت أم الولد سيدها عتقت، ولا تحرم العتق للقتل، ولو تعمدت قتله للعتق لأن إعتاقها ثابت بالشرع، ولا ينفي ذلك القصاص منها، ولو قتل المدبَّر سيده عتق، على قول ويسعى في جميع قيمته؟ لأنه لا وصية لقاتل وعلى قول آخر بطل تدبيره عقوبة له. (والمدبر هو: العبد أو الأمة التي قال سيدها أو سيده: أنت عتيق على دُبر مني أي بعد وفاتي فكأنه أوصى بعتقه بعد الوفاة).

 ومنها: لو قتل الدائن صاحب الدين المدين، حلّ دينه على قول راجح وطالب به الورثة، ومن أمسك زوجته مسيئاً لعشرتها لأجل إرثها، ورثها لو ماتت والحالة هذه، ولو أمسكها لأجل الخلع نفذ وجاز، ومنها لو شربت دواء فحاضت لا تقضي الصلوات، وكذلك من شرب شيئاً قبل الفجر ليمرض فأصبح مريضاً جاز له الفطر.


القاعدة رقم (85): إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام

وأصل القاعدة: ما رواه الإمام مسلم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((الحلال بيِّن والحرام بيِّن وبينهما أمور متشبهات أو شبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام... الحديث)) ، وحديث الإمام الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) .

تطبيقاتها: 

أ- لو شارك الكلب المعلم غير المعلم في الصيد حرم ما يقتلانه من صيد، أو شارك كلب مجوسي أو كلب لم يذكر اسم الله عليه عمدا، حرم ما يقتلانه من الصيد.

ب- لو رمى أحد طيرا فوقع في ماء أو على سطح أو جبل ثم تردى منه إلى الأرض فمات، حرم أكله للإحتياط، بخلاف ما إذا وقع على الأرض ابتداءا، فإنه يحل لأن لا يمكن التحرز عنه فسقط اعتباره، وكذلك إذا تعارض دليلان أحدهما يقتضي التحريم والآخر الإباحة، قدم دليل التحريم، لأن في تغليب جانب الحرمة درء مفسدة وتقديم المانع. 

ج- منع التجارة في المحرمات من خمر ومخدرات وخنزير، ولو أن فيها أرباحاً ومنافع اقتصادية.

 د- ويمنع مالك الدار من فتح نافذة تطل على مقر نساء جاره، ولو كان فيها منفعة له، وإذا اشتبه محرّمة بأجنبيات محصورات لم يحل الزواج بإحداهن، وما كان أحد أبويه مأكول اللحم والآخر غير مأكول لا يحل أكله على الصحيح كالبغل.

هـ- وكذلك لو وضع المجوسي أو الكافر يده على يد المسلم الذابح لا يحل أكل المذبوح لاجتماع المحرم والمبيح، ولو اشتبه مذكي بميتة أو لبن بقر بلبن أتان، أو ماء وبول، لم يجز تناول شيء منها، ولا بالاجتهاد، ما لم تكثر الأواني.

المستثنى : 

أ- لو رمى سهماً على طائر فجرحه ووقع على الأرض فمات فإنه يحل أكله، وإن أمكن إحالة الموت على الوقوع على الأرض والارتطام بها - لأن ذلك لا بد منه - فعفي عنه، بخلاف ما لو وقع في الماء.

ب-ومنها معاملة من أكثر ما له حرام إذا لم يعرف عين المال فلا يحرم في الأصح ولكن يكره، وإذا اختلطت محرّمة - برضاع أو نسب - بنسوة غير محصورات فله النكاح منهن، والصلاة مع اختلال شرط من شروطها من الطهارة أو التستر أو الاستقبال، فإن في ترك ذلك مفسدة لما فيه من الإخلال بجلال الله تعالى في أن لا يناجي إلا على أكمل الأحوال، لكن متى تعذر شيء من ذلك جازت الصلاة بدونه تقديماً لمصلحة الصلاة على هذه المفسدة.

ج-ومنه الكذب مفسدة محرمة لكن متى تضمن ذلك جلب مصلحة تربو عليه جاز كالكذب في الإصلاح بين الناس، وفي الحرب لخداع العدو، وعلى الزوجة لإصلاحها.

وإذا جمع في عقد واحد بين من تحل له وبين من لا تحل، كمن يجمع بين مسلمة ووثنية، أو أجنبية ومحرمة، جاز العقد فيمن تحل، وبطل في غيرها، كل ما سبق فيما إذا اجتمع حلال وحرام.

وأما إذا اختلط الواجب بالمحرم فتراعى مصلحة الواجب، من أمثلة ذلك: إذا اختلط موتى المسلمين بالكفار، ولم يمكن التمييز بينهم غسِّل الجميع وصلى عليهم ويكون التمييز بالنية.

القاعدة رقم (86): الأصل في الإبضاع التحريم

والإبضاع جمع بضع، وهو الفرج، وهو كناية عن نكاح النساء.

معنى القاعدة: إن الأصل في نكاح النساء هو المنع أي التحريم، ولا يباح إلا بعقد صحيح أو بسبب شرعي كملك اليمين. إن حفظ العرض أحد الضروريات الخمس التي حرص الشارع على إقامتها.وبيان الأحكام لرعايتها، وتأمين الحماية لها، ومنع الاعتداء عليها، والعرض هو ما يمدح به الإنسان ويُذم، ومحله المرأة، فهي في الأصل محرَّمة على الرجال في الوطء والاستمتاع إلا بعقد النكاح أو ملك اليمين.

تطبيقاتها: 

أ-إذا اختلطت محرمة بنسب أو رضاع بنسوة محصورات حرم عليه نكاح إحداهن، ما دام لم يتيقن أيتهن هي المحرمة.

ب- وكذلك إذا طلق إحدى نسائه بعينها ثلاثا، ثم نسيها وكذلك إن ميز كلهن إلا واحدة لم يسعه أن يقربها حتى يعلم أنها غير المطلقة، وكذلك يمنعه القاضي عنها حتى يخبر أنها غير المطلقة فإذا أخبر بذلك استحلفه ألبتة أنه ما طلق هذه بعينها ثلاثا ثم خلى بينهما فإن كان حلف، وهو جاهل بها فلا ينبغي له أن يقربها .

المستثنى: 

 اختلطت محرمة بنسوة غير محصورات، فيجوز النكاح منهن، رخصة من الله ئعالى، لئلا يَنْسَدَّ عليه باب النكاح.


القاعدة رقم (87): الأصل في الأشياء الإباحة

معنى القاعدة: أن الأصل في الانتفاع بالأشياء هي الإباحة، ما لم يرد دليل شرعي بالحضر ومنع ذلك الشيء. إن الله تعالى أباح أشياء كثيرة، وحرَّم بعض الأشياء، وهذا متفق عليه، وسكت الشارع عن أشياء فلم يرد نص بإباحتها ولا تحريمها، وظهر أثر الخلاف في المسكوت عنه، فعلى قول الجمهور هو من الحلال، وعلى قول أبي حنيفة هو من الحرام .

وأصل القاعدة: 

 آيات كثيرة منها؛ قوله تعالى:  هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ  (البقرة: آية 29) , والاستدلال بهذه الآية من وجهين.

الوجه الأول: إن هذه الآية وردت في مقام الامتنان، فقد امتن الله سبحانه وتعالى علينا بخلق ما في الأرض لنا، وأبلغ درجات المن الإباحة.

والوجه الثاني: أن الله عز وجل أضاف ما خلق لنا باللام، واللام تفيد الملك وأدنى درجات الملك إباحة الانتفاع بالمملوك. وقوله عليه الصلاة والسلام: ((الحلال ما أحل الله في كتابه, والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا لكم)) .

تطبيقاتها: 

أ- الحيوان المشكل أمره من جهة عدم معرفة حكمه من حيث الحل والحرمة، يعتبر حلالا كالزرافة مثلا بناءا على هذه القاعدة.

ب- النبات المجهول تسميته ولا ضرر في استعماله، يحمل على الحل والإباحة.

ج- ويتخرج على هذه القاعدة حل وإباحة كثير من الأطعمة والأشربة من النباتات والفواكه التي ترد إلينا من مختلف البلدان والأقطار ولا نعرف أسماءها، ولم يثبت ضررها وفيها نفع من تناولها، وأيضا كثير من أنواع الفرش والأثاث والأدوات المستخدمة والتي لا تندرج تحت نهي شرعي إنها تعتبر مباحة.

المستثنى: 

 الأصل في الأبضاع التحريم، وهو نص قاعدة أخرى مرت برقم (86)، والأصل في العبادات التوقيف، والأصل في العقود الصحة إلا ما أبطله الله ورسوله، والأصل في المائعات الطهارة، والأصل في الحيوانات التحريم، والأصل في الأطعمة الإباحة ما لم يرد التحريم، والأصل في اللهو واللعب الإباحة عند الشافعي، خلافاً لمالك، إلا ما قام الدليل على حرمته، والأصل في الماء الطهارة، والأصل في الثوب الطهارة.


القاعدة رقم (88): الأصل في العادات الإباحة والأصل في العبادات الحظر

معنى القاعدة: العادات هي؛ ما اعتاد الناس عليه من المأكل والمشارب وأصناف الملابس والذهاب والمجيء والكلام وسائر التصرفات المعتادة، فلا يحرم منها إلا ما حرمه الله ورسوله، إما نصا أو يدخل في عموم قياس صحيح.

 ودليل القاعدة: الآية السابقة من سورة البقرة الآية 29، وقوله عليه الصلاة والسلام ((صلوا كما رأيتموني أُصلي)) ، وقوله ((خذوا عني مناسككم)) ، وأما العبادة فإن الله تعالى خلق الخلق لعبادته وبين في كتابه وعلى لسان رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) العبادات التي يعبد بها وأمر بإخلاصها له، فمن تقرب بها لله تعالى مخلصا فعمله مقبول، ومن تقرب لله بغيرها فعمله مردود، كما قال عليه الصلاة والسلام: ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)) ، وصاحبه داخل في قوله تعالى  أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  (الشورى: 21)، وهذا الأصل هو الذي بنى عليه الإمام أحمد مذهبه وكذا بقية الأئمة المتبوعين، وهذه القاعدة من القواعد المهمة في الشريعة الإسلامية جاءت للحفاظ على العبادة وعدم الإخلال بها بالزيادة أو النقصان أو التبديل والابتداع، ولهذا قال الفقهاء إن حركات وأقوال الصلاة وقفية على الشارع لا كيفية ولا مجال للذوق والرأي فيها، ولهذا قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (): ((لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من ظاهره)) ، ولأن الأصل في العبادة المنع إلا ما شرعت بدليل صحيح من صاحب الرسالة .


القاعدة رقم (89): ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب

معنى القاعدة: إن ما يتوقف عليه أداء الواجب، ولا يتم هذا الأداء إلا به فهو واجب بنفس الأمر.

ويشترط في وجوب ما لا يتم الواجب إلا به شرطان: 

الأول: أن يكون الوجوب مطلقاً أي غير معلق على حصول ما يتوقف عليه، فإن كان معلقاً على حصول ما يتوقف عليه فهو غير ملزم، كما لو قال السيد لعبده: إن صعدت السطح ونصبت السلم فاسقني ماء، فإنه لا يكون مكلفاً بالصعود ولا بنصب السلم بلا خلاف، بل إن حصل ذلك صار مكلفاً بالسقي وإلا فلا، فالمراد بالواجب المطلق ما لا يكون وجوبه مقيداً بما يتوقف عليه وجوده، وإن كان مقيداً بما يتوقف عليه وجوبه، كقوله تعالى: {أَقِم الصلاةَ لدُلوكِ الشمسِ إلى غسقِ الليلِ} (الإسراء: آية 78) فإن وجوب الصلاة مقيد بوجود الدلوك، وواجب مطلق بالنسبة للطهارة والتوجه للقبلة.

الثاني: أن يكون ما يتوقف عليه الواجب مقدوراً للمكلف، بأن يكون في وسع المكلف الإتيان به، كالوضوء للصلاة والسير إلى مكة للحج، فإن لم يكن مقدوراً للمكلف فلا يجب عليه تحصيله، ولا يكون واجباً بوجوب الواجب المطلق، كحضور العدد في الجمعة بالموضع الذي تقام فيه، فإنه غير مقدور للمكلف، لأن كل واحد لا يقدر إلا على حضور نفسه دون غيره، فالجمعة بالنسبة لحضور العدد واجب مطلق، ويتوقف على حضور العدد وجود الجمعة، لأنها لا تنعقد بدونه، لكنه لا يجب لكونه غير مقدور، ولتوقف وجوب الجمعة على وجود العدد بالمصر الذي تقام فيه الجمعة واجب مقيد فلا يوجب إيجابه وجوب مقدمته.

تطبيقاتها: 

أ- الأمر بالحج يقتضي السفر إلى مكة لأداء واجب الحج، فيكون هذا السفر واجبا بنفس الأمر بالحج لأن أداء واجب الحج لا يتم إلا بهذا السفر.

ب- الأمر بإعداد القوة الكافية من قبل الأمة الثابت بقوله تعالى من سورة الأنفال:  وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ (الانفال: 60)، لا يتم هذا الواجب إلا بتعلم العلوم الحديثة التي استحدثت وظهرت وتقدمت في مجال الصناعة والفيزياء والكيمياء وصناعة الأسلحة المختلفة، فيكون تعلم هذه العلوم واجبا كفائيا بنفس الأمر القاضي بوجوب إعداد القوة الكافية، والأمر بالعدل وإقامته بين الناس يقتضي تعين القضاة للقيام بواجب إقامة العدل.

ج- إذا اشتبهت زوجته بأجنبية، فيجب الكف عن الجميع، أو طلق معينة من زوجتيه طلاقا بائناً ثم نسيها، حرم عليه قربان أي منهما، لأن الكف عن الحرام، وهو وطء الأجنبية والبائنة واجب، ولا يحصل العلم به إلا بالكف عن الزوجة فيحرم عليه قربانها، لأن ما يتم الواجب إلا به فهو واجب.

 د- إذا وقع بول في ماء قليل حرُم الكل، لتعذر الإقدام على تناول المباح لاختلاط المحرم به فلا يوجد ترك المحرم إلا بترك المباح، إذا اشتبهت ميتة بمذكاة، فلا يجوز التحري ولا أكل أي منهما.

هـ- لو اختلط سائل كزيت مغصوب بمباح مثله، ولا يمكن الفصل، الأرجح التحريم لامتزاج الحرام بالحلال واستحالة الفصل، لو اختلط موتى المسلمين بموتى الكفار، فإنه يغسل الجميع ويكفنون ويصلى عليهم جميعاً، ينوي بالصلاة المسلم.

و- مراقبة الهلال في رمضان وغيره واجب، وبما أن رؤية الهلال تكون بالعين وبما يمكن الرؤية بواسطتها، فالاستعانة بالمراصد الفلكية واجب. والله اعلم

القاعدة رقم (90): الخروج من الخلاف مستحب

معنى القاعدة: إن استحباب الخروج من الخلاف ليست لثبوت سنة خاصة فيه، بل لعموم الاحتياط، والاستبراء للدين هو مطلوب شرعي مطلقا، فكان القول بأن الخروج أفضل ثابت من العموم واعتماده من الورع المطلوب شرعا، وهذه من القواعد المهمة التي جاءت للحفاظ على كيان الجماعة المسلمة بترك الخلاف المذموم والاعتصام بالكتاب والسنة، ولهذا قرر علماؤنا ترك المستحب تأليفا للقلوب وتوحيدا للصف، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: (ويستحب للرجل أن يقصد إلى تأليف هذه القلوب بترك هذه المستحبات، لأن مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا، كما ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم تغيير بناء البيت لما رأى في إبقائه من تأليف القلوب، وكما أنكر ابن مسعود() على عثمان رضي الله عنه إتمام الصلاة في السفر ثم صلى خلفه متما وقال: الخلاف شر، ثم قال رحمه الله تعالى فمتابعة الآثار فيها الاعتدال والائتلاف والتوسط الذي هو أفضل الأمور) .

والمقصود من الخلاف هو: الاختلاف الواقع بين المذاهب الفقهية، ومراعاته بترك قول المذهب، والأخذ بالمذهب الآخر، فإنه مستحب ويندب لأنه فيه عوناً على الجماعة وعدم التفرق.

 ولمراعاة الخلاف شروط، فإن لم تتوفر فلا يراعى الخلاف، وهذه الشروط هي: 

أحدها: ألا توقع مراعاته في خلاف آخر، ومن ثم كان فصل الوتر أفضل من وصله، ولم يراع خلاف أبي حنيفة لأن من العلماء من لا يجيز الوصل.

الثاني: ألا يخالف سُنَّة ثابتة صحيحة أو حسنة، ومن ثم سن رفع اليدين في الصلاة، ولم يبال برأي من قال بإبطاله الصلاة من الحنفية ; لأنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية نحو خمسين صحابيا.

الثالث: أن يقوى مَدرَكُه أي دليله الذي استند إليه المجتهد، بحيث لا يعد هفوة، ومن ثم كان الصوم في السفر أفضل لمن قوي عليه ; ولم يبال بقول داود: إنه لا يصح، وقد قال إمام الحرمين في هذه المسألة: إن المحققين لا يقيمون لخلاف أهل الظاهر وزنا .

قال الامام النووي: فإن العلماء متفقون على الحث على الخروج من الخلاف، إذا لم يلزم منه إخلال بسنة، أو أوقع في خلاف آخر .

تطبيقاتها: 

 يندب الاتيان بالمضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة وفي الوضوء، باعتبار وجوبها عند الحنفية في غسل الجنابة ، ووجوبها عند الحنابلة في غسل الجنابة والوضوء ، وكذلك استحباب الغسل من ولوغ الكلب سبع مرات مراعاة لمذهب الحنابلة (والشافعية) وكذلك التبييت في نية صوم النفل فإن مذهب المالكية وجوبه، وكذلك استحباب الدلك في الطهارة واستيعاب الرأس بالمسح في الوضوء وأخذ ماء جديد للأذان كما هو عند الشافعية  ، القول باستحباب الوضوء من مس الذَكَر عند الحنفية، مع قولهم بعدم النقض خروجا من خلاف من أوجبه، وقولهم الأولى في غسل الثوب النجس وضعه في الإجانة من غير ماء ثم صب الماء عليه، لا وضع الماء أولا، خروجا من خلاف الإمام الشافعي فإنه يقول بنجاسة الماء ، كراهة صلاة المنفرد خلف الصف خروجاً من خلاف من أبطلها، كراهة الحيل في باب الربا، ونكاح المحلل خروجاً من خلاف من حرمه، واستحباب غسل المني عند الشافعية مع قولهم بطهارته، خروجا من خلاف من قال بنجاسته .


القاعدة رقم (91): ليس لعرق ظالم حق

معنى القاعدة: العرق هو: أحد عروق الشجرة ووصفه بالظلم مجاز، والمراد ظلم صاحبه، إن الاعتداء على حق الغير لا يكسب المعتدي حقا فيما اعتدى عليه، أرضا كان ما اعتدى عليه أو غيرها من الأموال.

أصل القاعدة: 

 الحديث النبوي الشريف، عن سعيد بن زيد () أن عليه الصلاة والسلام قال: ((من أحيا أرضا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق)) ، ومعنى العرق الظالم هو: أن يجيء الرجل إلى أرض قد أحياها رجل قبله ويغرس فيها غرسا غصبا أو يزرع أو يحدث فيها شيئا يستوجب به الأرض، فإن ما أحدثه لا يعطيه حقا في البقاء في الأرض بأن يمتلكها أو يستأجرها خيرا على صاحبها، لأن العدوان لا يصلح سببا للتملك الشرعي وأن عليه إزالة ما أحدثه وإذا كان قلع المحدثات يضر بالأرض جاز لصاحب الأرض أن يمتلكها وان كانت مستحقة للقلع، وفي الحديث أن رجلين اختصما إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)غرس أحدهما نخلا في أرض الآخر، فقضى لصاحب الأرض بأرضه، وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها، قال: فلقد رأيتها وانها لتضرب أصولها بالفؤوس، وأنها لنخل عُم حتى أخرجت منها .

القاعدة رقم (92): الإسلام يَجّبُ ما قبله

 إن الكافر إذا أسلم وتخلى عن الكفر وآمن بالله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنه يترك له ويقطع ما كان قد صدر منه قبل إسلامه.

وأصل القاعدة: 

 قوله تعالى:  قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (سورة الأنفال: 38)، وقوله عليه الصلاة والسلام لعمرو بن العاص رضي الله عنه: ((أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله)) .

 ولكن هذا الهدم والعفو فيما يتعلق بحقوق الله تعالى، وهذا بالإجماع ولكن هذا لا يسري إلى حقوق العباد لما يترتب عليهم من إضرار بهم، ولا ضرر ولا ضرار في الإسلام، فالإسلام يرفع الإثم وتبقى الحقوق المالية للعباد، لأن حقوق العباد مقدمة على حقوق رب العباد، فحقوق رب العباد مبنية على المسامحة وحقوق العباد مبنية على المشاححة، ولا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء .


القاعدة رقم (93): الميسور لا يسقط بالمعسور

وقد عبر بعضهم عنها بقوله (ما لا يدرك كله لا يترك جله).

معنى القاعدة: أن من كلف بشيء من التكاليف الشرعية فقدر على بعضها وعجز عن بعض، فإنه يأتي بما قدر عليه ويسقط عنه ما عجز عنه، فلا يسقط عنه ما يقدر عليه. أي إن المأمور به إذا لم يتيسر فعله على الوجه المطلوب، بل تيسر فعل بعضه، لا يسقط بالمعسور، أي بعدم القدرة على فعل الكل، فيجب البعض المقدور عليه.

 وأصل القاعدة: 

 قوله تعالى: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها (سورة البقرة 286)، وقوله عليه الصلاة والسلام: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) متفق عليه .

تطبيقاتها: 

أ-القادر على بعض السترة يستر به القدر الممكن جزماً، القادر على بعض الفاتحة في الصلاة يأتي به بلا خلاف، أي إذا تعسر على إنسان قراءة كل الفاتحة، وهو يحفظ بعضها فليأت بالبعض الذي يحفظه، ولا يجوز له أن يتركه لأنه لا يحفظها كلها، ومقطوع باقي الأطراف يجب عليه غسل الباقي، ولو عجز عن الركوع والسجود دون القيام، لزمه القيام بلا خلاف؛ لأن جزء العبادة هنا عبادة مشروعة في نفسه فيجب فعله عند تعذر فعل الجميع بلا خلاف، وإذا لم يستطع القيام في الصلاة صلى قاعداً، وإن لم يستطع فعلى جنب أو مضطجعاً، وإن لم يستطع الركوع أو السجود أدى ما استطاع أو بالإيماء، والعاجز عن القراءة وهو قادر على القيام يلزمه؛ لأن القيام عبادة، وإذا كان محدثاً وعليه نجاسة، ولم يجد ماءً إلا ما يكفي أحدهما غسل النجاسة وتيمم للحدث، ومن عجز عن بعض غسل الجنابة لزمه الإتيان بما قدر عليه منه، وتيمم للباقي

ب- ومن قدر على بعض صاع في الفطرة أخرجه، ولو عجز عن سداد كل الدين أدى ما قدر عليه، ولو عجز عن سداده دفعه أداه مقسطاً، وفي كفارة القتل الخطأ أو الظهار إذا لم يجد إلا طعام ثلاثين مسكيناً، فالأصح وجوب إطعامهم.

المستثنى: 

 إذا وجد بعض الرقبة في الكفارة لا يعتقها بل ينتقل إلى البدل بلا خلاف، وتعليل ذلك: إن إيجاب بعض الرقبة مع صوم شهرين جمع بين البدل والمبدل، وصيام شهر مع عتق نصف رقبة فيه تبعيض للكفارة وهو ممتنع.ومما خرج أيضا لو قدر على صوم بعض يوم دون كله، لا يلزمه إمساكه بلا خلاف؛ لأن صوم اليوم لا يتبعض. وإذا أوصى بثلث ماله ليشتري به رقبة، فلم يف الثلث بها، فلا يشتري شقص أي جزء.

 ومنها عند الحنابلة؛ إذا عجز في الصلاة عن وضع جبهته على الأرض وقدر على وضع بقية أعضاء السجود، قالوا: فإنه لا يلزمه ذلك على الصحيح، لأن السجود على بقية الأعضاء إنما وجب تبعاً للسجود على الوجه وتكميلاً له .


القاعدة رقم (94): لا يجوز لأحد أن يأخذ مال أحد إلا بسبب شرعي

معنى القاعدة: لا يجوز شرعا لأحد أن يأخذ مال غيره بلا سبب شرعي يجيز له الأخذ، وأن يكون هذا المبرر شرعيا في الظاهر والباطن، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق [ أخيه ] فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها)) .

تطبيقاتها: 

أ- يلزم رد المغصوب وتسليمه إلى صاحبه في مكان الغصب إن كان موجودا، وإلا يلزم الغاصب رد مثله أو قيمته.

ب- الصلح عن دعوى كاذبة على بدل ذلك الصلح وإن كان يحكم له به، ولكن لا يحل له ديانة لأنه شرعيا في الظاهر وفي الباطن غير شرعي، لأن أخذ مال الغير لا يستحقه في الحقيقة.


القاعدة رقم (95): على اليد ما أخذت حتى تؤديه

معنى القاعدة: إن من أخذ شيئا بغير حق، كان ضامنا له إذا هلك لأي سبب كان هلاكه بتعد أو تقصير أو بدونها، ولا يبرأ من ضمانه حتى يرده إلى صاحبه. 

وأصل القاعدة: 

 الحديث الشريف عن سمرة بن جندب قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((على اليد ما أخذت حتى تؤديه)) ، معنى هذا الحديث: (إن من أخذ شيئاً بغير حق كان ضامناً له ولا تبرأ ذمته حتى يرده)، المراد باليد هنا: صاحبها من إطلاق البعض وإرادة الكل، وعبر باليد لأن بها الأخذ والإعطاء.

تطبيقاتها: 

أ- من أخذ بدل صلح ثم أقر أن لا حق له فيه، وجب عليه رد ما أخذه من بدل الصلح لدافعه.

ب- لو ابق العبد بعد البيع، فإن البيع لا يفسد بخلاف لو باعه وهو آبق، فإن العقد حينئذ غير صحيح.

ج- لو عقد المتبايعان البيع ابتدءا بغير ثمن، فسد البيع ولو تعاقدا بثمن ثم حط البائع عن المشتري صح حطه ولم يفسد البيع.

ج- وكذلك لو دفع إنسان مالاً على ظن أنه مدين به، ثم تبين له خطؤه فعلى الآخذ الرد، وإذا التقط اللقطة لنفسه كان غاصباً ضامناً حتى يؤديها لصاحبها، وهذا مبني على أنه لا يجوز التصرف في مال غيره بغير إذن منه أو ولاية.

القاعدة رقم (96): السؤال معاد في الجواب

معنى القاعدة: يعني أن ما قيل في السؤال المصدق فكأن المجيب المصدق قد أقر به، كما لو قال الآخر: طلقت امرأتك ؟ فقال مجيبا نعم، كان ذلك إقرارا بما سئل عنه، إذا ورد جواب بإحدى أدواته: (نعم، بلى، أجل) بعد سؤال مفصل، يعتبر الجواب مشتملاً على مضمون السؤال، لأن مدلولات هذه الأدوات تعتمد على ما قبلها من تفصيل؛ ولأن الجواب غير مستقل بنفسه في الإفادة، فمن سئل: هل أخذت من فلان مالاً؟ فأجاب: بنعم، كان جوابه متضمناً إقراره بالأخذ، ومن سئل: ألم تقتل فلاناً؟ فأجابه: ببلى، كان مقراً بالقتل، وهكذا.

 والفرق بين نعم، وبلى، أن الجواب بنعم تصديق لما قبلها إثباتاً ونفياً، فإذا قيل: قام زيد؛ فتصديقه نعم، وتكذيبه: بلا، فبلى في جواب النفي للإثبات، كقوله تعالى: { زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } (التغابن: 7)، ونقل عن ابن عباس (رضي الله عنهما) في جواب قوله تعالى: { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى } (الاعراف: من الآية 172)، لو قالوا: نعم لكفروا، أي لأن نعم لتصديق الكلام مثبتاً أو منفياً، وبلى لإيجاب ما بعد النفي استفهاماً كان أو خبراً، 

لكن المعتبر في أحكام الشرع العرف حتى يقام كل واحد منهما مقام الآخر، خصوصاً وأن العامة لا تدرك دقائق العربية.

تطبيقاتها: 

أ- فلو باع شخص فضولي مالاً من آخر، وبلغ صاحب المال، وحينما وصله الخبر قال: رضيت، فيعتبر قوله: رضيت إذناً وصح البيع.

ب- ولو قال شخص لآخر: بعتك داري أو دكاني. فقال: نعم أو قبلت، كان رضاء بالبيع.


القاعدة رقم (97): للأكثر حكم الكل

معنى القاعدة: معنى القاعدة يتفق ومنهج الشريعة الإسلامية في إرادة اليسر بالمكلفين ورفع الحرج عنهم، لأنها تعني أن من يقوم بالأكثر مما كلف به سقط عنه ما كلف به، إذا لم يعارضه نص صريح، كما في نص صيام شهر رمضان كله فلا يقوم صيام أكثره مقام صيام كله، فقيام الأكثر مقام الكل أصل من الشريعة باتفاق المذاهب الفقهية المعتبرة.

تطبيقاتها: 

أ- قال الإمام تقي الدين الحضي الشافعي في مسألة الحرير للرجال إذا خلطها بغيره (إذا ركب - أي الحرير- مع غيره مما يباح استعماله كالكتان وغيره ما حكمه؟ قال ننظر إن كان الأغلب الحرير حرم وإن كان الأغلب غيره حل تغليبا لجانب الأكثر إذ الكثرة من أسباب الترجيح) . 

ب- لو سقي الزرع في بعض السنة سيحا وفي بعضها بآلة، يعتبر في ذلك الغالب لأن للأكثر حكم الكل، أي إذا كان الأكثر يسقى سيحا ففيه العشر، وإن كان الاكثر يسقى بآلة ففيه نصف العشر، فالحكم للأكثر عند التعارض .


القاعدة رقم (98): الوصف في الحاضر لغو وفي الغائب معتبر

معنى القاعدة: ان المبيع (محل العقد) الحاضر الموجود في مجلس العقد والمشار إليه بعينه وحصل تعريفه بالإشارة إليه فلا حاجة لوصفه، فإن هذا الوصف يعتبر لغوا خارج محل العقد، وأما الغائب عن مجلس العقد فوصفه معتبر به. والوصف: هو أن تصف الشيء بصفة تميزه عن غيره، والصفة؛ هي الحالة القائمة بذات الموصوف، واللغو: ذكره وعدمه سيان.

تطبيقاتها: 

 لو أراد البائع مثلا بيع فرس أشهب حاضر في المجلس، وقال في إيجابه بعتك هذا الفرس الأدهم وأشار إليه وقبل المشتري صح ولغي وصف الأدهم، لأن الوصف في الحاضر لغو، ولو باع فرسا غائبا وذكر انه أشهب والحال أنه ادهم، لا ينعقد البيع لأن الوصف في الغائب معتبر، وقيل ينعقد البيع وللمشتري خيار الرد بالعيب والله أعلم. لو حلف لا يدخل هذه الدار، فدخلها بعدما انهدمت وصارت صحراء، يحنث، لأن الدار هي العرصة، والبناء وصف فيها، ففي حال الإشارة إليها يلغو الوصف لعدم إفادته، بخلاف ما لو حلف: لا يدخل داراً، فدخل داراً منهدمة، فإنه لا يحنث، لأنها عند عدم الإشارة من قبيل الغائب، فيعتبر فيها الوصف، كالأيمان.

 المستثنى: 

أ - إذا باع فصاً حاضراً، وأشار إليه على أنه ياقوت، فإذا هو زجاج، لا ينعقد البيع؛ لأن المبيع من غير جنس المشار إليه، فلا عبرة للإشارة، بل للتسمية والوصف.

ب - لو قال: بعتك هذا الحجر من الألماس بكذا، وقبل المشتري، ثم تبين أنه زجاج، فالبيع باطل، لظهور أن المشار إليه من جنس آخر، فلا عبرة للإشارة حينئذ.

بل للجنس المعتبر، إذ العقد يتعلق بما سمَّاه، لا بما أشار إليه، بخلاف الغائب فلا تتأتى فيه الإشارة.

ج- وكذا لو ادعى دابة، وقال هذه الدابة التي سنها أربع سنين ملكي، وشهدوا كذلك، فظهر أنها أزيد أو أنقص، لا تقبل لظهور كذبهم، لأن الشهادة تختل بالكذب.

د - وكذا لو ادعى دابة، ووصفها بأنها مشقوقة الأذن، أو مكوية في المحل الفلاني، أو لونها كذا، فظهرت سليمة الأذن، أو لا كيَّ بها، أو أن لونها مخالف لما وصف مخالفة واضحة، وبين اللونين بعد ظاهر، لا تسمع، وكذلك الشهود، لو وقع مثل ذلك في شهادتهم، ترد.

ه - لو استحضر المدعى به، فوجده مخالفاً لما وصفه به المدعي، ولكن لما أحضر قال: أدّعي هذا، ولم يقل: هذا الذي أدعيه، تسمع. 

و - لو حلف ألا يأكل من هذا البُسْر، فأكله بعدما صار رطباً لا يحنث؛ لأن صفة البُشرِية داعية إلى اليمين على عدم أكله، وهذا تقييد قولهم (الوصف في الحاضر لغواً)بما إذا لم يكن الوصف المذكور في الكلام هو الباعث على الالتزام، كاليمين مثلاً.وهذا استثناء من القاعدة.

ز - وكذا لو حلف: لا يأكل من هذا الحصرم، فأكله بعدما صار عنباً، لأن صفة الحصرمية داعية إلى اليمين على عدم أكله.


القاعدة رقم (99): المواعيد بصورة التعليق تكون لازمة

معنى القاعدة: المواعيد إذا جاءت بصيغة التعليق تكون لازمة الوفاء بها، فلو قال رجل لآخر: بع هذا الشيء لفلان وإن لم يعطك ثمنه فأنا أعطيه لك، فلم يعطه المشتري الثمن لزم على الرجل أداء الثمن بناءا على وعده المعلق، ولا يلزم الوفاء بالوعد المجرد بدون تعليق، بشيء فلو أمر رجل غيره بأن يؤدي دينه فوعده المأمور بذلك، ثم امتنع من تأدية الدين لا يجبر على الأداء، لأنه مجرد وعد بدون تعليق.

تطبيقاتها  : 

أ- تصح الكفالة بالوعد المعلق أيضا، فمثلا لو قال: إن لم يعطك فلان دينك فإن أعطيتكه كان ذلك كفالة، فلو طالب الدائن المديون بحقه ولم يعطه كان له أن يطالب الكفيل.

ب- لو قال كفيل النفس إن لم أوافك بمديونك فلان غدا فأنا أدفع لك دينه، فلم يوافه به لزم الدين.

ج- ما لو باع العقار بغبن فاحش، ثم وعد المشتري البائع بأنه إن أوفى له مثل الثمن يفسخ معه البيع صح ولزم الوفاء بالوعد.

تنبيه: ظاهر هذه القاعدة أنها مطلقة عامة في كل وعد أتى بصورة التعليق والحال خلافه، فإنهم لم يفرعوا عليها غير مسألتي البيع والكفالة المتقدمتين، ولم يظهر لي بعد التتبع ثالث لهما، بل ذكر في بيوع التنقيح فيما لو تبايعا بثمن المثل بيعاً باتاً، ثم بعد ذلك أشهد المشتري أنه، أي البائع، إن دفع له نظير الثمن بعده مدة كذا يكن بيعه مردوداً عليه ومقالاً منه، فإن الإشهاد المذكور 

وعد من المشتري فلا يجبر عليه حيث كان البيع بثمن المثل، مع أنه كما ترى معلق بالشرط.

القاعدة رقم (100): المجهول في الشريعة كالمعدوم والمعجوز عنه

وهذه القاعدة توضح مقصدا من مقاصد التشريع الإسلامي وهو: رفع الحرج ودفع المشقة والتيسير على المكلفين.

معنى القاعدة: إن الذي يجهله المكلف ويعجز عن معرفته أو عن وجوده فهو بمنزلة المعدوم، أي أنه غير مطالب فيه، وأصل هذه القاعدة قوله تعالى:  لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا  (البقرة: 286)، وجميع الآيات والأحاديث الدالة على رفع الحرج ودفع المشقة.

تطبيقاتها : 

أ- لو مات رجل ولم يعرف له وارث، صرف ماله في مصالح المسلمين، وإن كان في نفس الأمر له وارث غير معروف لو تبين لوجب تسليم ماله إليه.

ب- المال الذي لا نعرف مالكه يسقط عنا وجوب رده إليه، فيصرف في مصالح المسلمين وهذا الأصل عام في كل ما جهل مالكه بحيث تعذر رده إليه، كالمغصوب والعواري والودائع تصرف هذه الأموال كلها في مصالح المسلمين.

ج- اللقطة بعد الحول فانها تملك لجهالة ربها، ومالا يمتلك منها يتصدق به عنه على الصحيح، وكذلك الودائع والغصوب ونحوها.

د- امرأة المفقود لغيبة ظاهرها الهلاك فيها بعد أربع سنين تباح للزواج وكذلك يقسم ماله بين ورثته كالميت ويحكم له باحكام الموتى بعد المدة في الاظهر.

القاعدة رقم (101): النعمة بقدر النقمة والنقمة بقدر النعمة

هي تشابه قاعدة (الخراج بالضمان)و قاعدة: (الغرم بالغنم)

معنى القاعدة: إن ترتيب المكافأة والمجازاة لمستحقيها، بقدر يتناسب وقدر النعمة والنقمة أو الفائدة وعدمها.

تطبيقاتها: 

أ- إذا لزم تعمير الملك المشترك، فيلزم كل شريك من نفقة التعمير قدر حصته في ذلك الملك.

ب- أجرة القسام والوزان والكيال فإنها على الشركاء، لأن نفع ذلك عائد لهم.

ج- جناية اللقيط ونفقته تكون على بيت المال، لأن تركته إذا مات تعود إلى بيت المال.

د-إذا كان حيوان مشترك بين اثنين، وأبى أحدهما عن تربيته، وراجع الآخر الحاكم، يجبره الحاكم على البيع، أو على التربية، لأن النعمة بقدر النقمة.

القاعدة رقم (102): الوسائل تعطى أحكام المقاصد

 وعبر بعضهم عنها بقوله (قاعدة سد الذرائع)، والوسيلة هي: ما يتوصل بها إلى شيء أو أمر ما، المقْصَد: هو الغاية والهدف من الحكم. 

معنى القاعدة : إن حكم الوسيلة هو حكم الغاية منها، فالوسيلة إلى الواجب واجبة والوسيلة إلى المباح مباحة والوسيلة إلى الحرام محرمة وهكذا، قال العلامة عبد الرحمن السعدي (وهذه القاعدة من أنفع القواعد وأعظمها وأكثرها فوائد ولعلها تدخل في ربع الدين)، وأصل هذه القاعدة كما قال الإمام ابن قيم قوله تعالى:  وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْم (الأنعام: 108)، وقوله تعالى:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ  (البقرة: 104)، نهاهم الله سبحانه أن يقولوا هذه الكلمة مع قصدهم بها الخير، لئلا يكون قولهم ذريعة (وسيلة) إلى التشبه باليهود في أقوالهم وخطاياهم، وقوله تعالى:  وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ  (النور: 31).

ومن السنة قوله عليه الصلاة والسلام: ((من الكبائر شتم الرجل والديه، قيل يا رسول الله: وهل يشتم الرجل والديه ؟ قال: نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه)) . 

تطبيقاتها: 

أ- نهي أن يشتري الرجل صدقته، وإنما نهي عنه؛ لئلا يحتال المتصدق بالشراء على الرجوع في الصدقة، لما رواه البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((نهى أن يشتري الرجل صدقته)) .

ب- نهى الفقهاء عن بيع العنب لمن يتخذه خمرا سدا للذرائع، ومن النهي عن بيع العينة وهو: بيع السلعة ممن اشتريتها منه بثمن مؤجل بأكثر مما اشتريتها به نقدا لأنه يفضي إلى الربا، وإذا وقع البيع يكون فاسدا يجب فسخه.

ج- منع الوسائل التي تؤدي إلى الشرك أو الكفر بالله تعالى، فكل ما أدى إلى شرك أو كفر فهو حرام، لأن الوسائل تعطي أحكام المقاصد.

المستثنى: 

أ-دفع المال للكفار حرام حتى لا ينتفعوا به ويتقوّوا على المسلمين، ومع ذلك يجوز دفع المال لهم لفداء أسرى المسلمين، فوسيلة المحرم هنا غير محرمة، لأنها أفضت إلى مصلحة راجحة.

ب- دفع المال للمحارب حرام، لكن يجوز الدفع له حتى لا يقع القتل بينه وبين صاحب المال عند مالك رحمه الله تعالى، لكنه اشترط فيه أن يكون يسيرا، فالدفع وسيلة إلى المعصية، ومع ذلك فهو مأمور به لرجحان ما يحصل من المصلحة على هذه المفسدة .

القاعدة رقم (103): التلف في يد الأمين غير مضمون إلا بالتعدي أو التفريط وفي يد الظالم مضمون مطلقا

معنى القاعدة: إذا تلفت العين في يد الأمين، وهو: من كان المال بيده بحق كالوديع والوكيل والأجير والشريك والمضارب والولي والمرتهن فكل هؤلاء لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط منه، وأما من كان المال بيده بغير حق شرعي فإنه ضامن لما في يده سواء تلف المال بتعدي أو تفريط أولا لأن يد الظالم متعدية.

تطبيقاتها: 

أ- المستعير إذا هلكت بيده العين المستعارة لا يضمن إلا بالتعدي أو التقصير منه، كأن وضعها في حرز غير أمين، وأما إذا تعرضت لآفة سماوية أو جائحة فإنه لا يضمن لأنه أمين والأمين لا يضمن إلا بالتعدي.

ب- إذا هلكت العين المغصوبة بيد الغاصب فإنه يضمن، سواء كان الهلاك بالتعدي أو بغيره فإن الظالم يضمن مطلقا.


القاعدة رقم (104): الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما

العلة هي: مناط الحكم، أو هي: وصف ظاهر منضبط يثبت الحكم بها، وعلامتها؛ أنه يلزم من وجودها الوجود ويلزم من عدمها العدم .

معنى القاعدة: إن ثبوت الحكم متوقف على وجود العلة الموجبة له، فإن وجدت العلة وجد الحكم وإذا انتفت العلة انتفى الحكم، وهذه القاعدة أصل عظيم ويدخل تحتها أحكام ومسائل كثيرة، قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: (ولهذا يذكر الشارع العلل والأوصاف المؤثرة والمعاني المعتبرة في الأحكام القدرية والشرعية والجزائية، ليدل بذلك على تعلق الحكم بها أين وجدت واقتضاؤها لأحكامها وعدم تخلفها عنها إلا لمانع يعارض اقتضاؤها ويوجب تخلف أثرها عنها) .

تطبيقاتها: 

أ- فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بإقامة صلاة التراويح في رمضان جماعة خلف إمام واحد لانتفاء علة المنع وهي: مخافة أن تفرض على الأمة وذلك لانقطاع الوحي وكمال الشريعة بوفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فالحكم يدور مع لعلة.

ب- القياس على الخمر بتحريم كل شراب مسكر بجامع العلة وهي الإسكار، وكل مسكر حرام.

ج- إن المشقة علق عليها أحكام كثيرة من التخفيفات في الصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة ونحوها في الأحكام، إذا وجدت المشقة (العلة) حصلت التخفيفات المرتبة عليها وإذا عدمت المشقة عدمت هذه الأحكام وتفصيل المشقة معروف في كتب الفقه .

القاعدة رقم (105): الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا

معنى القاعدة: الصلح هو: عقد ينهي الخصومة بين المتخاصمين، وأن جميع أنواع الصلح الجارية بين الناس جائزة ما لم يدخلهم هذا الصلح في حرام أو يخرجهم من فعل واجب وهذه القاعدة أصل شرعي دلت عليه السنة النبوية الشريفة، منها قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الشريف: ((الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل دما)) .

تطبيقاتها: 

أولا: ما يجوز فيه الصلح: 

 الصلح عن الحقوق الثابتة ليسقطها من هي له كخيار عيب أو غبن أو تدليس أو غيرها، وكذلك على الصحيح حق الشفعة وخيار الشرط لعموم الحديث وغيره لعدم المحذور الشرعي، وكذا لو صالحه عن دم العمد في النفس وما دونها فهو جائز، وكذلك الصلح عن الدين المؤجل ببعضه حالا فهذه وأشباهها من الصلح الجائز.

ثانيا: ما لا يجوز فيه الصلح: 

 كأن يصالح من يقر له أنه عبده أو أنها زوجته وهو كاذب، أو يصالح صاحب الحق الذي يجهل مقداره، والمدين عالم به فيصالحه على ما يجحف بصاحب الحق، وكل صلح أدخل فيه محرم فحكمه كذلك. 


القاعدة رقم (106): المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا

معنى القاعدة: إن الشروط التي يشترطها المتعاقدان أو أحدهما على الآخر لما فيه مصلحة العقد فهي جائزة إذا خلت من المحذور الشرعي، وأصل القاعدة ما رواه الإمام الترمذي أنه عليه الصلاة والسلام قال: ((الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ مَا وَافَقَ الْحَقَّ مِنْ ذَلِكَ)) وفي معجم الطبراني الكبير: ((إلا شرطا حرم حلالا، وأحل حراما)) . فالشرط لا يكون صحيحاً لازماً، إلا إذا كان مشتملاً على منفعة في الدين أو في الدنيا، وكان غير مناقض لما جاءت به الشريعة من أوامر أو نواه، فالشرط لا يبيح ما حزمه الله، ولا يحرم ما أباحه الله، وإلا كان باطلاً ولا يجب الوفاء به، بل قد يحرم الوفاء به، ويجب نقضه، ويبقى العقد صحيحاً.

تطبيقاتها : 

أولا: الشروط الجائزة: 

 شروط الواقفين في أوقافهم إذا لم تخالف الشرع ويجب العمل بها، وكذلك الشروط بين الزوجين؛ كأن تشترط المرأة على زوجها أن لا يخرجها من دارها أو بلدها، أو لا يتزوج عليها (فيه خلاف) ، أو زيادة مهر أو نفقة فيجب الوفاء بها، فإن لم يقر بها فلها فسخ النكاح، ومن الشروط الفاسدة نكاح المتعة (الزواج المؤقت بمدة معينة)، ونكاح التحليل ولا يفيد الحل لمطلقها الأول ثلاثا.

ثانيا: الشروط الغير جائزة والتي لا تصح: 

 كأن يبيع شيئا ويشترط الانتفاع به مدة معلومة، وكذلك إذا باعه الحيوان واشترط عليه أن لا يركبها أو أن يعلفها الطعام الفلاني وإلى غير ذلك من الشروط التي ليست في مصلحة العقد، وإذا استأجر عاملاً، وشرط عليه ألا يصلي الصلوات التي تتخلل فترة عمله، أو ألا يصوم شهر رمضان، حال قيامه بالعمل، فالشرط فاسد، لا يجب الوفاء به؛ لأنه يتضمن إسقاط ما أوجبه الله تعالى، إذا باعه سلعة بشرط ألا يسلمها له، فالشرط باطل؛ لأن مقصود البيع تسليم العين المبيعة، فإذا شرط عليه عدم تسليمها، فقد شرط شرطاً ينافي مقصود العقد، فيكون باطلاً، ولهذا قال الفقهاء رحمهم الله تعالى: (كل شرط يخالف أصول الشريعة فهو باطل).

القاعدة رقم (107): المشغول لا يشغل

معنى القاعدة: إن الشيء إذا اشتغل بشيء لم يشغل بغيره، حتى يفرغ من هذا المشغول به. فالعين أو الشيء المشغول بحكم، أي الذي يتعلق به حكم شرعي، لا يقبل أن يَرِدَ عليه حكم آخر من جنسه، أو يتنافى مع الأول، لأن المحل لا يحتمل حكمين من جنس واحد.

تطبيقاتها: 

أ- الراهن لا يباع ولا يرهن، حتى ينفك الرهن أو يأذن الراهن.

ب- الموقوف لا يباع ولا يوهب ولا يرهن، لانشغاله بالوقف.

ج- الأجير الخاص؛ وهو من استأجر زمنا كيوم وساعة ونحوه لعمل، لا يشغل في هذه المدة لغير من استأجره لأن زمانه مستحق للمؤجر ومشغول به.

د- الدار المؤجرة لا تؤجر حتى تفرغ المدة، بل كل مشغول بحق لا يشغل بآخر حتى يفرغ الحق عنه.

هـ-لايجوز الإحرام بالعمرة للعاكف بمنى، لاشتغاله بالرمي.


القاعدة رقم (108): إذا جاءت النكرة بعد النفي أو النهي أو الاستفهام دلت على العموم والشمول

 العام لغة: الشامل المتعدد، ومنه قولهم: عمهم بالخير أي شملهم، وفي الاصطلاح: لفظ يستغرق جميع ما يصلح له بوضع واحد دفعة واحدة من غير حصر ، فاللفظ العام يشمل كل فرد من أفراده دفعة واحدة، بينما المطلق لا يتناول ولا يشمل دفعة واحدة إلا فردا شائعا أو أفرادا شائعة، لا جميع الأفراد.

معنى القاعدة: إذا جاء اللفظ العام بعد النفي أو النهي أو الاستفهام، فإنه يستغرق جميع أفراده ويشملهم إلا إذا جاء الدليل أو القرينة التي تخصصه، وأما النكرة الواردة في سياق الإثبات فليست من ألفاظ العموم، كقوله تعالى من:  إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً  (البقرة: 67)، وقد تدل على العموم بقرينة، وكقوله تعالى في نعيم الجنة وأهلها من سورة:  لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون (يس: 57)، والفاكهة هنا تشمل جميع أنواعها بقرينة الامتنان على العباد، وكذلك إذا جاءت النكرة في سياق الشرط فإنها تدل على العموم مثل من يأتي بأسير فله دينار فهذا يعم كل أسير  .

 وأما الألفاظ الدالة على العموم فكثيرة، ولمعرفتها تراجع كتب اصول الفقه في باب العام والخاص.

تطبيقاتها: 

أ- النكرة في سياق النفي أو النهي مثل قوله تعالى:  وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (التوبة: 84)، وقوله تعالى:  فلا تدعوا مع الله أحدا  (الجن: 18)، فلفظ أحد هنا يفيد العموم، وقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا وصية لوارث)) ، وقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا ضرر ولا ضرار)) . وهي تفيد العموم ظاهرا فإن دخل عليها حرف (من) أفادت العموم قطعا ولم تحتمل التأويل كقولهم ما رأيت من رجل وما جاءني من أحد.

ب- النكرة في سياق الاستفهام مثل كلمة (من) كقوله تعالى: من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا  (البقرة: 245 والحديد: 111)، وكقوله تعالى: من ذا الذي يشفع عندهوكقوله تعالى: فأين تذهبون  (التكوير: 26)، وقوله تعالى: ماذا أجبتم المرسلين  (القصص: 65).

وبهذه القاعدة تم الكتاب وكمل بحمد الله تعالى وتوفيقه وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.


 هذا وقد انتهيت من كتابة هذا الكتاب في الساعة العاشرة من ليلة النصف من شعبان لعام 1421 هجرية الموافق 10/11/2000 م في جامع الإسراء والمعراج بجانب الرصافة ببغداد دار السلام حرسها الله تعالى من كل مكروه وسوء.


الشيخ ابو مصعب ضياء الدين عبدالله محمد

امام وخطيب جامع الاسراء والمعراج



 

المصادر والمراجع


1- القرآن الكريم 

2- الإحكام في أصول الأحكام، علي بن محمد الآمدي أبو الحسن، دار الكتاب العربي – بيروت، الطبعة الأولى، 1404، تحقيق: د. سيد الجميلي.

3-اختلاف الأئمة العلماء المؤلف: يحيى بن (هُبَيْرَة بن) محمد بن هبيرة الذهلي الشيبانيّ، أبو المظفر، عون الدين (المتوفى: 560هـ) المحقق: السيد يوسف أحمد الناشر: دار الكتب العلمية - لبنان / بيروت.

4- اختلاف الفقهاء المؤلف: أبو عبد الله محمد بن نصر بن الحجاج المَرْوَزِي (المتوفى: 294هـ) المحقق: الدُّكْتُوْر مُحَمَّد طَاهِر حَكِيْم، الأستاذ المساعد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الناشر: أضواء السلف- الرياض.

5- إرشاد الفحول إلي تحقيق الحق من علم الأصول، محمد بن علي بن محمد الشوكاني (المتوفى: 1250هـ)، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى 1419هـ - 1999م 

6- الْأَشْبَاهُ وَالنَّظَائِرُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِيْ حَنِيْفَةَ النُّعْمَانِ، الشَّيْخ زَيْنُ الْعَابِدِيْنَ بْنِ إِبْرَاهِيْمِ بْنِ نُجَيْمٍ (926-970هـ): دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة: 1400هـ=1980م

7-الأشباه والنظائر للإمام تاج الدين السبكى، الإمام العلامة تاج الدين عبد الوهاب بن علي ابن عبد الكافي السبكي: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1411 هـ - 1991م.

8- الأشباه والنظائر، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي(هـ911)، الناشر دار الكتب العلمية، بيروت.

9- الأصول من علم الأصول العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، مكتبة الايمان، المنصورة

10- إعلام الموقعين عن رب العالمين، المؤلف: محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله: دار الجيل - بيروت، 1973، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد.

11-البحر الرائق شرح كنز الدقائق المؤلف: زين الدين بن إبراهيم بن محمد، المعروف بابن نجيم المصري (المتوفى: 970هـ)، د ار الكتاب الإسلامي الطبعة: الثانية.

12-البناية شرح الهداية المؤلف: أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابى الحنفى بدر الدين العينى (المتوفى: 855هـ) الناشر: دار الكتب العلمية 13- بيروت، لبنان الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

14- جامع البيان في تأويل القرآن، المؤلف: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ)، المحقق: أحمد محمد شاكر: مؤسسة الرسالة الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م

15- جامع العلوم والحكم ابو الفرج عبد الرحمن ابن رجب الحنبلي(ت795هـ)، دار ابن رجب المنصورة.

16-رد المحتار على الدر المختار-حاشية ابن عابدين- محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي (المتوفى: 1252هـ)، دار الفكر-بيروت الطبعة: الثانية، 1412هـ - 1992م.

17- رسالة في القواعد الفقهية، العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي(ت1376هـ)، المؤسسة السعدية الرياض.

18- روضة الناظر وجنة المناظر، عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو محمد، جامعة الإمام محمد بن سعود – الرياض، الطبعة الثانية، 1399، تحقيق: د. عبد العزيز عبد الرحمن السعيد.

19-روضة الطالبين وعمدة المفتين المؤلف: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ)تحقيق: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت- دمشق- عمان الطبعة: الثالثة، 1412هـ / 1991م.

20- سبل السلام، المؤلف: محمد بن إسماعيل الأمير الكحلاني الصنعاني (المتوفى: 1182هـ)، الناشر: مكتبة مصطفى البابي الحلبي، الطبعة: الرابعة 1379هـ/ 1960م

21- سنن البيهقي الكبرى، المؤلف: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي، الناشر: مكتبة دار الباز، مكة المكرمة، 1414 – 1994، تحقيق: محمد عبد القادر عطا.

22- سنن ابن ماجه، المؤلف: ابن ماجة أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، وماجة اسم أبوه يزيد (المتوفى: 273هـ).

23- سنن أبي داود، المؤلف: أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السِّجِسْتاني (المتوفى: 275هـ).

24- سنن الترمذي، المؤلف: محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، الترمذي، أبو عيسى (المتوفى: 279هـ)

25- سنن الدارقطني، المؤلف: علي بن عمر أبو الحسن الدارقطني البغدادي، الناشر: دار المعرفة - بيروت، 1386 – 1966، تحقيق: السيد عبد الله هاشم يماني المدني

26- سنن النسائي الكبرى، المؤلف: أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة الأولى، 1411 – 1991، تحقيق: د.عبد الغفار سليمان البنداري , سيد كسروي حسن

27- شرح القواعد الفقهية الشيخ احمد محمد الزرقا(ت1357هـ)، تقديم مصطفى احمد الزرقا والدكتور عبد الستار ابو غدة، دار الغرب الاسلامي، ط1 1983م

28- شرح مجلة الأحكام المسمى درر الحكام، علي حيدر، تحقيق تعريب: المحامي فهمي الحسيني، الناشر دار الكتب العلمية، مكان النشر لبنان / بيروت

29- شرح مجلة الأحكام سليم رستم باز، بيروت 1998م

30- صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، المؤلف: محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (المتوفى: 354هـ)، الناشر: مؤسسة الرسالة.

31- صحيح البخاري المؤلف: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، أبو عبد الله (المتوفى: 256هـ) الطبعة الثالثة، 1407 - 1987 دار ابن كثير، اليمامة - بيروت.

32- الجامع الصحيح المسمى صحيح مسلم، المؤلف: مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (المتوفى: 261هـ) محمد فؤاد عبد الباقي الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت.

33-العناية شرح الهداية المؤلف: محمد بن محمد بن محمود، أكمل الدين أبو عبد الله ابن الشيخ شمس الدين ابن الشيخ جمال الدين الرومي البابرتي (المتوفى: 786هـ)، دار الفكر.

34- الفروق، الامام أبو العباس أحمد بن ادريش الصنهاجي القرافي رحمه الله

الناشر دار الكتب العلمية بيروت لبنان 1418 – 1998.

35- فتح الباري شرح صحيح البخاري، المؤلف: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي،: دار المعرفة - بيروت، 1379.

36- القاموس المحيط؛ مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادى (المتوفى: 817هـ) بإشراف: محمد نعيم العرقسُوسي، الناشر: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان الطبعة: الثامنة، 1426 هـ - 2005 م، عدد الأجزاء: 1

37-القواعد الفقهية بين الاصالة والتوجيه الدكتور محمد بكر اسماعيل، دار المنار، الطبعة 1 ، 1997 .

38- القواعد الكلية في الشريعة الإسلامية الدكتور محمد عبد المجيد المغربي

 39- القواعد الفقهية ودورها في إثراء التشريعات الحديثة الدكتور محيي هلال السرحان.

40- القواعد الفقهية مع الشرح الموجز، عزت عبيد الدعاس، دار الترمذي ط31409هـ 1989م دمشق.

41- القواعد الفقهية الكبرى وما تفرع منها، الدكتور صالح بن غانم السدلان، دار بلنسية، مكتبة الملك فهد.

42- القواعد الفقهية المستخرجة من كتاب اعلام الموقعين، ابو عبد الرحمن عبد المجيد جمعة الجزائري، دار ابن القيم ودار ابن عفان.

43- القواعد والاصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة، الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، مكتبة المعارف الرياض 1406هـ 1985م.

44- القواعد النورانية لشيخ الاسلام ابن تيمة، بتحقيق محمد حامد الفقي، 1983م لاهور

45-كشاف القناع عن متن الإقناع، المؤلف: منصور بن يونس بن صلاح الدين ابن حسن بن إدريس البهوتى الحنبلى (المتوفى: 1051هـ)، ار الكتب العلمية.

46- كفاية الأخيار في حل غاية الإختصار، تقي الدين أبي بكر بن محمد الحسيني الحصيني الدمشقي الشافعي.

47- مجلة الأحكام العدلية، جمعية المجلة، تحقيق نجيب هواويني، الناشر كارخانه تجارت كتب .

48-مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحرالمؤلف: عبد الرحمن بن محمد بن سليمان المدعو بشيخي زاده, يعرف بداماد أفندي (المتوفى: 1078هـ) الناشر: دار إحياء التراث العربي.

49- مجموع الفتاوى، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى: 728هـ).

50- المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية الدكتور عبد الكريم زيدان / دار عمر بن الخطاب.

51- مسند أحمد، المؤلف: أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (المتوفى: 241هـ).

52- المغني، أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد، الشهير بابن قدامة المقدسي (المتوفى: 620هـ).

53- منظومة القواعد الفقهية الشيخ عبد الرحمن ناصر السعدي.

54- منهاج الوصول في علم الاصول الامام عبد الله بن عمر البيضاوي(ت 685هـ).

55-الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف المؤلف: علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي الدمشقي الصالحي الحنبلي (المتوفى: 885هـ)، ار إحياء التراث العربي.

56- النظرية العامة للضرورة في الفقه الإسلامي الدكتور محمد سعود المعيني.

57-نهاية المطلب في دراية المذهب، عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني، أبو المعالي، ركن الدين، الملقب بإمام الحرمين (المتوفى: 478هـ)، دار المنهاج الطبعة: الأولى، 1428هـ-2007م.

58- الواضح في أصول الفقه الدكتور محمد سليمان الأشقر.

59- الوجيز في شرح القواعد الفقهية الدكتور عبد الكريم زيدان / الرسالة.

60- الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية الدكتور محمد صدقي بن أحمد بن محمد البورنو، مؤسسة الرسالة.

61- الورقات في اصول الفقه للإمام الجويني شرح الإمام جلال الدين المحلي.



الفهرس


المقدمة: 3

المبحث الأول: تعريف ببعض المصطلحات 7

المبحث الثاني: القواعد الفقهية الكلية 11

القاعدة رقم (1): الأمور بمقاصدها 11

القاعدة رقم (2): العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني 13

القاعدة رقم (3): التبرع لا يتم إلا بالقبض 15

القاعدة رقم (4): اليقين لا يزول بالشك 16

القاعدة رقم (5): الأصل براءة الذمة 18

القاعدة رقم (6): الأصل بقاء ما كان على ما كان 20

القاعدة رقم (7): الأصل في الصفات العارضة العدم 22

القاعدة رقم (8): الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته 23

القاعدة رقم (9): القديم يترك على قِدَمه 25

القاعدة رقم (10): الضرر لا يكون قديما 25

القاعدة رقم (11): الأصل في الكلام الحقيقة 26

القاعدة رقم (12): إذا تعذرت الحقيقة يصار إلى المجاز 27

القاعدة رقم (13): إعمال الكلام أولى من إهماله 28

القاعدة رقم (14): ذكر بعض ما لا يتجزا كذكر كله 29

القاعدة رقم (15): لا ينسب إلى ساكت قول 30

القاعدة رقم (16): السكوت في معرض الحاجة بيان 31

القاعدة رقم (17): لا عبرة بالدلالة في مقابلة التصريح 32

القاعدة رقم (18): لا عبرة للتصريح بعد العمل 33

القاعدة رقم (19): المطلق يحمل على إطلاقه ما لم يقم دليل التقييد نصا أو دلالة 34

القاعدة رقم (20): لا مساغ للاجتهاد في مورد النص 35

القاعدة رقم (21): الاجتهاد لا ينقض بمثله 36

القاعدة رقم (22): المشقة تجلب التيسير 38

القاعدة رقم (23): إذا ضاق الأمر اتسع 40

القاعدة رقم (24): الضرورات تبيح المحظورات 42

القاعدة رقم (25): الضرورات تقدر بقدرها 43

القاعدة رقم (26): الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة أو خاصة 44

القاعدة رقم (27): ما جاز لعذر بطل بزواله 46

القاعدة رقم (28): إذا زال المانع عاد الممنوع 47

القاعدة رقم (29): الاضطرار لا يبطل حق الغير 48

القاعدة رقم (30): ما حرم أخذه حرم إعطاؤه 49

القاعدة رقم (31): ما حرم فعله حرم طلبه 50

القاعدة رقم (32): لا ضرر ولا ضرار 50

القاعدة رقم (33): الضرر يزال 52

القاعدة رقم (34): الأصل في المضار التحريم 53

القاعدة رقم (35): الضرر لا يزال بمثله 54

القاعدة رقم (36): الضرر يدفع بقدر الإمكان 55

القاعدة رقم (37): يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام 56

القاعدة رقم (38): الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف 57

القاعدة رقم(39): إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمها ضررا بارتكاب أخفها 58

القاعدة رقم (40): يختار أهون الشرّين – أو أهون الضررين- 58

القاعدة رقم (41): إذا تزاحمت المصالح قدم الأعلى منها فيقدم الواجب على المستحب والراجح على المرجوح 59

القاعدة رقم (42): درء المفاسد أولى من جلب المصالح 60

القاعدة رقم (43): العادة مُحَكَّمة 62

قاعدة رقم (44): استعمال الناس حجة يجب العمل بها 63

القاعدة رقم (45): لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان 65

القاعدة رقم (46): الممتنع عادة كالممتنع حقيقة 66

القاعدة رقم (47): العبرة للغالب الشائع لا للنادر 67

القاعدة رقم (48): إذا تعارض المانع والمقتضى يقدم المانع 68

القاعدة رقم (49): التابع تابع 70

القاعدة رقم (50): التابع لا يفرد بالحكم 71

القاعدة رقم (51): من ملك شيئا ملك ما هو من ضروراته 71

القاعدة رقم (52): إذا سقط الأصل سقط الفرع 72

القاعدة رقم (53): الساقط لا يعود كما أن المعدوم لا يعود 73

القاعدة رقم (54): قد يثبت الفرع مع عدم ثبوت الأصل 74

القاعدة رقم (55): إذا بطل الشيء بطل ما في ضمنه 75

القاعدة رقم (56): إذا بطل الأصل يصار إلى البدل 76

القاعدة رقم (57): يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع 78

القاعدة رقم (58): التصرف على الرعية منوط بالمصلحة 78

القاعدة رقم (59): الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة 81

القاعدة رقم (60): دليل الشيء في الأمور الباطنة يقوم مقامه 82

القاعدة رقم (61): الكتاب كالخطاب 83

القاعدة رقم (62): الإشارة المعهودة للأخرس كالبيان باللسان 84

القاعدة رقم (63): يقبل قول المترجم مطلقا 85

القاعدة رقم (64): لاعبرة بالظن البين خطؤه 86

القاعدة رقم (65): لا حجة مع الاحتمال الناشئ عن دليل 88

القاعدة رقم (66): لا عبرة للتوهم 89

القاعدة رقم (67): الثابت بالبرهان كالثابت بالعيان 90

القاعدة رقم (68): البينة على المدعي واليمين على من أنكر 92

القاعدة رقم (69): البينة لإثبات خلاف الظاهر واليمين لإبقاء الأصل 93

القاعدة رقم (70): البينة حجة متعدية والإقرار حجة قاصرة 94

القاعدة رقم (71): المرء مؤاخذ بإقراره 95

القاعدة رقم (72): لا حجة مع التناقض ولكن لا يختل معه حكم الحاكم 97

القاعدة رقم (73): الخراج بالضمان 98

القاعدة رقم (74): الأجر والضمان لا يجتمعان 99

القاعدة رقم (75): الجواز الشرعي ينافي الضمان 100

القاعدة رقم (76): المباشر ضامن وإن لم يتعمد 102

القاعدة رقم (77): المتسبب لا يضمن إلا بالتعمد 102

القاعدة رقم (78): الغرم بالغنم (من له الغنم عليه الغرم). 103

ألقاعدة رقم (79): إذا اجتمع المباشر والمتسبب يضاف الحكم إلى المباشر 104

القاعدة رقم (80): يضاف الفعل إلى الفاعل لا إلى الآمر ما لم يكن مجبرا 105

القاعدة رقم(81): لا يجوز لأحد أن يتصرف في ملك الغير بلا إذنه 106

القاعدة رقم (82): جناية العجماء جُبَار 108

القاعدة رقم (83): الحدود تدرأ بالشبهات 109

القاعدة رقم (84): من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه 110

القاعدة رقم (85): إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام 112

القاعدة رقم (86): الأصل في الإبضاع التحريم 114

القاعدة رقم (87): الأصل في الأشياء الإباحة 114

القاعدة رقم (88): الأصل في العادات الإباحة والأصل في العبادات الحظر 116

القاعدة رقم (89): ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب 117

القاعدة رقم (90): الخروج من الخلاف مستحب 119

القاعدة رقم (91): ليس لعرق ظالم حق 121

القاعدة رقم (92): الإسلام يَجّبُ ما قبله 122

القاعدة رقم (93): الميسور لا يسقط بالمعسور 122

القاعدة رقم (94): لا يجوز لأحد أن يأخذ مال أحد إلا بسبب شرعي 124

القاعدة رقم (95): على اليد ما أخذت حتى تؤديه 125

القاعدة رقم (96): السؤال معاد في الجواب 126

القاعدة رقم (97): للأكثر حكم الكل 127

القاعدة رقم (98): الوصف في الحاضر لغو وفي الغائب معتبر 127

القاعدة رقم (99): المواعيد بصورة التعليق تكون لازمة 129

القاعدة رقم (100): المجهول في الشريعة كالمعدوم والمعجوز عنه 130

القاعدة رقم (101): النعمة بقدر النقمة والنقمة بقدر النعمة 131

القاعدة رقم (102): الوسائل تعطى أحكام المقاصد 132

القاعدة رقم (103): التلف في يد الأمين غير مضمون إلا بالتعدي أو التفريط وفي يد الظالم مضمون مطلقا 134

القاعدة رقم (104): الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما 134

القاعدة رقم (105): الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا 136

القاعدة رقم (106): المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا 136

القاعدة رقم (107): المشغول لا يشغل 138

القاعدة رقم (108): إذا جاءت النكرة بعد النفي أو النهي أو الاستفهام دلت على العموم والشمول 138

المصادر والمراجع 141

الفهرست 147






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق