يحتج بعض الجهلة بحديث كل بدعة ضلالة و"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" لتحريم الفرح بمولد نبي ﷺ الجواب : لا دليل في الحديثين على ذلك، لأن المحدث والبدعة في الحديثين مراد بهما الاستعمال الشرعي لها وهو المحدث الذي يتعارض مع النصوص والأصول الشرعية، فذلك هو بدعة الضلالة كما أوضحه الشافعي إذ إنها بمخالفتها للنصوص والأصول الشرعية تكون خارجة عن شرعه ( صلى الله عليه وسلم ) وعلى خلاف منهج تشريعه .
أما المحدث والبدعة بالإطلاق اللغوي وهو الأمر المبتدأ على غير مثال من أمور تجد على الأمة بعد العهود الأولى، فمنه المردود وهو بدعة الضلالة السابقة ، ومنه المقبول لحديث: "من سن سنةً حسنة عمل بها بعده فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة عمل بها بعده فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة".
ولذا فإنه جمعاً بين الأحاديث يتضح أن الكلية في حديث: "كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" لا يشمل كل أمر مبتدأ إذا لم يعارض النصوص ولا الأصول الشرعية فإن ذلك محمود غير مذموم بنص حديث: "من سن سنة حسنةً" .
إنما تسري الكلية في حديث: "كل محدثة بدعة" على ما يسميه الشرع محدثاً باصطلاحه وعرفه، وهو الذي يعارض النصوص والأصول الشرعية، وهو بدعة الضلالة كما قلنا وهي شر كلها .
والمولد هو من القسم المقبول بالإطلاق اللغوي، لأنه لا يضاد أصلاً من مقاصد التشريع، ولا دليلاً من دلائله، بل هو مندرج تحت أصل شرعي .
ومن يزعم أنه يعارض شيئاً من النصوص أو الأصول الشرعية فعليه أن يسوقها سياقةً تدل على المطلوب لا بسرد الآيات والأحاديث التي هي بعيدة عن دعوى تحريم المولد بها أو أنه من بدع الضلالة .
وأما قولهم أن التعظيم والشكر لا يتم بالإحداث في الدين، فثبوت هذا يتوقف على ثبوت أن المولد من المحدثات الممنوعة في الدين، ودون إثبات ذلك خرط القتاد .
اللهم إلا أن يكرروا الاستدلال على ذلك بحديث: "كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" وأمثاله مما بينا أنه لا دليل فيه على ذلك، فيكون الأمر منهم عوداً على بدء، وتكراراً ممجوجاً –كما هو في ديدنهم.
التويجري يسوق لتحريم المولد آيات لا دلالة فيها على ذلك :
ساق التويجري في كتابه "الرد القوي" ص 6 آيات جعلها دليلاً على تحريم الموالد وهي بعيدة عن ذلك كل البعد .
فسرد قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم} ثم قال: إنها رد على من ابتدع بدعة يزيد بها في الدين ما ليس منه . اهـ .
وسبق القول أنه ليس ثمة من ادعى أن المولد أمر تعبدي، أو
دين ألزم الناس بالأخذ به، أو أوجب الاجتماع لإقامته، أو أوجب على الناس حضوره .
بل هو عندهم مزاولة نشاط اجتماعي لغايات دينية، ولم ينه عنه الشارع صيرته النية قربى بنية تحقيق تلك الغايات، شأن جميع أعمال المسلم الأخرى التي لم يضعها الله للتعبد بها تصير قربى إن نوى بها التقرب .
وسرد قوله تعالى: {وما ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } ثم قال: والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) لم يأمر أمته أن يتخذوا يوم مولده عيداً وقد نهاهم عن البدع وحذرهم منها .اهـ .
وأقول: ليس في الآية: {وما ءاتاكم الرسول فخذوه }دلالة على أن مالم يأمر به لا يكون إلا محرماً.
ففي حديث البخاري: " دعوني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم" ويفسره حديث البزار والطبراني بسنديهما عن أبى الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول ( صلى الله عليه وسلم ) : " ما أحل الله فى كتابه فهو حلال ، وما حرم فهو حرام ، وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئا" ثم تلا: {وما كان ربك نسيا }.
فرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لم يقل يا صاحب "الرد القوي" كما قلت واستنبطت : أن ما لا يأمر به الله هو محرم ، بل المعتبر أن الحرام ما ورد نص بتحريمه، أو دلت الشريعة على تحريمه باستعمال الأدلة الشرعية بلا تعسف ولا تكلف، والفرض ما دلت الشريعة على فرضيته ، والسكوت عنه يدل على العفو إلا أن يرد حكم بشأنه من نص أو إجماع أو استنباط بإحدى طرق الاستنباط المعتبرة عند الفقهاء.
وأما قولكم: إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد نهى وحذر فقد سبق أن بينا لك ولأمثالك معنى المحدث، ومعنى البدعة التي نهى الله عنها فاستفد من ذلك وكن من الشاكرين .
وسرد أيضا قوله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره} ثم قال: ففيها تخذير مخالفة سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته .
قال: وفي الآية تهديد ووعيد لمن خالف الأمر الذي كان عليه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بزيادة على المشروع أو نقص عنه . فالاحتفال بليلة المولد واتخاذها عيدا لم يكن من هدي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وإنما هو من المحدثات ، فهو داخل فيما حذر الله منه ولو كان في الاحتفال خير لسبق إليه الصحابة .اهـ .
وأقول : لما لم يفهم الوهابيون المراد من وصفه ( صلى الله عليه وسلم ) للفرقة الناجية: "بأنها هي التي تكون على مثل ما هو عليه ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه" أكثروا في كل أمر يريدون سلكه في سلك "بدع الضلالة" من التعبيرات: "ما فعله النبي ( صلى الله عليه وسلم )، ما فعله الصحابة، ما فعله التابعون، لو كان خيرا لسبقنا إليه الصحابة".
وفرق كبير بين قوله ( صلى الله عليه وسلم ): "على مثل ما أنا عليه وأصحابي" وبين تعبيراتهم هذه.
فالأول: يعني عدم قبول ما أحدث على خلاف مناهجهم وطرقهم في استنباط الأحكام من الأدلة، أي عدم قبول ما يصادم قواعد الشرع ، فذلك هو المخالف لما هو عليه وأصحابه ، وهو الذي ليس من دينه ( صلى الله عليه وسلم )، وليس من أمره ولا سبيله ولا منهاجه ولا طريقته ولا سنته ولاشريعته.
وأما ما يرددون من عبارات فهو يعني أنه لا يقبل جديد من الحوادث مما يجد على الأمة من بعده ، وبعد الصحابة، وهذاجمود لا
يتناسب مع شمول شريعته ( صلى الله عليه وسلم ) لما كان وما سيكون من الحوادث.
فحصر السنة على ما وجد في العهود الثلاثة الأولى، وجعل ما حدث بعدها بدعة ضلالة، دون نظر إلى معارضة ذلك لقواعد الشرع أو عدم معارضته لا يذهب إليه إلا جامد متحجر.
وحري بالقلة التي أكثرت من تلك التعبيرات وزعمت أن كل جديد بعد العهود الثلاثة هو بدعة ضلالة أن تتهم بسوء الفهم وبالشذوذ.
وقد وضحنا في مبحث البدعة أن المحدث في اصطلاح الشرع وعرفه هو المحدث الذي يعارض النصوص والأصول، وهذا هو الذي ينطبق عليه: أنه المخالف لشرعه والخارج عن أمره ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته.
والآية التي سردها إنما تحذر من مثل هذا. وأما ما لا يصادم نصا ولا أصلا شرعيا، وتتحقق به مصلحة مناسبة للتشريع، فليس من المحدث المعني في حديث: " كل محدثة بدعة"، ولا في: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه رد"، وليس مذموما ولو وقع بعد العهود الثلاثة، ولا خارجا عن الشرع، ولا عن أمره ( صلى الله عليه وسلم ) ، ولا عن طريقته وسنته ومنهج تشريعه.
وإلى هذا القسم الإشارة بقوله ( صلى الله عليه وسلم ) " من سن سنة حسنة " (الحديث).
فلا يقال في مثل هذا: إن فاعله قد خالف الأمر الذي كان عليه( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه ولا خارجا عن هديه فهو بعيد عن مفهوم الآية التي ساقها.
وسرد أيضا قوله تعالى :{اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء} ثم قال: فاتخاذ ليلة المولد عيدًا هو من اتباع الأولياء الذين ابتدعوا إحياء ليلة المولد.
كما سرد أيضا قوله تعالى :{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله} ثم قال: واتباعه لا يحصل إلا بالتمسك بهديه وترك ما ابتدعه المبتدعون من بعده.
وأقول :حيث لم يقم على تحريم المولد حتى الآن أي دليل ناهض، ولا أنه مخالف لهديه ( صلى الله عليه وسلم )، ولا على أنه يعارض نصا أو أصلا شرعيا، بل هو مندرج تحت مصلحة مناسبة للتشريع، فإلى أن يجد المستدل الدليل الناهض على بدعية المولد فبإمكانه حينئذ أن يستدل بالآيتين على اجتنابه لا قبل ذلك.
وعلى ضوء هذا قل لي: من هو الأحق بوصف المبتدع، هل هم السواد الأعظم من العلماء الذين تلقوا المولد بالقبول وألف فيه أو رد على منكريه منذ نشأته إلى اليوم من أمثال الحفاظ: ابن دحية وأبي شامة والعراقي وابن رجب الحنبلي والجزري وابن ناصر الدمشقي وابن حجر و السخاوي والسيوطي وملاعلى القاري وابن الديبع، وغيرهم من علماء الجامعات الإسلامية على توالي القرون في أزهر مصر، وزيتونة تونس، ومعاهد المغرب، وجُلُّ علماء المسلمين شرقا وغربا من الذين لا ينكرون على إقامة ذكرى المولد،ويحضرون مجالسه، وينافحون عن جوازه. أم الأحق بوصف الابتداع هم الفلول المحرمة له بدون برهان؟ مع قول ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه حين خطب بالجابية مما رواه الترمذي: "إياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد".
ليس كل بدعة ظلالة وحديث رسول الله صل الله عليه وسلم .. ليس على اطلاقه ؟؟؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق