.............................. وقفة تأمل وتألُّم
............................
ـــــــــــ المُدَاهَنَةُ لا دين لها ولا رُجُولَة فيها
ـ يقول الحَقّ سبحانه: ۞وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ۞9 القلم.
ـ المداهنة: هي المُجَامَلَة والتَّصَنُّع، ونقول: دَهَنَ الرَّجُلَ أيْ خَدَعهُ واستعمل معه النفاق، ومعناها بالدارجة الجزائريّة: الشِّيتَة، وهذه الظاهرة الخبيثة ليْسَتْ وليدة اليوم، ولا صنيعة الأمس، وإنّما هي ظاهرة قديمة، تعني موافقةُ أهلِ الباطلِ على باطلهم، وتحسين فسادهم وضلالهم وتزيينه للنّاس.
ـ والدُّهْنُ مادّة تدلّ على شدّة اللطافة واللينة، كوضع الدهن على البُرْغِيّ Le boulon حتَى يُسهل تدويره بالمفك.
ـ إنّ سبب نزول الآية بصيغة الأمر هو تحذير رسوله ﷺ مداهنة المشركين، وقد عرضوا عليه أن يشاركهم في عبادة آلهتهم سنة، وهم يعبدون ربّ العِزّة سنة واحدة، وذلك على حد سواء، ولكن الحقّ سبحانه منعَهُ مِن تلك المُداهَنَة، وهي غير المدارات الّتي فيها الخُلُق والحكمة والنصيحة، ويرفض الدين تبادل التسويات والثناء على الباطل والظلم والجور، لأنّ المُداهَنَة تحمل بين طياتها طابع التزلف طلبًا لرفعة أو مكانة أو رضا مرغوب أو مرهوب.
ـ معاني المُداهَنة وصفات المُداهِن:
ـ المُداهَنة: أنْ يتخلى المَرْء عن مبادئه مِن أجْلِ مصلحة دُنْيَوِيّة دنيئة.
ـ المُدَاهِن: تدفعه حفنة مِن النقود لبيع نفسه، ثم يتحوّل لمُهَرِّج يثير الشّفقة.
ـ المُداهِن: لا ضمير له، يُظهر المصانعة واللّيْن لأهل الباطل، ويتلطف ويساومهم ليقرهم على باطلهم، مِن أجل كسب دُنْيَوِيٌ حقير.
ـ المُداهَنة: أسلوب ذميم يُؤَدِّي إلى التنازل عن الحَقّ والإعتراف الضمني للباطل.
ـ يثني المُدَاهِنٌ في وجه الرجل، فإذا انصرف عنه أطلق لسانه في ذمه وقدحه وتكلّم عنه بسوء وذكر مساويه، وهو نوع مِن النفاق يتنازل فيه العبد عن الحقّ والقضايا المصيرية، ويكشف نظام الـ VAR في كلّ مرة سريرتهم المبيتة، ويفضح مكرهم المستور مهما كان خفيًا ومُستحسنًا!
ـ يتميّز المُدَاهِنٌ بصفات قبيحة ومُقرفة، تجعله متناقضًا في كلامه وغير منسجمًا مع ملكات نفسه! ويقول بلسانه ما لا يعتقد به قلبه، ويُظهر للعيّان غير ما يبطن في ذاته، ومِنْ شدّة تصنعه بالكذب يصبح لا يُدرك خداعه لنّفسِهِ، ولا يَعِي أنّ الناظر إليه والسّامع له يُدرك أنّه كاذب أو بالأحرى كذاب..!
ـ ومِن حِكْمَة الحكيم المتعال أنْ يكشف لنا هؤلاء على شَرّ حقيقتهم وسوء سريرتهم رغم أنّهم يحرصون على أنْ لا تفلت مِنْهُم كلمة مدح بالخطأ فيفضحون بذلك ضمائرهم الميتة بَيْنَ النّاسِ، وإذا إقتضى الأمر يحلفون بالإيمان المغلظة حتَى لا يتركون شكًا في حُبّهم المتفاني لمصلحة البلاد والعباد، ولا شبهة في قيمهم الراسخة الّتي لا تقبل التناقض أبدًا، فهم يعيشون زيف الزائف وورع القلب البارد، ولا يجدون سلامًا مع أنفسهم لأنّهم يصارعون الفطرة السّليمة بقبح الشيتة المقيتة في خداع النّاس بالمداهنة!
ـ ولكن لماذا هذه المُداهَنة الّتي تقترب كثيرًا مِن النفاق؟
ـ مِنْ أجل لعاء دُنْيَوِيّ بالي ورخيص وفاني؟! أو مِنْ أجَلِ منصب تتركه يومًا ما وفي قبرك ستُنصب..؟!
ـ تزداد هذه المداهنة مع الزمن ما دام فيه مصالح دنيا ومادة، وتجارة مزجات بحجم الكعكعة التي ُصنعت وجُهزت من دموع الفقراء ونياح الأيتام وأنين الحفاة الجياع وكظم قلب الّذي يفكر في الإنتحار بسبب هؤلاء الأشرار!
ــ تبًا لخبز عُجن ملطّخا بالشّبهات والموبقات، بالذل والمسكنة، والمواقف الممزوجة بالدجل والنفاق، وضياع القيم وموت المبادئ، فما أهونهم على الله تعالى!!!
ـ إنّ الموت خير مِن ركوب العار والعار خير مِن دخول النار.
ـ إذًا المداهنة ـ(الْشِّيتَة) لابد لها من داهن فاعل عليم اللّسان، ومُدهن يشعر بنشوة الشّعراء المداحين له، فاحثُوا في وجوه المدَّاحينَ التُّرابَ!
ـ إن الإنسان العظيم بمبادئه العالية، يستقيم معه جسده وعقله ووجدانه، ويستوي معه العقلاء مِن الخلق السَّويُ ۞بَشَرًا سَوِيًّا۞ في نظرته وبسمته وحديثه وملبسه وملامح وجهه.. وقد يكون داهنًا صغيرًا، ضعيفًا منحنيًا، حقيرًا ذليلاً، يظهر للعيان بلين كلامه المصطنع وبهرج خطابه المزوّر، فيجبر ظَهْرِه أنْ ينحني وتنقص قيمته الإنسانيّة وتنحط منزلته إلى مستوى الدناءة والوضاعة.
ـ عش كريمًا وقد خُلقت كريمًا مِن ربّ كريم، وصن نفسك واحملها على ما يزنها تعيش سالمًا وَالقَولُ فيكَ جَميلُ، واعلم أنّ المدَاراة خصلة مدح، والمداهنة صفة ذم والأولى لأهل الإيمان، والثانية لأهل النفاق.
ـ أستغرب وأتعجب مِنْ مَن يشيّت بثمن، ولكن يحيرني مَن يشيّت دون ثمن
ـ اللَّهُمَّ ارزقنا الشجاعة في قول الحقّ ومجابهة الباطل، واعصمنا مِن مداهنة أهل الباطل وممالأتهم.
ـ أفنيْتُ عُمْري أتَعَلم حتَّى لا أتألّم، فوجَدْتُ نَفْسيّ أتألّم ولا أتعَلم
ـ نور الدين بن عبيدي.
ـ facebook: Nour Eddine Benabidi.
ــ # المُدَاهَنَةُ والخِداع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق