تعليقٌ علمي على ما قاله صالح الفوزان حيثُ سئل:
(نص السؤال) فضيلة الشيخ وفقكم الله تقسيم النصوص الشرعية إلى قطعي الثبوت قطعي الدلالة قطعي الدلالة قطعي الثبوت ظني الدلالة إلى غير ذلك؟
(نص الجواب): هذا كله هراء، هذا كله هراء، كل ما كان ثابتا فهو قطعي الدلالة، كل ما كان ثابتا عن الرسول صلى الله عليه وسلم فهو قطعي الدلالة، يفيد العلم، ويفيد اليقين، أما ما لم يثبت فهذا لاحتجاج به، نعم.
وهذا كلامٌ عجيب، يجوز بالإجماع التعجب منه، ولا يجوز الإنكار على المتعجبين بالإجماع، وهو كلام مخالف للعلماء، ولمناهج العلماء، ولمسالك العقلاء.
فتقسيم النصوص [من حيثُ الورُودُ] إلى ما ثبت وروده قطعا (أيْ: صَحَّتْ نِسْبَتُهُ إلى قائله بيقين) كنصوص القرآن كله والمتواتر من السنة، وما ألحق بالمتواتر عند بعضهم، وما ثَبَتَ ورُودُه ظنا راجحاً أو ظنا مرجوحا، وما لم يثبت أمر لا خلاف فيه بين العلماء العقلاء.
وتقسيم النصوص [من حيثُ الدلالةُ] إلى ما يَدُلُّ على المراد دلالة قطعية بحيث لا يبقى أي احتمال آخر يُحمل عليه النص، وإلى ما ليسَ كذلك، بل هو محتملٌ لأكثر من معنى، وأكثر من تفسير، هذا التقسيم لا خلاف فيه بين العلماء قاطبة.
فكتابُ الله تعالى كله قطعي الثبوت، فمن أنكر أيَّ آية من كتاب الله كفرَ، ولكن مع قطعنا وجزمنا وإيماننا بأن كل آية في المصحف هي كلام الله تعالى فإننا مع ذلك نعتقد جزما وقطعاً ويقينا أن هذه الآيات الكريمات منقسمة إلى قطعي الدلالة وظني الدلالة، فقوله تعالى مثلاً: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] آية من القرآن قطعاً، وهي كلام الله قطعاً، ويَكْفُرُ من أنكرها قطعاً، ولكنَّ دلالتها على معناها ليست قطعية، بل اختلفَ الصحابة فمن بعدهم في دلالتها، فذهب المالكية والشافعية إلى أن الأقراء هي: الأطهار، وذهب الحنفية والحنابلة إلى أن الأقراء هي الحيض.
وهذا والله أمرٌ ما كُنَّا نحتاج أن نكتبَ فيه سطراً ولا كلمة لكونه معلوما معروفا واضحا عند أصغر طلاب العلم الشرعي، وإذا امتدت يَدُكَ إلى تفسير الإمام ابن جرير الطبري شيخ المفسرين وبدأت بمطالعته فستجد أن أكثر القرآن هو من قسم ظني الدلالة، فما مِنْ آية في الأكثر إلا ويقول لك الإمام الطبري قد اخْتُلِفَ فيها على أقوال.
وليست هذه المسألة بأوَّل طوام الشيخ صالح الفوزان، فهو في فتاويه كثير التهور والمجازفة، فقد سُئلَ عن تلقين الميت في قبره، فقال بدعة لا يفعله إلا الجهلة، مع أنَّ تلقينَ الميتِ في قبره وَرَدَ فيه حديثٌ عند الطبراني، وقال بالتلقين جماعات من السلف، وقال به علماء المذاهب الأربعة السنية، وقال الشيخ ابن تيمية بأن أعدلَ الأقوال فيه الإباحة
وسئل عن قيادة المرأة للسيارة فقال بمنعها وعلل ذلك بأنها إنْ قادت السيارة فستذهب إلى عشيقها، وبقطع النظر عن الحكم، فإنَّ هذا التعليل لا فرق فيه بين الرجل والمرأة، فيمكن أن يقودَ كُلٌّ منهما السيارةَ إلى معشوقه، وحينئذ فينبغي على هذا التعليل أن تكونَ قيادة السيارة حراماً على الرجل والمرأة.
هذه الفتاوى بهذا الشكلِ والنمطِ من الإسفافِ سببٌ لنفور الناس من الدين، وسُخريتهم من الدين وعلمائه وأهله، فبالله عليكم كفى عبثاً ولعباً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق