الخميس، 2 سبتمبر 2021

حكم صبغ الشعر بالسواد ؟!

 حكم صبغ الشعر بالسواد :


اختلف العلماء في هذه المسألة علي أقوال :
أولها : الكراهة .
وهو مذهب المالكية والحنابلة ، وقولٌ عند الحنفية والشافعية اعتمده جماعة من أصحابهم .
وثانيها : التحريم .
وهو قول عند الشافعية صَوّبه النووي رحمه الله وجماعة .
فعند الشافعية روايتان ، والمشهور يكره،
وقيل: يحرم" .
لكن قال السفاريني رحمه الله في : ((شرح ثلاثيات المسند)): " قال في : ((الفروع)) : (وللشافعية خلاف) ، ومُعْتَمد مذهبهم الآن : الحرمة" ا.هـ.
والمنقول عن : ((الفروع)) لابن مفلح رحمه الله مسبوق بقوله فيه: " ويكره بسواد ، وفـاقاً للأئمة، نص عليه - أي : الإمام أحمد رحمه الله -" ا.هـ .
مع قوله في : ((الآداب الشرعية)): " وعند الشافعية يستحب خضاب الشيب للرجل والمرأة بصفرة أو حمرة ، ويحرم بالسواد على الأصح عندهم " ا.هـ .
وثالثها : الجواز .
وهو قول عند الحنفيـة ،
قال في : ((حاشية ابن عابدين)): " وبعضهم جوَّزه بلا كراهة - يعني : الخضاب بالسواد - رُوي عن أبي يوسف أنه قال :(كما يعجبني أن تتزين لي ، يعجبها أن أتزيَّن لها)"
وقال في : ((الحاشية)) أيضاً : "والأصح أنه لا بأس به في الحرب وغيره" ا.هـ .
القول الرابع : جوازه للمرأة دون الرجل :
وَصْلٌ : قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في : ((فتح الباري)): " ومنهم - أي : العلماء - من فَرَّق ذلك بين الرجل والمرأة ، فأجازه لها دون الرجل . واختاره الحليمي" ا.هـ .
والأصح والأَقْوى في المسألة : الجواز مع الكراهة دون تحريم .
وبه قال الجمهور والأكثر ،
وجعله ابن عبد البر -رحمه الله-: قولَ أهل العلم ؛ حيث قال في : ((الاستذكار)):
"وأما قول مالك في الصبغ بالسواد : ( إنَّ غيره من الصبغ أحب إليه ) فهو كذلك؛ لأنه قد كَرِه الصبغَ بالسواد أهلُ العلم"ا.هـ.
وبه جزم الموفق ابن قدامة رحمه الله في : ((المغني)) ، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في : ((شرح العمدة)) ، وابن قيم الجوزية رحمه الله في : ((تهذيب السنن)) ، في آخرين . أفاده ظاهر كلامهم .
#دليل الكراهة :
ودليل ذلك مركَّب من شيئين :
أولهما : ما جاء عن جَمْع من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أنـهم كانوا يخضبون بالسواد ويُجوِّزونه ، ومنهم :
ـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
حيث أخرج الحكيم الترمذي رحمه الله في : ((المنهيات)) بسنده إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : " اختضبوا بالسواد ؛ فإنه آنس للنساء وهيبة للعدو " .
وله طريق آخر عند ابن أبي الدنيا رحمه الله في : (( العمر والشيب)) ، وابن قتيبة رحمه الله في : ((عيون الأخبار)) ، وكذا غيره .
ـ عثمان بن عفان رضي الله عنه .
أخرجه عنه الدولابي رحمه الله في : ((الكنى)) بسنده إلى ابن أبي مليكة : أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يخضب بالسواد" .
ـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
رواه عنه ابن الجوزي - رحمه الله - في : ((الشيب والخضاب)) بسنده إلى عبد الله بن حسن عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : "عليكم بهذا الخضاب الأسود ، فإنه أهيب لكم في صدور أعدائكم ، وأعطف لنسـائكم عليكم " .
ـ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه .
حيث أخرج الطبراني - رحمه الله - في :
(( المعجم الكبير )) عن سعيد بن المسيب : " أن سعد بن أبي وقاص كان يخضب بالسواد " . وله طريق أخرى عند الطبراني أيضاً .
ـ عمرو بن العاص رضي الله عنه .
فقد أخرج الحاكم - رحمه الله - في : ((المستدرك)) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : (( أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهرأى عمرو بن العاص وقد سوّد شيْبه ، فهو مثل جناح الغراب . فقال : ما هذا يا أبا عبد الله ؟ فقـال : أمـير المؤمنين أُحِب أن تُرى فيَّ بَقِيَّة . فلم يَنْهه عمر رضي الله عنه عن ذلك ولم يُعِبْه عليه )) .
ـ المغيرة بن شعبة رضي الله عنه .
أخرجه ابن الجوزي في : ((الشيب والخضاب)) بسنده إلى عباس بن عبد الله بن معبد بن عباس قال : " أول من خضب بالسواد : المغيرة بن شعبة رضي الله عنه " . وله شاهد عنده أيضاً.
ـ جرير بن عبد الله رضي الله عنه .
رواه عنه الطبراني في : ((المعجم الكبير)) بسنده إلى سليم أبي الهذيل أنه قال : " رأيت جرير بن عبد الله يَخْضب رأسه ولحيته بالسواد " .
ـ عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه .
فقد أخرج الطبراني في : ((المعجم الكبير)) وغيره من طريق الليث بن سعد عن أبي عشانة المعافري أنه قال : " رأيت عقبة بن عامر يخضب بالسواد " .
وآخرون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
ويُلْحق بذلك ما جاء عند الطبراني في: ((المعجم الكبير)) عن عبد الرحمن بن برزج قال : "رأيت الحسن والحسين رضي الله عنهما ابني فاطمة رضي الله عنها : يخضبان بالسواد". وله طرق أخرى .
وما أخرجه ابن سعد رحمه الله في ((الطبقات)) بسنده إلى سعيد المقبري أنه قال : "رأيت أبناء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغون بالسواد، منهم : عمرو بن عثمان بن عفان " .
وعلى كُلٍّ فالآثار في ذلك مشهورة وإن لم يَصِح بعضها ،
قال القرطبي رحمه الله في ((المُفْهِم)): " بل قد رُوي عن جماعة كثيرة من السلف أنهم كانوا يَصْبغون بالسواد " ا.هـ .
وقال ابن القيم رحمه الله في ((زاد المعاد)) : "صَحّ عن الحسن والحسين رضي الله عنهما أنهما كانا يخضبان بالسواد .
ذكر ذلك عنهما ابن جرير في كتاب : ((تهذيب الآثار)) ، وذكره عن عثمان بن عفان ، وعبد الله بن جعفر ، وسعد بن أبي وقاص ، وعقبة بن عامر ، والمغيرة بن شعبة، وجرير بن عبد الله ، وعمرو بن العاص . وحكاه عن جماعة من التابعين ، منهم : عمرو بن عثمان وعلي بن عبد الله بن عباس ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وعبد الرحمن بن الأسود ، وموسى بن طلحة ، والزهري ، وأيوب، وإسماعيل بن معدي كرب . وحكاه ابن الجوزي عن محارب بن دثار ، ويزيد ، وابن جريج ، وأبي يوسف ، وأبي إسحاق ، وابن أبي ليلى ، وزياد بن علاقة ، وغيلان بن جامع ، ونافع بن جبير ، وعمرو بن علي المقدمي ، والقاسم بن سلام " ا.هـ .
والدليل الثاني : ما أخرجه مسلم في : ((صحيحه)) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال : أُتي بأبي قحافة يوم فتح مكة ، ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( غَيِّروا هذا بشيء واجتنبوا السواد )) .
وفيه النهي عن السواد، وأقلُّ درجاته الكراهة ، وعليها يُحْمل الحديث جمعاً بينه وبين ما سبق عن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم .
قال ابن القيم - رحمه الله -في ((أعلام الموقعين)) حاكياً عن البيهقي قوله : " وفي الرسالة القديمة للشافعي - بعد ذكر الصحابة وتعظيمهم - قال : وهم فوقنا في كل علمٍ واجتهادٍ ، وورعٍ وعقلٍ ، وأمرٍ استُدْرِكَ به علم ، وآرائـهم لنا أحْمَدُ وأولى بنا من رأينا " انتهى المراد .
ومن ثَمّ قال ابن القيم -رحمه الله -في : ((تهذيب السنن)) : " وأما الخضاب بالسواد : فكرهه جماعة من أهل العلم ، وهو الصواب بلا ريب " ا.هـ .
.............
فـائـدة :
قيل : إن لفظة : (واجتنبوا السواد) في الحديث : مُدْرَجة ، وليست من قوله صلى الله عليه وسلم ، وقد حكى ذلك وجوابه جماعة ، ومنهم : المباركفوري - رحمه الله - في :
((تحفة الأحوذي)) حيث قال حاكياً ذلك : " إن قوله : ( واجتنبوا السواد ) مُدْرَج في هذا الحديث ، وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم .
والدليل على ذلك أن مسلماً روى هذا الحديث عن أبي خيثمة عن أبي الزبير عـن جابر إلى قوله : (غَيَّروا هذا بشيء) فحسب ، ولم يزد فيه قوله: (واجتنبوا السواد).
وقد سأل زهير أبا الزبير هل قال جابر في حديثه : (جنبوه السواد) ؟ فأنكر ، وقال : لا .
ففي ((مسند أحمد)) : حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا حسن وأحمد بن عبد الملك قالا حدثنا زهير بن أبي الزبير عن جابر ، قال أحمد في حديثه : حدثنا أبو الزبير عن جابر ، قال : أُتي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بأبي قحافة ، أو : جاء عام الفتح ، ورأسه ولحيته مثل : الثغام ، أو : مثل الثغامة .
قال حسن : فأمر به إلى نسائه ، قال: غَيِّروا هذا الشيب .
قال حسن : قال زهير : قلت لأبي الزبير : قال: (جنبوه السواد)؟ قال: لا . انتهى .
وزهير هذا هو زهير بن معاوية المُكَنَّى بأبي خيثمة أحد الثقات الأثبات ، وحسن هذا هو حسن بن موسى أحد الثقات .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق