الأحد، 30 أبريل 2017

حكم تلقين الميت بعد دفنه.. !؟

بسم الله الرحمن الرحيم
       رسالة في تربية الأجيال                                                                            سلسلة الرسائل الفقهية 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى أله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
تلقين الميت بعد دفنه
أما بعد
حذرنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من البدعة والابتداع في الدين وأمنا بالإتباع وعدم التفرق ، فعلينا السمع والطاعة ، ومحاربة البدعة بأفضل الوسائل ما لم  يؤدي إلى شر منها ، ومن باب النصيحة – أخي المسلم -- إذا رأيت من المسلمين عبادة أو عملا هو في رأيك ومبلغ علمك مخالف للكتاب والسنة أو كان مخالفا لرأي شيخك فالذي نرجوه منك هو أن لا تتسرع في الحكم عليهم أو على عملهم ذلك بالبدعة والابتداع قبل أن تطالبهم بالدليل والإطلاع عليه ، فالله سبحانه وتعالى قد علمنا أن نطلب الدليل حتى من الكافر على كفره فقال جل وعلاه : ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) .
فالواجب يقضي منك أن تستمع إلى أدلة مخالفك من غير تعصب أو هوى متبع أو ميل لشرب ، فالغاية هي رضى الله سبحانه لا غير .
وليكن شعارك شعار السلف الصالح : ( رأي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب ) .
والذي يخالفك أو يخالف رأي واجتهاد شيخك ومعه الدليل فقد وافق السنة والحمد لله .
ونقول لك – أخي المسلم – أن الأتباع أفضل من التقليد ولأجله كتبت هذه الرسالة الصغيرة جدا ، وهي جمع لبعض أدلة وأقوال بعض الأئمة والعلماء في مسألة تلقين الميت بعد دفنه ، عسى أن توضح ولو بصورة موجزة حقيقته ، ونشارك في توحيد صفوف المسلمين وعدم مفارقة بعضهم لبعض .
أ – أقوال بعض التابعين :-
عن اشد بن سعد ، وضمرة بن حبيب ، وحكيم بن عمر قالوا : إذا سوي على الميت قبره ، وانصرف الناس عنه كانوا يستحبون أن يقال للميت عند قبره : يا فلان ، قل : ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ثم ينصرف    رواه سعيد في سننه .
قال الشوكاني عن هذا الأمر :
( ذكره الحافظ في التلخيص وسكت عنه ، وراشد المذكور شهد صفين مع معاوية ضعفه ابن حزم ، وقال الدار قطبي يعتبر به ،والثلاثة كلهم من قدماء التابعين حمصيون ) ثم قال :
( قوله كانوا يستحبون ظاهرة ان المستحب لذلك الصحابة الذين أدركوهم ) * 1 *
وقد اعترف الشيخ الألباني بصحة هذا الاثر فقال :
( وكل ما ذكره البعض إنما هو أثر موقوف على بعض التابعين الشاميين ) *2 *
ب- قول بعض الصحابة :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية جوابا على سؤال في تلقين الميت في قبره بعد الفراغ من دفنه :
( هذا التلقين المذكور قد ثبت عن طائفة من الصحابة انهم امروا به كأبي أمامة الباهلي وغيره ) *3*
وقال في مكان اخر :
( بل ذلك مأثور عن طائفة من الصحابة كأبي أمامة ، ووائلة بن بن الاسقع ) *4 *
ج- قول بعض ا لأئمة :
قال الإمام ابن تيمية :
( فلهذا قال الإمام احمد وغيه من العلماء : ان هذا التلقين لابأس به فرخصوا فيه ولم يأمروا به ، واستحبه طائفة من أصحاب الشافعي واحمد ) *3*
فهذا بعض الصحابة وعض التابعين وبعض الأئمة كالإمام احمد وأصحابه وأصحاب الشافعي قد ثبت عنهم القول بهذا التلقين واستحبابه
وفي هذا رد واضح على من اعتبره بدعة في الدين ، وذلك لأن تعريف البدعة عند المانعين من هذا التلقين لا ينطبق عليه تمام الانطباق ، نقصد جزءه الذي يقول : لم يفعله السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة !

  • حديث مرفوع :
ويروي فيه حديث ضعيف ذكره الطبراني في معجمه من حديث أبي أمامة قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : إذا مات أحدكم فسويتم عليه التراب فليقم أحدكم على رأس قبره ثم يقول يافلان ابن فلانة يسمع ولا يجيب ثم يقول : يا فلان ابن فلانة الثانية فإنه يستوي قاعدا ثم ليقل يا فلان ابن فلانة يقول أرشدنا رحمك الله ولكنكم لا تسمعون ، فيقول اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة ان لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ، وبالقرآن إماما ، فإن منكرا ونكيرا يتأخر كل واحد منهما ويقول انطلق بنا ما يقعدنا عند هذا وقد لقن حجته ويكون الله ورسوله حجيجه دونهما فقال رجل يا رسول الله فإن لم يعرف أم ؟ قال ينسبه إلى أم حواء .
1-         ضعف الشيخ الألباني هذا الحديث فقال :
                                        (وهذا إسناد ضعيف جدا ) *5*
 وحكم الشيخ على هذا الحديث ليس من القطعيات التي يجب الاستلام لها وذلك :
أ‌-    لأنه كثيرا ما يتناقص أو يختلف في حكمه على حديث واحد ، فتارة يقول : ضعيف في مكان ، وأخرى يقول: ضعيف جدا ، في مكان آخر ، وليس هنا مجال إثبات ذلك مع أنه أصبح واضحا جدا .
ب‌-   ولأنه قد قال في تصحيحه لحديث سنده ضعيف بإعترافه :
( قلت : والحديث وإن كان إسناده ضعيفا فإنه لايدل على ضعفه وعدم ثبوته في نفسه لإحتمال إن له إسناده حسنا أو صحيحا أو إن له شواهد يدل مجموعها على ثبوت ) (6 )
2- ضعف الحديث أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية فقال :
( وروي فيه حديث عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لكنه مما لا يحكم بصحته ) (1 ) .
ولكنه قال في مكان آخر :
( فمن اعتقد أن كل حديث صحيح قد بلغ كل واحد من الأئمة ، أو إماما معينا ، فهو مخطىء خطأ فاحشا قبيحا .
ولا يقولن قائل : أن الأحاديث قد دونت وجمعت ، فخفاؤها – والحال هذه – بعيد لأن هذه الدواوين المشهورة في السنن إنما جمعت بعد انقراض الأئمة المتبوعين رحمهم الله .
ومع هذا فلا يجوز أن يدعى الحصار حديث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في دواوين معينة .
ثم لو فرض انحصار حديث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فليس كل ما في الكتب يعلمه العالم . ولا يكاد ذلك يحصل لأحد بل قد يكون عند الرجل دواوين الكثيرة ، وهو لا يحيط بما فبها .
بل الذين كانوا قبل جمع هذه الدواوين كانوا أعلم بالسنة من المتأخرين بكثير لأن مما بلغهم – وصح عنهم – قد لا يبلغنا إلا عن مجهول أو بإسناد منقطع ، أو لايبلغنا بالكلية .
فلقد كانت دواوينهم صدورهم التي تحوي أضعاف ما في الدواوين وهذا أمر لا يشك فيه من علم
 القضية ) (2 ) .
1-    ضعف الحديث الإمام ابن القيم أيضا فقال :
( ويروي فيه حديث ضعيف ) (7 )     
ولكنه قال :
( فهذا الحديث وإن لم يثبت فاتصال العمل به في سائر الأمصار والأعصار من غير إنكار كاف في العمل به ، وما أجرى الله سبحانه العادة قط بأن أمة طبقت مشارق الأ{ض ومغاربها وهي أكمل الأمم عقولا وأوفرها معارف تطبيق على مخاطبة من لايسمع ولا يعقل وتستحسن ذلك لا ينكره منها منكر بل سنه الأول للأخر ويقتدي فيه الآخر بالأول فلولا أن المخاطب يسمع لكان لكان ذلكبمنزلة الخطاب للتراب والخشب والحجر والمعدوم وهذا وإن استحسنه واحد فالعلماء قاطبة على استقباحه واستهجائه ) (9 ) .
 

1-             نيل الأوطار ج4ص138-139.- سلسلة الأحاديث الضعيفة ج2 ص65 .-الفتاوي الكبرى ابن تيمية ج1 ص289 .-المفصل د. عبد الكريم زيدان ج11 ص129 ( مجموع الفتاوى ج24 ص 297-298 ) .    5  _ سلسلة الأحاديث الضعيفة ج2 ص64 .    6  _ سلسلة الأحاديث الصحيحة ج1 ص687.7_ الفتاوي الأكبر ج1 ص289 .8_ رفع الملام عن الأئمة الإعلام ابن تيمية : 22-23 .الروح لأبن القيم ص13 . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق