الأدلة المختصرة على جواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف :
بسم الله، وبعد:
فإنّ من أعظم النعم التي منَّ الله بها على العالمين بعثةُ سيد الأولين والآخرين، محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، رحمةً مهداةً ونعمةً مسداةً، به أخرج الله الناس من الظلمات إلى النور، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
ولقد وقع الكلام في مسألة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، أهو من البدع المنكرة أم من القربات المشروعة؟ فجاءت أقوال الأئمة المحققين وشواهد النصوص الشرعية لتُثبت أنه من البدع الحسنة، ومن القربات المستحسنة، إذ فيه إظهار الفرح والسرور بقدوم الحبيب المصطفى، وذكر سيرته العطرة وشمائله المطهرة.
وفيما يلي جملة من الأدلة :
الدليل الأول: اجتماع الأنصار لشكر الله على نعمة الإسلام :
ذكر ابن تيمية عن محمد بن سيرين:
"ثبت أن الأنصار قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قالوا: لو نظرنا يوماً فاجتمعنا فيه فذكرنا هذا الأمر الذي أنعم الله به علينا .. فقالوا: يوم السبت... ثم قالوا: فيوم العروبة (الجمعة)... فاجتمعوا في بيت أبي أمامة بن زرارة رضي الله عنه فذبحت لهم شاة فكفتهم".
قال ابن الحاج في الاستدلال بذلك على المولد:
"أليسوا احتفلوا بيوم معيَّن يشكرون الله به على ما أنعم عليهم؟ فهذه بدعة حسنة، وعمل المولد بدعة حسنة، ونحن نعمله شكراً لله على هذه النعمة العظيمة، وما هو هذا الأمر الذي أرادوا تذاكر ما أنعم الله به عليهم ومن ثمّ الاحتفال بأكل شاة؟ أليس ذلك الأمر هو نعمة الإسلام؟ ومن جاءنا بالإسلام إلا سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟!".
---
الدليل الثاني: فضل يوم الجمعة وما تضمنه من أحداث .
قال القاضي:
"وقد عظم الله هذا اليوم ففرض على عباده أن يجتمعوا فيه... وقالت اليهود: يوم السبت، وقالت النصارى: يوم الأحد... ووفق الله هذه الأمة فعينوا الجمعة لأنه يوم خلق الإنسان".
فكما عُظِّم يومٌ لحادثة جليلة، فالفرح بيوم ميلاد سيد المرسلين أولى وأحق.
---
الدليل الثالث: في مسألة أول من أحدث المولد
من الخطأ الجزم بأن الفاطميين هم أول من احتفل بالمولد، فقد ذكر أهل التاريخ غير ذلك. ومنهم ابن كثير حيث قال في البداية والنهاية عن الملك المظفر أبي سعيد كوكبري:
"كان يعمل المولد النبوي الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاً هائلاً... وكان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء والصوفية...".
فهذا شاهد على أن عمل المولد لم يكن من اختراع زنادقة الفاطميين، بل أحدثه ملك صالح أثنى عليه العلماء.
---
الدليل الرابع: عمل العلماء بعد القرون المفضلة.
قال السخاوي:
"لم يفعله أحد من السلف في القرون الثلاثة، وإنما حدث بعد، ثم لا زال أهل الإسلام من سائر الأقطار والمدن الكبار يعملون المولد، ويتصدقون في لياليه...".
وقال ابن الجوزي:
"من خواصه أنه أمان في ذلك العام، وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام".
---
الدليل الخامس: انتفاع أبي لهب بفرحه بمولد النبي صلى الله عليه وسلم .
جاء في صحيح البخاري أن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه رأى أبا لهب بعد موته في المنام، فقال:
"ما لقيت بعدكم راحة إلا أن العذاب يخفف عني كل يوم اثنين، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد يوم الإثنين وكانت ثويبة بشرت أبا لهب بمولده فاعتقها".
فقال الحافظ الدمشقي:
إذا كان هذا الكافر جــــاء ذمــــه بتبت يداه في الجحيم مخلـــدا
أتى أنه في يوم الإثنيـــــن دائمـــاً يخفف عنه للســرور بأحمـــدا
فما الظن بالعبد الذي كان عمره بأحمد مسروراً ومات موحدا
---
الدليل السادس: صوم يوم الاثنين
في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الاثنين، فقال:
"ذلك يوم وُلدت فيه، وفيه أُنزل عليَّ".
فهذا نص صريح في تعظيم يوم مولده صلى الله عليه وسلم وشكر الله فيه.
---
الدليل السابع: الأمر بالفرح بفضل الله ورحمته .
قال تعالى:
﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ [يونس: 58]
وقد قال المفسرون: الفضل هو القرآن، والرحمة هو محمد صلى الله عليه وسلم، فهو أعظم رحمة امتن الله بها على العالمين.
---
الدليل الثامن: ملاحظة الزمان وربطه بالحادثة
كما في صيام عاشوراء شكراً لنجاة موسى عليه السلام، قال الحافظ ابن حجر:
"فأي نعمة أعظم من بروز هذا النبي نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم؟".
---
الدليل التاسع: أن المولد بدعة حسنة
قال ابن حجر:
"كل ما لم يكن في زمنه صلى الله عليه وسلم يسمى بدعة، لكن منها ما يكون حسناً ومنها ما يكون خلاف ذلك".
وقال الشافعي:
"البدعة بدعتان: بدعة محمودة وبدعة مذمومة، فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم".
وعليه فالاحتفال بالمولد من البدع المستحسنة.
---
الدليل العاشر: أنه يبعث على الصلاة والسلام على النبي
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي...﴾ [الأحزاب: 56]
فكل ما يبعث على كثرة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فهو مطلوب شرعاً.
---
الدليل الحادي عشر: ذكر سيرته وشمائله ومعجزاته
المولد يتضمن بيان أخلاقه الشريفة ومعجزاته الباهرة، وقد كان الصحابة يمدحونه بالشعر في حياته وبعد وفاته، كحسان بن ثابت رضي الله عنه وغيره.
---
الدليل الثاني عشر: إجماع الأمة العملي :
قال ابن مسعود:
"ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن".
وقد استحسن المسلمون المولد في سائر الأمصار والأعصار.
الخاتمة :
وبذلك يتضح أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف له أصول راسخة، وأدلة كثيرة، وأقوال أئمة معتبرة، وهو من البدع الحسنة التي تجمع بين شكر الله على نعمة بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وتعظيمه وإظهار محبته، والإكثار من الصلاة والسلام عليه، وذكر شمائله ومعجزاته.
فهو اجتماع على خير، ومظهر للوفاء، وسبيل لزيادة المحبة والإيمان، داخل تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم:
"من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده".
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
.......
جماعة لم يفعله النبي والصحابة ..
مع نفسكم ..
اهبدوا في التعليقات كما تريدون
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق