هل حكم الزنا في الإسلام للمحصنين هو الرجم ام لا رجم في القرآن ... !!
وما حقيقة رجم الزاي المحصن في الاسلام ..
لا توجد في القرآن
الكريم آية واحدة تُشير من قريب أو بعيد إلى مشروعية رجم الزاني المحصن أو الزانية
المحصنة،([1])
وبعكس ذلك في القرآن آيات كثيرة تدل دلالة قطعية على أن عقوبة الزنا بصورة مطلقة،
عذاب دنيوي يتمثل بالجلد والحبس والعضل وغير ذلك.
ومن تلك الآيات ما يلي:
أولا: قوله تعالى: [الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ
وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ
اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ
عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ]([2]).
ومن البدهي أن صيغتي الزانية والزاني من اسم
الفاعل المحلى ب(ال) الاستغراق، والقاعدة الأصولية المتفق عليها أن اسم الفاعل إذا
كان محلى ب(ال) الاستغراق يُفيد العموم، والعام يؤخذ بعمومه ما لم يثبت تخصيصه.
وقضاء الرسول(ﷺ) بالرجم إذا كان قبل نزول هذه الآية عملاً باجتهاده المسند إلى الشريعة اليهودية
(التوراة) والعرف الجاهلي، كما يأتي تفصيله في المبحث الثاني. فلا يُخصص عموم
الآية المذكورة بهذا القضاء.
وعقوبة الرجم للزاني والزانية لم تأتِ في
القرآن، رغم أنها جاءت في التوراة، ولكن تأثر المسلمون بذلك فأضافوا عقوبة الرجم
إلى عقوبة الجلد لجريمة الزنا في حالة الإحصان، وقد انشغل الفقهاء بأحاديث الرجم
ألتي ألغت التشريعات القرآنية الخاصة بعقوبة الزنا، بحيث أصبحت تلك التفصيلات
القرآنية مجهولة وغائبة عن عقول أكثر الفقهاء.
وقد جاءت عقوبة الزنا في القرآن على النحو
الآتي: الزانية والزاني إذا ضُبطا في حالة التلبس بالجريمة، فالعقوبة مئة جلدة
أمام الناس. وبذلك بدأت سورة النور بافتتاحية فريدة، ترد زعم أولئك الذين يتجاهلون
وضوح القرآن وبيان تشريعاته، حيث قال سبحانه وتعالى في تلك الافتتاحية الفريدة: [سُورَةٌ
أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ]([3])،
وبعدها قال تعالى مباشرةً: [الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ
مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ... الآية]([4]). ومن الصعب إثبات
حالة التلبس في جريمة الزنا، كما من الصعب أيضاً إقرار الجاني في هذا الزمن بوقوع
الجريمة، لكن من السهل أن يُشاع عن امرأة ما بأنها سيئة السلوك ويلجأ أوليائها إلى
قتلها بغير حق، أو هي تلجأ إلى إحراق نفسها.
ثانيا: قوله تعالى: [وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن
يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن
فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن
بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ
مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ
فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ
الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ
لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ] ([5])
والعذاب في هذه الآية هو نفس العذاب في سورة
النور الآية الثانية: [وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ].
وهذه الآية تدل بوضوح على أن الجارية المتزوجة
إذا زنت وثبتت الجريمة ثبوتاً شرعياَ، يكون عقابها نصف عقاب الحرة المتزوجة
الزانية، ومن البدهي أن الموت لا يُقَسم إلى الموت الكامل ونصف الموت، فالموت هو
الموت، والذي يُقَسم هو الجلد. فعقوبة الزاني الحر والزانية الحرة (100) جلدة،
وعقوبة عبد الزاني والجارية الزانية (50) جلدة، سواء وُجِد الإحصان أو لم يوجد،
أخذاً بعموم آية النور.
ثالثا: قوله تعالى في آية اللعان: [وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ
أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ] ([6])
ولم يقل القرآن الكريم في هذه الآية (ويدرأ عنها
الموت أو عقوبة الرجم)، مع أن فعل درأ ورد مع الموت في القرآن في قوله تعالى: [الَّذِينَ
قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ
فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ].([7])
والعذاب في هذه الآية هو نفس العذاب في الآية
الثانية من سورة النور: [وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ
الْمُؤْمِنِينَ].
رابعا: قوله تعالى في حق نساء النبـي(r):
[يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ
لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً].([8])
والعذاب في هذه الآية هو نفس العذاب في سورة
النور الآية رقم(2)، وهو (100) جلدة، لأن الموت أو الرجم لا يُضاعف، وأن الذي
يُضاعف هو الجلد.
خامسا: قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ
النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا
اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلاَّ
أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ
حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ
بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً]([9]).
فعقوبة الزانية المحصنة في هذه الآية هي الطرد
من المنزل الذي عليها أن تبقى فيه لقضاء عدتها.
سادسا: قوله تعالى في سورة النساء: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً وَلاَ
تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ
بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ
فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً].([10])
ففي هذه الآية الكريمة
جعل سبحانه وتعالى عقوبة الزانية المحصنة العضل وأخذ بعض مما آتاها الزوج إذا
ارتكبت جريمة الزنا، بدلاً من الرجم رغم كونها محصنة.
سابعا: قوله تعالى في سورة النساء: [وَاللاَّتِي يَأْتِينَ
الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ
فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ
الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً].([11])
فعقوبة الزانية المحصنة في هذه الآية حبسها في
البيت، والقول بأن آية الحبس في البيت نُسخت بالآية الثانية من سورة النور، خطأ
فاحش، لأن جريمة الزنا إما أن تكون بين الأنثيين (المساحقة) فعقوبتها الحبس في
البيت. أو بين الذكرين (اللواط) فعقوبتها الإيذاء. أو بين الذكر والأنثى فعقوبتها
مئة الجلدة. فأين التعارض بين هذه الآيات، حتى ينسخ بعضها بعضاً لرفع هذا التعارض.([12])
ثامنا: قوله تعالى في عقوبة اللواط التي يساوي في الحكم الزنا: [وَاللَّذَانَ
يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ
عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً].([13])
فالعقوبة في هذه الآية هي الإيذاء دون تحديد
الرجم.
تاسعا: عقوبة الحرمان من الزواج من قبل المؤمن، فالمرأة الزانية
التي لا تتوب عن الزنا، لا يتزوجها المؤمن، وكذلك الرجل الزاني لا ينكح إلا زانية
أو مشركة قبل أن يتوبا، كما في قوله تعالى: [الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا
زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ
مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ] ([14]).
ويتبين مما ذكرنا أن القرآن الكريم في الآيات
المذكورة يُعامل المرأة الزانية المحصنة على أنها تظل حيّة بعد اتهامها بالزنا
وإقامة عقوبة الجلد عليها، كذلك الزاني المحصن، فالقرآن الكريم يُحرّم تجويز
الزاني أو تجويز الزانية من الشرفاء، فلا يصح لمؤمن شريف أن يتزوج زانية مدمنة على
الزنا قبل التوبة، ولا يصح لمؤمنة شريفة أن تتزوج رجلا مدمناً على الزنا قبل
التوبة، كما صرح بذلك القرآن الكريم في سورة النور، ولو كان مصير الزاني أو
الزانية هو الرجم حتى الموت، لما كان هناك تفصيل في تشريعات حياته طالما هو محكوم
عليه بالموت.
وكذلك الأمر في عقوبة المطلقة الزانية بإخراجها
من البيت ومنعها عن الزواج حتى تدفع بعض المهر، وإذا كان هناك عقوبة الرجم على تلك
الزانية المحصنة لما كان هناك داع لتشريع يمنعها من الزواج مرة ثانية، أو يُسمح
بطردها من البيت في فترة العدة.
وإضافة إلى ما ذكرنا، فإن الله سبحانه وتعالى
يتوعد الزناة بمضاعفة العذاب والخلود فيه يوم القيامة إذا بقى إصرارهم على الزنا،
إلاّ من تاب وآمن وعمل صالحاً، فأولئك يُبدل الله سيئاتهم حسنات، كما جاء في
القرآن الكريم: [وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ
النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن
يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً، إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً
فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ
غَفُوراً رَّحِيماً] ([15]).
ورغم عدم إشارة القرآن الكريم إلى الرجم من قريب
أو بعيد، لا صراحةً ولا ضمناً، فإن أحاديث الرجم غير الثابتة والانشغال بها أضاعت
تشريعات القرآن فيما يخص تفصيلات العقوبة في الزنا، وبتعبيرهم نسخت هذه الأحاديث
ما جاءت في القرآن في حكم الزنا، وأبطلت الأحكام الواردة فيه. ورغم أن عقوبة الرجم
لم ترد في القرآن، ومع أن العقوبة الواردة في جريمة الزنا تؤكد على الجلد فقط، إلا
أن اقتناع بعض العلماء والفقهاء من المسلمين بأكذوبة الرجم جعلها الأساس التشريعي
السائد حتى الآن في كتب الفقه الإسلامي وفي تطبيق الشريعة الإسلامية لدى بعض الدول
الإسلامية. وما زالت نسبة كثيرة من رجال الدين يُدهشهم أشد الدهشة حين القول بأن
الرجم ليس من تشريع القرآن والإسلام. علماً بأن من أكبر الجرائم أن تُقتل النفس
الزكية المتهمة بتهمة غير مبررة للقتل. كذلك من أعظم الجرائم على الإطلاق أن
تُفترى تشريعات بقتل النفس البريئة ثم تُنسب إلى الله ورسوله،: [وَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ
الظَّالِمُونَ]([16]).
وتلك العقوبات المذكورة باستثناء عقوبة العبد
الزاني المحصن والجارية الزانية المحصنة، تُعد عقوبات إضافية لعقوبة الجلد.
ومن الجدير بالذكر أن الله سبحانه وتعالى قد وصف
الفاحشة (الزنا) بصفة (مبينة) في الآيات (الطلاق:1)، (النساء:19، 25)،
(الأحزاب:30)، أي ثابتة بالبيّنة الشرعية وهي شهادة أربعة رجال عادلين لا يَرِدُ
أي اختلاف في إفادتهم وشهادتهم، أو بإقرار الجاني البالغ العاقل المختار بوقوع
الجريمة الجنسية الفعلية أمام القضاء، وإلاّ لسقطت عقوبة الحد (100) جلدة وتحولت
إلى عقوبة تعزيرية يُحددها ولي الأمر بتعاون مع أهل الشورى، لأن القرآن الكريم حصر
ثبوت جريمة الزنى بأربعة شهود أو إقرار الجاني أمام القضاء أربع مرات، وأكّدت
السنة النبوية ذلك، كما ورد في قصة ماعز وغيره. ([17])
والفاحشة الواردة في الآيات المذكورة بمعنى
جريمة الزنى، عقوبتها العذاب الوارد في قوله تعالى: [الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي
فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا
رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ]([18]).
عاشراً: أكذوبة (الشيخ والشيخة).
أ- (الشيخة والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة).
ب- (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة
نكالا من الله والله عزيز حكيم).
ج- (الشيخ والشيخة فارجموهما البتة بما قضيا من
اللذة).
د- (إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة
نكالا من الله والله عزيز حكيم). ([20]) علماً بأن كل جملة
أو كلمة في القرآن متواترة في الثبوت، فلا اختلاف في تعابيرها.
هذه الأكذوبة في الأصل هي عرف جاهلي وفق
التعاليم اليهودية وهي ليست آية قرآنية نُسخت تلاوتها وبقي حكمها، كما زعم
السطحيون، للأدلة الآتية:
1- من له أدنى ذوق بلاغي يعلم أن هذه العبارة
بعيدة عن كلام الله، لأن كل كلمة أو جملة أو آية في القرآن الكريم تتسم ببلاغة
تفوق بلاغة كلام البشر.
2- القول بأنها كانت آيةً قرآنية نُسخت تلاوتها
وبقي حكمها، خطأ فاحش لأمرين:
أحدهما: لا نسخ في القرآن، كما أثبتنا ذلك في مؤلفنا (التبيان لرفع
غموض النسخ في القرآن) بالأدلة العقلية والنقلية.
والثاني: نسخ المعنى والاحتفاظ بلفظه، أو نسخ اللفظ وبقاء معناه،
خطأ يرفضه المنطق والعقل السليم، لأنهما متلازمان لزوما بيّناً بالمعنى الأخص،([21]) فإلغاء أحدهما
يستلزم إلغاء الآخر بداهة في الذهن وخارج الذهن.
3- الرجم منوط بالإحصان لا بالشيخوخة، فالشاب
المحصن والشابة المحصنة يُرجمان على حد زعمهم، والمفهوم المخالف لتعبير الشيخ
والشيخة، هو أنهما لا يُرجمان.
4- الشيخ غير المحصن لا يُرجم وإن بلغ من العمر
عتيا باتفاق الآراء.
5- ما روي عن عمر بن الخطابc بروايات مختلفة كلها كذب
وافتراء:
ومنها ما يُروى من أنه قال: (يا أيها الناس قد
سُننت لكم السُنن، وفُرضت لكم الفرائض، وتُرِكتم على الواضحة. وصفق بإحدى يديه على
الأخرى، إلاّ ألاّ تضلّوا بالناس يميناً وشمالاً، ثمّ إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم،
أن يقول قائل لا نجد حدّين في كتاب الله. فقد رجم الرسول ورجمنا، وإنّي والذي نفسي
بيده، لولا أن يقول الناس زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله، لكتبتها ((الشيخ
والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)). فإنّا قد قرأناها).([22])
فهذه الأكذوبة المنشورة باسم سيدنا عمر، زور
وبهتان وخطأ فاحش لا يُغتفر، للأدلة الآتية:
أ- كان عمر بن الخطاب أشجع الناس بعد النبي(r) في قول الحق وكان لا
يخشى لومة لائم، فكيف يترك في القرآن ما هو يعتقد أنه قرآن 100%.
ب- كيف يُقرّ إهمال ما هو قرآن في اعتقاده 100%.
ج- هذه الأكذوبة مضطربة وهي رويت بروايات
مختلفة.([23])
ولو كانت آية قرآنية، لما حصل فيها الاختلاق في التعبير.
د- إن عمر لم يُنفذ هذا الرجم على أحد طوال فترة
خلافته، ولو كان فعل، فإن تصريحه بأن هناك آية نُسخت لفظاً وبقيت حكماً لأول مرة
لن يكون في آخر حياته، بل يُفترض أن يأتي هذا التصريح عندما أراد أن يطبق حكم
الرجم على أول من زنى في خلافته التي امتدت أكثر من عشر سنوات، لأنه لا يمكن
يُتصور أنه قد طبق الرجم عدّة مرات ثم يأتي في آخر عمره ويقول للناس مقالة تتلخص
بأن هناك آيةً للرجم نزلت على محمد (ﷺ) ولكنها لم تُكتب في المصحف.([24])
6- كل آية أو جملة أو كلمة في القرآن متواترة،
ولو كانت هذه الأكذوبة من القرآن لما حصل فيها الخلاف ولما رويت بروايات مختلفة.
7- لو كانت هذه الأكذوبة الجاهلية قرآناً، لما
انفرد عمر بن الخطابt
بروايتها ونقلها للناس، لأن كل آية من آيات القرآن متواترة بإجماع العلماء
والعقلاء.
8- وفي فتح الباري شرح
صحيح الإمام أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري([25]): وأخرج النسائي
أيضا أن مروان بن الحكم قال لزيد بن ثابت -وهو من كُتاب الوحي- ألا تكتبها في
المصحف؟ قال: لا، ألا ترى أن الشابين الثيبين يُرجمان.
9- وفي فتح الباري أيضا كان زيد بن ثابت وسعيد بن
العاص يكتبان في المصحف، فمرّا على هذه الآية، فقال زيد: سمعت رسول الله(ﷺ) يقول: الشيخ والشيخة
فارجموهما البتة، فقال عمر: لما نزلت أتيت النبـي(ﷺ) وقلت اكتبها، كأنه كره ذلك.
10- لو صحّ ما نُسب إلى عمر بن الخطابc من أكذوبة الشيخ والشيخة،
للزم إتهام الرسول(ﷺ) بأنه ترك آية قرآنية وتولّى بيانها عمر بن الخطاب، واللازم باطل وكذلك الملزوم.
11- ولعل من أبرز ما يُلاحظ على هذه الأحكام أن
أكثرها قسوة وهو الرجم، قد اعتمد فيه على نص قالوا بأنه آية كانت موجودة في كتاب
الله، وأن رسول الله بعد أن قرآها على الصحابة، لم يسمح بأن تُضمن في المصحف،
بينما عمل بمقتضاها، حيث رجم الغامدية وماعزاً.
12- وقد قيل في تأويل
هذه الأكذوبة ثلاثة أقوال:
أحدها أنها نُسخت، ولكن ماهي البراهين على ذلك
وأين الآية الناسخة، إن سقوط آية ليس دليلاً على انتساخها.
والثاني أنها أُنسيت، ولكن كيف يوحي الله بشيء
ثم يُنسيه.
والثالث أنها أُهملت، ولعل هذه نكتة التي أشار
إليها ابن حجر في شرح المنهاج وهو أن السبب في نسخ التلاوة وإبقاء الحكم، التخفيف
عن الأمة الإسلامية بعدم اشتهار تلاوتها وكتابتها في المصحف. وإن كان حكمها باقياً
لأنه أثقل الأحكام وأشدها هولاً.
13- وأغرب ما قيل في هذه الأكذوبة، هو ما نُسب
إلى أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) أنها قالت: إن باقي سورة الأحزاب كان
مكتوباً في رقٍ موضوعٍ تحت فراش محمد، ولما مات وذهبت لدفنه مع من ذهبوا، فرجعت
فوجدت داجن بيت الرسول قد أكل الرق بما فيه من وحي ربه. ومن المعروف أن بعض
المفسرين ذهبوا إلى أن سورة الأحزاب كانت بقدر سورة البقرة، إلاّ أنها نُسخت
آياتها بضمنها آية (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما) وبقيت (73) آية.
فهذه الروايات المختلقة تُشوه الرسالة المحمدية
والقرآن الكريم، كما تُنسب إلى القرآن التحريف.
14- هذه الأكذوبة في بدايتها انتشرت عن طريق
موطأ الإمام مالك (رحمه الله)، ويُناقش هذا الخبر من حيث الرواية والسند والمتن:
أ- من حيث الرواية: مالك بن أنس لم يكتب
هذا الخبر، بل كان يروي الأحاديث النبوية ويسمعها منها تلاميذه ثم يكتبونها، ولذا
تعددت روايات الموطأ حتى بلغت نحو عشرين نسخة مختلفة.
ب- من حيث السند: تتابع الأسانيد التي
يكتبها محمد الشيباني تلميذ أبي حنيفة (رحمه الله)، وكان يقول: أخبرنا مالك، حدثنا
يحيى بن سعيد، أنه سمع سعيد بن المسيب، يقول أن عمر بن الخطاب قال كذا وكذا.. وليس
صحيحا أن يروي سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب، لأنه كان عمره عامين حين استشهد
عمر بن الخطاب، فكيف روى طفل صغير عن عمر، وهذا ما أشار إليه المؤرخ (ابن سعيد) في
(الطبقات الكبرى)([26]) وهي أكبر وأقدم
مصدر تأريخي لدى المسلمين.
ج- من حيث المتن: مصطلح الشيخ والشيخة لا
يُفيد الإحصان، أو المحصن والمحصنة، فقد يصل الإنسان إلى مرحلة الشيخوخة دون زواج
أو إحصان.
15- ما يُروى عن عمر (رضي الله عنه)
فيه تناقض، كيف يعتبرها آية ثم يعتبرها زيادة في كتاب الله؟ يمتنع عن إضافتها إلى
القرآن.
16- لو كانت أكذوبة (الشيخ والشيخة) آية قرآنية،
لما انفرد بنقلها عمر بن الخطاب.
17- في هذه الأكذوبة اتهام النبي (ﷺ) بأنه ترك آية قرآنية لم
يكتبها، مع أن الرسول (ﷺ) نهى عن كتابة غير القرآن، حتى لا يحصل الخلط بينه وبين السنة النبوية، وقال: ((لا
تكتبوا عني شيئا سوى القرآن، فمن كتب عنّي غير القرآن فليمحِهِ)). ويقول علماء
الحديث: "هذا هو الحديث الوحيد المتواتر".
18- من أفضع الكذب على النبي (ﷺ) أن تُنسب إليه تشريعات
تُخالف القرآن الكريم.
وردت في مراجع السنة النبوية عدة
أحاديث وهي تدل على أن الرسول(r) قضى بالرجم على عدة أشخاص وهم لا
يتجاوزون عدد الأصابع خلال فترة الوحي التي استغرقت ثلاثاً وعشرين سنة، ومن تلك
الأحاديث ما يلي:
أولا: عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة،
أن رجلا من الأعراب أتى رسول الله(r) فقال: يا رسول الله أنشدك الله([27]) إلاّ قضيت بيننا بكتاب الله، فقال
الخصم الآخر وهو أفقه منه([28]): نعم فأقضِ بيننا بكتاب الله وأئذن
لي. فقال النبـي(ﷺ) : قل. فقال: إن ابني
كان عسيفا([29]) على هذا فزنى بامرأته، وإني أُخبرت
أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمئة شاة ووليدة([30])، فسألت أهل العلم فأخبروني أنما
على ابني جلد مئة وتغريب عام وأن على امرأة هذا الرجم. فقال رسول الله(r): والذي نفسي بيده
لأقضين بينكما بكتاب الله. الوليدة والغنم رد عليك،([31]) وعلى ابنك جلد مئة
وتغريب عام. واغدُ يا أُنيس (رجل من أسلم) على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها،
فغدا عليها فاعترفت([32]) فأمر بها رسول الله(r) فرُجمت.([33])
ثانياً: رجم ماعز ورد فيه روايات
مختلفة، منها ما يلي:
أ-
عن أبي هريرة أنه قال: أتى رجل من المسلمين رسول الله(r) وهو في المسجد، فناداه
يا رسول الله إني زنيت، فأعرض عنه، فتنحى تلقاء وجهه([34]) فقال يا رسول الله إني زنيت، فأعرض
عنه، حتى ثنى([35]) ذلك عليه أربع مرات، فلما شهد على
نفسه أربع شهادات، دعاه رسول الله(ﷺ) فقال: أبِكَ جنون. قال: لا. فقال:
هل أحصنت؟ قال: نعم. فقال رسول الله(r): اذهبوا به فارجموه.([36])
ب-
وفي رواية عن أبي هريرة قال: جاء ماعز الأسلمي([37]) إلى رسول الله (r) فقال إنه قد زنى،
فأعرض عنه ثم جاء من شقه الآخر. فقال إنه قد زنى، فأعرض عنه، ثم جاء من شقه الآخر،
فقال يا رسول الله إنه قد زنى، فأمر به في الرابعة، فأُخرج إلى الحرّة فرُجم
بالحجارة، فلما وجد مسّ الحجارة فرّ يشتد حتى مرّ برجل معه لحي جمل فضربه به وضربه
الناس حتى مات. فذكروا ذلك لرسول الله(ﷺ) أنه فرّ حين وجد مسّ الحجارة ومسّ الموت،
فقال رسول الله(ﷺ) هلا تركتموه. رواه
أحمد وابن ماجه والترمذي وقال حسن.([38])
وهذا يدل على أن قضاء
الرسول(ﷺ) برجم ماعز كان مبنياً
على اجتهاده، لأنه لو كان واجبا بالقرآن، لما قال الرسول(ﷺ) ذلك، لأن حد الزنى من
حقوق الله، فلا يملك غيره التساهل فيه أو إسقاطه، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
إضافة إلى ذلك فإنه يدل
على التراجع عن إقراره، والتراجع عن الإقرار يُسقط الحد لوجود الشبهة بالتراجع قبل
القضاء وبعد القضاء وبعد الإمضاء وأثناء الإمضاء، وأن الرجوع مسقط للحد لحدوث
الشبهة، والحدود تُدرأ بالشبهات، ومما يؤكد ذلك أن الرسول(ﷺ) كان يدرأ الحدود
بالشبهات، وبوجه خاص في جريمة الزنا كموقفه من هزال الذي جاء إلى الرسول(ﷺ) فقال له: إني رأيت
فلاناً يزني، فقال له الرسول(ﷺ) : يا هزال([39]) لو سترته بردائك
لكان خيرا لك.([40]) وكذلك موقفه من
امرأة من أنه قال: لو كنت راجما أحداً بغير بيّنة، لرجمت فلانة، فقد ظهر منها
الريبة في منطقها وهيئتها ومن يدخل عليها.([41])
فهذه النماذج من أقوال
الرسول(ﷺ) وأفعاله تُخبرنا عن
موقفه من حد الرجم وشدّة تحريه عند تنفيذه والبحث عن السبل التي تُبطل الحد.
وفي
رواية أخرى في صحيح مسلم: ((جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ إلَىَ النّبِيّ (r). فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللّهِ طَهّرْنِي. فَقَالَ: "وَيْحَكَ([42]) ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللّهَ
وَتُبْ إلَيْهِ" قَالَ: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمّ جَاءَ فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللّهِ طَهّرْنِي. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ (ﷺ) : "وَيْحَكَ
ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللّهَ وَتُبْ إِلَيْهِ" قَالَ: فَرَجَعَ غَيْرَ
بَعِيدٍ، ثُمّ جَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ طَهّرْنِي. فَقَالَ النّبِيّ(ﷺ) مِثْلَ ذَلِكَ، حَتّىَ
إذَا كَانَتِ الرّابِعَةُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ(r): "فِيمَ
أُطَهّرُكَ؟" فَقَالَ: مِنَ الزّنَىَ. فَسَأَلَ رَسُولُ اللّهِ (ﷺ) : "أَبِهِ
جُنُونٌ؟" فَأُخْبِرَ أَنّهُ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ. فَقَالَ: "أَشَرِبَ
خَمْراً؟" فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ([43]) فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ.
قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ(r): "أَزَنَيْتَ؟" فَقَالَ:
نَعَمْ. فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ)).([44])
فهذا التعامل من الرسول(ﷺ) مع ماعز يدل دلالة
واضحة على أن الرجم لم يأمر به القرآن، قبل قضاء الرسول(r) به، لأن أمر الله لا
يجوز في تنفيذه التردد والتساهل والاستفسارات كما في تنفيذ حد قطع اليد في جريمة
السرقة في قوله تعالى: [وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا
جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ...الآية]([45]). وكما في حد الجلد في
قوله تعالى: [الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا
مِئَةَ جَلْدَةٍ ...الآية]([46]).
وهذا الحديث يدل أيضا
على أن رجم الرسول(r) لم يكن بوحي من الله،
لأن الحدود لا عفو فيها من غير الله.
ج- عن ابن عباسt قال: لما أتى ماعز بن مالك النبي (r) قال له: (لعلك قبَّلت،
أو غمزت،([47]) أو نظرت). قال: لا يا
رسول الله، قال: (أفنكتها). لا يكني؟([48]) قال: نعم. فعندئذ أمر
برجمه.([49])
وجدير
بالذكر أن عبارة (أفنكتها) غير لائقة بمركز الرسول(r)
الذي كان لسانه منزهاً عن التعبير الفاحش.
وعن
أبي هريرةt قال: جاء الأسلميُّ إلى النبـيّ (r) فشهد على نفسه أنه
أصاب امرأة حراماً أربع مرات، كل ذلك يُعرض عنه النبي (r)، فأقبل عليه في
الخامسة فقال: "أنكتها؟" قال: نعم، قال: "حتى غاب ذلك منك في ذلك
منها؟" قال: نعم، قال: "كما يغيب المرود([50]) في المكحلة
والرِّشاء([51])
في البئر"، قال: نعم. قال: "هل تدري ما الزِّنا؟" قال: نعم، أتيت
منها حراماً ما يأتي الرجل من امرأته حلالاً، قال: "فما تريد بهذا
القول؟" قال: أريد أن تُطَهِّرني، فأمر به فرُجم. رواه أحمد والدار القطني.([52])
وجدير بالذكر أن تعبير
(التطهير) في قول ماعز (أريد أن تطهرني) تعبير مسيحي، لم يُستعمل في الإسلام. ثم
إذا كان ماعز محصناً فكيف لا يعرف معنى المعاشرة الجنسية وكيفيتها، فلماذا تلك
الاستفسارات من الرسول(r)، لو صحّ هذا الحديث.
د- وعن جابر في قصة
ماعز: كنت فيمن رجم الرجل، إنا لما خرجنا به فرجمناه فوجد مسَّ الحجارة صرخ بنا:
يا قوم ردّوني إلى رسول اللّه (ﷺ) فإِن قومي قتلوني وغرُّوني من
نفسي، وأخبروني أن رسول اللّه (ﷺ) غير قاتلي، فلم ننزع عنه حتى
قتلناه، فلما رجعنا إلى رسول اللّه (ﷺ) وأخبرناه قال: ((فهلاَّ تركتموه
وجئتموني به)).
ثالثا: جَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ
غَامِدٍ([53])
مِنَ الأَزْدِ. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ طَهّرْنِي. فَقَالَ: "وَيْحَكِ
ارْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي اللّهَ وَتُوبِي إلَيْهِ". فَقَالَتْ: أَرَاكَ
تُرِيدُ أَنْ تُرَدّدَنِي كَمَا رَدّدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ. قَالَ:
"وَمَا ذَاكِ؟" قَالَتْ: إنّهَا حُبْلَىَ مِنَ الزّنَىَ. فَقَالَ:
"آنْتِ؟" قَالَتْ: نَعَمْ. فَقَالَ لَهَا: "حَتّىَ تَضَعِي مَا فِي
بَطْنِكِ". قَالَ: فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ حَتّىَ وَضَعَتْ. قَالَ:
فَأَتَىَ النّبِيّ (ﷺ) فَقَالَ: قَدْ
وَضَعَتِ الْغَامِدِيّةُ. فَقَالَ: "إذَاً لاَ نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ
وَلَدَهَا صَغِيراً لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ." فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ
الأَنْصَارِ فَقَالَ: إلَيّ رَضَاعُهُ، يَا نَبِيّ اللّهِ! قَالَ: فَرَجَمَهَا.([54])
ففي هذا الحديث قول
الرسول(ﷺ) (ويحك! ارجعي فاستغفري
الله وتوبي إليه)، دليل واضح على أن قضاء الرسول(ﷺ) بالرجم لم يكن تنفيذا
لأمر الله في حد من حدوده، لعدم قبول التوبة في حدود الله، لأن من خصائص الحدود
أنها لا تسقط بالتوبة بعد رفعها إلى القضاء. كما أن الجلد وقطع اليد لا يسقطان
بالتوبة بعد رفعهما إلى القضاء.
رابعاً: عن أنس([55]) قال: كنت عند النبي (ﷺ) فجاءه رجل فقال: يا
رسول الله، إني أُصبت حداً فأقمه علي، ولم يسأله، قال: وحضرت الصلاة، فصلى مع
النبي(ﷺ) ، فلما قضى النبي(ﷺ) الصلاة، قام إليه رجل
فقال: يا رسول الله، إني أصبت حداً، فأقم فيَّ كتاب الله، قال: (أليس قد صليت
معنا). قال: نعم، قال: (فإن الله قد غفر لك ذنبك، أو قال: حدَّك).
وهذا الحديث يدل على
عدم مشروعية الرجم في القرآن، لأنه لو ثبتت مشروعيته لما سقط بالصلاة، لكونه حدّا
وحقاً من حقوق الله، فلا يملك إسقاطه أو إعفاء الجاني عنه إلاّ الله سبحانه
وتعالى.
خامساً: عن عبدالله بن عمر، أن اليهود جاءوا
إلى رسول الله(ﷺ) فذكروا له أن امرأة منهم ورجلا زنيا، فقال ما
تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقالوا: نفضحهم ويُجلدون. قال عبدالله بن سلام:
كذبتم، فيها آية الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم،
فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبدالله بن سلام ارفع يدك، فرفع يده فإذا فيها
آية الرجم، فقال صدق يا محمد، فأمر بهما النبـي(ﷺ) فرُجما.
وفي حديث أبي هريرة،
فقال النبـي(ﷺ) إني أحكم بما في
التوراة.
وفي حديث البراء: أللهم
إني أول من أحيا دينك.
وهنا
سؤال يطرح نفسه على بساط الطعن بهذا الحديث، وهو أنه إذا كان في التوراة عقوبة
الرجم ثابتةً، لماذا أتوا إلى الرسول(ﷺ) ليكون قاضيا لهم بالحكم في عقوبة
الزاني والزانية المحصنين، وهم من ألدّ أعداء الرسول(ﷺ) .
سادساً: نُسب إلى الرسول(ﷺ) القول بأن (الولد
للفراش، وللعاهر الحِجْر)، هذا الكلام عُرف جاهلي، فقام الوضّاعون للأحاديث باسم
الرسول(ﷺ) بتحريف سكون الجيم في
لفظ (الحجْر) الذي هو بمعنى الحبس، إلى فتح الجيم بمعنى (الرجم)، ومضمون الكلام هو
أن الولد الشرعي يكون لفراش الزواج الصحيح، وأما العاهر (أي الزاني) فلا يترتب على
معاشرته غير المشروعة أي أثر شرعي، وإنما حكمه هو الرجم بعد التحريف، والأصل في
هذا الكلام الجاهلي هو أن العقوبة حبس وليست رجماً، لأن الحجْر كان في العرف
الجاهلي بسكون الجيم، ثُمّ حُرّف وجُعِلَ السكون فتحة ونُسِب إلى الرسول(ﷺ) زورا وبهتاناً.([56])
الأحاديث
التي زعم كثير من الفقهاء وعلماء الدين أنها من أقضية الرسول(ﷺ) بالرجم على عدد محدود من الناس خلال عهد رسالته التي استغرقت (23) سنة، بالإضافة
إلى الملاحظات التي ذكرناها أثناء استعراضها، على تقدير مطابقتها للواقع، تُناقش
بأدلة عقلية ونقلية كثيرة، منها ما يلي:
أولا:
وظائف السنة النبوية القولية والفعلية والتقريرية، حصرها القرآن في بيان نصوص
القرآن، فقال تعالى: [وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا
نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ]([57]). وهذا التبيان حصره
علماء أصول الفقه بالإجماع في خمسة أنواع، وهي:
1- تخصيص نص عام لم يكن
عمومه مرادا لله تعالى، كما في قوله تعالى: [لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ
الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ
وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً]([58]). ولفظا (الرجال)
و(النساء) من صيغ العموم، لأنهما من جمع التكسير المحلى بأل الاستغراق، أي كل ذكر
وكل أنثى، ولكن هذا العموم لم يكن مراداً حين نزول هذه الآية، لأن القتل واختلاف
الدين من موانع الميراث، فتولى الرسول(r)
بيان هذا المراد فقال: ((لا يرث القاتل)) كما قال ((لا يتوارث أهل ملتين)) أي
ملتين مختلفتين في الدين الإسلامي، فلا يرث وارث قاتل من تركة موَرّثه المقتول،
سواء كان القتل مباشرة أو تسبباً. وكذلك لا يرث الكافر من المسلم ولا المسلم من
الكافر.
2- تقييد نصّ مطلق لم يكن إطلاقه مراداً من
الله، كما في قوله تعالى: [كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ
إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ
حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ] ([59]). والخير هو المال
الكثير، لأن القليل من المال لا يُسمى خيراً.
فلفظة (الوصية) في هذه الآية وردت مطلقةً شاملةً
للإيصاء بكل التركة أو ببعضها، مع أن هذا الشمول غير مقصود من الله، لأنه يُضر
بالورثة، والضرر مرفوض، لذا كُلِّف الرسول(r)
ببيان هذا المقصود، فقال: ((الثلث والثلث كثير)).([60])
3- إيضاح نصوص مجملة في القرآن، وعلى سبيل المثل
قال تعالى:
أ- [وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ ]. فالصلاة عبادة
مفروضة على الإنسان لها أركانها وشروطها وسننها، منها قولية ومنها فعلية، لا
يستطيع عقل الإنسان استنباطها من جملة (وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ)، لذا بيّنها
الرسول(r)
بإقامة الصلاة أمام أصحابه كاملةً مستوفية أركانها وشروطها وآدابها، ثم قال لهم
((صلّوا كما رأيتموني اصلي))([61]).
ب- [وآتوا الزكاة]. كذلك بيّن لأمته الأموال
التي تخضع للزكاة، والمقدار الذي تجب فيه الزكاة، والكمية التي تُخرج من هذه
الأموال للمستحقين.
ج- كذلك قوله تعالى: [وَلِلّهِ
عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً]([62]). هذه الآية مجملة
بالنسبة لأركان الحج وشروطه وآدابه ومناسكه، فقام النبـي(ﷺ) بأداء الحج أمام أصحابه مبيناً أركانه وشروطه وآدابه ومناسكه، ثم قال لهم ((خذوا
عني مناسككم)).
4- تأكيد حكم وارد في القرآن، ومن الواضح أن
الله سبحانه وتعالى حرّم التجاوز على مال الغير بدون مبرر، فقال: [وَلاَ
تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ ...]([63]) وأكّد الرسول(ﷺ) التحريم الوارد في هذه
الآية، فقال: ((لا يحل مال إمرئ إلا عن طيبٍ منه)) ([64])، وفي رواية ((لا
يحل لإمرئ من مال أخيه إلاّ ما أعطاه عن طيب نفس)). ([65]).
5- قياس حكم على نظيره في القرآن الكريم، وعلى
سبيل المثل قال تعالى: [وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ ] ([66])، أي حرّم عليكم أن
تجمعوا بين الأختين بالزواج في وقت واحد. فقاس على ذلك الرسول(r) الجمع بين المرأة وعمتها
أو خالتها، فقال ((لا يُجمع بين المرأة وعمّتها وبين المرأة وخالتها))([67]). وقال ((إنكم إن
فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم))، أي إن علّة التحريم هو قطع الرحم بسبب هذا الجمع في
الزواج.
وقد زعم البعض أن للسنة النبوية وظيفة سادسة وهي
نسخ القرآن، وهذا كُفرٌ بل شركٌ، لأن في هذا الكلام جعْل النبي شريكا لله تعالى في
تشريع أحكامه.
وقد خلط البعض بين أحاديث نبوية تتولى بيان
القرآن كما ذكرنا، وأحاديث تأتي بأحكامٍ مخالفة لأحكام القرآن كأحاديث الرجم.
ثانيا: أحاديث الرجم وردت بروايات مختلفة، منها
الاختلاف في الزيادة والنقص والتقديم والتأخير ونحو ذلك، فهي مضطربة ومطعونة
ومعلولة، كما يتضح ذلك لمن يراجع شروح هذه الأحاديث، مثل (فتح الباري شرح صحيح
البخاري) وعون المعبود شرح سنن أبي داود ونيل الأوطار للشوكاني). فلم يرِد في
أحاديث الرجم حديث واحد قطعي الثبوت والدلالة على الرجم، كما ذكرنا سابقاً،
وانتشار الرجم في العالم الإسلامي مبنيٌ على الاستناد إلى أكذوبة (الشيخ والشيخة
إذا زنيا فأرجموهما)، فقالوا هذه آية قرآنية نُسخت تلاوتها وبقي حكمها، وقد بيّنا
سابقاً أن هذه أكذوبة جاهلية متأثرة بتعاليم يهودية.
ثالثا:
كما ذكرنا سابقا، إن أحاديث الرجم إذا كانت قبل سورة النور (الآية رقم 2)، فآية: [الزانية
والزاني...] نسختها، لأنها كانت من اجتهادات الرسول(ﷺ) متأثرا بالعرف الجاهلي وبالتوراة، كما بيّنا سابقاً، ولا يُتصور أن يقضي الرسول(ﷺ) باجتهاده بعد نزول الآية
المذكورة، لإجماع العلماء والعقلاء على أنه لا مساغ للاجتهاد في مورد النص.
رابعا:
تردد الرسول(ﷺ) في كثير من تطبيقات الرجم، حسب ما جاء في حديث ماعز وغامدية وغيرهما، دليل واضح
على أن هذا التردد كان ناتجا من اجتهاده. لأن الحدود الثابت بالقرآن كحد قطع اليد
في السرقة وحد الجلد في القذف ونحوهما، لم يتردد الرسول(ﷺ) في تطبيق هذه الحدود كلما تحققت الجريمة وتوافرت أركانها وشروطها وانتفت موانعها.
ولو كان الرجم من أحكام الله وثابتاً بالقرآن الكريم، لما تردد الرسول(ﷺ) لحظة في تطبيقه، ولما
شجّع الجاني على التراجع من إقراره، ولما تساهل معه، لأن التساهل في الحدود لا يحق
إلا لله سبحانه وتعالى.
خامسا:
من شروط العمل بأحاديث الآحاد أن لا تكون مخالفة لنصوص القرآن، كما أنه لا يُتصور
عقلا أن يخلق الرسول حكما مخالفا للقرآن، لأن تشريع الأحكام الدينية من اختصاص
السلطة التشريعية الإلهية، كما قال سبحانه وتعالى: [إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ...]([68]).
سادسا:
لم ترد قصة ماعز ولا قصة الغامدية بإيجاز أو إشارة عابرة في كتب التأريخ المشهورة،
مع أن ما حدث لهما خطب جليل، فلم يرد ذكرهما في الطبري والبداية والنهاية وغيرها
من المراجع المعتمدة، ولم يُشر إليهما ابن هشام في سيرته التي جاءت في عدة مجلدات.
حفاظا على شرف الناس وأعراضهم وعدم تطاول الألسنة
فيما يتعلق بكرامة الإنسان، شدّد الإسلام في إثبات جريمة الزنا، بحيث لا تثبت إلاّ
بأربعة شهود من الرجال البالغين العاقلين العادلين المختارين، لا يوجد أي اختلاف
في إفادتهم عند أداء الشهادة. أو بإقرار الجاني أمام القضاء أربع مرات وهو بالغ
عاقل مختار. كما ثبت ذلك في القرآن والسنة النبوية والإجماع.
عقوبة جريمة الزنا في
الشريعة الإسلامية لا تكون إلاّ بعد إثبات الجريمة بأربعة شهداء كما جاء في القرآن
الكريم أو بإقرار الجاني أمام القضاء أربع مرات، وهذا هو شرط أساس لتطبيق عقوبة
الجلد على الجاني، كما يلي:
أ- قال تعالى: [ وَاللاَّتِي يَأْتِينَ
الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ
فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ
الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً]([69]).
ب- وقوله: [وَالَّذِينَ يَرْمُونَ
الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ
ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ]([70]).
ج- قوله تعالى: [لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ
بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ
اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ]([71]).
هناك أحاديث متعددة بشأن
إثبات جريمة الزنا بأربعة شهداء، منها قول الصحابي سعد بن عبادة لرسول الله(ﷺ) : أرأيت لو وجدت مع
امرأتي رجلا، أمهله حتى آتي بأربعة الشهداء؟ فقال رسول الله(ﷺ) :
نعم.
وقال رسول الله(ﷺ) لهلال بن أمية لما قذف
زوجته بشريك بن سحماء: أربعة شهداء وإلاّ حدّ في ظهرك، وهذا قبل نزول آيات اللعان.([72])
وكذلك الإجماع انعقد على
أربعة شهداء في جريمة الزنا، لأن حد الزاني منوط في الواقع بإقراره، فإذا لم يُقرّ
فإنه لا يمكن إثباته عليه بالبيّنة، لأنه لا يثبت إلا بأربعة شهود عدول يرون
الإيلاج بالفعل في زمان واحد وفي مكان واحد، وبإفادة واحدة. وهذا الإثبات إذا لم
يكن محالا فهو متعذر.
ومن الواضح أن الشهادة
قسمان:
1- إقرار الزاني على نفسه بأن يشهد على نفسه
أمام القضاء أربع شهادات ولا يتراجع في أقواله، فإذا تراجع لا يُطبق عليه حد
الزنا.
2- ومن أصرّ على إقراره بالزنا يقام عليه الحد
ولا يُقام على شريكه إن أنكر التهمة. وإذا أنكرت المرأة، تسقط العقوبة عن الاثنين،
ويصح الرجوع عن الإقرار قبل القضاء وبعده، وكذلك قبل تنفيذ العقوبة.
وبناءً على ما ذكرنا، من
المستحيل عادة إثبات جريمة الزنا، فالزاني لا يعترف على نفسه في هذا الزمن، كما هو
واضح، والبيّنة لا تقوم أيضاً عادةً، وأما الإثبات بأدلّة أخرى فهي غير مقبولة في
نظر الشرع الإسلامي، حفاظاً على سمعة أسرة المتهم أو المتهمة.
هناك
مجموعة من القواعد العامة، كل واحدة منها تدل على عدم مشروعية عقوبة الرجم، كما
يلي:
من القواعد الأصولية
الثابتة المتفق عليها:
أ- أن كل عقوبة من
عقوبات جرائم الحدود السبع([73]) لا تتأثر لا
بالظروف المشددة ولا بالظروف المخففة، ومن الواضح أن جريمة الزنا من جرائم الحدود،
وأن عقوبتها محددة بمئة جلدة، كما في قوله تعالى: [الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ
مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ
إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ
عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ]([74]).
وهذا النص القرآني حدد عقوبة الزنا بـ(100
جلدة)، فلا يحق للقاضي أن يطبق أكثر من هذا العدد بالنسبة لإنسان متمكن من الزواج
بواحدة أو أكثر، ماليا وبدنيا، كما لا يحق له أن يُخفف العقوبة إلى (90 جلدةٍ)
مثلاً بالنسبة لشخص فقير غير متمكن ماليا لتوفير مستلزمات ومتطلبات الزواج، مما قد
يؤدي به إلى الوقوع في خطيئة الزنا، فالعقوبة المنصوص عليها لا تتأثر بالظرف
المشدد كما في الحالة الأولى، ولا بالظرف المخفف كما في الحالة الثانية.
ب- وكذلك كون الزاني
متزوجاً وكون الزانية متزوجة، يُعتبر ظرفا مشدداً، وهذا الظرف لا يُحوِل عقوبة
الجلد إلى عقوبة الرجم بموجب القاعدة الأصولية المذكورة المتفق عليها.
ج- ومن القواعد
الأصولية الثابتة المتفق عليها، أنه إذا تعارض نص القرآن الكريم مع الحديث النبوي
في موضوع معين، ولم يُمكن الجمع بينهما، كتخصيص العام بالخاص وتقييد المطلق
بالمقيد، يُقدم العمل بالقرآن على العمل بالحديث النبوي، ولو كان متواترا، لأن
القرآن وحي إلهي ثابت بالتواتر، بخلاف الحديث النبوي الذي ليس وحيا على الرأي
الراجح عند علماء المسلمين، لأن الأحاديث النبوية اجتهادات للرسول(ﷺ) ، فكان يجتهد مستندا
إلى ما في العرف الجاهلي قبل إلغائه بالقرآن أو ما في التوراة أو لمصلحة كانت في
نظره سندا في اجتهاده، كما يلي:
1- اجتهاده على أساس
العمل بالعرف الجاهلي، كما في الظهار، حيث كان في العرف الجاهلي يُعتبر طلاقاً،
والرسول(ﷺ) عمل بهذا العرف قبل
نزول القرآن لبيان حكمه، كما في قضية خولة (خولة بنت حكيم) لما حكم الرسول(ﷺ) في قضية شقاقها مع
زوجها (أوس بن الصامت) بشأن ظهاره إياها، والظهار هو تشبيه الزوج زوجته بإحدى
محارمه، كأن يقول لها: (أنتِ كأُمي أو كأُختي), وكان الظهار عند العرب قبل الإسلام
طلاقاً, والرسول (ﷺ) حكم به بالنسبة لهذه
المرأة التي ظاهرها زوجها واعتبرها طلاقاً بناءً على العرف الجاهلي الجاري آنذاك
قبل نزول الوحي, حين قالت: يا رسول الله، زوجي أوس اكل مالي وافنى شبابي ونثرت له
بطني حتى اذا كبرت سني وانقطع ولدي ظاهَرَ مني، فأجابها الرسول (ﷺ) قائلاً: ما أراكِ إلا
قد حرمتِ عليه, وعادت خولة تحاور الرسول(ﷺ) وتناقشه بمنتهى الحرية وهي غير
راضية بحكمه قائلة له: إن لي منه صِبية إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي
جاعوا, وعاد الرسول (ﷺ) يقول: ما أراكِ إلا قد
حرمتِ عليه. ولم تقتنع (خولة) حيث اعتبرت نفسها مغبونة في هذا الحكم, وقالت: إلى
الله أشكو أمري وأمر صبيتي, ثم نزلت على الرسول(ﷺ) الآيات التي تناولت
حكم الظهار, فقال سبحانه وتعالى:
[قَدْ سَمِعَ اللَّهُ
قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ
يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم
مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي
وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ
اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ، وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ
يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا
ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، فَمَن لَّمْ
يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن
لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ]. ([75])
فبيّن سبحانه وتعالى في
هذه الآيات أن الظهار (أي تشبيه الزوجة من الزوج بإحدى محارمه) ليس طلاقاً، وإنما
استخفاف بميثاق الزواج وبحكم الله, لذا يترتب عليه جزاء وعقاب وهو تحريم المعاشرة
الزوجية على الزوج إلى أن يُحرر عبداً أو جارية, فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين,
فإن لم يستطع فعليه إطعام ستين مسكيناً أو فقيراً قبل معاشرة زوجته.
وبناء على ذلك يُعتبر
ما ورد في هذه الآيات نسخاً وإلغاءً لقضاء الرسول(ﷺ) بأن الظهار طلاق بناءً
على العرف الجاهلي. ([76])
2- أو كان يستند في
اجتهاده إلى ما في التوراة من رجم الزاني المحصن والزانية المحصنة، كما جاء في
الحديث الآتي:
حدثنا عبداللّه بن
مسلمة قال: قرأت على مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال: إن اليهود جاءوا
إلى رسول اللّه (r) فذكروا له أن رجلاً
منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول اللّه (ﷺ) : "ما تجدون في التوراة في شأن
الزِّنا؟" فقالوا: نفضحهم ويُجلدون، فقال عبداللّه بن سلام: كذبتم إن فيها
الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها فجعل أحدهم يده على آية الرجم، ثم جعل يقرأ ما قبلها
وما بعدها، فقال له عبداللّه بن سلام: ارفع يدك، فرفعها فإِذا فيها آية الرجم،
فقالوا: صدق يا محمد، فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول اللّه (ﷺ) فرُجما.([77])
وهكذا كان الرسول(ﷺ) قضى برجم ماعز وغامدية
وغيرهما بناءً على اجتهاده المبني على وجود الرجم في التوراة.
3- أو كان يستند في
اجتهاده إلى مصلحة يراها سنداً لما يفعله لصالح المسلمين، كما في تحديد الخط
الأمامي لمواجهة المشركين في معركة بدر الكبرى، حيث جاء في الحديث:
سار رسول الله(ﷺ) يبادرهم (يعني:
قريشاً) إليه (يعني: إلى الماء)، فلما جاء أدنى ماء من بدر نزل عليه، فقال الحباب
بن المنذر بن الجموح: يا رسول الله منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتعداه، ولا نقصر
عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال رسول الله (ﷺ) : "بل هو الرأي
والحرب والمكيدة". قال الحباب: يا رسول الله، ليس بمنزل، ولكن انهض حتى تجعل
القلب كلها من وراء ظهرك، ثم غور كل قليب بها إلا قليباً واحداً، ثم احفر عليه
حوضاً، فنقاتل القوم ونشرب ولا يشربون، حتى يحكم الله بيننا وبينهم. فقال رسول
الله (ﷺ) : "قد أشّرت
بالرأي"، ففعل ذلك وتراجع عن اجتهاده.([78])
وهذه القاعدة من إبداع
سيدنا الشافعي (رحمة الله عليه)، وهي تدل دلالة واضحة على أن سكوت القرآن الكريم
عن بيان حكم الرجم لا يدل على قوله بمشروعية الرجم، وعلى هذه القاعدة استثناءات،
منها قاعدة سكوت البنت في الاستئذان بالزواج يُعتبر قولا وموافقة على هذا الزواج،
ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك. وذلك بموجب قول الرسول(r): ((الأيم تُستأمر
والبكر تُستأذن، وصماتها إذنها)).
وبناءً على القاعدة
المذكورة للإمام الشافعي، يدل سكوت القرآن عن حكم الرجم على عدم مشروعية عقوبة
الرجم.
وأما أكذوبة (الشيخ
والشيخة إذا زنيا فأرجموهما البتة)، فإنما هي عرف جاهلي متأثر بالتعاليم اليهودية،
كما شرحنا ذلك في المبحث الأول.
القاعدة التي تقضي بأن
المباني والمعاني، أمران متلازمان لزوما بيّناً بالمعنى الأخص، أي تصور أحدهما في
الذهن أو وجوده خارج الذهن يستلزم تصور الآخر أو وجوده والجزم باللزوم، فبناءً على
ذلك فإن القول بنسخ التلاوة في القرآن وبقاء الحكم، كما زعموا ذلك في أكذوبة
(الشيخ والشيخة)، أمر يرفضه العقل السليم والمنطق، وخطأٌ وقع فيه بعض من السلف
وقلّدهم الخلف تقليداً أعمى، دون التعمق في الموضوع، حتى أصبح خطأً مُجمعاً على
صحته. وهذا الخطأ من السلف كان مبنياً على إطلاق السلف الصالح تعبير النسخ على
تخصيص العام وتقييد المطلق وبيان المجمل والتدرج والرخصة. ([79])
وهي حكمة الحكم وغايته
والمصلحة المتوخاة منه، التي بنى عليها علماء أصول الفقه بالإجماع قاعدة (الحكم
يدور مع علته وجودا وعدما)، أي إذا تخلفت الحكمة يتخلف الحكم، وإذا تحققت يتحقق
الحكم.
فهذه القاعدة ترفض
القول بأن (الشيخ والشيخة إذا زنيا فأرجموهما البتة)، كانت آية في سورة (الأحزاب)
فأُلغيت تلاوتها واُحتفظ بحكمها. فما هي الحكمة والفلسفة في هذا الصنيع الذي يأباه
عدل الله وحكمته سبحانه وتعالى؟ ثم ما هي حكمة بقاء تلاوة وحكم قوله تعالى: [الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ] وإلغاء تلاوة
(الشيخة والشيخة إذا زنيا فأرجموهما البتة)، مع أن خطورة الرجم على حياة الفرد
والمجتمع أضعاف مضاعفة خطورة الجلد. فهل يتصور العقل السليم أن يُقرّ سبحانه
وتعالى مثل هذا العبث الذي يرفضه عقل الإنسان السليم.
وقد اختلف المفسرون
ورجال الحديث في أسبقية قضاء الرسول(r) بالرجم بعدد قليل من الأفراد، على
نزول آية الجلد: [الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا
مِئَةَ جَلْدَةٍ]، أو أسبقية هذه الآية على قضاء الرسول(r)، وحتى الإمام البخاري
نفسه سأل هذا السؤال. وهذا الشك في أسبقية الآية على القضاء أو القضاء على الآية،
يُفسر لصالح الزاني المحصن والزانية المحصنة، وتُعد آية الجلد متأخرة عن قضاء
الرسول(r)، وبناء على ذلك تُعد
الآية ناسخة لقضاء الرسول(r).
يكاد
يتفق منتسبو المدارس الفقهية([80]) على وجوب الرجم،
باستثناء الخوارج والمعتزلة، والاختلاف بينهم إنما هو في كيفية تطبيقه، وفي أنه هل
يُجمع بين الجلد والرجم، أو يُكتفى بالرجم وحده، وهذا الاتجاه من هؤلاء علماء
الدين مبني على تغليب العمل بالأحاديث الآحادية وأقوال المجتهدين منهم والمقلدين
على العمل بالقرآن. ومن نماذج تطبيقات الرجم في المدارس الفقهية ما يلي:
(ورجم محصن في فضاء حتى
يموت([82])): ويصطفون كصفوف الصلاة لرجمه، كلما رجم قوم
تنحوا ورجم آخرون، فلو قتله شخص أو قفأ عينه بعد القضاء به فهدرٌ، والشرط بداءة
الشهود به ولو بحُصاة صغيرة، إلا لعذر كمرض، فيرجم القاضي بحضرته.
وفي كتاب (بدائع الصنائع
في ترتيب الشرائع)([83]): الزنا هو اسم لوطء
الحرام في قُبل المرأة الحية في حالة الاختيار، في دار العدل. وقال أبو حنيفة إن
اللواطة ليست بزنا.
والإحصان نوعان: إحصان
الرجم وإحصان القذف، أما إحصان الرجم فهو عبارة عن اجتماع صفات اعتبرها الشرع
لوجوب الرجم، وهي العقل والبلوغ والحرية والإسلام والنكاح الصحيح، وكون الزوجين
جميعا على هذه الصفات. ولا يُجمع بين الجلد والرجم عند عامة العلماء، لأن الرسول(r) لما قضى برجم ماعز لم
يجلده، ولو وجب الجمع بينهما لجمع. ولأن الزنا جناية واحدة، فلا يوجب إلا عقوبة
واحدة، والجلد والرجم كل واحد منهما عقوبة على حدة، فلا يجبان لجناية واحدة.
أنواع الحد ثلاثة: رجم
وجلد مع تغريب وجلد منفرد.
أي أن المكلف الحر
المسلم إذا عقد عقدا صحيحاً لازماً ووطيء وطئاً مباحاً بانتشار من غير مناكرة فيه
بين الزوجين، ثم زنا بعد ذلك، فإنه يُرجم، لأنه صار محصناً، ولا يُشترط كمال
الوطء، بل يكفي مغيب الحشفة أو قدرها من مقطوعها، بعد الإصابة السابقة. ويُشترط في
عقد نكاح أن يكون لازماً.
واللائط إذا كان بالغاً
طائعاً فإنه يُقتل، سواء كان محصناً أم لا.
وجلد البكر الحر مائة ويتشطر
في الرق، أي أن البكر الحرّ المسلم البالغ إذا زنا، فإنه يُجلد مائة جلدة ويُغرب
عاماً، والمراد بالبكر غير المحصن، وهو من لم يتقدم له وطء مباح في نكاح لازم.
([84])
ورد في المهذب([85]): إذا وطيء رجل من
أهل دار الإسلام امرأة مُحرمة عليه من غير عقد ولا شبهة عقد وغير ملك ولا شبهة
ملك، وهو عاقل بالغ مختار عالم بالتحريم، وجب عليه الحد، فإن كان محصناً وجب عليه
الرجم، لما روى ابن عباس(c)
قال: قال عمر لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائلهم ما نجد الرجم في كتاب
الله، فيضلون ويتركون فريضة أنزلها الله، إلاّ أن الرجم إذا أحصن الرجل وقامت
البيّنة أو كان الحمل أو الاعتراف، وقد قرأتها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فأرجموهما
البتة، وقد رجم رسول الله(r)
ورجمنا.
ولا يُجلد المحصن مع
الرجم لما روى أبو هريرة وزيد بن خالد الجهني قالا: كنا عند رسول الله(r)، فقام إليه رجل فقال إن
ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته، فقال: على ابنك جلد مئة وتغريب عام، وأغدُ
يا أنيس على امرأة هذا، فغدا عليها فاعترفت فرجمها.
ولو وجب الجلد مع الرجم
لأمر به.
والمحصن الذي يُرجم هو
أن يكون بالغاً عاقلا حراً وطيء في نكاح صحيح، فإن كان صبياً أو مجنونا لم يُرجم،
لأنهما ليسا من أهل الحد.
في
كتاب (إيضاح الفوائد في شرح القواعد)([86]) تحت عنوان كيفية
الاستيفاء للزاني المحصن (وكذلك الزانية المحصنة)، يُجمع فيه بين الجلد والرجم،
فيُجلد أولاً ثم يُرجم، وتقريره على هذا التقدير: هل يُنتظر بالرجم برء جلده أو لا
يُنتظر، بل يُرجم عُقيبه.
قال
الشيخان وأبو صلاح وابن البراج بالأول، وقال ابن إدريس بالثاني، ومنشأ الخلاف أن
الغرض الإتلاف والمبالغة في التعذيب، فعلى الأول لا يُنتظر، وعلى الثاني يُنتظر.
ثم
قال ابن إدريس: وقد روى أصحابنا أنه لا يُرجم حتى يبرء جلده، فإذا بريء رُجم.
والأول حمل الرواية على الاستحباب دون الإيجاب، لأن الغرض في الرجم هلاكه وإتلافه.
وإذا
هرب المرجوم من الحفيرة، فإن كان قد ثبت الزنا بالبيّنة أُعيد، وإن ثبت بالإقرار
لم يُعَد.
والمستوفي
هو الإمام مطلقاً أو من يأمره الإمام، سواء كان الزاني حُرّاً أو عبداً، ذكراً أو
أنثى.
وحجة
من قال بالجمع بين الجلد والرجم هو عمل عليّ بن أبي طالب (t) حيث رُوي عنه أنه رجم امرأةٌ فجلدها يوم الخميس ورجمها يوم
الجمعة، فقال: جلدّتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله..
ويُرد
هذا من الأوجه الأربعة الآتية:
1- عمل علي ليس مصدراً
للتشريع.
2- عمله مخالف للقرآن
بالنسبة للرجم.
3-
عمله مخالف للقاعدة العامة، وهي أن العقوبة الصغرى تدخل حين التنفيذ في العقوبة
الكبرى، فالجلد يدخل في الرجم على تقدير صحة الرجم.
4- إن صحّ كلام عليّ،
فإنه يدل على أنه لا رجم في القرآن.
صورة
الرجم: تحفر حفرة وتوضع فيها المرأة إلى صدرها والرجل إلى حقويه، ثم يرمي الناس
على الزاني بأحجار صغار.
قال
الإمام الصادق: تُدفن المرأة إلى وسطها ثم يرمي الإمام ويرمي الناس بأحجار صغار.
وإذا هرب الزاني من الحفرة وجب إعادته إليها إذا كان قد ثبت عليه الزنا بالبيّنة،
ولا يُعاد بل يُترك وشأنه إن كان هو الذي أقرّ على نفسه بالزنا.
وإذا
كان عقاب المريض والمستحاضة الرجم، رُجما من غير تأخير، وإذا كان جلداً أُمهل
المريض حتى يبرأ خشية أن يؤدي به الجلد إلى الموت. وكذا المستحاضة فإنها مريضة
لفساد الدم.
قتل
الزوجة الزانية وصاحبها: من وجد مع زوجته رجلا يزني بها، فله قتلهما معاً ولا شيء
عليه بينه وبين الله.
وإذا زنا الحر المحصن أو الحرّة المحصنة، جُلدا ورُجما حتى
يموتا في إحدى الروايتين عن أبي عبدالله (رحمه الله)، والرواية الأخرى يُرجمان ولا
يُجلدان، والكلام في هذه المسألة في فصول ثلاثة، أحدها في وجوب الرجم على الزاني
المحصن رجلا كان أو امرأة، وهذا قول عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن
بعدهم من علماء الأمصار في جميع الإعصار. ولا نعلم فيه مخالفاً إلا الخوارج، فإنهم
قالوا الجلد للبكر والثيب، لقوله تعالى: [الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا
كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ]([88]). وقالوا لا يجوز
ترك كتاب الله الثابت بطريق القطع واليقين لأخبار آحاد يجوز الكذب فيها، ولأن هذا
يفضي إلى نسخ الكتاب بالسنة، وهو غير جائز. وقد استند القائلون بالرجم للمحصن
والمحصنة بما روي عن عمر بن الخطاب من أنه قال: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فأرجموهما
البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم). على أساس أن هذه الأكذوبة كانت آية من سورة
الأحزاب، فنُسخت تلاوتها وبقي حكمها.([89])
في
كتاب (المنتزع المختار من الغير المدرار المفتح لكمائم الأزهار)([90]): ويُرجم المكلف بعد الجلد، أي فحده أن يُرجم
بعد أن يُجلد جلد البكر حتى يموت، هذا مذهبنا.
وإن كانت الزانية
المحصنة حاملا وجب أن تُترك حتى تضع ما في بطنها، وكذلك تُترك للرضاع بأن ترضع
ولدها.
ويندب الحفر للمرجوم إلى
سرّة الرجل وإلى ثدي المرأة.
هذا المذهب لم يتردد في
وجوب رجم الزاني المحصن والزانية المحصنة، غير أن ابن حزم اكتفى بترديد الأحاديث
التي قضى فيها برجم الزاني المحصن والزانية المحصنة، وكعادة الفقهاء لم يستشهد
بآية قرآنية واحدة، بل كرر الأحاديث الآحادية التي نُقلت عن الرسول(r) وأمر فيها برجم الزاني
والزانية، بشرط توافر الإحصان. ([91])
ورد في كتاب (شرح النيل
وشفاء العليل)([92])ما خلاصته: إن
النبـي (r)
رجم يهودياً ويهوديةً محصنين بحكم التوراة وتنفيذا للحكم عليهم بما في كتابهم،
وكان مأمورا بإتباع التوراة حتى ينزل (أي ينزل الحكم في القرآن).
وحد الزنا رجم منفرد
وجلد منفرد وجلد مع تغريب، الأول للحرّ والحرّة المحصنين، وشرطه أن يشهد أربعة
رجال أحرار بالغين عاقلين مسلمين أنهم رأوا فرجه في فرجها كالميل في المكحلة،
شهادة متفقة على مكان الزنا ووقته، وأن لا يدعي المشهود عليه دعوى تكون فيها شبهة،
وأن يكون مكلفاً. ومن أقرّ بالزنى محصناً رُجم. ولا رجم بحجارة عظام خشية التشويه،
ولأن لا يُقتل بمرّةٍ، ولا بصغار خشية التعذيب. ويُحفر للمرجومة إلى الثديين
وللمرجوم إلى السرّة عندنا وعند الشافعي.
تتفق هذه الآراء من أوجه وتختلف من أوجه أخرى.
أ/ أوجه الاتفاق:
1- الكل متفقون على أن حكم الرجم لا يُطبق على
العبد والجارية، ولا على المشرك والمشركة، ولا على عديم التميز كالمجنون
والمجنونة.
2- الكل متفقون على العمل بأحاديث الآحاد، بغض
النظر عن معارضتها للقرآن، الساكت عن الرجم، ولا يُنسب إلى الساكت قول، كما قال
سيّدنا شافعي(رحمه الله).
3- الاتفاق على صحة أكذوبة (الشيخ والشيخة إذا
زنيا)، والقول بالرجم على أساس أن هذه الأكذوبة كانت آية قرآنية نُسخت تلاوتها
وبقي حكمها.
4- الاتفاق على كون الزواج السابق على الزنا
صحيحاً.
ب- أوجه الاختلاف:
اختلفوا في بعض الأحكام، منها ما يلي:
1- يُجمع بين الجلد والرجم عند البعض، كالإمامية
والحنابلة في إحدى الروايتين، ومنهم من قال إن الإنسان لا يُعاقب على جريمة واحدة
بعقوبتين، كالحنفية والشافعية وإحدى الروايتين للحنابلة.
2- اختلفوا في اللائط، فمنهم من اعتبره زانياً
كالمالكية ومن وافقهم، فينطبق عليه حكم الرجم كالزاني المحصن والزانية المحصنة،
ومنهم من قال بخلاف ذلك، فلا يُعتبر اللائط زانياً كالحنفية ومن وافقهم.
3- اختلفوا في هروب
المرجوم أثناء الرجم، فمنهم من قال يُعاد ويُكمل الرجم حتى الموت، ومنهم من قال
إذا كانت الجريمة ثابتة بالبيّنة، فلا تأثير لهذا الهروب، أما إذا كانت ثابتةً
بإقراره، يُعتبر الهروب تراجعا، وهو يؤدي إلى حدوث الشبهة، والحدود تُدرأ
بالشبهات.
أسباب هذا الاتفاق كثيرة، ونقتصر على أهمها كما
يلي:
أولا/
حسن ظنهم لا بما يُنسب إلى الرسول(r)
فحسب، بل بكل من لم يُعرف بالكذب أو الجهل، وعلى سبيل المثل، يقول العلامة الشيخ
ابن حجر الهيتمي المكي، من فقهاء الشافعية بأن نهر النيل ينبع من الجنة، ثم يمر
بالسودان ومصر وغيرهما. في وقتٍ كتابه (تحفة المحتاج) يُعد دستوراً للمسلمين عند
الشافعية. وهذا الخطأ منه مبني على عدة أسباب، منها:
أ- عدم المامه بعلم الجغرافيا لبلاد العالم.
ب- حسن ظنه بالقائل بهذه الأكذوبة.
ج- عدم استخدامه العقل في التحليل والتعليل
والاستنتاج في هذا الموضوع.
ثانيا/
عدم إلمام هؤلاء الفقهاء بقواعد التحديث وشروط العمل بكل ما يُسند إلى الرسول(r).
ثالثا/
انعزالهم للاجتهاد وعدم اختلاطهم بالناس، حتى يطلعوا على وجود كثير من الوضّاعين
للأحاديث النبوية، كعبدالله بن سبأ، يهودي الأصل، الذي تظاهر بالإسلام لتشويه
حقيقته ونقل الإسرائيليات من الخرافات إليه، وهو حين موته قال لمن حوله من الملاء:
"وضعت باسم نبيكم آلاف الأحاديث، حرّمت الحلال وحللت الحرام".
رابعاً/ الثقة التامة بالبخاري ومسلم، والاعتقاد الجازم الثابت بأن
كل ما ورد في هذين المرجعين صحيح، وإنكاره كفرٌ، مع أن المسافة الزمنية بين عهد
الرسالة وعهد تدوين السنة النبوية بعيدة بحيث كان المجال واسعا للتلاعب بالأحاديث.
وقد أثبت علماء المعاصرون والمحققون أن في البخاري زهاء (600) حديث غير صحيح، ومن
الواضح أن ما في البخاري أقوى مما في صحيح مسلم.
خامسا/ الاعتماد على قول الصحابي
والتابعي، مع أن قول الخلفاء الراشدين ليس حجة، فكيف يكون قول غيرهم حجة. يقول
الفيلسوف الإسلامي الإمام الغزالي في كتابه (المستصفى) (ص243) تحت عنوان قول
الصحابي ليس حجة، الذي نصه ما يلي: (إن قول الصحابي ليس حجة، أي لا يعتبر مصدراً
من مصادر الفقه الإسلامي)، واستدل على ذلك بالأدلة العقلية المنطقية الصرفة قائلا:
"ذهب قوم إلى أن مذهب الصحابي حجة مطلقاً، وقوم إلى أنه حجة إن خالف القياس،
وقوم إلى أن الحجة في قول أبي بكر وعمر، وقوم إلى أن الحجة قول الخلفاء الراشدين
إذا اتفقوا، والكل باطل عندنا، فإن من يجوز عليه الغلط والسهو ولم تثبت عصمته عنه،
فلا حجة في قوله، فكيف يُحتج بقولهم مع جواز الخطأ؟ وكيف يُتصور عصمة قوم يجوز
عليهم الاختلاف؟ وكيف يختلف المعصومان؟ وكيف وقد اتفقت الصحابة على جواز مخالفة
الصحابة؟ فلم يُنكر أبو بكر على من خالفه بالاجتهاد، فانتفاء الدليل على العصمة
ووقوع الاختلاف بينهم وتصريحهم بجواز مخالفتهم: ثلاثة أدلة قاطعة على عدم حجية قول
الصحابي."
سادسا/
الاعتماد الكلي تقريبا على أحاديث الآحاد، وإهمال القرآن غالباً في فتاواهم، كما
هو واضح لمن له اطلاع على المراجع الفقهية الإسلامية في جميع المذاهب، وهي تعتمد
95% على أحاديث الآحاد، 5% على الآيات القرآنية.
سابعا/
عدم رعاية قواعد أصول الفقه، كما هو الشأن عند علماء الدين في هذا العصر. فهم لم
يُطبقوا قاعدة (لا مساغ للاجتهاد في مورد النص)، فهناك نصوص قطعية الدلالة والثبوت
في القرآن الكريم تدل على الحكم الشرعي، ورغم ذلك اجتهد الفقهاء في هذه الآيات
وافتوا بخلاف ما في القرآن.
وعلى سبيل المثل آية: [الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ
فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ]([93]) تدل دلالة قطعية
على توزيع الطلقات الثلاث على ثلاث مرات، والمرة الثالثة عبارة عن (تَسْرِيحٌ
بِإِحْسَانٍ)، بينما اتفق فقهاء أهل السنة على أن جمع هذه المرات في مرة واحدة
وبلفظ واحد تقع به الطلقات الثلاث، ولا تحل الزوجة لزوجها المطلِق إلا بعد أن تنكح
زوجاً آخر ويُعاشرها ثم تحصل الفرقة بينهما بالطلاق أو الوفاة ثم تنتهي عدتها.
وكإهمال العمل بقاعدة (إذا تعارض القرآن مع
الحديث النبوي، ولم يُمكن الجمع بينهما، يجب العمل بالقرآن وترجيحه على الحديث،
ولو كان متواتراً). ورغم ذلك رجّح الفقهاء أحاديث الآحاد في موضوع الرجم على العمل
بالقرآن، كما ذكرنا تفصيل ذلك فيما سبق.
ثامنا/
تقليد الخلف للسلف، فإذا وقع مجتهد من السلف الصالح في خطأ، قلّده من أتى بعده
وأخذ بمقتضى ذلك الخطأ دون تدقيق أو تعميق أو تحليل. وهذا ما يجده الباحث في كثير
من المؤلفات القديمة والحديثة.
تاسعا/ عدم اعتقادهم بأن المجتهد الذي يقلده الباحث
قد يخطأ، خلافاً لما قاله الرسول(r):
((إذا حكم الحاكم[94]
فأجتهد فأصاب فله أجران[95]، وإذا حكم وأجتهد وأخطأ
فله أجر[96])). وعلى سبيل المثل فإن
سيّدنا الشافعي (رحمه الله) نقل آية من القرآن الكريم خطأً في كتابه (الرسالة في
أصول الفقه)، وبقى هذا الخطأ أكثر من 1150 سنة، لم يجرأ أحد أن يقول بهذا الخطأ،
لأن الناقل هو الشافعي، إلى أن اكتشفه الأستاذ أحمد محمد شاكر، حين قام بتحقيق
كتاب الرسالة. ([97])
عاشرا/
تأثر الفقهاء بظروف أزمنتهم تأثراً أدّى بهم إلى التعصب الديني الذي تغلب على
رعايتهم لتكريم الله تعالى لعباده مطلقاً من المسلمين وغير المسلمين، كما قال
سبحانه وتعالى: [وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ
مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً] [98]. مما دفعهم إلى الفتوى بهدر دم كل
إنسان خالف عمدا حكماً من أحكام الله.
حادي عشر/ إن أهم رواة أحاديث الرجم (أبو هريرة) وهو لم يكن فقيهاً
حتّى يٌقدر ويُقوم محتويات ما يرويه، وقد منعه عمر بن الخطاب من رواية الحديث عن
النبي (r)،
وقال له: (لتتركنّ الحديث عن رسول الله، أو لألحقنّك بارض دوس) (أرض بلاده). وقال
لكعب الأحبار: (لتتركن الحديث عن الأول-أي عن أبي هريرة- أو لألحقنّك بارض
القردة-أي أرض أجداده من اليهود-). وقد أكثر أبو هريرة من الحديث بعد وفاة عمر،
وقد روى عن النبي أكثر من ثمانية آلاف حديث، بينما عاش علي بن أبي طالب (t) معه ليلا ونهاراً ونقل
عنه (142) حديثا، وعائشة أم المؤمنين(رضي الله عنها) نقل عنه أربعين حديثاً.
تناول علماء الدين
المعاصرون بحث رجم الزناة بعقليات مختلفة متباينة، فمنهم من عالج الموضوع بعقلية
ناضجة متنورة، ومنهم من بحثه بعقلية سطحية مقلدة متخلفة، تاركين القرآن وراء
ظهورهم.
من أصحاب العقول
الناضجة:
أولاً:
الأستاذ الجليل والشيخ الكبير العلامة محمد أبو زهرة، من كبار علماء مصر،
حيث فجّر قنبلةً فقهيةً، كما قال الشيخ القرضاوي في مذكراته، عند حديثه عن مؤتمر
ندوة التشريع الإسلامي المنعقدة في مدينة البيضاء في ليبيا عام 1972، فقال تحت عنوان
(أبو زهرة يٌفجر قنبلة): "وفي هذه الندوة فجر الشيخ أبو زهرة
قنبلة فقهية، هيّجت عليه أعضاء المؤتمر، حينما فاجأهم برأيه الجديد". وقصة
ذلك-كما يقول القرضاوي-: "أن الشيخ رحمه الله وقف في المؤتمر وقال: (إني كتمت
رأياً فقهياً في نفسي منذ عشرين سنة، وكنت قد بُحتُ به للدكتور عبدالعزيز عامر
واستشهد به قائلا أليس كذلك يا دكتور عبدالعزيز؟ قال: بلا، وآن لي أن أبوح بما
كتمته قبل أن ألقي الله ويسألني: لماذا كتمت ما لديك من علم ولم تُبيّنه للناس؟
هذا الرأي يتعلق بقضية الرجم للمحصن في حد الزنا."
فرأى أن الرجم كان شريعة يهودية أقرّها الرسول(r) في أول الأمر ثم نُسخت بحد الجلد في سورة النور. قال الشيخ (أبو
زهرة): "ولي على ذلك أدلة ثلاثة:
الأول: إن الله تعالى
قال: [...فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا
عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ...]([99]). والرجم عقوبة لا
تُنصف، فثبت أن العذاب في الآية هو المذكور في سورة النور: [...وَلْيَشْهَدْ
عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ]([100])
والثاني: ما رواه
البخاري في جامعه الصحيح عن عبدالله بن أوفى أنه سُئل عن الرجم، هل كان بعد سورة
النور أم قبلها. فقال: لا أدري. فمن المحتمل جداً أن تكون عقوبة الرجم قبل نزول
آية النور التي نسختها.
الثالث: أن الحديث الذي
اعتمدوا عليه([101]) وقالوا إنه كان
قرآناً ثم نُسخت تلاوته وبقي حكمه، أمرٌ لا يُقرّه العقل، لماذا نُسخت التلاوة
والحكم باقٍ؟ وما قيل إنه كان في صحيفته فجاءت الداجن وأكلتها، لا يقبله المنطق.
وما انتهى الشيخ (أبو زهرة) من كلامه، حتى ثار
عليه أغلب الحضور وقام من قام منهم وردّ عليه بما هو مذكور في كتب الفقه حول هذه
الأدلة.
ولكن الشيخ ثبت على رأيه."
ثم قال القرضاوي أنه لقيه بعد انفضاض الجلسة
وقال له:
يا مولانا، عندي رأي قريب من رأيك، ولكنه أدنى
إلى القبول منه.
قال: وما هو؟
قلت: جاء في الحديث الصحيح البكر بالبكر جلد مئة
وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مئة ورجم بالحجارة.
قال: وماذا تأخذ من هذا الحديث؟
قلت: تعلم فضيلتك أن الحنفية قالوا في الشطر
الأول من الحديث الحد هو الجلد، أما التغريب أو النفي فهو سياسة وتعزير موكول إلى
رأي الإمام، ولكنه ليس لازما في كل حال. الله أكبر، معنى ذلك أن للحنفية، وهم أحد
مذاهب أهل السنة الأربعة، رأيٌ في رجم الزناة يُخالف رأي بقية المذاهب، ويرون أن
الرجم للزاني المحصن هو حكم تعزيري وليس واجباً القيام به، ومتروك للحاكم القيام
به أو عدم القيام به، وذلك بعكس الجلد، مئة جلدة، الذي هو حكم لابد من تنفيذه إذا
ثبت.
وعلى هذا فثبت ما جاء به الروايات من الرجم في
العهد النبوي، وقد رجم يهوديين ورجم ماعزاً ورجم الغامدية، وبعث أحد أصحابه في
قضية امرأة العسيف، وقال له (أغدُ يا أُنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فأرجمهما)،
وكذلك ما روي بعده وأن علياً رجم كذلك.
ولكن الشيخ لم يوافق على رأيي هذا وقال لي:
يا يوسف، هل معقول أن محمد بن عبدالله، الرحمة
المهداة، يرمي الناس بالحجارة حتى الموت؟!
توقفت طويلاً عند قول الشيخ أبي زهرة عن رأيه
أنه كتمه في نفسه عشرين عاماً، لماذا كتمه ولم يُعلنه في درس أو محاضرة أو كتاب أو
مقالة؟!
لقد فعل ذلك خشية هياج العامة عليه وتوجيه سهام
التشهير والتجريح إليه كما حدث له في هذه الندوة، قلت في نفسي: (كم من آراء
واجتهادات جديدة وجريئة تبقى حبيسة في صدور أصحابها، حتى تموت معهم ولم يسمع بها
أحد، ولم ينقلها أحد عنهم).([102])
ثانياً: سماحة الشيخ محمد صنقور، تحت عنوان (آية الرجم ليست
قرآناً) يقول:
"ليس في القرآن الكريم الذي نزل على قلب
رسول الله(r) آية اسمها آية الرجم، بل لم يرد في القرآن الكريم حدّ الرجم،
وإنما ورد في السنة الشريفة، أن الزاني المحصن رجلاً كان أو امرأةً، يُعاقب بحدّ
الرجم، والآية التي نُسب لعمر أنه قال إنها من القرآن، رويت بألسنة مختلفة، منها:
أ- إذا زنى الشيخ
والشيخة فأرجموهما البتّة نكالاً من الله، والله عزيز حكيم.
ب- الشيخ والشيخة فأرجموهما
البتّة بما قضيا من اللذة.
ج- إن الشيخ والشيخة
إذا زنيا فأرجموهما البتة.
وقد ورد أن عمر قال أنه
لولا أن يقول قوم زاد عمر في كتاب الله، كتبتها بيدي، الشيخ والشيخة إذا زنيا
فأرجموهما البتة بما قضيا من اللذة، نكالاً من الله، والله عزيز حكيم.
ثم إن علماء السنة
برروا لعدم ضبط آية الرجم في المصحف الشريف، بدعوى أنها نُسخت تلاوتها، وإن لم
يُنسخ حكمها. إلاّ أن ذلك يُنافي ما روي أن عمر كان يريد كتابتها في المصحف، لولا
خشيته من أنه يُقال أنه زاد في كتاب الله تعالى.
فإذا كانت آية الرجم
منسوخة التلاوة، كما برر لذلك أكثر علماء السنة، فكيف أراد الخليفة عمر كتابتها في
المصحف؟ وهل أن خشيته من ضياع حكم الرجم تُبرر له كتابتها في المصحف، بعد أن نُسخت
تلاوتها، بحسب الدعوى.!
فالظاهر أن نسخ التلاوة
لم يكن رأي الخليفة عمر، بل كان يرى أنه آية الرجم من القرآن، ولم تُنسخ لا حكماً
ولا تلاوةً.
وأما عدم ضبطها في
المصحف فقد نشأت عن أنها لم تكن أساساً آية من آيات القرآن، وإنما هو وهم توهمه
الخليفة عمر فحسب بأن حكم الرجم الثابت من السنة الشريفة آية من آيات القرآن
الكريم.
فآية الرجم ليست من
القرآن بإجماع المسلمين قاطبةً، غايته أن أكثر علماء السنة يقولون بأنها كانت
قرآناً ثم نُسخت تلاوتها أيّام رسول الله(r). وهذا معناه أنها ليست من القرآن، ولهذا لم تُضبط في المصحف
الشريف.([103])
ثالثا: الأستاذ بابكر فيصل بابكر، تحت عنوان (مجمع
الفقه الإسلامي ورجم الزاني المحصن) يقول:
"تناولت الأسبوع
الفائت موضوع حد الردة الذي أشار إليه الأستاذ علي محمد الحسن أبو قناية في مقاله
المنشور في صحيفة الرأي العام، بتأريخ 26/4/2011، حيث اتفقت معه في ما ذهب إليه من
رأي يقول إن حساب المرتد في الآخرة عند الله تعالى، وليس عند مجمع الفقه الإسلامي،
واليوم أتناول الموضوع الثاني الذي تطرق إليه الأستاذ أبو قناية وهو القول بتطبيق
عقوبة الرجم على الزاني المحصن.
كتب الأستاذ أبو قناية
منتقدا موقف مجمع الفقه الإسلامي من رجم الزاني المحصن وقال: "إن مجمع الفقه
الإسلامي يوافق على حدّ الرجم للزاني المحصن الذي لم تأمر الشريعة الإسلامية
برجمه، وإنما أمرت بجلده لا رجمه أو قتله، وذلك من عدل الشريعة التي لم تُحاكم من
تصرف في نفسه مثل ردّته، ولكن تُحاكم من تعدى عن نفسه إلى نفس أخرى. مثل حد السرقة
وحد الزنا والحرابة، فمن قتل مرتدّا يُقتل به، ومن رجم زانياً يُرجم بمثل ما رُجم
به. وذلك نسبة لحرّية الاعتقاد، إذ أن الدين الإسلامي من عدالته لم يأمر بقتل
المرتد عن دين الإسلام ولا برجم الزاني.
في البدء نقول (الأستاذ
بابكر) أنه لم يثبت ثبوتاً قطعياً أن الشريعة الإسلامية قد أمرت برجم الزانية أو
الزاني، محصناً كان أم غير ذلك، وأن عقوبة الرجم غير موجودة في القرآن.
ويرى الباحث الليبي
المرحوم الصادق النيهوم، صاحب كتاب (إسلام ضد الإسلام): "أن الفقهاء
أخذوا عقوبة الرجم من الشريعة اليهودية. وعقاب (عذاب) الزاني والزانية في القرآن
هو الجلد، كما ذكرت سورة النور.
كما أن هناك أيضا
عقوبات في الدنيا وأخرى في يوم القيامة حددها القرآن لحالات مخصوصة من الزنا،
وسنتناول أدناه كما أورده القرآن بخصوص عقوبة الزنا:
1- العذاب الذي قررها
سورة النور للزانية والزاني إذا ضُبطا متلبسين هو الجلد(مئة جلدة) أمام الناس، كما
جاء في الآية الثانية من سورة النور.
2- وقررت الآية (33) من
سورة النور أن الأمة إذا زنت وهي مكرهة من قبل سيدها الذي يملكها، فلا عقوبة
عليها، لأنها غير مُخيّرة: [وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ
أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن
يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ]([104]).
أما إذا زنت الأمة بعد
زواجها ولم تعد مكرهةً على ممارسة الزنا، فإن عقوبتها خمسون جلدة، وهي نصف عقوبة
الحرة المتزوجة، وهذا ما قررته الآية (25) من سورة النساء: [...فَإِذَا أُحْصِنَّ
فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ
الْعَذَابِ...]([105]).
فإذا كان عذاب المحصنة
هو الرجم حتى الموت، فكيف يمكن أن تعاقب الجارية المحصنة بنصف الموت؟ وهل يمكن أن
يقسم الموت إلى موت كامل ونصف موت؟ الموت هو الموت.
3- وتحدث القرآن كذلك
عن اللعان، وهي الحالة التي يعجز فيها الرجل عن إثبات الزنى على زوجته بإحضار
أربعة شهود، في هذه الحالة يشهد الرجل وحده على زنا زوجته أربع مرات، وفي الشهادة
الخامسة يسأل الله أن يلعنه إذا كان كاذباً. ومن حق الزوجة كذلك أن تدافع عن نفسها
بالشهادة أربع مرات بأن زوجها كاذب، وفي الشهادة الخامسة تسأل غضب الله عليها إن
كان زوجها صادقاً في اتهامه لها بالزنا.
وهذا ما قررته آيات
سورة النور: [وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء
إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ
لَمِنَ الصَّادِقِينَ، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ
لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا
الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ
الْكَاذِبِينَ، وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ
الصَّادِقِينَ]([106]).
ولم تقل الآية (كما
يقول الأستاذ احمد دغشي) ويدرأ عنها الموت، مع أن القرآن استخدم ذات الفعل (درأ)
مع الموت في آية (168) من سورة آل عمران حيث يقول تعالى: [الَّذِينَ قَالُواْ
لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ
أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ]([107])، بل قال (وَيَدْرَأُ
عَنْهَا الْعَذَابَ) وهو نفس العذاب الذي ذكره القرآن في الآية الثانية من سورة
النور وفي الآية (25) من سورة النساء، وهو الجلد وليس القتل بالرجم.
4- أما فيما يخص نساء
النبي، فإن آيتي (30- 31) من سورة الأحزاب تُقرران أن عذابهن سيكون مضاعفاً (200
جلدة) في حال وقوعهن في تلك الجريمة، قال تعالى: [يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن
يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ
وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً، وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ
وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا
لَهَا رِزْقاً كَرِيماً]([108]) وهنا أيضا نلاحظ
أن العذاب المقصود هو الجلد وليس الموت، لأن الموت لا يمكن أن يُضاعف ضعفين.
5-
إضافة لعقوبة الجلد، فإن القرآن يقرر عقوبة الطرد من المنزل على الزانية المطلقة
التي مازالت في بيت زوجها لقضاء عدتها إذا ثبت ارتكابها لجريمة الزنا، وهو ما ورد
في الآية الأولى من سورة الطلاق: [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ
النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا
اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا
أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ
حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ
بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً].([109])
6- وهناك أيضا عقوبة
أخرى يضيفها القرآن للتي تزني بعد الطلاق، بشرط ثبوت الجريمة عليها، وهي أن يعضلها
(يمنعها) زوجها من الزواج مرة أخرى حتى تردّ له بعضاً من المال الذي أعطاه لها في
الصداق، كما في سورة النساء، الآية (19): [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ
يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ
لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ
مُّبَيِّنَةٍ ...]([110]).
7- أما إذا تزايدت
الشواهد على انحراف امرأة دون ثبوت الزنا عليها بطريقة بيّنة، فإن عقوبتها بعد
إشهاد أربعة شهود، هي الحبس في البيت حتى تموت أو يجعل الله له مخرجاً، وهذا ما
قررته الآية (15) من سورة النساء: [وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن
نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ
فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ
اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً]([111]).
8- كذلك يتحدث القرآن
عن الفاحشة بين الرجال (اللواط)، والفاحشة بين النساء (السحاق)، ويذكر العديد من
العقوبات في هاتين الحالتين، مثل إمساك في البيوت، وليس من بينها الرجم.
9- أما الذين يقولون
بأن الرسول (r) رجم الزاني المحصن، فإنهم يستندون إلى رواية وردت في موطأ الإمام
مالك عن خطبةٍ ألقاها سيّدنا عمر بن الخطاب وقال فيها إنه كان في القرآن آية تقول
(الشيخ والشيخة إذا زنيا فأرجموهما البتة)، وأنه لولا خوفه من أن يُقال زاد عمر في
كتاب الله، لأمر بكتابتها.
إن معنى كلمة الشيخ
والشيخة في هذه الرواية، إن صحّت، لا يفيد الإحصان المراد هنا، وهو الزواج، لأن
الشيخ هو من استبانت فيه السن وظهر عليه الشيب، أو الشيخة، قد يبلغا سن المئة دون
زواج أو إحصان.
10- ثم إننا كذلك
نتساءل عن الحكمة عن إزالة رسم هذه الآية من القرآن وبقاء حكمها. وإذا صح هذا
النسخ، فلماذا لم تُنسخ أحكام سورة النور حكم هذه الآية، وكيف يقول سيدنا عمر بهذه
الآية ثم يعدُّها زيادة في كتاب الله، يمتنع عن إضافتها إلى القرآن.
11-
ثم هم في ذلك يستندون إلى رواية رجم المرأة الغامدية وماعز، إضافة إلى أحاديث
مجافية للعقل، مثل الذي أورده البخاري في صحيحه، في باب المناقب، حيث يقول ((حدثنا
نعيم بن حماد، حدثنا هشيم عن حصين عن عمرو بن ميمون، قال رأيت في الجاهلية قردة
اجتمع عليها قردة، قد زنت فرجموها، فرجمتها معهم)). ([112])
فهل يُعقل أن يٌقتل النفس التي حرّم الله قتلها إلاّ
بالحق، استنادا إلى مثل هذا القول الخيالي المتكلف، عن أن هناك قردة قد رجمت قردة
زانية؟
فكيف
يُمكن لإنسانٍ أن يعلم بأن القِردة تتزوج وأنها تُرجم من يخون ويزني؟ وكيف علم من
قال بهذا الكلام أن هذه القردة قد عوقبت بالرجم لأنها زنت؟ هل أخبره أحد القردة؟
وهل كانت الحيوانات تُطبق حدوداً شرعية في الجاهلية؟
12-
إن ما نقله البخاري في صحيحه عن عبدالله بن أوفى يكفي للرد على من يقولون برجم
الزاني، إن هم أعملوا عقولهم وابتغوا الحقيقة، فقد سُئل عن الرجم هل كان بعد سورة
النور أم قبلها، فقال لا أدري.. الراجح أن هذا الرجم إن صحّ فإنه يكون قد حدث قبل
نزول سورة النور. لأن الرسول(r)-كما يقول الأستاذ مصطفى محمود- إذا رجم بعد نزول حكم القرآن
بالجلد على الزاني، فإن النبي يكون قد خالف القرآن ولا يصح لعاقل أن ينسب إلى
النبي أنه خالف القرآن.
إن
من أعظم الحرمات حرمة النفس البشرية، ومن أعظم الجرائم أن تُقتل تلك النفس بغير
حكم أنزله الله تعالى التي خلقها. وأن أعظم الجرائم على الإطلاق أن نفتري تشريعاً
بقتل النفس ثم ننسبه إلى الله تعالى ورسوله.: [وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى
اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ]([113]).
رابعاً: أورد الأستاذ الدكتور مصطفى
محمود في إحدى مقالاته، تحت عنوان (لا يوجد رجم في الإسلام) في جريدة الأهرام،
تسعة أدلة تُثبت عدم وجود عقوبة الرجم في الإسلام، وقد نقلها الدكتور احمد السقا
في كتابه (لا رجم للزانية)، ولنتعمق في هذه البراهين التي تتوافق مع القرآن
والعقل:
الدليل الأول: إن الأمة إذا تزوجت
وزنت، فإنها تُعاقب بنصف حدّ الحرّة، وذلك لقوله تعالى: [وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ
مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ
بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ
أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ
مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ
مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ]([114]) والرجم لا ينتصف.
وجه الدليل من الآية قوله (فَإِذَا أُحْصِنَّ) أي تزوجن (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا
عَلَى الْمُحْصَنَاتِ) أي الحرائر. والجلد هو الذي يقبل التنصيف، مئة جلدة ونصفها
خمسون، أما الرجم فإنه لا ينتصف، لأنه موت وبعده قبر.
الدليل الثاني: أن البخاري روى في
صحيحه في باب رجم الحبلى: ((عن عبدالله بن أبي أوفى أن النبي(r) رجم ماعزا والغامدية، ولكننا لا ندري أرجم قبل آية الجلد أم
بعدها)).
وجه الدليل أنه شكك في
الرجم بقوله كان من النبي رجم، وذلك قبل سورة النور التي فيها: [الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ]. لما نزلت
سورة النور بحكم فيه الجلد لعموم الزناة، فهل هذا الحكم القرآني ألغى اجتهاد النبي
في الرجم، أو أن هذا الحكم باق على المسلمين إلى هذا اليوم؟ ومثل ذلك اجتهاد النبي
في معاملة أسرى غزوة بدر، وذلك أنه حكم بعتقهم بعد فدية، منها تعليم الواحد الفقير
منهم عشرة من صبيان المسلمين القراءة والكتابة، ثم نزل القرآن بإلغاء اجتهاده، كما
في الكتب في تفسير قوله تعالى: [مَا كَانَ لِنَبِيّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى
حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ...]([115])
وجه التشكيك: إذا كان
النبي(r) قد رجم قبل نزول القرآن
بالجلد لعموم الزناة، فإن الرجم يكون منه قبل نزول القرآن، وبالتالي يكون القرآن
الغى حكمه، ويكون الجلد هو الحكم الجديد، بدل حكم التوراة القديم، الذي حكم به
احتمالاً. أما إذا رجم بعد نزول القرآن بالجلد، فإنه يكون مخالفا للقرآن لا مفسراً
له ومبيناً لأحكامه، ولا موافقاً له. ولا يصح لعاقل أن ينسب للنبي (r) أنه خالف القرآن لأنه هو المبلغ له والقدوة للمسلمين، ولأنه
تعالى قال: [قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم
بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ]([116]). والسنة تٌفسر
القرآن وتوافقه، لكن لا تكمله، قال تعالى: [وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ مِن
قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ...]([117]) و(ال) في (الناس)
للعموم، وعلى أنهم كانوا مكلفين بالتوراة، يحتمل أن النبي(r) حكم بالرجم، لأنه هو
الحكم على الزانية والزاني في التوراة، ولما نزل القرآن بحكم جديد، نسخ الرجم
ونقضه.
الدليل الثالث: آية اللعان. إن الله
تعالى بيّن للرجل في سورة النور أنه إذا رأى رجلا يزني بامرأته ولم يقدر على إثبات
زناها بالشهود، فإنه يحلف أربعة أيمان أنه رآها تزني. وفي هذه الحالة يُقام عليها
حد الزنى. وإذا هي ردت أيمانه عليه بأن حلفت أربعة أيمان أنه من الكاذبين، فلا
يُقام عليها الحد، لقوله تعالى: [وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ
يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ
شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن
كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ
شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ، وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ
اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ]([118]).
وجه
الدليل هو أن هذا الحكم لامرأة محصنة، وقد جاء بعد قوله تعالى: [الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ] وحيث قد نصّ
على عذاب بأيمان في حال تعذر الشهود، فإن هذا العذاب يكون هو المذكور في الجريمة،
والمذكور هو: [الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا
مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن
كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا
طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ]([119]). أي العذاب المقرر
عليها وهو الجلد.
وفي آيات اللعان (وَيَدْرَأُ
عَنْهَا الْعَذَابَ) أي عذاب الجلد، وفي حد النساء النبي (يُضَاعَفْ لَهَا
الْعَذَابُ) أي عذاب الجلد، لأنه ليس في القرآن إلا الجلد عذاب على هذا الفعل. وفي
حد الإيماء (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ)،
المذكور في سورة النور وهو الجلد.
الدليل الرابع: قوله تعالى في حق
النساء النبي: [يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ
مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ
يَسِيراً]([120]).
عقوبة نساء النبي
مضاعفة، أي مئتا جلدة، فالرجم الذي هو الموت لا يُضاعف، والعذاب في الآية يكون في
الدنيا. والدليل الألف واللام، وتعني أنه شيء معروف ومعلوم.
الدليل الخامس: قوله تعالى: [الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا
تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ
الْمُؤْمِنِينَ]([121])
لأن (ال) في الزانية
والزاني للاستغراق نص على عدم التميز بين الزناة، سواء محصنين أو غير محصنين.
الدليل السادس: قال تعالى : [وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء
فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ
هُمُ الْفَاسِقُونَ]([122])
هنا ذكر حد القذف
ثمانين جلدة، بعد ذكره حد الجلد مئة، يريد أن يقول: إن للفعل حدّاً، ولشاهد زور
حداً، وانتقاله من حد إلى حد، يدل على كمال الحد الأول وتمامه، وذكره الحد الخفيف
(الثمانون) عدم ذكر الحد الثقيل (الرجم) يدل على أن الرجم غير مشروع، لأنه لو كان
كذلك لكان أولى بالذكر في القرآن من حد القذف.
الدليل السابع: قال تعالى: [وَاللاَّتِي
يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً
مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ
يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً].([123])
الإمساك في البيوت لا
يكون بعد الرجم ويعني الحياة لا الموت، إذا هذا دليل على عدم وجود الرجم، وتُفسر
قوله تعالى: [حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ
سَبِيلاً] هو أن الزانيات يحبسن في البيوت بعد الجلد إلى الموت أو إلى التوبة من
فاحشة الزنا.
الدليل الثامن: قوله تعالى: [الزَّانِي
لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا
إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ]([124])
هنا حرّم الله الزاني
على مؤمن، وهذا يدل على بقائها حيةً من بعد إقامة الحد عليها وهو مئة جلدة، ولو
كان الحد هو الرجم، لما كانت قد بقيت من بعده على قيد الحياة.
وقوله تعالى: [وَاللاَّتِي
يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ] لا يميز بين بكر وثيب، إذ قوله (مِن
نِّسَآئِكُمْ) يدل على عموم المسلمين، وقوله: [أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ
سَبِيلاً] يؤكد عدم الرجم ويؤكد عدم التميز بين البكر والثيب في الحد. وإن تابت
الزانية أو الزاني، فيندرجان تحت قوله: [...فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا
فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا ...]([125]) التوبة تجُبُّ ما
قبلها.
الدليل
التاسع:
يقول العلماء إن الخاص مقدم على العام، ثم يقولون والقرآن عام، ثم يقولون وفي
القرآن آيات تخصص العام، ثم يقولون في الأحاديث النبوية، أحاديث تخصص العام. أما
قوله بأن العام في القرآن يخصص بقرآن، فهذا هو ما اتفقوا عليه. وأما قولهم بأن
أحاديث تخصص عام القرآن، فهذا الذي اختلفوا فيه، لأن القرآن قطعي الثبوت، والحديث
ظني الثبوت واحد عن واحد عن واحد. ولا يصح تخصيص عام القرآن بخبر الواحد.
وعلى
ذلك فإن قوله تعالى: [الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ
مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ] حكم عام يشمل الجميع، محصنين أو غير محصنين، فهل يصح
تخصيص العام الذي هو الجلد بحديث يرويه واحد عن واحد في الرجم؟
إن قلنا بالتخصيص،
والخاص مقدم على العام، يلزم تفضيل كلام الراوي على كلام الله، أو يلزم مساواة
كلام الراوي بكلام الله، وهذا لا يقول به عاقل, وعليه يتوجب أن حكم الرجم ليس
تخصيصاً لحكم الجلد.
يقول شيخ الإسلام
فخرالدين الرازي عن الخوارج الذين أنكروا الرجم، إن قوله تعالى: [الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا] يقتضي وجوب الجلد على كل الزناة، وإيجاب الرجم على البعض
بخبر الواحد يقتضي تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد، وهو غير جائز، لأن الكتاب قاطع
في متنه، بينما خبر الواحد غير قاطع في متنه، والمقطوع راجح على المظنون.
وتلك الآيات الكريمة
القرآنية تُثبت أن الرجم غير مقبول في الإسلام كوسيلة الردع للمنحرف عن شريعة
الله.
تحدثت
التوراة عن عذرية الفتاة العروس. وحُكمُها فيها إذا ادعى الزوج عدم عذريتها
وَصَحَّ ذلك، بِرَجم الفتاة حسب هذا النص التوراتي "...إذا ثبتت صحة التهمة،
ولم تكن الفتاة عذراء حقا، يُؤتى بالفتاة إلى باب بيت أبيها ويَرجُمُها رجال
مدينتها بالحجارة حتى تموت، لأنها ارتكبت قباحة في إسرائيل، وَزَنَت في بيت أبيها،
وبذلك تستأصلون الشر من بينكم".([126])
و
تحت عنصر "أحكام في الزنا والاغتصاب" نقرأ هذه النصوص :
"وإذا التقى رجل بفتاة
مخطوبة لرجل آخر في المدينة وضاجعها، فأخرجوهما كليهما إلى بوابة المدينة وأرجموهما
بالحجارة حتى يموتا."([128])
وعَلّلوا
هذا الحكم بوجود الفتاة المخطوبة في المدينة ولم تستغث ولو استغاثت لأنجدها الناس.
"ولكن
اذا التقى ذلك الرجل بالفتاة المخطوبة في الحقل وأمسكها وضاجعها، يُرجَمُ الرجل
وحده ويموت، وأما الفتاة فلا تُرجَمُ لأنها لم ترتكب خطيئة جزاؤها الموت، بل تكون
كرجلٍ هاجمه آخر وقتله."([129])
باستقراء هذه النصوص نلاحظ أن عقوبة
الرجم مشرّعة في الديانة اليهودية ولا تتسامح فيها إلا إذا وقع الزنا في الريف،
فإنه يُعتبر اغتصاباً يُعاقَبُ عليه الرجل ولا تُعاقَب البنت، وهنا يبدو عدم
التشدد في عقوبة الرجم في هذه الحالة.
نقرأ
في الإنجيل تحت عنوان (الزانية أمام يسوع):
"وأحضر إليه معلّمو الشريعة والفريسيون امرأةً ضُبطت
تزني، وأوقفوها في الوسط، وقالوا له:
"يا
معلم، هذه المرأة ضُبِطَت وهي تزني، وقد أوصانا موسى في شريعته بإعدام أمثالها
رجماً بالحجارة، فما قولك أنت ...
فاعتدل
وقال لهم: "من كان بلا خطيئة فليرجمها أولاً بحجر...
فلما
سمعوا هذا الكلام انسحبوا جميعا واحداً تلو الآخر... وبقي يسوع وحده والمرأة واقفة
مكانها.
فاعتدل
وقال لها: "وأين هم أيتها المرأة؟ ألم يحكم عليك أحد منهم."
أجابت
لا أحد يا سيدي.
إن هذا الموقف قد شرحناه في المبحث
الأول بصورة مفصلة بحيث لا مبرر للتكرار، لكن من المفيد لمناسبة الرجم في التوراة
والإنجيل أن نُعيد بصورة مختصرة النظر في موقف القرآن من الرجم على النحو الآتي:
من يتدبر الآيات القرآنية لا يجد
فيها ذكرا لرجم الزاني والزانية، وإنما يجد تشنيعاً بالزنى ونهياً عن قربه، كما
قال تعالى: [وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً].([132])
ومن يقرب الزنا فالحكم في فعلته
الجلد بمقتضى منطوق آية: [الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ...الآية]([133])
كانت عقوبة الزنا في القرآن على النحو الآتي:
1- العقوبة مائة جلدة أمام الناس: كما
بدأت سورة النور بافتتاحية فريدة ترّد مقدما على أولئك الذين يتجاهلون وضوح القرآن
وبيان تشريعاته، حيث يقول تعالى في تلك الافتتاحية الفريدة: [سُورَةٌ
أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ]([134])، وبعدها قال تعالى
مباشرة: [الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ
جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ
مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ].([135])
2- الحبس في البيت: من الصعب إثبات حالة
التلبس في جريمة الزنا، كما من الصعب الإقرار بالوقوع في الزنا، ولكن من السهل أن
يُشاع عن امرأة ما بانها سيئة السلوك، حينئذ لابد من عقاب مناسب بعد الإشهاد عليها
بأربعة شهود.
قال تعالى: [وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ
مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن
شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ
أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً]([136]).
3- الإيذاء: قال تعالى: [وَاللَّذَانَ
يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ
عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً]([137]).
4- رفع العقوبة:
جاءت تفصيلات القرآن في عقوبة الجارية المملوكة إذا وقعت في الزنا، فإن كانت تحت
سيطرة سيدها ويُجبرها على ممارسة البغاء، فليس عليها العقوبة، إذ أنها لا تملك
حرية الاختيار، يقول سبحانه وتعالى: [وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى
الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ]
([138]).
5- نصف عقوبة المحصنات: إذا تزوجت
الجارية وتحررت من سيطرة مالكها ووقعت في جريمة الزنا، فعقوبتها خمسون جلدة، أي
نصف ما على المتزوجات الحرائر إذا وقعن في الزنا، قال تعالى: [فَإِذَا أُحْصِنَّ
فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ
الْعَذَابِ] ([139]).
6- طردها من بيت الزوجية: قد تكون
الزانية زوجة مطلقة لا تزال في فترة العدة، ومن حق المطلقة في فترة العدة أن تظل
في بيت الزوجية، ولكن تفقد هذا الحق إذا وقعت في الزنا، وحينئذ يكون من حق زوجها
أن يطردها، ولكن بشرط أن يكون جريمة الزنا مثبتة، حتى لا يُتاح لزوجها أن يتجنى
عليها بالباطل، فقال تعالى عن تلك الزوجة المطلقة: [لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن
بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ
وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ...الآية) ([140]).
والقرآن يصف الفاحشة بأنها فاحشة مبينة أي
مثبتة، ضمانا لعدم الافتراء بلا دليل. وعقوبة الطرد هنا تُضاف إلى العقوبة الأخرى
وهي مائة جلدة.
7- عضلها: هناك عقوبة أخرى لتلك الزوجة
المطلقة إذا وقعت في الزنا بعد إتمام الطلاق، وهي أنه من حق الزوج أن يمنعها عن
الزواج إلى أن تدفع له بعض ما أعطاه لها في الصداق أو المؤخر، على أن تكون جريمة
الزنا مثبتةً، حيث قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ
لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ
مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ...الآية]([141]).
والعضل هو منع المرأة من
الزواج، والقرآن يُحرم العضل إلاّ في حالة المطلقة الزانية، فيجعل من حق الزوج أن
يمنعها من الزواج إلاّ بعد أن تُعيد له بعض ما دفعه إليها من مهر.
8- الحرمان من الزواج
من أهل الإيمان: قال تعالى: [الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ
مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ
ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ] ([142]).
9- مضاعفة العذاب:
على افتراض بعيد لوقوع نساء النبي في جريمة الزنا، قال تعالى: [يَا نِسَاء
النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا
الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً] ([143]).
فوصف عقوبة الجلد بأنه عذاب وقدره مائة جلدة،
والقائلون بأن عقوبة المتزوجة هي الرجم، كيف يحكمون بمضاعفة الرجم لنفس الشخص، وهل
يموت شخص مرتين، وهل يُقتل بالرجم مرتين؟
10- اللعان والحرمان من استمرارية الزواج:
الرجل إذا عجز عن إثبات حالة التلبس بالزنى على زوجته ولم يستطع إحضار الشهود،
فيمكن أن يشهد بنفسه أمام القاضي أنها زانية أربع مرات، ويؤكد شهادته الخامسة بأن
يستجلب لعنة الله عليه إن كان كاذبا. ويمكن للزوجة المتهمة أن تدفع عنها عذاب
الجلد بأن تشهد أربع شهادات بالله بأن زوجها كاذب في اتهامها، ثم تؤكد في شهادتها
الخامسة بأن تستجلب غضب الله عليها إن كان زوجها صادقا في اتهامه لها، يقول الله تعالى:
[وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا
أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ
الصَّادِقِينَ، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ
الْكَاذِبِينَ، وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ
بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ، وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ
عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ] ([144]).
ولم يقل سبحانه وتعالى (يدرأ عنها الرجم أو
الإعدام) وإنما قال (ويدرأ عنها العذاب).
وبناء على ما ذكرنا، إن القرآن لم يذكر من قريب أن بعيد
تعبير الرجم، غير أن هذه الآيات وأحكامها نسختها وأبطلت أحكام حكمها أحاديث
الآحاد، على حد زعم القائلين بالرجم.
ومن البدهي أن أعظم الحرمات حرمة النفس البشرية وحقها في
الحياة، وأن من أعظم الجرائم أن تُقتل تلك النفس الزكية بغير حكم أنزله الله تعالى
الذي خلق النفس والذي أنزل الشرع،: [...مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ
فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا
فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً...].([145])
نستنتج
مما ذكرناه فيما يتعلق بالرجم، النتائج الآتية:
أولا- قضاء الرسول(r) بالرجم كان مبنيا على اجتهاده دون
الوحي الإلهي، وقد كان قبل الوحي في الموضوع الذي يرفع إليه يجتهد، وفي اجتهاده
يستند إما:
أ- إلى التوراة فيما لم
يُنسخ في القرآن آنذاك، كما في قضائه برجم ماعز وغامدية وغيرهما.([146])
ب- أو يستند إلى العرف
الجاهلي، كما في الظهار الذي كان يُعتبر طلاقاً في العرف الجاهلي قبل نزول آية: [قَدْ
سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى
اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ]([147])، وكما في الطلاق
الرجعي حيث كان يحق للزوج أن يطلق زوجته ويراجعها قبل انتهاء عدتها ولو كان ذلك
عشرات المرات، إلى أن نزل قوله تعالى: [الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ
بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ]([148]). وكان
المسلمون في صدر الرسالة يعملون بالعرف الجاهلي في طلاق الزوجة ورجعتها عشرات
المرات، وكان الرسول(r) يعلم ذلك ولا يمنعهم من
اتباع هذا العرف، وهذا السكوت يُعتبر سنة تقريرية ([149]).
ج- أو كان يستند في
اجتهاده إلى مصلحة يراها سندا لما يفعله لصالح المسلمين، كما في تحديد الخط
الأمامي لمواجهة المشركين في معركة بدر الكبرى، حتى جاءه أحد أصحابه فقال له: يا رسول الله منزل
أنزلكه الله ليس لنا أن نتعداه، ولا نقصر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال
رسول الله (r): "بل هو الرأي
والحرب والمكيدة".....الخ. ثم غيّر هذا التحديد الاجتهادي بناء على اقتراح هذا
الصحابي.
ثانيا- القاعدة العامة
الأصولية المتفق عليها تقضي بأنه إذا تعارضت السنة النبوية مع القرآن، فيُقدم
العمل بالقرآن، إذا لم تكن السنة مبينة له، وهذا يجب أن لا يختلف فيه اثنان. فقضاء
الرسول(r) بالرجم كان مخالفا
للقرآن. لأنه لم يرد فيه ما يشير إلى مشروعية الرجم من قريب أو بعيد.
ثالثا- قال الإمام الشافعي
(رحمه الله): "لا يُنسب إلى ساكت قول". ومن البدهي أن القرآن سكت عن
بيان حكم الرجم، وهذا السكوت دليل على عدم قوله بمشروعية الرجم، وفقا للقاعدة
المذكورة.
رابعا- الرجم أخطر من الجلد،
لماذا سكت القرآن عن حكم الرجم وبيّن حكم الجلد، مع تفاوتهما في الخطورة على
الجاني والمجتمع. وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على عدم وجود الرجم في القرآن.
خامسا- أكذوبة (الشيخ والشيخة)
لا يُستدل بها على مشروعية الرجم في القرآن كما سبق في المبحث الأول (الرجم
والقرآن) تفصيل ذلك.
سادسا- إعراض الرسول(r) عن استجابة ماعز حتى
ردد عليه أربع مرات، ثم قوله (أبك جنون؟) و(هل أحصنت؟)، ثم إن هروب ماعز عند شعوره
بالألم وإلقاء القبض عليه مرة أخرى واستنكار الرسول(r) على استمرار رجمه، كل
ذلك دليل على أن الرجم لم يكن وحيا إلهيا، وإنما كان اجتهاداً شخصياً من الرسول(r) متأثراً بما في
التوراة.
سابعا- أجمع فقهاء
الإسلام على أن السكين الذي يُذبح بها
الحيوان أو الطير، يجب أن تكون حادة حتى لا يتأذى المذبوح عند ذبحه، فإذا كان
الأمر كذلك بالنسبة للحيوانات والطيور، فكيف يأمر الله سبحانه وتعالى بإعدام
الزاني المحصن أو الزانية المحصنة عن طريق الرجم بالأحجار، وهو أقسى عملية وأشد
عقوبة من عمليات عقاب الجاني، أيّا كان حجم الجريمة وخطورتها. فالرجم عمل بدائي
وهمجي يتسم بطابع الوحشية في عقاب الجاني، فلا يُتصور أن يكون عملا يُقرّ القرآن
مشروعيته.
ثامنا- أجمع العلماء على أن
عقوبات جرائم الحدود لا تتأثر بالظروف المشددة والمخففة، وعلى سبيل المثل حدد
القرآن عقوبة جريمة الزنا بمائة جلدة، فقال: [الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي
فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ]، واعتبار إحصان الزانية والزاني
ظرفا مشددا موجبا لتبديل عقوبة الجلد بعقوبة الرجم مخالف لهذا الإجماع.
تاسعا- سؤال البخاري (رحمه
الله) عن تقدم وتأخر قضاء الرسول(r) بالرجم عن الآية الثانية في سورة
النور لدليل واضح على وجود الشك في هذا التقدم أو التأخر، لأن الآية إذا كان
نزولها بعد قضاء الرسول(r) فلا يبقى شك في نسخ القضاء بالآية.
ومن القواعد العامة المتفق عليها أن الشك يُفسر لصالح المتهم، أي يُفسر بأن القرآن
قد نسخ قضاء الرسول(r) الذي كان مبنيا على
اجتهاده واستناده إلى التوراة.
عاشرا- إعراض الرسول عن
استجابة طلب الغامدية في البداية حيث قالت أتردني كما ردّيت ماعز...الى آخره،
لدليل واضح على أن الرجم لم يكن تنفيذا لأمر إلهي، لأن عقوبات جرائم الحدود من
حقوق الله، فلا يملك غيره التساهل والإهمال فيها. كما في عقوبات سائر جرائم الحدود
مثل قطع اليد بالسرقة والجلد في زنا الزاني غير المحصن والزانية غير المحصنة.
حادي عشر- حرص الرسول(r) على درء الحدود
بالشبهات كما ورد تفصيله في هذا البحث.
ثاني عشر- صعوبة إثبات جريمة
الزنا بأربعة شهداء من رجال عادلين لا يوجد أي اختلاف في إفاداتهم، فالرجم يكاد
مستحيلا، حيث لم يثبت بالشهود خلال أكثر من أربعة عشر قرناً من تأريخ الإسلام،
ويمنع وجود الرجم عقلياً اشتراط حضور أربعة شهداء عدول وثقاة رأوا المرأة والرجل
في حالة الزنا، لأن هذا الشرط لا يكاد يتحقق، بل من المستحيل أن يتحقق على أرض
الواقع. فكأن الإسلام بهذا الشرط أراد التأسيس للستر على الناس، فضيّق سبل الكشف
عن هذه الجريمة حفظاً لأرواح البريئات ممن يُقتلن من قبل أوليائهن بمجرد وجود
شبهة، ومن يرتكب جريمة قتل البريئات تحت عذر غسل العار يجب أن يعاقب بأشد العقوبات
حفاظاً على أرواحهنّ.
ثالث عشر- ثبت بالقرآن الكريم
وبالأدلة العقلية، أن الزانية والزاني عقوبتهما الجلد مع إضافة بعض العقوبات
الأخرى التي سبق ذكرها. ولا يجوز ترك كتاب الله الثابت بطريق القطع واليقين لأخبار
الآحاد التي يجوز فيها الكذب، ثم القول بالرجم يُفضي إلى القول بنسخ الكتاب بالسنة
النبوية، وهو باطل، وكل ما يؤدي إلى الباطل باطل، فالرجم باطل.
ربِّ زدني علماً وألحقني بالصالحين
[1] ليس في القرآن من عقوبة للزنا غير الجلد، وليس في القرآن رجم الزاني،
مع أن مصطلح الرجم ومشتقاته جاءت في القرآن في معرض تهديد المشركين للأنبياء
والمؤمنين كما في سورة (هود/91) وسورة (مريم/46) وسورة (الدخان/20) وسورة (يس/18)
وسورة (الكهف/20) وسورة (الشعراء/116).
[2]
النور:2
[4]
النور:2
[5]
النساء:25
[7]
آل عمران:168
[8]
الأحزاب:30
[9]
الطلاق:1
[10]
النساء:19
[11]
النساء:15
[13]
النساء:16
[15]
الفرقان:68-70
[16]
الأنعام:21
[17] لمزيد من التأكد والفائدة، يُنظر الأستاذ أحمد صبحي منصور، الحوار
المتمدن، العدد (1065) في 1/1/2005. تحت عنوان (أكذوبة الرجم ألغت تشريعات القرآن
في عقوبة الزنا).
[18]
النور:2
[19] وأضيفت إلى هذه الأكذوبة، أكذوبة أخرى كما ورد في نيل الأوطار 7/102،
من أنه كان مما أنزل على رسول الله(r)
آية الرجم (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة)، وكانت
سورة الأحزاب توازي سورة البقرة، وكان فيها آية الرجم (الشيخ والشيخة) فنُسخت
وبقيت منها (73) آية. أليست هذه التهمة قولاً بالتحريف في القرآن كالتوراة
والإنجيل!
[20] فتح الباري شرح صحيح البخاري 12/143
[23] ينظر موطأ الإمام مالك ص824.
[24] يُنظر سنة الأولين، للأستاذ ابن فرناس، ص833
[25] 12/143
[26] الطبقات الكبرى 5/88 و106
[27] أي أذكرك الله، أي لا أسألك إلا القضاء بكتاب الله.
[28] لعل الراوي عرف ذلك قبل الواقعة أو استدل بما صدر عنه في هذه الواقعة.
[29] عسيفا: أجيرا. وفي رواية للنسائي: "كان ابني أجيرا لامرأته".
[30] وليدة: أي جارية.
[31] أي مردود. وقال الحافظ: ولم
يثبت رواية قوله "والغنم ردٌ" وفي رواية ورد "ابني لم يُحصن".
[32] يرى البعض أن هذا يدل على أنه يكفي الإقرار مرة واحدة. وأُنيس أعلم
الرسول(r)
بالاعتراف، فقضى برجمها.
[33] العدة
حاشية العلامة السيد محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني على أحكام الإحكام شرح عمدة
الأحكام للعلامة ابن دقيق العيد، المطبعة السلفية 4/336. كتاب الحدود: بند 343/
الحديث الأول المتعلق بالرجم.
[35] أي كرره أربع مرات.
[36]
صحيح مسلم 3/1318
[38] نيل الأوطار، المرجع السابق.
[39]
عن زيد بن أسلم عن يزيد بن نعيم يعني بن هزال الأسلمي عن أبيه قال جاء ماعز إلى
النبي (r)
فقال يا رسول الله إني زنيت فأقم فيّ كتاب الله فأعرض عنه، ثم قال إني زنيت فأقم
فيّ كتاب الله فأعرض عنه، حتى ذكر أربع مرات، فقال اذهبوا به فارجموه، فلما مسته
الحجارة جزع فاشتد، فخرج عبد الله بن أُنيس من باديته فرماه بوظيف حمار فصرعه
ورماه الناس حتى قتلوه، فذُكر للنبي (r)
فراره، فقال هلا تركتموه فلعله يتوب فيتوب الله عليه، يا هزال لو سترته بثوبك كان
خيرا لك مما صنعت...
عن يزيد بن نعيم بن هزَّال، عن أبيه قال: كان
ماعز بن مالك يتيماً في حجر أبي، فأصاب جاريةً من الحيّ، فقال له أبي: ائت رسول
اللّه (r)
فأخبره بما صنعت، لعله يستغفر لك، وإنما يريد بذلك رجاء أن يجد له مخرجاً، فأتاه
فقال: يا رسول اللّه، إني زنيت فأقم عليَّ كتاب اللّه فأعرض عنه، فعاد فقال: يا رسول
اللّه، إني زنيت فأقم عليَّ كتاب اللّه، فأعرض عنه، فعاد فقال: يا رسول اللّه، إني
زنيت فأقم عليَّ كتاب اللّه، حتى قالها أربع مرات، فقال النبي (r): "إنك
قد قلتها أربع مرات فبمن؟" قال: بفلانة، فقال: "هل ضاجعتها؟" قال:
نعم، قال: "هل باشرتها؟" قال: نعم، قال: "هل جامعتها؟" قال:
نعم، قال: فأمر به أن يُرجم، فأُخرج به إلى الحرّة فلما رجم فوجد مسَّ الحجارة: [جزع]
فخرج يشتد، فلقيه عبد اللّه بن أنيس وقد عجز أصحابه فنزع له بوظيف بعير فرماه به
فقتله، ثم أتي النبيّ (r) فذكر ذلك له فقال: "هلاَّ تركتموه لعله أن
يتوب فيتوب اللّه عليه". (أبو داود، أول
كتاب الحدود، باب رجم ماعز بن مالك)
[40] تنوير الحوالك شرح موطأ الإمام مالك
3/39.
[41] أخرجه ابن ماجه في كتاب الحدود، باب من أظهر الفاحشة. 2/855. رقم
الحديث (2559). وقوله(r)
أدرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام
أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة. أخرجه الترمذي في كتاب الحدود، باب
ما جاء في درء الحد، 4/25، رقم الحديث (1424).
[42] كلمة ترحم وتوجع تُقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها.
[43] أي شم رائحة فمه.
[44] صحيح مسلم 3/1319. وفيه روايات
متعددة.
[45]
المائدة:38.
[46]
النور:2.
[47] والمراد لعلك وقع منك هذه المقدمات فتجوزت بإطلاق لفظ الزنا عليها.
[48] بفتح أوله وسكون الكاف من الكناية، أي أنه ذكر هذا اللفظ صريحا ولم يكن
عنه بلفظ آخر كالجماع.
[49] نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار للشيخ الإمام
المجتهد قاضي القضاة القطر اليماني محمد بن علي بن محمد الشوكاني، الجزء السابع
ص111.
[50] أي الميل.
[51] الرشاء بكسر الراء الحبل.
[52] نيل الأوطار، المرجع السابق.. حديث أبي هريرة أخرجه أيضا النسائي، وفي
إسناده ابن الهضهاض، ذكره البخاري في تأريخه وحُكي الخلاف فيه، وذكر له هذا الحديث
وقال حديثه في أهل الحجاز ليس يُعرف إلا بهذا الواحد.
[53] بطن من جهينة
[54] صحيح مسلم 3/1323
[55] نيل الأوطار المرجع السابق.
[56]
في رواية عبد الرزاق: ... كانت القاسمة في الجاهلية في الدم وفي الرجل
يولد على فراشة فيدعيه رجل آخر فيقسمون عليه خمسين يميناً كقسامة الدم فيذهبون به،
فلما أن حج رسول الله (r)،
قال له العباس بن عبد المطلب: إن فلانا ابني ونحن مقسمون عليه، فقال النبي (r): لا، الولد
للفراش وللعاهر الحجر... وهناك روايات أخرى قريبة من هذا. والله أعلم.
[57]
النحل : 44
[60] عن سعد بن وقاص(t)
قال: قلت يا رسول الله أنا ذو مال. وفي رواية أنا كثير مالٍ ولا يرثني إلاّ ابنة
لي واحدة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا. قلت: أفأتصدق بشطره (نصفه)؟ قال: لا. قلت:
أفأتصدق بثلثه؟ قال: الثلث والثلث كثير. إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم
عالةً يتكففون الناس.. متفق عليه. أخرجه البخاري، كتاب الوصايا، باب الوصية
بالثلث، فتخ الباري 5/2464. والنسائي، باب الوصية بالثلث 6/241.
[61] رواه مسلم /674
[67] متفق عليه. صحيح مسلم، المرجع السابق .
[69]
النساء:15
[70]
النور:4
[71]
النور : 13
[72] صحيح البخاري بشرح فتح الباري للعسقلاني 12/174. سنن النسائي في كتاب الطلاق، الجزء
السادس، رقم الحديث 3469. ابن ماجه، كتاب الحدود باب الرجل يجد مع امرأته رجلاً،
رقم الحديث2606.
[73] وليس من حكم الإسلام في شيء وإنما هو من باب تنفيذ الحكم عليهم بما في
كتابهم. قال في التوراة الرجم.
[74]
النور:2
[77] لمزيد من
التفصيل، يُنظر (سنن أبي داود مع حاشية عون المعبود) الجزء الرابع، ص242. باب في
رجم اليهوديين.
[80] أي المدارس التي تحولت إلى المذاهب من قبل تلاميذها بتعاون أهل التقليد
والحكام.
[82] أشار إلى
أنه لا بأس لكل من رمى أن يتعمد مقتله، لأنه واجب القتل، إلا أن يكون ذا رحم منه.
(حاشية ابن عابدين)
[86] للشيخ أبي طالب محمد بن حسن بن يوسف المطهر الحلي 4/382 وما يليها.
[88]
النور:2
[89] المغني لابن قدامة، أبي محمد عبدالله بن احمد بن محمد بن قدامة
المقدسي، المتوفى 620هـ. على مختصر أبي القاسم عمر بن حسين بن عبدالله بن
أحمد الخرقي. 8/57 وما يليها.
[93]
البقرة:229
[94] أي إذا أراد المجتهد أن يحكم.
[95] أي أجر على بذل جهوده وأجر على إصابته لحكم الله.
[96] أي على بذل الجهود.
[97] فقال تبارك وتعالى: [فأمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة، وانتهوا
خيرا لكم، إنما إلهكم إله واحد، سبحانه أن يكون له ولد]سورة النساء(171).
فإن الشافعي ذكر هذه الآية محتجاً بها على أن
الله قرن الإيمان برسوله محمد(r)
مع الإيمان به، وقد جاء ذلك في آيات كثيرة من القرآن، منها قوله تعالى في الآية
(136) من سورة النساء والآية (158) من سورة الأعراف.
لكن الآية التي ذكرها الشافعي هنا ليست في موضع
الدلالة على ما يريد، لأن الأمر فيها بالإيمان بالله وبرسله كافة. ووجه الخطأ من
الشافعي أنه ذكر الآية بلفظ (فآمنوا بالله ورَسوله) بإفراد لفظ الرسول، وهكذا
كُتبت في أصل الربيع، وطبعت. في الطبعات الثلاث من الرسالة، وهو خلاف التلاوة...
ومن عجب أن يبقى هذا الخطأ في الرسالة، وقد مضى
على تأليفها أكثر من ألف ومائة وخمسين سنة، وكانت في أيدي العلماء هذه القرون
الطوال، وليس هو من خطأ في الكتابة من الناسخين، بل هو خطأ علمي، انتقل فيه ذهن
المؤلف الإمام، من آية إلى آية أخرى حين التأليف، ثم لا ينبه عليه أحد، أو لا
يلتفت إليه أحد، وقد مكث أصل الربيع من الرسالة بين يدي عشرات من العلماء الكبار،
والأئمة الحفاظ، نحوا من أربعة قرون، إلى ما بعد سنة 650، يتداولونه بينهم قراءة
وإقراءاً ونسخاً ومقابلةً، كما هو ثابت في السماعات الكثيرة المسجلة مع الأصل،
وفيها سماعات لعلماء أعلام ورجال من الرجالات الأفذاذ، وكلهم دخل عليه هذا الخطأ
وفاته أن يتدبر موضعه فيصححه، ومرد ذلك كله-فيما نرى والله أعلم-إلى الثقة ثم إلى
التقليد، فما كان ليخطر ببال واحد منهم أن الشافعي، وهو إمام الأئمة، وحجة هذه
الأمة، يُخطئ في تلاوة آية من القرآن، ثم يُخطي في وجه الاستدلال بها، والموضوع
أصله من بديهيات الإسلام، وحجج القرآن فيه متوافرة، وآياته متلوة محفوظة. ولذلك لم
يكلف واحد منهم نفسه عناء المراجعة، ولم يفكر في صدر الآية التي أتي بها الشافعي
له وثقة به، حتى يرى إن كان موضعها موضع الكلام في شأن نبينا(r) أو في شأن
غيره من الرسل عليهم السلام.
ونقول
هنا ما قال الشافعي فيما مضى من الرسالة (رقم136): ((وبالتقليد أغفل من أغفل منهم،
والله يغفر لنا ولهم))...
الرسالة
بتحقيق احمد محمد شاكر، الطبعة الأولى 1358هـ-1940م. ص73-74.
[98]
الإسراء:70
[112] القصة رواها
الإمام البخاري (3849) عن عمرو بن ميمون قال (رأيت في الجاهلية قِردةٌ اجتمع عليها
قِردةٌ، قد زنت، فرجموها، فرجمتها معهم).
وقال الشيخ
الألباني: "هذا أثر منكر، إذ كيف يمكن لإنسان أن يعلم أن القردة تتزوج، وأن
من خُلقهم المحافظة على العِرض، فمن خان قتلوه؟ ثم هبّ أن ذلك أمرٌ واقع بينها،
فمن أين علم عمرو بن ميمون أن رجم القردة إنما كان لأنها زنت".
مختصر صحيح البخاري للألباني (2/535) ط.مكتبة المعارف
[130] الإنجيل كما دونه يوحنا، 2 – 11
[131] بحث في جرائم الشرف (نظرة إسلامية) إعداد د.منجية السوائحي، أٍستاذة
الدراسات القرآنية في جامعة الزيتونة
http://www.metransparent.com/texts/mongia_saouhi_sharaf.htm
[133]
النور:2
[135]
النور:2
[138]
النور:33
[142]
النور:3
[144]
النور:6-9
[146] ينظر (نيل
الأوطار) للشوكاني 7/103- 106. حيث جاء
فيه: "كان الرسول إذ ذاك مأمورا بإتباع حكم التوراة، ثم نُسخ ذلك، وكونه(r) فعل ذلك
عند مقدمه المدينة لا ينافي ثبوت الشرعية، فإن هذا حكم شرعه الله لأهل الكتاب
وقرره رسول الله(r) ولا طريق
لنا إلى ثبوت الأحكام التي توافق حكم الإسلام إلا بمثل هذه الطريقة.
[149] الإمام الكبير، والمحدث
الشهير من أطبقت الأمة على تقدمه في التفسير، ابن جرير أبو جعفر الطبري المتوفي
سنة (310 هــ) رحمه الله، طبعة دار المعرفة بيروت لبنان ج2 ص276 وما يلها.
قال الطبري في تفسيره (جامع
البيان في تفسير القرآن) وهو أهم التفاسير المعتمدة في العالم الإسلامي على
الإطلاق: "القول في تأويل قوله: [الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ
أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ] اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك فقال بعضهم: هو دلالة
على عدد الطلاق الذي يكون للرجل فيه الرجعة على زوجته والعدد الذي تبين به زوجته منه،
ذكر من قاله إن هذه الآية أنزلت لأن أهل الجاهلية وأهل الإسلام قبل نزولها لم يكن لطلاقهم
نهاية تبين بالانتهاء إليها امرأته منه ما راجعها في عدتها منه، فجعل الله تعالى ذكره
لذلك حدا حرم بانتهاء الطلاق إليه على الرجل امرأته المطلقة إلا بعد زواج وجعلها حينئذ
أملك بنفسها منه، ذكر الأخبار الواردة بما قلنا في ذلك:
حدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير
عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان الرجل يطلق ما شاء ثم إن راجع امرأته قبل أن تنقضي
عدتها كانت امرأته، فغضب رجل من الأنصار على امرأته فقال لها: لا أقربك ولا تحلين مني،
قالت له: كيف؟ قال: أطلقك حتى إذا دنا أجلك راجعتك ثم أطلقك فإذا دنا أجلك راجعتك.
قال: فشكت ذلك إلى النبـي s فأنزل الله تعالى
ذكره: [الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ].
ثم ألغت آية: [الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ
بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ] ذلك العرف الجاهلي الذي عمل به المسلمون
قبل الإلغاء عدة سنوات، وكان الرسول(r) يعرف ذلك
ويسكت عنه، فكان سكوته سنة تقريرية لإقرار ذلك العرف، حتى نُسخت تلك السنة
التقريرية بقوله تعالى: [الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ
تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ]."
لمزيد من التفصيل يراجع مؤلفنا (الطلاق مرتان في تفاسير
القرآن).
للمزيد اقرأ ... هذا الكتاب بعنوان لارجم في القرآن للمؤلف
للمزيد اقرأ ... هذا الكتاب بعنوان لارجم في القرآن للمؤلف
الدكتور مصطفى إبراهيم الزلمي
حصل على شهادة العالمية في العلوم الإسلامية من المجلس العلمي التابع لمديرية الأوقاف العامة 1946. حصل على البكالوريوس في
القانون من جامعة بغداد عام 1965, ماجستير في الشريعة من جامعة بغداد في عام 1968, ماجستير في الفقه المقارن من جامعة الأزهر
في عام 1971 , ماجستير في القانون من جامعة القاهرة في عام 1973. دكتوراه في الفقه المقارن من جامعة الأزهر في عام 1975
و على دكتوراه في القانون من جامعة بغداد في تشرين الثاني 2004.
له أكثر من خمسين مؤلف في الشريعة والقانون
https://www.goodreads.com/book/show/34334765
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق