بين فقه الظاهر وفقه السنة البون شاسع !!
((ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻣﺪﻳﺮا ﻟﻠﻤﺴﺎﺟﺪ ﻭﺻﻴﺖ اﻟﺨﻄﺒﺎء ﻓﻘﻠﺖ: ﺇﺫا ﺭﺃﻳﺘﻢ ﻣﻦ ﺩﺧﻞ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﺃﺛﻨﺎء اﻟﺨﻄﺒﺔ يصلي ﺭكعتي اﻟﺘﺤﻴﺔ ﻓﻼ ﺗﺠﻠﺴﻮﻩ،ﻭﺇﺫا ﺭﺃﻳﺘﻤﻮﻩ ﺟﻠﺲ ﺩﻭﻥ ﺻﻼﺓ ﻓﻼ ﺗﻨﻬﻀﻮﻩ ﻟﻠﺼﻼﺓ
ﻗﺎﻝ ﻟﻰ ﺃﺣﺪﻫﻢ: اﻟﺴﻨﺔ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻡ ليصلي ﻭﻳﺴﺘﻠﻔﺘﻪ اﻹﻣﺎﻡ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ! ﻗﻠﺖ ﺫاﻙ ﻣﺎ ﺭﺁﻩ اﻹﻣﺎﻣﺎﻥ اﻟﺸﺎفعي ﻭﺃﺣﻤﺪ ﻓﻰ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﻤﺮﻭﻯ ﻓﻰ ﻫﺬﻩ اﻟﻘﻀﻴﺔ. ﺃﻣﺎ اﻹﻣﺎﻣﺎﻥ ﻣﺎﻟﻚ ﻭﺃﺑﻮ ﺣﻨﻴﻔﺔ ﻓﻴﻘﻮﻻﻥ ﻳﺠﻠﺲ ﻟﻴﺴﻤﻊ اﻟﺨﻄﺒﺔ، ﻭﻻ ﻳﻨﺸﻐﻞ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﺸﺊ.! ﻳﻘﻮﻝ ﻣﺎﻟﻚ: ﻫﻜﺬا ﻭﺟﺪﻧﺎ اﻟﻨﺎﺱ ﻳﻔﻌﻠﻮﻥ ﻓﻰ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﻨﺒﻮي ، ﻣﺘﻮاﺭﺛﻴﻦ ﺫﻟﻚ ﻋﻦ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻭاﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ ، ﻓﻌﻤﻠﻬﻢ ﺃﺩﻝ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻨﺔ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ اﻟﺒﺪﻭي اﻟﺬي ﺻﺢ ﺃﻥ اﻟﺮﺳﻮﻝ ﺃﻣﺮﻩ ﺑﺎﻟﺼﻼﺓ، ﻟﻌﻞ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻛﺎﻥ ﺛﻢ ﻧﺴﺦ ! ﻭﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺣﻨﻴﻔﺔ : ﺗﻠﻚ ﻭﻗﻌﺔ ﺣﺎﻝ ﻛﺎﻥ اﻟﺮﺟﻞ ﻓﻘﻴﺮا ﻳﺮﺗﺪي ﺃﺳﻤﺎﻻ ﺑﺎﻟﻴﺔ ﻓﺎﺳﺘﻮﻗﻔﻪ اﻟﺮﺳﻮﻝ ﻭﺣﺚ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺪﻗﺔ ﻟﻴﺴﺘﺪﺭ اﻟﻌﻄﻒ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭاﻷﺻﻞ ﺃﻥ اﻟﺨﻄﻴﺐ ﻳﺘﺤﺪﺙ ﻟﻴﺴﺘﻤﻊ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﺇﻟﻴﻪ ﻻ ﻟﻴﺸﺘﻐﻞ اﻟﺪاﺧﻠﻮﻥ ﻋﻨﻪ ﺑﺎﻟﺼﻼﺓ .
ﻗﺎﻝ لي ﻣﺤﺪثي: ﺇﻥ ﻇﺎﻫﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻊ ﺃﺣﻤﺪ ﻭاﻟﺸﺎفعي. ﻗﻠﺖ: ﻧﻌﻢ ﻭﻇﺎﻫﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻊ اﻟﺴﺎﺋﺮﻳﻦ ﺇﻟﻰ ﻗﺮﻳﻈﺔ ﺃﻻ ﻳﺼﻠﻮا ﻓﻰ اﻟﻄﺮﻳﻖ ! ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﻓﺈﻥ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﺭﺟﺢ اﻟﺼﻼﺓ ﻓﻰ اﻟﻄﺮﻳﻖ ، ﻭﻧﺤﻦ ﻓﻰ ﺗﻮﺻﻴﺘﻨﺎ ﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻧﺮﻓﺾ اﻟﺘﻌﺼﺐ اﻟﻤﺬهبي ﻭﻧﻤﻨﻊ ﻓﺘﻨﺎ ﺳﺨﻴﻔﺔ . ﻣﻦ ﺗﺎﺑﻊ ﺃﺑﺎ ﺣﻨﻴﻔﺔ ﻭﻣﺎﻟﻜﺎ ﻓﻠﻴﺘﺒﻌﻬﻤﺎ، ﻭﻣﻦ ﺗﺎﺑﻊ اﻟﺸﺎﻓﻌﻰ ﻭﺃﺣﻤﺪ ﻓﻠﻴﺘﺒﻌﻬﻤﺎ..! ﻭﻣﺎﺯﻟﺖ ﺃﻭصي اﻟﺨﻄﺒﺎء ﺑﺬﻟﻚ، ﻭﺃﺭﻓﺾ اﻟﺰﻋﻢ ﺑﺄﻥ ﻧﺼﻒ اﻷﺋﻤﺔ ﺧﺎﻟﻒ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﻮاﺭﺩﺓ ، ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺧﺎﻟﻒ ﻓﻬﻤﻨﺎ ﻟﻠﺴﻨﺔ اﻟﻮاﺭﺩﺓ ﻭﻟﻪ ﺣﻘﻪ ﻏﻴﺮ ﻣﻨﻜﻮﺭ ، ﻭﻟﻠﺠﻤﻴﻊ ﺃﺟﺮﻫﻢ ﺇﻥ ﺷﺎء اﻟﻠﻪ . ﻭﺃﺧﻴﺮا ﻗﻠﺖ ﻟﻤﺤﺪﺛﻰ: ﺇﻥ ﺩﻗﺔ اﻟﻔﻘﻪ ﻻ ﺗﺘﺎﺡ ﻟﻜﻞ ﻣﺴﻠﻢ ﺻﺎﻟﺢ. ﺇﻧﻬﺎ ﻫﺒﺔ ﻳﺆﺗﻴﻬﺎ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺷﺎء. ﺃﺭﺃﻳﺖ اﻟﺨﻼﻑ اﻟﺬﻯ ﻧﺸﺐ ﺑﻴﻦ ﻋﻤﺮ ﻭﺑﻌﺾ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺣﻮﻝ اﻷﻗﻄﺎﺭ اﻟﻤﻔﺘﻮﺣﺔ؟ ﻛﺎﻥ ﻫﺬا اﻟﺒﻌﺾ ﻳﺮﻳﺪ ﺗﺨﻤﻴﺴﻬﺎ ﻭﻓﻖ ﺁﻳﺔ اﻷﻧﻔﺎﻝ ، ﻭﻟﻮ اﺳﺘﺠﺎﺏ ﻋﻤﺮ ﻟﻪ ﻟﻮﻗﻒ اﻟﻔﺘﺢ اﻹﺳﻼﻣﻰ، ﻭﺗﺤﻮﻝ اﻟﻔﺎﺗﺤﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺇﻗﻄﺎﻋﻴﻴﻦ، ﻭاﻧﻬﺎﺭ ﺑﻨﺎء اﻹﺳﻼﻡ.. ﻭﻟﻜﻦ ﻋﻤﺮ ﺭﺿﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺟﻌﻞ اﻟﺘﺨﻤﻴﺲ اﻟﺬﻯ ﻧﺼﺖ ﻋﻠﻴﻪ اﻵﻳﺔ في اﻷﻣﺘﻌﺔ ﻭاﻷﺳﻠﺤﺔ ﻭاﻷﻏﺬﻳﺔ ﻭﺷﺘﻰ اﻟﻤﻨﻘﻮﻻﺕ اﻟﻤﻐﻨﻮﻣﺔ ، ﺃﻣﺎ اﻷﺭﺽ اﻟﻤﻔﺘﻮﺣﺔ ﻓﺒﻘﻴﺖ ﻷﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ﻭﻭﺿﻌﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺿﺮاﺋﺐ ﻣﻌﻘﻮﻟﺔ ﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﺪﻭﻟﺔ . ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﻔﻘﻪ ﻭﺇﻥ ﺧﺎﻟﻒ ﻇﺎﻫﺮ اﻟﻨﺺ.. ﺇﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺴﻤﺢ ﺃﻥ يجيء ﻧﻔﺮ ﻣﻦ اﻟﺪﻫﻤﺎء ﻟﻴﺮﻓﻊ ﺧﺴﻴﺴﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎﺏ ﻛﺒﺎﺭ اﻷﺋﻤﺔ. ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ تختفي اﻟﻘﻤﻢ اﻟﻔﻘﻬﻴﺔ ﻣﻦ ﺗﺎﺭﻳﺨﻨﺎ ﺧﻼﻝ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮ ﻗﺮﻧﺎ ﻓﻤﻦ ﻳﺒﺮﺯ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ؟! ﺃﻳﻦ اﻷﺩﺏ اﻟﺬﻯ ﻋﻠﻤﻨﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ـ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ـ اﻷﺧﺬ ﺑﻪ ﻓﻰ ﻗﻮﻟﻪ:"ﻟﻴﺲ ﻣﻨﺎ ﻣﻦ ﻟﻢ ﻳجلّ ﻛﺒﻴﺮﻧﺎ ﻭﻳﺮﺣﻢ ﺻﻐﻴﺮﻧﺎ ﻭﻳﻌﺮﻑ ﻟﻌﺎﻟﻤﻨﺎ ﺣﻘﻪ" ﺇﻥ اﻟﻤﺠﺘﻬﺪ ـ ﺃﺧﻄﺄ ﺃﻡ ﺃﺻﺎﺏ ـ ﻣﻌﺬﻭﺭ ﻭﻣﺄﺟﻮﺭ ، ﻓﻠﻢ اﻟﺘﻄﺎﻭﻝ ﻭاﻹﻳﺬاء ؟ ﺛﻢ ﻣﻦ ﺃﻟﺰﻡ اﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮ ﺑﺮﺃي ﻣﻌﻴﻦ ﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء اﻷﻛﺎﺑﺮ؟ ﻟﻴﻜﻦ ﺃﻓﻘﻨﺎ ﻭاﺳﻌﺎ ﻭﺧﻠﻘﻨﺎ ﺃﻭﺳﻊ.))
دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين . الإمام محمد الغزالي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق