الأربعاء، 19 نوفمبر 2025

من الذي عبس وتولى ؟؟!

 #من_الذي_عبس_وتولى ؟!



#مقدمة: هذا أيضا تعليق آخر أجبت به على تعليق أحد الإخوة تحت آخر منشور سبق هذا وأحببت نقله إلى المنشور لأنه مقالٌ كامل فتعم به الفائدة، جاءني الأخ بكلام ليسري جبر (الدجال) وعلي جمعة (المفتي السابق لمصر) يؤولان عبس وتولى على أنها نزلت في الكافر لا النبي صلى الله عليه وسلم
لنسلم جدلا أنا قبلنا منه تخريجه للمعنى الذي أراده وفق الآيات الأولى فبماذا يفسر بقية الآيات ؟
ما معنى ((فأما من استغنى فأنت له تصدى))....((وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهّى))
فمن الذي جاء للنبي يسعى وهو يخشى والنبي تلهّى عنه ؟ ومن المخاطب بضمير المفرد المخاطب غير النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وهل ينزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم أم على المشرك ليخاطبه بضمير المخاطب دون سابق إنذار ولا بيان توجه الخطاب للمشرك في السياق ؟ استعمال ضمير المخاطب مع الكافر يكون فقط مع بيان السياق لذلك كقول الله ((أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلى في غرور)) فوضّح الله في السياق أن الخطاب موجه للكافرين، أما استعمال ضمير المفرد المخاطب فالأصل أنه موجه للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه المخاطب الأصلي في القرآن إذ ينزل عليه هو.
عن عائشة رضي الله عنها أنا قالت: ((أُنْزِلَ: عَبَسَ وَتَولَّى في ابنِ أمِّ مَكْتومٍ الأعمى، أتى رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فجعلَ يقولُ: يا رسولَ اللَّهِ أرشِدني، وعندَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ رجلٌ من عُظماءِ المشرِكينَ، فجعلَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يُعرضُ عنهُ ويُقبلُ على الآخَرِ، ويقولُ: أترى بما أقولُ بأسًا؟ فيقولُ: لا، ففي هذا أُنْزِلَ)) [رواه الترمذي والحاكم وابن حبان في صحيحه] وبلفظ قريب منه أخرجه [مالك في الموطأ وابن سعد في طبقاته والدارقطني في علله]
والأثر صحيح الإسناد.
ثم ما وجه الإشكال في أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي عبس وتولى ؟ السلوك في حد ذاته لا إشكال فيه ولا يطعن في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم إذ الأصل أن ينشغل النبي صلى الله عليه وسلم بدعوة صناديد قريش وكبارهم إلى الإسلام فإبسلامهم يقع الخير الكثير ويسلم معهم كثير من الناس أما عبد الله بن مكتوم فقد كان مسلما وكان يسعه انتظار فراغ المجلس ليسأل عن حاجته، ثم إنه لم يكن مطالبا أصلا بالسؤال فالنبي صلى الله عليه وسلم هو المسؤول المباشر عن دينه ومجرد سكوته عنه يعني رضاه عنه إلا أن خشية عبد الله بن مكتوم الشديدة من الله وورعه دفعاه لأن يسأل ويستفسر أكثر كي لا يقع في الخطأ لذلك قال الله عنه ((وأما من جاءك يسعى وهو يخشى)) إذ لولا الخشية لما اضطر للسعي في السؤال ولما استعجل عليه وإنما ينتظر من النبي صلى الله عليه وسلم ما يأمره به، ولكن كأنه استعجل على نفسه المزيد من الأوامر ليعمل بها، وذلك يشبه الموظف المجتهد المخلص الذي علِم من صاحب الشركة الكرم والحرص على كرامة الموظفين وحب الخير لهم ومكافأتهم بأكثر مما يستحقون فأراد الموظف أن يكون شكورا غير ناكر للجميل فتجده ينجز كل أعماله ثم يطلب من المسؤول أو يسأله إن كانت هناك أعمال جديدة أو أخرى يطلبها منه لينجزها ومن المعلوم أنه لو لم يسأله فإن مجرد سكوت وتقرير المسؤول له يعد رضا ضمنيا منه عنه، ولكن لحرصه يريد معرفة المزيد مما يجب عليه فعله هذا بين الموظف والشركة فكيف بين العبد ورسول ربه.
وفي المقابل فإن صاحب الشركة نفسه لو كان منشغلا بمحاولة عقد صفقة تجارية مع تجار كبار فإنه سيغلق على نفسه المجلس وقد يغضب في تلك اللحظة من الموظف لو قاطع مجلسه إذ يمكن تأجيله.
كذلك الأمر مع النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان على حق في أسلوب دعوته وابن مكتوم كان على حق في حرصه إلا أنه أخطأ الأسلوب وكان عليه أن ينتظر فقط انتهاء المجلس مع كفار قريش ليسأل مسألته.
#السؤال: مادام الأمر كذلك فلماذا تنزل الآية معاتبة للنبي صلى الله عليه وسلم والأولى أن تعاتب ابن مكتوم ؟
#الجواب: لأن الآية راعت المشاعر والعواطف والكرامة أيضا بينما التحليل الأول يصح لو تجردنا من كل العواطف ونظرنا فقط للنتائج العملية، فحث الله نبيه على مراعاة مشاعر أتباعه حتى وإن أخطؤوا من غير قصد وحثه على التلطف وهذا مصادق قول الله ((فبما رحمة من الله لنتَ لهم ولو كنتَ فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين)).
فلاحظ قول الله (فاعف عنهم) أي قد يكون الخطأ واردا من أصحابك المؤمنين يا رسول الله ولك اعف عن الخطأ فإنهم ربما لا يقصدون الخطأ وتلطف معهم فإنهم لا يعلمون ما تعلم وسيتعلمون رويدا رويدا (بالهداوة يعني).
فالله يراعي كرامة ومعنويات المسلمين ولذلك قال لنبيه ((وشاورهم في الأمر)) مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتاج لمشورة أحد ولو شاء الله لأنزل له التعليمات تعليمة تعليمة في كل شؤون حياته وسياسته وحروبه وسلمه وإدارته وكل شيء فما الحاجة للشورى ؟ ذلك ليشعروا بالقيمة أولا وبأهميتهم وثانيا ليتعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم فالمشاورة والإشراك في الرأي تبقي المستشار مركزا ومتابعا للموضوع حتى إذا جاء اليوم الذي يموت فيه النبي صلى الله عليه وسلم وينقطع الوحي يجد الناس الطريفة والمنهجية المناسبة لتسيير شؤونهم.
ثم إن الأنبياء عموما يعصمون في تبليغ الرسالة أما مطلق الخطأ فلا عصمة فيه وخير دليل قول الله ((وعصى آدم ربه فغوى)) وهذه أسوأ بأضعاف من (عبس وتولى) إذ فيها تصريح بوقوع آدم عليه السلام في المعصية ولكن الله تاب عليه وغفر له، فهل يعتبرونها طعنا ويقولون إن آدم الذي عصى هو شخص مسيحي اسمه آدم مثلا ؟