الخميس، 16 يناير 2025

"فهم الإسلام في ظلال الأصول العشرين" للإمام الشهيد حسن البنا - الاصل الاول .

 تعالوا إلى كلمة سواء

نود قبل أن نبدأ الحديث في "فهم الإسلام في ظلال الأصول العشرين" للإمام الشهيد حسن البنا أن نتفق على قواعد كلية يجب أن تكون محل اتفاق بين المسلمين إذا عرضوا أمرهم للنقاش.

لأننا لا ندري لما هذه الحرب الضروس. والهجوم الذي لا ينقطع على فكر الإمام حسن البنا –رحمه الله- في أماكن متفرقة تزامنت في وقت واحد من أناس من جلدتنا وممن يدافعون عن إسلامنا وعقيدتنا ولا ندري لما أصبح هذا الفكر خطراً على الدعوة الإسلامية في أيامنا هذه بالذات وحصوننا مهددة من الداخل والخارج على حد سواء، والأمر جد لا هزل فيه يحتاج منا أن نهتم بعظائم  الأمور ونترك سفاسفها.

إننا نفعل فيما بيننا ما عجز عنه أعداء الإسلام ولم يستطيعوا تحقيقه وحققنا لهم أهدافهم بأيدينا ما كانوا ببالغيها حتى أصبح البعض منا يرى أن فكر الإمام البنا أخطر من فكر روسيا في أفغانستان وإسرائيل في القدس وأمريكا في بلاد الإسلام وفرنسا في شمال أفريقيا أو الصليبية في جنوب السودان وليت الأموال التي أنفقت في الصد عن دعوة الإخوان المسلمين في صفحات سودت للهجوم عليهم أُنفقت في التبشير بالإسلام في أفريقيا أو تعليم أبناء المسلمين في بيشاور بباكستان أو شراء سلاح للمقاتلين من أجل الإسلام في كل مكان أو حتى شراء حجارة لإرسالها لأطفال الحجارة في فلسطين لكان خيراً لنا جميعاً إلا أن يكون فكر الإخوان المسلمين أخطر من ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

إن الأمور يا أحبة المتنازع حولها ومن أجلها يترتب عليها التمزق وتفريق الشمل بل هي الحالقة التي لا أقول تحلق الشعر بل تحلق الدين فهل نتقي الله جميعاً في إسلامنا؟ ونحب لله ونبغض لله ونعطي لله ونمنع لله حتى نستكمل إيماننا ويكون ميزاننا الذي نزن به الأمور هو ميزان السلف الصالح.

نسأل الله أن يجمعنا على كلمة سواء وأن يؤلف بين قلوبنا ويجرى الخير على أيدينا جميعاً لنتعاون فيما اتفقنا عليه من أصول يعذر بعضنا بعضاً في فروع ويعيد بناء أمة الإسلام من جديد إنه نعم المولى ونعم النصير.

وهيا إلى القواعد الكلية التي نود أن نتفق عليها جميعاً قبل أن نستعرض فهمنا للإسلام من خلال الأصول العشرين.

أولاً:عدم التعصب للرأي في سبيل كسب الأنصار وفرق بين التعصب والتمسك بالحق، فالتعصب يدفع الفرد إلى أن ينسب لغيره الضلال واضطراب العقيدة وينقد الدعاة ويلمزهم حتى ولو ارتكب في حقهم جريمتي الغيبة والنميمةـ بينما التمسك بالحق يصبغ صاحبه بالأخلاق الكريمة والكلمات العفيفة والموعظة الحسنة، والدعوة الحكيمة والمجادلة بالتي هي أحسن ووجوب رد التنازع في كل أمر إلى الله ورسوله.

ثانياً: لا يصح لفرد أو جماعة أن تدعي العصمة فيما تقول وتجعل رأيها-فى أمور الرأي- هو الحق وما عداه الباطل أو تدعي أنها تملك الحسم في الأمور الخلافية. بحيث يصبح الخروج على رأيها خروجاً عن الإسلام أو ضعفاً في الاعتقاد فلا عصمة لأحد وكل يؤخذ من كلامه ويرد.

ثالثاً: الأمور الخلافية لا إنكار فيها شرعاً والتماس العذر فيها ليس كتماناً لحق أو انتقاصاً للعقيدة. لكنه تعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه.

رابعاً: أن يكون منهجنا قائماً على تحري الحق وبلوغ الصواب ليس استظهاراً لرأي أو محاولة إظهار هذا الرأي هو الصواب، ولكن نبحث عن الحق أين كان مصدره سواء ظهر على لساني أو لسان خصمي، يقول الإمام الشافعي:"ما ناظرت أحداً إلا رجوت الله أن يظهر الحق على لسانه، فالحق يقبل من كل من تكلم به".

خامساً: لا يجوز بل لا يحل التشنيع والإرجاف على جماعة ما بسبب مسائل تحتمل وجوهاً في الفهم والرأى ولا يحل فيها التكفير والتضليل والتفسيق لخطورة ذلك.

سادساً: لا يجوز بل لا يجب أن نبحث عن سقطات الآخرين ولا مواطن السقوط والضعف ونذيعها بين الناس لننفر الناس ممن يخالفنا فليس هذا المنهج الإسلامي ولا بأخلاق المسلمين.

سابعاً: الاتفاق العام على أصول المنهج لا يعني بالضرورة الاتفاق على التفاصيل ومخالفة المرء لبعض فروع المنهج لا يخرجه عن صحة أصل هذا المنهج فمثلاً قالت السيدة عائشة رضي الله عنها قال رسول الله r عن رؤية الله "نور أنّى أراه" بينما قال ابن عباس أنه r قال أنه رأى ربه بفؤاده فاختلفا وما خرجا عن أصل المنهج.

ثامناً: لا ينبغي الحكم على طائفة ما بأنها خارجة عن المنهج الصحيح بسبب خلاف جزئي مع اتفاقها على معظم الكليات فالحكم باعتبار الغلبة والرجحان.

تاسعاً: ضرورة التوسط والاعتدال حتى عند شنآن العداوة واستحكام الخلاف فلابد من الإنصاف.

فمثلاً الصوفية يجب الإنصاف في الحكم عليها لا المغالاة يقول ابن القيم في شطحات الصوفية : منهم من أساء الظن بالكلية وفرطوا ومنهم من أحسن الظن وأفرطوا وقال الحاكم في مستدركه على الصحيحين هم طائفة من المسلمين منهم أخيار ومنهم أشرار.

يقول ابن القيم : وكل أهل نحلة ومقالة يكسون نحلتهم ومقالتهم بأحسن ما يقدرون عليه من الألفاظ ، ومقالة مخالفيهم بأقبح ما يقدرون عليه من الألفاظ ومن رزقه الله بصيرة فهو يكشف بها حقيقة ما تحت تلك الألفاظ من الحق والباطل ولا تغتر باللفظ كما قيل في هذا المعنى.

تقول هذا جنى النحل تمدحه                   وإن تشأ قلت ذا قيئ الزنابير

مدحاً وذماً وما جاوزت وصفهما              والحق قد يعتريه سوء تعبـير

فإذا أردت الاطلاع على كنه المعنى هل هو حق أو باطل فجرده من لباس العبارة وجرد قلبك من النفرة والميل ثم اعط النظر حقه ناظراً بعين الإنصاف ولا تكن ممن ينظر في مقالة أصحابه ويحسن الظن بهم نظراً تاماً بكل قلبه ثم ينظر في مقالة خصومه ويسيء الظن بهم كنظر الشرر فالناظر بعين العداوة يرى المحاسن مساوئ والناظر بعين المحبة  عكسه ولا يسلم من هذا إلا من أراده الله لكرامته وارتضاه بقبول الحق وقد قيل :

وعين الرضا عن كل عيب كليلةٌ                ولكن عين السخط تبدي المساويا

عاشراً: ضرورة الجمع بين النصوص التي قالها عالم من العلماء أو إمام من الأئمة بمعنى أننا قبل أن نتهم إمامًا أن عقيدته فاسدة أو لديه خطأ في تصور معين ينبغي ألا نجتزأ كلاماً من كلامه ثم نعمم الحكم ولكن ينبغي أن نجمع كل كلامه من متفرقات وأقواله فإن أجمل في وضع وفصّل في آخر فإننا نحمل المجمل على المفصّل وإن أبهم في موضع وأوضح في آخر فيحمل المبهم على الواضح البين، وكذلك نحمل المطلق على المقيد وهكذا ذلك لأن الاجتزاء قد يؤدي إلى الخطأ في الحكم فلو أنك علمت أن ابن القيم يقول بفناء النار والجنة بعد أن ينال المحسن إحسانه والمسيء جزاءه وهذه مقولة الجهمية فهل تتسرع بالحكم على ابن القيم بأنه جهمي بالطبع لا يجوز ذلك.

حادي عشر: ضرورة احتمال كلام العالم على أحسن المحامل إحساناً للظن بأخيك المسلم فإذا كان هناك كلاماً له وجوه باطلة وأخرى صحيحة نأخذ بالصحيح ونحسن الظن بهذا الإمام واسمع إلى ابن تيمية حيث تكلم بعض الصوفية فقال: مَن أحبه الله لم يضره الذنب. وهذا كلام له دلالة خطيرة يحمل الإرجاء فإذا بابن تيمية يفسره لصالح قائله ويقول يقصدون أن من أحبه الله وفقه إلى التوبة والاستغفار حتى لا يبقى على الذنب وهكذا حمله حملاً جميلاً إحساناً بالظن بقائله.

ثاني عشر: إن عرض مسائل الخلاف فيما نختلف مع غيرنا ينبغي أن يكون مستوعبًا أي يجب عرض جميع الجوانب كلها فلا نعرض جانباً ونترك آخر فلابد من الاستيعاب وتخير المقام الذي يقال فيه المسألة "حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله"

ثالث عشر: الأئمة المشهود لهم بالإمامة في الدين والتقى والورع والجهاد تنغمر هفواتهم في حسناتهم وفضائلهم ويجب أن نعرف أقدارنا في العلم ولا نتسرع في أمر الفتوى. قال الإمام السبكي: يجب أن نسلك الأدب مع الأئمة الماضيين ولا نخوض فيما وقع بينهم من خلاف فإن القوم أئمة أعلام ولأقوالهم محامل ربما لا يُفهم بعضها فليس لنا إلا السكوت عما شجر بينهم ونأخذ الحق من سبيله.

رابع عشر: العناية بدراسة ومعرفة الفرق الإسلامية لا يلزمنا اليوم إلا بمقدار ما نتعرف على المنهج الصحيح الذي رد به سلف هذه الأمة على فرق الضلال لنجابه به الضلالات المعاصرة فأهل السنة في كل زمان واجهوا الباطل في زمانهم.

واليوم هناك فرق ضالة وحديثة كالإسماعيلية والبهائية والقاديانية والماسونية والماركسية وغيرها من الفرق الضالة التي ظهرت لحرب الإسلام أليست هي الأولى بالمواجهة من الفرق القديمة التي اندثرت وليس لها وجود؟ إننا لا حاجة لنا بالفرق القديمة إلا بقدر معرفة وجه الشبه بين القديم والحديث وننظر في منهج العلماء الذي واجهوا به أهل الباطل في زمانهم فإن أفادنا ونفعنا فبها ونعمت وإلا فلا داعي لتجديد قديم غير موجود حتى لا تكون الحرب في غير ميدان.

وأخيراً نقولها من الآن وبصوت مسموع أن الحق الذي ندين به هو منهاج أهل السنة والجماعة وهو منهج السلف الصالح الذي يقوم على صحة النقل وصراحة العقل.

لأن العلم إما أن يكون عن قائل معصوم : وقول عليه دليل معلوم فإما قول مصدق أو استدلال محقق.

ونحن لا نلقي الكلام على عواهنه ولكنك سترى بمشيئة الله تعالى صدق ما نقول ونسأل الله التوفيق في عرض قضيتنا وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت .

فهيا إلى الأصول العشرين.


مقدمة الطبعة الرابعة

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد :

فإن الله I إذا أنعم على عبد فقهه فى الدين (فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ) وهو I عادل يعطى الدنيا لمن أحب ولمن لا يحب ولا يعطى الدين إلا لمن أحب فمن أحبه الله أعطاه الدين وجعل له مذاقاً حلواً يجد حلاوته فى قلبه "ذاق طعم الإيمان من رضى بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ورسولاًَ"

ومن نعم الله علينا أن أنعم علينا بفهم كامل شامل لهذا الدين كما جاء به المصطفى r ولا شك أن توريث هذه الدعوة أمر يستلزم من كل مسلم،كلٌ بقدره وبقدر ما يحمل من هذه الدعوة "بلغوا غنى ولو آية " لكى يكون المجتمع كله عاملاً لهذا الدين ولا يكون هناك أفراد يسمعون وآخرون يعملون بل الجميع يشارك بقدر ما يحصل من علم وهذه الدعوة المباركة التى مَنَّ الله I بها علينا وأصبحنا نحملها ونشكر الله  أن اصطفانا من بين خلقه وحَمَّلنا هذه الأمانة وننشرها بين الناس ،بعد أن منَّ علينا وبصرنا بمعالم الطريق كلما رأينا معلماً ثبتت الأقدام وتوجهنا للغاية المنشودة نرجو رحمته ونخشى عذابه، وكما تعلمنا فإن العبرة ليست بثمرة المنهج الصحيح ولكن الالتزام بخطواته كما جاء بها الرسول r أما الثمرة فـ (اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) جنيناها في حياتنا الدنيا فنحمد الله، فإن لم نجنها استكمل غيرنا جنيها فهذه حكمة الله وما علينا إلا أن ننظر لخطواتنا، فنصحح الخطأ فيها ونثبت على الصواب ونتوكل على الله فهو حسبنا، من أجل هذا كان الإمام البنا يؤكد هذا المعنى ويقدم المنهج بوضوحه ووسائله وأهدافه، كي يكون المؤمن بهذه الطريقة على بينة من أمره ولقد اهتم الإمام البنا بتوضيح الفهم اهتماماً بالغاً؛ذلك لأن الإنسان المسلم إذا شاب فهمه أى أمر من الأمور عاقه ذلك عن المسير فى الطريق المستقيم الذي سماه ربنا صراطاً مستقيماً.

نقول هذا لأننا لا نستطيع أن نتكلم عن أصول الفهم العشرين إلا إذا حددنا معنى الفهم ذاته كركن من الأركان قبل أن نتكلم عن أصوله، ولكي يستبين لنا الأمر فإننا إذا نظرنا فى مجتمعاتنا الإسلامية نجد كثيراً من الراغبين فى العمل الإسلامى يتساءلون :أى الجماعات أهدى سبيلاً ؟فهم يرون فى سوق الدعوة تصورات كثيرة قد يحمل بعضها بضاعة مزجاة وقد يكون البعض الآخر شابه شيء من الإفراط أو التفريط ، أو من النقص أو الزيادة فكيف نفرق بين السوى من هذه الدعوات والمنحرف، وصحيح الفهم وسقيمه، وبين المفرط والمفرِّط وبين الصواب والخطأ، والناس فى حاجة إلى توضيح ذلك كله ولا نستطيع أن نقدم الفهم السليم إلا إذا كان عندنا واضحاً وضوح الشمس فى رابعة النهار؛ لأن الناس فى حاجة إلى تصويب ما أخطئوا فيه وإلى تأكيد ما أصابوه وإلى تقديم الدعوة كاملة لا تشوبها شائبة ولهم أن يسألون لكي يصلوا إلى الصواب وعلينا الإجابة والتوضيح وليس لنا أن تضيق صدورنا بأسئلتهم فقديماً سألت الملائكة ربها (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) وسأله إبراهيم u( كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى) وسأله موسى u (رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ) وسأل الناس رسول الله r حتى أننا نرى ذلك فى كتاب ربنا يسألونك عن كذا،فقل ،فلا يجوز للداعى أن يضيق صدره بأى سؤال مهما كان،عليه أن يتقبله بقبول حسن ويجيب عليه بما علمه الله  ،والحقيقة أن المقياس الذى يقيس به الناس هذا الأمر لكى يتبينوا الصواب من الخطأ ما كان متروكاً يوماً من الأيام للاجتهاد الشخصي ،وما كان متروكاً للميزان العقلى ولكنه أمر دقيق لأنه أمر ديني ودعوة خطاها رسول الله r بخطوات محددة وله مقياس واضح تحدث عنه العلماء ربما باستفاضة فقد يسألنا سائل: أي الجماعات مصيب وأيها عاملة بمنهاج الله وتابعة لرسوله r ومقتدية به كي نستبين الصواب من الخطأ؟نقول وبالله التوفيق: إذا أردت أن تقيم فكراً أو منهجاً أو جماعة من الجماعات التى تحمل منهاجاً،لابد أن نتأكد من معرفة التصور الذي تدعو إليه والفكر أو المنهج الذى تحمله من حيث :

أولاً- التصورات والاعتقادات والقيم والمبادئ التى يقوم عليها هذا المذهب أو هذه الجماعة من حيث عاداتها ، أساسها الفكري والعقيدي الذي قامت عليه ،نظرة هذه القيم والمبادئ للكون والإنسان والحياة.

ثانياً- الأشخاص الذين يدعون لهذا المنهج من حيث سلوكهم ككل وأخلاقهم كمجموعة وتكوينهم العقلى ومدى تطبيقهم لما يدعون إليه وتحملهم المشاق والتضحية من أجله ثم موقع هؤلاء الأفراد من الناس .

ثالثاً- نتائج هذا الفكر وأثره فى حياة معتنقيه ثم أثره فى أسرهم ومجتمعهم .

رابعاً- هل هذه النتائج وهذا التغير الذى حدث، تغير وقتى ينتهى بزوال هؤلاء الناس، أم هذا الفكر مستمر بعدهم يرثه جيل بعد جيل .

خامساً – هل هذا المنهج يرغم الناس على اعتناقه ويكرههم عليه ولا يسمح لمعارضيه بصوت ولا يسمع الرأى الآخر ولا ينتصح بمشورة أم أن معتنقيه يلتزمون به ولا يلزمون به أحد ويقنعون بالحجة والقول الحسن ولا يكرهون أحد عليه ويتركون الناس يختارون .

هذه مقاييس خمسة يستطيع أي إنسان أن يقيس بها أي جماعة من الجماعات عندما تعرض فكرها وبهذه المقاييس يتبين لنا الغث من الثمين،والصواب من الخطأ ولذلك وضع الإمام البنا لأتباع فكره مناهج ثلاثة محدودة :منهج للعقيدة ومنهج للعبادة ومنهج للحركة فمن أراد أن يتعرف على ما تحمله الجماعة من فكر وتصور فما عليه إلا أن يدرس هذه المناهج الثلاثة والتى تقدم لنا الإسلام بشموله وعمومه وسموه وكماله ودوامه ثم بعد ذلك يقيس هذا الفهم بالمقياس الثابت الذى لا يتغير وهو منهج رسول الله r الذى جاء به والذى حمله جيل بعد جيل ليومنا هذا ، وخير تفسير له سيرته r كما بينها العلماء الثقات.

منهج العقيدة:

فمنهج العقيدة عند الجماعة راعت لا إفراط فيه أو تفريط وباختصار هو منهج عقيدة أهل السنة والجماعة ومن فضل الله دُونت هذه العقيدة تدوين واضح من أهل السنة والجماعة بحيث لا نترك لمتأول فرصة ولكننا نعود دائماً للسلف والذى قرأ كتابي فهم الإسلام فى عرض عقيدة الإسلام، أو فهم الإسلام فى ظلال الأصول العشرين، يرى أن فكر الجماعة هو فكر أهل السنة والجماعة، كما أن منهج الإخوان فى عرض العقيدة يلتزم بهذا الفهم التزاماً واضحاً بصرف النظر عما يقوله أهل الهوى والذين تعودنا منهم أن يرمونا بالحجارة بينما نلق نحن عليهم الثمر وبهذا المنهج الذي نحرص عليه ونلتزم به لا تنشأ بيننا الفرق الإسلامية كما نشأت من قبل كالخوارج والمعتزلة والشيعة وغيرهم من الجماعات التى حادت عن منهج أهل السنة والجماعة والتي ظهرت في زماننا هذا فأشكال مختلفة كجماعة التكفير والهجرة وغيرها من الجماعات التي تُكفر المسلمين بالكبيرة بل ويتمادى بعضهم ويُكفر بالصغيرة ، ويعيدون سيرة الخوارج مرة أخرى.

ولقد نشأ هذا الفكر فى سجون عبد الناصر سنة 1965 حين اشتد التعذيب على الإخوان بوجه خاص وعلى المسجونين الآخرين بوجه عام فلم يروا إلا صورة من الحرب الشديدة على الإسلام والمسلمين فكان لا يسمح بصلاة ولا قرآن وكنا نسمع التهجم على الإله والتهكم عليه ولا نرى إلا صورًا بشعة لا تحتمل تأويلاً إلا الكفر وحامل الكفر ليس بكافر فاشتط البعض فكفَّر المجتمع كله مما دفع الإمام الهضيبى أن يكتب كتاب "دعاة لا قضاة" وضح فيه الفرق بين أصول العقيدة وفروعها وحدد هذه الأمور تحديدًا واضحًا كما بينها الإمام البنا سواء فى كتاب العقائد أو الأصول العشرين.

والذي نريد أن نؤكد عليه بعد ذلك أن الإمام البنا بالرغم من هذا التوضيح الهام إلا أنه لم يهتم بعلم العقيدة فحسب ولكنه اهتم بأثر العقيدة في بناء الإنسان حتى لا تكون العقيدة علم يحفظ وكلام يدرس وينتهي الأمر بحصيلة علمية تبحث عن أثرها فى القلب فلا تجد.

وهذا المعنى هو الذي أكد عليه الإمام ابن القيم حين قال : أن للا إله إلا الله قلب وقالب،قالبها علمها ،فالقالب الإطار الذى يحددها ويشترك فيه المؤمن والكافر، على حد سواء يقرأ المسلم ويحصل يستطيع المشرك أن يفعل ذلك وأكثر فالمستشرقون قرءوا أكثر ولكن ليسوا سواء، وأصحاب الهوى الذين يحاربوننا بالشبهات يقرءون ويلتقطون الشبهات

ولذلك فليست العبرة بقالب لا إله إلا الله فحسب ولكن الأهم قلبها وقلبها هو أثرها في القلب وهذا الذي ينفرد به المسلم عن الكافر وهو أساس العقيدة عند المسلم ، فليس أساس العقيدة حفظ النصوص فحسب بل تترك صفات الله فيه لكن الأهم الأثر فإن كان الله رحيم فهو يتحلى بالرحمة،وإن كان قوياً يتحلى بالقوة،وإن كان عزيزاً يتحلى بالعزة ،كل اسم من أسماء الله وصفاته تترك أثرها فيه ليصبح ذا شخصية عابدة مؤمنة (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا) وإذا تأملت آيات الله فى القرآن لا تجد كلاماً عن وصفه الإيمان مجرداً لكن تجد كلامًا عن المؤمنين بصفاتهم كأن الإيمان أصبح رجالاً يمشون على الأرض ترجمة لهذا الإيمان ولذلك لا تجد تعريفات عن الإيمان والإسلام بل إن حديث جبريل المشهور حين جلس النبى r وجاءه جبريل يسأله عن الإيمان والإسلام وبعد أن جاء نظر رسول الله r لعمر وقال : أتدري من السائل ؟ قال ما المسئول بأعلم من السائل ، فقال هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم.فمهمة جبريل هي العلم فقط أما مهمة الرسول r فهي: (يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ) فمهمة جبريل لم تكن تزكية وتربية ولكن تعليم فحسب بينما الرسول r يعلمهم ويزكيهم،ولذلك إذا وقفنا نحن عند تحصيل العلم نكون قد أخذنا جانباً واحداً من مهام الرسول ،وتركنا أهم مهمة له وهى التزكية والتربية التي يتحقق بها صفات المؤمنين ، ومن هنا فإننا نتعبد الله بذكر هذه الصفات التي يتحلى بها المؤمنون نقول في صلواتنا (كانوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ {17} وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ {18} وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ).

إنها صفات رجال فى منتهى الصفاء والنقاء بعد أن أصبحت واقعاً ملموسًا يبرز الجانب الأخلاقى والسلوكي وهو نتيجة حتمية من أثر الاعتقاد ولذلك فإن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يتفاوتون في تحصيل العلم فهذا ترجمان القرآن وهذا عالم الفرائض وهذا عالم الفقه بينما لا يتفاوتون خلقاً فجميعهم خلوقين وإن كان الإسلام يشجع الإنسان على تحصيل العلم بقدر طاقته إلا أنه يلومه إن فقد شيئًا من الصفات الأخلاقية لأن تحصيل الأخلاق يستوي فيها العالم والجاهل على حد سواء، ولهذا فاهتمامنا بأثر العقيدة فى غاية الأهمية فى منهجنا الإسلامي أما العلم فيتحلى به ويحصله القادر عليه يقول ربنا (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ), وأما الأخلاق فبضاعة كل مسلم لأن الرسول r يقول "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" من أجل ذلك فإن الرسول r غرس فى صحابته مشاعر ثلاثة : شعور بعظمة الرسالة التي يحملها المسلم ، وشعور بالاعتزاز بالانتساب إليها حتى يقول كنا أذلة فأعزنا الله بالإسلام فمن ابتغى العزة بغير الإسلام أذله الله .

وأما الثالثة الثقة فى نصرالله مهما اسودت الليالى ومهما طال الزمن سيأتى نصر الله (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) وتأمل مسلماً تربى على هذه المشاعر فهو يشعر بأنه يحمل شيئاً عظيمًا يعتز بالانتساب إليه ويثق فى نصر الله له، إنه في هذه الحالة ليقول لكل جبار:جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد لعبادة الله وحده ومن جور الحكام لعدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، وتأمل ما حدث في غزوة الخندق ووصف القرآن لقوة الأعداء وموقف المؤمنين منهم يقول القرآن (إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا) هنا افترق الناس إلى فريقين يحملان قلبين مختلفين:قلب خاوٍ من الإيمان مريض، وقلب مليء بالنور الرباني والثقة في الله فالذين انتسبوا إلى الدعوة لمصلحة شخصية قالوا (مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) فأين النصر والتمكين الذى تتحدثون عنه ؟

بينما الفئة التي تعمقت العقيدة فى قلبها وثبتت أقدامها على الطريق يصفها القرآن (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) قالوا هذا الكلام وهم فى شدة وبأس شديد ولأن العقيدة ملكت عليهم حياتهم نتيجة التربية التي أكد عليها القرآن لرسولنا r حتى صعدت روح الرسول r لخالقها فكل آية فيها من الدروس والعظات والعبر والمواقف سواء كان ذلك فى العقيدة أو العبادة أو التشريع، لذلك فإن الإمام البنا اهتم بهذا الأمر اهتماماً بالغاً وركز على أثر العقيدة فى بناء الرجال وهذا ما تركه البنا فلم يترك مؤلفات فحسب بل ترك ما هو أحسن الرجال الذين ما زالوا يحملون الدعوة ويضحون من أجلها يورثونها لمن بعدهم حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.


منهج العبادة:

إذا تركنا منهج العقيدة الذي يسر شرحه الإمام البنا فحري بنا أن نشير إلى منهج العبادة والتي أعطاها الإمام معنى الشمول فلم تقتصر على الشعائر فحسب ولكي يتضح لك فإن الدارس لأحوال المسلمين قبل هذه الدعوة المباركة يرى الصوفية قد انتشرت انتشاراً واسعًا في بلادنا. فرق لا حصر لها واجتزأ الإسلام اجتزاءً وحصر مفهومه في الجانب التعبدي ولذلك حوربت هذه الدعوة لغرابة الفهم الذي جاءت به من المسلمين بوجه عام ومن بعض العلماء بوجه خاص ولقد أقام الإمام البنا منهجه على أمرين :صحة الاعتقاد وصدق الاتباع فهو يهتم بصحة العقيدة بإتباع السلف الصالح (إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ) وأقام فهم العبادة على الشمول والعموم والسمو والدوام والكمال فمنذ أقول عند نومي:"باسمك ربى وضعت جنبي وبك أرفعه" حتى أقوم فأقول "الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور" فأنا في عبادة طوال النهار وآناء الليل منطلقاً إلى حياتي المعتادة وأنا لا تقف العبادة لحظة من اللحظات حتى وضع اللقمة فى فم امرأتي كل ذلك عبادة لله يقول أبو داود فى سننه:"إذا خرج رسول r من الخلاء فإنه يقول أستغفر الله ثلاثًا" ويعلق أبو داود قائلاً :لماذا يستغفر الرسول r بعد خروجه من الخلاء؟ فيجيب لأنه جلس فى مكان لا يستطيع أن يذكر الله فيه فاستغفر على الوقت الذى قضاه دون ذكر الله فيه .

إن العبادة تسري وتتحقق فى كل أمر من أمور حياتنا وليست وقفًا على الشعائر التى نؤديها فحسب كما ذكرنا من قبل ولا شك أن الشعائر هي الزاد الرباني الذي يتزود به العبد السائر فى طريق الله وبدونه ينقطع الطريق وتزل الأقدام ومن هنا أمر رسول الله r في أول الدعوة بتحصيل هذا الزاد (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا، إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا) فهو r ومن معه من الصحابة وهم الضعاف يواجهون أهل الباطل بهذا الزاد (وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ) حتى قوله الله (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) الآيات فلابد أن نكون عُبّاد لله أولاً وقبل كل شيء ولذلك جاءت الحركة متأخرة يتقدمها الزاد الرباني أولاً فإذا تحقق فليقم العبد ليتحرك بدعوته (قُمْ فَأَنذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) فتتحقق الحركة الربانية المنضبطة.

منهج الحركة:

نحن لا نريد أن نسود العالم بأي شكل من الأشكال ونصبو إلى السلطة والحكم ولكننا نريد أن نقيم ديناً يقول ربنا عنه (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) فقضيتنا هي قضية إقامة الدين وليس الاستيلاء على السلطة ومرشدنا رحمة الله عليه هو القائل "أقيموا دولة الإسلام فى قلوبكم تقم على أرضكم"لأن أساس التغيير عندنا قبل الحركة  تغيير النفس نبدأ بإصلاح النفس أولاً لأن المجتمع لا يتغير إلا إذا تغيرنا نحن من داخلنا (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) ،والمتأمل لإقامة الدولة فى المدينة يجدها قامت على أمرين أولهما عقد الإيمان، وهو أول أمر اهتم به النبي r حين هاجر إلى المدينة فبنى مسجدًا ليتحقق هذا العقد، ثم كان عقد الأخوة لتتحقق قوة الوحدة فإن تحققت هذه القوة تأتي بعد ذلك قوة العلم، قوة الجيش وأى قوة من القوى التي أمرنا المولى بإعدادها والتي يسبقها تقوى الله وحسن الخلق وهذه هي البداية الصحيحة التي لا بداية قبلها.

وبهذا المنهج المتكامل حقق الإمام البنا أموراً ثلاثة :

أول هذه الأمور أنه حرر العقيدة من زيف الجمود وما داخلها من أوهام وشبهات وصححها وقدمها بالتصور السليم والنظرة الصائبة للكون والإنسان والحياة وحقق التوازن والاعتدال واهتم بأثر هذه العقيدة في بناء الرجال (رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ) ونحن نرى صدق هذا الوصف فيهم ولا نزكي على الله أحداً فمنهم (مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا).

الأمر الثانى :تخليص العقل من النظرة الجزئية للإسلام إلى النظرة الشمولية فخلَّص العقل من التركيز على الجزئيات والاهتمام بكليات الإسلام.

الأمر الثالث : كسر الجمود الذى أصاب العقل لقد نادى الإمام بفتح باب الاجتهاد كما دعى بذلك علماء من قبل لأنه لا معنى للمناداة بغلق باب الاجتهاد لأن الاجتهاد يمثل الإبداع عند الإنسان ويجعل العلماء يجتهدون فيما جد من أقضية تمس زمانهم ومجتمعهم ، صحيح هناك ثوابت لا يجب الاقتراب منها ومتغيرات ظنية هي مجال المعاصرة والاجتهاد للعلماء دور فيها وخير مثال على ذلك أستاذنا الفاضل الدكتور القرضاوي الذي اشتهر باجتهاداته في القضايا المعاصرة ومحاولته إيجاد حلول للمشاكل الحالَّة إسلامياً من نظرة إسلامية أفادت كثير من المسلمين وهو لا شك من تلاميذ البنا وتخرج من مدرسته فكل هذه الأمور مرتبطة بفهم الإخوان ارتباطاً وثيقاً بالرغم من اختلافهم في فروع المسائل ومن أراد زيادة بيان فليرجع إلى رسائل الإمام البنا خاصة رسالة العقائد ورسالة التعاليم وبالأخص ركن الفهم فيها.

إننا إذا تأملنا ما يركز عليه الإمام البنا بعد الفهم الدقيق والإيمان العميق والحب الوثيق تركيزه على ضرورة تحقيق قوة الجماعة لأنه بقوتها تحقق الأهداف وهي تقوى برباطين : الرباط الإيماني وأساسه الفهم والرباط التنظيمي وأساسه الأخوة فيقوى الرباط الإيمانى بالفهم والإخلاص والتجرد وفى الأمر تفصيل ليس مجاله هنا.

وقوة الرباط التنظيمى عندنا بالأخوة والطاعة والثقة فكلما تحققت الأخوة وقويت بين الأفراد كلما تحققت الطاعة وازادت الثقة ولا تتحقق شريعة الإسلام إلا بهذا الركن الركين ركن  الإخوة وإذا اختل الرباط الإيمانى ستختل تبعاً لذلك قوة الرباط التنظيمى فكان لابد من الحب والود بين أفراد الجماعة أولاً (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) وتدبر قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ) ثم يقول: (ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) فقوة الرباط الإيمان من الأهمية بمكان لأنه يحفظ المسلم من الزلل ويحفظ الحاكم من الطغيان وهو الذي دفع عمر بن الخطاب t أن يقول "لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها"

فإذا تحققت قوة الرباط الإيمانى بالفهم والإخلاص والتجرد كما ذكرنا، وقوة الرباط التنظيمى تتحقق بالأخوة والطاعة والثقة دفعت هاتان القوتان الأفراد داخل الجماعة إلى العمل والجهاد والتضحية والثبات وهذه هى أركان البيعة العشر .

ونريد أن نقول بهذه المناسبة إن ما نقوله من أركان وصفات  ليست على سبيل الحصر لا تزيد ولا تنقص بل هو اجتهاد الإمام البنا فجعلها عشرة وهي في نظري لا تنقص عن العشرة ولكنها قد تزيد، وهذا ما فعله فضيلة الأستاذ الشيخ القرضاوى قال : وأنا أزيد عليها كذا ، لأن الزيادة في ذلك فضل لأنها أخلاق كريمة يجب أن يتحلى بها المسلم.

نسأل الله I أن يجمعنا على طاعته وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ويثبتنا فى هذه الدنيا بالقول الثابت وفى الآخرة حتى نلقى الله وما علينا خطيئة ، كما نسأل الله أن نكون قد أضفنا جديداً ينفع الناس بعد هذه المدة الطويلة التي حظي بها هذا الكتاب بثقة الجميع وأصبح بعون الله مصدراً لتلقي الكثير للفهم بالرغم من أننا لم نضف جديداً طوال هذه الفترة في .......... الموافق ............ والله نسأل أن يجعل ذلك في ميزان الحسنات ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

   الفقير لعفو ربه

جمعة أمين عبد العزيز

25فبراير2005


الأصل الأول

أصل الشمول

" الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعها فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء ،وهو مادة وثروة أو كسب وغنى وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء".

هذا الأصل يعالج :

1-ربانية المصدر.

2-شمول المنهج.

3-عمومية الرسالة .

4-عالمية الدعوة.

5-أخلاقية الوسيلة والغاية وخصائص الدعوة الإسلامية بوجه عام.

لم يتوقف الإسلام عن الانتشار منذ بزوغ فجره حتى فى أشد أيام غزوه من القوى المعادية له فهم يريدون له انحساراً والله يريد له انتشاراً (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)

ولم يترك أعداء الإسلام وسيلة من  الوسائل الخسيسة إلا استخدموها للصد عن سبيل الله ومحاولة إبعاد المسلمين عن منهاج حياتهم بشتى الطرق يقول زويمر -كبير المبشرين فى البلاد العربية فى الثلاثينات- : "إن مهمة التبشير التى ندبتكم دول المسيحية للقيام بها فى البلاد المحمدية ليست هى إدخال المسلمين المسيحية فإن هذا هدية لهم وتكريم ،إن مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالدين " هذا الكلام يبين قدم الكيد للإسلام والتخطيط القديم لذلك، ولنرى فضل الله علينا بهذه الدعوة التى جددت فهم الإسلام بشموله وعمومه ، يقول القس دولسن :"إنه لا شك فى أن التربية الغربية هى من قبيل قوة تنحل بها عُرى الروابط الإسلامية"وهذا هو التخطيط الذى خططه أعداء الإسلام بهذا الدين ويقول تاكلى :"يجب أن نشجع فتح المدارس على النمط الغربى العلمانى؛ لأن كثيراً من المسلمين قد تزعزع اعتقادهم فى الإسلام والقرآن حينما درسوا فى المدارس الغربية وتعلموا اللغات الأجنبية .

هذا التخطيط وُضع للأسف موضع التنفيذ ونتج عنه من استحالت عقولهم إلى عقول غربية يحملون أسماء إسلامية لكن كل أفكارهم وتصوراتهم هى أفكار وتصورات غربية، بل إن الصليبى كاتلى يقول :"يجب أن نستخدم القرآن وهو أخص سلاح الإسلام ضد الإسلام نفسه حتى نقضى عليه تماماً ،يجب أن نبين للمسلمين أن الصحيح فى القرآن ليس بجديد وأن الجديد ليس بصحيح".

ويقول بن جوريون :" نحن لا نخشى الاشتراكيات ولا الثوريات ولا الديمقراطيات فى المنطقة نحن نخشى فقط الإسلام ذلك المارد الذى نام طويلاً وبدأ يتململ .

ولكى تزداد قناعة استمع إلى جلادستون يصعد مجلس العموم البريطانى ومعه نسخة من القرآن يلوح بها فى وجه الأعضاء ويقول :"إنه ما دام هذا الكتاب باقياً فى الأرض فلا أمل لنا فى إخضاع المسلمين" فإذا بأحدهم يأخذ الكتاب منه ويمزقه فيقول له :"ليس هذا ما أردت إنما أردت أن نفرغه من معانيه".

بدأت حرب جديدة لا هوادة فيها، حرب فكرية تغزو عقول المسلمين وقلوبهم غزو فكرى وثقافى لأبعد الحدود مُمَكّن له فى مدارسنا وبلادنا كل هذا لكى يصيغوا العقل صياغة غير إسلامية فإذا أصبح العقل غير إسلامى فإن تفكيره ونتاجه يصبح غير إسلامى لذلك فقد ركزوا على هذا الأمر تركيزاً شديداً، وكان من نتيجة ذلك بُعد المسلمون عن الفهم الشامل للإسلام كما أراده المولى سبحانه وتعالى فى قوله (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [البقرة: 177]

فهذه آية واحدة من آيات الله بينت الشمول فى الإسلام بما تضمنه من: العقائد – والأخلاق – والعبادات –والمعاملات.

إن المسلم الذى يفهم إسلامه فهماً سليماً لا يفرق بين نداء الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) وهذه عبادة وبين نداءه سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى) وهذا تشريع والذى يأمر بالعبادة هو الذى يأمر بالتشريع وعلى المسلم ألا يفرق بين أحد منهم (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ)، فإذا استطاع الفرد أن يحقق الإسلام فى الصيام ألا يستطيع أن يحققه فى القصاص وغيره من الأمور التى جاءت بكتاب الله : فمن يحمي البيضة، ومن يرد المظالم ومن يقيم العدل ومن يقيم الحدود على الأرض أليست هذه كلها من الإسلام. إن الإسلام هو دين الجماعة ولابد للجماعة من منهج وأمير يضع المنهج موضع التنفيذ.

بين دعوة البنا والدعوات الأخرى:

إن دعوة الإمام البنا التي تؤكد أن الإسلام دين ودولة ونظام مجتمع ومنهج حياة قد أحدثت تحولاً فى الفكر الإسلامى فى زمانه الذى برز فيه مفهوم الإسلام مجرداً من جانبه السياسى والاجتماعى وفرض مفهوم جزئى يقوم على العبادات والمظاهر الدينية المختلفة وأن يكون المجتمع المسلم أشبه بالمجتمع الغربى فى نظرته للدين.

*لقد اختلف المسلمون فى ذلك الوقت فى معنى الإسلام اختلافاً عظيماً فمن الناس من لا يرى الإسلام شيئاً غير حدود العبادة الظاهرة فإن أداها أو رأى أحد يؤديها اطمئن إلى ذلك ورضى به وحسبه قد وصل إلى لب الإسلام وذلك هو المعنى الشائع عند عامة المسلمين .

*ومن الناس من لا يرى الإسلام إلا الخلق الفاضل والروحانية الفياضة والغذاء الفلسفى الشهى للعقل والروح والبعد بهما عن أدران المادة الطاغية الظالمة ولا مانع أن يستشهد بقول النبى r :"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" ، علماً بأن الشريعة الإسلامية تنبع وتنبثق من عقيدة أساسها الخلق، بل كل معاملاتنا مبنية على الأخلاق ولذلك يجب ألا نحصر معنى الأخلاق في الأخلاق الفردية التى يتحلى بها الأفراد من أمانة وصدق وإخلاص وغير ذلك من الصفات الكريمة.

ومنهم من يقف إسلامه عند حد الإعجاب بهذه المعانى الحيوية العملية فى الإسلام فلا يتطلب النظر إلى غيرها ولا يعجبه التفكير فى سواهها.

ومنهم من يرى الإسلام نوعاً من العقائد الموروثة والأعمال التقليدية التى لا غناء فيها ولا تقدم معها فهو متبرم بالإسلام وبكل ما يتصل بالإسلام وتجد هذا المعنى واضحاً فى نفوس كثير من الذين ثقفوا ثقافة أجنبية ولم تتح لهم فرص حسن الاتصال بالحقائق الإسلامية فهم لم يعرفوا عن الإسلام شيئاً أصلاً أو عرفوه صورة مشوهة بمخالطة من لم يحسنوا تمثيله من المسلمين، وهؤلاء هم أصحاب أو تلاميذ المدرسة الغربية الذين ينادون لا دين فى السياسة ولا سياسة فى الدين أصحاب فصل الدين عن الدولة وهؤلاء الذين عادوا الحركة الإسلامية سواء أكانت الحركة القومية أو الوطنية أو غيرها من التيارات التى كانت موجودة فى زمان الإمام البنا وناوءت الحركة التي نادت بشمول الإسلام وعمومه لدرجة أنك كنت تسمع في هذه الفترة أن التمسك بالدين نوع من التعصب، وأن الاستمساك بالدين فيه تجاهل لغير المسلمين، وأن هذا الدين ناسب عصره ، ونزل لفترة محددة من الزمان على قوم معهم رسول الله r والصحابة وهو لا يناسب غير هذا العصر الذى نزل فيه .

ثم ركزوا على أن التدين من الأعمال الشخصية التى تتصل بالفرد ،يقول :"إيمانى فى قلبى" ،"أنا بينى وبين ربنا عمار" ، دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله " ونسوا أن "ما لقيصر لله وما لله لله" ، فكل أمر من الأمور هى لله.

هذه المفاهيم التى رآها الإمام البنا رضوان الله عليه وأرضاه فى هذا الوقت والتى ظهرت بعد أن انحصرت الخلافة الإسلامية فى بلاد المسلمين وغاب الحكم الإسلامى وأصبح واقع المسلمين هكذا وغزا أعداء الإسلام المسلمين بالشبهات والشهوات والدعاوى الباطلة، وإثارة ونشر المفاهيم المنحرفة البعيدة عن الإسلام لخلق شخصية ممسوخة ذلك لأن أعداء الإسلام يعلمون أن الشخصية الإسلامية لا تكتمل فهماً وتطبيقاً إلا ويتأكد الخطر الداهم الذى يهدد أعداء الإسلام فعملوا على هدم هذه الشخصية وبذلوا كل الجهود حتى لا تكون واقعاً على الأرض لأنها الشخصية الإسلامية الأخلاقية التى بناها رسول الله r أولاً فأقامت الإسلام فى قلبها ثم بعد ذلك جعلته حقيقة على أرضها.

هذه هى الحال التى دعا فيها الإمام البنا بدعوته وصحح فيها هذه المفاهيم الخاطئة قائلاً:

"نحن نعتقد أن أحكام الإسلام وتعاليمه شاملة تنتظم شئون الناس فى الدنيا والآخرة وأن الذين يظنون أن هذه  التعاليم إنما تتناول الناحية العبادية أو الروحية دون غيرها مخطئون فى هذا الظن فالإسلام عقيدة وعبادة ووطن وجنسية ودين ودولة وروحانية وعمل ومصحف وسيف والقرآن الكريم ينطق بهذا كله ويعتبره من لب الإسلام ومن صميمه ويوصى بالإحسان فيه وإلى هذا تشير الآية الكريمة (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ)


وإنك لتقرأ القرآن فتجد فيه:

فى العقيدة والعبادة : (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)

وفى الحكم والسياسة : (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا)

وفى التجارة والدِّين : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ....)

وفى الجهاد والقتال والغزو : (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ...

الآية )

دعوة الإخوان:

وهكذا اتصل الإخوان المسلمون بكتاب الله واستلهموه واسترشدوه فأيقنوا بالفهم الشامل للإسلام الذي يجب أن يهيمن على كل شئون الحياة وأن تصطبغ جميعها به وأن تنزل على حكمه وأن تساير قواعده وتعاليمه وتستمد منه حياتها ما دامت الأمة تريد أن تكون مسلمة إسلاماً صحيحاً.

ولكى يتأصل هذا الفهم للإتباع وضع الإمام الشهيد أهدافاً محددة تصل بنا إلى الغاية المنشودة وهى:

1-إصلاح النفس.

2-تكوين البيت المسلم.

3-إرشاد المجتمع.

4-دعوة الحكومة لتطبيق شرع الله بالوسائل الحكيمة وآداب الإسلام.

5-الدعوة إلى الوحدة الإسلامية.

والسبيل إلى ذلك:

أولاً – دعوة تضبطها الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتى هى أحسن لا إكراه فيها ولا عنف شعارها لا إكراه فى الدين.

ثانياً-تربية إسلامية أساسها منهاج القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم شعارها اعرف ربك وأصلح نفسك وادع غيرك وأقم دولة الإسلام فى قلبك .

ثالثاً-من هذه اللبنات التى تربت تنشأ الأسرة، فالجماعة، فالحكومة المسلمة كى يتحقق الغرض المنشود بإذن الله .

ولقد وضع الإمام البنا مناهج ثلاثة تحدد إطاراً للفهم السليم للإسلام وهى:

منهج للعقيدة: لا إفراط فيه ولا تفريط يُستقى من معين السلف الصالح يبنى رجالاً تغرس فى نفوسهم مشاعر ثلاثة:

1-الشعور بعظمة هذه الرسالة .

2-الاعتزاز بالانتساب إليها.

3-الثقة فى نصر الله.

منهج للعبادة : يقوم على صحة الاعتقاد وصدق الاتباع ويمتاز بالشمول والعموم والسمو والكمال والدوام ولا يفرق بين العقيدة والشريعة ولا الصلاة والجهاد: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ....) وبذلك يتحقق الشمول .

وعموم يحقق قوله تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا)

وكمال يحقق قوله تعالى (مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ)

ودوام يحقق قوله تعالى (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)

منهج للحركة: يهتم بالداعى بصفاته الأخلاقية والسلوكية كالأمانة والصدق والإخلاص والرحمة والوعى والفقه إلخ.

كما يهتم بالوسائل المشروعة والقواعد المنضبطة والمراحل المتدرجة التى يجب أن يمر بها وللعلم فإن هذا الذى دعا إليه الإمام الشهيد حسن البنا ليس إسلاماً جديداً وإنما هو جدد قديماً كاد الناس أن ينسوه وأكد على أن خصائص المنهج الإسلامى، فهو ليس تصوراً عقيدياً فحسب ولا ديناً عبادياً روحياً وكفى، ولا نظاماً اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً مجرداً ولكنه منهج حياة يجمع بين رقة التوجيه ودقة التشريع وإلى جلال العقيدة ، جمال العبادة وإلى إمامة المحراب قيادة الحرب.

إنه منهج متكامل الجوانب شامل النظرة فيه تنظيم علاقة الفرد بنفسه وعلاقته بأسرته وعلاقة مجتمعه به وفيه بيان للأصول والقواعد التى تقوم عليها النظم والقوانين التى تحكم سير المجتمع والناس وفق نظرة الإسلام للكون والإنسان والحياة.

وما العجيب فى هذا فصانع الشريعة هو الله، وتتمثل فيها قدرة الخالق وكماله وعظمته وإحاطته بما كان وما هو كائن ومن ثم صاغها العليم الخبير بحيث تحيط بكل شيء فى الحال والاستقبال حيث أحاط علمه بكل شيء وأمر جل شأنه أن لا تغير ولا تبدل حيث قال (لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ) لأنها ليست فى حاجة للتغيير والتبديل مهما تغيرت الأوطان والأزمان وتطور الإنسان (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)

ونحن نطالع آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الخاصة بقيام الدولة فى الإسلام لا نلتقى بآية ولا بحديث يقول " يا أيها الذين آمنوا أقيموا دولة الإسلام أو اتخذوا منكم إماماً وحاكماً يضع القرآن موضع التنفيذ فى شئون الدنيا كلها " تماماً كما لا نلتقى بآية تقول أو بحديث يقول " يا أيها الذين آمنوا تنشقوا الهواء...!! ذلك أن القضية من البداهة بحيث لا تتطلب أمراً بها ودعوة إليها وإنما جاء الإسلام أكمل وأسمى من أن يعرض لجزئيات فى هذه الحياة وخصوصاً فى الأمور الدنيوية البحتة فهو يضع القواعد الكلية فى كل شأن من هذه الشئون ويرشد الناس للطريقة العملية للتطبيق عليها والسير فى حدودها ويتجه  القرآن وتتجه الأحاديث النبوية مباشرة إلى الحديث عن شكل هذه الدولة ومقاييسها وأخلاقياتها وعن المسئوليات المتبادلة بينها وبين الأمة وهذا ما أدركه صحابة الرسول r بفطرتهم وذكائهم، فهذا أبو بكر الصديق رضى الله عنه بمجرد وفاة الرسول r حدث أمر خطير فى سقيفة بنى ساعدة فإذا بأبى بكر يجمع المسلمين يقول:"أيها المسلمون لابد لهذا الأمر من قائم يقوم عليه"،قالوا: صدقت يا أبا بكر لابد أن يكون هناك أمير يقود المسلمين ولذلك وجدنا سيدنا عثمان t هو القائل:"إن الله ليزغ بالسلطان ما لا يزغ بالقرآن" ، أما سيدنا على t قال :"لابد للناس من إمارة بارة أو فاجرة، قيل يا أمير المؤمنين هذه البارة قد عرفناها ،فما بال الفاجرة ؟ قال تقام بها الحدود وتؤمن بها السبل ويجاهد بها العدو ويقسم بها الفيئ".

 لابد أن يكون هناك نظام يحكم المسلمين وينظم حياتهم مما يؤكد وجوب وجود الجماعة وأميرها وما أكثر أحاديث الرسول r في هذا المعنى والتحذير عن البعد عنها يقول الإمام الماردى:"الإمامة موضوعة لخلافة النبوة فى حراسة الدين وسياسة الدنيا"، ويقول r :"يد الله مع الجماعة ،ومن شذ،شذ فى النار "ويقول "عليكم بالجماعة" ويقول عنها ابن مسعود  :"حبل الله المتين الذى أمر به وإن ما تكرهون فى الجماعة والطاعة خير مما تحبون فى الخلاف والفرقة " ويقول على رضى الله عنه :"كدر الجماعة ولا صفاء الفرد "فإذا قلنا أن الإسلام عقيدة وشريعة فإننا نؤكد على أن الشريعة تنبثق من هذه العقيدة ،عقيدة التوحيد التى نحملها بين جنبينا فإذا صلحت العقيدة وصحت صح السلوك وصح التصرف ولن يقبل المولى الشريعة إلا إذا صحت العقيدة.

ويقول الإمام البنا:"كونوا عُبَّاداً قبل أن تكونوا قوادا تصل بكم العبادة إلى أحسن قيادة"، فى البداية ينبغى تصحيح العقيدة لأن صحة العقيدة أمر مهم، يقول ابن القيم:"إن للا إله إلا الله قلب وقالب وقال أن قالبها علمها ولكن قلبها أثرها"، ولذلك اهتم الرسول r ببناء الرجال الذين يقام بهم البناء لأن قوة المسلمين فى عقيدتهم التي لا تفرق بين أبيض وأسود، عجمى وعربى، رئيس ومرؤوس، بل تسوى بين الجميع إلا بالتقوى ميزان التفاضل بين الناس (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) لقد جاءت العقيدة ووحدت المشاعر ثم جاءت الشعائر بعدها وعمقت العلاقة بين العبد وربه وأصبح أصحاب العقيدة الواحدة يعبدون رباً واحدًا ويتجهون لقبلة واحدة، ويتعلمون من رسول واحد، ويقرأون كتاباً واحد، ثم جاءت أخيراً الشرائع بعد ما تحققت وحدة المشاعر وهكذا نزل القرآن بهذا الترتيب وجاءت قضية البناء فى الشرائع متأخرة؛ لأن أمرها سهل جدًا إذا حققنا كمال العقيدة ثم تابعنا الرسول فيما أمر.

أثر العقيدة:

 إن نظرة واحدة لهؤلاء الذين عاشوا فى الجاهلية، ما الذى حدث لهم وجعل منهم رجالاً يقول الواحد منهم :"إن الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا لسعة الدنيا والآخرة"، فنحن نريد رجالاً حراساً على العقيدة يقولون للحاكم:" والله لا سمع ولا طاعة حتى تخبرنا من أين أتيت بهذا الثوب" ويقولون له:" اتق الله يا عمر" فلم يغضب بل يقول : "لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها" هذه الأمور أساسها اعتقاد وإيمان سرى فى العروق حتى أن سحرة فرعون الذين كانوا يبحثون عن المال والأجر قبل أن تسرى العقيدة فى كيانهم يقولون له (إِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ) ما بال هؤلاء القوم الذين حين سرت العقيدة في عروقهم وشرح الإيمان صدورهم وقال لهم الفرعون (فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى) قالوا : (لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ، إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) إذاً وحدة المشاعر سابقة على وحدة الشرائع والتى نحققها على أرض الواقع متدرجة.

إن توحيد الله بقول لا إله إلا لله محمد رسول الله ليس أمر عقيدة تستقر فى النفوس فحسب دون المجتمع لبقى النبى فى مكة لا يغادرها، فلماذا خرج ؟ لأن الإسلام ليس عقيدة توحيد تعمل عملها فى نفس الإنسان فحسب ولكن لابد أن يتعدى العمل فى النفس إلى المجتمع ولذلك هاجر لأن الإسلام يحتاج إلى مجتمع مسلم فسعى r إليه لكى يبنيه ويقيمه.

إن المسلم لابد أن يكون صالحاً فى ذاته مصلحاً لغيره يسعى لإقامة دين الله على الأرض ولن يكون الأمر كذلك إلا بعد أن تصاغ العقول الصياغة الإسلامية التي ترتب العقل ترتيباً إسلامياً على أمرين:

الأمر الأول- أن الإسلام ليس عقيدة تستقر فى القلب فحسب ولا شعائر يؤديها وينتهى الأمر :

ولكنه منهج حياة يقام به دين الله على الأرض ولكى نقيم الإسلام بشموله وعمومه لابد أن يسبق هذا الأمر خطوات نحقق بها يقظة روحية إيمانية. فنوقظ قلب وعقل الأمة أولاً وقبل كل شيء يقول الإمام البنا فى هذا المعنى "نحن لا نسعى للحكم ولكن الحكم هو الذى يسعى إلينا". ولن يسعى الحكم إلينا إلا بعد يقظة إيمانية وحب لدين الله، يومها يطالب الناس بالإسلام ولا يُفرض عليهم والأمة على هذا الحال .

الأمر الثانى- تربية الفرد المسلم تربية إسلامية بمفهومها الشامل :

نربى الفرد تربية إسلامية أساسها إيمان بالله وتوحيد يملأ القلب وثبات على الطريق ووثوق في نصر الله، لا يخشى في الله لومة لائم (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ) فرد يُربى تربية إسلامية متأنية تصنع (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) هذا الفرد المسلم هو نفسه الذي يُكوِّن الأسرة المسلمة التى تقيم حدود الله "فاظفر بذات الدين تربت يداك" و "إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه إن لم تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير" فهذه الخطوات مقصودة لذاتها لا يمكن أبداً بأى حال من الأحوال أن يتجاوزها أي فرد مسلم ، ونحن نريد بهذه التربية أهدافاً محددة:

أولاً -أن الهدف من تطبيق أحكام الإسلام هو إيجاد واقع عملى إسلامى ملموس:

يراه الناس كى يزدادوا إيمان بما ندعو إليه وأن ما نرفعه من شعار "الإسلام هو الحل" حقيقة واقعة تتمثل في سلوك الأخ أو الأخت كنموذج للإسلام حركة وسلوكاً وحديثاً وعلاقة، نريد هذا النموذج سواء نموذج الفرد أو نموذج الجماعة التى تقدم الحلول لأصحاب المشاكل .

 

 

ثانياً-أن العمل لتحقيق هذه الأهداف يجب أن يقوم على أساس التخطيط المرحلى :

فإن "المنبت لا أرضًا قطع ولا ظهراً أبقى " والمنبت هو الذى يضرب الدابة كى تقطع الطريق بسرعة، يظل يضربها حتى يهلكها فأضاع الدابة بحماقته ولم يصل إلى الهدف المنشود، كذلك لابد أن يكون للإنسان المسلم عقلية تخطيطية ذات أهداف ومراحل كل هدف يوصل إلى الآخر حتى نصل إلى الغاية المنشودة وكل مرحلة من المراحل يكون لها أهداف وهكذا .

ثالثاً- أن العمل لتحقيق هذه الأهداف لابد أن يقوم على أساس العمل الجماعى :

لأن العمل الفردى لا يستطيع أن يحقق هذه الأهداف، بل لابد من طليعة تتحلى بصفات أخلاقية وتحمل هذه المعانى الإيجابية.

يقول الأستاذ عمر التلمسانى -رحمه الله- إن الأستاذ المرشد حسن البنا -رحمه الله- سأله يوماً :" هل تقرأ القرآن؟" فأجاب: بنعم، ثم قال:" وأخرجت من جيبى مصحفاً لأؤكد له ما أقول فسألنى:"ولماذا تحتفظ به فى جيبك؟" فقلت:"إنه خير وبركة"، فما كنت أعرف أن القرآن كتاب رسالة ومنهج ولكنى كنت أقول ما أفهمه من حمله وأنه بركة توضع على الرأس إكباراً أو فى الجيب حراسة أو فى المأتم رحمة، فقال المرشد : ما لهذا نزل القرآن يا عمر، لقد نزل تشريعاً يربط بين الدنيا والآخرة، لقد نزل لنعمل به فى سبيل الله وخير المسلمين، لا لكى تضعه فى جيبك أو لكى تقرأه لوحدك، وعندما تتمعن فى قراءة القرآن وإدراك معانيه فسوف تجد أن القراءة لمجرد القراءة لا يفيدك فأنت عبد من عباد الله تقرأ القرآن تقرباً لله وهذا صحيح، وإنما هذا أمر لا يكفى فالمسألة ليست مسألة بركة فحسب وإنما العمل بتعاليم القرآن فهل يرضى الإسلام أن يكون المسلم ذليلاً ؟ هل يرضى أن يكون فى مؤخرة العالم كله ؟ هل يرضى أن يكون حملة كتاب الله على هذه الصورة من التبعية ؟ إنه القرآن الذى جاء لكى يعز الذليل ويُمكَّن للضعيف وأن ينشر رحمته ونوره فى العالم .

يقول الإمام البنا :"إن الله قد بعث لكم إماماً ووضع لكم نظاماً وفصّل أحكاماً وأنزل كتاباً وأحل حلالاً وحرم حراماً وأرشدكم إلى ما فيه خيركم وسعادتكم وهداكم سواء السبيل فهل اتبعتم إمامه واحترمتم نظامه وأنفذتم أحكامه وقدستم كتابه وأحللتم حلاله وحرمتم حرامه كونوا صرحاء فى الجواب وستجدون الحقيقة،سترون الحقيقة واضحة أمامكم كل النظم التى تسيرون عليها فى شئونكم الحيوية نظم تقليدية بحتة لا تتصل بالإسلام من قريب ولا بعيد ولا تستمد منه ولا تعتمد عليه نظام الحكم الداخلى نظام العلاقات الدولية نظام القضاء نظام الدفاع والجندية نظام المال والاقتصاد للدولة والأفراد الثقافة والتعليم نظام الأسرة والبيت بل نظام الفرد فى سلوكه الخاص وروحه العام الذى يهيمن على الحاكمين والمحكومين ويشكل مظاهر الحياة على اختلافها كل ذلك بعيد عن الإسلام وتعاليم الإسلام ،إننا نناديكم والقرآن فى يميننا والسنة فى شمالنا وعمل السلف الصالح من أبناء هذه الأمة قدوتنا ندعوكم إلى الإسلام وتعاليم الإسلام وأحكام الإسلام وهدى الإسلام فإن كان هذا من السياسة عندكم فهذه سياستنا ،وإن شئتم أن تسموا ذلك سياسة فقولوا ما شئتم، فلن تصرفنا الأسماء متى صحت المسميات وانكشفت الغايات".

إنه دستور نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم تبياناً لكل شيء وصدق الله حين قال (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ)

دستور لا يزاحم ولا ينافس ولا يضاهى به سواه وليس أمام الدولة المسلمة أى خيار فى أن تأخذ بعضه وتذر بعضه وإن فعلت صمها تأنيب الله وهو يقول (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)

فكل ما تحتاجه الحياة ويحتاجه الناس من توجيهات ونظم وقوانين وآداب موجود فى إسلامنا موجود فى قرآننا العظيم وليس ثمة ما يدعو إلى هجر القرآن ولا هجر الإسلام اللذين ارتضاهما الله لنا كتاباً وديناً

وصدق رسول اللهr  فيما رواه الحارث عن على رضى الله عنه قال : سمعت رسول r يقول :"ستكون فتن كقطع الليل المظلم، قلت : يا رسول الله وما المخرج منها ؟ قال كتاب الله تبارك وتعالى فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى فى غيره أضله الله هو حبل الله المتين ونوره  المبين والذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو الذى لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا تتشعب معه  الآراء ولا يشبع منه  العلماء ولا يمله الأتقياء ولا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضى عجائبه وهو الذى لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا : سمعنا قرآن عجباً ، من علم علمه سبق ومن قال به صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به أجر ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم خذها إليك يا أعور" إنه الشمول فى الدعوة والداعى معاً.

مصدر التلقي

"والقرآن الكريم والسنة المطهرة مرجع كل مسلم فى تعرّف أحكام الإسلام ويُفهم القرآن طبقاً لمعانى اللغة العربية من غير تكلف ولا تعسف ويرجع فى فهم السنة المطهرة إلى رجال الحديث الثقات "

هذا الأصل يعالج:

1-المصدر الأول الكتاب- القرآن الكريم.

2-المصدر الثانى السنة النبوية وما يتعلق بهما.

حين نقول إن الإسلام دين ودولة ، كان لابد أن يكون لهذا الكلام مصدره الذى يوثقه ويؤيده وكل كلام فى دين الله ليس له مصدره الصحيح من كتاب أو سنة هو كلام أبتر لا يعتد به.

ولذلك كان الأصل الثانى هو الأصل الذى يحدد مصدر التلقى لأن القرآن والسنة هما أساس الشريعة وهما اللذان جاءا بنصوص الشريعة المقررة للأحكام الكلية أما باقى المصادر فهى لا تأتى بأسس شرعية جديدة ولا تقرر أحكاماً كلية جديدة وإنما هى طرق للاستدلال على الأحكام الفرعية من نصوص القرآن والسنة ولا يمكن أن تأتى بما يخالف القرآن والسنة لأنها تستمد منهما وتستند إلى نصوصهما.

فما هو المصدر الأول؟

القرآن: هو المصدر الأول لأنه كلام الله المعجز ووحيه المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم المكتوب فى المصاحف المنقول عنه بالتواتر المتعبد بتلاوته .

ولا خلاف بين المسلمين فى أن القرآن من عند الله وأنه سبحانه وتعالى تجب له الطاعة فالقرآن حجة على كل مسلم ومسلمة وأحكامه واجبة الاتباع أياً كان نوعها

أحكام القرآن:

وأحكام القرآن على نوعين:

1-أحكام يراد بها إقامة الدين وهذه تشمل أحكام العقائد والعبادات.

2-وأحكام يراد بها تنظيم الدولة والجماعة وتنظيم علاقات الأفراد بعضها ببعض وهذه تشمل أحكام المعاملات والعقوبات والأحوال الشخصية والدستورية والدولية ...إلخ.

ولقد نزلت هذه الأحكام بقصد إسعاد الناس فى الدنيا والآخرة ومن يتتبع آيات الأحكام يجد كل منها يترتب عليه جزاءان : جزاء دنيوى وجزاء أخروى.

ولم تشرع آيات الأحكام للدنيا والآخرة عبثاًَ وإنما اقتضى ذلك منطق الشريعة فهى فى أصلها تعتبر أن الدنيا دار ابتلاء وفناء وأن الآخرة دار بقاء وجزاء وان الإنسان مسئول عن أعماله فى الدنيا ومجزى عنها فى الآخرة فإن فعل خيراً فلنفسه وإن أساء فعليها والجزاء الدنيوى لا يمنع من الجزاء الأخروى إلا إذا تاب الإنسان وأناب.


أحكام القرآن وحدة واحدة:

وأحكام القرآن لا تتجزأ ولا تقبل الانفصال لأن النصوص الشرعية تمنع من العمل ببعضها وإهمال البعض الآخر كما تمنع من الإيمان ببعضها والكفر ببعض وتوجب العمل بكل أحكامها والإيمان بها إيماناً تاماً بكل ما جاءت به (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)

وتمتاز الشريعة الإسلامية عن الشرائع الوضعية بميزات عظيمة هى أن أحكامها شرعت للدنيا والآخرة – كما قلنا- وهذا هو السبب الوحيد الذى يحمل معتنقيها على طاعتها فى السر والعلن والسراء والضراء لأنهم يؤمنون بأن الطاعة لله نوع من العبادة تقربهم إليه وأنهم يثابون على هذه الطاعة ومن استطاع منهم أن يرتكب جريمة ويتفادى العقاب الدنيوى فإنه لا يرتكبها مخافة العقاب الأخروى وغضب الله عليه.

ولذلك فهى تلزم معتنقيها أن يتخلقوا بالأخلاق الفاضلة ومن تخلق بالأخلاق الفاضلة ندر أن يرتكب جريمة وهم بعد ذلك يعلمون أن الله رقيب مطلع على أعمالهم وأنهم مهما استخفوا من الناس فلن يستخفوا من الله وهو معهم أينما كانوا وبذلك تقل الجرائم ويحفظ الأمن وتصان الجماعة ومصالحها العامة بعكس الحال فى القوانين الوضعية فإنها ليس فى نفوس من تطبق عليهم ما يحملهم على طاعتها ومن استطاع أن يرتكب جريمة ما وهو آمن من سطوة القانون فليس ثمة ما يمنعه من ارتكابها من خلق ودين ولذلك تزداد الجرائم زيادة مطردة فى البلاد التى تطبق القوانين الوضعية وتضعف الأخلاق ويكثر المجرمون من الطبقات المستنيرة تبعاً لزيادة الفساد الخلقى فى هذه الطبقة ولقدرة أفرادها على التهرب من سلطان القانون.

ولأنها من عند الله فإنها أصلح نظام وأكمله وأعدله وأشمله لا نقول تصلح لكل زمان ومكان ولكننا نقول تصلح الزمان والمكان للشمول الذى تمتاز به من حيث نظرتها للإنسان ونظرتها للكون ونظرتها للحياة.

فالعقيدة تنطلق منها وحدة المشاعر، والعبادات تمثل وحدة الشعائر، والنظام يمثل وحدة الشرائع ومزج الشريعة بين أحكام الدنيا والدين وإيمان المسلمين بها ضمن للشريعة الاستمرار والثبات وبث فى المحكومين روح الطاعة والرضاء ودعاهم إلى التخلق بالأخلاق الكريمة وجعل الشريعة قوة فى الردع ليست لأى قانون وضعى آخر مهما أحكم وضعه وأحسن تطبيقه وتنفيذه.

ما اشتمل عليه القرآن :

واشتمل القرآن الكريم على أصول الشريعة وقواعدها وفى الحلال والحرام وجاءت أكثر أحكامه مجملة تشير إلى مقاصد الشريعة وتضع بيد الأئمة والمجتهدين المصباح الذى يستنبطون فى ضوئه أحكام جزئيات الحوادث فى كل زمان ومكان وهذا سر خلود الشريعة وشمول قواعدها الكلية ومقاصدها العامة لما يحدث فى الناس من أقضيات.

وإنما فصل القرآن ما لابد فيه من التفصيل الذى يجب أن يسمو عن مواطن الخلاف والجدل كما فى العقائد وأصول العبادات أو لأنه يبنى على أسباب لا تختلف ولا تتغير بتغير الأزمنة والأمكنة وذلك كما فى تشريع المواريث ومحرمات النكاح وعقوبة بعض الجرائم.

وللقرآن علوم منها المكى والمدنى ، والعام والخاص، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، والمجمل والمشكل وأسباب النزول وغيرها من العلوم التى عرفت عند العلماء بعلوم القرآن.

ولذلك كان لابد للمفسر لآيات القرآن من علوم يحتاج إليها من أهمها :

1-اللغة والاشتقاق ذلك لأن بعض الفرق الإسلامية المنحرفة حرفت بعض آيات القرآن وأولتها تأويلاً بعيداً عن معانى اللغة وضوابطها كأصحاب التأويلات الباطنية والرمزية وغيرهما وصدق عمر بن الخطاب رضى الله عنه حين قال "عليكم ديوانكم لا تضلوا" ويقول مجاهد "لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم فى كتاب الله إذا لم يكن عالماً بلغات العرب".

2-النحو والصرف.

3-الأدب وعلوم البلاغة.

4-علوم القرآن .

5-علم أصول الدين والتوحيد.

6-أصول الفقه.

7-الحديث النبوى والفقه والسيرة.

8-علوم أخرى كالعلوم الاجتماعية والتاريخ والجغرافيا..إلخ

وقد ضع الإمام السيوطى فى كتابه "الاتقان فى علوم القرآن" ثلاثة عشر علماً -منها ما سبق-يجب أن يحيط بها من يتكلم فى التفسير وبعد أن عدَّدها قال: وعلم الموهبة، فقيل له وما علم الموهبة ؟ قال:"نور يقذفه الله فى قلب من يشاء من عباده".

ولهذا فإن الصحابة أنفسهم كانوا يتفاوتون فى فهم القرآن تبعاً لمواهبهم وإطلاعهم على لغتهم وآدابهم فضلاً عن معرفة أسباب النزول .

فهذا ابن عباس ترجمان  القرآن يقول : كنت لا أدرى ما فاطر السماوات حتى أتانى أعرابيان يختصمان فى بئر فقال أحدهما : أنا فطرتها يقول : أنا ابتدأتها .

وها هو ذا أبو بكر -وفى رواية عمر رضى الله عنهما- لا يعرف معنى "وأبا" فيقول : أى سماء تظلنى وأى أرض تقلنى إن قلت فى القرآن برأيى .

والذى نريد أن نشير إليه إشارة سريعة أن قوماً اكتفوا بالقرآن وأنكروا السنة ويقول عنهم الإمام الشاطبى :

"إن الاقتصار على الكتاب رأى قوم لا خلاق لهم خارجين عن السنة ، إذ عولوا ما بنيت عليه من أن الكتاب فيه تبيان كل شيء فاطرحوا أحكام السنة فأداهم ذلك إلى الانخلاع عن الجماعة وتأويل القرآن على غير ما أنزل الله"

وعلى هذا فإن القرآن هو أساس الدين ومصدر التشريع وحجة الله البالغة فى كل عصر ومصر بلغه رسول الله لأمته لأمر ربه (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) وأمرنا ربنا باتباعه (اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ)

فأحلوا حلاله وحرموا حرامه وعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه واعتبروا بأمثاله.

وعلموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوتى القرآن ومثله معه وهو المصدر الثانى للتشريع.

المصدر الثانى:

السنة: التشريع إما أن يكون وحياً إلهياً بالمعنى واللفظ وذلك يتمثل فى القرآن الكريم الذى أنزله الله على رسولنا صلى الله عليه وسلم.

وإما أن يكون إلهياً بالمعنى دون اللفظ وذلك يتمثل فى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فإن اللفظ لفظ الحديث من كلامه وإن كان معناه وحياً لقوله تعالى (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) والله سبحانه وتعالى هو المشرع ورسوله صلى الله عليه وسلم هو المبين لشرعه (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ...) وأوجب الله طاعة الرسول لأنها من طاعته (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ...) وجعل حكمه عن إلهام منه (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ..) فلا شرع إلا ما شرع الله وإلا ما شرع رسوله r ولهذا كان للتشريع الإسلامى مصدران أساسيان الكتاب والسنة وبانتهاء حياة الرسول صلى الله عليه وسلم انتهى عهد التشريع.

والسنة هى ما أثر عن الرسول r من قول أو فعل أو تقرير مع اختلاف فى هذا التعريف بين العلماء – وهى على ثلاثة أنواع :-

السنة القولية: وهى أحاديث الرسول r التى قالها فى مختلف المناسبات مثل قوله :"لا يحل قتل امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بدون نفس" وقوله r "الطهور شطر الإيمان".

السنة الفعلية: وهى أفعاله r سواء كان فى الصلوات أو كان فى الأفعال مثل قضائه بالعقوبة فى الزنا بعد الإقرار وقطعه اليد اليمنى فى السرقة وقضائه بشاهد واحد ويمين المدعى.

السنة التقريرية : وهى ما صدر عن بعض أصحابه r من أقوال أو أفعال أقرها الرسول r بسكوته وعدم إنكاره أو بموافقته وإظهار استحسانه فيعبتر عمل الصحابى أو قوله بعد أن أقره الرسول صلى الله عليه وسلم كأنه صادر من الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه ومثل ذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذ إلى اليمن سأله بم تقضى ؟ قال بكتاب الله ، فإن لم تجد فبسنة رسول الله فإن لم تجد أجتهد رأيى فأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك حيث قال: الحمد لله الذى وفق رسول رسول الله إلى ما يرضى رسول الله أو كما حدث مع الصحابة الذين ذهبوا إلى بنى قريظة والذى صلى منهم العصر قبل وصولهم، ومنهم من صلى بعد الوصول، أقر هؤلاء وأقر هؤلاء فهذه تسمى سنة تقريرية، يقرها رسول الله r، والسنة هى  المصدر الثانى بعد القرآن وتلى القرآن فى المرتبة :




أحكام السنة:

وأحكام السنة من الناحية التشريعية لا تعدو أن تكون واحداً من ثلاثة:

1-إما أن تكون سنة تقرر وتؤكد حكماً جاء به القرآن فيكون الحكم مرجعه القرآن والسنة معاً كتحريم القتل بغير حق وشهادة الزور والسرقة ومثل تحريم القتل يقول ربنا I فى كتابه الكريم (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ) ويقول الرسول r :"ولا يحل دم امرئ مسلم …" فهنا جاءت السنة ومن قبل جاء القرآن بهذا  التحريم وغيره من الأمور التى جاء بها القرآن والسنة معاً.

2-وإما أن تكون سنة مفصلة مفسرة حكماً جاء به القرآن مجملاً أو  مقيداً ما جاء فى القرآن مطلقاً، أو مخصصة للتى جاءت به السنة بياناً للمقصود من الحكم الذى جاء به القرآن لأن الله جعل لرسوله صلى الله عليه وسلم حق البيان لنصوص القرآن (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ...) فالسنة هى التى فصلت الصلاة قال تعالى (وأقيموا الصلاة) لكن جاء الرسول r وقال:"صلوا كما رأيتمونى أصلى"فمنه أخذنا الصبح اثنين والظهر أربعة …وهكذا، والحج "خذوا عنى مناسككم "، والزكاة لأن القرآن يأمر بهم ولم يبين لا كيفية الصلاة ولا مقادير الزكاة ولا مناسك الحج فجاءت السنة وبينت ذلك :

ونصوص القرآن أحلت البيع وحرمت الربا والسنة هى التى بينت بيوع الربا ونصوص القرآن حرمت الميتة والدم والسنة قيدت هذا الإطلاق.

3-وإما أن تكون سنة مثبتة حكماً سكت عنه القرآن فيكون الحكم أساسه السنة وليس له دليل من القرآن كقول الرسول صلى الله عليه وسلم :"لا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها" وكقوله فى تحريم الذهب "حرام على رجال أمتى حلال لنسائها وكقوله "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" وهكذا.

حفظ السنة:

يقول الإمام ابن حزم :"ليس القرآن فقط الذى حفظه الله I ولكنه حفظ السنة أيضًا فى صدور رجال بالرغم من أن القرآن جمع ،ويستشهد ابن حزم استشهاداً لطيفاً جداً يقول (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) فيقول الذكر هنا ليس القرآن وحده ،ولكن الذكر هنا (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) فإذاً التبيان داخل فى الذكر فحفظ الله جمع بين القرآن والسنة.

ويتكون الحديث من السند وهو سلسلة الرجال الموصلة إلى متن الحديث أى نصه ويشترك فى السند رجال من الصحابة والتابعين عادة؟.

الصحابى: هو من لقى النبى صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام طالت مجالسته أم قصرت، روى عنه أو لم يرو غزا أو لم يغز رآه رؤية ولم يجالسه وكذلك، من لم يره لعارض كالأعمى.

التابعى: قال الخطيب البغدادى "هو من صحب الصحابى" فهو لا يكتفى بمجرد اللقاء بل اشترط أن تكون هناك صحبة بين الصحابى والتابعى.

أما الحاكم النيسابورى قال هو من لقى الصحابى وروى عنه وإن لم يصحبه كسعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وعروة بن الزبيير وسالم بن عبد الله بن عمر إلخ.

أنواع السنة:

أنواعها بحسب روايتها: سنة متواترة –ومشهورة –آحاد.

السنة المتواترة: هى ما رواه عن رسول الله جمع يمتنع عادة أن يتواطأ أفراده على الكذب لكثرتهم وأمانتهم ثم رواه عن الجمع جمع مثله وعن هذا الجمع جمع آخر وهكذا حتى وصلت إلينا بسند كل طبقة من رواته جمع لا يتفقون على كذب من مبدأ التلقى عن الرسول حتى وصلت السنة إلينا ، ومن هذا القسم السنن العملية فى أداء الصلاة والصوم وغير ذلك من شعائر الدين تلقاها المسلمون جموعاً عن الرسول ولقنوها جموعاً آخر دون خلاف عليها مع اختلاف الأعصار وتباعد الأمصار .

السنة المشهورة : هى ما رواها عن الرسول صحابى أو أكثر دون أن يبلغ الرواة حد التواتر ثم نقلها من الراوى أو الرواة جمع من جموع التواتر وتناقلها عن هذا الجمع جموع أخرى حتى وصلت إلينا بسند أول طبقة منه فرد أو أفراد لا يبلغون حد التواتر وباقى طبقاته من جموع التواتر ومن هذا القسم ما رواه عمر بن الخطاب وابن مسعود وغيرهما من الصحابة.

سنة الآحاد: هى ما رواه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أحاد أو جمع لم يبلغ حد التواتر وتناقلها عن هؤلاء أمثالهم من الآحاد أو الجموع التى لم يبلغ حد التواتر ومن هذا القسم معظم الأحاديث.

والسنن جميعاً قد تكون قطعية الدلالة إذا كانت لا تحتمل تأويلاً وقد تكون ظنية الدلالة إذا كانت تحتمل التأويل وجميعها مصدر تشريعى واجب الإتباع (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ..)

ويجدر بنا أن نشير إلى أن جميع الأقوال والأفعال التى صدرت عن الرسول صلى الله عليه وسلم بقصد البيان والتعليم والإرشاد هى تشريع ملزم.

أما التى صدرت عنه بخبرته الخاصة بالشئون الدنيوية كالاتجار والزراعة وتنظيم الجيوش فليست تشريعاً لأنها من الخبرة الشخصية التي قال فيها "أنت أعلم بأمور دنياكم منا"

وما صدر منه باعتباره بشر كالقيام والقعود والشرب لا تعتبر تشريعاً فليست جزءاً من رسالته إلا ما سنه صلى الله عليه وسلم .

وكذلك الأفعال التى صدرت عنه ودل الدليل على أنها من خصائصه لا يشاركه فيها أحد كالزواج بأكثر من أربعة ودخوله مكة بغير إحرام والوصال فى الصوم لا يعتبر تشريعاً لأن ذلك خاص به صلى الله عليه وسلم لا يشاركه فيه غيره.

وإذا كانت هناك الأحاديث القولية والفعلية والتقريرية فهناك أيضًا الحديث القدسى الموحى معناه دون لفظه وهذا هو الفرق بينه وبين القرآن إذ أن القرآن موحى بلفظه ومعناه وترتيبه فليس للنبى صلى الله عليه وسلم إلا التبليغ وهو متواتر كله.

وأما الحديث القدسى ففيه الصحيح والضعيف والموضوع والمكذوب.

ومن هنا فإنه لابد من دراسة الحديث سنداً ومتناً ولقد وضع العلماء لدراسة كل منهما موازين ومقاييس تساعدهم على الوصول إلى أدق الأحكام وأصحها .

فمن العلوم التى استنبطوها لدراسة:

السند: 1-علم تاريخ الرواة    2-علم الجرح والتعديل     3-علم علل الحديث

المتن: 1-علم غريب الحديث ويبحث فى غريب الكلمات وألفاظه التى تخفى.

2-علم مختلف الحديث يبحث فى الحديثين اللذين ظاهرهما التعارض.

3-علم الناسخ والمنسوخ .

يقول الإمام ابن حزم : نقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبى صلى الله عليه وسلم مع الاتصال أخص الله به المسلمين دون سائر الملل فقد حرص الصحابة والتابعون ومن بعدهم على أداء ما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمانة وإخلاص وتحروا فى النقل حتى انتهى هذا إلى أئمة رجال الحديث ودونت السنة.

ويالها من دقة لم تسبق إليها أمة فقد وضع العلماء مع هذه العلوم شروطاً للصحة والحسن والضعف من حيث: 

اتصال السند، العدالة،الضبط، عدم الشذوذ، عدم العلة.

وقالوا إذا ضعفت صفة من هذه الصفات أو فقدت صار الحديث ضعيفاً بل وقسموا الضعيف نفسه الذى لم تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح أو الحسن إلى أنواع :

المرسل، المنقطع، المعضل، المدلَّس، المضطرب، المقلوب، الشاذ، المنكر، المتروك، المعلل، وهكذا.

بل ورتبوا كتب الصحاح كما اتفق عليها العلماء كالآتى:

أولاً-ما اتفق عليه البخارى ومسلم .

ثانياً -ما انفرد به البخارى

ثالثاً – ما انفرد به مسلم

رابعاً-ما كان على شرطهما – وإن لم يخرجاه.

خامساً- ما كان على شرط البخارى

سادساً-ما كان على شرط مسلم

سابعاً – ما صححه غيرهما من الأئمة

وهكذا يتضح أهمية هذا المصدر من مصادر التشريع

خلاصة هامة:

إن من الآفات التى تتعرض لها السنة أن يقرأ بعض الناس المتعجلين حديثاً فيتوهم له معنى فى نفسه هو يفسره به وهو معنى غير مقبول عنده فيتسرع برد الحديث لاشتماله على هذا المعنى المرفوض ولو أنصف وتأمل وبحث لعلم أن معنى الحديث ليس كما فهم وأنه فرض عليه معنى من عنده لم يجيء له قرآن ولا سنة ولا ألزمت به لغة العرب ولا قال به عالم معتبر من قبله.

قرأ بعضهم الحديث الذى رواه ابن ماجه عن أبى سعيد الخدرى والطبرانى عن عبادة بن الصامت "اللهم أحينى مسكيناً وأمتنى مسكيناً واحشرنى فى زمرة المساكين" ففهم المسكنة الفقر من المال والحاجة إلى الناس وهذا ينافى استعاذة النبى صلى الله عليه وسلم من فتنة الفقر وقوله لعمرو بن العاص "نعم المال الصالح للمرء الصالح"، ولقد امتن الله عليه بالغنى فقال له (وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى) والمعنى هنا هو التواضع وخفض الجناح قال ابن الأثير أراد التواضع والإخبات وألا يكون من الجبارين المتكبرين.

وقرأ أحدهم الحديث الذى رواه أبو داود والحاكم غير واحد عن أبى هريرة مرفوعاً "إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" ففهم من التجديد التطوير والتغيير بما يلائم الزمان بينما التجديد هو تجديد الفهم له والإيمان والعمل به بينما التجديد يعنى  العودة به مرة أخرى حيث كان فى عهد الرسول وصحابته ومن تبعهم ، ومن الخطورة بمكان أيضًا أن تقرأ حديثاً وتقف عنده وتحاول فهمه بنفسك بينما المولى يقول : (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) فعدم سؤال أهل الذكر قد يؤدى بك إلى الشطط وأعطيكم مثال :السيدة عائشة رضى الله عنها قالت فى حديث :ما بال رسول r واقفاً منذ أنزل عليه القرآن ،ومن حدثكم أن رسول الله r بال واقفاً فلا تصدقوه، ما سيكون الموقف إذا وقع هذا الحديث بين أيديكم ثم جاءك من يقول :جائز أن يبول الرجل واقفاً .بينما كلام السيدة عائشة ينهى عن ذلك بقول صريح :"ومن حدثكم أن رسول الله r بال واقفاً فلا تصدقوه" .

ونأتى لحذيفة t يقول :أتيت لرسول الله r بوَضوء (الإناء الذى فيه ماء للوضوء)، فبال واقفاً ثم توضأ .

الحديث الأول صحيح والحديث الثانى متفق عليه، فالاثنان صحيحان.وللعلماء فيهما كلام وعلم.

أفرد الإمام ابن القيم باباً لهذين الحديثين تحت عنوان :تبول الرسول r وقوفاً ،وجاء بحديث السيدة عائشة الذى قالت :ما بال رسول r واقفاً منذ أنزل عليه القرآن ،ومن حدثكم أن رسول الله r بال واقفاً فلا تصدقوه ، وقال: "إن علماء الحديث يقولون :إذا كان هناك حديثين ظاهرهما التعارض (هذان الحديثان اللذان ظاهرهما التعارض ) فالتوفيق بينهما أولى .

فكيف وفق العلماء بين هذين الحديثين ؟

يقول ابن القيم : أسأل سؤالاً :من قال أن السيدة عائشة كانت قادرة ومقتدرة على إحصاء تبول رسول الله r فى كل مكان بال فيه ؟ فى بيته وفى خارج بيته ،فى أسفاره ،فى ترحاله ،فى كل مكان كيف تقول السيدة عائشة ومن حدثكم أن رسول الله r بال واقفاً فلا تصدقوه . فما هى القضية؟

قال :إن السيدة عائشة تحكى حال رسول الله فى بيته لأنها زوجته.

أما حذيفة فكان يصاحب رسول الله  rفى أسفاره فى كل خطواته فهو يتحدث عن حال رسول الله r فى أسفاره، وبذلك وفق العلماء بين الحديثين واستنبطوا جواز التبول وقوفاً.

إن رد كل حديث يشكل علينا فهمه – وإن كان صحيحاً مجازفة لا يجترئ عليها الراسخون فى العلم ومن أجل ذلك ألف الإمام محمد بن قتيبة كتابه (تأويل مختلف الحديث) للرد على مثل هذه الزوابع.

إنه لا فقه بغير سنة ولا سنة بغير فقه وقوام الإسلام بركنيه كليهما من كتاب وسنة كما قال البنا رضوان الله عليه.

والفقه شيء غير حفظ النصوص وسرعة الاستشهاد بها ففهم الدين هو الأصل فى التدين وعليه يتوقف إنجازه ولذلك كان للفهم فقهه الخاص به، وقد أفاض الأصوليون فى بيانه وتبويبه وتنظيره حتى غدا منضبط القواعد ولما كان الدين محرراً فى أصول ثابتة هى القرآن والسنة، وكلاهما يختص بخصائص، ويتصف بصفات من حيث حملها لتعاليمه كما أن الدين غايته الفعل فى الواقع لإجرائه على ما يحقق المصلحة فإن ذلك يقتضى أن يكون فهم المراد الإلهى بأوامره ونواهيه مبنياً على أساسين:

أولهما : خصائص الأصول فى الدلالة على الأوامر والنواهى – وسيأتى تفصيل ذلك بإذن الله حين نتكلم عن الخلاف الفقهى .

ثانيهما: اعتبار الغاية التطبيقية فيهما.

وكلما اختل فى الفهم أحد هذين السببين أو كلاهما أدى ذلك إلى الخطأ فى إدراك المراد الإلهى من تعاليمه.

ولهذا فإن فهم الدين من أصله النصى ليس بالأمر الهين كما يظن بعض الناس ، بل هو أمر خطير الشأن وخاصة إذا لابسته ظروف من الضعف فى فقه اللغة العربية وقوانينها فى التعبير أو من الميل إلى  التعسف فى استخراج المعانى من وعائها اللغوى وقد وقعت من ذلك نماذج كثيرة فى التاريخ الإسلامى.

والنص الدينى نفسه ورد يحمل من المعنى ما يناسب البشر جميعاً فى كل مكان وزمان باعتبار خاتمية الوحى فيه وهذا ما يجعل المجموع النصى يحمل من كنوز المعانى ما لا يستنفده فهماً جيل واحد من المسلمين بل يمكن أن يكتشف فيه كل جيل ما لم يكتشفه الذى قبله وذلك وجه من وجوه إعجازه كما أن لعملية الفهم علاقة بكسب العقل البشرى من العلوم والمعارف التى يكتسبها من خارج دائرة النص.

إذاً نحن نقصد بهذا الكتاب وهذه السنة المباركة المطهرة إلى أمرين ،المقصد الأول :إقامة أمة صالحة ،أى ماذا نريد؟ لا نريد دولة ،حكومة،هياكل ونظم ،نريد أمة صالحة ولا تصلح الأمة إلا إذا توفرت فيها أمور، فإذا كنا نريد أن نقيم الأمة يجب أن تتحقق فيها أمور أولها أن يكون لها رسالة من مبادئ وقيم ،لأن رسالة الإسلام رسالة تربية قبل أن تكون رسالة تنظيم وتشريع، رسالة قيم وأخلاق ومبادئ قبل أن تكون رسالة جهاد وقتال . ورسالة مبادئ يراها الغادى والرائح فى تطبيق عملى قبل أن تكون رسالة انتشار واتساع ،فيجب أن نضع فى اعتبارنا أن رسالتنا رسالة أخلاقية قبل كل شيء، نريد أن نبنى أمة متحابة مترابطة ذات رسالة وهذا هو المقصود الأول.

المقصد الثانى:أن تكون الأمة مُضحية،فادية لدينها تعمل ،تضحى بالغالى والنفيس (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ)

المقصد الثالث:أن يكون على رأس هذه الأمة حكومة صالحة، تقيم الدين، لذلك يقول تعالى (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) ، فمهمتنا إقامة الدين، ولذلك لابد أن تكون الحكومة صالحة خادمة للشعب ولا تشعر بالسيادة والفوقية، مصدر حكمها ربانى (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ) (مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ) إنها :

*ربانية وسطية فى اختيارها.

*إيجابية فى نظرتها للكون والإنسان والحياة.

*أخلاقية فى غايتها ووسائلها.

*واقعية حين تتعامل مع الفرد والمجتمع.

*شمولية فى منهاجها.

*عالمية فى دعوتها.

*شورية فى حكمهما.

*جهادية فى تربيتها.

هذه كلها خصائص تتميز بها دعوة الإسلام التي نعمل على تمكينها على الأرض واضعين نصب أعيننا المعانى الآتية:

أولاً- أن التمكين لدين الله لا يتم إلا بعد أن يسود فى المجتمع القيم والأخلاق والعادات والتقاليد الإسلامية.

ثانياً - أن التمكين لدين الله بهذا المعنى يكون شامل لجميع وحدات المجتمع ،نحن لسنا جماعة انتقائية ننتقى من المجتمع، بل نحن جماعة جهادية تريد أن تقيم شرع الله على الأرض فتبسطه للأبيض والأسود والأعجمى والعربى والسيد والمسود فى آن واحد ، توضحه لجميع شرائح المجتمع دون انتقاء طبقة أو مستوى دون آخر.

ثالثاً- أن التمكين لدين الله لا يتحقق فى الأمة قسراً ولا قهراً ، ولكن رغبةً وطواعية واختياراً واقتناعاً وإيماناً تستمر عليه طوال حياتك (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ) .

رابعًا- أن استمرارية المنهج ودوامه لا يمكن أن يتحقق بحالة مؤقتة، لكن بالتخطيط البعيد والقريب مع استمرارية المنهج.

خامساً- أن التمكين لدين الله ليست قضية وطنية ولا قومية ولا قُطرية ولا محلية ،إنما هى عالمية (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) ومن هنا فنحن فى حاجة للارتقاء بالمجتمع كى يكون الإسلام مرجعاً يرجع إليه الفرد فى سلوكه واعتقاده وأفعاله، ثم نرتقى بالمجتمع كى يكون له مرجعية إسلامية يعود إليها فى صغير الأمر وكبيره.

 


 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق