الذكر بين ركَعات التراويح:
ذهب جمعٌ من العلماء إلى مشروعية هذه الأذكار:
1- قال الإمام الحافظ مرتضى الزبيدي: «قال أصحابنا - يعني الحنفية - يستحب الجلوس بعد كل أربع ركَعات منها بقدرها، وكذا بين الترويحة الخامسة والوتر؛ لأنه المتوارث من السلف، وهكذا روي عن أبي حنيفة، ثم هم مخيرون في حالة الجلوس بين التسبيح والقراءة وصلاة أربع فرادى والسكوت، وأهل مكة يطوفون أسبوعا - أي سبعة أشواط- ويصلون ركعتين، وأهل المدينة يصلون أربع ركَعات فرادى.
واختار بعض أصحابنا في التسبيحات: سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان ذي العزة والعظمة والهيبة والكبرياء والجبروت، سبحان الحي الذي لا يموت، سبوح قدوس رب الملائكة والروح، ثلاث مرات، عقب كل ترويحة، وعليه العمل في بخارى ونواحيها.
واختار بعضهم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شئ قدير، ثلاثا.
واختار بعضهم: قراءة سورة الإخلاص ثلاثا.
واختار بعضهم في أول الأولى: ذكر الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد الأولى: ذكر سيدنا أبي بكر الصديق رضى الله عنه، وبعد الثانية: ذكر سيدنا عمر رضي الله عنه، وبعد الثالثة: ذكر سيدنا عثمان رضي الله عنه، وبعد الرابعة: ذكر سيدنا علي رضي الله عنه، وبعد الخامسة: الكلمات المؤذنة بالاختتام.
كل ذلك بألفاظ متنوعة منتظمة مع بعضها، وعلى هذا جرت عادة أهل مصر غالبا» [إتحاف السادة المتقين (3/420)]
٢- وعند الشافعية قال صاحب الياقوت النفيس ص١٩٦: "وسئل بازرعة عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، والترضي عن أصحابه بعد كل ركعتين من صلاة التراويح ، وهي الطريقة التي يعملها أهل حضرموت، فقال : لم نجد فيها حديثاً من السنة ، ولا في كلام الصحابة ، وهي بدعة منهي عنها .. ولكنها (حسنة) فكيف ينهى عنها؟!
والسلف من علماء حضرموت رجحوا الإتيان بأي ذكر ، حتى لا يلتبس على المصلين عدد الركعات واختاروا أفضل ما يميزه ، وهي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، مع الترضي على أصحابه .. وكان السيد العلامة عبد الله بن عيدروس رضي الله عنه يترضى عن عمر بن عبد العزيز بعد الركعتين الأوليين من الوتر".
٣- وقال العلامة الفقيه الشيخ عطية صقر: «ليس هناك نصٌّ يمنع من الذكر أو الدعاء أو قراءة القرآن، في الفصل بين كل ركعتين من التراويح، أو كل أربع منها مثلا، وهو داخل تحت الأمر العام بالذكر في كل حال . وكون السلف الذين يؤخذ عنهم التشريع لم يفعلوه لا يدل على منعه، إلى جانب أن النقل عنهم في منع الذكر المذكور غير موثوق به. وهذا الفاصل يشبه ما كان يفعله أهل مكة من قيامهم بالطواف حول البيت سبعا بين كل ترويحتين، الأمر الذي جعل أهل المدينة يزيدون عدد التراويح على العشرين، تعويضا عن هذا الطواف.
وهو أسلوب تنظيمي يعرفون به عدد ما صلَّوه، إلى جانب ما فيه من تنشيط للمصلي، فلا مانع مطلقا، وبهذا لا يدخل تحت اسم البدعة، فالنصوص العامة تشهد له، فضلًا عن عدم معارضته لها، ولئن يسمى بدعة؛ فهو على نسق قول عمر رضى الله عنه: نعمت البدعة هذه، عند ما رأى تجمّع المسلمين لصلاة التراويح خلف أبي بن كعب» [أحسن الكلام في الفتاوى والأحكام (3/470)]
---
الذكر الجماعي بين ركعات التراويح
س: ما حكم الذكر الـجمـاعيّ بين ركعات التّراويح؟ وهل هو بدعة؟
ج: لـم يرد فـي الـحديث، وإنّمـا استحبّه بعض العلمـاء للاستراحة، وتنشيط الـمصلّين. فحينمـا يكملون مثلا أربع ركعات يستريـحون، ولـمـاذا سمّيت التراويح؟ لأنّهم يستريحون، فيقولون: نحن فـي هذه الترويـحة ندعو، نسبّح، (سبحان الله...) الخ، فلا بأس
-إن شاء الله-.
وإن كان صاحب الـمدخل ابنُ الـحاج يقول: فيها كراهة،وهي عنده بدعة باعتبار أنّها لم ترد فـي السنّة، ولكن لا نقول عليهم إثم، ولا يُنكَر علـى من أتى به.
زيادة وتفصيل:
اختلف العلمـاء فـي مشروعيّة الذكر الـجمـاعيّ بين ركعات التراويح بين مانع ومـجيز:
فالذين منعوا فعلـى أساس أنّه لم يرد، «والـحدث فـي الدين مـمنوع، وخير الـهدي هدي مـحمّد -صلّى الله عليه وسلّم-، ثمّ الـخلفاء بعده، ثمّ الصّحابة -رضوان الله عليهم أجمعين-، ولم يذكر عن أحد من السلف فعل ذلك فيسعنا ما وسعهم»(1).
والذين أجازوا فعلـى أساس أنّه «ليس هناك نصّ يمنع من الذكر أو الدعاء أو قراءة القرآن فـي الفصل بين كلّ ركعتين من التراويح أو كلّ أربع منها -مثلا-، وهو داخل تـحت الأمر العامّ بالذكر فـي كلّ حال(2).
قال ربّنا -تبارك وتعالى-: {وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} الجمعة: 10، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} الأحزاب: 41-42. وقال: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِـي وَلَا تَكْفُرُونِ} البقرة: 152، وقال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} الرعد: 28، وغير ذلك من الآيات الكثيرة فـي القرآن الكريم.
وقال سيّدنا رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم-: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَـى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِـي الـمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَـى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ» متّفق عليه، وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة الـمتعدّدة التي تفيد مشروعية ذكر الله -تعالى-. ولقد كان صلّى الله عليه وآله وسلّم يذكر الله علـى كل أحواله(3).
وكون السلف الذين يؤخذ عنهم التشريع لـم يفعلوه لا يدلّ علـى منعه، إلـى جانب أنّ النقل عنهم فـي منع الذكر الـمذكور غير موثوق به.
وهذا الفاصل يشبه ما كان يفعله أهل مكّة من قيامهم بالطّواف حول البيت سبعًا بين كلّ ترويـحتين، الأمر الذي جعل أهل الـمدينة يزيدون عدد التّراويح علـى العشرين، تعويضًا عن هذا الطواف، وهو أسلوب تنظيميّ يعرفون به عدد ما صلّوه، إلـى جانب ما فيه من تنشيط للمصلّين، فلا مانع مطلقا.
وبهذا لا يدخل تـحت اسم البدعة، فالنّصوص العامّة تشهد له، فضلًا عن عدم معارضته لـها.
ولئن يسمّى بدعة فهو علـى نسق قول عمر -رضى الله عنه-: «نعمت البدعة هذه»، عند ما رأى تـجمّع الـمسلمين لصلاة التّراويح خلف أُبىّ بن كعب(4).
وعلـى الـمسلمين ألّا يـختلفوا فـي مثل هذه الأمور؛ لأنّ الاختلاف يوجد خللًا بين الـمسلمين، وقد قال ربّنا تبارك وتعالى-: {وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيـحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} الأنفال: 46. والله -سبحانه وتعالـى أعلم(5).
-------
(1) المدخل لابن الحاج: 2 / 293.
(2) فتاوى الأزهر: 8 / 475؛ الذكر بين ركعات التراويح؛ المفتي: عطية صقر؛ مايو 1997.
(3) موقع دار الإفتاء المصرية؛ الذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بين ركعات القيام؛ د. علي جمعة محمد؛ الرقم المسلسل 4840؛ التاريخ 19/12/2004.
(4) فتاوى الأزهر: 8 / 475؛ الذكر بين ركعات التراويح؛ المفتي: عطية صقر.
(5) موقع دار الإفتاء المصرية؛ الذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بين ركعات القيام؛ د. علي جمعة محمد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق