تعريف العقل
ما هو العقل؟
تعريف العقل في اللغة: أصل مادته الحبس والمنع، سمي بذلك إنه يعقل صاحبه ويحجزه ويمنعه عن الوقوع في الخطأ والهلكة، ويحجزه عن الهلاك ويمنعه من الوقوع فيه، وسمي حجراً لأجل ذلك، وسمي نهية لأولي النهى؛ لأنه ينهى صاحبه عن فعل ما لا يحمد، فيطلق العقل إذن في اللغة على هذا.
وأما في الاصطلاح يطلق: على الغريزة المدركة التي ميز الله بها الإنسان عن سائر الحيوانات. والتي إذا فقدها يسقط التكليف الشرعي.
هذا العقل يطلق أيضاً على هذه المعارف الفطرية، والعلوم الضرورية التي يشترك فيها جميع العقلاء.
يعني مثل البدهيات والمسلمات، مثل أن الجزء أصغر من الكل، وأن الحادث لابد له من محدث. كما يقال: بعض هؤلاء في المسلمات يطلق على التجارب الحسية والمعارف النظرية، ويسمى فاقد هذا جاهلاً أو أحمقاً.
وكذلك يطلق على العمل بمقتضى العلم، ولذلك فإن الله سمى الكفار، أطلق عليهم نفي العقل عند دخولهم النار قال تعالى: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك: 10].
قال شيخ الإسلام: "فلا يسمى عاقلا إلا من عرف الخير فطلبه والشر فتركه". [الإيمان لابن تيمية: 2/24].
وقال ابن القيم رحمه الله: "العقل عقلان: عقل غريزي طبيعي طبعي هو أبو العلم ومربيه ومثمره. وعقل كسبي مستفاد وهو ولد العلم وثمرته ونتيجته، فإذا اجتمعا في العبد استقام أمره وأقبلت عليه جيوش السعادة من كل جانب، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء". [مفتاح دار السعادة: 1/117].
إذن ما هما هذان العقلان ها؟ ما هما هذا العقلان اللذين إذا اجتمعا أثمرا السعادة، وإذا فقدهما فالحيوان البهيم أحسن حالاً منه، وإذا فقد أحدهما أو انتقص انتقص صاحبه بقدر ذلك، ما هما العقلان؟"
أيوه العقل الغريزي الطبعي أيوه، والعقل الكسبي الذي يستفيد.
فإذن الأول هذا هو المحرك والآلة التي يعقل بها الإنسان ويفهم، والكسبي المستفاد استعمال هذا العقل لتتأتى الثمرات والنتيجة.
مكانة العقل في الإسلام
العقل في الإسلام له منزلة كبيرة؛ لأن بعض الناس إذا أراد أن يتكلم في مسألة تقديم الرأي على الوحي ربما نسف العقل كله، وقال: كأنه جعل العقل لا قيمة له، وهذا غير صحيح.
العقل له قيمة كبيرة في الدين، ليست الآفة من العقل، الآفة في تقديم العقل على الوحي، ليست الآفة في إعمال العقل وتشغيله، الآفة في إعماله فيما لا يجوز إعماله فيه كصفات الرب والغيبيات، التي لا تدرك إلا من الوحي، ليس الدين إلغاءً للعقل، العقل يستنبط الأحكام الشرعية عقول الفقهاء تأتي بالأحكام والاجتهادات.
العقل مهم جداً الذي لا يعقل هذا دابة، بل إن الدابة عندها غرائز تميز بها الذي يضرها وتبتعد عنه، والذي ينفعها فتأتيه، وبعض الدواب تألف وتتمرن وتتدرب.
العقل في الإسلام له وضع عظيم يليق به، لكن لا يمكن أن يكون إلهاً، الفلاسفة يجعلون العقل هو الإله، العقل له منزلة عظيمة في الإسلام لكن لا يمكن أن يستقل بمعرفة تفصيلات ما يحتاجه البشر.
يعني مثلاً العقل ممكن يدرك أن الإنسان إذا مات فإن له أبوان فإن أبويه يرثانه، لكن هل يعرف العقل كم؟ يستقل بمعرفة النسب التفاصيل يعرفها هل يعرفها؟ هل يعرف أن الأم لها الثلث والباقي للأب إذا ما في أولاد للميت؟ وإذا في أولاد لأبويه لكل واحد له السدس؟ هل العقل يمكن أن يستنتج أو يتوصل إلى هذه النتيجة يعرفها من تلقاء نفسه؟ لا يمكن الإخوة لأم يرثون الثلث.
لا يمكن إذن إعمال العقل، هو أمر شرعي الله أمرنا أن نعمل عقولنا، ولا عقل كاملاً بلا شرع، وكذلك لا شرع كامل بلا عقل.
والعقل: مناط التكليف والذي يفقد العقل لا يكلف.
المجنون لا يجري عليه قلم التكليف، والله في كتابه يثني على أصحاب العقول، والآيات والأحاديث تستثير العقل ليفكر ويستنبط ويجتهد، والقرآن مليء بعبارات مثل: لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [البقرة: 73]. لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [يونس: 24]. لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ [الأنعام: 98]، تتكرر عشرات المرات في السياق القرآني.
أهمية العقل
وتتبين قيمة العقل وأهميته من وجوه:
أولاً: أن القرآن يدعو إلى إعمال العقل عموماً: لكن في أي شيء. فيما يحسنه لا فيما لا يحسنه، فيما يستطيعه لا فيما لا يستطيعه.
فمثلاً: يدعو إلى توجيه النظر والتدبر والتأمل والتفكر، في السماوات في الأرض في.. سيروا فيها، انظروا ماذا خلق الله، كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [البقرة: 73].
إنزال المطر هذا يدل على أشياء، والعلاقة بين نزول المطر ونزول الوحي، ونزول الوحي هذا لابد من فهم ما أنزل الله، وأن يعقل العبد عن ربه ماذا؟ ما هي الرسالة التي أرسلها إليه؟ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف: 2].
الله لا يخاطب إلا العقلاء وَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ [ص: 43].
رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق [رواه أبو داود:4403، وحسنه الألباني صحيح أبي داود: 1904].
ثالثاً: ذم الله تعالى من لا يستعملون عقولهم: وقال عن أهل النار: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:10]. وقال: أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ [البقرة: 170].
ماذا تفعل لهم إذا كان هذا حال الآباء؟ وكيف يقلدون آباءهم إذا كان آباءهم بلا عقل؟
وليس المعنى أنهم مجانين لكن معناها أن عندهم عقول لا يستعملونها كما أمر الله، ولا يفهمون بها ماذا أراد الله.
رابعاً: ذكر ربنا بالثناء عدداً من أعمال العقل: كالتدبر والتفكر: لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ [البقرة: 219]، أَفَلَا تَعْقِلُونَ[البقرة : 44].
بل وبخ الذين لا يستعملون هذا في التفكر في كتابه: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ [النساء: 82].
خامساً: مدح الذين يستعملون عقولهم في إدراك الحق: فَبَشِّرْ عِبَادِي الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَهَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الزمر: 18]. العقول.
سادساً: اعتنى الشرع في تشريعات خاصة بحماية العقل، كحد المسكر، وتحريم ما يضر العقل كالمخدرات، ولذلك فإن العقل في الشريعة أحد الضرورات الخمس التي جاءت أحكامها بحفظها.
وجه الخلل في استعمال العقل
فإذن ما دام العقل بهذه المثابة وهذه المنزلة في الشريعة فأين الخلل؟ أين الخلل عند هذه الطوائف؟ الذين فيهم أذكياء، يعني المعتزلة فيهم أذكياء هؤلاء الطوائف، يعني الفلاسفة فيهم أذكياء لكن أين الخلل؟
الخلل في أمور منها: الاغترار بالعقل، العقل مهما بلغ له حدود الله خلقه يدرك، ولكنه لا يدرك كل شيء، وكما أن للعين منتهى للإبصار، فللعقل منتهى في الفكر. وكما أن العين لا تدرك ما وراء حد الإبصار، فكذلك العقل لا يدرك ما وراء الحد الفكر الذي يطيقه فهو حاسة لها إدراك.
ولذلك أمر الشرع أصحاب العقول بالامتثال للأمر الإلهي حتى لو عجزوا عن إدراك ما هي الحكمة؟ ما هي العلة؟ ما هو السبب؟ لماذا؟
وكانت معصية إبليس الأولى أنه قاس بعقله في مقابل نص، وأمر واضح جداً، فأمره الله بالسجود فاستعمل القياس العقلي: أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً [الإسراء: 61]، خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف:12]، أنا أفضل منه فكيف أسجد له؟
مع أنه لا يسلم لإبليس أن النار أفضل من التراب، بل أن العقول الصحيحة تدل على العكس، فالنار لها فوائد ولكنها محرقة ومدمرة، أما التراب ففيه هذا الزرع وهذه الفوائد، وهذه المعادن، وفيه السكون، وفيه السكينة.
على أية حال، هذا إبليس أول معصية عصي الله بها في الأرض والسماوات أنه قاس بعقله، وقدم رأيه على الأمر الإلهي وعصى.
الإسلام والشرع يجعل للعقل حدوداً، وهذا أصلاً يصون العقل، لأن ما بعد هذا تخبط، والتخبط يعني مثل ما تستعمل شيء يضر النظر، أو يضر السمع كذلك إعمال العقل في الغيبيات التي لا تدركها هو ضار بالعقل.
وإذا استعمل الشيء في غير ما يطيقه ينكسر يتلف يفسد، استعمل قلم في فتح باب مغلق، الباب المغلق له مفتاح وليس القلم يفتح الباب، فلما استعمل القلم في شيء لم يجعل له يتلف ويفسد.
أمور لا مدخل للعقل فيها
طيب ما هي الأشياء التي لا مدخل للعقل فيها؟ وينبغي خلاص التوقف إذا جاءت هذه، إذا جاءت هذه الأبواب نتوقف، منها:
أولاً: الغيبيات. فمعرفة الغيب من اختصاص الله تعالى، وقد طواه الله عن خلقه وأخفاه عنهم، سواءً من الغيب الماضي أو الحاضر أو المستقبل، فمثلاً الآن صفات الله من جهة الكيفية غيب طواه الله عنها.
نحن لا نعرف كيف وجهه؟ كيف يده؟ كيف قدمه؟ سبحانه ما نعرف نثبت أنها له كما أخبر، لكن ما ندخل في كفيتها ما نعرف كيف هذه الصورة؟
وكذلك في المخلوقات، في أشياء طواها الله عنا مثلاً الجنة والنار: ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر [رواه البخاري: 3244].
ما يمكن مهما فكرت بعقلك ما يمكن تصل إلى شكل رمان الجنة ما يمكن أن تصل، ولا يمكن أن تتخيل ملائكة العذاب، وإن كنت تعرف يقيناً أنهم غلاظ شداد، لكن ما يمكن أنك تتخيل صورهم.
وهكذا من الجن والملائكة ونحو ذلك، فالعقل البشري لا يهتد إلى ما طواه الله عنه من أمور الغيب.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فما أخبرت به الرسل من تفاصيل اليوم الآخر، وما أمرت به من تفاصيل الشرائع، لا يعلمه الناس بعقولهم، كما أن ما أخبرت به الرسل من تفصيل أسماء الله وصفاته لا يعلمه الناس بعقولهم، وإن كانوا يعلمون بعقولهم جمل ذلك". [الرسالة التدميرية: 1/130].
يعني ممكن مثلاً العقل يدرك يعني أن، أو يعني يستنتج في يعني أن الله يكافئ من أطاعه، لكن تفاصيل المكافأة، يعني أنه يوجد في الجنة: وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنثُوراً [الإنسان: 19].
يعني مثلاً: العقل لا يستطيع أن يتوصل، يعني يدرك في الجملة، ممكن يستنتج العقل في الجملة أن الله يكافئ من أطاعه، لكن بحور عين يرى مخ ساقها من وراء جلد ما يمكن، لا يمكن أن يدرك أن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها كذا في كذا، ما يمكن أنه يتوصل إلى هذه المعلومات أن أنهار الجنة تجري في غير أخاديد أنها فوق سطح أرض الجنة، لكنها مع ذلك ما تنساح وليس لها ما هي محفورة في أخاديد ما يمكن أن يستنتج هذا.
ثانياً: إدراكات العقل مجملة لا مفصلة. فقد يدرك أن هذا الفعل حسن مثل العدل، وأن هذا الفعل قبيح مثل الظلم، لكن قد لا يدرك عمل معين من الأعمال هو من أي قسم قد لا يدرك.
الشرع مثلاً قال: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة: 179]. وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة: 179]. طيب القصاص موت، فكيف يكون فيها حياة؟
بالردع الذي جعل الله بالموت تنجو نفوس كانت ستقتل لو ما كان في قصاص.
القصاص هذا تفصيله يعني مثلاً الدية كم؟ ما يدركها العقل أنه مائة من الإبل كذا وفي؛ لأنه في دية القتل الخطأ غير قتل القتل دية القتل شبه العمد، ودية في فروق أصلاً يمكن العقل يدرك أنها مائة من الإبل فضلاً على أنها ثلاثين كذا، وثلاثين كذا أنها أقسام كذا، وأقسام كذا.
وكذلك ما يمكن أن يعرف دية الأصابع، دية الشجاج، دية مثلاً الأعضاء تفصيلها.
ثم إن العقول البشرية يتفاوت إدراكها، فقد يستحسن عقل ما لا يستحسنه عقل آخر، ويستقبح عقل ما لا يستقبحه عقل آخر، ويدرك عقل ما لا يدركه عقل آخر، فإلى من يجعل الأمر لو كانت المسألة على العقل؟ عقل من؟ وإذا مات من يخلف؟ أي عقل؟ وهؤلاء العقلاء الموجودون عقل فلان وإلا عقل فلان؟ ومن هو صاحب العقل الأكبر من الجميع هل في أحد؟ ومن هو؟ وهل في؟ وقد يكون بعضهم يعقل في مجال أكثر من غيره الذي يعقل في مجال أكثر من الأول.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "ما علم بصريح العقل لا يتصور أن يعارضه الشرع البتة".
يعني لو العقلاء أتفقوا على شيء عقلاء العالم أجمعوا على شيء لا يمكن أن ترى الشرع يعارض هذا، يعني لو عقلاء العالم عقلاء المسلمين وعقلاء الكفار عقلاء الأرض كلهم أجمعوا على لا يمكن أن تجد الشرع يعارض هذا.
يقول شيخ الإسلام: "ما علم بصريح العقل لا يتصور أن يعارضه الشرع البتة، بل المنقول الصحيح لا يعارضه معقول صريح قط".
قال: "وقد تأملت ذلك في عامة ما تنازع الناس فيه، فوجدت ما خالف النصوص الصحيحة الصريحة يعني العقليات التي تخالف نصوص صريحة صحيحة بل يمكن أن يعلم بالعقل بطلان هذا -بل يعلم نقيضها- إثبات النقيض". [درء تعارض العقل والنقل: 1/96].
والشرع جاء موافقاً للعقل الصحيح فلا يعلم حديث واحد على وجه الأرض يخالف العقل أو السمع الصحيح إلا وهو عند أهل العلم ضعيف أو موضع.
يعني لو طلع لنا حديث: لو اعتقد أحدكم بحجر لنفعه، هذا حديث لكنه باطل موضوع مكذوب، ويعلم بالعقل أنه باطل.
أنه طيب هذه حجارة ما تنفع ولا تضر مخلوقة يعني كيف يعني أي واحد اعتقد، لو أنا اعتقدت أن هذا ينفع من الروماتيزم سينفع، ولو اعتقد ذاك أن هذا ينفع من الربو سينفع، ولو أعتقد أن هذا ينفع في الإنجاب ينفع، ولو اعتقد الرابع أنه في أي حجر آخر أنه ينفع فسينفع.
هذا ما يمكن العقلاء يأبون، والشرع طبعاً يأبى هذا، والكتاب والسنة من حيث الواقع لا تعارض العقل بحال.
والسلف نظراً لكمال عقولهم ما قدموا عقولهم على الوحي؛ لأنهم كانوا يدركون بعقولهم أنه لا يمكن المعارضة أصلاً، فكانوا يسلمون للشرع وآرائهم تتفق مع الشرع في الجملة، مع أنهم لم يلغوا العقل.
والأحكام التشريعية الأحكام التشريعية لا يعارضها العقل بمعنى أنه مثلاً العقل الصحيح يأباها أو يرفضها أو يمجها، أو أنه يستقبحها ويستقذرها لا يمكن.
قال ابن القيم رحمه الله: "إن ما علم بصريح العقل الذي لا يختلف فيه العقلاء لا يتصور أن يعارضه الشرع البتة، ولا يأتي بخلافه، ومن تأمل ذلك في ما تنازع العقلاء فيه من المسائل الكبار وجد ما خالفت النصوص الصحيحة الصريحة شبهات فاسدة يعلم بالعقل بطلانها". [الصواعق المرسلة: 3/829].
-طيب أهل العلم يقسمون أوامر الشرع وأحكام الشرع إلى قسمين: معقولة المعنى، وغير معقولة المعنى. ماذا يقصدون بهذا؟
معقولة المعنى: التي يمكن للعقل بالنظر فيها معرفة العلل، واستخراج الأسباب واستنباط الأحكام.
وهناك تشريعات غير معقولة المعنى: يعني العقل لا يمكن أن يدرك ما هي العلة من وراء ذلك؟ ما هي الحكمة من وراء ذلك؟ ولأجل هذا يطلقون عليها العلماء على هذا القسم: أحكام تعبدية محضة.
ويقال: هذا الحكم تعبدي، ما معنى؟ تعبدي طبعاً حتى الأول المعقول المعنى يتعبد به الله، لكن المقصود خصيصاً هنا أن هذا تعبدي محض لا مدخل للعقل في فهم أو إدراك ما وراء أو السبب أو العلة والحكمة.
مثال عدد الصلوات هل العقل يستطيع أن يستنتج لماذا الفجر ثنتين؟
يقول: لأن الناس مثلاً قائمين من النوم تعبانين كانوا، يعني أحسن ركعتين.
طيب كان عليه الصلاة والسلام يطيل صلاة الفجر أكثر من كل الصلوات، طيب صلاة الظهر عند القيلولة لماذا ما صارت اثنتين؟ طيب المغرب لماذا ثلاثة؟ طيب والعشاء قريبة من النوم أربعة.
ما في طريقة ما في طريقة نعرف العقل ما يستطيع أن يدرك لماذا هذه اثنتين وهذه ثلاثة وهذه أربعة؟ ما يدرك ما يمكن أن يصل إلى نتيجة في هذا.
وكذلك مثلاً مقادير أنصبت يعني مثلاً عشرون مثقالاً، طيب لماذا ثمان عشر؟ لا طيب خمسة عشر لا ليش ما صارت خمسة وعشرين؟ وهكذا في الأنصبة.
لكن العقل ممكن يدرك مثلاً: لماذا ما سقت السماء فيه أكثر، يعني في زكاة أكثر من الذي سقاه بنفسه؛ لأن هذه فيها مؤنة وكلفة، وهذه ما فيها مؤنة وكلفة تسقى بماء السماء.
فالعقل يدرك أن هذه زكاة أيوه، الآن مفهوم لماذا هذه زكاتها أكثر من هذه.
فالعقل قد يدرك بعض الأشياء، مثلاً لماذا كان هذا؟ مثلاً لماذا من مصاريف الزكاة مثلاً الفقراء؟ يعني واضح فيها وضوح.
لكن لماذا نصاب زكاة الغنم اثنين يبدأ من مائة وواحد وعشرين؟ يعني يقول الأربعين فيها زكاة، طيب لماذا خمسة وثلاثين ما فيها؟
الحكمة من الأحكام التعبدية
والله يعني في الأحكام يبتلي عباده. يعني لو واحد قال: لماذا ما كانت كل الأحكام معللة ومفهوم ليش والحكمة من ورائها؟
نقول: تصور لو كان ذلك زال قضية اختبار العباد في التسليم، يعني لابد أن يكون الشرع جعل الله الشرع جعل فيه مناطق يتوقف عندها العقل في مسألة العلة والحكمة من ورائها لأجل اختبار تسليم العباد.
يعني أنت حتى لو ما عرفت العلة تنفذ وإلا لا أنت حتى لو ما عرفت الحكمة تنفذ وإلا لا؛ لأنه بعض الناس عندهم الآن فتنة يقول: ما أنفذ من الشرع إلا ما أنا مقتنع به اللي يدخل عقلي أسويه، واللي ما يدخل عقلي ما أسويه.
هذا مزلة الأقدام وهذه الفتنة، وهذا الامتحان الذي امتحن الله به العباد في موضوع التسليم للشرع والإذعان للحكم والطاعة والانقياد، وهذا معنى الإسلام أصلاً.
ولذلك سيأتي منحرفون ويقولون: لماذا الشرع كذا؟ ولماذا حرم كذا؟ ولماذا أوجب كذا؟ لماذا ما أوجب كذا؟ ولما ما حرم كذا؟ ويقترحون على الشرع.
فهؤلاء طبعاً فاقدين لقضية الاستسلام التي هي أساس دين الإسلام.
نأتي الآن إلى هذه المدرسة مدرسة تقديم العقل أو الرأي على الشرع، هذه يعني هذا الانحراف سيجعل العقل هو المرجع الأول والأخير؛ لأنه بناءً عليه سيقبل أو يرفض، وبناءً عليه سيعمل أو لا يعمل.
فإذن لا يجعلون الشرع هو المرجع، وإنما يجعلون العقل هو المرجع، وأي عقل؟ كل واحد هو وعقله، أو إذا اتفقوا مثلاً بعض طائفة اتفقت وسوت فرقة وطوروها، يعني كلما طلع واحد منظر يطور في الفرقة هذه، ويطلع عندنا مجموعة في طائفة مثلاً هذا خلاص العقول.
وهؤلاء يتناقضون ويختلفون أيضاً، ولذلك تجد أن، يعني تنشأ فرقة ثم يتفرع منها فرق، تطلع فرقة وتتفرع منها فرق وفي اختلافات بينها، فلا تظنن مثلاً أن الرافضة فرقة واحدة لا لا فيهم فرق فيهم الأصولية والإخبارية، ولا تظنن أن كل، يعني أصلاً نشأت من ماذا؟
نشأت انحراف من الانحرافات، فتجدهم مدارس وبينها فروقات العصر الذي نحن فيه الآن طبعاً فتنة العقل فيه فتنة كبيرة نظراً لماذا؟ للاختراعات والآلات، فصار دور العقل مضخم كثيراً بهذه الدنيويات التي اخترعها البشر.
يعني واحد، يعني هؤلاء المفتونون أكلوا مقلباً في أنفسهم، يعني اخترعوا أشياء وظنوا أن هذه الأشياء التي اخترعوها تعرفهم كل شيء يعني، يعني ما دام اخترعنا أنظمة اتصالات وطيران، وتحكم عن بعد... وإلى آخره.
خلاص نحن نفهم الآن في المواريث ونفهم نحسن أمور العبادات، ونحن نحكم في يعني الاقتصاد، نحن خلاص نفتي الآن اخترعنا كل هذه الأشياء صار الآن يعني البشرية نضجت ونمت، والعقول تقدمت وكل هذه المعارف والاكتشافات والاختراعات والآلات والتقنية خلاص هذا ترى هذه يعني ما فتح على البشر الآن.
تطورات العصر تنذر بقرب القيامة
طبعاً ما فتح مثله من قبل، يعني أنت الآن تشوف تطور الاكتشافات والاختراعات، يعني من آدم إلى كما يقولون: العصر الحديث الآلة البخارية واختراع الكهرباء مثلاً، وما بعده من قبل كانت وتيرة الاكتشافات متصاعدة والاختراعات والصناعات متصاعدة بس متصاعدة بماذا؟ بمنحنى معين تسارع معين.
لكن من لما وصلنا إلى العصر الحديث هذا، وما بعد الآلة البخارية صار تسارعت الاكتشافات والاختراعات جداً بحيث يمكن أن نقول: أن البشرية مثلاً في آخر مائتين سنة اخترعت واكتشفت أشياء أكثر بكثير من العشر الآلاف الماضية مثلاً وهذا واضح يعني.
يعني الطيران التقنية هذه الحواسيب الأشياء مذهلة، وهذا هذا واضح يعني ما أحد يستطيع أن ينكر أنه التقدم البشري في المائتين السنة هذه الأخيرة ولا المائة السنة الأخيرة يفوق يعني في تسارعه يفوق آلاف السنين الماضية.
يعني من أول مثلاً يقولوا: ما هو أهم اختراع كذا؟ يقول: اختراع العجلة أن اختراع العجلة هذا مكن من مثلاً وسائل النقل وعمل قفزة بس قفزة معينة يعني، لكن الآن عن مائة سنة الأخيرة هذه، يعني شيء تسارع كبير جداً.
وهذا التسارع والله أعلم منذر بقرب قيام الساعة؛ لأن حق على الله أن لا يرفع شيئاً إلا وضعه: حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا [يونس: 24]. يعني الآن الفتنة في ظن أهلها أنهم قادرون عليها ما حصلت من قبل ما حصلت مثلها من قبل.
يعني فرعون والأنهار تجري من تحتي وكل الذي كان صاير، وكل اللي كان عند الرومان واليونان كان في حضارات واللي عند عاد وثمود.
الآن يعني ما مر على البشر وقت ممكن تغتر فيه البشرية مثل الآن، ويظن أهلها أنهم قادرون عليها مثل الآن ما حصلوا، وبالتالي يعني سيكون الانهيار؛ لأنه تطلع إلى فوق إلى الأعلى ثم سيكون كارثياً، وذاك ما هو غريب طبعاً في آخر الزمان يعودون إلى وسائل بداية والأولية، لأن نحن الآن الحضارة التي نحن فيها الآن تنتظر شيئاً واحداً بس أمر الله؛ لأنه في سنن إلاهية هذا ما هو وهم، هذا ما هو يعني رجم بالغيب: حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا [يونس: 24].
أقمار اصطناعية يتحكمون كذا ويفعلون: وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ [يونس: 24].
فلا تنتظر هذه الحضارة إلا أمر الله بس يأتي وتنتهي تنهار، والله قال: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [الرحمن: 26]. لا راح يبقى لا أقمار صناعية، ولا ناطحات سحاب ولا مراكز أبحاث، ولا آلات كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [الرحمن: 26] ستنتهي أو تنتهي قطعاً، لكن كيف ستنتهي؟ علمها عند الله، ولكنها ستنتهي.
وهذه الثورة التي نعيش فيها الآن في ثورة البشرية الآن في ثورة اختراعات وعلى الجينات والجينات الوراثية، وجينوم خريطة خلاص وكدنا يقول: كدنا خلاص بس باقي شوية نخترع الخلية باقي شوي نخترع الروح، باقي شوي نعالج الهرم، وباقي شوي يصير ما في موت وتنحل مشكلة الموت.
خلاص وصل بهم الغرور مداه، فسيأتيهم أمر الله أكيد مائة في المائة سيأتيهم أمر الله، وإذا جاء أمر الله سترى كل ما هنالك سقط: فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ [يونس: 24].
ما هو ضروري أن البشر يزدادون قوة إلى قوة إلى قوة إلى قوة إلى قوة إلى قوة لا لا لماذا هؤلاء قوم ثمود قوم عاد طيب كان عندهم قوة وقوة متصاعدة يعني صح كان عندهم قوة في العمران والبنيان والأجساد، وكانوا يتحكمون يعني يتحكمون في من حولهم يتحكمون بالبلد وطغوا في البلاد، يعني مهو بس أنه منطقتهم التي يعيشون فيها سلطانهم أمتد ثم كسرهم الله.
الآن لو أحد قال: لماذا الآن في فتنة في العقل ما نجد مثلها مثلاً من سابق، يعني في تمرد يا أخي في تمرد في كثير نقرأ الآن يعني أراء تجي على التويتر على الفيسبوك، على يعني في كثير متمردين، يا أخي متمردين على الشرع اللي يلحد، واللي يناقض الشرع، واللي يقول: هذا غير معقول وهذا مرفوض وهذا وهذا.
واللوثة هذه أصابت بعض المسلمين، على اختلاف في المراتب والدرجات، وطلعت في فرق كذا الفكر التنويري، والفكر العقلاني، والمدرسة العصرانية، والتطور المدري إيش، والتجديد الفكري، والتحرر، واليسار الإسلامي، والإسلام الليبرالي، كلها ترى هي كلها قائمة على قضية تقديم الرأي على الوحي.
التقنية الحديثة من أسباب الاغترار بالعقل
ومن الأسباب: الاغترار. أنه شوف يعني البشرية كيف صار الآن العقل اختراع ... البشرية تقدمت، فصارت المسألة خلاص أنه إعطاء العقل البشري أكبر من دوره، وصار خلاص هو اللي يفتي ويرفض ويحكم ويبت، ويقطع في مسائل شرعية، وهذه هي المصيبة.
لو أن مثلاً والله العقل كان في قضايا الزراعة، وقضايا الصناعة، وقضايا التقنية وقضايا .... خلاص اكتشفوا طلعوا معادن، واستخرجوا واعملوا وغوصوا في الأرض واطلعوا إلى المريخ اعملوا ما شئتم، يعني فيها قضايا في أمور المباحات اعملوا الله أصلاً يعني أمرنا أن نسير وأن نضرب فيها، وسخر لنا ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه.
يعني الشرع ما هو ضد هذه الانطلاقة، ولا ضد هذه الاكتشافات، ولا الاختراعات ولا التصنيع، ولا ولا كل هذا، يعني في الشرع مسموح به، ومأذون وعلى الإباحة على الأصل الإباحة.
لكن لما هذه الأشياء تكون سبب في الغرور الذي يقدس العقل، ويجعل هذا العقل الذي اخترع الأقمار الصناعية، ها الحين هذا الذي سيحدد حتى في قضايا الأحكام، يعني في النكاح والبيوع والشراء والسياسات، وخلاص وسيكون مرجع خلاص، احنا البشرية نضجت الآن، البشرية تطورت من زمان كانوا يحتاجوا شرع؛ لأنه كان الناس متخلفين لما تقدموا هم يضعوا شرعهم بأنفسهم.
هذا نتيجة الغرور الذي أصاب البشرية الآن، وهذه طبعاً من نزعات يعني قديمة ما هي تضخمت الآن إنما إذا رجعنا إلى الأصل الرجل الذي اعترض على قسمة النبي ﷺ قال: أعدل يا محمد أعدل هذه قسمة ما أريد بها وجه الله.
هو لماذا اعترض يقول: تعطي مسلمة الفتح والناس الجدد في الدين هؤلاء والناس المهاجرين والأنصار القدامى ما لهم شيء، هذا ما هو عدل هو استغل برأيه اعترض على رأيه، هذا أصل الخوارج كما قلنا.
صبيغ بن عسال التميمي الذي بدأ يضرب بعقله آيات الله بعضها ببعض، وآيات القدر وكان يقول بآرائه في الآيات هذا يكون، وهذا لا يكون وهذا يصير وهذا لا يصير حتى عرف وصل أمره إلى عمر بن الخطاب ، فعمر باب الفتنة المسدود المغلق.
ولذلك أول ما طلع صبيغ جاب عمر بالدرة وأدبه تأديباً حتى ذهبت الأفكار المنحرفة التي في رأسه خلاص، قال: "يا أمير المؤمنين ذهب الذي في رأسي". خلاص ذهب الذي في رأسي. [سنن الدارمي: 146].
فاستعمل له عمر ما يخرج هذه الأفكار المنحرفة من رأسه، وفعلاً خلاص الرجل تأدب.
طيب أهل الرأي هؤلاء طبعاً كلمة رأي قد يكون الرأي محموداً، وقد يكون مذموماً، وقد يكون خطأً وقد يكون صواباً، ولذلك يعني كون في بعض الفقهاء لعدم ورود نصوص، أو وصول نصوص إليهم استعملوا القياس يعني إذا واحد فقيه ما وصله نص وجاءته مسألة ماذا سيفعل؟
سيقيس على نص آخر صح وإلا لا؟ سيستعمل القواعد المستنبطة من النصوص ويمشي عليه، وقد يصل إلى نتيجة صحيحة، وقد لا يصل؛ لأن رأيه يكون خلاف نص ما وصل إليه.
المدرسة العقلانية المعاصرة
فنحنا دعونا ما نتكلم عن قضية أهل الرأي وأهل الظاهر، والأشياء التي لكن أنا أتكلم الآن على الانحراف؛ لأنه هذاك خلاص في اجتهادات معينة حصلت لأسباب معينة، لكن الآن نتكلم على قضية الذين يقدمون آرائهم على الكتاب والسنة وبالذات من المعاصرين، يعني ما يسمى بالمدرسة العقلانية المعاصرة.
طبعاً العقلانية هذه يعني فيها تجاوز؛ لأن العقلاني، أو إذا كان فعلاً عاقل لن يصادم الكتاب والسنة، اللوثة هذه طبعاً نشأت من شخصيات يعني بالنسبة للأشياء المعاصرة كان لها قادة ورواد، ومثل مثلاً جمال الدين الأفغاني، محمد فريد وجدي، قاسم أمين، لطفي السيد ... إلى آخره.
طبعاً ينتمي إلى هذه المدرسة عدد من المعاصرين وقعدوا لها قواعد من كبار المنحرفين المعاصرين، وفي بعضهم طبعاً فيهم لوثات بدرجات متفاوتة لوثات بدرجات متفاوتة.
فمثلاً يعني من كبار المنحرفين المعاصرين لا زالوا أحياء، مثل: حسن الترابي، محمد سليم العوا، وغيرهم.
وبعضهم تراجع عن أشياء يعني مثل محمد عمارة، كان من كبار المنظرين في هذا في هذه المدرسة، وصار له بعض التراجعات، ومنهم من لا يزال أمرهم غامض أو في عندهم نوع من الاضطراب والحيرة يعني.
طيب ما هي مصادر هؤلاء؟
أولاً: الاعتماد كما قلنا على العقل اعتماداً تاماً. تقديم العقل الرأي على النص الشرعي كما قال عبد المتعال الصعيدي في كتاب حرية الفكر في الإسلام.
قال: "العقل سلطان على النقل حتى يهيئ الحكم الذي يسعد الناس ولأجل تقديم عقولهم على النصوص ماذا فعلوا بقصص القرآن؟ ماذا فعلوا بذكر الملائكة؟ ماذا فعلوا بذكر الطير الأبابيل والحجارة من سجيل؟ ماذا فعلوا؟ ماذا فعلوا؟ سنجد أن لهم تأويلات منحرفة خاطئة وآثمة.
ولذلك عقولهم ترفض وجود عوالم ما يرها ولا يشمها ولا يذوقها ولا يلمسها ولا يسمع صوتها ولا كذا، فالملائكة ما في، الجن ما في أساطير الأولين.
بل إنهم ينكرون المعجزات إلا القرآن يقولون: هذا خارق يعني هذا معجزة وخارقة للعادة، يعني انشقاق القمر ما يجي في العقل، لماذا ما يحتاج انف خروج مثلاً الماء من بين أصابعه ما يقبل على العقل انف وهكذا.
ولما يجي مثلاً على أحاديث مثل أحاديث الذباب وأحاديث كذا يقول: خلاص هذا يعني موضوع ولو كان في صحيح البخاري، حديث موضوع في صحيح البخاري مرة واحدة يعني! موضوع في صحيح البخاري، حتى وحده يعني مصيبة.
قضية أن يعني بناء ما توصلوا عليه على الأهواء والأمزجة واضح، ولذلك إذا قيل عن هذه المدرسة التي تسمى تنويرية وعصرانية، وعقلانية، دينهم هواهم دينهم هواهم، فهو يجيب لك الحكم الذي يهواه الذي يميل إليه، وفي بعض الأحيان يضطر أن يصرح يقول: نفسي تميل إلى وعقلي يقول كذا.
وهذه القضية صارت في الحلال والحرام، يعني ما هي ليس فقط في الغيبيات وأمور العقائد، أيضاً في الحلال والحرام في الأمور الفقهية، يعني هو يمكن نفى الملائكة ونفى الجن.
وقالوا عن الطير الأبابيل الحجارة من سجيل، أي شيء من هذه الجراثيم مرض الجدري يعني نفوا أشياء، وأولوا أشياء تأويلات منحرفة، لكن تعدت المسألة إلى أحكام الحلال والحرام.
ومثلاً يعني ممكن يقولون: مثلاً الرق في الإسلام ثابت أنه في أحكام يعني في رق في الإسلام ما في كلام يعني يقول: لا لا ما في هذا ما يناسب العصر الحاضر أصلاً هذا يلغى ويشطب عليه أصلاً ترى في أحكام عتق رقبة أه أشطب ما في، وفي أحكام في العبد المدبر، وفي أحكام والأمة إذا وإذا وكيف يستبرئها بحيض أشطب ما في.
طيب مسألة مثلاً تعدد الزوجات يقول: لا ما يحتاج ما في هذا يعني يليق بالمجتمع البدوي المتخلف أما المجتمع المدني المتحضر وحده خلاص، مثلاً قوامة الرجل يقول: لا لا ليش المرأة بالتساوي بالتساوي هو يصرف وهي تصرف فلذلك ما في شيء اسمه يعني لازم محرم للمرأة، ولا في شيء أسمه ولي عند الزواج.
المرأة الآن كائن ناضج تقرر مصيرها بنفسها ما تحتاج لتسلط ذكوري ما تحتاج تسلط ذكوري خلاص هي الآن صارت واعية ومتعلمة وناضجة وتقرر مستقبلها بنفسها، وهي أدرى منه أصلاً، وأصلاً هو ما له داعي كله شيله، الولي هي تعرف مصلحتها أحسن منه ألغي الولي، هذا حكم شرعي ألغي الولي ألغي المحرم.
ليش الذكر كحظ الأنثيين متساويين حطهم متساويين خلاص، أصلاً هي أصلاً الآن تشتغل وتصرف على البيت، من زمان كان للأنثيين لأنه كان الرجل هو الذي يعمل والمرأة في البيت، الآن المرأة تقدمت وطلعت واشتغلت، وفي أصلاً بيوت فيها رجال ما يعملون ونساء موظفات، لماذا يعني لماذا تأخذ المرأة نصف الرجل في الميراث خلاص تأخذ مثله خلاص انتهينا أطورت وهكذا.
فإذن ما اقتصرت القضية على قضايا العقيدة تطورت أيضاً دخلت في الحلال والحرام والأحكام.
أما مسألة الفلاسفة الجدد الذين يتكلمون في الإلهيات، وما وراء الطبيعة إلى آخره؛ لأن الفلسفة من ضمن معانيها الكلام في أمور الغيب، وأحياناً يسموها معقولات وقواعد عقلية، صار من مصادر هؤلاء كما قلنا: آراءهم الشخصية واحد، أقوال الفلاسفة اثنين، دراسة المستشرقين ثلاثة.
ولذلك مثل حسن الترابي، هذا ترى هو تلميذ لمستشرقين كبار كان من أيام ما درس في بريطانيا معروف يعني من هم مشايخه من ذلك الوقت، طبعاً المستشرقون في الغالب طائفة من الملاحدة تسلطوا على دراسة الإسلام من وجهة نظرهم، وأخرجوا نظريات وتكلموا يعني في قضية ماذا يجب أن يكون موقف الإسلام من كذا وكذا وكذا.
طبعاً إذا جيت على قضايا مثل مثلاً الجهاد في سبيل الله، أنت تتوقع أن هذه المدرسة تقبل بالجهاد في سبيل الله، لا طبعاً هذا مخالف للمدنية المعاصرة، ومخالف لقوانين الأمم المتحدة، ومخالف للأعراف الدولية، ومخالف...
يعني تجي مثلاً على أحكام الأسرى، الآن أحكام الأسرى في الإسلام أن الإمام في الأسرى: إما أن يقتل قد يؤسر مثلاً من المدبرين والرؤوس الذين لو قتلوا انكسر صار لهم صار لقتلهم أثر في كسر الكفار، أو أن يفادوا بالمال إذا كان المال أهم للمسلمين، وهؤلاء ليسوا يعني، أو أن يسترقوا، أو أن ... يعني يبادل بهم أسرى مسلمين، أو أن يمن عليهم بلا مقابلهم إذا رأى إمام المسلمين يمن عليهم بلا مقابل.
طيب وكذلك أمراء المسلمين يقومون مقام الإمام عند عدم وجوده في هذه الأحكام، ويجب أن يكون متبعين أن يكونوا متبعين لمصلحة المسلين، يعني ما يسوي على رأيه مزاجه لا يرى ما هي مصلحة الشريعة ويشاور أهل العلم وقرار حتى يتخذ القرار الصحيح.
هذا الكلام كله عند المستشرقين وتلاميذهم في المدارس المعاصر. المصادمة لمنهج السلف ما يمشي طبعاً.
معالم المدرسة العقلانية
ما هي معالم هذه المدرسة المناقضة لمنهج السلف؟
أولاً: تقديس العقل. حيث جعلوه هو المرجع كما قلنا مبدأ أصل العلم جعلوا الوحي تابعاً له حكموه في الشرع يتفق هؤلاء عندهم اتفاق على أن العقل يستعمل في تطوير الشريعة لاحظ تطوير الشريعة يعني أنه الذي نزل من عند الله ما هو نهائي اللي نزل من عند الله ما هو نهائي قابل للتطوير.
يقول فهمي هويدي: "أن الوثنية ليست عبادة الأصنام فقط، ولكن وثنية هذا الزمان صارت تتمثل في عبادة القوالب الرموز، وفي عبادة النصوص"، فهو عنده أنه الآن في وثنية أسمها عبادة النصوص، وأنه لازم عقولنا تتحرر من سلطة النص عليها، وهي تشوف المصلحة وين مع النص ضد النص خص النص غير النص، هذا خلاص يعني ما نبغى عبادة نصوص".
الترابي يقول: "ولم تعد صور الأحكام التي كانت تمثل الحق في معيار الدين من ألف عام تحقق مقتضى الدين اليوم، ولا توفي المقاصد التي يتوخاها؛ لأن الإمكانات تبدلت وأسباب الحياة تطورت، وبناءً عليه عنده أنه لازم الأحكام تتغير مش الحياة تقدمه".
أليس الله أحكم الحاكمين؟ أليس الله يعلم الغيب؟ أليس الله يعلم أن البشرية راح تتغير وتتطور تطلع اكتشافات.
طيب الله أليس بقادر أن ينزل شرعاً يلاءم كل زمان وكل مكان، وإذا صلينا في الأرض، وإلا صلينا في الطائرة وإلا صلينا على كوكب خلاص معروف كيف نستقبل القبلة جهة القبلة.
لو صلى في المريخ يستقبل الأرض، ولو كان في أي مكان في الأرض يستقبل مكة، ولو كان في مكة يستقبل الحرم، ولو كان في الحرم يستقبل الكعبة.
المسألة ما فيها ما تحتاج إلى حسن حنفي يقول: " العقل هو أساس النقل، وكل ما عارض العقل يعارض النقل، وكل ما وافق العقل يوافق النقل، ويقول: لقد احتمينا بالنصوص فجاء اللصوص".
يعني أن النصوص ما تحمي ولا تفيد هي مسائل حماية لا.
وقال أيضاً: "ما يهمنا روح العصر، وما نهتم به هي مشاكل العصر". [التراث والتجديد: 119- 120].
ويدعو إلى نفي الأساطير الموجودة في الفكر الغيبي وأنه قصة آدم وحوى والملائكة والشياطين أنه جزء من الأدب الشعبي.
طبعاً هذا مثل بورقيبة الذي قال: إن قصة أصحاب الكهف من الأساطير عصا موسى معجزات موسى من الأساطير الأولين مثلما قالوا كفار قريش: وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً [الفرقان: 5].
ويقول ابن القيم رحمه الله: "المعقولات ليس لها ضابط يضبطها ولا هي منحصرة في نوع معين، فإنه ما من أمة من الأمم إلا ولها عقليات تختص بها، فللفرس عقليات وللهند عقليات ولليونان عقليات وللمجوس عقليات وللصابئة عقليات، بل كل طائفة من هذه الطوائف ليسوا متفقين على العقليات بينهم الاختلاف وبينهم تباين بينهم تباين". [الصواعق المرسلة: 26/274].
ولذلك فإن العقل مثلاً أنت تقول يقول لك: العقل الغربي الآن هل العقل الغربي يتفق مع العقل الشرقي؟ سؤال يعني العقل الأوروبي يتفق مع العقل الصيني؟
العقل الأمريكي يتفق مع العقل الهندي العقليات الأمريكية مثل العقليات الهندية. العقليات الأوروبية مثل العقليات الصينية وإلا في بينها اختلاف.
فإذا جعلنا العقليات هي الأسس فعقليات من؟ عقليات العرب عقليات من؟ ما هو المرجع؟ الداعون إلى تمجيد العقل في الحقيقة هم عباد الأصنام.
يعني بدل ما يقلب بدل ما يقول علينا نحن عباد النصوص نعكس القضية علينا نقول: أنت عباد أنتم عباد العقل، وعقلكم ما هو واحد فهو مختلف، الوحي واحد الوحي ما يتغير واحد لم تجد خلاص لحكم الله تبديلا.
ولكن أنتم الآن جعلتم صنماً سميتوه العقل وجعلتم تعبدونه من دون الله، وتقولون: لازم كل شيء يجي من العقل، والأحكام تجي من العقل، والأخبار الصحيحة من العقل، والاعتقادات الصحيحة من العقل، وهكذا.
فصار الإنكار والتشكيك في أصول العقيدة والغيبيات صار إنكار الوحي الإلهي، وصارت كذا ألفاظ الجن والملائكة والشياطين والبعث والقيامة واو صارت عندهم الآن يعني عند بعض هؤلاء أمراً مرفوض، مع أنه الله أول صفة أول صفة يصف بها المتقين: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة: 3].
أبو المظفر السمعاني رحمه الله قال: "وعلم أن فصل ما بيننا وبين المبتدعة هو مسألة العقل، فإنهم أسسوا دينهم على المعقول وجعلوا الاتباع للمعقول، وأهل السنة قالوا: الأصل في الدين الاتباع والمعقول تبع" [الانتصار لأصحاب الحديث: 1/81]. فالوحي هو القائد والعقل تابع، الوحي النص هو الإمام، والعقل مأموم هو يفهم دوره أنه يفهم النص يستوعب النص، ويمشي وراء النص.
سنكمل إن شاء الله في هذه المسألة المهمة لأجل نستكشف يعني ضلالات انحرافات والمدارس والفرق المخالفة المعاصرة المخالفة لمنهج السلف في الدرس القادم بمشية الله.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق