* الانتقائية والتفكيك مع التراث:
- إنكار سنة النبي ونبذ التراث ليسا تامين؛ فثمة تعامل انتقائي؛ اختيار البعض والإعراض عن البعض.
- هناك من يأخذ بحديث تأبير النخل "أنتم أدرى بشؤون دنياكم" لاستخدامه في تغليب مفاهيم معينة ولو خالفت الشرع، ثم إنه لا يعترف بفكرة الشرع ويحتج بأنه بنيان بلا مضمون سوى ما اخترعه الفقهاء؛ وكذلك حديث نزول النبي صلى الله عليه وسلم على رأي الصحابة في مسألة حربية إذ كان رأيه صلى الله عليه وسلم نابعا من اجتهاده الشخصي لا عن وحي؛ وأيضا حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قرآنا يمشي على الأرض للتدليل على أن المرجعية للقرآن وحده. وهذه الأحاديث كلها من السنة.
- هذا بخلاف التدليس الذي قد يلجأ إليه البعض باجتزاء نص وعرضه بصورة ملبسة، أو تغيير الترتيب، أو تركيب جزء صحيح مع آخر مكذوب أو خاطيء، أو عدم ذكر السياق، كل ذلك بصورة عمدية أو على الأقل بتسرع ودون دراية.
- تثار شكوك في اتصال السنة بالنبي صلى الله عليه وسلم لأجل حصر الإلزام في القرآن وحده، ثم إطلاق العنان في تفسيره وتأويله، رغم أن الكتاب نقل إلينا بالطريق عينه التي جاءت منها السنة (التواتر)؛ فلم يهبط الوحي علينا بالقرآن. وعن الاحتجاج بقوله تعالى: "إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" لتمييز الكتاب عن السنة، فمع التسليم بأن الله ضمن حفظ كتابه فقط، فإن الآية الكريمة وردت إلينا كذلك بالنقل. أضف إلى ذلك: ما معنى الذكر؟ من المفهوم التفكيكي المعرض عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم والتراث سيكون لكل أن يفسر على حسب اختياراته، لدرجة أن ثمة من قال إن الذكر ليس القرآن فقط، وإنما كل عمل يقوم به الإنسان. لا ضوابط إطلاقا.
- هناك من يتجاوز ويتجرأ على الجناب النبوي الشريف، فيقول إن فعل النبي صلى الله عليه وسلم ليس ملزما ليجعل فهمه هو الملزم. ويقول آخر لا يتكلم نبي مع كتاب ربه، وهذا كلام خطير مفاده إما اتهام الأنبياء بتجاوز رسالاتهم، وإما أنهم جاءوا بكتب ألقوها صامتين لأقوامهم ولم يبينوا لهم دينهم فابتدع حواريّ الرسل ثم الفقهاء سننا ولفقوها على الرسل.
- ثم إن هناك تنكبا لذلك المنطق، فتثار روايات من التراث لوقائع للصحابة أثارت الجدل، مثل واقعة سيدنا خالد بن الوليد مع مالك بن نويرة. وهنا لا أناقش الواقعة، وإنما ألقي الضوء على المفارقة: ترك سنة النبي صلى الله عليه وسلم والتراث بالتوازي مع انتقاء وقائع بعينها من التراث لتوظيفها لإثبات وجهة نظر معينة. ثم إن ما يعرض هي في الغالب روايات غير محققة تاريخيا أو مشكوك فيها لتلك الوقائع، في حين يضرب الصفح عن أحاديث وأوامر ونواه للنبي صلى الله عليه وسلم خضعت لعيار الجرح والتعديل، وأنفقت في تحقيقها الأعمار ووضعت المناهج الضابطة.
- وبعد نبذ السنة والفقه – هذا الفقه المعترف به في كثير من الأنظمة القانونية كبنيان قانوني متين له شخصيته وتفرده – يخضع القرآن لتفسيرات غريبة تختلف من واحد لآخر حسب اختياراته بدون ضوابط لغوية أو علمية لدرجة تصل إلى عدم الاعتراف بالصلوات الخمس ومناسك الحج وفرائض كالحجاب!
- يجري إخضاع القرآن كذلك للفلسفات والنزعات الحديثة، لا سيما المذهب الفردي الذي يعلي قيمة الفرد على المجتمع ويعظم لذته عن أية ضابط، والفلسفات البنوية وما بعد البنوية وما بعد الحداثة. ربما لا يكون ثمة إشكال في تحاور النص الديني مع الفلسفة، كما فعل ابن رشد عندما حاول الربط بين الشريعة والفلسفة، وهو فيلسوف كبير وفقيه مالكي. لكن هل يحاكم الدين ويقدم وفق الفلسفات وينحى منهج النبي وآله وصحبه وتابعيهم؟
- هل الرغبة إذن في إسلام بلا تكاليف انضباطية؟ لا سيما الصلوات الموقوتة والوضوء وأحكام الطهارة ومناسك الحج والحجاب. رغم أن ثمة من دخل الإسلام مأخوذا باهتمام الإسلام وضبطه لتفاصيل حياة المسلم. وهل الإله الذي يعلم ما توسوس به كل نفس، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ويحاسب عباده على مثقال حبة من خردل، هل يستنكف سبحانه أن ينظم حياة العباد في أدق دقائقها؟
- أما التجديد وفقه العصر فهما ثابتان في التراث نفسه، لكن بالبناء والتنقيح وإعادة الفهم، لا بالهدم والتحريف وتغليب التحيزات.
- القرآن نفسه يعطي السنة حجيتها، ولن أستعرض هنا الأدلة فهي معروفة. والإعراض عنها يتبع المنهج التفكيكي والمميع للقرآن، فلن أدخل في جدل. ولو ترك كلٌ للقرآن وشأنه (بعيداً عن أسباب النزول وتبيين النبي وتنفيذه)سينتقي منه ما يوافق ما يريد. فالإرهابي يقتطع آيات يقتل بها الآخر، بل يقتل بها المسلمين أنفسهم. ومن زمن حاولوا الربط بين الشيوعية والإسلام، ثم الرأسمالية؛وحاليا تطغى النزعة الفردية. وربما يقال إن القرآن لا يمنع المثلية الجنسية. كذلك، المسيحية دين له احترامه، لكنها عقيدة تختلف عن الإسلام، ومع ذلك نجد من يريد إثبات التصور المسيحي لله والمسيح صلى الله عليه وسلم من خلال القرآن. فلا توجد ضوابط، حتى اللغة بنحوها وبلاغتها فككت.
- إسلام بنموذج غير إسلامي: هل يجدد الإسلام بمنهجية منهزمة ثقافيًا مؤطرة بالشعور بالتقزم نحو الآخر؟ ما دمت ترسف في أغلال الشعور بالخزي ومحاولة اتباع الآخر واسترضائه لن تقيم دينا ولا دنيا سوية. هل يتصور إسلام غير إسلام محمد بن عبد الله والذين معه؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق