الثلاثاء، 9 سبتمبر 2025

الادلة القاطعة بمشروعية احتفال مولد النبي صلي الله عليه وسلم

 الادلة القاطعة بمشروعية احتفال مولد النبي صلي الله عليه وسلم


#ردود_على_شبهات_حول_المولد

[ الدليل الأول ] : قال تعالى (( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا )) (يونس : 58) فالله عز وجل طلب منا أن نفرح بالرحمة ، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم رحمة ، وقد قال تعالى (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) (الأنبياء : 107) وفي الدر المنثور للحافظ السيوطي (4/367) أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال : فضل الله العلم ، ورحمته النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال الله تعالى (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) انتهى .
[ الدليل الثاني ] : قال الله تعالى (( وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك )) (هود : 120) في الآية طلب قص أنباء الرسل لما في ذلك من تثبيت الفؤاد ، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الرسل ، والمولد النبوي الشريف يشتمل على أنباء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ففي ذكره تثبيت لأفئدة المؤمنين ، فهو حث على تكرار ذكر المولد والعناية به .
[ الدليل الثالث ] : قوله تعالى حكاية عن عيسى بن مريم عليهما السلام : (( ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين )) (المائدة : 114) قال الشيخ إسماعيل حقي في روح البيان (2/446) عند هذه الآية : "أي يكون يوم نزولها عيدا نعظمه ، وإنما أسند ذلك إلى المائدة لأن شرف اليوم مستفاد من شرفها" وما كان ميلاد محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأقل شأنا من ميلاد عيسى عليه السلام ، بل ميلاد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أعظم منه ، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم أكبر نعمة ، فيكون ميلاده أيضا أكبر وأعظم .
[ الدليل الرابع ] : وفي كتاب الله عز وجل بيان لقصة ميلاد عيسى عليه سلام الله ، وميلاد يحيى بن زكريا عليهما السلام ، وقد نطقت آيات كثيرة بالإشارة إلى ميلاد مريم عليها السلام ، وما سبق ذلك الميلاد من دعاء الأم الرؤوم ، وما صحبه من تخوف واعتذار ، وما صحب مولدها عليها السلام من إكرام الله لها حيث كفلها زكريا ، وحيث الرزق المتجدد المتعدد الأنواع ، وحيث يتبارى أشراف القوم فيمن يكفل مريم ، واقترعوا من أجل ذلك ، هذا كله في سورة آل عمران من الآية (34) إلى الآية (44) ، وقد أتى ضمن هذه الآيات آيات تتكلم عن نبي الله يحيى بن نبي الله زكريا عليهما السلام ، محتفية به متحدثة بالإجلال والتكريم ، وقد تحدثت آيات أخر في سور آل عمران والمائدة ومريم عن ميلاد عبد الله ورسوله عيسى بن مريم عليهما السلام . أقول أليس في هذا كله مما يستأنس به لجواز ذكر النعمة بمولده صلى الله عليه وآله وسلم ؟! وهو بكل تأكيد أفضل خلق الله على الإطلاق ؟
[ الدليل الخامس ] : قال تعالى (( لتؤمنوا بالله ورسوله ، وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا )) (الفتح : 9) ذهب المفسرون في تفسير هذه الآية مذهبين : 1) المذهب الأول : من وحد الضمائر . 2) المذهب الثاني : من فرق بينهما . وخلاصة المذهب الأول أن الضمائر الواردة في الآية الكريمة تعود كلها إلى الله تعالى ، أو إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم . وهو رأي جماعة من المفسرين نقله عنهم الإمام النووي ، فمن ذهب إلى أنها تعود إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : 1) إنه عليه الصلاة والسلام أقرب مذكور في الآية . 2) لا يجوز التفريق بين الضمائر إلا لضرورة . معنى "تسبحوه" أي تنزهوه عن النقائص وتدعوا له .
[ الدليل السادس ] : قال الله تعالى (( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين )) (آل عمران : 164) قال الإمام الفخر الرازي رحمه الله تعالى : "إن بعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إحسان إلى كل العالمين ، ولقد شرف الله به العرب ونقلهم ببركة مقدمه صلى الله عليه وآله وسلم من رعاة الشاء والغنم إلى رعاة الشعوب والأمم ، ورفعهم من عُبية الجاهلية إلى مقام السيادة والريادة كما قال تعالى (( وإنه لذكر لك ولقومك )) فقد أفردهم بالفخر على سائر الأمم وذلك لأن الافتخار بإبراهيم عليه السلام كان مشتركا بين اليهود والنصارى والعرب ثم إن اليهود والنصارى كانوا يفتخرون بموسى وعيسى عليهما السلام وبالتوراة والإنجيل . فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وأنزل القرآن صار شرف العرب بذلك زائدا على شرف جميع الأمم" انتهى بتصرف .
[ الدليل السابع ] : قوله سبحانه وتعالى (( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )) وهذا دليل واضح الدلالة في توقيره وتعظيمه في كل وقت وحين لأن حبه صلى الله عليه وآله وسلم وولاءه أصل الدين وأساسه ، فكل العبادات تسوق إليه وتطبع القلوب على حبه وهذا مقام شريف واحتفاء عزيز ، وما الاحتفال بالمولد إلا تطبيع النفس على كثرة الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم رجاء أن ينطبع حبه وحب آله في القلوب ليؤسس ذلك الحب ركن الإيمان ويشيد صرح اليقين ، فيا له من احتفاء وابتهاج عظيم يأمر الله به ملائكته فتتشرف بهذا التكريم ، ويأمر عباده المؤمنين بالصلاة عليه ، فيا له من شرف ما بعده شرف وتكريم وتخصيص حكيم بالمؤمنين ولم يقل سبحانه بالمسلمين لأن معرفة قدره حبيبه عزيزة المنال فأدنى مقامات معرفتها مقام الإيمان ، والإسلام دون ذلك .
[ الدليل الثامن ] : قوله سبحانه وتعالى (( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير )) وفي هذا النص القرآني – أخي القارئ – ما لا يخفى عليك من تعظيم الله سبحانه وتعالى لحبيبه صلى الله عليه وآله وسلم وتوقيره وإظهار قدره للخلق أجمعين ، فهي آية عظيمة قدس الله فيها نفسه قبل ذكر قدر نبيه لما في ذلك من الحفاوة والتبجيل والتعظيم والتوقير لحبيبه صلى الله عليه وآله وسلم حتى أن سيدتنا عائشة رضي الله عنها قالت : "وما أرى ربك إلا ويسارع في هواك" . فهذا رب السماوات والأرض يقدس ويعظم ويفخم مسرى حبيبه ويضم اسمه إلى اسمه في كل موقف .. ففي الشهادة لا يتم الإيمان إلا باسمه .. وفي الصلاة لا تتم إلا باسمه .. وفي معية الإسراء لا يكون الإسراء إلا لروحه ورسمه . إن حادثة الإسراء والمعراج ابتهاج وعيد واضح للكون أجمع يجمع الله له صلى الله عليه وآله وسلم الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين والصديقين والصالحين والملائكة والمقربين ليكون هو الإمام وهم المأمومين ليعرفوا قدره العظيم .
[ الدليل التاسع ] : قوله سبحانه وتعالى (( إنا أنزلناه في ليلة مباركة )) مع قوله سبحانه (( إنا أنزلناه في ليلة القدر )) نعت الله سبحانه وتعالى ليلة الإنزال لصفة سيد الرجال بأنها مباركة وأنها ذات قدر فقال سبحانه (( وما أدراك ما ليلة القدر ، ليلة القدر خير من ألف شهر ، تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ، سلام هي حتى مطلع الفجر )) أي أن الله سبحانه وتعالى يُنزل ليلة القدر في كل سنة وفي كل شهر كبكبة من الملائكة وبالأرواح الصالحة من كل عالم مع روح سيد العوالم صلى الله عليه وآله وسلم وما ذلك إلا لعظيم القدر ، وما ذلك التكرار إلا لإعادة التذكار للعقول والأفكار الموفقة بمحبة سيد الأبرار صلى الله عليه وآله وسلم . فإذا كان ذلك القدر للقرآن المنزل الذي هو خلقه صلى الله عليه وآله وسلم فكيف به صلى الله عليه وآله وسلم ؟ لا شك أنه قدر فوق قدر ، فإذا كانت شعائر الله ذات قدر مؤقتة في الزمان والمكان فالابتهاج به مطلق غير مقيد كما هو حال الذكر لأنه رحمة عامة ومنة تامة .
[ الفصل الثاني ] الأدلة من السنة المشرفة : وأما الأدلة من السنة فكثيرة متظافرة ، تتلخص فيما يلي :
[ الدليل الأول ] : أخرج مسلم في صحيحه (2/819) عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن صوم يوم الإثنين فقال : "ذاك يوم ولدت فيه ، وفيه أنزل علي" . وهذا نص في الاحتفال بيوم مولده صلى الله عليه وآله وسلم لا يحتمل غيره . ولم أجد للمخالف جوابا عنه إلا طلب الاقتصار على الصيام فقط ، وهي ظاهرية محضة ، وتخصيص بدون مخصص ، لكنها مع ذلك موافقة لنا في مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف . ولله در الحافظ ابن رجب الحنبلي حيث قال في هذا المعنى في كتابه لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف (ص98) : فيه إشارة إلى استحباب صيام الأيام التي تتجدد فيها نعم الله على عباده ، فإن أعظم نعم الله على هذه الأمة إظهار محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبعثته وإرساله إليهم ، كما قال تعالى (( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم )) (آل عمران:164) ، فصيام يوم تجددت فيه هذه النعمة من الله سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين حسن جميل ، وهو من باب مقابلة النعم في أوقات تجددها بالشكر" انتهى . والمقصود الوصول بهذه الطاعة إلى محبة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وقد يتحقق هذه المقصود بأي وسيلة مشروعة ، فالوسائل لها حكم المقاصد إذا كان المقصد شرعيا .
[ الدليل الثاني ] : قد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم في صيام عاشوراء ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسئلوا عن ذلك فقالوا : هو اليوم الذي أظفر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون ، ونحن نصوم تعظيما له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "نحن أولى بموسى" . وأمر بصومه . أخرجه البخاري (7/215 ومسلم (رقم 1130) . وفي هذا الحديث تأصيل لملاحظة الزمان والعناية به . وقد استدل أمير المؤمنين في الحديث الحافظ ابن حجر العسقلاني بهذا الحديث على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ، كما في فتوى له نقلها الحافظ السيوطي في "حسن المقصد في عمل المولد" انظر الحاوي للفتاوي (1/196) . فقال ما نصه : "فيستفاد منه الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة ، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة ، والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة ، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم" انتهى .
[ الدليل الثالث ] : كان الصحابة رضي الله عنهم يتذاكرون فيه من سير الأنبياء ، فأرشدهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى ذكر سيرته ، لأنه أفضل وأكمل الأنبياء والجامع لما كان متفرقا فيهم ، وما المولد إلا عمل بهذا الإرشاد النبوي لأن فيه ذكرا لسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم . فقد أخرج الترمذي (تحفة الأحوذي 1/86) وقال الترمذي : غريب ، والدارمي (ا/26) والقاضي عياض في الشفا (1/408) : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون ، قال بعضهم : إن الله اتخذ إبراهيم خليلا ، وقال آخر : موسى كلمه الله تكليما ، وقال آخر : فعيسى كلمة الله وروحه ، وقال آخر : آدم اصطفاه الله ، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : قد سمعت كلامكم وعجبكم ، إن ابراهيم خليل الله وهو كذلك ، وموسى نجي الله وهو كذلك ، وعيسى روحه وكلمته وهو كذلك ، وآدم اصطفاه الله وهو كذلك ، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر ، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ، تحته آدم فمن دونه ولا فخر ، وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لي فيدخلنيها ، ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر ، وأنا أكرم الأولين والآخرين على الله ولا فخر . وهو حديث قوي ، وله شواهد رواه البيهقي في دلائل النبوة (5/270-500) . وأصل الحديث في الصحيحين . ويؤيد هذه الرواية التي تؤكد على احتفاء الصحابة بذكرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهذا كعب الأحبار رضي الله عنه يتذاكر مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فضائل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما خصه به ، فقال كعب : ما من فجر إلا نزل سبعون ألفا من الملائكة حتى يحفون بالقبر يضربون أجنحتهم ويصلوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا أمسوا عرجوا وهبط سبعون ألفا حتى يحفوا بالقبر فيضربون بأجنحتهم فيصلون على النبي سبعون ألفا بالليل وسبعون ألفا بالنهار حتى إذا انشقت عنه الأرض خرج في سبعين من الملائكة يزفونه –وفي لفظ يوقرونه- رواه إسماعيل القاضي وابن بشكوال والبيهقي في الشعب والدارمي وابن المبارك في الرقائق وهو حديث صحيح*. * انظر جزء فضل الصلاة على النبي (ص83-84) رقم (102) من طريق ابن المبارك ، وفيه ابن لهيعة قد صرح بالتحديث ، وأخرجه الدارمي في سننه (1/420) بطريق آخر ورجاله ثقات ، وإقرار عائشة له حكم الموقوف ، انظر القول البديع (ص52)
[ الدليل الرابع ] : قال الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في كتابه : "مورد الصادي في مولد الهادي" : قد صح أن أبا لهب يخفف عنه العذاب في مثل يوم الإثنين لإعتاقه ثويبة سرورا بميلاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم أنشد : إذا كان هذا كافرا جاء ذمه == وتبت يداه في الجحيم مخلدا أتى أنه في يوم الإثنين دائما == يخفف عنه بالسرور أحمدا فما الظن بالعبد الذي كان عمره == بأحمد مسرورا ومات موحدا فإذا كان هذا الكافر الذي جاء القرآن بذمه يخفف عنه العذاب لفرحه بمولد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فما بال الذي يحتفل بذلك . وهذا ما ذكره وقرره أيضا شيخ القراء والمحدثين الحافظ شمس الدين بن الجزري في "عرف التعريف بالمولد الشريف"
[ الدليل الخامس ] : قال الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي في رسالة "حسن المقصد" (وهي في كتابه الحاوي 1/196) : وقد ظهر لي تخريجه على أصل آخر وهو ما أخرجه البيهقي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عق عن نفسه بعد النبوة ، مع أنه قد ورد أن جده عبد المطلب عق عنه في سابع ولادته ، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية ، فيحمل ذلك على أن الذي فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم إظهار للشكر على إيجاد الله إياه رحمة للعالمين ، وتشيع لأمته كما كان يصلي على نفسه ، لذلك فيستحب لنا أيضا إظهار الشكر بمولده بالاجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسرات . انتهى .
[ الدليل السادس ] : لقد صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في فضل الجمعة : "وفيه خلق آدم" أخرجه مالك في الموطأ (1/108) والترمذي (رقم 491) وقال : حسن صحيح . فقد تشرف يوم الجمعة بخلق آدم ، فبدلالة النص وفحوى الخطاب وقياس الأولى ثبت فضل اليوم الذي ولد فيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم . ولا يختص هذا الفضل بنفس اليوم الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقط ، بل يكون له نفس الفضل كلما تكرر ، كما هو الفضل في يوم الجمعة .
[ الدليل السابع ] : فيما أخرجه البخاري (الفتح 8/270) وغيره عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلا من اليهود قال له : يا أمير المؤمنين ، آية في كتابكم ، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا . فقال : أي آية ؟ قال : (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) (المائدة:3) فقال عمر : إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه ، والمكان الذي نزلت فيه ، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم بعرفة يوم الجمعة . وأخرج الترمذي (5/250) عن ابن عباس نحوه وقال : فيه نزلت في يوم عيد من يوم جمعة ويوم عرفة ، وقال الترمذي : وهو صحيح . وفي هذا الأثر موافقة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه على اتخاذ اليوم الذي حدثت فيه نعمة عظيمة عيدا ، لأن الزمان ظرف للحدث العظيم ، فعند عود اليوم الذي وقعت فيه الحادثة يكون موسما لشكر تلك النعمة وفرصة لإظهار الفرح والسرور بها . [ الدليل الثامن ] : أعمال البر التي يشتمل عليها المولد ، إن الاحتفال بالمولد يشتمل على كثير من أعمال البر كالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذكر والصدقة ، ومدح وتعظيم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وذكر شمائله الشريفة وأخباره المنيفة ، وكل هذا مطلوب شرعا ومندوب إليه . وما كان يبعث ويساعد على المطلوب شرعا فهو مطلوب ، لذا قال تعالى مخبرا أنه هو وملائكته يصلون على النبي (( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )) (الأحزاب:56) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (3/506) : "والمقصود من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملإ الأعلى ، بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين ، وأن الملائكة تصلي عليه ، ثم أمر الله تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ليجتمع الثناء عليه أهل العالمين العلوي والسفلي" انتهى . وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مدح نفسه وغيره من الأنبياء السابقين ، ورغب في ذلك ، وعمل به الصحابة بحضرته ، فرضي ودعا لمن مدحه وأثابه . وأخرج أحمد (4/24) وابن أبي شيبة (6/180) والطبراني في المعجم الكبير (1/رقم842) عن الأسود بن سريع قال : قلت : يا رسول الله مدحت الله بمدحة ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هات وابدأ بمدحة الله . في إسناده علي بن زيد بن جدعان وهو مختلف فيه ، وذكره الذهبي في جزئه المفيد "من تكلم فيه وهو موثق" برقم (249) ، وقال "صويلح الحديث" وقد روى له مسلم مقرونا بغيره . لكن أخرج حمزة بن يوسف السهمي في تاريخ جرجان (ص413 رقم 723) عن أبي سعيد الأشج ، حدثنا عبد السلام بن حرب بن عوف عن الحسن ، عن الأسود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه . إسناده صحيح ، مسلسل بالثقات المحتج بهم في الصحيح ، وعوف هو ابن أبي جميلة ، والحسن هو البصري ، وقد سمع من الأسود . ومدح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاء على لسان عدد من الصحابة ، فقد أخرج أحمد في المسند (3/451) وابن عساكر في التاريخ (مختصر ابن منظور 12/158) عن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه قال : وفينا رسول الله يتلو كتابه == إذا انشق معروف من الفجر ساطع أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا == به موقنات أن ما قال واقع يبيت يجافي جنبه عن فراشه == إذا استثقلت بالكافرين المضاجع والاستماع للحادي في المدح جائز لا شيء فيه ، ففي صحيح البخاري (كتاب الأدب باب ما يجوز من الشعر 5/294) عن سلمة بن الأكوع : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى خيبر فسرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع : ألا تسمعنا من هنيهاتك . قال : وكان عامر رجلا شاعرا فنزل يحدو بالقوم يقول : اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولاتصدقنا ولا صلينا فاغفر فداء لك ما اقتفينا وثبت الأقدام إن لاقينا وألقين سكينة علينا إنا إذا صيح بنا أتينا وبالصياح عولوا علينا ولهذا نظائر ، انظر صحيح البخاري (كتاب الأدب ، باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه ، وباب المعاريض مندوحة عن الكذب) وفي صحيح مسلم في أوائل كتاب الشعر من صحيحه .
[ الدليل التاسع ] : ذكر ابن تيمية في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم" (2/634-635) وقال المروزي : سألت أبا عبد الله عن القوم يبيتون فيقرأ قارئ ويدعون حتى يصبحوا . قال : "أرجو أن لا يكون به بأس" ، وقال أبو سري الحربي قال أبو عبد الله : وأي شيء أحسن من أن يجتمع الناس –يصلون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم- ويذكرون ما أنعم الله عليهم كما قالت الأنصار ؟ ...
[ الدليل العاشر ] : وأورد السيوطي في الدر المنثور عند تفسير سورة الجمعة من طريق عبد بن حميد وابن سيرين بسند صحيح : نبئت أن الأنصار قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالوا : لو نظرنا يوما فاجتمعنا فذكرنا هذا الأمر ، الذي أنعم الله به علينا ، فقالوا : يوم السبت ، ثم قالوا : لا نجامع اليهود في يومهم ، قالوا : الأحد ، قالوا : لا نجامع النصارى في يومهم ، قالوا : فيوم العروبة وكانوا يسمون يوم الجمعة يوم العروبة فاجتمعوا في بيت أبي أمامة أسعد بن زرارة فذبحت لهم شاة فكفتهم** انتهى . ترى أيها القارئ أن هذا الحديث يمكن أن يستفاد منه أمور منها : -فيما يتعلق بالأمور المستجدة ، يمكن أن يفهم من هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أقر ما يحدث من الأعمال مما يشهد له أصل من أصول الشريعة ، فقد أقرهم صلى الله عليه وآله وسلم على اجتماعهم في هذا اليوم ، دون أن ينتظروا إذنا منه فضلا عن أمر منه صلى الله عليه وآله وسلم . -يفهم من هذا الحديث كما استدل به ابن تيمية رحمه الله ضرورة مخالفة النصارى واليهود في كل ما هو من سماتهم وشيمتهم خصوصا ما له تعلق بأمر من أمور العبادات . -ويفهم منه استحباب ذكر النعمة والاحتفاء والاحتفال بأيامها ، وذلك أخذا من حديث الأنصار بمنة الله عليهم يوم وصلوا الإسلام ، ومن بحثهم عن يوم يختارونه لإظهار فرحتهم بذلك الحدث السعيد . ** ذكره ابن حجر في الفتح (2/355) ، ثم قال وهذا وإن كان مرسلا فله شاهد بإسناد حسن في حديث كعب بن مالك اه وذكره ابن تيمية في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/635)
[ الدليل الحادي عشر ] : جميع الأحاديث والآثار التي تحض وتأمر بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأعظم دليل بالابتهاج والاحتفاء به صلى الله عليه وآله وسلم ، قال الإمام السخاوي رحمه الله تعالى في القول البديع (ص33) إن في الأمر بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أي وقت كان وكيفية ذلك على اختلاف أنواعه ، والأمر بتحسين الصلاة عليه والترغيب في حضور المجالس التي يصلي فيها عليه ، وإن علامة أهل السنة*** الكثرة منها ، وإن صلاة الملائكة عليه صلى الله عليه وآله وسلم على الدوام لدليل عظيم على توقيره وتعظيمه ، كما قال الإمام الحليمي في شعب الإيمان : إن التعظيم منزلة فوق المحبة ، فحق علينا أن نحبه ونبجله ونعظمه أكثر من إجلال عبد لسيده .. إلى أن قال : وبمثل هذا نطق الكتاب ووردت أوامر الله تعالى بالآيات والأحاديث انتهى . *** انظر القول القول البديع (ص52) [ الفصل الثالث ] دليل الإجماع : أما أدلة الإجماع فقد انعقد على استحسان الاحتفال بالمولد . وما جاء في أثر ابن مسعود رضي الله عنه:(ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن وما رآه المسلمون قبيحاً فهو عند الله قبيح). كشف الأستار عن زوائد البزار" ‏(1/81)، و "مجمع الزوائد" ‏(1/177)
قال ابن كثير: "وهذا الأثر فيه حكايةُ إجماعٍ عن الصحابة في تقديم الصديق، والأمر كما قاله ابن مسعودٍ". وقال الشاطبي في "الاعتصام" (2/655):(إن ظاهره يدل على أن ما رآه المسلمون بجملتهم حسناً؛ فهو حسنٌ، والأمة لا تجتمع على باطلٍ، فاجتماعهم على حسن شيءٍ يدل على حسنه شرعاً؛ لأن الإجماع يتضمن دليلاً شرعياً") وقد استحسن عمل المولد جمهور الائمة والعلماء وتبعهم سائر الإمة الإسلامية
1- ابن جبير الرحالة وذكره إلإحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وإجماع اهل مكة المكرمة من أقدم المصادر التي ذكر فيها إقامة احتفال عام لذكرى المولد هي كتاب رحال (ص. 114 115) لابن جبير (ولد عام 540 هجرية):
قال (يفتح هذا المكان المبارك أي منزل النبي صلى الله عليه وسلم ويدخله جميع الرجال للتبرّك به في كل يوم اثنين من شهر ربيع الأول ففي هذا اليوم وذاك الشهر ولد النبي صلى الله عليه وسلم.) فكان الإحتفال في شهر ربيع الأول في يوم مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم هو عمل المسلمين قبل قدوم ابن جبير إلى مكة والمدينة و كان يحتفل به أهل السنة في أرض الله المكرمة وما ذكر عن صاحب إربل الملك المظفر كان أول من اظهر الاحتفال بالمولد وتوسع فيه وقد دخل ابن جبير مكة في عام 16 شوال 579هـ ومكث أكثر من ثمانية أشهر وغادرها الخميس الثاني والعشرون من ذي الحجة 579هـ متوجهاً إلى المدينة المنورة كما هو مذكور في رحلته و مكث ابن جبير خمسة أيام فقط بالمدينة المنورة وغادرها ضحى يوم السبت الثامن من محرم 580هـ .
2- الشخ الصالح عمر الملا (المتوفى سنة 570 ) وقاهر الصليبين السلطان نور الدين زنكي والاحتفال بالمولد النبوي الشريف ومن أوائل من احتفل به من علماء أهل السنة من أهل المشرق الشيخُ الصالحُ عمر المَلاَّ الموصلي المتوفى سنة 570 مع صاحب الموصل وكان السلطان نور الدين من اخص محبيه ذكر الحافظ أبو شامة في حوادث سنة 566 من كتاب الروضتين في أخبار الدولتين (فصل قال العماد: وكان بالموصل رجل صالح يعرف بعمر الملاَّ، سمى بذلك لأنه كان يملأ تنانير الجص بأجرة يتقوَّت بها، وكل ما عليه من قميص ورداء، وكسوة وكساء، قد ملكه سواه واستعاره، فلا يملك ثوبه ولا إزاره. وكن له شئ فوهبه لأحد مريديه، وهو يتجر لنفسه فيه، فإذا جاءه ضيف قراه ذلك المريد. وكان ذا معرفة بأحكام القرآن والأحاديث النبوية. كان العلماء والفقهاء، والملوك والأمراء، يزورونه في زاويته، ويتبركون بهمته، ويتيمنَّون ببركته. وله كل سنة دعوة يحتفل بها في أيام مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضره فيها صاحب الموصل، ويحضر الشعراء وينشدون مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم في المحفل. وكان نور الدين من أخص محبيه يستشيرونه في حضوره، ويكاتبه في مصالح أموره.) انتهى
وكذا ذكره وكذا ابنُ كثير في حوادث نفس السنة من تاريخه والشيخ الصالح عمر الملا الموصلى قال فيه الذهبي وقد كتب الشيخ الزاهد عمر الملاّ الموصلي كتاباً إلى ابن الصابوني هذا يطلب منه الدعاء. تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الحادي والأربعون الصفحة 130 وكان ذلك تحت إمرة الملك العادل السُّنِّيِّ نور الدين محمود زنْكِي الذي أجمع المؤرخون على ديانته وحسن سيرته، وهو الذي أباد الفاطميين بمصر واستأصلهم وقهر الدولة الرافضية بها وأظهر السنة وبني المدارس بحلب وحمص ودمشق وبعلبك وبنى المساجد والجوامع ودار الحديث، كما نصّ على ذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء ج 20 ص 532- 535.
وقد ذكر ابن كثير في تاريخه عن السلطان نور الدين 🙂 أنّه كان يقوم في أحكامه بالمَعدلَةِ الحسنة وإتّباع الشرع المطهّر وأنّه أظهر ببلاده السنّة وأمات البدعة وأنّه كان كثير المطالعة للكتب الدينية متّبعًا للآثار النبوية صحيح الاعتقاد قمع المناكير وأهلها ورفع العلم والشرع.) ابن كثير في تاريخه ج12 ص 278
وقال عنه ابن الأثير في تاريخه ج9 ص125: طالعت سِيَرَ الملوك المتقدمين فلم أر فيها بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز أحسن من سيرته, قال: وكان يعظم الشريعة ويقف عند أحكامها.)انتهى فاي كلام بعد ذلك أخي المسلم انظر وتأمل وذلك يعني أن أول من احتفل به من الملوك السُّنِّيينَ واحتفل به في مكة والمدينةة والموصل واربل وغيرها بعيداً عن الفاطميين فذلك مسلَّمٌ له وإن كان يعني بذلك أول من أحتفل به مطلقا أو من احتفل به من علماء المسلمين فقد ورد في فتاوي الأزهر ج8 ص 255: عن المفتي الشيخ عطية صقر: أنّه كان يُحتفَل به بمصر فيما قبل سنة 488 . وتقدم أيضا أنّ الشيخ عمر المَلاَّ كان يحتفل به بالموصل قبل وفاته في سنة 570, وتقدم إحتفال أهل مكة قبل دخول ابن جبير وكُوكْبُرِي هذا إنما كان يحتفل به في مدينة إرْبَلْ بعد أن ولاَّه عليها صلاح الدين الأيوبي سنة 586 أي بعد وفاة الشيخ عمرا لمَلاَّ بستة عشر سنة.
3- الملك الصالح السني المظفر أبو سعيد كوكبري والإحتفال بالمولد النبوي الشريف (549هـ- 630هـ) قال ابن كثير في البداية والنهاية الملك المظفر أبو سعيد كوكبري (ابن زين الدين علي بن تبكتكين أحد الاجواد والسادات الكبراء والملوك الامجاد له آثار حسنة وقد عمر الجامع المظفري بسفح قاسيون وكان قدهم بسياقه الماء إليه من ماء بذيرة فمنعه المعظم من ذلك واعتل بأنه قد يمر على مقابر المسلمين بالسفوح وكان يعمل المولد الشريف في ربيع الاول ويحتفل به احتفالا هائلا وكان مع ذلك شهما شجاعا فاتكا بطلا عاقلا عالما عادلا رحمه الله وأكرم مثواه وقد صنف الشيخ أبو الخطاب ابن دحية له مجلدا في المولد النبوي سماه التنوير في مولد البشير النذير فأجازه على ذلك بألف دينار وقد طالت مدته في الملك في زمان الدولة الصلاحية وقد كان محاصر عكا وإلى هذه السنة محمود السيرة والسريرة قال السبط حكى بعض من حضر سماط المظفر في بعض الموالد كان يمد في ذلك السماط خمسة آلاف راس مشوى وعشرة آلاف دجاجة ومائة ألف زبدية وثلاثين ألف صحن حلوى .) انتهى البداية والنهاية (13\136) وقال في عدله وصلاحه وعلمه الإمام الذهبي (صَاحِبُ إِرْبِلَ، كُوْكْبُرِي بنُ عَلِيٍّ التُّرُكْمَانِيُّ السُّلْطَانُ الدَّيِّنُ، المَلِك المُعَظَّمُ، مُظَفَّر الدِّيْنِ، أَبُو سَعِيْدٍ كُوْكْبُرِي بن عَلِيِّ بن بكتكين بن مُحَمَّدٍ التُّرُكْمَانِيّ ... وَكَانَ مُحِبّاً لِلصَّدقَة، لَهُ كُلّ يَوْم قنَاطير خُبْز يُفرِّقهَا، وَيَكسو فِي العَامِ خلقاً وَيُعْطِيهُم دِيْنَاراً وَدِيْنَارَيْنِ، وَبَنَى أَرْبَع خَوَانك لِلزَّمْنَى وَالأَضرَّاء، وَكَانَ يَأْتيهِم كُلّ اثْنَيْنِ وَخَمِيْس، وَيَسْأَل كُلّ وَاحِد عَنْ حَالِه، وَيَتفقَّده، وَيُبَاسِطه، وَيَمزح مَعَهُ... وَكَانَ مُتَوَاضِعاً، خَيِّراً، سُنِّيّاً، يُحبّ الفُقَهَاء وَالمُحَدِّثِيْنَ، وَرُبَّمَا أَعْطَى الشُّعَرَاء، وَمَا نُقِلَ أَنَّهُ انْهَزَم فِي حرب). سير أعلام النبلاء (22\336) فانظر أخي مالك عادل صالح سني عالم ولم يذكر ما يذكره المعارض من مبتدع زنديق وغيرها فتأمل وتتبع أقوال الائمة وأترك أقوال الادعياء تسلم من الزلل. بل المظفر أبو سعيد الكوكبري من قواد جيوش صلاح الدين الايوبي في معركة حطين وزوج شقيقته ربيعة...
4- الإمام أبو الخطاب ابن دحية (544هـ- 633هـ) ألف للملك المظفر ابو سعيد الكوكبري في المولد النبوي سماه التنوير في مولد البشير النذير فأجازه على ذلك بألف دينار. البداية والنهاية (13\136) سير أعلام النبلاء (22\336) وفيات الأعيان | ج 1 | ص 437 و 381 ورسالة حسن المقصد للسيوطي | ص 75 و 77 و 80 السيرة الحلبية | ج 1 : ص 83 | 84 " وأبو الخطاب ابن دحية هو الذي قال الإمام الذهبي في ترجمته: (الشَّيْخُ، العَلاَّمَةُ، المُحَدِّثُ، الرَّحَّالُ المُتَفَنِّنُ ... رَوَى عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ. فَقَالَ: كَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ حَسَنَةٌ بِالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ، وَأَنَسَةٌ بِالحَدِيْثِ، فَقِيْهاً عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ). وقال ابن خَلِّكان في ترجمة الحافظ أبي الخطاب بن دِحية: (كان أبو الخطاب المذكور من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء، متقناً لعلم الحديث النبوي وما يتعلق به، عارفاً بالنحو واللغة وأيام العرب وأشعارها، واشتغل بطلب الحديث في أكثر بلاد الأندلس الإسلامية، ولقي بها علماءها ومشايخها).
5- الإمام أبي شامة (599 ـ 665 هـ) وهو

جواب لمن يسأل عن دليل احتفال بالمولد النبوي الشريف؟

 الأدلة المختصرة على جواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف :


بسم الله، وبعد:
فإنّ من أعظم النعم التي منَّ الله بها على العالمين بعثةُ سيد الأولين والآخرين، محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، رحمةً مهداةً ونعمةً مسداةً، به أخرج الله الناس من الظلمات إلى النور، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
ولقد وقع الكلام في مسألة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، أهو من البدع المنكرة أم من القربات المشروعة؟ فجاءت أقوال الأئمة المحققين وشواهد النصوص الشرعية لتُثبت أنه من البدع الحسنة، ومن القربات المستحسنة، إذ فيه إظهار الفرح والسرور بقدوم الحبيب المصطفى، وذكر سيرته العطرة وشمائله المطهرة.
وفيما يلي جملة من الأدلة :
الدليل الأول: اجتماع الأنصار لشكر الله على نعمة الإسلام :
ذكر ابن تيمية عن محمد بن سيرين:
"ثبت أن الأنصار قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قالوا: لو نظرنا يوماً فاجتمعنا فيه فذكرنا هذا الأمر الذي أنعم الله به علينا .. فقالوا: يوم السبت... ثم قالوا: فيوم العروبة (الجمعة)... فاجتمعوا في بيت أبي أمامة بن زرارة رضي الله عنه فذبحت لهم شاة فكفتهم".
قال ابن الحاج في الاستدلال بذلك على المولد:
"أليسوا احتفلوا بيوم معيَّن يشكرون الله به على ما أنعم عليهم؟ فهذه بدعة حسنة، وعمل المولد بدعة حسنة، ونحن نعمله شكراً لله على هذه النعمة العظيمة، وما هو هذا الأمر الذي أرادوا تذاكر ما أنعم الله به عليهم ومن ثمّ الاحتفال بأكل شاة؟ أليس ذلك الأمر هو نعمة الإسلام؟ ومن جاءنا بالإسلام إلا سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟!".
---
الدليل الثاني: فضل يوم الجمعة وما تضمنه من أحداث .
قال القاضي:
"وقد عظم الله هذا اليوم ففرض على عباده أن يجتمعوا فيه... وقالت اليهود: يوم السبت، وقالت النصارى: يوم الأحد... ووفق الله هذه الأمة فعينوا الجمعة لأنه يوم خلق الإنسان".
فكما عُظِّم يومٌ لحادثة جليلة، فالفرح بيوم ميلاد سيد المرسلين أولى وأحق.
---
الدليل الثالث: في مسألة أول من أحدث المولد
من الخطأ الجزم بأن الفاطميين هم أول من احتفل بالمولد، فقد ذكر أهل التاريخ غير ذلك. ومنهم ابن كثير حيث قال في البداية والنهاية عن الملك المظفر أبي سعيد كوكبري:
"كان يعمل المولد النبوي الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاً هائلاً... وكان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء والصوفية...".
فهذا شاهد على أن عمل المولد لم يكن من اختراع زنادقة الفاطميين، بل أحدثه ملك صالح أثنى عليه العلماء.
---
الدليل الرابع: عمل العلماء بعد القرون المفضلة.
قال السخاوي:
"لم يفعله أحد من السلف في القرون الثلاثة، وإنما حدث بعد، ثم لا زال أهل الإسلام من سائر الأقطار والمدن الكبار يعملون المولد، ويتصدقون في لياليه...".
وقال ابن الجوزي:
"من خواصه أنه أمان في ذلك العام، وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام".
---
الدليل الخامس: انتفاع أبي لهب بفرحه بمولد النبي صلى الله عليه وسلم .
جاء في صحيح البخاري أن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه رأى أبا لهب بعد موته في المنام، فقال:
"ما لقيت بعدكم راحة إلا أن العذاب يخفف عني كل يوم اثنين، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد يوم الإثنين وكانت ثويبة بشرت أبا لهب بمولده فاعتقها".
فقال الحافظ الدمشقي:
إذا كان هذا الكافر جــــاء ذمــــه بتبت يداه في الجحيم مخلـــدا
أتى أنه في يوم الإثنيـــــن دائمـــاً يخفف عنه للســرور بأحمـــدا
فما الظن بالعبد الذي كان عمره بأحمد مسروراً ومات موحدا
---
الدليل السادس: صوم يوم الاثنين
في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الاثنين، فقال:
"ذلك يوم وُلدت فيه، وفيه أُنزل عليَّ".
فهذا نص صريح في تعظيم يوم مولده صلى الله عليه وسلم وشكر الله فيه.
---
الدليل السابع: الأمر بالفرح بفضل الله ورحمته .
قال تعالى:
﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ [يونس: 58]
وقد قال المفسرون: الفضل هو القرآن، والرحمة هو محمد صلى الله عليه وسلم، فهو أعظم رحمة امتن الله بها على العالمين.
---
الدليل الثامن: ملاحظة الزمان وربطه بالحادثة
كما في صيام عاشوراء شكراً لنجاة موسى عليه السلام، قال الحافظ ابن حجر:
"فأي نعمة أعظم من بروز هذا النبي نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم؟".
---
الدليل التاسع: أن المولد بدعة حسنة
قال ابن حجر:
"كل ما لم يكن في زمنه صلى الله عليه وسلم يسمى بدعة، لكن منها ما يكون حسناً ومنها ما يكون خلاف ذلك".
وقال الشافعي:
"البدعة بدعتان: بدعة محمودة وبدعة مذمومة، فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم".
وعليه فالاحتفال بالمولد من البدع المستحسنة.
---
الدليل العاشر: أنه يبعث على الصلاة والسلام على النبي
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي...﴾ [الأحزاب: 56]
فكل ما يبعث على كثرة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فهو مطلوب شرعاً.
---
الدليل الحادي عشر: ذكر سيرته وشمائله ومعجزاته
المولد يتضمن بيان أخلاقه الشريفة ومعجزاته الباهرة، وقد كان الصحابة يمدحونه بالشعر في حياته وبعد وفاته، كحسان بن ثابت رضي الله عنه وغيره.
---
الدليل الثاني عشر: إجماع الأمة العملي :
قال ابن مسعود:
"ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن".
وقد استحسن المسلمون المولد في سائر الأمصار والأعصار.
الخاتمة :
وبذلك يتضح أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف له أصول راسخة، وأدلة كثيرة، وأقوال أئمة معتبرة، وهو من البدع الحسنة التي تجمع بين شكر الله على نعمة بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وتعظيمه وإظهار محبته، والإكثار من الصلاة والسلام عليه، وذكر شمائله ومعجزاته.
فهو اجتماع على خير، ومظهر للوفاء، وسبيل لزيادة المحبة والإيمان، داخل تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم:
"من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده".
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
.......
جماعة لم يفعله النبي والصحابة ..
مع نفسكم ..
اهبدوا في التعليقات كما تريدون








من اجاز الاحتفال بالمولد ؟!

 أجاز جمهور من أكابر العلماء الاحتفال بذكرى المولد النبوي، ومن بينهم شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني، والحافظ السيوطي، والحافظ السخاوي، وابن عاشر المالكي، وابن مرزوق، والشيخ سعيد حوى، والشيخ يوسف القرضاوي، وغيرهم من علماء الأمة. ويجيبون على أدلة المانعين بما يلي:


1. ترك النبي لا يدل على التحريم؛ فإنه من المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعل جميع المندوبات والمباحات، لذلك تحريم كل ما تركه لا يعد مقبولا وسائغا، حيث لا يحق لأحد أن يحرم على نفسه أو على غيره"إلا بدليل صحيح واضح، وإلا فهو معتد ومبتدع ومتنطع،" [9]وقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه" يؤيد هذا، إذ لم يقل: وإذا تركت شيئا فاتركوه، وهذا دليل على أن ما تركه النبي ولم يفعله يبقى على أصله؛ وهو الإباحة؛ ولو قلنا بحرمة كل متروكات النبي لضيقنا دائرة الإباحة ووسعنا دائرة التحريم ، وهذا عين المشقة ورأس الحرج الذي نفاهما الله عن هذا الدين القائم على التيسير.
ولذلك يقول المستشار فيصل مولوي:"إن ذلك (أي الاحتفال بالمولد النبوي) جائز شرعاً ولو لم يكن له أصل بمعنى أنّه لم يحتفل به الصحابة والتابعون ولا تابعو التابعين من أهل الفقه في الدين وهم خير القرون." [10]
2. ولا يصح الاستدلال بعدم احتفال الصحابة رضي الله عنهم بالمولد النبوي على عدم جواز ذلك، لأنهم رضي الله عنهم عاشوا تلك الأحداث بالفعل كما يقول الدكتور يوسف القرضاوي:"وكانوا يحيون مع الرسول صلى الله عليه وسلم، كان الرسول صلى الله عليه وسلم حياً في ضمائرهم، لم يغب عن وعيهم، كان سعد بن أبي وقاص يقول: كنا نروي أبناءنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نحفِّظهم السورة من القرآن، بأن يحكوا للأولاد ماذا حدث في غزوة بدر وفي غزوة أحد، وفي غزوة الخندق وفي غزوة خيبر، فكانوا يحكون لهم ماذا حدث في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يكونوا إذن في حاجة إلى تذكّر هذه الأشياء." [11]
و ترك السلف (في القرون الثلاثة الفاضلة) لم يكن مقترناً بتحريم الاحتفال أو كراهيّته فغاية ما هناك أنّهم لم يفعلوا، وقد أمر الله بما في هذه الآية:﴿ وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ﴾ [12]ولم يقل في حق النبي: (وما تركه فانتهوا عنه) فكيف الحال في حقّ السلف؟!
3. أما الزعم أنها بدعة محدثة وضلالة، فالعلم قائم أن البدعة هو إحداث أمر في الدين لا أصل له في الشرع، أو التعبد لله بغير الطريقة النبوية. وليس في إقامة المولد شيء من هذا، قال الحافظ السيوطي: "هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف." والصحيح أن تسمى سنة حسنة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء." [13]ولقد سن الصحابة والخلفاء الراشدون من الأعمال ما لا خلاف حولها كصلاة تراويح رمضان، وكذاك الصحابي الذي يروي الحديث خبره: فقد أخرج البخاري رضي الله عنه في صحيحه عن رفاعة بن رافع الزرقي قال:"كنا يوما نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رفع رأسه من الركعة قال: سمع الله لمن حمده قال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، فلما انصرف قال: من المتكلم أي ِأنّ النبيّ لما انتهى من صلاته سأل من المتكلم من الذي قال حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه فقال المتكلم أنا، قال صلى الله عليه وسلم: رأيت بضعة وثلاثين ملكًا يبتدرونَها أيهم يكتبها أول." ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ." وفي لفظ آخر:"من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ." نفهم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما ليس منه" أن المحدث إنما يكون ردًا أي مردودًا إذا كان على خلاف الشريعة، و أن المحدث الموافق للشريعة ليس مردودًا.
4. ثم"إنّ هذا الاحتفال ليس نوعا من العبادات التي يشرّعها الله ، ولكنّه من أنواع العادات والأعراف التي يخترعها النّاس، ثمّ يأتي الشّرع بإباحتها إذا لم يكن فيها حرام، أو بمنعها إذا اشتملت على محرّمات. وبما أن ذكرى المولد في الأصل تذكير بسيرة الرّسول (صلَى الله عليه وسلَم) وأخلاقه فهي مباحة وفيها من الأجر إن شاء الله ما لا يخفى." [14]
5.أما القول بأن هذه الاحتفالات هي نوع من عبادة الأشخاص، كقول محمد حامد الفقي:"والمواليد والذكريات التي ملأت البلاد باسم الأولياء هي نوع من العبادة لهم وتعظيمهم" [15]، فمردود لأن العنصر المقوّم لصدق العبادة على العمل هو الاعتقاد بألوهية المعظّم له أو ربوبيّته، أو كونه مالك لمصير المعظّم المحتفل، وأن بيده عاجله وآجله، ومنافعه ومضارّه ولا أقل بيده مفاتيح المغفرة والشفاعة.
وأمّا إذا خلا التعظيم عن هذه العناصر، واحتفل بذكرى رجل ضحّى بنفسه ونفيسه في طريق هداية المحتفلين، فلا يعدّ ذلك عبادة له، وإن أقيمت له عشرات الاحتفالات، وألقيت فيها القصائد والخطب. ومن المعلوم أن المحتفلين المسلمين يعتقدون أن النبي الكريم عبد الله ورسوله، فلأجل تكريمه يقيمون الاحتفال أداءً لشكر النعمة.
6. أما القول في أن في الاحتفال تشبه بالنصارى فهو ظني يقول ابن تيمية:"وكذلك ما يحدثه بعض الناس إمّا مضاهاة للنصارى في ميلاد المسيح (عليه السلام)، وإمّا محبّة للنبي وتعظيماً له والله لقد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع." [16]نلاحظ أن شيخ الإسلام غير متأكد من أن الناس يقلدون النصارى بإحيائهم المولد، وذكر أنهم مثابون على المحبة والاجتهاد، لأن الأساس الذي ينبني عليه عمل المسلم هو الكتاب والسنة وحكم الشريعة، فلا تكون المضاهاة مانعة عن إتباع الكتاب والسنّة، وإن افترضنا أن أول من احتفل، احتفل تقليدا للنصارى إلا أن المحتفلين في هذه القرون براء من هذه التهمة.
7.أما تخصيص يوم بالاحتفال، يكون بدعة إذا اعتقد المحتفل وادّعى ورود الشرع به، أو حثّه على هذا التخصيص، فإن غاب هذا الاعتقاد انتفى الحكم ببدعية الاحتفال، ومعلوم أن جميع مجيزي الاحتفال بالمولد متفقون على جوازه في سائر الأيام. يقول سعيد حوى:"إن أصل الاجتماع على صفحة من السيرة أو على قصيدة في مدح رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جائز ونرجو أن يكون أهله مأجورين، فأن يخصص للسيرة شهر يتحدث عنها فيه بلغة الشعر والحب فلا حرج. ألا ترى لو أن مدرسة فيها طلاب خصصت لكل نوع من أنواع الثقافة شهرا بعينه فهل هي آثمة، ما نظن أن الأمر يخرج عن ذلك." [17]
8. وقول ابن الحاج وغيره أن "هذه الاحتفالات مشتملة على أمور محرّمة في الغالب، كاختلاط النساء بالرجال". لا يبيح تعميم الحكم على الاحتفالات البريئة من هذه المنكرات، ويذكر صاحب المعيار فتوى لابن عباد يقول فيها:"قال بعض الفضلاء: ...وما أنكر من أنكر ما يقع في هذا الزمان من الاجتماع (لإقامة المولد) في المكاتب للأطفال، إلا خيفة المناكر، واختلاط النساء والرجال، فأما إذا أمن ذلك، فلا شك في حسن ما يفعل من الاجتماع وذكر محاسنه، والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في سائر البقاع،... ولا يجوز تعظيم نبي الله تعالى إلا بما يرضيه ويرضي الله تعالى." [18]
9. ومن أدلة الإباحة القول بانعقاد الإجماع على جواز الاحتفال بالمولد النبوي، حيث أن أول إحياء للمولد كان في القرن الرابع، ولم يعترض أحد من العلماء حتى القرن السابع، وجاءت الأخبار بحضور جم غفير من الفقهاء إلى هذه الاحتفالات، ذكر ابن خلكان طرفاً من وصف الاحتفال بالمولد. فقال:"إن أهل البلاد كانوا سمعوا بحسن اعتقاده فيه (أي اعتقاد ملك إربل في المولد) فكان في كل سنة يصل إليه من البلاد القريبة من اربل مثل بغداد، والموصل، والجزيرة، وسنجار، ونصيبين، وبلاد العجم، وتلك النواحي، خلق كثير من الفقهاء، والصوفية، والوعاظ، والقراء، والشعراء." [19]
10. واستدل أيضا بأدلة عامة أخرى كثيرة منها ما في صحيح مسلم حين سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام الاثنين فقال:"ذاك يوم ولدت فيه." وما ذكره السيوطي فيما رواه البيهقي عن أنس من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة. وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي على نفسه، كل ذلك شكرانا لنعمة النبوة.
خلاصة:
بعد عرض أدلة الفريقين يتبين أن ليس هناك دليل خاص يمنع من الاحتفال بالمولد النبوي، وأن جميع الأدلة العامة التي يقدمها المعارضون مردود عليها، ونخلص إلى القول بأنه:
إذا خلا الاجتماع على إقامة المولد النبوي من المنكرات، فلا حرج فيه. بل فيه من الفوائد الكثيرة والجليلة ما يجعل مقيميه ممن يحيون ما أميت من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وذلك بذكر مناقبه صلى الله عليه وسلم وشمائله، ومدحه والصلاة عليه، وإظهار شكر هذه النعمة العظيمة، وهذه الرحمة المسداة. فلا حرج إذن في أن يعتمد شهر المولد كشهر تهيج فيه عواطف المحبة نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا حرج في أن يعتمد شهر المولد كشهر يكثر فيه الحديث عن شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[1] المورد في عمل المولد، ص20-21
[2] اقتضاء الصراط المستقيم، ص293-294.
[3] رسائل في حكم الاحتفال بالمولد النبوي، ج1 ص 57.
[4] أخرجه أحمد (2/50 ، رقم 5114) ، والحكيم (1/375) ، والبيهقى فى شعب الإيمان (2/75 ، رقم 1199) ، والطبرانى كما فى مجمع الزوائد (5/267) قال الهيثمى : فيه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، وثقه ابن المدينى وأبو حاتم وغيرهما ، وضعفه أحمد وغيره ، وبقية رجاله ثقات . وأخرجه أيضًا : عبد بن حميد (ص 267 ، رقم 848) ، وابن أبى شيبة (6/471 ، رقم 33016) ، والطبرانى فى الشاميين (1/135 ، رقم 216) .
[5] المدخل 2/15.
[6] حاشية الدسوقي على الشرح الكبير،ج 19 / ص 390
[7] صالح الفوزان، البدعة، ص17.
[8] انظر رسالة الاحتفال بالمولد بين الاتباع والابتداع لمحمد بن سعد بن شقير، رسائل في حكم الاحتفال بالمولد النبوي: ج2 ص921.
[9] أحمد الريسوني، الكليات الأساسية للشريعة الإسلامية: 85.
[10] المستشار فيصل مولوي، نائب رئيس المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث.

المولد النبوي الشريف فرصة لإحياء روح التسامح والاخوة الصادقة والعدالة الاجتماعية

 في ذكرى المولد النبوي الشريف ,,,,, ما أحوجنا إلى إحياء روح التسامح والاخوة الصادقة والعدالة الاجتماعية ،،،،،،


يحتفل المسلمون في العالم ،كل عام ،في الثاني عشر من شهر ربيع الاول المبارك ، ،،بذكرى المولد النبوي الشريف ،، مولد نبي الرحمة والانسانية والسلام منقذ البشريةمن الشرك والضلال والجهل والوثنية والاعراف والاوابدوالتقاليد البالية التي سادت المجتمع الجاهلي كاستعباد الناس وتجارة الرقيق واحتقار المرأة وامتهان كرامتها وحرمانها من حقوقها وأتيان الفواحش ووأد البنات والغزوات القبلية واستباحة المحرمات واشاعة الظلم والاضطهاد وقهر الرجال وتجسيد الطبقية والعنصرية ففي مثل هذه الاجواء المنحرفة بعث الله نبينا الكريم هادياً وبشيراً ورحمة للعالمين جميعا لانقاذهم من عتمة الجهل والضلال الى نور الهداية والايمان وتخليصهم من فساد العقول والاذهان وانحلال الاخلاق وادران الرذيلة وتطهير نفوسهم وقلوبهم للارتقاء بها الى عالم السمو والمثل العليا والقيم النبيلة.، ولد نبينا الاكرم محمد عليه افضل الصلاة والسلام في ١٢ من شهر ربيع الاول عام الفيل في مكة المكرمة الموافق 20 نيسان سنة 570 ميلادية واختلف المؤرخون على تاريخ ميلاده الميمون وعند ولادته المباركة حدثت الكثير من الدلائل والارهاصات تدل على نبوته وعظمة قدره وعلو مقامه الكريم، كما اورده ابن كثير في كتابه الموسوم (البداية والنهاية) منها سقوط الاصنام على وجوهها واشعاعات انوار اضاءت قصور الشام وحدوث زلازل في ايوان كسرى ادى الى سقوط اربعة عشرة غرفة منه وخبت نار المجوس وهي لم تخبو منذ الف عام.،،لقد كان ميلاده ايذانا لزوال الشرك والوثنية والعقائد الوضعية التي لم ينزل الله بها من سلطان ورسالته السماوية ودستوره القويم (القرآن العظيم) كانت اعظم معجزة عرفها العالم لتحرير العقل البشري مما تعلق به من ادران الجاهلية.
ومبعثه الشريف جاء استجابة لدعاء سيدنا ابراهيم (عليه السلام) في القرآن الكريم لقوله تعالى..((ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم اياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم انك انت العزيز الحكيم)) وقد ورد ذكره في الكتب السماوية السابقة ففي التوراة ما نصه (يقيم لك الرب الهك نبيا من وسطك من اخوتك مثلي له تسمعون) والمراد باخوتك بنو اسماعيل واجعل كلامي في فمه لان النبي الذي قال بحقه جل في علاه (وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى) وبشر به سيدنا المسيح (عليه السلام) كما جاء في محكم التنزيل(واذ قال عيسى ابن مريم يابني اسرائيل اني رسول الله اليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول ياتي من بعدي اسمه احمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين) ولد رسولنا الكريم محمد عليه افضل الصلاة والسلام يتيما اذ توفى والده عبد الله قبل ولادته في عام الفيل الذي جهز فيه ابرهة الحبشي جيشا جرارا ومعهم الافيال لهدم الكعبة الشريفة فارسل الله عليهم الطير الابابيل كما ذكر في الاية الكريمة (الم تر كيف فعل ربك باصحاب الفيل) فحمى الله بيته العتيق ودمر ابرهة وجنده من اجل رسوله لان له صلة وثيقة للمحافظة على هذا البيت وقد ألهم الله جده عبد المطلب فسمى حفيده محمدا ولما سألوه عن ذلك قال اردت ان يحمده الله وملائكته في السماء ويحمده الخلق في الارض فنشأ وترعرع مباركا في مجتمع وثني تسوده النزاعات القبلية والعشائرية والظلم والطغيان واستعباد الناس وسحق الفقراء وتسمو فيه طبقة الاسياد فبعثه الله لمقارعة الظلم والاضطهاد والاستبداد ونصرة المظلوم واحقاق الحق وتطبيق عدالة السماء في الارض لتقويم اعوجاج المجتمع فاخذ اسياد مكة المشركون بمحاربته جهرا وعلانية لان التعاليم الاسلامية التي جاء بها تتنافى مع ممارساتهم المنحرفة ومصالحهم الشخصية ومما زاد من حقدهم عليه مساواتهم مع عبيدهم لقول رسول الرحمة (لا فضل لعربي على اعجمي ولا لأبيض على اسود الا بالتقوى) فالاسلام هو اول دين طبق مبادىء العدل والمساواة وحارب العنصرية والطائفية والطبقية وجعل تقوى الله معيار المفاضلة بين الناس لقوله تعالى (ان اكرمكم عند الله اتقاكم) فاشتدت قريش في عدائها ضراوة عليه وعلى اله وصحبه فحاصروهم في شعاب مكة حصارا مميتا واخرجوهم من ديارهم وهجروهم وعذبوهم وقتلوا منهم الكثير بهدف تركهم دين الاسلام لكن المسلمين آثروا الموت على عودتهم الى عقيدة الشرك والضلال وصبروا على العذاب والبلوى بايمان راسخ لا يزعزعه جبروت وتعسف وبطش المشركين وكان رسولنا الكريم قمة في تحمل البلوى والعذاب من المشركين وهو في هذا العذاب يدعوه اصحابه ان يدعو على المشركين لانه كان مجاب الدعاء فكان يقول انني لم ابعث لعانا بل بعثت رحمة للعالمين فبدلا من ان يدع عليهم كان يدع لهم بالهداية قائلا (اللهم اهد قريشا لانهم لا يعلمون) لانه جاء رحمة للبشرية جمعاء مسلمين وغير مسلمين وقد نعته الله تعالى بقوله الكريم (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين) فكان رحيما بالناس جميعا ورحيما بالحيوانات وكان في منتهى التواضع يجالس الفقراء ويأكل معهم كريما جوادا لينا طيب الكلام مستقيما قويا لا يغضب يعجز المرء ان يصف كمال خلقه وسجاياه الحميدة فكانت حياته جلها عطاء دائما فاسس مدرسة نورانية تدعو الى الفضائل ومكارم الاخلاق فأثنى الله على خلقه الكريم بقوله تعالى (وانك لعلى خلق عظيم) فلم يرو احد من المحدثين بانه اكل وحده او ضرب عبده أو أنب خادمه فقال خادمه (انس) (رض) (خدمت النبي عشر سنين فما قال لي أف ولا لم صنعت ذلك ولا ألا صنعت كذا ولا اساء الى امرأة قط بل كان يوصي بالنساء خيرا) لقوله الشريف(اتقوا الله في النساء) فحقا كان خلقه القرآن لان كل ما استحسنه القرآن ودعا اليه واثنى عليه تحلى به الرسول (ص) وكل ما استهجنه القرآن ونهى عنه تجنبه وتخلى عنه ،،
وهو في كمال خلقه كان يخصف نعليه ويرقع ثوبه ويحلب الشاة لاهله كريم الطبع طليق الوجه رقيق القلب جميل المعاشرة خافض الجناح آمراً بالمعروف وناهيا عن المنكر يبدأ بالسلام من يلقاه. وكرمه الله بالكثير من الصفات. اذ كان عندما يسير في الصحراء تظلله الغمام ويرى من الامام والخلف وكان لا ظل له وكان ريحه اطيب من عطر المسك يترك اريجا فواحا لمن يصافحه وكانت ملابسه لا تتسخ ويوجد بين كتفيه مهر او ختم النبوة وكان يكلم بعض الحيوانات ويسمع لشكواهم ويسمع تسبيح الاشياء المادية كالحصى وهو الذي اختاره الله في رفع الحجر الاسود وغيرها من المعجزات الكثيرة وقد تخرج من مدرسته الوضاءة رجال افذاذ صدقوا ما عاهدوا الله عليه اقتدوا بمنهجه القويم فساد مجتمعهم العدل والحرية والمساواة وتوسعت حتى أمتد نفوذ الاسلام الى تخوم الصين فحكموا الدنيا ولم يأخذوا منها شيئا ولم يورثوا ملكا ولا مالا عاشوا حياة الزهد فكانوا رهبانا في الليل فرسانا في النهار جاهدوا في الله حق الجهاد باموالهم وانفسهم من اجل اعلاء كلمة لا اله الا الله ونشر الدين الحنيف دون اكراه واجبار وقد كرم الله تعالى نبينا الكريم بجميع المعجزات التي كرم بها انبياءه تجسدت في المعجزة الكبرى (القرآن الكريم) الذي يعد دستور المسلمين وبيان للناس فيه اخبار الامم السابقة وحكم الحاضر وانباء المستقبل محفوظ بحفظ الله وقدرته لا يمكن لاية قوة مهما كانت قدرتها تبديله او تحريفه لقوله تعالى (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) فحري بنا ان نحتفل بهذه الذكرى العطرة ميلاد سيد الكائنات نبي الرحمة والانسانية محمد بن عبد الله عليه وعلى اله الاطهار وأصحابه الاخيار افضل الصلاة والسلام لان الاحتفال بمولده المبارك يعد تجديدا للبيعة والولاء المطلق لنبينا الكريم واتباع سنته الطاهرة ومنهجه القويم وكيف لا نحتفل بميلاده الميمون وهو الذي انقذنا من ظلمات الشرك والضلال الى نور الهداية والايمان والحياة الهانئة السعيدة.وهو منقذنا وشفيعنا ،وقد اشاد بشخصه الكريم ورسالته النورانية العديد من الفلاسفة والمستشرقين من غير المسلمين فقال عنه الزعيم الهندي المهاتما غاندي،صاحب فلسفة اللاعنف (اردت ان اعرف صفات الرجل الذي يملك بدون نزاع قلوب ملايين البشر واصبحت مقتنعا كل الاقتناع ان السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الاسلام مكانته بل كان من خلال بساطة الرسول محمد واستقامته وصدقه في الوعود وتفانيه واخلاصه وشجاعته وثقته المطلقة بربه ورسالته وهذه الصفات مهدت الطريق وتخطت المصاعب وليس السيف).
وقال عنه المفكر الفرنسي لامارتين في كتاب تاريخ تركيا:
ان المشاهير والعظماء الذين صنعوا الاسلحة وسنوا القوانين واقاموا الامبراطوريات لم يجنوا الا امجادا بالية لم تلبث ان تحطمت بين ظهرانيهم ،،لكن محمدا الذي قضى على الانصاب والازلام والمعتقدات الوثنية الباطلة لانه جاء بالصدق واليقين والايمان المطلق بوحدانية الله والحكمة والموعظة الحسنة وليس بالسيف وحده ، وقال عنه (لمونتيجو جمري وات) من كتاب محمد في مكة (ص52).
ان استعداد هذا الرجل لتحمل الاضطهاد من اجل معتقداته والطبيعة الاخلاقية السامية لمن آمنوا به واعتبروه سيدا لهم الى جانب عظمة انجازاته المطلقة كل ذلك يدل على العدالة والنزاهة المتأصلة في شخصيته.
وقال عنه (بوسورث سميث) في كتابه محمد والمحمدية ص92 : لقد كان محمد قائدا وزعيما دينيا في آن واحد لكن لم تكن لديه عجرفة رجال الدين كما لم تكن لديه جيوش او حرس خاص او قصر مشيد اذ كان لا احد يقول انه حكم بالقدرة الالهية فان محمدا استطاع الامساك بزمام السلطة دون ان يملك ادواتها ودون ان يسانده اهلها وقال الدكتور زويمر المستشرق الكندي في كتابه الشرق وعاداته (ان محمدا كان ولا شك من اعظم قادة المسلمين الدينيين مصلحا وقديرا بليغا فصيحا جريئاومفكرا عظيما والقرآن الذي جاء به وتاريخه يشهدان بصحة هذا الادعاء).،، وقال الفيلسوف الالماني (سانت هيلر) في كتابه (الشرقيون وعقائدهم) (كان محمد رئيسا للدولة وساهرا على حياة الشعب وحريته داعيا الى ديانة الاله الواحد وكان في دعوته رحيما ولطيفا حتى مع اعدائه وتتحلى شخصيته بصفتين هما من اجل الصفات التي تحملها النفس البشرية وهما العدالة والرحمة) وقال عنه الفيلسوف الفرنسي (ادوار مونته) في آخر كتابه (العرب) (عرف محمد بخلوص النية والملاطفة وانصافه في الحكم ونزاهة التعبير عن الفكر فكان اذكى وارحم عرب عصره واشدهم حفاظا على زمام الدين فأسس لهم دولة دينية ماتزال الى اليوم وقال الفيلسوف الانجليزي برناردشو في كتابه (محمد) (ان العالم احوج ما يكون الى رجل في تفكير محمد هذا النبي الذي وضع دينه دائما موضع الاحترام و الاجلال لانه اقوى دين خالد خلود الدهر واني ارى كثيرا من بني قومي دخلوا هذا الدين وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في قارة (اوربا) وان رجال الدين في القرون الوسطى ونتيجة لجهلهم وتعصبهم قد رسموا لدين محمد صورة قاتمة لكنني بعد ان اطلعت على امر هذا الدين ومحمد وجدته اعجوبة خارقة وتوصلت بانه لم يكن عدوا للمسيحية بل يجب ان يسمى (منقذ البشرية )وفي رأيي انه لو تولى امر العالم اليوم لوفق في حل مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر اليها) وقال الاديب الروسي ليو تولستوي (يكفي محمد فخرا انه خلص امة دموية من مخالب شياطين العادات الذميمة وفتح على وجوههم طريق الرقي والتقدم وان شريعته ستسود العالم لانسجامها مع العقل والحكمة وانا واحد من المبهورين بالنبي محمد الذي اختاره الله الواحد ليكون خاتم النبيين ورسالته آخرالرسالات)وقال عنه (كارل ماركس) جدير بكل ذي عقل ان يعترف بنبوة محمد وانه رسول من السماء الى الارض لانه افتتح برسالته عصرا للعلم والنور والمعرفة بوحي من الله فينبغي محو ما كان متراكما من الرسالات السابقة).
(يقول مايكل هارت في كتابه ( مائة رجل من التاريخ) انه تم اختيار محمد ليكون الاول في اعظم واهم رجال التاريخ فهو الرجل الوحيد الذي نجح اعلى نجاح على المستويين الديني والدنيوي فهناك رسل وانبياء وحكماء بدأوا رسالات عظيمة لكنهم ماتوا دون اتمامها كالمسيح في المسيحية وموسى في اليهودية ولكن محمدا هو الوحيد الذي اتم رسالته الدينية وتحددت احكامها وآمنت بها شعوب باسرها ووضع لها كل اسس حياتها فهو الذي بدأ الرسالة الدينية والدنيوية واتمها) وهناك الكثير من الفلاسفة والمفكرين اشادوا بمحمد ورسالته السماوية لا مجال لذكرهم في هذه العجالة فالعالم الاسلامي والمسلمون مقصرون بحق نبينا الكريم محمد عليه وعلى اله وصحبه افضل الصلاة والسلام فينبغي على الجميع تعظيم هذه الشعيرة العظيمة ذكرى مولده الشريف والاحتفال به احتفالا مهيبا يليق بمقامه الرفيع وكمال قدره تحقيقا لقوله تعالى ((ذلك ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب)) لانه قدوتنا وشفيعنا وحبيب الرحمن وصفوة خلقه المبعوث رحمة للعالمين ورحم الله الامام البوصيري في قصيدته العصماء التي تعد دررا في قلادة منظومة انقل قبسا منها :
وكيف يدرك في الدنيا حقيقته
قوم نيام تسلوا عنه بالحلم
فمبلغ العلم فيه انه بشر
وانه خير خلق الله كلهم
فانه شمس فضل هم كواكبها
يظهرن انوارها للناس في الظلم
يارب بالمصطفى بلغ مقاصدنا
واغفر لنا ما مضى ياواسع الكرم
وانشد العالم الفيلسوف الكوردي السيد عبد الرحيم المولوي البيرخضري الملقب بالمعدوم صاحب المؤلفات والتصانيف الكثيرة بقصيدته المشهورة..
ارى كل مدح في النبي مقصرا
وان بالغ المثني عليه واكثرا
اذ الله اثنى بالذي هو اهله عليه ، فما مقدار ما يمدح الورى.
وانشد امير الشعراء احمد شوقي قصيدته المشهورة :
ولد الهدى فالكائنات ضياء** وفم الزمان تبسم وثناء
وقال في مدحه شاعر الرسول حسان بن ثابت:
اغر عليه من النبوة خاتم
من الله مشهود يلوح ويشهد
وضم الاله اسم النبي الى اسمه
اذ قال في الخمس المؤذن اشهد
وشق له من اسمه ليجله
فذو العرش محمود وهذا محمد
نبي اتانا من بعد يأس وفترة
من الرسل والاوثان في الارض تعبد
فامسى سراجا مستنيرا وهاديا
يلوح كما لاح الصقيل المهند
وانشد كعب بن زهير عند اسلامه القصيده الاتية:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
متيم اثرها لم يفد مكبول
انبئت ان رسول الله اوعدني
والعفو عند رسول الله مأمول
ان الرسول لسيف يستضاء به
مهند من سيوف الله مسلول
وانشد شاعر الرسول عبد الله بن رواحه الانصاري الخزرجي
اتانا رسول الله يتلو كتابه
كما لاح منشور من الصبح ساطع
ارانا الهدى بعد العمى فقلوبنا
به موقنات ان ماقال واقع
ببيت يجافي جنبه عن فراشه
اذا استثقلت بالكافرين المضاجع
وقال احد الشعراء المعاصرين
نور اضاء بصيرتي فاضاءني
لما تذكرت الحبيب محمدا
وكانما سطعت شموس في دمي
وكانما قمر السماء تعددا
فبذكره يحلو الوجود فترتقي
ياحظ من باسم الحبيب تزودا
وقال احد الشعراء المجدين في حبه
هو خاتم للمكرمات واول
ورسول حب وحب مرسل
يارحمة رقراقة بعثت لنا
بمياه نهجك كل ذنب يغسل
وقال البردوني في حب النبي الخاتم
بشرى من الغيب القت في فم الفار
وحيا وافضت الى الدنيا باسرار
بشرى النبوة طافت كالشذى سحرا
واعلنت في الزبى ميلاد انوار
وشق الصمت والانسام لحملها
تحت السكينة من دار الى دار
وهدهدت مكة الوسنى ناملها
وهزت الفجر ايذانا باسفار
ومن اجمل القصائد في حب الرسول
عز الورود وظل فيك اوام
وارقت وحدي والانام نيام
ادنو فاذكر ما جنيت وانثني
خجلا تضيق بحملي الاقدام
وزري يكبلني ويخرسني الاسى
فيموت في طرف اللسان كلام
أاعود ظمآنا وغيري يرتوي
ايوب عن حوض النبي هيام
كيف الوصول الى رحاب المصطفى
والنفس حيرى والذنوب جسام
وان اول من احتفل بهذا اليوم البهيج المولد النبوي الشريف
الملك المظفر ابو سعيد كوكبري زين الدين علي بن يكتكيين في مدينة اربيل وهو احد الملوك الامجاد فكان شهما شجاعا وعالما عادلا و هو الذي عمر الجامع المظفري بسفح قاسيون.
وقال ابن خلكان في ترجمة الحافظ ابي الخطاب ابن وحية عندما وجد الملك مظفر الدين بن زين الدين يعتني بالمولد النبوي الشريف الف كتابه الشهير (التنوير في مولد البشير النذير) وقرأه على الملك فاجازه الملك بالف دينار كما ان الفاطميين اهتموا كثيرا بالاحتفال بمولد النبي في مصر وكذلك سلاطين الدولة العثمانية وسلاطين المغرب يحتفلون بمولد النبي بهمة عالية لاسيما في عهد السلطان احمد المنصور الذي تولى الملك اواخر القرن العاشر الهجري وكذلك احتفلت كافة البلدان الاسلامية بهذا اليوم الاغر منذ القدم كمصر والعراق وسورية والاردن واليمن والمغرب وتونس وليبيا وغيرها الا ان ما يؤسف له ان بعض العلماء المتاخرين اعتبروا الاحتفال بيوم المولد بدعة فلست ادري كيف يكون الاحتفال والابتهاج بمولد فخر الكائنات المبعوث رحمة للعاملين بدعة علما بان كافة الائمة والعلماء كالامام السيوطي وابن الجوزي وابن حجر العسقلاني والحافظ شمس الدين والامام النووي والشهاب احمد القسطلاني (شارح البخاري) وغيرهم وعلماء الازهر الشريف وعلماء العراق وتونس والمغرب استحسنوا ذلك وعدوها من المستحبات لان الغاية منها تجديد البيعة والولاء المطلق والعهد للايمان والاسلام اقتداء بسنته الوضاءة وتعزيز المحبة والسلام والوحدة الوطنية ونبذ التباغض والتناحر والاختلاف بين ابناء الشعب فحب النبي وآل بيته الاطهار تعد من تمام الايمان لقول رسولنا الكريم (لا يكمل ايمان احدكم حتى اكون احب اليه من نفسه وماله وولده) فهذا الحب الايماني الاسلامي للنبي واله الاطهار فرض لقول الامام الشافعي رضي الله عنه..
يا آل بيت رسول الله حبكم فرض** من الله في القرآن انزله
يكفيكم من عظيم الفخر انكم** من لم يصل عليكم لا صلاة له،،