الدعوة إلى ( إسلامٍ بلا مذاهب ) أمر خطير ، إذ ليس كل مسلم قادراً على فهم ما في القرآن والسنة ، واستنباط الأحكام الشرعية منهما مباشرة ، لأن هناك أموراً يجب أن تتوافر في المسلم ليمكنه ذلك ، منها أن يعرف أسباب نزول القرآن وورود الحديث ، والناسخِ والمنسوخ ، والعام والخاص ، والمجمل والمبين ، والمطلق والمقيد ، وأن يكون ضليعاً في علوم اللغة العربية ، وأن يكون عارفاً بأصول الفقه ، وقواعد الاجتهاد والاستنباط والترجيح ، وما إلى ذلك من العلوم الضرورية .
لذلك عندما وجد سيدنا علي رجلاً يفسر القرآن للناس قال له : أتعرف الناسخ والمنسوخ ؟ قال : لا ، قال : هلكت وأهلكت .
وفرقٌ كبيرٌ بين العالم الفقيه المجتهد الذي يملك الأدوات المؤهِّلة للاجتهاد ، وبين العامي الذي يفتقر إليها . فالأول يجب عليه الأخذ من القرآن والسنة مباشرة . وأما الثاني فيحرم عليه ذلك .
لذا فإن أبا حنيفة والشافعي ومالكاً وأحمد يحرم عليهم تقليد غيرهم لامتلاكهم أدوات الاجتهاد .
وقد أُغلق باب الاجتهاد المطلق منذ زمن طويل ، فلا يأتِ شخص اليوم ويقول : أنا مجتهد إجتهاد مطلق أخذ من الكتاب والسنة مباشرة ، فإذا كان تلامذة أبي حنيفة والشافعي ومالك لم يبلغوا درجة الاجتهاد المطلق فهذا أبعد ما يكون منا اليوم .
وببساطةٍ أقول : أيمكن لأي شخص أن يصبح طبيباً يتصدى لمداواة الناس وإجراء العمليات الجراحية لمجرد امتلاكه كتب الطب وأدوات الطبيب ، لا بد من دخول الجامعة ودراسة علم الطب أولاً
وهكذا المذاهب الفقهية إنما هي مدارس سهلت لك الأحكام ويسرتها .
وتجد اليوم من يقول لك : هل آخذ الأحكام من الشافعي أم من رسول الله .
والواقع أن هذا الكلام فيه مغالطة كبيرة ، وكلمة حق أُريد بها باطل .
ومن قال لك إن قول الشافعي يقابل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ما الشافعي إلا مبيِّن لقول رسول الله وموضِّح له .
فالشافعي عندما يذكر حكماً ما في مسألة ما يذكر الدليل عليها من قول الله تعالى وقول رسول الله .
ولو سألت هذا القائل كيف تُعيد زوجتك المطلقة إلى عصمتك؟ لما عرف ولو قرأ القرآن والسنة مراراً.
وتجده يذهب إلى شيخ ما، فيعمل بقوله دون أن يسأله عن الدليل . أليس هذا تقليداً لإنسان لا يملك ذرة من علم الشافعي .
وإذا سألته عن السنة النبوية لا تجد في بيته كتاباً واحداً من كتب السنة النبوية . ثم هو يقول لك بعد ذلك : أنا آخذ الأحكام من السنة . وكيف إذاً وكتب السنة النبوية بالمئات .
فالأئمة داخل المذاهب وضحوا هذا الاختلاف ، ووفقوا بين هذا التعارض ، وقدموا لك الحكم خالصاً من كل شوب ، ثم بدلاً من أن نسأل الله أن يجزيهم خير الجزاء يأتي من يقول : هل أعمل بقول الشافعي أم بقول رسول الله ؟ وهل عمل الشافعي إلا بقول رسول الله ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق