حكم الحج والعمرة بالتقسيط: دراسة فقهية
ا.د. محمد طه حمدون السامرائي

ومن أبرز هذه الصور ما يتعلق بأداء تكاليف الحج والعمرة بنظام التقسيط. وقد ثار التساؤل حول مدى مشروعية هذه المعاملة في الفقه الإسلامي.

وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز الزيادة في الثمن نظير الأجل المعلوم، وهذا ما يُعرف بـ "المرابحة للآجل". فالأجل، وإن لم يكن مالاً حقيقة، إلا أنه يُزاد في الثمن لأجله في باب المرابحة، وذلك بقصد حصول التراضي بين الطرفين على ذلك، ولعدم وجود موجب للمنع الشرعي، ولحاجة الناس الماسة إلى هذا النوع من المعاملات، سواء كانوا بائعين أو مشترين.



لا يقتصر حكم جواز البيع بالتقسيط وزيادة الثمن للأجل على الأعيان المادية فحسب، بل يمتد ليشمل المنافع والخدمات.

فقد قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (5/251، ط. دار إحياء التراث العربي): "والمنافع بمنزلة الأعيان؛ لأنه يصح تمليكها في حال الحياة وبعد الموت، وتضمن باليد والإتلاف، ويكون عوضها عينًا ودينًا، وإنما اختصت باسم كما اختص بعض البيوع باسم، كالصرف والسلم".
وقال الفقيه ابن حجر الهيتمي الشافعي في "فتاويه" (3/93، ط. المكتبة الإسلامية): "المنافع كالأعيان؛ فالقيمة فيها ذاتية، وُجِد راغبٌ بالفعل أم لا".
وعليه، فإن الخدمات التي يُتعاقد عليها، كخدمات تنظيم الرحلات، تُعامل معاملة السلعة في جواز التعاقد عليها بثمن حالّ أو مؤجل.

إن رحلات الحج والعمرة المنظمة في صورتها المعاصرة، والتي تتضمن تكاليف محددة سلفًا من انتقالات وإقامة ورسوم موانئ ونحوها، وتتم فيها الاتفاقات بوضوح بين الجهة المتعهدة بالرحلة والحاج أو المعتمر، لا تعدو أن تكون نوعًا من الخدمات.
وهذه الخدمات، كما سبق بيانه، تأخذ حكم السلعة في إمكانية التعاقد عليها بثمن حالّ أو مقسّط، سواء بمقدم أو بغير مقدم، وبزيادة في السعر مع التقسيط أو بغير زيادة.
فالتعاقد على هذه الخدمات هو من قبيل التعاقد على المنافع أو المنافع والأعيان معًا، وهذا جائز شرعًا بناءً على القواعد الفقهية المذكورة.

يُضاف إلى ما سبق جواز دخول جهة ثالثة أو أكثر في عملية التمويل أو الوكالة أو السمسرة لهذه الرحلات.
فإذا قامت جهة ممولة بدفع تكاليف الرحلة حالًا للجهة المنظمة، ثم قامت بتحصيل هذه التكاليف من المستفيد من الرحلة (الحاج أو المعتمر) على أقساط مع زيادة في الثمن مقابل الأجل، فلا مانع شرعًا من ذلك.
وذلك لتوسط الخدمات المعلومة القدر والوقت، والتي تقوم مقام السلعة في هذه المعاملة، مما يخرجها عن دائرة الربا المحرم.

وذلك لأن هذه المعاملة تندرج تحت باب المرابحة للآجل، حيث تُعامل الخدمات معاملة السلع في جواز البيع بالتقسيط وزيادة الثمن مقابل الأجل، مع انتفاء شبهة الربا لتوسط الخدمة المعلومة.
وهذا الحكم يراعي حاجة الناس وتيسير أداء الشعائر الدينية عليهم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق